معتقلو سوريا: بعض ملامح المأساة/ فايز سارة
لا يستطيع أحد أن يقدّر عدد المعتقلين نتيجة الأوضاع القائمة في سوريا خلال أكثر من عامين ونصف. والسبب الرئيس في ذلك، هو سياسة النظام في الاعتقال، والتي كانت في عموميتها عشوائية وواسعة ومتواصلة، مع الحرص على ألا يتسرب عنها أية تفاصيل ومعطيات. وهي معقدة ومتعددة الأهداف.
أولها إلقاء الرعب في صفوف السوريين، والانتقام من المعتقلين وحواضنهم الاجتماعية، ومحاصرة الأنشطة الجماهيرية وخاصة أنشطة العمل المدني من تظاهرات واعتصامات وفعاليات إعلامية، إضافة إلى الحد من أعمال الإغاثة الغذائية والطبية، التي اعتبرت بين أخطر الأعمال المؤدية للاعتقال تحت بند القيام ب”أعمال إرهابية”.
ورغم صعوبة تحديد العدد النهائي لمن تم اعتقالهم منذ انطلاق الثورة في آذار 2011، فإن التقديرات والمعلومات الشائعة، تشير إلى تجاوزهم المئتين وخمسين ألفاً، شاركت في اعتقالهم مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية المنتشرة بكثرة في المدن والقرى، وسط إصرار قيادات في النظام على رفض فكرة أن هناك معتقلين سياسيين، وهي تصف المعتقلين بأنهم، “مجرمون وإرهابيون”، تم اعتقالهم في إطار مواجهة النظام لما يسمى ب”العصابات الإرهابية” المسلحة.
إن أشخاصاً من أمثال مازن درويش رئيس المركز السوري للإعلام، وعبد العزيز الخير الشخصية السياسية المعروفة، وخليل معتوق الناشط في ميدان حقوق الإنسان، هم أمثلة للمعتقلين السلميين الذين ينفي النظام اعتقالهم، وقد مضى على كل واحد من بينهم أكثر من عام في المعتقل، وثمة آخرين مثلهم اعتقلوا قبلهم أو بعدهم وآخرهم فائق المير المعارض السياسي المعروف.
وعملية الاعتقال لأسباب سياسية، وفي إطار الحملات الأمنية الواسعة والمتواصلة في ظل الظروف الراهنة، تشكل أحد أكبر الأخطار الجدية على السوريين. اذ هي تتجاوز خطر الموت، وثمة كثير من النشطاء المدنيين الذين شاركوا في التظاهرات وفي أعمال الإغاثة الإنسانية، كانوا يفضلون الموت على الاعتقال، وحسب التجارب والشهادات المروية، فإن المعتقلين يتمنون الموت، ولا يجدونه. بل هم يموتون مرات كثيرة داخل المعتقلات، وهذه إشارة واضحة لما يتعرضون إليه من صنوف العذاب والإذلال والانتهاك الجسدي والنفسي الذي يفوق قدرات البشر، وعمليات الموت في المعتقلات ومنها الموت تحت التعذيب بعض مؤشرات ما يواجهه المعتقلين من ظروف لم يستطيعوا احتمالها. مما أدى إلى نهاية حياتهم. وثمة أمثلة معروفة ممن قتلوا تحت التعذيب في المعتقلات بينهم الناشط السلمي غياث مطر، والطفل حمزة الخطيب ومغني الثورة إبراهيم القاشوش، والمخرج السينمائي باسل شحادة، والطبيبين محمد بشير عرب ومحمد نور مكتبي.
لقد تنافست أجهزة المخابرات والأمن والوحدات العسكرية على إبراز وحشيتها في التعامل مع المعتقلين، والسبب الرئيس في ذلك، أن تصرفاتهم خارج القانون. فليس هناك من يحاسبهم على أي عمل يرتكبوه، ورغم أن هذا كان أمراً موجوداً في سيرة وعمل أجهزة النظام الأمنية في السابق، فإن الظروف الجديدة جعلته “عادياً وشائعاً” وسط حمام الدم وسياسة الدمار السائدة في البلاد.
وثمة شهادة موثقة لمعتقل سابق في فرع حرستا التابع للمخابرات الجوية، قدمت وصفه لبعض ما تعرّض له من عذاب هناك، حيث يقول: “في غرفة المحقق كان هناك بساط الريح، والدولاب، عندما يضعوني على الدولاب كانوا يضربونني نحو خمسين ضربة بعصا قاسية لونها أخضر، في إحدى المرات بقيت على الدولاب نحو 16 ساعة، كما استخدم معي المحقق الكهرباء بمناطق حساسة، كان يشحن عصا الكهرباء، ويفرغها في أجسادنا، كنا نشم رائحة الجلد المحترق. وفي إحدى المرات جرى شبحي لمدة خمسة أيام متواصلة بالحمامات، وهي منطقة قذرة جداً، الحشرات تمشي على أجسادنا ولا نستطيع أن نتحرك”.
وإذا كان التعذيب هو أساس ما يمارس على المعتقلين من أساليب القهر، فإن أساليب التجويع وسوء التغذية، وإهمال العلاج الطبي للإصابات والأمراض التي يتعرض لها المعتقلون، هي جزء آخر من تلك الأساليب إضافة إلى استخدام بعضهم كدروع بشرية في عمليات أمنية – عسكرية، وتشغيلهم بالأعمال الشاقة بما فيها بناء استحكامات للأجهزة الأمنية، لكن الأشد فظاعة ضد المعتقلين، تجسده عمليات الإعدام الميداني التي تتم في الأقبية. وسجل مركز توثيق الانتهاكات في سوريا توثيقاً لأكثر من ثلاثة آلاف معتقل قضوا في أقبية المخابرات منذ بدء الاحتجاجات في آذار/ مارس 2011، وبعض هؤلاء تم دفنهم في مقابر جماعية، وهناك تقارير موثقة عن تلك المقابر في منطقتي نجها والبحارية القريبتين من دمشق.
قضية المعتقلين في سجون النظام السوري، تكاد تكون خارج التغطية الإعلامية، وهي الأقل تداولاً وتفاعلاً لدى المستويات السياسية الإقليمية والدولية المتصلة بالقضية السورية، وكلاهما يعكس تقصير واستخفاف بمعاناة ومصائر بشر، كثير منهم لم يرتكبوا ذنباً، أو أنهم عبروا عن آرائهم ومواقفهم بصورة علنية وسلمية، مما يطرح القضية امام المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، التي لاشك أنها قصرت في معالجة القضية، كما يطرحها على المجتمع الدولي والرأي العام من أجل العمل على إطلاق سراحهم ووضع حد لمعاناتهم وآلامهم، وهي بعض من معاناة وآلام الشعب السوري، التي وصلت مستوى الكارثة الانسانية.