مفارقة التداعيات الواسعة لموجة الاحتجاجات إفادة مباشرة للنظام السوري وإيران
روزانا بومنصف
في التسييل المحلي والاقليمي المباشر والاولي لتداعيات التطورات التي تمثلت في ردود الفعل على الفيلم المسيء للاسلام والتي انطلقت من ليبيا بأعمال عنف طاولت السفارة الاميركية وأدت الى مقتل السفير وثلاثة من العاملين في السفارة وتفشي ردود الفعل الصاخبة الى عدد من الدول لا سيما منها تلك التي شهدت انتفاضات شعبية انها تصب بقوة في خانة مصلحة النظام السوري كما في مصلحة داعميه من ايران وصولا الى روسيا.
فبالنسبة الى النظام السوري يبدو غريباً ان تساهم ليبيا من دون قصد في المساهمة في اطالة عمر النظام للمرة الثانية. اذ ان التدخل الغربي لمصلحة الثوار في ليبيا ومساعدتهم في اقامة حكومة انتقالية في بنغازي ومن ثم اطاحة معمر القذافي على نحو اثار احتجاجا روسياً وصينياً ساهم في خدمة النظام السوري من حيث عطّل أي إمكان لتكرار ما حصل في ليبيا. اذ حين انطلقت الثورة في سوريا في آذار 2011 وشهدت ليبيا ما شهدته انكفأ العالم الغربي عن اي احتمال للتدخل في سوريا لمساعدة الثوار عملاً بالدرس الذي استقاه من ليبيا على صعد عدة وصولا الى مقتل القذافي. وبدا لمراقبين معنيين ان احداث ليبيا تدخلت مجددا في الايام الاخيرة بحيث قد تساهم في توفير المزيد من كسب الوقت للنظام على وقع المحاذير من انه اذا كان التغيير الديموقراطي المرتقب في سوريا ليكون مماثلا للذي حصل في ليبيا، فان الامر يستحق الانتظار وعدم الاستعجال ان لجهة دعم المعارضة السورية بالسلاح الذي قد يستخدم لاحقا كما استخدم السلاح في ايدي المجموعات الليبية او لجهة التريث في تأمين البديل غير المتوافر اصلا بالاستناد الى ما قالته المفوضة السامية للشؤون الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي كاترين آشتون قبل ايام من ان ليس لدى اوروبا حتى الان بديلا حقيقيا عن النظام القائم في دمشق. فهذا الكلام يصب من دون قصد على الارجح في خانة الايحاء باطالة امد الوضع السوري وله مفعول مختلف في المنطقة في ضوء الرهانات التي تعقد على تطور الاوضاع. وهذا لا يعني قطعا وجود توقعات ان يقبل الرئيس السوري التنحي غدا او بعد غد مع بدء الاخضر الابرهيمي في مهمته ايجاد حل للوضع السوري، لكن الظروف قد تعمل لمصلحته في عملية كسب الوقت راهنا والتي يعتقد كثر انه يراهن عليها في مهمة الابرهيمي كما مع سلفه كوفي انان.
وفي الاطار نفسه، فان هذه التطورات في ليبيا وبعض الدول العربية الاخرى قد تبرز وجهة النظر الروسية والمخاوف التي تبديها روسيا من التوجه الاسلامي المستقبلي في سوريا بعد رحيل الاسد كأنها اكثر واقعية من وجهة نظر الغرب الداعم للتغيير الديموقراطي في الدول العربية.
من جهة اخرى اقترب المشهد في بعض الدول العربية خصوصا تلك التي شهدت انتفاضات شعبية ادت الى وصول الاسلاميين الى السلطة في حادث الاعتداءات على السفارات الاميركية من ذلك المشهد التاريخي للثوار الايرانيين قبل ثلاثة عقود في حصار السفارة الاميركية في طهران وما ادى اليه لاحقا من قطع للعلاقات بين الولايات المتحدة وايران. وهذا المشهد ينزل بردا وسلاما على المسؤولين الايرانيين الذين حاولوا ان يجيروا ثورات العالم العربي لمصلحتهم وعلى سويتهم ومثالهم في العامين الماضيين من دون نجاح كبير لتأتي التطورات الاخيرة المتمثلة في رد فعل اسلامي على فيلم فردي مسيء للاسلام نشر وتم نقله عبر الانترنت ليصب في خانة المنطق الايراني من حيث لم تنتظر طهران هدية مماثلة في هذا التوقيت بالذات على رغم ان الانظمة في الدول المعنية لا تغطي في غالبيتها ما يحصل وتتصدى لعمليات الاعتداء على السفارات الاميركية. لكن تعميم نموذج المعاداة للولايات المتحدة وما يحصل تحت هذا العنوان امر يصب في مصلحة ايران وتوظيفها له في المرحلة اللاحقة كما يؤسس لمرحلة صعبة على المنطقة في حال كانت الشعوب المتمردة في المنطقة ستعتمد المسار نفسه الذي اعتمدته ايران والشعارات والعناوين نفسها. وهذا لا يعني ان الشعوب العربية كانت ستصمت في حال حصل امر مماثل في ظل وجود الديكتاتوريات في الحكم وتمتنع عن ردود فعل مشابهة للذي جرى في اليومين الاخيرين خصوصا ان بعض الانظمة حاولت جاهدة تصحيح ما حصل من خلال اعتذار الرئيس الليبي عما حصل في بنغازي وتصحيح الحكومة المصرية دعوتها لاقامة تظاهرات يوم امس الجمعة وتصدي السلطات في اليمن للمتظاهرين في صنعاء وقبلها في تونس. لكن المنحى السياسي العام للامور يخضع للتوظيف في خانات الربح والخسارة في هذه المرحلة.
الا ان ديبلوماسيين مراقبين يقولون انه من المبكر الحكم على نتائج الامور على هذه الاسس نظرا الى ان التغييرات التي حصلت لم تنضج بعد في الدول التي شهدت ثورات كما ان الانظمة ايضا لم تستقر وتنتظم مؤسساتيا ودستوريا بحيث يمكن استخلاص نتائج في هذا الاتجاه. وتاليا فمن المبكر الحكم على تطورات قد تكون مجرد رد فعل مبالغ فيه ما لم توظف لاحقا لاستكمالها على المستوى نفسه، وهناك علامات استفهام رسمت حول ضلوع تنظيم “القاعدة ” ودخوله على الخط في هذا الاطار، لكن من غير المستبعد ان يتم نسيانها بعد اسبوع كأن شيئا لم يكن على ما حصل سابقا في حوادث مماثلة .
النهار