معارضة إلى الأبد/ إيلي عبدو
بات مغرياً جداً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أنّ يبقى في موقع المعارضة، يتقاسم أقطابه الحصص والمسؤوليات والمناصب، من دون أيّ سلطة فعلية على الأرض، تضمن حداً أدنى من الممارسة السياسية والعمل اللوجستي. ومرد الإغراء هذا، شبكة المصالح الخاصة التي ترسخت، منذ تأسيس المجلس الوطني، وصولاً إلى الائتلاف المعارض، والمنعرجات الكثيرة التي مرت بين التشكيلين. ما ساهم في بروز طبقة سياسية معارضة، تضم رجال أعمال وحزبيين ودعاة دينيين، تربطهم علاقات متضاربة مع الجهات الداعمة، ولهم أذرع عسكرية في الداخل، تعمل ضمن أجندات متنافرة.
ولأن مصالح هذه الطبقة الحديثة النشأة تتشابك مع أدوار الدول الاقليمية والغربية، الداعمة للمعارضة، والمنغسمة في شؤونها تدخلاً وإنفاقاً، فقد تحوّل الائتلاف، بمكوناته وتلاوينه، مجالاً مثالياً للتلاعب بالصراع السوري، وتوظيف تحولاته، في خدمة هذه الدولة، أو تلك. ما أعطى النظام فرصاً أكبر لتمديد فترة بقائه، وقتل أعداد جديدة من السوريين.
لم يعد الهدف إسقاط الطغمة الحاكمة في دمشق، وإنما إطالة الصراع معها، لتحقيق مكاسب تحسّن شروط الدول، ومساحات نفوذها في الأقليم ومحيطه. وكما أنّ الدول الداعمة للنظام تستخدمه أداة للمناورة ضد خصومها، ضمن حروب المحاور وتسوياتها، كذلك الإئتلاف يجري استخدامه من الدول الداعمة للثورة.
لكن فرقاً كبيراً يتبدى بين الاستخدامين، فالنظام يستفيد، ولو مؤقتاً، من تحوله إلى أداة بيد حلفائه، لتثبيت وجوده في وجه الثورة، مقدماً تنازلات سيادية كثيرة للإيرانيين والروس مقابل ذلك. في حين يبدو الإئتلاف خاسراً في صفقة الاستخدام التي تخضه على ما تظهر تنائج الصراع وتحولاته، فتنقص سيادته من دون أن يحرز نقاطاً في اتجاه إسقاط النظام الأسدي.
يمكن أن تساق في هذا المجال مبررات وحججا كثيرة، حول ضعف الائتلاف، وحاجته الدائمة إلى تمويل الدول الداعمة، ما ينعكس سلباً على استقلاليته، وقدرته على التحكم في آليات الصراع مع النظام. لكن الضعيف يستسيغ موقعه، أحياناً، خصوصاً إذا كان مستفيداً من هذا الموقع، بوصفه جزءاً من تركيبته النفعية. فالإئتلاف لا يمانع أنّ يكون معارضة إلى الأبد، طالما أنّ قياداته وأركانه يشعرون بإغراء السلطة، ومفعولها الوهمي، يتنقلون بين العواصم، ويلتقون زعماء العالم من دون تحقيق نتائج ملموسة.
” المجتمع الدولي يفضّل التعامل مع معارضة أبدية، لا يستخدمها فقط طرفاً عند التوصل إلى حل سياسي، وإنما كمخرج مناسب لمأزقه الأخلاقي، المتمثل بالصمت عن جرائم نظام، يجده ضرورة مؤقتة، لمحاربة الإرهاب. فكلما زاد هذا النظام من جنونه الدموي تجاه شعبه عمد العالم إلى تقديم جرعة من الدعم للائتلاف، مثل رفع التمثيل الدبلوماسي، أو تقديم وعود بالتسليح”
كما أنّ هذه السلطة الوهمية اكتسبت بعداً مادياً، عبر إنشاء مؤسسات ومجالس، إضافة إلى تشكيل حكومة مؤقتة، تضم وزارت خدمية. بلا شك، إن خطوة المأسسة ترمي إلى تفعيل عمل الائتلاف، وتنظيم جهوده للخروج بنتائج منهجية، لكنها، أيضاً، تدخل الإئتلاف في سياق التأبيد لاستكمال معادلة عدم الحسم التي يحلو للمجتمع الدولي تطبيقها في سورية، ولعل النتائج السلبية التي حصّلها الائتلاف المعارض، حتى الآن، من جولاته الخارجية، ليست سوى دليل إضافي على حال التأبيد، بوصفه معارضة تعمل دبلوماسياً ضمن حلقة مفرغة، لا تفضي إلى إحراز أيّ تقدم على النظام. خصوصاً أنّ المجتمع الدولي يفضّل التعامل مع معارضة أبدية، لا يستخدمها فقط طرفاً عند التوصل إلى حل سياسي، وإنما كمخرج مناسب لمأزقه الأخلاقي، المتمثل بالصمت عن جرائم نظام، يجده ضرورة مؤقتة، لمحاربة الإرهاب. فكلما زاد هذا النظام من جنونه الدموي تجاه شعبه عمد العالم إلى تقديم جرعة من الدعم للائتلاف، مثل رفع التمثيل الدبلوماسي، أو تقديم وعود بالتسليح.
يشبه ذلك حال المعارضة الإيرانية التي يتعامل معها الغرب، بوصفها البديل الديمقراطي لنظام الملالي في إيران، لكن هذا البديل بقي أبدياً، لديه معسكرات ومؤسسات ومنابر دولية، تعمل ضد النظام في طهران، من دون أن تؤثر على ثباته واستمراره. علاقة المجتمع الدولي مع المعارضة الإيرانية، واعترافه بها، لم يمنعانه من التطبيع مع النظام الذي تعارضه، إلى درجة الاعتراف بدوره في العراق، وصولاً إلى مفاوضات الملف النووي.
لابد من التمعن جيداً في الصورة التي جمعت رئيس الائتلاف السوري المعارض، أحمد الجربا، مع زعيمة المقاومة الإيرانية، مريم رجوي، سنلحظ سريعاً أنّنا حيال معارضتين أبديتين، يستخدمهما الغرب لتبرير تعامله مع الأنظمة الديكتاتورية، بعثية أم ثيوقراطية.
الأهم من ذلك أن هذه المعارضات تستسيغ دورها الأبدي، وتسعى إلى تثبيته بالتواطؤ مع مصالح الداعمين، والمأسسة، وتقاسم سلطات وهمية، والتذرع بأنّ هذه الخطوات ستكفل سقوط الأنظمة التي تعارضها بشكل أسرع. في حين تظهرالوقائع أنّ أركان الإئتلاف السوري المعارض لا يقودون ثورة ضد نظام مستبد، على ما تقول خطاباتهم المكرورة، هم أقرب إلى الوجه المتمم للصراع، لنجد أنفسنا أمام أبديتين، يتناوبان على إطالة الحرب في ظل شبكات مصالح ودول داعمة.
العربي الجديد