صفحات الرأيمازن كم الماز

مطاردة الساحرات مرة أخرى , عن احتمالات صعود هستيريا جماعية جديدة

    مازن كم الماز

    لا أعتقد أن خطاب الإسلاميين كان بهذه الحدة من قبل , قد يشير هذا إلى تعطش قياداتهم إلى السلطة التي تقترب منهم , لكن لهذا أيضا دلالات أخرى .. لم يكن خطاب الإسلاميين ذكوريا أبويا بهذا الشكل الفاقع و الهجومي كما هو اليوم , و لا كان هوسهم بروايات المؤامرة التي يلصقوها بكل آخر أو كل مختلف عنهم بهذه الحدة , هذه المشاركة بين البارانويا من أي اختلاف مع هوس الهيمنة الذكوري هي الوصفة “السحرية” لظهور هستيريا جماعية لاصطياد الساحرات أو قمع المخالفين في طقس جماعي تطهري , لقد وصل الإسلاميون إلى أقصى درجات الهستيريا في هذين المجالين , ما ينقص لبدء حملة ملاحقة الساحرات ضد كل ما هو مختلف , و أيضا ضد النساء كجنس مقهور , هو أن تنضم إليهم أقلية كبيرة من المجتمع وسط صمت الغالبية الباقية لكي تصبح الهستيريا التي تسيطر عليهم اليوم جماعية .. في فترة ملاحقة الساحرات في أوروبا و أمريكا وجد هذين العاملين معا , كانت فكرة علاقة المرأة بالشيطان , و بأفعاله التخريبية أو بالكوارث الطبيعية و الأوبئة الخ , كانت مركزية جدا يومها .. تلعب فكرة الغواية الجنسية دورا رئيسيا في شيطنة النساء كجنس .. يجب أن نلاحظ أن قتلى عنف طالبان و من على شاكلتها من الإسلاميين لا يقتصر على عملاء الأنظمة أو الغرب , على السياسيين منهم أو المثقفين , هناك العديد من النساء الباكستانيات و الأفغانيات خاصة من الباشتون , من المغنيات و الراقصات طبعا , لكن هناك أيضا طالبات أو تلميذات تعرضن للقتل أو التنكيل لسبب بسيط هو إصرارهن على مواصلة الدراسة فقط .. في هستيريا ملاحقة الساحرات في أوربا و أمريكا , عملت الكنيسة التي كانت تسعى لتكريس سيطرتها على العالم الغربي يومها , للسيطرة على العقول , على إشاعة الإيمان بالخرافة , بالسحر , و المعجزات , و فسرت كل ذلك في المجتمع الذكوري الأبوي القروسطي ضد النساء خاصة , استخدمتهم ككبش فداء .. و كالعادة مع كل العبيد المضطهدين و المقهورين , تلعب النساء هنا أيضا دورا مهما في هذه الهستيريا الذكورية الطهرية , عندما تتقبل النسوة “المؤمنات” وضعيتهن كعبيد , كجنس مضطهد , باستمتاع و رغبة , و ترددن نفس ترهات و اتهامات الذكور ضد النسوة اللواتي تتجرأن على التصرف و التفكير خارج السائد الذكوري , تماما كما يتصرف أي عبد يخضع “طوعا” لسيده الذي يضطهده عندما يستنكر و يحارب هو نفسه ثورة أمثاله من العبيد .. تقبل هؤلاء النسوة “المؤمنات” الفكرة الذكورية السائدة “الأخلاقية” التي تدين و تجرم غرائزهن الجسدية و التي تعتبرهن مجرد أداة للذة الجنس السائد المسيطر , تقبل أن تكون مجرد وعاء لمني الذكر و لإنجاب الأولاد مع تحريم اللذة أو تجريمها , و تدين قبل غيرها من الذكور أية واحدة من بنات جنسها تخرج على هذه القاعدة الذكورية “الأخلاقية” .. إنها أول من تقبل فكرة الحجاب , العزل بين الجنسين , البقاء في المنزل , فكرة أنها هي ملكية خاصة بذكر ما , أب أخ ابن أو زوج , “طوعا” “برغبة و إيمان” , و أن تهاجم هي ذاتها بقسوة أكبر من الآخرين “السافرات” الكاسيات العاريات من بنات جنسها انطلاقا من المنطلق الذكوري الأبوي : أنا أخفي عضوي التناسلي , أنا أخفي جسدي , إذن أنا “إنسان” … طالما انقسمت النساء في المجتمع العربي , من القرون الوسطى المتأخرة و حتى وقت قريب جدا , إلى فئتين : فئة النساء “المحترمات” أخلاقيا , الملتزمات في الظاهر بكل قواعد السلوك الذكورية و التي يختار الرجال من بينهن عادة زوجات و أمهات المستقبل , و فئة النسوة اللواتي يعشن على هامش مؤسسة الأسرة الذكورية , العاهرات اللواتي يوفرن أسباب المتعة للذكور خارج الجنس الروتيني في غرف النوم الزوجية , كانت المرأة التي تحاول الوجود خارج هذه الثنائية تسحق و تعاقب بكل قسوة , تلغى .. درس كثيرون دور الكبت الجنسي في صعود القوى السلطوية منهم فيلهلم رايتش في دراسته عن صعود النازية الهتلرية .. توصل هؤلاء إلى أن الكبت الجنسي هو المسؤول الأول عن السلوك المطيع للشخصية المازوخية لعبيد الطبقة الحاكمة الجديدة : البروليتاريا و البروليتاريا الرثة , و كل ما يورثه هذا الكبت للإنسان , من قلق و تردد و خجل , الاعتياد على عبوديته و التكيف معها و الخوف من حريته بل كرهه لحريته و حرية الآخرين و شكه الرهابي في أي تصرف أو فعل أو فكر حر , هو أهم أسلحة المجتمع الذكوري السلطوي ضد محاولات تغييره .. من جهة أخرى , يعترض الكثير من المثقفين أو السياسيين المعارضين للإسلاميين على محاولة مواجهة هذه الهستيريا , يصرون على الانحناء أمام العاصفة , يتهمون مثلا أشخاص أو حالات كعلياء المهدي بالتسبب في رفع درجة هذه الهستيريا و تسعير شهوة السلطة و سحق الآخر عند الخصم الإسلامي .. انطلاقا من توجه هؤلاء المهادنين “لتأجيل” الشعارات الأكثر جذرية في مواجهة واقع غير مواتي , تراهم يدينون هم أيضا كل محاولة للتعبير الحر عن الإنسان خارج السائد , الذكوري , الأبوي , يرفضون مواجهة الخرافة الغيبية بحرية الفكر , يرفضون مواجهة الأخلاق الذكورية السائدة بحرية المرأة و الرجل في الحب و الجنس , يرفضون تحرير العقل أو الجسد , الفكر أو الرغبة .. مع ذلك صحيح تماما أن مواجهة هستيريا جماعية كملاحقة الساحرات المسؤولة عن إحراق و تعذيب عشرات أو مئات الألوف في أوربا و أمريكا في القرون 15 حتى 18 هي مهمة صعبة جدا , بل مميتة غالبا .. رغم أن عدم مواجهتها لا يعني أيضا النجاة من خطرها بالضرورة , عادة تستهدف هذه الهستيريا الأبرياء , أو لنكون أكثر دقة : غير المتمردين أو غير الخارجين على السائد .. بالمناسبة هناك حالة مماثلة لهستيريا جماعية قاتلة هي هستيريا ملاحقة “عملاء المخابرات و الإمبريالية” الأجنبية التي اجتاحت روسيا الستالينية في أواسط الثلاثينات على التوازي مع مهزلة محاكمات موسكو المشهورة , يمكن أن نذكر هنا أن فتوى الخميني بقتل سلمان رشدي بتهمة ردته عن الإسلام تزامنت مع هولوكوست مصغر قام به نظام الخميني ضد كل الإيرانيين اليساريين المعارضين له , و هناك أيضا الهستيريا التي رافقت حملات المكارثية ضد المثقفين الثوريين و التقدميين الأمريكيين و هستيريا معاداة الشيوعية و اليهود في ألمانيا النازية التي خلفت ملايين الضحايا في غرف الغاز و معسكرات القتل الجماعي , إن حالات الهستيريا الجماعية المنفلتة هذه خطرة جدا بالفعل , هل يبرر هذا عدم مواجهتها , هذا ليس سؤالا سهلا , رغم أن عدم مواجهتها لا يعني التسريع بتجاوزها أو يخفف من نتائجها الكارثية , رغم أن مواجهتها مهما كانت جريئة قد لا تنتهي أيضا بهزيمتها , في الواقع لم تؤد المواجهة الجريئة لتلك الحالات التاريخية إلى إسقاطها : سقط النظام الستاليني في روسيا فقط تحت ضربات تناقضاته الداخلية التي كانت أهمها بالتأكيد التناقض بين البيروقراطية الحاكمة و من تضطهدهم لكن مقاومته الجماهيرية كانت قد انهارت منذ وقت طويل و بالتالي لم يسقط نتيجة ثورة عارمة بل نتيجة أفعال مقاومة مؤقتة و غير منظمة لكنها تمكنت إلى جانب عوامل أخرى من إسقاطه أخيرا بعد 70 عاما , أما النظام الهتلري فسقط نتيجة هزيمته أمام قوى خارجية بينما كان يستعد لألف عام من الرايخ الثالث , أما نظام ملالي طهران فما زال قائما .. إنه الطوفان , من التافه في الحياة أن يزعم أحد رؤية المستقبل لكن محاولة استشرافه تبقى مع ذلك مفتوحة , لذلك قد يمكن القول أنه إذا لم ينتصر طوفان الثورة الاجتماعية على عوامل صعود شمولية فاشية جديدة فإن طوفان هذه الشمولية قادم ..

    عن هستيريا ملاحقة الساحرات يمكن مراجعة

    http://www.positiveatheism.org/hist/ellerbe1.htm

    http://en.wikipedia.org/wiki/Witchcraft_persecution

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى