صفحات الثقافة

معرض بيروت العربي والدولي للكتاب: إنه زمن الرواية والكتب عن سوريا


يوسف بزي

تنقل «معرض بيروت العربي ـ الدولي للكتاب» الى أماكن عدة، قبل أن يستقر منذ سنوات في مركز «البيال»، هناك عند الواجهة البحرية المستجدة، والأكثر بعداً عن يوميات المدينة وصخبها، بعد جعله يكتسب شيئاً من الوقار، إذ لا يأتيه ولا يعبر به سوى قاصديه وزائريه. ويشبه بذلك حاله حال الكتاب، المبتعد بدوره عن تناول العامة وحاجاتهم رغم احتفاظه بهيبته ووقاره، بوصفه نواة الثقافة ومصدرها.. حتى الآن.

خمسة وخمسون عاماً هو عمر أعرق معارض الكتب العربية، وهو المنطلق مع ذروة إزدهار «القومية العربية» بتياراتها اليسارية والبعثية والناصرية، حيث شكلت بيروت في حينها البيئة المثالية والحاضنة للفوران الثقافي والفكري والأيديولوجي بوصفها المطبعة والمقهى والرصيف والصحيفة والقاعة الأكاديمية والمكتبة.. وكان معرض الكتاب في بدايته هو التعبير عن هذا الإزدهار، مستكملاً ذاك الارث «النهضوي» والأدوار التي لعبتها كل من القاهرة وبيروت كعاصمتين لانتاج وترويج الثقافة العربية ومأسستها.

لم يكن معرض الكتاب يوماً سوى مرآة للتحولات التي أصابت الثقافة العامة، فهو معرض كتب الشعر، حين كان الشعراء هم «الناطقون» باسم الثقافة العربية ومزاجها، وهو معرض الكتب الدينية والتراثية (ما بين الثمانينات ومطلع التسعينات) حين خيمت الأصوليات على العالم العربي، وهو معرض كتب الطبخ والتنجيم (طوال التسعينات ومطلع الألفية الثالثة) حين هربت العامة من إحباطاتها متبرمة من لغات الثقافة المتخشبة وسياساتها، وهو معرض كتب المذكرات والسير الذاتية واليوميات، حين بدا أن التاريخ المعيوش آخذ بالإنصرام وأن الحنين أمام المستقبل الغامض هو ملجأ كل قراءة. كانت تلك فترة «المراجعة» الكبرى ان صح التعبير.

هذا العام بدا معرض الكتاب وكأنه يبتدئ حقبة جديدة تحت وقع «صدمة الربيع العربي». هذه الثورات تفرض سطوتها، بوصفها لحظة تاريخية متفجرة بالتغييرات والتحولات والأسئلة، بقدر ما تفرض نفسها كمادة ترويجية وتجارة كتب رائجة. وإذ خصص منظمو المعرض لعنوان الثورات خمس ندوات ومحاضرات رئيسة في النشاطات الثقافية المصاحبة، فان دور النشر، ولو على عجل، سارعت إلى «التقاط» أي كتاب عن أي بلد عربي شهد إنتفاضة أو حراكاً شعبياً أو ثورة، أكان الكتاب عن الثورة أو مجرد ان كاتبه يحمل جنسية البلد الثائر. دار رياض الريس مثلا وضعت لافتة ملونة كبيرة فوق جناحها تحمل عبارة «الكتاب ديوان الثورة» فيما ملأت رفوفها بسلسلة كتب عن سورية تحديداً منها «التسلطية في سورية» لستيفن هايدمن، وسورية «الاقتراع أم الرصاص» لكارستين ويلاند، «السيطرة الغامضة» لليزا وادين، و»سورية ثورة من فوق» لرايموند هينبوش، و»الديموقراطية ثورة «لفواز طرابلسي، و»الجيل المدان» سيرة منصور سلطان الأطرش، و»المحاكمات السياسية في سورية» لهاشم عثمان، و»الحركات الإسلامية في سورية» ليوهانس رايسنر، وكذلك اهتمت الدار بطبع كتب أدبية سورية منها «زقاقيات دمشقية» لسعاد جروس، و»عربة أولها آخر الليل» لحازم العظمة، و»بروفا» لروزا ياسين حسن، و»بنات البراري» لمها حسن، و»من باب توما الى بوابة بلس» لتوما عريضة. أما الدار العربية للعلوم ـ ناشرون فرفعت لافتة «الشعب يريد الكتاب» واعتنت باظهار «كتب الثورات» ومنها «الفاعلون غير الرسميين في اليمن» (تأليف جماعي) و»تاريخ الدستور المصري، قراءة من منظور ثورة يناير 2011» محمد نور فرحات وعمر فرحات، ويوميات الثورة المصرية» (تأليف جماعي) و»الثورات في المشرق الإسلامي» و»جماهيرية الرعب» لحسن صبرا، و»سقوط الدولة البوليسية في تونس» لتوفيق المديني، و»ساحات 2011 ـ أخيرا الشعب يريد» لحمود ابو طالب. في دار الساقي، قالت المشرفة على الجناح، أن الدار اقتصدت في نشر الكتب عن الثورات: «لقد وصلتنا عشرات المخطوطات… لكن معظمها رديء وأنجزت على عجل، لذلك رفضنا نشرها» واكتفت الدار باربعة إصدارات هي: «البعث السوري ـ تاريخ موجز» لحازم صاغية و»انتفاضة الاستثقلال، مخيم ساحة الحرية» لطانيوس جريس شهوان، و»قلمي وألمي ـ مئة يوم في سورية» لغدي فرنسيس، و»مصر التي في خاطري» لدلال البزري. أما دار «جداول» الصاعدة والطموحة، والتي على ما يبدو من لائحة اصداراتها انها ستنافس «ديناصورات» النشر في بيروت، فاكتفت باصدار كتاب وحيد عن الربيع العربي بعنوان «الثورات العربية الجديدة، المسار والمصير» للسيد ولد اباه. لكن دار «شركة المطبوعات» دفعت الى المعرض سلسلة كتب عن الموضوع ذاته، منها «مهووسون في السلطة ـ تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011» لموريال ميراك ـ فايسباخ، و»صراع القوى الكبرى على سوريا» لجمال واكيم، و»مصر على شفير الهاوية» لطارق عثمان، و»حركات ثورية ـ قصص شعوب غيرت مصيرها «لستيف كراشو وجون جاكسون، دار «الفارابي» اليسارية والمرتبكة في سياسة النشر وخياراتها، نشرت كتاب «في مهب الثورة» للفضل شلق، و»حين تستيقظ سوريا» لريشار لابيفيير وطلال الأطرش. تلك كلها أمثلة لا تشذ عنها دور النشر الأخرى، كما لا تبتعد الأعمال الثقافية المصاحبة للمعرض عن هذه التيمة، فاللقاء الذي سيجمع عدداً من المثقفين والكتاب والمفكرين اللبنانيين والعرب في جلسة حوارية موسعة سيكون تحت عنوان «الصيغة المثلى لمجتمعات ما بعد الثورات: إسلامية ام علمانية»، وهو عنوان السؤال الذي يشد اليوم كل «المواطنين» العرب وناشطيهم وسياسييهم… ومثقفيهم.

لكن المعرض يحتضن ظاهرة أخرى، قد لا تقل أهمية في دلالاتها الثقافية وفي معانيها الإجتماعية ومعايير التذوق والقراءة والمزاج العام. الأكيد ان الشعر بات في عتمة النشر ومستودعاته، والأكيد أكثر ان ما من جنس كتابي يضاهي فورة الرواية ووفرتها ورواجها.

هذا عام الرواية اللبنانية، أكثر من أي عام مضى. وما من إقبال على شراء الكتب يوازي شراء الإصدارات الروائية الجديدة، اللبنانية منها خصوصاً، والعربية عموماً. والمعرض لهذا السبب يحتضن مؤتمراً حول «الرواية اللبنانية» على امتداد أيامه. انها فترة نضج أو تكريس الفن الروائي بأسمائه وعناوينه وتقاليده المحلية، عدا عن إهتمام دور النشر وعنايتها به ودفعه الى واجهة اصداراتها، حتى ليبدو ان الدار التي لا تعنى بنشر الروايات غائبة عن الذائقة الحاضرة، لقد حلت الرواية في مكانة تجعلها هي «الكتاب»، ثمة ارتقاء حتى في نوعية طباعة الرواية والانتباه الشديد لغلافها وورقها.. عدا عن «البرستيج» الخاص الذي صار يمتلكه كل اسم روائي. وهذا هو الانقلاب الكبير في الأدب اللبناني.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى