صفحات سورية

مصر وسوريا مقارنات مُقتضَبة/ ثائر ديب

 

 

1ـ تبدو وحدة مصر راسخةً قياساً بسوريا. ولطالما كانت مصر «أمّة» تاريخية موحّدة، إذا جاز التعبير، في حين تخترق النسيج الوطني السوري انقسامات عمودية كانت قد أُطْلِقَت في صورتها الحديثة بتفاعل الحكم العثماني والتدخّل الأوروبي وحراك النخب المحلية، ثم تَرَكَ لها الاستقلالُ وأنظمتُه المتوالية البابَ موارباً، لتشتدّ باشتداد الاستبداد والفساد والصراع، بما يؤمّن الولاء والحماية. ما يعني أنَّ هذه الانقسامات ليست جوهرية ولا خطيرة إلا بالسياسة، فما من مجتمع إلا وهو منقسم إلى أديان ومذاهب وأقوام من دون أن تتفجر هذه الانقسامات في صراعات بالضرورة. وثمّة فكاهة تفسّر تأخير الوحدة في شعار الناصرية، «حرية اشتراكية وحدة»، وتقديمها في شعار «البعث»، «وحدة حرية اشتراكية»، تفسيراً قُطرياً لا قومياً، بحسب درجة احتياج كلّ قطر من القطرين إليها.

2ـ ذهب الاستبداد في سوريا بكلّ مظاهر المجتمع المدني، بخلاف الحال في مجتمع عريق كالمجتمع المصري، كان منذ العام 2004 على الأقل قد بدأ مقاومته المدنية المفضية إلى «ثورة يناير» 2011 (حركة «كفاية» وسواها).

3ـ تضافرت المسألة الوطنية (التي تميزت بخصوصية معينة في سوريا لا مجال للتوسّع فيها الآن) مع النظام الاستبدادي بخصائصه المعروفة ومع حوادث ثمانينيات القرن العشرين، لتزيل قدراً كبيراً من استقلال الجيش عن قمّة السلطة، فضلاً عن إقامة فرق خاصة بارتباط قيادي خاص، بخلاف ما بدا عليه الحال في مصر، حيث أبدى الجيش قدراً من الاستقلال عن ذروة السلطة كان كافياً لإطاحتها مرتين قبل إعادة إنتاج النظام.

4ـ تفسّر الفروق السابقة شيئاً كثيراً من السرعة والسلمية اللتين نجحت فيهما «ثورة يناير» المصرية بإطاحة قمة النظام، بخلاف الحال في سوريا. وكان معارضون سوريون من الاتجاه الوطني الديموقراطي واليساري قد توقعوا منذ أوائل انتفاض السوريين في 2011 ألّا يشتمل تفكيك النظام، إذا ما حصل، على «لحظات سقوط درامية كما جرى في مصر وتونس، حيث بادر النظام بدفعٍ من الانتفاضة إلى التخلص من رأسه وقمّته»، وأن يكون، إذا ما حافظ على مقاومته المدنية السلمية الصبورة وأجندته الوطنية الديموقراطية، عبارة عن «سيرورة متصاعدة ومعقّدة، إذ لا تكاد تنفصل قمّة النظام وحلقته العليا الرئيسة عن النظام ذاته، وحيث يبدي النظام تلاحماً شديداً في مكوّناته، ويحظى بتأييد قواعد اجتماعية واقتصادية شتّى، في بلدٍ يتميّز بفسيفسائه القومية والمذهبية الخاصة المعقّدة».

5ـ إذا أضفنا إلى الفروق السابقة عقود الصمت السورية الطويلة – وهي أيضاً عقود القمع الشديد لكل القوى السياسية يميناً ويساراً – وهشاشة تجمعات الشباب السوريين وتنسيقياتهم التي قامت بعد آذار 2011 وضآلة حجمها وقلّة عددها قياساً بنظيرتها المصرية في «ثورة يناير»، وما يعنيه كلّ ذلك من اختلال فادح في ميزان القوى بين النظام والخارجين عليه، فإنّنا نتحصّل على ضوء يكفي لتبيان مدى الغرارة والعَبَط في سياسات أقسام أساسية من المعارضة السورية، بدءاً من «رفض كلّ تفاوض إلا على تسليم السلطة» في الأشهر الأولى، وصولاً إلى تبرير العنف والتسلح والخطاب الطائفي واستجداء تدخّل حلفاء هم الأشدّ عداءً للثورات الحقّة إلخ. وكلُّ هذا، لو دققنا فيه، هو أفعال نخب وجهات ودول حليفة، لا أفعال الشعب السوري العادي في المقام الأول كما يزعم شعبويو المعارضة. أمّا من حيث تحقيق ذلك كلّه أيّ نجاح يُذكَر، فالأمر كارثة كبرى ليس غير.

السفير

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى