مقاتلون أجانب في صفوف “الحشد الشعبي/ براندون والاس.
خلال اجتماع لدول “مجلس التعاون الخليجي” عُقد في4 أيار/مايو 2017، كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي محطّ انتقاد ظاهر من قبل وزير الداخلية البحريني راشد آل خليفة. فقد ناقش هذا الأخير التهديد الذي يطرحه تواطؤ العراق في ما يخص بعض عناصر “وحدات الحشد الشعبي” وتوفير إيران التدريب للأجانب، معربًا عن مخاوفه إزاء عودتهم إلى المملكة. وعلى الأثر، في 8 أيار/مايو صدرت بعض التقارير مفادها أن العبادي أوعز إلى وزير الداخلية قاسم الأعرجي بالحرص على عدم تدريب غير العراقيين.
فإنّ تدريب عناصر شيعة غير عراقية ضمن حدود العراق مثيرٌ للقلق بالفعل. وتكتسي هذه المسألة أهميةً متزايدة بالنسبة إلى صانعي السياسة الأمريكيين وسط ازدياد أعداد القتلى في البحرين، ومؤخرًا في السعودية. كما تتسبب ربما بشرخ بين حلفاء الولايات المتحدة على غرار دول الخليج والعراق، وتقوّض الانتعاش الاقتصادي وأهداف السياسة الخارجية في العراق.
السياق التاريخي
قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، نبعت دعوة الشيعة إلى العودة إلى الإسلام السياسي من مراكز عراقية للتعاليم الدينية. فعلى وجه الخصوص، كانت مجموعتان متناحرتان تتنافسان على السلطة هما “الدعوة” و “حركة الرساليين”. فاعتمد حزب “الدعوة” النظريات السياسية الخاصة بمدرسة “الحوزة العلمية” في النجف، في حين عكست “حركة الرساليين” مواقف محمد الحسيني الشيرازي الذي اتخذ من كربلاء مقرًا له. ونجحت السلطة الدينية في النجف في نشر “الدعوة” إلى مناطق شيعية على طول الخليج العربي في البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة. وفي المقابل، ركّز أتباع الشيرازي جهودهم باتجاه البحرين والسعودية وعُمان. وقد سعى الفريقان إلى حشد شيعة المنطقة من منطلق سياسي. وأصبح أتباع الشيرازي يُعرفون بالشيرازيين. وخوفًا من امتداد نفوذ أي طرف، نجح “حزب البعث” في طمس الأفكار السياسية التي نشرتها الجماعتان الشيعيتان في العراق خلال سبعينيات القرن الماضي.
أما في البحرين، فنشب صراع بين حزب “الدعوة” والشيرازيين لبسط النفوذ على سكان البلاد ذات الأغلبية الشيعية. وأسس ابن أخت الشيرازي سيد محمد تقي المدرسي – مهندس حركة الشيرازيين في البحرين – “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين”، حيث تمّ تعيين أخيه هادي المدرسي قائدًا للعملية. وعندما تمّت الإطاحة بالنظام الإيراني عام 1979، أصبح هادي المدرسي والشيرازيون الممثلين الشرعيين للخميني في البحرين. وفي آب/أغسطس 1979، اعتقلت الدولة المدرسي وتم ترحيله إلى إيران. ومن هناك، قادت حاشية المدرسي وأتباعه محاولة الانقلاب عام 1981 ومن ثمّ وجّهت “منظمة العمل الإسلامي” – وهي منظمة إسلامية شبه عسكرية – خلال حرب إيران-العراق بين 1980 و1988.
واستقر الشيرازي أيضًا في مدينة قُم عام 1979 وأسس تنظيمًا يروّج للثورة الإسلامية في العراق وشبه الجزيرة العربية. وفي عام 1982، استنزفت الحرب حزب “الدعوة”، فانضم أفراده إلى الشيرازيين لتشكيل “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق”. وقد استفادت الحركات الثورية الإيرانية في أنحاء الخليج من التنظيم القائم الذي أسسه الشيرازي وحزب “الدعوة”. وفي ثمانينيات القرن الفائت، صدّرت إيران نموذج “حزب الله” إلى جماعات من شيعة الخليج على غرار “حزب الله الحجاز” في السعودية أو “الجهاد الإسلامي” و”حزب الدعوة الإسلامية” في الكويت. وفي عام 1997، اعتقل المسؤولون الكويتيون 13 بحرينيًا وعراقيين اثنين في الكويت العاصمة، كانوا يخططون لشنّ هجمات تحت اسم “حزب الله الخليج”. وخلال هذه الفترة، كان الشيرازي القائد الروحي لعناصر “حركة الطلائع الرساليين”.
وفي الآونة الأخيرة، خلال حملة قمع المتظاهرين عام 2011، اجتمع عدد كبير من المقاتلين الشيعة ونظموا صفوفهم لمعارضة حكم آل خليفة في البحرين. وانضمت جماعات تمولها إيران على غرار “سرايا المختار” و”سرايا الأشتر” و”سرايا القرار” و”سرايا المقاومة الشعبية” إلى “حزب الله البحراني” القائم. ورغم أن شيعة الكويت كانوا مندمجين أكثر في المجتمع مقارنةً بنظرائهم في البحرين أو السعودية، استغل بعضهم على الأرجح شبكة فروع “حزب الله” العابرة للحدود. ففي 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، اعتقلت الأجهزة الأمنية ثلاثة مسؤولين عسكريين كويتيين إثر شبهات بارتباطهم بمخطط خلية إرهابية لتفجير سفارات في البحرين وقطر وجسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية.
البحرينيون والكويتيون في العراق
تمكّن بعض المقاتلين البحرينيين والكويتيين الشيعة من العبور إلى داخل العراق. وأشارت التقارير إلى أن مقاتلين دخلوا البلاد كسياح دينيين، علمًا أنه في كل عام يدخل ملايين المؤمنين الشيعة إلى العراق للحج في مدينة كربلاء المقدسة. وأظهرت تقارير أخرى أن عدد البحرينيين الذين يقاتلون في العراق يقدّر بنحو 40 عنصرًا، يليهم الكويتيون الذين يناهز عددهم 30 عنصرًا، في حين يتخطى العدد الإجمالي للمقاتلين الخليجيين 150 عنصرًا. وتشير تعليقات يتمّ تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن أعضاء من الحركة البحرينية “سرايا المختار” في العراق تقاتل في صفوف “وحدات الحشد الشعبي”. ويُعتبر ميثم الجمري المتحدث باسم المقاتلين الشيعة البحرينيين والكويتيين والخليجيين في العراق. ويظهر الجمري في عدد كبير من الشبكات الإعلامية – بما فيها “قناة النجباء” التابعة لـ “حركة النجباء” و”قناة بلادي” التابعة لحزب “الدعوة”. ويدّعي ارتباطه بمعسكر تدريب خاص بـ “قوات الحشد الشعبي” قرب النجف يدعوه “أحرار المنامة”، وهو شعار يشير إلى “ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير في البحرين. وقد أصدرت مملكة البحرين مذكرة توقيف بحقه لارتباطه بأعمال إرهابية.
والآن، يعود بعض هؤلاء المقاتلين إلى ديارهم، كاشفين عن خبرتهم القتالية التي يجب استخدامها سواء كان مدربوهم يعتزمون شنّ قتال مسلح في الخارج أو لا. وكانت البحرين قد اعتقلت مقاتلين تدربوا في العراق وعادوا إلى المملكة لشن هجمات. فعلى سبيل المثال، اعتقلت وزارة الداخلية البحرينية في 13 آب/أغسطس 2015 قاسم عبد الله علي الذي تزعم أنه تدرّب مع “حزب الله في العراق” قبل تهريب متفجرات إلى داخل البحرين. وفي 4 آذار/مارس 2017، اكتشفت وزارة الداخلية خلية إرهابية كبيرة – تضمّ 12 فردًا في العراق وإيران و10 فارين من عملية سجن “جو” في كانون الثاني/يناير، إضافةً إلى عنصر مقرّه في ألمانيا. وبعد بضعة أسابيع، أعلنت “وكالة أنباء البحرين” عن سلسلة أخرى من الاعتقالات – مفككةً خلية مؤلفة من 14 شخصًا كانوا يخططون لاغتيال مسؤولين بارزين. وأفادت البحرين أن خمسة عناصر تدربوا في العراق على يد “كتائب حزب الله”. وذكرت وزارة الداخلية أن الخلية كانت تعمل تحت إشراف قائديها – قاسم عبد الله علي ومرتضى مجيد السندي – الموجودين في إيران. وفي الشهر نفسه، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السندي – ورجلًا آخر، وهو أحمد حسن يوسف – على “قائمة الإرهابيين العالميين الخاصة” لارتباطهم بجماعة “سرايا الأشتر” البحرينية. وفي الكويت، تواجه السلطات تحديات مماثلة. ففي 14 آب/أغسطس 2015، كشفت البلاد عن إدخال ما مجموعه 19 ألف كيلوغرام من الذخيرة و144 كيلوغرامًا من المتفجرات و68 سلاحًا و204 قنابل عبر الحدود العراقية. وأدت هذه الحادثة إلى اعتقال 26 كويتيًا شيعيًا مرتبطين بإيران و”حزب الله”.
هذا ويهدد المقاتلون العراقيون في “وحدات الحشد الشعبي” بانتظام باستخدام العنف ضد قيادات دول الخليج بسبب قمعها للحقوق السياسية والدينية ضمن المجتمعات الشيعية في الخليج. ففي 21 حزيران/يونيو 2016، حذّر أمين عام “كتائب سيد الشهداء” مملكة البحرين ودعا إلى دعم المقاومة الشيعية بعدما تمّ تجريد رجل دين شيعي بارز من جنسيته. وبعد عام تقريبا، دعا زعيم “عصائب أهل الحق” العراقي قيس الخزعلي بدوره إلى العنف المسلّح ضد حكومتي البحرين والسعودية. وفي 18 شباط/فبراير 2017، صنّفت الولايات المتحدة “كتائب حزب الله”، أحد فصائل “وحدات الحشد الشعبي”، جماعةً إرهابية، متذرعةً بدعمها العمليات المسلحة التي نفذتها “سرايا الأشتر” البحرينية ضد الطبقة الحاكمة. وأصدرت الكويت حكمًا غيابيًا بحق قائد “كتائب حزب الله” أبو مهدي المهندس بسبب ضلوعه في تفجيرات الكويت عام 1983، كما صنّفته الولايات المتحدة إرهابيًا ونائب القائد الرسمي لـ “وحدات الحشد الشعبي”. وفي 6 أيار/مايو 2017، عمد أكرم الكعبي، وهو القائد العراقي لـ “حركة النجباء” المنبثقة عن جماعة “عصائب أهل الحق” وأحد فصائل “وحدات الحشد الشعبي”، إلى تهديد مملكة البحرين.
وتحمل هذه الكلمات تأثيرًا ملموسًا، إذ يُعتبر العراق معبرًا أساسيًا لشحن كميات متزايدة من الأسلحة والمتفجرات التي تصل إلى البحرين والسعودية. وفي 30 كانون الأول/ديسمبر 2013، اعترض خفر السواحل البحريني قاربًا آتيًا من العراق ومحملًا بمتفجرات – بما فيها 50 قنبلة إيرانية الصنع وما يقارب 300 جهاز متفجر يحمل علامة “صنع في سوريا”. وفي 8 أيار/مايو 2015، أوقف المسؤولون البحرينيون سائقًا عراقيًا يحاول تهريب عبوات ناسفة متطورة خارقة للدروع عبر جسر الملك فهد. فضلًا عن ذلك، في 18 أيار/مايو 2017، اعترض خفر السواحل الكويتي قاربًا يقلّ عراقيين مسلحين إلى الكويت.
التداعيات السياسية
تؤدي هذه التوترات إلى التفرقة بين حلفاء رئيسيين. فالبحرين والكويت والسعودية والعراق كلها دول شريكة أمنية للولايات المتحدة. وتخلق هذه التوترات غير الضرورية بين هذه الدول أمام المخططين الدفاعيين الأمريكيين تعقيدات هم بغنى عنها. وتزيد الميليشيات الشيعية العابرة للحدود من احتمال أن يُقدم حلفاء الولايات المتحدة في الخليج على قتل مواطنين عراقيين عن غير قصد. ويمكن أن تحمّل الأزمات الدبلوماسية الدولة العراقية مسؤولية القتال المسلح في الخليج. ويُذكر أن العراق نفسه متضرر من القتال المسلح الفرعي. هذا ومن المزمع أن تستضيف الكويت مؤتمرًا مهمًا حول إعادة إعمار العراق هذا العام، كما يحاول رئيس الوزراء العراقي إطلاق سياسة خارجية جديدة تقوم على الحياد في إطار الحرب الباردة الطائفية التي تشهدها المنطقة. وخلال الشهر الفائت، أجرى العبادي جولةً دبلوماسية تضمنت وقفات على مستوى عالٍ في الرياض وجدة وكذلك طهران والكويت العاصمة. حتى أن الزعيم الشيعي العراقي النافذ مقتضى الصدر زار السعودية، للمرة الأولى منذ 2006، وكذلك الإمارات العربية المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن التدخل العراقي في الخارج قد يسفر عن عمليات قمع محليًا بسبب عوامل مفاقمة بالنسبة إلى دول الخليج.
وفي خطاب ناري أدلى به العبادي في 5 آب/أغسطس 2017، انتقد بشدة حلّ “وحدات الحشد الشعبي”. ونظرًا إلى أن هذه الوحدات تخضع لسلطة رئيس الوزراء، لا بدّ من أن يحدد العراق من سيكون مسؤولًا عن إزالة العناصر المارقة – وهي مشكلة سوف تتفاقم فحسب في الانتخابات المقبلة. وقد تكون يدا العبادي مكبلتين من الناحية التشريعية على المدى القصير. كما تتطلب هذه المسألة حضور الولايات المتحدة الراسخ – على سبيل المثال، المواظبة على تطبيق وسائل مكافحة الإرهاب على غرار سلطة “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” على الجماعات المصنفة بالإرهابية مثل “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”.
وفي نهاية المطاف، لا بدّ من أن يُعدّ المشرعون العراقيون بنيةً تحتية قانونية تحدّ من عمليات وعديد “وحدات الحشد الشعبي” بشكلٍ صارم، علمًا أنه من الصعب معرفة أي مجموعات من “وحدات الحشد الشعبي” قد درّبت متطوعين من دون التنبه إلى الجنسية وأي مجموعات درّبت بمعرفة مسبقة أجانب بنوايا سيئة. وتمثّل الممارسة الفضلى – ألا وهي تجريد برامج “الحشد الشعبي” التدريبية من كافة العناصر غير العراقيين بشكل قانوني – فوزًا على ثلاث جبهات بالنسبة إلى العراق والدول الإقليمية والولايات المتحدة.
باحث مستقل
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى