رستم محمودصفحات سورية

مفهوم «نمط العيش» لدى مؤيدي الأسد/ رستم محمود

 

بشيء من التعميم، يمكن تصنيف الكتل المجتمعية السورية المؤيدة للأسد في ثلاث مجموعات رئيسة. مجموعة أولى من المتحدرين من عصبيات طائفية متنوعة، وأخرى مكونة من ذوي المداخيل المالية العالية، المستفيدين من آلية الفساد ومؤسسات الاحتكار الاقتصادي التي نمت في سورية خلال العقود الأخيرة، ومجموعة من المؤدلجين «العلمانيين» و «المدنيين» والقوميين.

لا يبدو ثمة شيء ثقافي أو إيديولوجي أو سياسي يُعتد به لاحم بين هذه المجموعات الثلاث، ولا تكوين ملمح إيديولوجي- ثقافي لمؤيدي الأسد. في الحوارات السورية البينية، يعجز هؤلاء عن تقديم أية «رؤية» سياسية أو دفاع معرفي، يشكل سبباً ومرجعية لمناصرتهم الأسد ونظامه، كما يعجزون عن تقديم أية دفوع ذهنية مقنعة لرفضهم للقيم الكلية للثورة السورية. لكنْ عادة ما يذكّرون بأن أنماط حياتهم المجتمعية وسلوكياتهم الفردية وحرياتهم العامة ستكون في خطر شديد، في ما لو حدث تغيير في رأس أو شكل الحكم! وأن الأسد ونظامه فحسب قادران على ضمان عيشهم الراهن.

ذلك المنطق يرتكز على «سوء فهم» سياسي متقصد، لكنه مغلف بتعالٍ ثقافي واجتماعي، ومتمحور حول شكل من المحافظة يرفض كل تغيير أو تحسين يطالان أطيافاً واسعة من المجتمع، حفاظاً على «مكتسب» نسبي يخص عيّنة بالغة الصغر.

تشكل هذه المداخل الثلاثة معاً نمطاً سورياً خاصاً من «الفاشية» يشكل الحفاظُ على نمط العيش جوهرها.

سياسياً، تفترض هذه الرؤية أن الثورة أداة «المسلمين السُنة» للوصول الى الحُكم، ولا ترى من المسلمين السنة إلا التيار المحافظ، كما تحجُر مرامي الثورة على ما يمكن أن يُملى مستقبلاً على المحكومين في أنماط عيشهم. وهذا سوء فهم متقصد، يريد أن يهمش ويهشم كل مشترَك بين تيار كبير من منخرطي الثورة وطبقات أخرى غير منخرطة: دولة تكون أوسع من السلطة، نظام سياسي أكثر حيوية، توزيع أعدل للثروة الوطنية، امتلاك أوسع للمستقبل، وتمثيل أوسع للسوريين في مؤسسات الحكم.

هذه الرؤية لا ترغب في الاعتراف بذلك، وتُنزل التصارع بين طرفي الصراع إلى مجرد تناحر ثقافي بين نمطي عيش! وهذا أيضاً سوء فهم متقصد. فالثورة السورية غير مستبطنة أية ميول رسالية، واتجاهها هذا، وقاعدته المجتمعية، هما الأقل استحواذاً على بعد ثقافي وإيديولوجي مجتمعي واع] لذاته. ثم إن هذا التفضيل لـ «نمط العيش» يأخذ بعداً إطلاقياً، متجاوزاً حدوده في الصراع الاجتماعي والثقافي المرن والناعم. فالتفاضل لم يعد بين نمطي عيش مختلفين، بل بين نمط عيش وبحر من الدماء والعذابات والمهجرين والمدن المدمرة. وهم، كي يُبعدوا الخطر المحتمل أو المتخيّل عن النمط ذاك، يغضون النظر عن الفظائع، وقد يشاركون وجدانياً وفعلياً في شرعنتها ما دامت تنزل بطامحين إلى نمط عيش آخر استحقّوا لأجله الموت.

أما اللطخة السوداء في الفاشية هذه، فتكمن في ما يرونه واجباً جديراً بالنقاش، حيث تكمن الذاتية المحافظة كلها. فبينما يذهب المنطق المقابل الى الحديث عن مستقبل البلاد ومواطنيها وشروط عيشهم، لا يعبر ذوو تلك النزعة إلا عن مخاوف قد تطاولهم وتطاول مكتسباتهم ومجالهم الخاص و «حرياتهم». وهو تنميط يختصر العام في الخاص، ويرمي بالمحكومين والمختلفين، ومعهم مظالمهم وأوجاعهم، في ما يهبط عما هو جدير بالنقاش. وهذا إحساس عميق بالاستملاك وبحصرية الجدارة.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى