مصير نظام الأسد
سمير الحجاوي
يراكم النظام السوري الكثير من الأخطاء التي لا يمكن إصلاحها، فعلى الرغم من سيطرة “الحل الأمني” لا تزال الثورة في سوريا مستمرة.
السوريون أرسلوا رسائل واضحة للعالم ألا وهي أن الثورة مستمرة رغم محاولات التعتيم و دفن الرؤوس في الرمال، و إشاحة الوجه عما يجري هناك.
أطراف كثيرة تحاول إخماد ثورة الشعب السوري، ولكل طرف حساباته الخاصة، فالأنظمة العربية لا تريد أن ترى مزيدا من رؤوس الحكام تتساقط، ولا ترغب أن يتحول سقوط الزعامات إلى تقليد أو فولكلور يتنقل من بلد إلى بلد، أو “عدوى” ثورية تطيح بالأنظمة وتقلب الموازين على الأرض، و إسرائيل تفضل نظام الأسد عمن سواه، لأنه وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية فان:” حالة من القلق تنتاب الأوساط الإسرائيلية من احتمال سقوط نظام بشار الأسد، وأن الكثيرين في تل أبيب يصلون من قلوبهم للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري الذي لم يحارب إسرائيل منذ عام 1973 رغم “شعاراته”
المستمرة وعدائه “الظاهر” لها. وفي التقرير المعنون “الأسد ملك إسرائيل” قالت:” بالرغم من تصريحات الأسد الأب والابن المعادية لإسرائيل إلا أن هذه التصريحات لم تكن إلا “شعارات” خالية من المضمون تم استخدامها لهدف واحد فقط كشهادة ضمان وصمام أمان ضد أي مطلب شعبي سوري لتحقيق حرية التعبير والديمقراطية”
الحسابات والتقييمات الإسرائيلية لا تخدعنا ، لأنها تروج عادة لعكس المقصود منها، وتحاول دس السم في الدسم، لكن القاسم المشترك بين النظام السوري واسرائيل، هو أنهما يفهمان قواعد اللعبة جيدا، ويديران معا حالة “اللا حرب واللا سلم”، مع بعض المناوشات هنا وهناك، مثل حرب لبنان عام 2006 وحرب غزة عام2008- 2009 والقصف الإسرائيلي لبعض المواقع السورية، وهي جميعها مناوشات تندرج تحت بند “حروب التحريك” واثبات الوجود بين الطرفين، وتحسين الأوراق التفاوضية لكل واحد منهما.
أما فيما يتعلق بالمصالح الإيرانية، فان النظام السوري وفي إطار سعيه لتقوية وضعه في مواجهة إسرائيل، فتح الباب أمام إيران على مصراعيه للدخول كلاعب قوي في قلب المنطقة، وعلى تماس مباشر مع إسرائيل، من خلال دعم وتسليح حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وهي الورقة التي أثبتت قوتها وفاعليتها في الأعوام الأخيرة، وهزت قوة الردع الإسرائيلية، وألحقت بها هزائم حقيقية على الأرض، استغلها النظام السوري للعودة بقوة إلى الطاولة بعد أن كان يواجه تهديدا كبيرا بعد الغزو الأمريكي للعراق، واستطاع أن يكسب الجولة مع الإسرائيليين، ومن خلفهم
الأمريكيين، وان يكرس نفسه لاعبا إقليميا لا يمكن تجاوزه، وبمقدار ما حققت هذه الإستراتيجية من فوائد للنظام السوري حققت أيضا مكاسب إستراتيجية لإيران في المنطقة دفعت أمريكا وأوربا إلى الاعتراف بها كقوة إقليمية ينبغي اخذ مصالحها بعين الاعتبار.
أما تركيا “العدالة والتنمية” فقد نجحت بتعديل علاقاتها مع النظام السوري باعتماد سياسة “الأبواب المفتوحة”، مما حسن العلاقات بين البلدين وقطع بالتالي كل الدعم عن مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يخوضون حربا ضد انقرة، وبالتالي فان من مصلحة تركيا استقرار النظام السوري لضمان استقرار البوابة الجنوبية لتركيا وإبعاد المشاكل عنها.
وبالطبع هناك مصالح أمريكية أوروبية روسية متقاطعة تعتمد على استقرار النظام السوري وعدم انهياره، وهي مصالح محكومة بالتوازنات الإقليمية والدولية والوضع في العراق على وجه التحديد، وعدم تحول سوريا إلى جسر من “الفوضى” يربط بين العراق المحتل ولبنان الذي يتأرجح على حد السيف، وفلسطين المحتلة، مما يعني إمكانية تكون “هلال النار” الذي يمتد من العراق إلى فلسطين، وهو ما لا يريده احد منهم.
في خضم هذه الاستراتيجيات الدولية والإقليمية، تقف الأنظمة العربية مذهولة وفاقدة للتوازن لا تدري ماذا تفعل، فهي قلقة من إمكانية سقوط النظام، ودخول سوريا في المجهول بسبب عدم معرفة الجهة أو الجهات التي يمكن أن تحل محله.
من المبكر القول أن النظام في سوريا سيسقط، رغم انه يترنح فعلا، لأنه لم يتعلم من أخطاء الأنظمة التي سقطت في تونس ومصر والبلدان التي تنزف مثل ليبيا واليمن، لكن المؤكد هو أن استمرار نظام الأسد بمراكمة الأخطاء واعتماد الحل الأمني وسفك الدماء وعدم الاعتراف بشروط ومتطلبات “الزمن الجديد”، سيسقطه لا محالة.
كاتب فلسطيني