صفحات العالم

معركتا دمشق و حلب


    علي حماده

مع مغادرة القسم الاكبر من المراقبين الدوليين سوريا، يمكن القول إن المجتمع الدولي قد سلّم بأن سوريا صارت ساحة حرب حقيقية، وان مهمات من نوع المراقبة ما عادت تفيد. انها علامة من علامات الحرب المفتوحة التي يبدو ان العالم يتعايش معها من غير صعوبة تذكر. هذا ليس فأل خير بل انه مؤشر الى حرب قد تطول والى مزيد من الشهداء والكثير من الآلام في سوريا. كما انه مؤشر آخر يضاف الى سلسلة تفيد بأن المجتمع الدولي ليس في وارد التدخل لوقف المذبحة الجارية في سوريا، وهو اذ يستنكر القتل و الذبح والتخريب الذي يمارسه نظام بشار الاسد ضد شعبه، فإنه لا يريد حتى اليوم القيام بعمل جدي على أرض الواقع يضع حدا لما يجري. هذا يقودنا الى خلاصة واحدة ان الشعب السوري وحده مدعو الى المقاومة، ووحده مدعو الى الانتصار على بشار و بطانته. ولا يساورنا شك في ان الثورة السورية قد أسقطت من حساباتها التدخل الدولي وباتت تعتبر ان الثورة و الثوار في الداخل وحدهم قادرون على صنع الانتصار. وهذا بالتحديد ما يحدث: فتح معركتي دمشق وحلب، أكبر تجمعين سكانيين في سوريا، وبالتوازي يقوم على هذا المعطى ان السوريين ينبغي ان يعتمدوا على انفسهم. ومن هنا أهمية المعركتين، فهما تزعزعان أركان حكم بشار الاسد، وتحاصرانه في مناطق كان يتوهم في الاساس انها معزولة عن بقية الحراك الثوري، حتى ان البعض قال انها ثورة الارياف وستبقى في الارياف.

لمعركة دمشق اولا رمزيتها لكونها العاصمة و مركز الحكم والشرعية السياسية و التاريخية، وقد ادى فتحها الى تخفيف الضغط عن حمص ومنعها من السقوط، وهذا ما حصل، فضلا عن ان عملية قتل جنرالات خلية الازمة في مقر الامن القومي في دمشق شكلت نقلة نوعية ومفصلية في مسار الثورة. واليوم على رغم ان قوات بشار استعادت المبادرة في جزء من المناطق التي شهدت قتالا مع الجيش الحر، فإن بشار، الذي يقال ان شقيقه ماهر قد أصيب بجروح بالغة خلال التفجير، ما عاد يعرف طعم النوم في قصر فوق قاسيون ورصاص الثوار يلعلع في سماء قصره ليل نهار. والقسم الذي يسيطر عليه في دمشق محاصر بأحزمة الاحياء و المدن و البلدات الثائرة، وهو في وضع دفاعي.

أما حلب فهي مع محيطها أكبر التجمعات السكانية، وكان النظام يعتبرها من المناطق التي تواليه ولاء شبه تام بسبب تعقيداتها الديموغرافية، وولاء طبقة التجار ورجال الاعمال الذين استطاعوا ضبط الوضع ماليا مدة عام ونصف تقريبا. ولكن مفاجأة دخول “الجيش الحر” اليها وتمكنه من السيطرة على عدد من احيائها، مستفيدا من عمق مؤيد في ريف حلب وصولا الى الحدود مع تركيا، غيرت المعادلة الى حد بعيد لغير مصلحة بشار. و أهم ما في معركة حلب انها اذا نجحت فستكون أمنت أول منطقة عازلة في سوريا بقوى سورية ذاتية. وهذا تحديدا تحول عظيم الاهمية والأبعاد.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى