صفحات الناس

مصر والثورة السورية: سلبيّة خرقتها آخر شهور حكم مرسي/ عدنان علي

 

إسطنبول

منذ انطلاقة الثورة السورية في منتصف مارس/آذار 2011 ، لم تستطع السياسة الخارجية المصرية، بإداراتها المتعاقبة، بلورة سياسة واضحة وقوية حيال ما يحدث في سورية، وظلت السلبية سمة الموقف المصري الرسمي، وبالنسبة إلى فئة شعبية مصرية غير قليلة، باستثناء فترة قصيرة في أواخر عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، الذي حاول اتخاذ موقف أكثر وضوحا وحسماً عبر قراره قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وإعلان نيته زيادة احتضان المعارضة السورية. وقد عاش السوريون في مصر أفضل أيامهم في تلك الفترة، ونالوا رعاية رسمية وشعبية على نطاق واسع.

بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، حدث ما يشبه الانقلاب المماثل على صعيد التعامل مع الموضوع السوري، ومع السوريين في مصر على وجه التحديد، الذين جرى تصنيفهم اعتباطاً بأنهم في صف “الإخوان المسلمين” أو مؤيدين لهم. وحدث، في تلك الفترة، الكثير من الاعتداءات على المواطنين السوريين المقيمين في مصر، في ظل تجييش من الإعلام المصري، واتبع ذلك بإجراءات رسمية للحد من قدوم السوريين والفلسطينيين السوريين الى مصر، بل والتضييق على المقيمين منهم، للمغادرة.

تواصلت هذه السياسة في ما يخص التعامل مع السوريين في مصر، بوتائر متفاوتة، طيلة عهد حكم ما بعد الانقلاب، حتى إجراء الانتخابات التي فاز فيها عبد الفتاح السيسي بالرئاسة. ولم تبرز أيضاً، خلال هذه الفترة، أية مواقف سياسية مصرية لافتة بشأن الثورة السورية والنظام السوري، لا بل ان تلك الفترة شهدت زيارات لوفود أمنية إلى دمشق، ممثِّلةً السيسي.

والتصريحات النادرة الصادرة عن السيسي، وأركان حكمه، قبل وصوله إلى سدة الرئاسة، ظلت تدور في العموميات، وفي إحداها (تصريحات لفضائية “الحدث”) يقول السيسي فيها إن الاستقرار ووحدة الأراضي السورية يمثل هدفاً استراتيجياً لكافة دول المنطقة، محذراً من أن تقسيم سورية إلى دويلات “يمثل خطراً شديداً على الأمن القومي العربي، لأننا في حالة انكشاف كبيرة بدءاً من العراق وصولاً إلى سورية، والحل يجب أن يكون سياسياً سلمياً، بهدف عدم تقسيم سورية”.

لكن الإسلاميين، ومن يسميهم السيسي “العناصر التكفيرية”، يظلون هاجساً بالنسبة إلى الرجل، الذي لا يكل من الدعوة إلى “تصفية الموقف الإرهابي المتطرف القائم على الأرض، وإلا ستكون سورية دافعة للإرهاب والقتل للأردن ولمصر ولكل دول الجوار”.

لا تحتل معاناة الشعب السوري، جراء جرائم النظام، اهتماماً كبيراً لدى الإعلام المصري

لكن أجواء الموقف المصري إزاء سورية يمكن التعرف عليها، إلى حد ما، من خلال الإعلام المصري وما يطرح فيه من آراء ونقاشات. ويمكن هنا ملاحظة النظرة السلبية إزاء الثورة السورية، تارة بحجة التوجس من الإسلاميين، وتارة أخرى تحت ذريعة وقوع سورية في مرمى مؤامرة دولية تستهدفها كدولة وجيش. وبرز هذا الموقف، بشكل خاص، بعد تهديد الإدارة الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري إثر استخدامه السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في آغسطس/آب من العام الماضي. وفي المقابل، لا تحتل معاناة الشعب السوري، جراء جرائم النظام، وتطلعات هذا الشعب إلى الحرية والكرامة، اهتماماً كبيراً لدى هذا الإعلام الذي يردد، في الكثير من الأحيان، دعاية النظام بأن ما يحدث هو “صراع مع جماعات متطرفة مرتبطة بالخارج وممولة من قطر وتركيا”، مع غض النظر عن السعودية التي تدعم نظام السيسي، بل يذهب البعض الى وضع النظامين المصري والسوري في خانة “ضحايا مؤامرة أميركية تركية قطرية تستهدف زعزعة استقرار البلدين وتحطيم جيشيهما، مستخدمة أدوات إسلامية متطرفة ومسلحة”، مع التهويل بأن جماعة “الإخوان المسلمين” سوف تستلم الحكم في سورية إذا سقط نظام بشار الأسد.

في المرحلة المقبلة، من غير المتوقع ان يشهد الموقف المصري تحولاً مهماً بشأن سورية، وإن كان من الوارد أن يحاول نظام السيسي تنشيط السياسة الخارجية المصرية، في محاولة استعادة بعض الحضور على الساحة الدولية، بغية القفز عن الحالة الداخلية في مصر، التي استهلكت حتى الآن جهد هذا النظام، ولطخت سمعته الخارجية. ومن غير المستبعد ان يتصدر الملفان السوري والعراقي، المشتعلان، ساحات التمرين السياسي للدبلوماسية المصرية، وربما الرئاسة والاستخبارات، لكن من دون فاعلية كبيرة، لأن الجهد الاساسي سيبقى مرتهناً للساحة الداخلية من جهة، ونظراً لافتقار الدبلوماسية المصرية إلى أية أوراق ضغط يمكن أن تستخدمها في الساحة الاقليمية من جهة أخرى، بسبب غيابها المديد عن هذه الساحة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وفي هذه الفترة من الغياب، تشكلت محاور ومصالح اقليمية في غفلة عن الدور المصري، الذي قد لا يشكل في أحسن الاحوال، سوى اضافة رمزية إلى الموقف السعودي من باب “رد الجميل” لمواقف المملكة الداعمة لنظام السيسي. وإذا قُيض للموقف المصري التطور في مراحل لاحقة، فقد يكون من البوابة الايرانية، عبر اعادة إحياء ما يشبه “المبادرة الرباعية”، التي طرحها مرسي، والتنسيق بين الدول الاربع (مصر والسعودية وايران وتركيا) لتخفيف التوترات وضبط المخاطر الناجمة عن انفلات الاوضاع في سورية والعراق، بما يضمن مصالح هذه الدول المتضاربة عموماً، ولكن التي قد تتفق على بعض النقاط، مثل رفض تقسيم سورية والعراق، ومحاربة امكانية تمدد التطرف المسلح الى خارج حدود هذين البلدين.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى