صفحات الرأيعلي جازو

معارك إسلاموية وعروبية مزيفة/ علي جازو

 

 

تكاد هويتان، دينية ماضوية وقومية قامعة، تختصران وتتسببان في أزمات متوالية، طوال ما يزيد على نصف قرن، تلا وتخلل نشوء دول «وطنية» استقلت عن «مستعمريها» أواسط القرن الماضي.

وقد ارتبط الدين، في مصر وسورية، بالصراع على السلطة (الغنيمة) على نهج قَبَلي، فقمعَ عبد الناصر الإخوان وغيرهم وأسس لدولة بوليسية، وكسح البعث السوري، بعدما حوله الأسد الأب إلى نظام عنفي محض، المد الإسلامي الرافض لأبدية الأسد وحالَهُ عنفاً، باسم قوميةٍ ضيعت أول ما ضيعت عروبة سورية نفسها، وقزمت الإيمان الروحي إلى هلامٍ رشحت منه «عصابة الاخوان المسلمين العميلة» لا غير؟!

والحقيقة الغائبة الحاضرة، كأنما هي لغزٌ، أن حاجة لا معقولة إلى تأصيل ما هو أصل وبديهة، تحض القادة وخدَمَ القادة فتتصدر أعمالهم. فلا الإسلام محلاً لصراع سياسي غدا أفضل في بعديه الاجتماعي وتطوره الفكري -الفقهي، ولا العروبة بأفقها الإنساني قدمت سبل عيش أفضل لشعوبٍ بات حاضرها أشنَعَ من ماضيها (المجيد)!

ولربما يصح هنا تلمس بعد نفسي – قمعي مزودَج يحوِلُ فرْضَ التماهي المثالي إلى تناقض واقعي يترافق واختناقاً مجتمعياً. فإذا كان الدين عامل حفظ وانسجام وتوحيد، لمَ يظهر منه العنف من جهة أو اعتماد العنف وسيلة إلى بلوغ السلطة السياسية من جهة مقابلة؟! ولماذا في الوقت نفسه، تجلت العروبة كما حنطها عبدالناصر ومن ثم حافظ الأسد (وغريمه صدام حسين) نظامين بوليسيين، أداة للقمع الداخلي والابتزاز الخارجي.

وهذان البعدان النقيان المتلِفان، الهوية القومية الخاوية والانتماء الديني الماضوي، اندرجا في حاجة حكام عسكريين ومعارضين إسلامويين احتقروا شعوبهم، وحولوا الانتماء الفطري والعادي إلى معتقَل عمومي، ينبغي من داخله تعليم الأبناء الجهلة أصولهم حرفاً تلو حرف، وتقويم عَرَجهم عضواً رَصيصَ عضوٍ!

ومع هكذا سلوك مزيِف يظهر أن أكثر من أضر العرب حقيقةً هم العروبيون، ومن شوه قيم الإسلام الأخلاقية هم دعاة الحركات الإسلاموية.

ويأتي حصْرُ مجتمعات فتية، وهي شديدة التنوع، وطَحْنُها بين فكَي مزيفي العروبة ومشوهي الإسلام، بمثابة خنق لكل من العروبة والإسلام، ناهيك عن تبادل أدوار نفعية عصاباتية تمنع ظهور جهة ثالثة لا يعنيها الأصلُ في شيء، ولا يشكل لها مردود الانتماء الديني أو القومي خصيصة جوهرية.

ومما زاد الأمر تعقيداً بلوغ الحركات الدينية الدرك الأسوأ من تحولاتها الارتكاســية أخيراً، فصارت أضيق أفقاً، ولم تولِ البعد الاجتماعي لحواضنها السكانية قيمة، ضاربة عرض الحائط بأحق حقوق الإنسان، مما رجح العنفَ سلوكاً إزاء فشل خدماتي واقتصادي مزمنين، ناهيك عن تلونها ببعد طائفي ساهمت إيران الخمينية الخامنائية في بعثه وتأجيجه، بعدما احتكرت باسم ولاية الفقيه تصدير ثورة إسلاموية تعتمد العنف والقهر وسيلة للحشد والسيطرة، قابلها من جهة أخرى ميلٌ سُني إلى رد الصاع صاعين، إلى أن أنجبت نفاياتُ البعثيَن السوري والعراقي تنظيم «داعشَ» وخلافته الطارئة، وفضلت إيران ومليشياتها حماية المراقد، التي تقع في بلدان وأراضي شعوب أخرى، على تحسين وضع مواطنيها الإيرانيين.

وفي مجمل الحالات يحضر الماضي – الذي يبدو أنه لا يمضي – بوصفه شبحاً وأباً في آن واحد، وقد تكون عقدة العلاقة الأبِ – الشعبِ، على نمطها الشعبوي القاحل مفتاح الحل الضائع ومركز اهترائه.

فإذا بقي الجذر، مذهباً – ديناً منغلقاً وقومية قامعة، الأبَ الوحيد، لن نجد من الأبناء سوى فاشلين وعَجَزة، يحولون الدين، الذي هو إيمان فردي أساساً، إلى قنبلة، والقومية إلى قبر لكل أصل.

* كاتب وشاعر سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى