صفحات سوريةفايز ساره

مشكلة تركيا في سوريا


فايز سارة

تحتل تركيا الحيّز الاكبر من فضاء الجوار السوري، اذ هي صاحبة أطول حدود بين البلدين، وهي التي تضم أعدادا كبيرة من عناصر سكانية لها امتداد في سوريا، ومنها تنبع أكبر مصادر المياه السورية الجارية، وهي أكثر بلدان الجوار التي لها علاقات اقتصادية وسياسية مميزة على مدار العقد الماضي. هذه ليست سوى مؤشرات في الواقع، ثمة صلات اخرى، لعل الابرز فيها طموحات تركية من أجل ان تكون سوريا بوابة علاقات تركيا في الشرق الاوسط.

ان أهمية سوريا بالنسبة لتركيا، كانت بين العوامل الدافعة لتحسن العلاقات التركية ـ السـورية، الامر الذي انعكس تعاوناً سياسياً وأمنياً في القضايا الثنائية والاقليمية، ومنها الموضوع الكردي بشقيه الثنائي والاقليمي، وفي الصراع العربي الاسرائيلي وتفرعاته الفلسطينية والسورية، وكذلك في تطوير العلاقات الثنائية، التي لم تشمل فقط المبادلات التجارية الطامحة بالوصول الى خمـسة مليــارات دولار سنوياً، بل ايضاً الى تبادل الاستثمارات، وتعاون في مجالات علمية وتقنية متعددة الجوانب، وهو ما أحدث انقلاباً في الطابع العام للعلاقات التركية ـ السورية المملوء بالشك والريبة والعلاقات المحدودة، ونقله الى مستوى أفضل من التعاون الواسع المتعدد المجالات.

غير ان المسار الايجابي لعلاقات تركيا مع جارها السوري تعرض لانكسار شديد في ضوء انطلاق حركة الاحتجاج والتظاهر التي بدأت في آذار (مارس) العام 2011، حيث طلب القادة الاتراك بعدها الى أقرانهم السوريين معالجة الوضع بالطرق السياسية بدل سياسة العنف والمعالجة الامنية ـ العسكرية للاوضاع الجديدة، وهو ما رفضه السوريون باعتباره تدخلاً غير مقبول في شؤونهم الداخلية، ومنه فتح المجال لنمو الخلاف وتصعيده من الجانبين، وخاصة من جانب الاتراك الذين اعتبروا ان ما تشهده سوريا أمر يهمهم، وانه سيكون له تأثيرات على أوضاعهم الراهنة والمستقبلية، وكلها اعتبارات مفهومة، وتستحق التوقف عندها.

وبالاستناد الى التقدير التركي بخطورة الوضع السوري على تركيا، فقد ذهب الاتراك الى تصعيد موقفهم وصولاً الى تبني سياسة تساعد في إسقاط النظام في سوريا، وصاغوا منظومة عملية وإجرائية تنسجم مع هذا التوجه، جاء في سياقها تقديم مساعدة للمعارضة، وخصوصا المنتمين الى الجماعات الاسلامية وأبرزهم الاخوان المسلمون، ودعم تشكيل المجلس الوطني السوري الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له، وفتح الابواب لاستقبال اللاجئين السوريين، بمن فيهم عسكريون انشقوا عن المؤسسة الامنية العسكرية السورية، وانخرطوا في الجيش السوري الحر الذي تقيم قيادته في تركيا. وتتهم السلطات السورية الاتراك بأنهم لا يوفرون الملاذ والممر الآمن للمعارضين السوريين المسلحين فقط، بل يساعدون في تدريبهم وتقديم الاسلحة والذخائر لهم، وهي أمور ساهمت في توترات عسكرية على حدود البلدين وصولاً الى عملية إسقاط الطائرة العسكرية التركية من جانب السوريين مؤخراً، وهو تطور جعل المواجهة السورية ـ التركية محتملة وممكنة نتيجة توافر عوامل سياسية وعسكرية دافعة.

لكن توافر العوامل السابقة، لا يكفي لقيام تركيا بدخول حرب مع سوريا، وأهم الاسباب في ذلك يكمن في علاقات وروابط أنقرة الدولية، التي يمكن أن تقدم تغطية ومؤازرة سياسية وعسكرية لتركيا نتيجة عضويتها في حلف شمال الاطلسي، اذ هي ملتزمة بالتشاور معه، وأقرب للالتزام بالقرارات التي يتخذها، ومن الواضح انه لا تتوافر إرادة لدى الحلف لدعم تركيا ومساندتها في حرب على سوريا، ولا لدخول الحلف في حرب على الاخيرة، وهو ما أكدته ردات فعل قيادة «الناتو» والدول الاعضاء فيه في أعقاب إسقاط القوات السورية الطائرة التركية.

ورغم ان من المستبعد دخول تركيا حرباً مع سوريا خارج دعم دولي وإقليمي من الحلف الاطلسي، أو بالاستناد الى قرار من مجلس الامن الدولي تحت البند السابع، فإنه لا يمكن الركون الى ذلك مطلقاً، بسبب حساسية الأوضاع على جانبي الحدود وتداخلها واحتمالاتها تطورها من جهة، ونتيجة إحساس العسكريين وعموم الاتراك بالإهانة التي لحقت بهم جراء ما قامت به السلطات السورية من انتهاكات عبر الحدود، والتي كان آخرها إسقاط الطائرة، وللسببين معاً، فإنه لا يمكن استبعاد حصول مواجهات عسكرية تركية – سورية في أي وقت، يمكن ان تكون بداية لحرب بين الجانبين خلافاً لمعظم التوقعات التي ظهرت في الآونة الاخيرة.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى