معرض الجثث/ حسن بلاسم
“معرض الجثث” لحسن بلاسم: وحشية الواقع/ سامر مختار
قد لا نبالغ إذا قلنا أن المجموعة القصصية “معرض الجثث”، للكاتب العراقي حسن بلاسم، والصادرة مؤخرًا عن دار المتوسط – إيطاليا، بمثابة رذاذ لزجاج مطحون، لصورة واقع لا يوجد نهاية له، أو أية أثر لقاعه. وقد يكون من الصعب تكوين صورة انطباعية متماسكة إزاء القصص التي تطفح بالبشاعة والوحشية الكامنة في النفس البشرية. ولن يكون هناك أية مساحة رفاهية “أدبية” قد يتركها الكاتب لقارئه أثناء القراءة. وقد نتساءل هل هذا القصص من وحي خيال الكاتب، أم ما تم سرده من حكايات وأحداث داخلها هو بالفعل حقيقة ماحدث؟!
لا تخلو قصة من قصص المجموعة من جريمة، كل قصة بمثابة كشف وتتبع وتأطير لملابسات جريمة قد حصلت. لدرجة أننا قد نشك أن كل الشخصيات المتواجدة داخل الكتاب ليست إلا “جثث” أُعيد استنطاقها لمعرفة ما حدث لها بالتفصيل. فقصة “معرض الجثث” التي عنون الكاتب مجموعته فيها بخط عريض، ستكون من أكثر قصص المجموعة رعبًا، هذه القصة تطرح سؤالًا مفتوحًا؛ ما معنى أن يحترف بعض الناس القتل؟ وما هي الشروط الصارمة التي تجعل أحدهم قاتلًا مأجورًا؟
“قال لي قبل أن يخرج السكين: بعد دراسة ملف الزبون تكون ملزمًا بتقديم نبذة مختصرة عن طريقة المقترحة التي ستقتل فيها زبونك الأول وطريقة إشهار جثته في المدينة” بهذه الأسطر يفتتح حسن بلاسم قصة “معرض الجثث”. قاتل مأجور حديث العهد في مهنته، يروي قصة اللقاء الذي جمعه بأحد أعضاء المؤسسسة التي توكل لقاتلين مأجورين مهمات بقتل شخصيات معينة والتمثيل بها، قبل أن يُقتل في نهاية اللقاء هو الآخر على يد العضو الذي يشرح له نظام العمل. من خلال هذه القصة يعرض لنا الكاتب أخطر أنواع القتل الممنهج، والذي يظهر لنا إلى أي مدى من الوحشية ممكن أن تصل ممارسات البشر، في زمن الحروب، لتتخطى أفعال باقي المخلوقات، ولترتفع عملية ممارسة القتل إلى مرتبة الفن والإبداع “لا تنسى المناصب الرفيعة التي تنتظرك داخل نظام المؤسسة، إذا امتلكت مخيلة طازجة، شرسة، صادمة. كل جثة تنجزها هي عمل فني ينتظر منك اللمسة الأخيرة (…) إشهار الجثة أمام الآخرين هو ذروة الإبداع الذي نبحث عنه”..
سرد هذا النوع من القصص الواقعية الممتلئة بالعنف، والهجرة، والقتل، والجرائم، نجده في كتابة حسن بلاسم، لا يقع في نمطية التوثيق، إنما يُشعر القارئ أن القصة مكونة من طبقات، وحشية الواقع هي المادة الخام، يتم تفكيكيه، وتركيبه، ليس لنعرف الحدث الصادم الذي جرى لهذه الشخصية أو تلك، بل يغوص الكاتب في الأغوار النفسية والداخلية لشخصياته، يحلل أحلامهم، وكوابيسهم، ليعرّفنا على الأثر الذي أحدثته سلسلة من الوقائع والظروف الحياتية على حياة الشخصيات. كأن يعالج مثلًا في قصة “كوابيس كارلوس فوينتس” مسألة الهوية، والصراع الذي يعيشه رجل عراقي بعد هجرته إلى هولندا. تفشل كل محاولات كارلوس فوينتس الذي كان اسمه الأصلي سليم عبد الحسين، بأن يتحكم في الكوابيس التي كان تأتيه من ماضي حياته في العراق، وهو الذي قرر أن ينسى كل ماضيه، بعد أن قدم طلب لجوء إلى هولندا، وإتقانه اللغة الهولندية، وتصميمه على أن لا يتكلم باللغة العربية، ولا يحتك بأي مهاجر عربي أو عراقي، ليحصل بعد إتقانه اللغة الهولندية، وزواجه من صديقته الهولندية على الجنسية الهولندية. لكن الأحلام التي كانت تأتيته كانت تتناقض مع نجاحه في أن يتحول إلى مواطن هولندي. كأن يشاهد في أحد أحلامه مثلًا “مجموعة من الأطفال في الحي الشعبي الذي ولد فيه، وهم يركضون خلفه، ويسخرون من اسمه الجديد. كانوا ينادون خلفه ويصفقون: كارلوس الجبان.. كارلوس الم…ك .. كارلوس الزعطوط”..
أما في قصة “كلمات متقاطعة” يأخذنا حسن بلاسم إلى أجواء أكثر غرائبية، إذ يعطي لفكرة “الكلمات المتقاطعة” رمزية عالية، تصل إلى تقاطع الأرواح عندما يحدث انفجار ما، في مكان ما في العراق، وهذا مع يحدث مع مروان المبدع في تصميم الكلمات المتقاطعة، لكن التفجير الذي يحدث في أمام مبنى المجلة التي يعمل بها، يغير حياة مروان إلى الأبد، إذا أنه عندما يستيقظ يخبر صديقه بأن شرطيًا كان يحترق ودخل بزجاج باب المبنى، قد “دخل فيه، وهيمن على كيانه، كان يقول إنه كان يسمع صوت الشرطي في دماغه صافيًا وحادًا!”.
كما أن الكاتب عمد على إدخال التراث الشعبي العراقي في بعض القصص، ومزجها بحاضر العراق الذي انهكه الإحتلال، والاستبداد، والتطرف، والدمار. وهذا يبرز في قصة “ألف سكين وسكين”، “وشجرة سرسارة” وفي أكثر من عبور في بعض القصص. لدرجة أن القارئ قد يتساءل عن ماهية لعنة الماضي التي تلاحق أغلب شخصيات المجموعة القصصية.
هناك محاولة من الكاتب، لحصد نتائج الحاضر الذي تعيشه العراق في السنوات الأخير، وما هي الآثار التي تحفر عميقًا في ذاكرة البشر، أما مسألة المنفى والهجرة، فيبقى سؤالاً معلقًا، لحياة مهاجرين معلقة أيضًا، ما بين ماض عصيٌ على المضي، وحروب الحاضر التي لا تنتهي.
وكأن قصص حسن بلاسم تحيلنا إلى خلاصة، وهي أنه لم يبقَ من شاهد على حقيقة ما جرى من دمار وظلم وقتل سوى قصص الضحايا، وقصص القتلى التي يجب إستدعاء أرواحها عبر المخيلة، ونبش أدق التفاصيل عن أصل وجودهم وتتبع مسيرة حياتهم بالكامل.
المدن
الرابط الأول
الرابط الثاني
صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت
كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.