صفحات العالم

مقاربة “حزب الله” للثورة السورية.. معضلة أخلاقية ونتائج كارثية!


                                            فادي شامية

للكثير من اتباعه؛ يبدو “حزب الله” منزهاً عن الأخطاء، مرفعاً عن الخطايا، لكن النظرة الموضوعية تكشف كل يوم فصولاً جديدة من حجم المعضلة الأخلاقية التي يعانيها هذا الحزب، جراء مقاربته للكثير من الملفات الكبرى؛ وعلى رأسها الثورة السورية.

“الفضيحة” الأخلاقية!

في مقاربته للثورة السورية؛ لم يتورع “حزب الله” عن تدمير أحد أهم أركان خطابه التعبوي؛ وهو الوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة. لم يكشف موقفه هذا عن طائفيته وحسب (خصوصاً إذا ما قورن بموقفه من الحراك الشعبي في البحرين)، وإنما أوقعه في “فضيحة أخلاقية”، لأنه اتخذ موقفاً معكوساً للواقعة التاريخية الأكثر أهمية في الفكر الشيعي، أي واقعة كربلاء، ذلك أن المقارنة بها تظهر الحزب في جانب قتلة الإمام الحسين الذي قُتل شهيداً مظلوماً، وإلا فإن شعار أتباع الحسين الخالد: “هيهات منا الذلة” هو نفسه شعار “الموت ولا المذلة” الذي استخرجه الشعب السوري من رحم الظلم، حتى تساوى لديه الموت والحياة، ما بقي تحت حكم نظامٍ؛ لا داعي للإطالة في وصف انتهاكه القيم الإنسانية. وتزداد هذه الفضيحة حجماً لدى مقارنة مواقف الحزب من الثورات العربية السابقة للثورة السورية، وما بات عليه موقفه عند قيامها، مع أن الظلم في سوريا أشد من أي ظلم أو فساد في باقي دول “الربيع العربي”.

أكثر من ذلك؛ إذ لم يكتفِ “حزب الله” بتأييد الظالم؛ وإنما شاركه في قمع السوريين الذين فتحوا بيوتهم لجمهوره في حرب تموز (قبل أقل من خمس سنوات على بدء الثورة)؛ فآووا مناصريه، واقتسموا معهم الطعام والشراب، ومجّدوا قائده… فإذا به اليوم يرفض استقبالهم في مناطقه (من قبل اختطاف الحجاج)، ويمنع إقامة مخيمات تحفظ كرامتهم، ويسهم في قتلهم في سوريا، وخطفهم والتجسس على ناشطيهم في لبنان… في موقف موصوف من قلة الوفاء!. قلة الوفاء نفسها انسحبت أيضاً على من وقف إلى جانب الشعب السوري؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر صار “الأمير المقاوم”، وحامل مفتاح بنت جبيل، و”معمِّر الجنوب”… “خائناً” للأمة، “متآمراً على المقاومة”، عميلاً لأميركا التي تقيم في بلده أكبر قواعدها في المنطقة… فيما عبارات “شكراً قطر” ما زال بعضها صامداً على بعض الجدران في لبنان إلى يومنا هذا. يصح هذا الوصف على قناة “الجزيرة” المقاوِمة “سابقاً”، وعلى كل ما له علاقة بقطر أيضاً!!. وما يُقال عن الموقف من قطر يمكن أن يُقال مثله عن الموقف من تركيا وغيرها من الدول.

نتائج كارثية على الحزب وأتباعه

بعيداً عن القراءة الأخلاقية؛ فإن الواقع يظهر نتائج كارثية على الحزب وأتباعه، جراء الموقف من الثورة السورية. لا مبالغة في القول إن الصورة الذهنية الإيجابية التي بناها الحزب منذ أكثر من عشرين سنة في العالم العربي والإسلامي انقلبت إلى عكسها تماماً، بعد قيام الثورة السورية، ومن يزر العواصم العربية والإسلامية يدرك هذا الواقع بسهولة شديدة، وما طرد مراسل قناة “المنار” من ميدان التحرير في مصر قبل أيام إلا عيّنة بسيطة عن تبدل الموقف من “حزب الله”.

ولعل تبيان فداحة هذه “الكارثة” الشعبية يقتضي تسليط الضوء على ميادين لم تكن محايدة تجاه “حزب الله”، بل أيّدته حتى في صراعاته الداخلية اللبنانية، بلا حسابات مذهبية. ينطبق هذا الأمر على أكثر دول شمال افريقيا، وعدد من دول الخليج، وعلى رأسها قطر، التي تصلح مرة جديدة نموذجاً للمقارنة.

في هذه الإمارة الصغيرة يتحدث الناس اليوم عن تورط المخابرات السورية و”حزب الله” في حريق مركز “فيلاجيو” التجاري أواخر الشهر الماضي (أودى بحياة شخصاً). وبغض النظر عن صحة هذا الزعم؛ فإن تقبّل الناس له وانتشاره بينهم، رغم نفي وزارة الداخلية القطرية صحة ذلك مراراً، يُظهر كم تغير الموقف الشعبي تجاه حزب كان حتى الأمس القريب مبجلاً بينهم، ثم انتهى به الحال أن صار اسمه لصيقاً بالأعمال الإجرامية!.

لدى السؤال في قطر عن سبب حظر سفر القطريين إلى لبنان – المحبب إلى قلوبهم في الصيف – يقولون: “حزب الله”. عند مناقشة القضية السورية تنزل اللعنات على “حزب الله”. في معرض بحث المشكلات الداخلية اللبنانية؛ يتحدث الجميع أيضاً عن حكومة “حزب الله”! لدى السياسيين والإعلاميين الذين يمكن إجراء حوار معهم تسمع الكلام نفسه عن قلة الوفاء والخيانة والخديعة… و”المشروع الصفوي”!. “حزب الله” يتربع في وسط ذلك كله.

وبطبيعة الحال؛ فإن “كارثية” النتائج لا تقتصر على “حزب الله” فحسب، بل تطال اللبنانيين جميعاً، والشيعة منهم بالدرجة الأولى، ولعل ضرب موسم السياحة هذا العام في لبنان (جراء حظر أو النصح بعدم سفر مواطني أهم الدول الخليجية إلى لبنان) هو مجرد مثال على الأضرار التي تصيب اللبنانيين جميعاً، جراء الموقف من “حزب الله”. ولا يقل عن ذلك خطورةً أن أعمال ووظائف اللبنانيين في دول الخليج باتت معرضة للخطر.

غير أن فداحة هذه النتائج تصيب اللبنانيين الشيعة بالدرجة الأولى. هؤلاء لم يعودوا قادرين، أقله في الأمد القريب، على مغادرة الأراضي اللبنانية من دون أن يلازمهم الخطر. مسألة خطف أحد عشر لبنانياً (شيعياً) مجرد تفصيل في هذه الكارثة، لأن الواقع اليوم أن كل شيعي مغادر للبنان عبر سوريا معرض للإساءة، حتى تستقر أوضاع سوريا وتندمل الجراح جراء مواقف “حزب الله”.

ببساطة فإن ما صنعه الحزب كان عجيباً لدرجة أنه صار مضطراً لقبول وساطة الرئيس سعد الحريري – الذي حل محل السيد نصرالله في الشارع السوري – لإنقاذ مختطفين من جمهوره المنبوذ لدى هذا الشارع!. ليس قليلاً أبداً أن يتبدل موقف أكثرية شعب إلى نقيضه، خلال أشهر تجاه حزب يمثل الأكثرية في طائفة كبيرة.

مسلسل النتائج الكارثية لا يقتصر على ذلك؛ ففي دول الخليج لم يعد اللبناني الشيعي مرغوباً، وإذا ما ثبت أدنى علاقة له بـ”حزب الله”، فإن الترحيل مصيره. (يضاف هذا الواقع إلى واقع اللبنانيين الشيعة في افريقيا، المحاصرين بنظرات الريبة والمضايقة، ومثل ذلك يُقال عن إخوانهم في أميركا اللاتينية، لأسباب لا علاقة لها بالثورة السورية). ذلك كله في كفة، والتسبب في تصاعد الاحتقان المذهبي والتمييز ضد الشيعة في العالم الإسلامي كله، بسبب “حزب الله”، في كفة أخرى.

الخسائر بالجملة إذاً، ولجميع اللبنانيين منها نصيب. التعامي عن المشهد أو تبريره بتخوين العالم كله لا يجدي… أليس في الشارع الشيعي من يسأل: إلى أين أخذنا “حزب الله”؟!.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى