مع الحراك الشعبي في سورية.. وضد التدخل الأجنبي
عليان عليان
لم يواجه المثقفون العرب والقوى السياسية والنقابية العربية مشكلة في تحديد موقف لصالح الثورة في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، لكنهم واجهوا مشكلة واختلفوا في تحديد موقف جماعي حيال الحركة الاحتجاجية في سوريا، حيث شهدنا ولا نزال نشهد انقساماً عامودياً وأفقياً، ففي حين ذهب البعض الى ادانة قمع النظام السوري للجماهير السورية، وتأييد مطالب الحركة الاحتجاجية، وقف البعض الآخر موقف المشكك في الحركة وأهدافها ، في حين ذهب البعض الى محاولة تقديم قراءة موضوعية لما يحدث في في سوريا، دون أن يتخل عن موقفه في دعم الحراك الشعبي، ودون أن يقع في برلثن المخططات الغربية واستهدافاتها.
وحتى لا يساء الفهم ابتداء ، ورغم تثمين العديد وأنا منهم لمواقف النظام القومية، على صعيد الممانعة ودعم المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق، فإن لجوء النظام الى القمع واستسهال القتل أمر مدان جداً وان اللجوء الى الحل الامني فورا، هو من سهل مهمة التدخل الخارجي، وهو الذي فسح المجال أمام المؤامرات الخارجية مع ضرورة التاكيد أن الحركة الاحتجاجية هي حركة عفوية، وصادقة وبريئة وليست من صنع مؤامرات خارجية وأن مطالبها في الحرية والكرامة عادلة جدا، ومع ضرورة الاشارة هنا أن الى أن الموقف الممانع يفقد قيمته في ظل الاستمرار في تغييب الحريات. ً
وسر الخلاف في توحد المواقف حيال الثورتين المصرية والتونسية، وتناقضها حيال سوريا يكمن في أن
أن النظامين في كل من تونس ومصر مرتبطين بالادارة الأميركية، وبعلاقات متقدمة مع الكيان الصهيوني ناهيك أن نظام مبارك مرتبط بمعاهدة كامب ديفيد التي أخرجت مصر العروبة من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني وجعلت من النظام أداة طيعة لتمرير المخططات الصهيو- أميركية، في حين ان النظام السوري لعب دوراً ممانعاً وداعماً للمقاومة ولم يرتبط بمعاهدة مع الكيان الصهيوني، ولم يسمح بممارسة أي فعل تطبيعي معه.
قد يجادل البعض في تشخيص النظام السوري على النحو الذي ذكرت، تحت تأثير الدم والقمع الرهيب والمدان الذي مارسته أو تمارسه أجهزة الأمن السورية والذي راح ضحيته مئات الشهداء، أو تحت تأثير المواقف المسبقة والمبيتة من النظام قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية في آذار مارس الماضي، لكن شئنا أم أبينا فهو رغم سياسته الداخلية المرفوضة من قبل مساحة واسعة في الشارع السوري، إلا أنه قدم الدعم للمقاومة الفلسطينية والدعم السياسي والمادي لحزب الله، ورفض حتى اللحظة التسوية بالشروط الصهيو- أميركية، ناهيك أنه ساهم في افشال مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي بشرت بقربه كونداليزا رايس ابان العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، وفي الذاكرة ما قالته في اجابتها على أسئلة الصحافيين أثناء قدومها الى بيروت أثناء العدوان” أن الدماء التي تسيل في لبنان جراء الحرب، هي دماء مخاض الولادة للشرق الأوسط الجديد” مما عرض سوريا في حينه لسلة عقوبات أميركية وحصار اوروبي ومحاولات لعزلها دولياً، من بوابة محكمة الحريري الدولية !!
لكن هذه المواقف للنظام كما أسلفت تفقد وزنها وقيمتها، إذا لم يستجب لمطالب شعبه في الحرية والكرامة وما يهم هنا هو كيفية اخراج سوريا العروبة من دوامة القمع، ووصول الشعب السوري الى ديمقراطية عنوانها التعددية وتداول السلطة وفق عقد اجتماعي، يراعي بشكل رئيسي الثوابت الوطنية والقومية وبخاصة الموقف من قضيتي الحريات والصراع العربي- الصهيوني.
ومن واقع الحرص على سوريا الوطن والدولة والدور، وادراكاً من العديد من القوى والمثقفين أن اميركا لا تتحرك بناء على دوافع حقوق الانسان، خاصة وأنها صاحبة السجل الاجرامي الرئيسي بهذا الصدد وأنها تستهدف تقسيم الوطن وتدمير الدولة وكنتنتها وشطب الدور، خدمة لمصلحة الكيان الصهيوني فإنه يتوجب على النظام السوري ان يتوقف عن مسلسل القتل للشعب، وأن يميز في تعامله ما بين الحركة الاحتجاجية وما بين المسلحين الذين ينتمون الى بقايا رفعت الاسد وعبد الحليم خدام وبعض السلفيين المرتبطين بالخارج وان يستجيب لمطالب التغيير والاصلاح، التي تتبناها المعارضة الوطنية في الداخل وبعضها في الخارج لان عدم الاستجابة لها يسهل مهمة بعض أطراف المعارضة الخارجية، المرتبطة بواشنطن والممولة منها التي تستهدف معاقبة سوريا من بوابة مجلس الأمن، توطئة لتدخل استعماري أداته حلف الناتو، خدمة للمشروع الصهيو- أميركي في المنطقة ومن ثم تكرار السيناريو الأطلسي في ليبيا.
ولا نبالغ إذ نقول أن التوصيات التي خرج بها، مؤتمر قوى المعارضة الوطنية في دمشق في السابع والعشرين من شهر حزيران الماضي ، تشكل خشبة إنقاذ لسوريا الوطن والدولة والدور، خاصة أنه لا يمكن لأحد أن يشكك بأجندة الرموز الوطنية المعارضة التي شاركت في مؤتمر دمشق من أمثال ميشيل كيلو وحسن عبد العظيم ولؤي حسين وغيرهم ، ناهيك أن ” وثيقة العهد” الصادرة عن المؤتمر أكدت بوضوح جازم رفض المؤتمرين أي دعوة للتدويل أو للتدخل الخارجي في شؤون سورية، وأن الحلول الأمنية هي التي تسهل وتشجع التدخل الأجنبي”، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الرموز رغم اعتراضها على البنية الأمنية الداخلية وقانون الطواريء وغيره، ورغم تعرضها للملاحقة والاعتقال، إلأ انها سبق وأن ثمنت مواقف النظام القومية، في دعم المقاومة وفي رفض الاملاءات الاميركية.
ما تضمنته وثيقة العهد هي في التحليل النهائي مطالبة جريئة- ومن داخل دمشق نفسها وليس من انطاليا أو استنبول أو بلجيكا- للرئيس الأسد بأن ينقل طروحاته حول الاصلاح من دائرة الاعلان الى دائرة التطبيق، وأن يتحدى المعوقات الداخلية التي تقف في طريق الاصلاح، وبأن تكون لجان الاصلاح ومضامينه هي محصلة حوار وطني وليس نتيجة لقرار فوقي.
لقد تضمنت وثيقة “العهد” توصيات تضمن انقاذ سوريا من محنتها، فالمؤتمرون أعلنوا أنهم لم يكونوا وراء الانتفاضة الشعبية السلمية، لكنهم يؤكدون على دعمها، وأكدوا على انهاء اللجوء الى الحل الأمني وسحب قوى الأمن والجيش من المدن والبلدات السورية، وعلى تشكيل لجان تحقيق في قمع الحركة الاحتجاجية والإفراج عن المعتقلين ورفض وإدانة التحريض الطائفي، كشرط لا يمكن تجاوزه لتحقيق الاصلاح ولإنجاز ديمقراطية تعددية.
وأخيراً: فإن سماح النظام السوري بعقد مثل هذا المؤتمر لأول مرة في دمشق،- وفي ضوء التداعيات الاقليمية والدولية لما يحدث في سورية، وبخاصة الخشية من حدوث تغير في الموقفين الروسي والصيني- يشي بأن النظام اتخذ قراره بإجراء الحوار مع المعارضة الوطنية في الداخل، حول قضايا الاصلاح والتغيير، خاصة وأن خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير، انطوى على عناوين استجابة أولية، بشأن إمكانية اجراء حوار وطني حول تعديل الدستور.
كاتب من فلسطين
القدس العربي