صفحات سورية

معارك الشرق السوري، حزم إيران وتردد التحالف/ فراس علاوي

 

 

تغيراتٌ عديدةٌ دوليةٌ وإقليميةٌ ومحلية، كان من نتائجها تحول البادية السورية إلى ساحة صراع مفتوح يتخذ أبعاداً دولية. أبرز هذه التغيرات كانت الإدارة الأميركية الجديدة التي خلطت بعض الأوراق في سوريا والمنطقة، وإحرازُ النظام وحلفائه الإيرانيين والروس انتصارات عسكرية حاسمة، تلاها اتفاق مناطق خفض التصعيد الذي أدى إلى تراجع الاشتباكات على أغلب الجبهات التي كانت ساخنة لسنوات. وأيضاً اقترابُ معركة الرقة من نهايتها المحسومة سلفاً لصالح قوات سوريا الديموقراطية، ما يجعل الاهتمام منصباً على محافظة دير الزور، التي ستكون على الأرجح ساحة آخر معارك داعش الكبيرة.

 

هكذا توجهت الأنظار إلى البادية السورية الممتدة من السويداء جنوباً، مروراً بريفي دمشق وحمص والقلمون الشرقي، وصولاً إلى حدود محافظة دير الزور شرقاً، لأن السيطرة عليها ستكون عاملاً حاسماً في تقرير الجهة التي ستكون قادرة على التقدم صوب ريف دير الزور، فضلاً عن أهمية الطرقات الاستراتيجية التي تخترقها نحو الحدود العراقية والأردنية.

 

ويبدو أن فصائل دير الزور التابعة للجيش الحر، التي تتخذ من البادية مقراً لتمركزها وانطلاق عملياتها، كانت قد استشرفت الوضع القادم مبكراً، فبدأ جيش أسود الشرقية بالاشتراك مع فصائل القلمون الشرقي وريف حمص الشرقي، وأبرزها قوات الشهيد أحمد العبدو ولواء الصناديد ولواء شهداء القريتين، سلسلة عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة لتطهير البادية منه منذ أواخر 2016.

 

كان الهدف من هذه المعارك تحصين مواقع الفصائل وتأمينها في ريف السويداء وريف دمشق الشرقي، وكان آخرها معارك «رد الاعتبار» و«سرجنا الجياد»، وبنتيجتها تم طرد التنظيم من مناطق واسعة أبرزها سد الزلف والرحبة وتلول الصفا وشنوان والعليا وشهييب وأم القصر في ريف السويداء، وكذلك بئر القصب وتل دكوة وجبل مكحول والبحوث العلمية والسبع بيار وظاظا وجليغم والشحمة والعليانية والزويرية في ريف دمشق الشرقي. كذلك كان من بين أهدافها فك الحصار عن القلمون الشرقي، لكنها فشلت في ذلك بعد توقف معركة سرجنا الجياد نتيجة هجوم النظام وحلفائه على البادية السورية.

 

جيش مغاوير الثورة، الذي كان قد تأسس نتيجةً لإعادة تشكيل جيش سوريا الجديد1، قام أيضاً بعدة عمليات في عمق البادية السورية لتحسين مواقعه وتحصينها من هجمات داعش، وقام بإنشاء قاعدة الزكف بدعم من التحالف الدولي، التي تقع على الحدود العراقية السورية، وتبعد حوالي 125 كم جنوب غرب البوكمال بالقرب من منطقة حميمة.

 

جميع تلك العمليات كانت ضد تنظيم داعش، لكن التحول في المسار جاء نتيجة بدء قوات النظام مدعومةً بميليشيات إيرانية وعراقية شيعية بالتقدم في البادية.

 

بعد توقف جبهات القتال في الشمال السوري، عمل النظام وحلفاؤه على نقل العمليات العسكرية إلى مناطق البادية السورية، وذلك من أجل تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أهمها ربط إيران بسوريا عن طريق العراق وصولاً، وهو ما يعني طرقات برية متصلة من طهران إلى لبنان. ويضاف إلى ذلك التقدم وفكّ الحصار عن قوات النظام الموجودة في دير الزور، والسيطرة على آبار النفط ومناجم الفوسفات في المنطقة الشرقية. ولعل الأهم هو قطع الطريق على قوات المعارضة السورية الموجودة في الجنوب والبادية، ومنعها من الوصول إلى دير الزور عن طريق تشكيل نطاق حماية يمتد من الحدود العراقية وصولاً إلى القلمون الشرقي حيث قوات حزب الله اللبناني، بالاستفادة من تردد التحالف في قتال النظام، واقتصار عملياته على قتال داعش.

 

منذ أواسط أيار الماضي بدأ النظام وحلفاؤه بنقل ثقلهم العسكري إلى جبهات البادية، وبدأ محاولته للتقدم على حساب داعش وفصائل المعارضة، ليتمكن في 25 أيار من إحكام الحصار على القلمون الشرقي انطلاقاً من مناطق تمركزه في ريف حمص الشرقي، ويواصل بعدها مباشرةً محاولات التقدم على ثلاثة محاور رئيسية.

 

المحور الأول انطلاقاً من محافظة السويداء باتجاه ريف السويداء الشرقي وعمق البادية، وبدعم مكثفٍ من الطيران الروسي، حيث دارت معارك عنيفة في منطقة سد الزلف على وجه الخصوص، خسرت فيها قوات النظام والميلشيات المساندة لها عدداً كبيراً من العناصر، ولكنها واصلت وتواصل عملياتها هناك بهدف تشتيت جهود الفصائل المعارضة.

 

المحور الثاني انطلاقاً من القلمون الشرقي والمحسا شرق حمص باتجاه تل دكوة الاستراتيجي في بادية ريف دمشق. وتكمن أهمية هذا التل في تموضعه قرب المحطة الحرارية في ريف دمشق الشرقي، وفي كونه تلاً صخرياً يبلغ ارتفاعه 925 متراً عن سطح البحر، ويشكل نقطة ربط تصل الشمال بالجنوب في البادية الشرقية لدمشق.

 

كانت فصائل المعارضة قد طردت داعش من تل دكوة 28/3/2017 ضمن معركة سرجنا الجياد، وتمركزت فيه قوات أحمد العبدو وجيش أسود الشرقية، لتسيطر عليه قوات النظام والميلشيات المساندة لها بدعم جوي روسي أوائل حزيران الجاري. ولإيقاف تقدم النظام على هذين المحورين، أطلقت الفصائل معركةً حملت اسم الأرض لنا بتاريخ 7/6/2017، واستعادت خلالها مخفر الزلف الهام بريف السويداء، وبعدها تل الدخان وتل المسيطبة، وقال المكتب الإعلامي لجيش أسود الشرقية إن الفصائل قتلت وأسرت عدداً من عناصر النظام والمليشيات في هذه المعارك، ودمرت 8 في محيط حاجز ظاظا وجليغم، و4 مدرعات في محاور ريف السويداء الشرقي في منطقة الزلف والرصيعي. كذلك أسقطت فصائل الجيش الحر طائرة ميغ 23 في معارك حاجز ظاظا، وتسلل مقاتلوها إلى محيط مطار الضمير العسكري شرق دمشق ودمرت طائرة داخله بصاروخ كونكورس، ولا تزال الاشتباكات مستمرة على كل تلك المحاور.

 

المحور الثالث كان شرقاً باتجاه التنف والحدود السورية العراقية، إذ بدأت قوات إيرانية وعراقية بشكل رئيسي2، وانطلاقاً من قواعدها التي أقامتها قرب حاجز ظاظا والشحمي، بمحاولات للتقدم على طرق دمشق بغداد منذ أوساط أيار.

 

قوات التحالف التي ترعى جيش مغاوير الثورة في قاعدتي التنف والزكف، ويتواجد فيهما مقاتلون تابعون لها على الأرض إلى جانب مغاوير الثورة، كانت قد أوقفت أول محاولة للتقدم صوب التنف بغارة على رتل للميليشيات العراقية في 18 أيار، ولجأت بعدها إلى تحذير تلك الميليشيات والقوات عبر إلقاء مناشير ورقية على أماكن تواجدها، لكن الميليشيات العراقية الإيرانية واصلت محاولاتها للتقدم صوب الحدود العراقية، وتعرضت مرة أخرى في السادس من حزيران الجاري لغارات من طائرات التحالف، أسفرت عن ثلاثين قتيلاً وتدمير عدة عربات عسكرية.

 

المخطط الإيراني الذي يهدف إلى وصل إيران بسوريا عبر العراق، كان لا بدّ أن يترافق مع عمل عسكري على الجانب الآخر من الحدود العراقية، حيث تقوم مليشيات الحشد الشعبي العراقية بتمشيط الحدود وطرد داعش منها، وبالفعل نجحت في السيطرة على كثير من المناطق والقرى، ولم يعد أمامها سوى أن تنتظر وصول القوات الحليفة من الجانب الآخر من الحدود، وهو ما أعلنت مصادر النظام السوري وحلفائه أنه قد حصل يوم أمس التاسع من حزيران، بوصول طلائع قوات لواء الباقر إلى نقطة حدودية شمال شرق التنف، انطلاقاً من مواقعها جنوب شرق تدمر على ما يبدو. ذلك على الرغم من تحذيرات التحالف الدولي، التي يبدو أنها لم تصل إلى الجدية المطلوبة، واقتصرت على غاراتٍ محدودة على بعض الأرتال، وعلى مساعدة مغاوير الثورة على قتال داعش وتأمين بعض النقاط المتقدمة، دون دعمه في معارك كبيرة مع قوات النظام والميليشيات المتقدمة.

 

كان المقدم مهند الطلاع قائد جيش مغاوير الثورة قد قال في أكثر من مناسبة، إن «هدف مغاوير الثورة هو مدينة البوكمال، وإن استراتيجية النظام وإيران لن تمنعهم من تحقيق هدفهم، وإن البوكمال هي منطقة ومعبر استراتيجي هام لداعش، وإنهم سيتعاملون مع الحشد الشعبي على أنه طرف معتدٍ ومحتل». لكن في حال تثبيت الميلشيات الموالية للنظام مواقعها، وإحكامها السيطرة على الطريق الذي سلكته نحو الحدود، فإن مقاتلي جيش المغاوير الثورة وبقية الفصائل في البادية سيصبحون معزولين عن مناطق دير الزور، ولن يتمكنوا من التقدم نحو البوكمال.

 

صورة من مؤتمر صحفي لوزارة الدفاع الروسية، تظهر فيه خريطة توضح نقطة وصول قوات النظام إلى الحدود العراقية شمال شرق التنف يوم أمس 9 حزيران / نقلاً عن عنب بلدي

صورة من مؤتمر صحفي لوزارة الدفاع الروسية، تظهر فيه خريطة توضح نقطة وصول قوات النظام إلى الحدود العراقية شمال شرق التنف يوم أمس 9 حزيران / نقلاً عن عنب بلدي

 

يبدو واضحاً في معارك البادية أن النظام وحلفاءه أكثر جدية وقدرة على التحرك، وهم يتلقون دعماً يبدو غير محدودٍ من الطيران الروسي، خلافاً لطيران التحالف الذي لا يقدم دعماً جاداً في أي مواجهة مع النظام، بل ولا تحظى فصائل جيش أسود الشرقية وقوات الشهيد أحمد العبدو وحلفاؤهما بأي دعم جوي مطلقاً، على الرغم من أنها جزء من فصائل الثورة السورية التابعة للجبهة الجنوبية، المدعومة من غرفة الموك الدولية في الأردن.

 

يقتصر دعم طيران التحالف على قوات مغاوير الثورة، وفي معاركها مع داعش فقط، في حين يتم تكبيلها في أي معركة قد تخوضها مع النظام وحلفائه، وهو ما يستغله هؤلاء محققين تقدماً سيغير المعادلات في شرق البلاد، وسيجعل من إيران وقواتها في العراق وسوريا طرفاً رئيسياً في معارك طرد داعش من دير الزور وريفها، ذلك ما لم يجرِ التحالف تغييراً سريعاً في استراتيجيته.

موقع الجمهورية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى