صفحات الناس

مفتاح العودة السوريّ/ عدنان عبد الرزاق

 

اسطنبول

ارتفع صوت بكائها لدرجة العويل، قبل أن يصطحبها “القائد الميداني” في النبك بريف دمشق إلى بيتها، ويتعرضا لخطر القناصة المنتشرين على أسطح المنازل، كي تتمكن من إحضار مفتاح البيت، رغم أن أملها بالعودة بدأ يتلاشى.

هكذا روت الناشطة الإعلامية مها غزال لـ”العربي الجديد”. وكانت مها قد هجرت النبك وانتقلت من مرافقة الثوار في معارك القلمون، إلى العمل في مطعم في إسطنبول. فما هي قصة “مفتاح السوريين” وهل غدا رمزاً للتصميم على العودة، كما المفتاح الفلسطيني؟

تهدمت آمال السوريين بنسب متفاوتة، لكن حلم العودة مازال يتأرجح، ربما أقلّه لدى مُهجّري حمص. فما أصاب عاصمة ثورة السوريين من تهديم ومحاولات سرقة للممتلكات، بعد حرق”السجل المدني”، وما يقال عن محاولات النظام تغيير تركيبتها السكانية، جعل يسرا أقلّ أملاً بالعودة.

تروي يسرا بألم لـ”العربي الجديد”: “كان الخامس من مارس/آذار العام 2012 آخر يوم لي في حي الجورة في حمص القديمة. سبقنا الموت الذي تحمله القذائف وخرجنا. لكني أخذت مفتاح البيت، لأملي أنها ساعات أو ربما أيام وسنعود. لكن الساعات تحولت لسنين وها أنا أنظر إلى المفتاح كل يوم وأتخيل أني أفتح الباب وأدخل… رغم أن بيتي سويّ بالأرض”.

تتنبه يسرا كمن أفاق من حلم وتقول: “لكني سأعود ولو سكنت على أطلال بيت، إنه حقي ولن أتخلى عنه”.

تتابع المهجّرة الحمصية: “بيتي نصفه ميراث عن أهل زوجي، ونصفه الآخر سددنا ثمنه من عرقنا وعملنا ليل نهار. جدّدنا المطبخ واشترينا مكيّفاً”. قبل أن تنهي حديثها بالتالي: “لن أسمح لأحد بتسميتي لاجئة أو نازحة. وسأعود إلى بيتي في حمص مهما حاولوا تأجيل حلمنا وقتل قضيتنا”.

“تركت بيتي للثوار”

لا يزال المهندس نبيه السيد علي يزور مدينة بنّش في ريف إدلب كلما سنحت الفرصة. يقول: “أن تتكلم عن الثورة دون أن ترى ظروف الثوار فذاك هو الترف بعينه”.

لم يحمل السيد علي مفتاح بيته معه إلى تركيا، لأن البيت لم يقفل، بل تركه “في خدمة الثورة” ومسكناً للثوار الذين أتوا من خارج بنش أو الذين تهدمت بيوتهم.

يجيب كمن تعرض لإساءة عند سؤاله عن احتمال العودة يوماً. يقول: “بالتأكيد. أعوّل كثيراً على العودة إلى وطني سورية. وبيتي جزء صغير جداً منها. يتوجّب علينا تهيئة الظروف لعودة جميع المهجّرين وتعطيل عملية التهجير الممنهجة، وإفشال سياسة النظام المتبعة بهذا الخصوص. أعمل على أن تكون عودتي في القريب العاجل. الثورة منتصرة والمسألة مسألة ثمن وزمن. فأما الثمن فلقد عزمنا على دفعه مهما بلغ، وأما الزمن فنحسبه قريباً إن شاء الله”.

وعن رمزية المفتاح، وهل ثمة تشابه مع المفتاح الفلسطيني، يتابع السيد علي: “هناك تشابه ورمزية للمفتاح السوري والفلسطيني. ولكن بالنسبة للمفتاح السوري فهي جزئية ومناطقية ترتبط بمناطق محددة يرتكب فيها النظام جرائم حرب ممنهجة بحق المدنيين، ومن أهمها جرائم التهجير العرقي والديني والطائفي”.

بيتي الذي لا أملكه

كان اقتناء منزل بالنسبة للسوريين حلماً صعباً. فسعر أي منزل في دمشق، يعادل مجموع راتب موظف جامعي لمدة عشرين عاماً كحد أدنى. ليس كل من هاجر أو تهجّر، كان يمتلك بيتاً. فصفاء العلي أخذت مفتاح البيت معها قبل مغادرتها، رغم أنه مستأجر.

تقول العلي المتخصصة في علم النفس: “لم يكن لدي بيت ملكٌ لي. لكني استأجرت منزلاً جميلاً وقمت بتزيين كل ركن فيه بالورود وبالأثاث الجميل والبسيط. كنت أعمل في مدرسة خاصة براتب جيد، وأعيش أنا وأطفالي في هذا المنزل من دون أب. لذلك قمت بشراء كل أغراض المنزل بالتقسيط من الراتب. ملأت البيت بكل ما أحتاجه أنا وولديّ”.

تتابع العلي بحرقة ويأس من العودة: “بعد اندلاع الثورة بسنتين، وبعد المرور بعدة أحداث مميتة ودموية حصلت معي، وبعد تهديد أولادي بالموت والاقتحام أكثر من مرة، وبعد قصف مدرستي وترك العمل، وبعد الحصار والضيق والجوع والحرمان .. ازداد العنف أكثر واقترب القصف بالصواريخ من حيّنا. وفي أحد الأيام قام جيش النظام بقصف المنازل المجاورة في جديدة عرطوز في الغوطة الغربية. جاءت قذيفة أمامي أنا وأولادي. مات بعض الأطفال. وانفصل رأس جارتي عن جسدها أمام أعيننا. عندها فقط قررت الهجرة وأخذت المفتاح معي”.

وبألم تنهي صفاء: “تهجّرنا إلى أكثر من بلد عربي. لم نلق ما نستحق من الأشقاء. وحالياً تقدمت بأوراقي للهجرة إلى أوروبا، لأن سورية ضاعت”.

تتنوّع الآراء حول حتمية العودة والنظرة إلى المفتاح. ومن بينها ما قاله عضو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” خطيب بدلة الذي يشرح: “رميتُ المفتاح ولم آت به معي إلى تركيا، لأني بصراحة لا أعتقد أني سأعود قريباً. وقتما أعود لن يكون مفتاح البيت هو المشكلة”.

بدلة الذي كان يعيش في مدينة إدلب، لم ير فارقاً بين المفتاح الفلسطيني والسوري، لأن كلا المُحتلّين بحسب رأيه استيطانيّ، “لكن بشار الأسد سيزول والثورة ستنتصر، ووقتها لا يكون المفتاح، على أهمية رمزيته وإيلامه هو المشكلة”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى