مقاربة الأزمة السورية وفق المنظور الغربي
غازي دحمان
تأتي مهمة المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، كوفي أنان، في إطار السياق الغربي الذي يتعاطى مع الأزمة السورية بوصفها قضية معقدة ومركبة ومن شأن تفجرها أن تكون له ارتدادات واسعة وخطيرة على الإقليم، وتزاوج هذه الرؤية بين حساسيات الدول الإقليمية وحسابات القوى الغربية من جهة، وكذلك الالتزامات الغربية مع كل من روسيا والصين .
ولعل حالة التشابك، في الأزمة السورية، بين داخل تطيف إلى أبعد الحدود، وكتلة عسكرية كبيرة ومنحازة لطرف بعينه، إضافة لوجود جوار إقليمي يقف على عتبة الإنفجار، هي عناصر في رأي الغرب تحتاج إلى عملية هندسية لتفكيكها، والواضح هنا أن استراتجية الغرب في ذلك تقوم باتجاهين متزامنين ومتوازين:
– الاتجاه الأول: يبدأ ببناء مسار قانوني تراكمه قرارات مجلس الأمن، ومن خلاله يصار إلى انخراط الطرف الروسي في جملة هذه القرارات والمبادرات، وجعلها شريكاً في الحل، لغاية الوصول إلى عزل نظام الأسد عن شبكة الحماية الدولية، والواضح أن مهمة أنان تشكل بداية هذا المسار الذي يبدو أنه سيكون طويلاً ومؤلماً بالنسبة للشعب السوري، ولكنه من وجهة نظر الغرب أقل الخيارات المتاحة سوءاً .
– الاتجاه الثاني: محاولة اختراق الكتلة العسكرية، وتهيئة خيارات أخرى أمامها، غير خيار الالتصاق بالأسد في حال استمرار الأخير رفض إيجاد حل سياسي للأزمة، ومن ضمن هذه الخيارات، ضمان حصول الجيش على دور في التغيير المقبل، مع إمكانية إيجاد نوافذ للتخلص من الاتهامات، ويمكن في هذا السياق اعتبار العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على بعض الضباط الكبار في الجيش كنوع من ممارسة الضغوط عليهم لتفكيك ولائهم للأسد .
يدرك الغرب تماماً أنه ببقاء هاتين العقدتين، فإنه من الصعب إيجاد مخارج عملية للأزمة السورية، خصوصاً وأن الجوار الإقليمي تكرس كعامل غير مساعد لإنجاح أي توجه دولي في المسألة السورية، فقد توضح تماماً بأن تركيا تواجه حزمة من التعقيدات الداخلية والإقليمية المعقدة، كما أن الأردن الذي يتداخل مع سوريا في المجالين الجغرافي والديمغرافي يتعامل بحذر كبير مع الأزمة لخوفه من انتشار السلاح واحتمال انتقال جزء منه إلى أراضيه مما يهدد النظام الموجود الذي يعاني مما يكفي من التعقيدات، في حين أن لبنان يبدو وكأنه ينام ويصحو ويده على الزناد، حيث ترك المسؤولون فيه الأزمة السورية تتفاعل داخل مجتمعهم إلى حدها الأقصى .
في سياق آخر، وفي ظل وجود هذه الكتلة العسكرية الكبيرة وإمكانية رفدها من بعض الحلفاء الإقليميين، وكمية ونوعية الذخيرة التي تمتلكها، فإن الأزمة مرشحة لأن تطول زمناً أكبر ويكون لها جولات دموية وجنونية في مراحل معينة، وبخاصة بعد أن تكشف أن الجسم العسكري الأفعل قد جرى بناؤه بطريقة يصعب إحداث أي خرق في داخله، باعتباره كتلة متراصة ومنسجمة في المصلحة والفعل، كما أن هذه الكتلة لا تشكل قاطرة النظام وحسب، بل جسمه الأساسي، ولا توجد فيها مفاصل متمايزة ومرنة بما يسمح لها الانفصال عن النظام والاستمرار كمؤسسة عسكرية مستقلة، وبالتالي فإن مقولة إسقاط النظام بالقوة تعنيها تماماً .
ولكن كيف يمكن لمهمة أنان تفكيك هذه الحالة المتشابكة وتحقيق اختراق ما في الأزمة السورية. لا شك بأن هذه المهمة ترتكز على استراتيجية غربية تقوم على فتح نوافذ معينة لأطراف الأزمة، وتأمين خطوط التراجع لها، وذلك انطلاقاً من إدراك أصحاب هذه الاستراتيجية بأن الأزمة وصلت إلى حدودها القصوى وأنها بعد ذلك ستكون مفتوحة على مشارف ومآلات يصبح التراجع معها غير ممكن وتكون بذلك قد تجاوزت مجال العمل السياسي، إضافة للاعتقاد بأن الأطراف قد استنفذت جزءاً كبيراً من رصيدها السياسي والديبلوماسي، وهي بحاجة إلى مبادرة معينة تساعدها على إعادة تموضع جديد من الأزمة بشروط جديدة .
وفق هذا التحليل، المبني أساساً على زاوية النظر الغربية للأزمة واستراتيجية حلها، تبدو الأزمة السورية تتجه صوب التفكيك، وبخاصة في مفاصلها الأساسية، وهي مرحلة أولى وضرورية للخروج الآمن لكل أطراف الأزمة عبر إيجاد مخرج متفق على حدوده الدنيا، غير أن ذلك لا يضمن بالضرورة نجاح مهمة أنان بخاصة وأن البيئة التي تتغذى منها الأزمة، بمكوناتها الداخلية والخارجية، تتسم بطابع متوتر إلى أبعد الحدود وتمتلك القدرة على تأمين الشحن الفائض للأزمة بما يضمن استمرارها وبلوغها درجاتها القصوى.
المستقبل