صفحات العالم

مقالات تتناول الدور الايراني في دعم النظام السوري

إيران والصفقة المستحيلة في سوريا

محمد السعيد ادريس

 الزيارة المهمة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إلى طهران يوم الأحد الماضي (29 يوليو/تموز) والتصريحات المثيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزير الخارجية السورية جدد الحديث عن “محورية الدور الإيراني” في الأزمة السورية وهو الدور الذي جرى تعمد تجاهله أو تعمد رفضه من جانب أطراف فاعلة في هذه الأزمة، لكن يبدو أن هذا التجاهل أو الرفض لم يكن له أي تأثير في الهروب من حقيقة الدور الإيراني المحوري الداعم للنظام السوري، هذه الحقيقة تؤكد أن إيران ليست أبداً في معرض التفريط في مصالحها الحيوية مع هذا النظام، وعندما نقول مصالح حيوية فإننا نعني مصالح “فوق استراتيجية” .

تعاملت الدول والقوى الساعية للتغيير في سوريا والحريصة على إسقاط نظام بشار الأسد بعناية فائقة مع الدورين الروسي والصيني، ربما يكون ل”الفيتو” الذي تملكه الدولتان دور في ذلك، وأهمية هذا الفيتو في تمرير قرار بتدخل دول في الأزمة السورية، لكن عندما يكون هذا التدخل مستعصياً ويكون لابد من إيجاد مخرج من مأزق “استحالة إسقاط النظام” عندها لن يكون هناك من “مهرب” للتعاطي مع إيران .

وليد المعلم أكد في زيارته لطهران أن استعادة الأمن في حلب أمر مؤكد على نحو ما تحقق في دمشق، وأن دحر “الإرهابيين”، وهو الوصف الذي يستخدمه النظام في حديثه عن قوات المعارضة، لن يحتاج المزيد من الوقت، أما علي أكبر صالحي فكان حريصاً على أن يصف مسعى إسقاط النظام السوري بأنه وهم . وما يمكن استخلاصه من هذين التصريحين، ومن زيارة المعلم لطهران في هذا الوقت بالذات، ثلاث مسائل شديدة الأهمية، أولها يخص ما قاله المعلم، وفحواه أن النظام ليس لديه أدنى تردد من حسم المواجهة في حلب عسكرياً من دون أي اعتبار للخسائر في الطرفين، ما يعني أن الحسم العسكري، سوف يتجه مع تصعيد عمليات المعارضة إلى الإفراط في استخدام القوة العسكرية مع ما قد يترتب على ذلك من احتمال نجاح النظام في إخماد “التمرد” أو من احتمال التعجيل بالتدخل العسكري الخارجي، ثانيها ما يخص تصريح علي أكبر صالحي حول “وهم” احتمال إسقاط النظام، فالواضح أن إيران قد حسمت ترددها بخصوص التدخل العلني لدعم النظام السوري، وأن هذا التدخل لن يكون بمعزل عن التنسيق مع كل من روسيا والصين، عندها ستجد أن إيران مرشحة للقيام بالدور الذي تقوم به تركيا الداعم للمعارضة، ويمكن أن يتم ذلك عبر العراق أو لبنان أو عبرهما معاً .

المسألة الثالثة المتعلقة بزيارة وليد المعلم لطهران في هذا التوقيت شديد الحرج بالنسبة للنظام السوري عقب اغتيال قياداته الأمنية، وامتداد المواجهة المسلحة إلى دمشق وحلب، وتأتي لتكمل المشهد الإيراني في سوريا، وتكشف أن تفصيل الاتفاقات الدفاعية والأمنية المشتركة بين البلدين بات ضرورياً، وأن هذا التفصيل يشمل أيضاً الدعم المالي والنفطي لمواجهة تداعيات العقوبات التي يجري فرضها ضد سوريا .

كل هذا يعني أن إيران تتجه للتورط في سوريا، ضاربة عرض الحائط بكل التردد في اتخاذ هذه الخطوة في ظل إدراك طهران لجدية المخاطر التي تواجه الحليف السوري الآن، وهو الحليف الذي اختار أن يضع عنقه أسفل المقصلة بدلاً من أن يفرط في تفكيك تحالفه مع إيران .

التورط الإيراني المحتمل في سوريا، رغم أنه تورط اضطراري، إلا أنه تورط لا مفر منه، في ظل قناعة إيرانية بأن المصالح الإيرانية في سوريا مصالح “حيوية” تفوق ما عداها من المصالح، وأن الدفاع عن سوريا هو دفاع عن إيران، بل هو معركة الدفاع الحقيقية عن إيران، أو معركة ما قبل المواجهة المباشرة على الأراضي الإيرانية .

إيران تدرك أن إسقاط النظام السوري هو أقوى ضربة يمكن أن توجه لها ومشروعها السياسي الشرق أوسطي، فسوريا هي حلقة الوصل بين إيران وبين كل من لبنان وفلسطين، كما أن بقاء سوريا قوية وحليفة هو صمام أمان للدفاع عن كل من لبنان وفلسطين . يأتي التزامن بين تورط أطراف عربية وإقليمية في الأزمة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد، وبين تصعيد البعد الطائفي ضد إيران في مجمل دول المنطقة ليزيد من خطورة إسقاط نظام بشار الأسد بالنسبة لإيران .

وسط هذا كله يبرز السؤال عن مدى احتمالية قبول إيران بخيار بشار الأسد؟ هل يمكن بعد كشف هذا كله أن تقبل إيران بذلك؟ وإذا كان هذا ممكناً فتحت أية شروط؟

السؤال شديد التعقيد في ظل إدراك إيران لأمرين: أولهما انها هي المستهدفة مباشرة في سوريا، وأن إصرار أطراف دولية وإقليمية وعربية على إسقاط نظام الأسد هو معركة استكمالية لإسقط نظام صدام حسين ضمن مشهد من إعادة ترسيم خرائط التحالفات وتوازنات القوى الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الربيع العربي، ومن ثم فإن النجاح في إسقاط نظام بشار الأسد سيفرض حتماً فرض ما يمكن تسميته ب”يالطا” جديدة في الشرق الأوسط، هدفها إعادة تقسيم مناطق النفوذ الدولية والإقليمية في المنطقة، وأن إيران لن تكون مستبعدة فقط من امتلاك فرص ان تكون طرفاً فاعلاً في هذا التقسيم بل ستكون على رأس من سيدفع الأثمان . ثانيهما أن التضحية بالنظام السوري تعني تعريض التزامات إيران نحو كل من لبنان وفلسطين للخطر، وهو أمر يمس مباشرة “شرعية النظام” الحاكم في طهران، الذي يجعل من هدف تحرير القدس والقضاء على النظام الصهيوني أحد مقومات مشروعه السياسي منذ تأسيسه عام 1979 .

الإجابة بناء على ذلك هي لا، أي أن إيران غير مستعدة للقبول بإسقاط النظام في سوريا، لكن تبقى الإجابة مفتوحة ومؤداها أنه في ظل شروط شديدة التعقيد يمكن أن تقبل إيران بإسقاط النظام، وهي شروط تسير في الاتجاه المعاكس تماماً للأهداف التي اجمعت كل الأطراف المشاركة الآن في مهمة إسقاط هذا النظام على تحقيقها .

فإيران لن تقبل بإسقاط النظام السوري إذا لم تكن طرفاً أساسياً في هندسة مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد، وإذا لم تحصل على ضمانات تؤكد بقاء سوريا حليفاً لإيران وداعماً لخيار المقاومة، وفوق هذا، ان تكون إيران مؤمنة في نظامها، أي أن تتوقف كل مخططات بعض الأطراف لاسقاط النظام، وأن تكون مؤمنة في مشروعها النووي، وأن تكون طرفاً شريكاً فاعلاً ومالكاً للنفوذ في كل من معادلات الأمن والسلام في الخليج العربي بامتداده العراقي .

هذه الشروط المستحيلة، هي ذاتها التي تجعل الصفقة مستحيلة، وتجعل قبول إيران بإسقاط نظام بشار مستحيلاً، والأهم انها تفرض على الجميع، ضرورة التعامل مع إيران كطرف له أهميته في البحث عن مخرج آمن ومضمون للأزمة السورية بعيداً عن خلفيات وأهداف الأطراف المعنية بإسقاط نظام الأسد بما فيها ما يخص إيران .

الخليج

الأربعاء

الواقعية.. يا سبحان الله!

طارق الحميد

بعد حرب عام 2006 في لبنان التي وقعت على أثر اختطاف حزب الله لجنديين إسرائيليين، وراح ضحيتها قرابة ألف ومائتي لبناني، خرج زعيم الحزب، حسن نصر الله، قائلا في رد له على البيان السعودي حينها الذي وصف تلك الحرب بأنها «مغامرة» من قبل حزب الله: «راهنوا على عقولكم، وسنراهن على مغامراتنا»!

ومن حينها تحولت «الواقعية» أو العقلانية، وبفضل ماكينة الإعلام الإيرانية، والمحسوبين عليها بمنطقتنا، إلى سبة، وباتت مرادفة للخنوع والاستسلام، كغيرها من المصطلحات التي أفرغها الإسلاميون، والعروبيون، والممانعون، وغيرهم من أصحاب الشعارات المزيفة، من محتواها، فأصبحت الواقعية تهمة تؤدي إلى أن ينتهي صاحبها، أو المطالب بها، إلى عميل لإسرائيل، أو الأميركيين، لكن الآن تغير كل ذلك، وأصبحت الواقعية بضاعة إيرانية فقط بسبب سوريا! فاليوم، وبكل بساطة، تخرج علينا إيران داعية إلى عقد مؤتمر حول الأوضاع في سوريا تقول طهران إنه سيدعى له فقط أصحاب «المواقف الواقعية» تجاه ما يحدث بسوريا! فالآن أصبحت الواقعية مطلبا لإيران، وعملائها بالمنطقة، الواقعية التي كانت نقيصة بالأمس، وعامل إدانة لمن ينادي بها، فيا سبحان الله.. الآن أصبحت إيران وعملاؤها بالمنطقة واقعيين! فأين واقعية إيران مما تفعله بغزة، واليمن، ولبنان، والعراق، والقطيف شرق السعودية، والبحرين، والكويت، والمغرب، ومصر، والقائمة تطول بالطبع؟ وقد يقول قائل: وهل إيران قوة عظمى حتى تتدخل بكل تلك الدول؟ والإجابة بسيطة، فإيران لا تتدخل لتبني، بل لتخرب، وباستغلال الطائفية، والعملاء، والإرهابيين، والتخريب أسهل من البناء بالطبع.

وعليه؛ فإن السؤال الآن هو من هم الواقعيون، أو العقلانيون، الذين سيلبون دعوة إيران لحضور مؤتمر عن سوريا؟ المؤكد أن كل من يملك ذرة عقل سيرفض المشاركة في لقاء مهمته التبرير لجرائم الأسد، وسينأى بنفسه عن جريمة التواطؤ مع طاغية دمشق ضد السوريين العزل، ومن يفعل عكس ذلك فلا علاقة له بالواقعية البتة، الواقعية التي باتت مطلبا اليوم بعد أن كانت نقيصة بالأمس يتهم صاحبها بالعمالة، والخيانة.

والحقيقة أن التقريع اليوم يجب أن لا ينحصر بإيران، وحزب الله، الباحثين عن الواقعية التي كانوا يشتمونها بالأمس، بل وعلى كل من صدقهم بمنطقتنا من ساسة، ومثقفين، وتحديدا منذ اغتيال رفيق الحريري، مرورا بحرب 2006، وحرب غزة، وغيرها من أحداث منطقتنا، حيث كنا نقرأ، ونسمع، من بعض هؤلاء الساسة، والمثقفين، ما يندى له الجبين وهم يبررون لإيران وحزب الله، ومعهم الأسد بالطبع، جرائمهم بالمنطقة، حيث انطلت على هؤلاء الساسة والمثقفين شعارات التحالف الإيراني المزيفة مثل الممانعة والمقاومة، ومن ضمن هؤلاء المثقفين كتاب سعوديون، أكاديميون وغير أكاديميين، فألا يشعر هؤلاء بالخجل اليوم من مواقفهم الشعبوية تلك، خصوصا وهم يسمعون إيران تتحدث الآن عن الواقعية التي كانت سبة بالأمس؟

ولذا؛ فالمفروض أن يسمى المؤتمر الذي تدعو إليه إيران اليوم بخصوص سوريا مؤتمر المتورطين بسقوط الأسد، وليس مؤتمر الواقعيين، فليس في حلفاء طهران، أو من يصدقونها بمنطقتنا، واقعي أو عقلاني أساسا.

الشرق الأوسط

لا تكونوا شركاء حزب الله!

طارق الحميد

أخيرا، وبعد مرور قرابة الثمانية عشر شهرا من عمر الثورة السورية، أقرت واشنطن رسميا بأن حزب الله الإيراني في لبنان متورط بشكل كامل بدعم النظام الأسدي تدريبا، ومشورة، كما أن الحزب يقوم وبمساعدة الحرس الثوري الإيراني بتقديم النقل والمؤن للأسد.

نقول أخيرا، لأن الإدارة الأميركية أشغلت الإعلام الغربي كله بالحديث عن وجود تنظيم القاعدة في سوريا، ودعما للثوار السوريين، وهو ما يوافق الرواية الأسدية المضللة، وأخذ الحديث عن «القاعدة» في سوريا حيزا كبيرا بين من يحاول الدفاع عن الأسد، ويقوم بترويج تلك القصص، وبين من يحاول النفي، وتسليط الضوء على معاناة السوريين، خصوصا أن «القاعدة» حليف قوي للنظام الأسدي، وتجلى ذلك باستخدام الأسد لـ«القاعدة في العراق»، بعد الغزو الأميركي مباشرة، بل وإلى فترة قريبة جدا.

اليوم تقر واشنطن بتدخلات حزب الله المعروفة أصلا بالنسبة للسوريين، وأبناء المنطقة، فتصريحات حسن نصر الله لا تخفي ذلك أساسا، ففي كل خطاب كان نصر الله يعلن تأييده للأسد، بل إن نصر الله وصف مقتل القيادات الأربع الأمنية الأسدية، ومنهم آصف شوكت، ووزير الدفاع السابق، بالشهداء، رغم كل ما فعلوه بالسوريين!

لكن القصة هنا ليست قصة دعم حزب الله وحده للأسد، بل وتورط الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وآخرهم الضباط الإيرانيون المعتقلون لدى الجيش السوري الحر في سوريا، وبالطبع هناك التصريحات الإيرانية الرسمية التي تقول إن طهران لن تقبل بكسر محور الممانعة الذي يشكل نظام الأسد ضلعا رئيسيا فيه، والأدلة أكثر من ذلك بكل تأكيد. ولكن رغم كل تلك الأدلة الدامغة كان الغرب، ومن ضمنه واشنطن، يتحدثون عن الطائفية، والحرب بالوكالة، و«القاعدة» وغيره من الأعذار الواهية، بينما كان الأسد – ولا يزال – يواصل قتل السوريين العزل، وحتى قبل حمل الثوار السوريين للسلاح الذي لا يكافئ حتى قوة سلاح الأسد الذي يتزود به من قبل إيران وحزب الله وموسكو، هذا عدا عن المقاتلين، والخبراء!

وما دامت واشنطن أقرت أخيرا بتدخلات حزب الله، وبالشراكة مع إيران، في سوريا لدعم نظام الأسد الإجرامي من أجل قمع الثورة السورية، فإن السؤال هنا هو: من الذي سيتولى الدفاع عن السوريين العزل؟ ومن الذي سيقف معهم بعد أن بات مجلس الأمن عاجزا عن إيقاف آلة القتل الأسدية؟ فهل على السوريين تحمل المزيد من القتل، والجرائم، حتى يفرغ السيد أوباما من الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ أمر لا يصدق، ولا يمكن تخيله، فالقصة ليست البعد الإنساني فقط، علما بأنه أهم من كل شيء، إلا أن تأخر مساعدة الثوار السوريين سيقود إلى تدمير سوريا بالكامل، وتهديد أمن المنطقة برمته.

فما يجب إدراكه الآن هو أن الأسد ساقط لا محالة، لكن تأخر سقوطه يعني أن الثمن سيكون أكثر تكلفة، ولذا فلا بد من تسليح الثوار، وفرض المناطق الآمنة، وحظر الطيران، وعدا عن ذلك فإنه يعتبر شراكة مع إيران وحزب الله في قمع السوريين، وتعريض أمن المنطقة كله لخطر أكبر من الخطر الذي يتهددها الآن.

الشرق الأوسط

«الصفقة» الأميركية- الايرانية ممكنة بتفاهمات على سورية وترتيبات أمنية

فاطمة الصمادي

هل هناك صفقة إيرانية- اميركية؟ وهل هناك محادثات أم مفاوضات إيرانية- أميركية؟

اسئلة قد تثير بعضهم بخاصة ممن يضعون العلاقة بين الطرفين في اطار المواجهة التي لا خيار سواها. وقد تأتي الإجابة عن هذه الأسئلة محتكمة للنفي، بخاصة من جانب الأطراف التي تضع المسألة في إطار التوتر، وغياب الظروف الملائمة لعقد محادثات أو صفقات، لكن مراجعة لتاريخ العلاقة تكشف أن المحادثات والصفقات كلها جاءت في أوج حالات الاحتقان والتراشق والسُباب السياسي.

لنا أن نتصور مشهداً لشخصين على خلاف، لكن بينهما منافع ومصالح مشتركة، تجبرهما على ركوب حافلة واحدة أحياناً، يستفيدان من كل أساليب الارتباط ليُطلع كل طرف الشريك الإجباري بما يريد، لكن مع الحفاظ على الهيئة المتجهمة والعابسة في وجه الطرف الآخر، ومع المواظبة على إيصال رسالة الى الآخرين بأنهما لن يتنازلا مطلقا. وهذا المثال يصدق على إيران وأميركا. فطوال اكثر من 30 سنة من القطيعة، كانت هناك مواقف مشتركة وجلسات حوار وحديث شفاف عن المواقف، والوقوف بحياد، وتبادل رسائل التهنئة أحياناً والنصيحة أحياناً أخرى والدعوة إلى مناظرة أحياناً أخرى من دون أن تغيب عن المشهد لهجة التهديد والوعيد.

رجال الثورة يحاورون الأميركيين

في 1980 جرت محادثات بين مسؤولين أميركيين وعدد من رجال الثورة الإيرانية أبرزهم الدكتور بهشتي، حيث أوصل للأميركيين رسالة بأن استقبال الشاه سيكون حافزاً على تقوية مشاعر العداء لأميركا لدى الشعب الإيراني، وأن اي محاولة للانقلاب على الثورة ستكون اميركا مسؤولة عنها بسبب نفوذها العميق داخل صفوف الجيش الإيراني.

أعقب ذلك لقاء بروس لينغلن وهنري بيركت مع رئيس الوزراء الإيراني مهدي بازركان ووزير خارجية الثورة في ذلك الوقت ابراهيم يزدي، حيث نقلا إليها رسالة بأن قبول الشاه على الأراضي الاميركية جاء لأسباب انسانية، وكان جواب يزدي أن استقبال الشاه أخرج الأمور في إيران عن السيطرة.

تكرر لقاء المسؤولين الإيرانيين مع الطرف الاميركي في احتفالات الذكرى الـ 25 لانتصار الثورة الجزائرية حيث جرت محادثات بين مهدي بازركان وإبراهيم يزدي ومصطفى جمران الذين حضروا الاحتفال، وبريجينسكي المستشار الأمني للرئيس الاميركي جيمي كارتر، وكانت هذه المحادثات قبل ثلاثة أيام من السيطرة على السفارة الاميركية في طهران.

كانت للكشف عن هذه المحادثات تبعاته على حكومة بازركان، حيث تصدى له حزب جمهوري اسلامي الذي أُسس على يد عدد من قادة الثورة ووجه بياناً ومساءلة لبازركان حول ما إذا كان اللقاء مع بريجينسكي ينسجم مع الحركة الثورية للشعب الإيراني، وقد يكون ذلك الشرارة التي أشعلت مشكلة احتلال السفارة.

ووجهت أحزاب إيرانية رسالة لبازركان تقول فيها إن السياسة الاميركية لن تتغير إلا بإقدامات ثورية وسياسية. وعلى رغم حديث المعارضين عن أن هذه المحادثات أُجريت من دون علم آية الله الخميني، إلا أن ابراهيم يزدي أعلن صراحة أن احتمال اللقاء مع مسؤولين اميركيين كان وارداً وتم وضع الخميني في صورة هذه الاحتمالية. وفي النهاية قادت أولى المحادثات إلى احتلال السفارة الاميركية، وإن كانت هذه المحادثات لم تصل إلى نتيجة في شأن 21 بليون دولار هي أرصدة إيران لدى اميركا، إضافة إلى مصير الشاه، فهي قادت إلى قطع العلاقات بين الجانبين.

بعد عام على ذلك، كان رئيس الحكومة محمد علي رجائي يصل إلى قناعة بضرورة حل مشكلة الرهائن، وتم قبول وساطة الجزائر مما ادى إلى اطلاق سراحهم. بعد ذلك بسنوات كان المستشار الأمني لرونالد ريغان ماك فارلين يصل إلى طهران عام 1986 لبحث قضية الرهائن في بيروت، وعلى رغم زعم الإيرانيين في شكل رسمي بأن المسؤولين الإيرانيين رفضوا إجراء محادثات معه وفريقه، لكن إيران تلقت كمية صواريخ اميركية بعد فترة قصيرة ومن ثم أطلق سراح أحد الرهائن الاميركيين، وقالت اميركا وقتها إن المحادثات تجاوزت موضوع الرهائن وبيع الأسلحة إلى إعادة العلاقات.

بعد اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر)، كان الرئيس الإيراني محمد خاتمي يتقدم بالتعزية الى الشعب الاميركي، ومع أن حكومة كلينتون ارسلت رسائل عدة تعبّر عن رغبتها بالحوار والتفاوض مع إيران وإعادة العلاقات، إلا أن حكومة خاتمي لم تستجب لذلك، ولم يفلح الاعتذار الرسمي الذي قدمته وزيرة الخارجية الاميركية عن دور بلادها في إسقاط حكومة مصدق الوطنية، في جعل خاتمي يصافح كلينتون، ويقال إنه لجأ إلى الدورة الصحية في ممر الأمم المتحدة حتى لا يضطر إلى مصافحة كلينتون.

وقبل الحرب على افغانستان، كانت محادثات سرية طويلة تجرى بين مسؤولين اميركيين وإيرانيين كما يكتب رايان كروكر في مذكراته، واستمرت المحادثات أيضاً حول موضوع الحرب في العراق.

مع مجيء نجاد إلى السلطة، ومن دون خوف من أي رد فعل، وجه خطاب نصيحة إلى بوش في أيار (مايو) 2006، لكن الرسالة التي تكونت من 18 صفحة لاقت استقبالاً بارداً من الطرف الاميركي. فهي لم تحمل أي مقترحات في شأن الموضوع النووي الإيراني، وإنما حملت مجموعة عظات… وقرأتها الصحافة الاميركية على أنها رغبة إيرانية في فتح باب للتفاوض. مع مجيء اوباما إلى الرئاسة واصل نجاد محاولات التقارب من خلال رسالة تهئنة لم ترض المحافل الأصولية في إيران.

وخلال السنوات الأخيرة، عقدت طهران محادثات مع الطرف الاميركي في شأن العراق وأفغانستان، ولا يوجد ما يمنع محادثات في شأن سورية أيضاً.

وفي الحديث عن صفقة استراتيجية مفترضة بين الجانبين، لا بد من العودة أولاً إلى حقيقة الموقف الإيراني من العلاقة، ويجدر هنا التوقف عند تصريحات صدرت أخيراً عن هاشمي رفسنجاني، في اجابة عن سؤال حول العلاقة مع اميركا، إذ يقول مستعيراً عبارة من ونستون شرشل: «بالنسبة الينا، ما من عدو دائم أو صديق دائم، الدائم لدينا هو مصالحنا الوطنية».

ويعتقد رفسنجاني الذي بدأ يستعيد حضوره على الساحة الإيرانية بعد الدفع بنجاد بعيداً من دائرة مقربي المرشد، أن هذا الشكل من العلاقة لا يمكن أن يستمر، فأميركا هي القوة الأولى في العالم، وما دامت لدول مثل الصين وروسيا حوارات وعلاقات مع اميركا، فلماذا لا يكون لنا كذلك؟

الحقيقة أن تصريحات رفسنجاني في هذا الوقت بالذات، تأتي منسجمة مع حالة نقاش عام في إيران ترمي إلى القبول بالحوار مع اميركا، بمعنى أن المفاوضات لا تعني الاستسلام للإرادة الاميركية. وإذا كانت فكرة الولاء والبراء المستمدة من القرآن هي التي حكمت جزءاً كبيراً من التوجه الإيراني نحو العلاقة مع واشنطن، فالآراء المرحبة بالتفاوض اليوم تقول إن «الاسلام لم يأمرنا بقطع العلاقة مع من يختلفون عنا في العقيدة».

مع تلك الدعوات، ما زالت إيران تنظر بعين الشك إلى سلوك اميركا السياسي نحوها… ولذلك، فإن أي صفقة مفترضة يجب أن تركز من وجهة النظر الإيرانية على حدوث تغيير فعلي في السياسية الاميركية يرتكز على محاور عدة أهمها: توقف الإدارة الاميركية عن القيام بأي فعل هدفه اسقاط النظام في إيران، احترام وحدة الأراضي الإيرانية، القبول بمشروعية دور إيران في المنطقة. وفي هذا السياق، تتعامل إيران مع ملفات العراق وأفغانستان كبالونات اختبار لما يمكن أن يقود إليه التفاوض مع الولايات المتحدة.

في الخطاب الإيراني على هذا الصعيد، لا بد من القيام بعملية تفكيك بين ثلاث مقولات في ما يتعلق بالعلاقات الإيرانية- الاميركية وهي:

1- المفاوضات.

2- العلاقات الديبلوماسية.

3- العلاقات الحسنة. ان صفقة مقبلة بين الطرفين لا تعني بالضرورة الوصول إلى العلاقات الحسنة بقدر ما يمكن وصفها بالإقرار المتبادل بمصالح كل طرف.

والملاحظة التي يمكن التوقف عندها، هي أن الجميع بمن فيهم من ينظرون عقائدياً وفكرياً الى خيار القطيعة يحمّلون الطرف الاميركي مسؤولية قطع العلاقات، ويعتقدون أن الخطأ الاميركي حدث منذ أن قررت الولايات المتحدة قطع العلاقات مع إيران.

لا تريد إيران لعلاقتها مع الولايات المتحدة أن تكون «علاقة الذئب بالحمل»، فأميركا من وجهة النظر الإيرانية تمارس سياسة سلطوية، والشروط الأربعة التي وضعتها للعلاقات مع إيران – وهي: رعاية حقوق الإنسان، عدم دعم الإرهاب، عدم السعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وعدم التدخل في عملية السلام بين العرب وإسرائيل – تصب في هذه الخانة، وطوال تاريخ العلاقة لم تتعامل الولايات المتحدة مع إيران كدولة مستقلة.

وعلى رغم محاولات عدد من الساسة الإيرانيين إحداث تقدم على مستوى عودة العلاقات، إلا أن السياسة الإيرانية في المجموع وبخاصة على صعيد قيادة الثورة لم تكن لديها رغبة قوية لإقامة علاقات مع الولايات المتحدة الاميركية. يصف الطرف الإيراني نمط التعامل الاميركي بأنه غير عادل، فاشتراط وقف الدعم عن «حزب الله» والمقاومة الفلسطينية مقابل إنهاء المقاطعة والعقوبات الاقتصادية هو أسلوب غير مناسب ومعاملة غير عادلة.

والسؤال الذي رافق على الدوام مشكلة العلاقات الإيرانية- الاميركية، ويطرح اليوم بقوة هو: إذا كان استئناف العلاقات أو إدامة القطيعة هو الذي يصب في مصلحة الشعب الإيراني؟

دعوة الى الحوار؟

على رغم حديث المصالح الذي يعلو الآن، فإن الحديث عن الاحترام المتبادل ودعوة إيران للحوار أمر يحدث للمرة الأولى، لا تستطيع إيران تجاهله. والسؤال الذي يطرح نفسه هو امكانية حدوث تسوية أميركية – إيرانية من دون تقديم ضمانات تكفل أمن الدولة العبرية ومصالحها. وهل يمكن أن تحدث إيران تغييراً كبيراً في ايديولوجيتها لإنجاح ذلك؟ وإن كان الجواب بالنفي، فإلى أي مدى يمكن كلاً من الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية فصل المسارين مع إسرائيل، بخاصة أن إيران تشكل بالنسبة الى إسرائيل عدواً وجودياً، خلافاً للحال مع أميركا حيث العداء مصلحي.

على صعيد الخطاب السياسي الإيراني، فإن هذا الخطاب لا ينبئ بأن إيران ستسجل تراجعاً في ما يتعلق بموقفها من إسرائيل. ولذلك، فإن وقف الدعم لـ «حزب الله» ليس مطروحاً كخيار في إيران بصرف النظر عن توجه الجناح الحاكم لإيران، وذلك ما يعبر عنه علي رضا سالاري، رئيس طاولة اميركا الشمالية في وزارة الخارجية الإيرانية بقوله: إيران التي أعرفها ليس فقط لن تعترف بإسرائيل كدولة بل ولن تقيم علاقات معها. ورفض الاعتراف هذا لا يأتي من فراغ، لأنه إن حدث فسيعني إفراغاً للثورة من مضمونها.

وإن كان تطبيع العلاقات مع واشنطن قد يعود بالنفع على الجانبين، إلا أنه قد يكلف طهران ثمناً سياسياً باهظاً، فالعداء مع اميركا بوصفها رأس الاستكبار وعدو المستضعفين، هو من القواعد الأساسية للثورة الإسلامية، واتساع الخلاف والمواجهة مع واشنطن سيمكّن الحكومة في طهران من تعزيز جبهتها الداخلية، سواء في حشد أنصارها أو لجم معارضيها.

ينظر خامنئي الى التصريحات الاميركية والمتضمنة الرغبة في التفاوض على أنها لا تعدو «كونها خدعة»، ويسخر من اعتقاد البعض بأن «التفاوض سيزيل العداء»، فالخصومة من وجهة نظره لا تزول بالتفاوض. وفي موضع آخر، يشرح أسباب رفض المحادثات لأكثر من مرة ويخلص إلى أن إيران وصلت إلى نتيجة بعد تفحص تجارب الدول الأخرى ومشورة أصحاب الاختصاص، فالتفاوض مع الولايات المتحدة الاميركية يتنافى مع المصالح الوطنية الإيرانية ويتعارض بالتالي معها. والسبب في رأيه هو الاستكبار، فالمستكبر عندما يجري محادثات مع دولة أخرى، فذلك لا يعني أنه سيقبل وجهة نظرها، ‏والاستكبار ليس وحده السبب، فخامنئي يرى في العلاقات والمفاوضات مع «دولة تعمل وتخصص موازنة للإطاحة بنظام الحكم في إيران حماقة وخيانة». لكن خامنئي لم ينف قيام علاقات بصورة قطعية وإنما أبقى الباب موارباً جاعلاً المسألة محكومة بمصلحة إيران، وسبق أن قال خامنئي في حديث للنخب الثقافية في مدينة يزد عام 2007: العلاقة مع اميركا في الوقت الحاضر لا تحمل أي نفع لإيران، ولكن في اليوم الذي ستكون فيه العلاقات ذات نفع للشعب الإيراني سأكون أول شخص يؤيد ذلك.

يطرح منظرو التقارب اليوم فكرة تقول: نحن لا نقول إن اميركا والجمهورية الإسلامية يجب أن تكونا دولتين صديقتين، لكن الطرفين يجب أن ينظرا إلى هذه القضية في شكل منطقي. فالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كانت بينهما حرب باردة، لكن اكبر سفارة لروسيا كانت في واشنطن وأكبر سفارة لأميركا كانت في موسكو.

وفي المجمل، فإن أي صفقة أو مفاوضات ستكون مرتكزة على عدد من القضايا:

الملف النووي الايراني: تتخذ قضية «الغرور الوطني» أو العزة الوطنية مكاناً بارزاً في الخطاب الإيراني وترتبط بصورة أساسية بالملف النووي، وقد ربط خامنئي بصورة علنية بين الموضوع النووي والعزة الوطنية، وأظهر استطلاع للرأي أُجري عام 2011 أن 98 في المئة من الإيرانيين (من بينهم معارضون للنظام) يعتبرون التمسك بالطاقة النووية حقاً وطنياً لإيران. ولذلك فليس مبالغة القول إنه لا يوجد زعيم في إيران يمكنه التراجع أو تقديم تنازلات في الموضوع النووي.

ما تريده إيران على هذا الصعيد هو القبول بها دولة نووية، ترى طهران أن «الإقرار بحقها في تخصيب اليورانيوم على اراضيها» هو الدليل الذي تريده كعلامة على صدق النيات. وتعتقد إيران أن الفتوى الصادرة على مرشد الثورة علي خامنئي في هذا الشأن هي الضمانة التي يطلبها الغرب وأميركا. وتؤكد الفتوى حرمة صنع وتخزين واستخدام السلاح النووي الذي يؤدي الى ازهاق ارواح بريئة او الإضرار بها وبالبيئة على المدى الطويل، معتبراً ان المبدأ الدفاعي في ايران لا يعتمد على اسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والجرثومية.

قطاع النفط والغاز: تريد إيران على هذا الصعيد الحصول على ضمانات تحد من سعي الولايات المتحدة التي تجهد للسيطرة على حقول النفط والغاز في تركمانستان في شكل جدي منذ عقد من الزمن، وتخطط لأنابيب نفط من تركمانستان عبر أفغانستان لتصل إلى بحر العرب، ولخط غاز من تركمانستان إلى باكستان مروراً بأفغانستان، وذلك للحد من النفوذ الروسي والإيراني في هذه المنطقة.

ولذلك، تريد إيران تراجع اميركا عن اجهاض خط الغاز بين إيران وأفغانستان، كما تريد انجاز مشروع خط النفط الذي يجمع بين تركمانستان وإيران وصولاً إلى بحر العرب، وذلك كفيل بتخليص إيران من قلقها الذي يتعاظم مع تعاظم حضور الولايات المتحدة في المناطق الحساسة والاستراتيجية في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز تحت غطاء «الناتو» من خلال معاهدات واتفاقيات اقتصادية وسياسية.

أمن منطقة الخليج والوجود العسكري الاجنبي: تبدو قضية الأمن بخاصة في منطقة الخليج هاجساً ملحاً بالنسبة الى إيران ومخططي سياستها، وخلال السنوات الخمس الماضية تكررت الدعوات الى ضرورة التوصل الى إتفاقية أمنية في الخليج، وتقول هذه الدراسات إن التحديات القائمة لا يمكن الجمهورية الإسلامية مواجهتها إلا بترتيبات أمنية واقتصادية وسياسية تتم بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي.

ترى طهران أن السياسات الأمنية والعسكرية للولايات المتحدة في منطقة الخليج ووجود قواتها المكثف بعد عام 1990 سبب اساسي في تعزيز مأزق الأمن في هذه المنطقة، وتقف عائقاً يضعف السعي للتقارب بين ايران والدول العربية. وتريد إيران من اميركا ألا تستثنيها من اي اتفاق أمني في شأن هذه المنطقة.

أفغانستان

إيران قلقة مما سيرتبه الخروج الاميركي من أفغانستان على الصعيدين الأمني والسياسي، على رغم دعوتها المتكررة لخروج القوات الأجنبية من هذا البلد، وتؤكد أن «أمن افغانستان هو أمن إيران». ومنذ أن دخلت الحكومة الأفغانية في محادثات مع الولايات المتحدة الأميركية «لتقنين الوجود العسكري الخارجي في أفغانستان» وإيران لا تكف عن الحديث عن التأثيرات الخطيرة لهذا التطور، بخاصة مع تزايد الحديث عن بقاء قواعد عسكرية أميركية في أفغانستان، حيث ستبقي الولايات المتحدة الأميركية قواعد عدة في نقاط إستراتيجية في هرات وقندهار ومزار شريف وبغرام ولغمان.

ويدور النقاش حالياً حول عدد هذه القواعد بين ثلاث وخمس وسبع قواعد ستستقر في مناطق عدة من أفغانستان.

ولن تقبل واشنطن بأقل من ثلاث قواعد، لأن روسيا والصين وإيران والهند ودول آسيا الوسطى تقع في دائرة الإستراتيجية الأميركية التي تحاك في أفغانستان، وستكون قاعدة بغرام أهمها إذ تعد القاعدة الاميركية الأهم في أفغانستان بسبب تجهيزاتها المتقدمة، والمساحة التي تقوم عليها والتي تتجاوز 20 هكتاراً. وبلغت تكلفة اقامة هذه القاعدة أكثر من 200 مليون دولار، وتضم سجناً مخفياً يحتجز فيه 700 سجين، تجرى فيه عمليات استجواب وتحقيق. وتقول إيران إن الولايات المتحدة توظف هذه القاعدة لإنجاز المهمات السرية وتطبيق سياستها تجاه دول المنطقة. وتؤكد أن طائرة التجسس من دون طيار التي اسقطتها أُطلقت من قاعدة في أفغانستان يرجح أنها بغرام. أخيراً، أعلنت طهران إلقاء القبض على جاسوس اميركي تلقى تدريباً في هذه القاعدة. وتصف إيران هذه القاعدة بأنها «تهديد أمني» لجيران أفغانستان. وما زال يتواجد على الأرض الأفغانية ما يتراوح بين 150 إلى 160 ألف جندي من 37 دولة، ومع تنفيذ المعاهدة سيتخذ الوجود الأميركي شكلاً أكثر تحديداً سواء من حيث الموقع أو عدد الجنود، وأياً يكن هذا الشكل، فإنه سيشكل تحدياً أو تهديداً أمنياً أو إستراتيجياً للدول المجاورة وفي مقدمها إيران.

وتبدي طهران قلقاً من نص مبهم في المعاهدة يقول إن أفغانستان «لن تكون منطلقاً لعمل عسكري اميركي ضد دولة أخرى»، ويتعلق السؤال بإمكانية أن تكون أفغانستان نقطة عبور أو توقف في أي عمل عسكري اميركي ضد إيران. كما أن الإبهام ما زال يحيط بموضوع القواعد العسكرية وكذلك الوظائف والأدوار التي ستضطلع بها هذه القواعد.

ويبدو أن القلق الإيراني يأخذ في الاعتبار ما يجري على حدودها الشمالية مع اذربيجان، خصوصاً أن القاعدة الجوية الاميركية هناك هي «الحل» الذي تتحدث عنه اسرائيل على صعيد تزويد طائراتها بالوقود اثناء شن هجوم على إيران.

وتربط إيران بين الوجود الاميركي على حدودها الشرقية في أفغانستان والوجود الذي يتعزز بالقرب من حدودها الشمالية، آخذة في الاعتبار السياسات الاميركية في منطقة بحر قزوين، التي تسعى إلى عزل ايران، ومد خطوط النفط من أذربيجان إلى تركيا في الغرب، وتعزيز حضورها العسكري المباشر في تلك المنطقة، فضلاً عن تعزيز وجودها في بلدانها المستقلة حديثاً نسبياً.

النفوذ الايراني في العراق

يحتل العراق مكانة مهمة في الإستراتيجية السياسية الإيرانية، إن لم يكن هو الأهم. وتهتم إيران في صورة أساسية بأن يبقى الشيعة من الاتجاهات السياسية المناصرة لها على رأس هرم السلطة والأكثر تأثيراً. وعلى رغم كون العراق يعيش حالياً حالة من الضعف وعدم الاستقرار السياسي، لكن موقعه الجيوبوليتيكي، وموقع العراق الحساس من جسم الأمة العربية ودوره في خلق التوازن الإقليمي في مواجهة القوى الأخرى غير العربية وفي مقدمها إيران، يبقى صاحب الدور الكبير في تعيين الرؤية المستقبلية للعراق. تتخذ الإستراتيجية الإيرانية صفة الواقعية العملية الرامية الى تحقيق وحماية مصالحها في العراق، وهذه الإستراتيجية تصاغ بتأثير: الموقف من المنافسين إقليمياً ودولياً، التغيرات في شمال العراق، قوة الشيعة سياسياً، المشكلات الحدودية وقضايا الخلاف. والعراق إلى اليوم من الممكن أن يشكل تهديداً للمنافع الوطنية الإيرانية. وتتراوح الإستراتيجية الإيرانية بين «تحقيق الأمن» و «صناعة الفرصة».

سورية: ما زالت إيران ببعدها الرسمي، ممثلة بالمرشد الأعلى للثورة والتيار الأصولي وعدد من المرجعيات الدينية تؤيد الحكومة السورية منذ بداية الثورة، وتعتقد أن:

– الثورة في سورية لا تملك شرعية الثورات العربية الأخرى.

– الثورة في سورية مرتبطة بالخارج.

– الحكومة السورية ما زالت تتحكم بالأوضاع ولن يكون مصير نظام الحكم فيها مشابهاً لما جرى لأنظمة زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي.

– استخدم التيار الأصولي الإيراني، مصطلحات مماثلة للمصطلحات التي استخدمت في مواجهة حالة الاحتجاج التي شهدتها إيران عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009. ومن هذه المصطلحات مصطلح «الفتنة».

لكن الخطاب الأصولي الإيراني تجاه الثورة في سورية لم يبقِ على ثباته، وشابه بعض التغيير، حيث جرى توجيه نقد مبطن لأداء الحكومة السورية على صعيد تنفيذ الإصلاحات. وعقدت إيران لقاءات مع المعارضة السورية، وطالبت بإجراء انتخابات حرة تضمن التعددية، لكنها ظلت تصر على منح وقت للأسد.

وتقف ايران بقوة امام التدخل العسكري الخارجي في سورية، وأرسلت رسائل تهديد واضحة بأن هذا الخيار يعني حالة حرب مع إيران.

ستواجه سورية عقوبات وحصاراً، وستقوم إيران بمواصلة تقديم الدعم المالي والسياسي للنظام السوري، وستقدم له خبراتها في مجال مواجهة العقوبات الاقتصادية والعسكرية، وسيكون للنفوذ الإيراني في العراق دوره في الالتفاف على العقوبات وكسر الحصار المفروض على دمشق. لكن ذلك يعني أيضاً أن تفتح إيران المجال لروسيا ليكون لها مزيد من النفوذ في سورية.

وقد تسعى إيران إلى محادثات مع المعارضة السورية، تحصل من خلالها إيران على ضمانات تحفظ بعض نفوذها، واستمرار وصول دعمها لـ «حزب الله»، مقابل أن ترفع طهران حمايتها عن الأسد وتدخل في عملية مفاوضات مع تركيا وروسيا وربما اميركا لترتيب مرحلة ما بعد الأسد. وهذا السيناريو وإن كان ليس المفضل بالنسبة الى طهران، إلا أنه خيار ستسعى إليه إن وصلت إلى قناعة بأن النظام السوري ساقط لا محالة. ويقال إن الرسالة التي حملها اردوغان من اوباما إلى خامنئي تضمنت في جزء منها دعوة اميركية لحل الأزمة في سورية بتعاون الأطراف المؤثرة مثل اميركا وروسيا وإيران.

وفقاً لعملية التفكيك السابقة، فالحديث عن تسوية أميركية- إيرانية قد لا يقود إلى مصالحة، وربما لن يتجاوز استئناف العلاقات، لكن الصفقة محتملة على قاعدة تفاهمات تشمل مناطق النفوذ والترتيبات الأمنية والحصص الاقتصادية، والملف الإسرائيلي لن يكون تفصيلاً عابراً فيها.

موقف الخميني من أميركا

القول بأن الخميني كان يرفض العلاقات مع اميركا بالمطلق يجانب الحقيقة. كان الخميني يرى أن العلاقات القائمة بين واشنطن وطهران، هي علاقات «السادة بالعبيد، ولذلك لا بد من تغييرها لتصبح علاقات سليمة»، كما ورد في كتابه «صحيفة النور»، واذا لم يكن تغييرها متاحاً فلا حاجة لها، وكان يردد: «ماذا نفعل بالعلاقة مع اميركا؟ نحن لا نحتاجها، هم الذين يحتاجون العلاقات معنا». وفي خلاصة، نستطيع القول إن خطاب الخميني -الذي ما زال حاضرا بقوة إلى اليوم- تجاه الولايات المتحدة الاميركية لم يكن يرفض العلاقة بصورة مطلقة، لكنها كانت مشروطة بألا تكون قائمة على التبعية، ووضَعَ حدوداً واضحة وحادة بين العلاقة والتبعية. وحدد الخميني خمسة شروط للعلاقات السليمة والحسنة:

الاحترام المتبادل – حق تقرير المصير – اجتناب اي شكل من أشكال إعمال السلطة أو البحث عنها – حفظ المنافع الوطنية – تحقيق العدالة.

يرى الخطاب الإيراني في أغلبه، أن مسألته مع الولايات المتحدة الاميركية هي مسألة «الاستكبار والاستضعاف»، وترى إيران أنها تقف في جبهة المستضعفين في مواجهة الجبهة الأخرى «المستكبرين»، مع ملاحظة أن إيران وإن كانت تدّعي حماية المستضعفين، إلا أنها تتحدث عن نفسها دائما كمستضعف.

ويقول رفسنجاني في مقابلة نشرتها فصلية الدراسات الدولية، إنه قام في السنوات الأخيرة من عمر الامام الخميني، بمخاطبته من خلال رسالة خطية، طرح خلالها سبعة موضوعات، نصح الخميني بأنها يجب أن تُحَلّ في حياته، لأنها بغير ذلك ستتحول إلى معضلة، وكان في مقدم هذه الموضوعات العلاقة مع اميركا.

الحياة

السبت

إيران وحقبة ما بعد الأسد

طه أوزهان

منذ نحو عام، طرحنا سؤالا هو: ماذا كان سيحدث إذا لم تدعم إيران النظام البعثي في سوريا؟ أشارت الإجابات عن هذا السؤال آنذاك إلى أن رياح التغيير الإيجابية كانت ستهب على منطقتنا من الاتجاهات السياسية والثقافية والجيوسياسية. نعم لو لم تدعم إيران الأسد، لكانت النتائج مختلفة عن كل ما حدث من إراقة للدماء والطائفية في سوريا ومواقف الدول من إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية، ومن «الربيع العربي» إلى المواقف الأميركية تجاه المنطقة، وكانت ستصبح إيجابية على شعوب المنطقة. مع الآسف لم يحدث هذا، حيث رفضت إيران أن تصبح طرفا مؤثرا أو فاعلا في المنطقة لتدعم النظام البعثي القريب منها آيديولوجيا والذي دخلت ضده أطول حرب في القرن العشرين. أدى هذا التنازل إلى موقف من الصعب إيجاد حل له، بالنسبة لكل من إيران والمنطقة.

وتواجه إيران، مثلها في ذلك مثل روسيا، مشكلة أكبر من استمرار حكم الأسد في سوريا، ألا وهي: ما الذي سيفعلانه بدون الأسد؟ فلن تغير نوعية الإجابة التي تقدمها روسيا عن هذا السؤال الوضع الجيوسياسي المبالغ فيه لروسيا أثناء حكم الأسد لسوريا. وأوضح آخر التحليلات أن روسيا سوف تكون طرفا فاعلا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط من الناحية الجيوسياسية في السيناريو الذي يغيب عنه الأسد كما كانت خلال الأعوام الأربعين الماضية، فغيابه ليس بالأمر المهم بالنسبة لروسيا.

الموقف مختلف بالنسبة لإيران، فقد فقدت الجمهورية الإيرانية الإسلامية، التي وصلت إلى سدة الحكم عن طريق ثورة شعبية، الكثير من شعبيتها بسبب موقفها تجاه الحراك الذي يحدث في سوريا. وحان الآن وقت طرح سؤال جديد، وهو: ما الذي يمكن أن تفعله إيران لتضميد جراحها بعد رحيل الأسد؟

للأسف لا توجد إجابة شافية يمكن أن تقدمها إيران عن هذا السؤال على المدى القريب. مع ذلك لا تزال أمام إيران فرصة لتغيير توجهها تماما والتراجع عن موقفها خلال حقبة ما بعد الأسد وتصبح بذلك طرفا قويا فاعلا في المنطقة.

منذ أربعة أيام فقط، زار مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، نظام البعث، الذي ترددت روسيا في زيارته خلال المرحلة الراهنة من اللعبة. ومن الواضح أن الأطراف السياسية الإيرانية لا تستطيع قراءة ما تشهده المنطقة من تطورات لأنها لم تتردد في التقاط الصور مع أفراد في نظام البعث، الذي لم يتبق له أي أصدقاء سوى روسيا، نتيجة ما اقترفه من قتل عشرات الآلاف من السوريين. على إيران تغيير نظرتها إلى المنطقة إذا كانت تريد حقا أن تصبح طرفا فاعلا فيها خلال حقبة ما بعد الأسد. ولن يكفي أن تتخذ موقفا ضد النظام البعثي في سوريا وهو عدو إسرائيل الذي لا يسبب لها مشاكل كثيرة. وعلى إيران أن تدرك الفرصة العظيمة السانحة لها حتى وإن شاركت في وقت متأخر. وعلى الحكومة الإيرانية إحداث تغيير في العلاقات التي باتت صعبة أو مستحيلة بسبب سوريا فورا. وتمثل سوريا من دون الأسد مخرجا لإيران، التي تريد إقامة علاقات سليمة مع مصر وتونس وليبيا، والاضطلاع بدور حاسم في المشهد السياسي اللبناني والعراقي، وإقامة علاقة استراتيجية مع تركيا والتخلص من الوصف الساخر لها بأنها جهة داعمة طائفية لحزب البعث. ولن يفيد الابتعاد ولو قليلا عن هذا الوصف إيران وحدها، بل المنطقة بأكملها، حيث حينها فقط لن يتم التشكيك في شرعية وشعبية الجمهورية الإيرانية الإسلامية.

لا ينبغي أن تضيع الثورة الإسلامية الإيرانية، التي كانت أكبر ثورة في القرن العشرين ضد الشاه، بتأثير من الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب المجازر التي يرتكبها النظام البعثي السوري.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

الشرق الأوسط

السبت

الخيارات الإيرانية في سورية ما بعد الأسد

أنس محمود الشيخ مظهر

من البدهي أن انتصار الثورة السورية سيقلب المعادلات كلها في المنطقة الممتدة من تركيا إلى العراق والخليج وانتهاء بإيران، فهل ستتمكن إيران من قلب المعادلة الجديدة لمصلحتها؟ الثورة السورية وإن كانت لم تصل إلى أهدافها حتى الآن إلا أن النصر فيها بات أمرا محسوما بكل المقاييس السياسية والعسكرية، ويجب أن ينحصر الحديث الآن على سورية ما بعد الثورة.  فسورية ما بعد بشار الأسد لا تقل خطورة عن سورية قبله لأن الباب فيها سيكون مفتوحا على كل الاحتمالات، ليس بسبب من سيتصدر المشهد السياسي هناك، فالشعب السوري أحرص منا على مصير ومستقبل بلده ومن يقوده، ولكن ما نخشاه هو القوى المتربصة بها من الخارج. فبزوال بشار تفقد إيران حليفا مهما، إذ كانت سورية تمثل الحلقة التي تصل إيران بالجانب الآخر من بلاد الشام والمتمثل بلبنان وحزب الله على وجه الخصوص. المواقف السياسية في إيران تؤخذ من منطلقين مركبين هما المنطلق الطائفي الشيعي ممزوجا بالمنطلق القومي الفارسي وأحلام الإمبراطورية الفارسية القديمة التي لا تغيب عن الذاكرة الفارسية وتعمل جاهدة على إرجاعها، وكانت إقامة الحكم الشيعي في العراق ووجود بشار في سورية وحزب الله في لبنان ومحاولات إيران ضم حركة حماس تحت جناحها في وقت من الأوقات رجوعا نسبيا لذكريات الإمبراطورية الفارسية القديمة اليها. لذلك فإن زوال النظام السوري يمثل تراجعا حقيقيا لهذه الأحلام التي لن تتخلى عنها إيران بسهولة، وستظل متشبثة بها بشتى الوسائل، وما التصريحات الإيرانية الحالية التي تحاول فيها التقليل من أهمية بقاء بشار الأسد في السلطة إلا دليل على أن إيران تخطط ومنذ الآن لمرحلة ما بعد الأسد بعد أن تيقنت أنه زائل لا محالة. ولكي تبقي إيران نفوذا لها في سورية فإن عليها أن تتحرك باتجاه المجموعة الأقرب إليها مذهبياً وهي الطائفة العلوية، باعتبار أن إيران لن تستطيع اتخاذ مكون سوري آخر حليفاً استراتيجيا لها عداها، وما سيسهل هذه المهمة عليها هو استعداد أبناء هذه الطائفة من الناحية العسكرية للقيام بمهام مشابهة لما وكل به حزب الله في جنوب لبنان بسبب أن أكثرية التشكيلات العسكرية المهمة في سورية الأسد كانت تتكون من أبناء هذه الطائفة، وأنهم الأقرب مذهبيا إلى المذهب السائد في إيران مما يساعد في ترشيح الطائفة العلوية لتكون حليفة الجمهورية الإيرانية مستقبلا.  ورب قائل يقول إن العلويين لن يورطوا أنفسهم في هكذا دور، ولكن باستحضار التجربة العراقية إلى الأذهان بعد 2003 ودراسة الدور الإيراني في إثارة النعرات الطائفية والقومية بين أبناء العراق سنعرف أن دفع العلويين بهذا الاتجاه لن يكون أمرا صعبا على إيران، فقد كانت سورية في بداية الاحتلال الأميركي للعراق (وبتنسيق مع إيران) ترسل أفواجا من الإرهابيين إلى المناطق السنية والشيعية في العراق بحجة قتال الأميركيين وتسببت في إحداث خلخلة أمنية فيه، وإثارة النعرات الطائفية بين أبناء الشعب العراقي، وقد كان لهم ذلك، فقد عاش العراق سنين عديدة يعاني القتل الطائفي بدون أن يكون الفاعل مشخصا، وكانت أغلب التفجيرات تستهدف المناطق السنية لإبقائها غير مستقرة أمنيا وسياسيا وإداريا إلى أن سيطرت الأحزاب الشيعية على الوضع السياسي في العراق بشكل كامل، خصوصا بعد الانسحاب الأميركي.  والآن وبعد زوال بشار الأسد يمكن خلق موجة معاكسة من الإرهاب للداخل السوري لاستهداف المناطق العلوية واتهام السنة في سورية بها، ودفع العلويين للارتماء بشكل كامل في الحضن الإيراني لحمايتهم، وبذلك يسقط العلويون في الشرك الإيراني ليكونوا موطئ قدم لها داخل الدولة السورية كما هي حال حزب الله في لبنان. السيناريو الثاني لإيران والذي من الممكن أن تلجا إليه (في حالة مشروطة) هو التحالف مع حزب العمال الكردستاني في سورية، وعلى الرغم من أن التطورات الأخيرة على الساحة الكردية السورية تشير إلى أن الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني قد دخل في تحالف مع القوى الكردية الأخرى في سورية إلا أنه تحالف سيكون مرهونا بالخطوات التركية حيال هذا الحزب والوضع الكردي، وكذلك التوجهات التركية حيال إفرازات الثورة السورية بشكل عام.  فحزب العمال الكردستاني يتقن تماما استغلال التناقضات في المنطقة وسوف يتخذ من الموقف الإيراني الجديد إزاء سورية ورقة ضغط على تركيا لتسيير دفة التطورات بالشكل المناسب لها، ومن هذا المنطلق فإن إيران سوف ترحب بأي تقارب مع هذا الحزب مستقبلا والابتعاد عن المحور التركي للوقوف في الجانب المضاد للثورة السورية بما يتلاءم وتوجهات الطرفين. إذا فشلت إيران في استمالة الطرفين السالفي الذكر وفي حالة تأكدها بأن مصالحها قد أصبحت مهددة فلن يبقى أمامها إلا تهديد الوضع السوري بواسطة المالكي وبعض الأحزاب الشيعية الأخرى المتعاطفة معها في العراق، وهذا التهديد قد يكون بتعكير الوضع الأمني في داخل سورية كما قلنا سابقا أو الدخول في مناوشات عسكرية على نطاق ضيق مع القوى الجديدة في سورية (حسب مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع) وبذلك ستقلل من خطر نتائج الثورة السورية على نفسها وخلط الأوراق فيها وفي نفس الوقت سوف ينوب عنها العراق في التصادم مع الحكومة الجديدة في سورية من دون أن تتدخل هي بنفسها في معمعة المشاكل هذه. وكما هو متوقع من الساسة العراقيين في المنطقة الخضراء فإنهم لن يرفضوا القيام بهذا الدور نيابة عن الجارة (الشقيقة) إيران، وموقف حكومة المالكي المسبق من الثورة السورية ووقوفه مع بشار الأسد إلى هذه اللحظة يشير إلى نوعية علاقة الجوار المتشنجة التي يخطط لها العراق مع سورية مستقبلا. * كردستان العراق – دهوك

الأربعاء

إيران تريد… وإسلاميو سوريا لا يريدون!

    سركيس نعوم

المواقف الرسمية التي اعلنها قبل يومين في بيروت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي لم تكن جديدة. فدعم بلاده المقاومة و”حزبها” في لبنان امر قديم ومستمر، وكذلك اعتبارها عنصر توازن بين لبنان واسرائيل وعنصر استقرار داخل لبنان. هذا فضلاً عن تمسكها بأن هدفها محاربة الصهيونية واميركا واسترجاع فلسطين. طبعاً حملت مواقف جليلي شيئاً من الجدَّة مثل التشديد على ان ثورتها كانت أساس الصحوة الاسلامية في العالم العربي، ومثل ان دفاعها عن نظام الاسد في سوريا سببه دعمه المقاومة.

كيف ينظر الاسلاميون السنّة على تنوع انتماءاتهم ونظرياتهم الى مواقف ايران التي كرر التعبير عنها جليلي قبل يومين؟

يعتقد قسم كبير منهم، استناداً الى مصادر اسلامية سنّية جدية ومطلعة بدقة على الواقع الاسلامي في لبنان، ان المواقف المذكورة اقرب الى “البروباغندا” اي الدعاية، منها الى المواقف الايديولوجية. فايران اسلامية في رأيهم لها في سوريا آل الاسد، وخصوصاً منذ تسلَّم الزمام فيها نجل المؤسس الراحل حافظ الاسد (الدكتور بشار)، وضع خاص بالغ الارتياح وبالغ الاتساع. ومن الامثلة على ذلك الامتيازات التي حققها لها النظام في مطار دمشق الدولي. اذ وضع في تصرفها قاعة خاصة داخل المطار ومسرب خاص لها يديرها عملياً ايرانيون يعملون مع سفارتهم في العاصمة السورية. ويتولى هؤلاء الاشراف على المسافرين الى طهران من ايرانيين وغير ايرانيين وخصوصاً إذا كانت وسيلة نقلهم ايرانية. ويُمكِّنهم ذلك من تسفير الذين يحملون جوازات سفر والذين لا يحملونها، والذين لديهم تأشيرات دخول لايران والذين ليس لديهم تأشيرات.

طبعاً الى المثل المذكور هناك امثلة اخرى قد تكون اكثر جدية وعمقاً. لكن المصدر الاسلامي الجدي والمطلع يكتفي به لانه يريد الانتقال الى موضوع آخر مهم جداً، وهو ان ايران الاسلامية، حليفة سوريا بل حليفة نظام الاسد الحاكم منذ نيف واربعة عقود، ليست ساذجة وتعرف تماماً حقيقة ما يدور في هذه الدولة، وتدرك ان النظام يتراجع رغم استشراسه في الدفاع عن نفسه، وان الثوار يتقدمون وسيستمرون في ذلك رغم ضعف امكاناتهم جراء “تنقيط” المجتمع الدولي المساعدات العسكرية والمالية لهم حتى الآن. وتعرف ايران ايضاً ان سقوط النظام في النهاية غير السريعة وغير القريبة على الاطلاق لا مفر منه، وأن البديل منه سيكون اسلامياً في صورة عامة. علماً ان ملامح هذا البديل ومدى اسلاميته ونوعية هذه الاسلامية، لا تزال مجهولة. لكن الحالة “الاخوانية” ستكون في رأي ايران الاقوى داخل سوريا الجديدة. وربما يكون ذلك في رأيها افضل من سيادة التيارات التي ترفع لواء السلفية الذي يغطي مواقف تكفيرية وعنفية من مسلمين وغير مسلمين. لهذا السبب تريد ايران، يقول المصدر نفسه فتح حوار مع “الاخوان”  السوريين بواسطة “اخوان” لبنان. وقد يكون ذلك مضمون الرسالة التي نقلها سفيرها في لبنان الى قيادة هؤلاء في بيروت. أما الهدف من الحوار فهو التفاهم مع سوريا الجديدة على وضع لايران في سوريا مماثل في خصوصيته واتساعه لوضعها داخل سوريا القديمة التي تقترب من الانهيار. وطبعاً، يضيف المصدر اياه، لن ينجح ذلك لان ايران هي جزء من “المشكلة” في سوريا كما في لبنان والعالم العربي اجمالاً. وبصفتها هذه لا تستطيع ان تكون جزءاً من الحل. فالسوريون عموماً وخصوصاً ابناء غالبيتها السنّية من اسلاميين وغير اسلاميين، يثمنون جيداً مساعدتها “حزبها” في لبنان لتحرير الاراضي التي احتلتها اسرائيل منه، لكنهم يعتبرون ان لها استراتيجية تقوم على “استعمال” العرب لتحقيق هدفين: الأول، التحول القوة الاقليمية الاسلامية الاولى في المنطقة العربية بل صاحبة الكلمة الاولى فيها. والثاني، ليس تشييع اهل هذه المنطقة لأن ذلك مستحيل، بل جعل الشيعة حيث هم اصحاب النفوذ الاول والتشجيع على الاقتراب منهم.

لو بقي مؤسس النظام الاسدي حياً هل كانت وقعت سوريا في “التماهي” التام مع ايران، او بالأحرى جزءاً من شركة معها من دون حصة كبيرة في قرارها؟ كلاّ، يجيب المصدر الاسلامي السنّي الجديد والمطلع. فهو اولاً كان يريد حلاً مع “اخوان” بلاده قبل مأساة “حماة”. لكن هؤلاء اعتبروا موقفه هذا، بعدما ابلغه اليهم “اخوان” لهم لبنانيون، دليل ضعف فلم يتجاوبوا. وهو ثانياً كان حريصاً على المحافظة على خصوصية طائفته بعدما لمس بدء ايران الاسلامية حليفته حملة تشييع لابنائها، واتخذ خطوات عدة لوضع حد لذلك.

النهار

إيران على النار السورية

غسان شربل

حصدت إيران في العقد الماضي مجموعة من الميداليات الذهبية وغالباً من دون المشاركة في المباريات. حصدت الأولى لدى وقوع هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، والتي أطلقت الحرب بين «الشيطان الأكبر» و «القاعدة». جاءتها الثانية حين اقتلعت القوات الأميركية نظام «طالبان» الذي لم يخف عداءه للنظام الإيراني. فازت بالثالثة حين اقتلعت القوات الأميركية نظام صدام حسين الذي أرغم إيران على إبقاء جمر ثورتها داخل أراضيها. انتزعت ميدالية ذهبية رابعة عبر «حرب تموز» في لبنان في 2006.

بدت الأيام وردية للبرنامج الإيراني الكبير. زار أحمدي نجاد بغداد على رغم انتشار الجنود الأميركيين فيها وبدا واثقاً أنهم يتحينون الفرصة للمغادرة. زار أيضاً دمشق وعبرت صورته مع بشار الأسد وحسن نصرالله عن رسوخ هلال الممانعة. لم يضع فرصة زيارة بيروت وجنوب لبنان مذكراً دول المنطقة والعالم بأن بلاده باتت تغسل صواريخها بمياه المتوسط.

حصدت إيران الذهبيات وراحت تحث الخطى على طريق برنامجها الكبير: القنبلة أو امتلاك القدرة على إنتاجها والدور الكبير القادر على تهديد أمن النفط وأمن إسرائيل معاً.

لدى اندلاع الربيع العربي حاولت إيران الإيحاء بصلة قربى معه. ابتهجت بسقوط أصدقاء الغرب. وحين انفجر الربيع على أرض سورية وقعت في فخ مكلف. لا تستطيع الاستقالة من حلفها العميق والوثيق مع النظام السوري. لا الحياد وارد ولا الابتعاد ممكن. سورية ليست مجرد ممر للاتصال بـ «حزب الله» في لبنان. إنها أكثر من ذلك بكثير. العلاقة مع سورية هي أهم نجاح لثورة الخميني منذ انطلاقها. الحضور في دمشق يعني الحضور في بيروت وجنوب لبنان وكذلك في النزاع العربي – الإسرائيلي والملف الفلسطيني. الحضور في دمشق يمنع قيام أي طوق عربي جدي لوقف التدفق الإيراني في الإقليم.

لا تستطيع إيران التسليم بخسارة سورية. خسارة سورية تشكل ضربة قاسية لهالة «حزب الله» وترسانته وأوراقه وثقله في الإقليم وقدرته على الهجوم والدفاع معاً. خسارة سورية تعني خسارة إيران امتدادها الفلسطيني خصوصاً بعد رحيل خالد مشعل من دمشق. خسارة سورية تقوي بالضرورة دعاة تصحيح التوازنات في العراق. وبهذا المعنى فإن خسارة سورية تنذر بإضاعة الميداليات التي حصدتها إيران في العقد السابق. تفكيك هلال الممانعة يضرب الدور الإيراني ويضعف في الوقت نفسه موقع طهران في المفاوضات النووية.

لا تستطيع إيران تقبل خسارة سورية. لكنها لا تستطيع أيضاً إنقاذ النظام السوري. لقد أصيب هذا النظام بأضرار جسيمة وأعطاب أساسية. لا شك أن الحزب أصيب إصابات قاتلة. صورة الجيش تلقت هي الأخرى ضربات مفزعة. يمكن الحديث أيضاً عن أضرار جسيمة لحقت بصورة صاحب القرار. لقد استدرجت الأزمة السورية إيران إلى اصطدام علني ومروع مع الأكثرية في سورية والمنطقة ولهذا الاصطدام رنة مذهبية أظهرها تكرار حوادث خطف الإيرانيين في سورية. العزلة التي أصابت النظام السوري أصابت إيران أيضاً على رغم استمرار الممانعة الروسية.

تتقلب إيران على النار السورية. لا تستطيع الاستقالة أو الابتعاد. ولا تستطيع في الوقت نفسه قلب مسار الأحداث. توجعها التطورات السورية وتوجعها العقوبات. منذ بدايات حربها مع العراق لم تواجه مثل هذه الظروف الصعبة. الهروب من الأزمة السورية بافتعال حرب في جنوب لبنان أو أزمة كبرى في الخليج يبدو محفوفاً بالأخطار. إرسال المتطوعين إلى سورية يعني إضرام الحرب المذهبية الإقليمية. المراهنة على الاحتفاظ بجزء من سورية يعني فتح باب التلاعب بالخرائط أي فتح أبواب الجحيم ويحتاج إلى موافقة فلاديمير بوتين الذي يحاول توظيف الدم السوري لترميم موقع بلاده.

تتقلب إيران على النار السورية. تدشن أجيالاً جديدة من الصواريخ كملاكم قلق يذكر العالم بعضلاته. انقضى زمن اصطياد الميداليات الذهبية. جاء زمن الخسائر.

العالم

الخميس

بين جليلي وصلاح الدين

زهير قصيباتي

استوعبت دمشق رسالة طهران: «محور المقاومة لن يُكسَر»… بعد ساعات على مغادرة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي سورية الى العراق، بدأ الجيش هجومه البري على حلب لكسر «أعداء المحور» في حي صلاح الدين.

كانت الرسالة التي نقلها جليلي الى الرئيس بشار الأسد، واضحة في تشجيع النظام السوري على استعجال الحسم العسكري مع قوات «الجيش الحر» التي نجحت في استنزافه طويلاً، بفتح جبهات متباعدة في آن. تبنّى الموفد الإيراني طروحات النظام، فلا معارضة ومَن يعارضون ويحملون السلاح لإسقاطه، ولا قضية صراع داخلي، بل هي ذاتها الحرب «الكونية» مجدداً، أو محور «الشيطان الأكبر» الذي يتآمر لكسر «مقاومةٍ، سورية ضلع أساسي فيها».

وإذا بدت معركة صلاح الدين نموذجاً مصغّراً لتلك الحرب التي يصعب التكهّن بمداها الزمني وأثمانها الباهظة، فإن بعض الخبثاء ذهب في تفسير رسالة القيادة الإيرانية إلى تلمّس ضِيقٍ لدى طهران من حساب تداعيات انهيار «أحجار الدومينو» لمحور كلّفها الكثير على مدى عقود، وبات قلبه أمام احتمالين: إما إنقاذ نفسه سريعاً وإنقاذه بالعتاد ليشدد الضغط العسكري على جبهات المدن، ويعزل جزر «الجيش الحر» عن أي طريق إمدادات (إلى تركيا خصوصاً)، وإما مواجهة لحظة الحقيقة التي يمكن طهران معها التفاوض على صفقة ما.

لكن حظوظ النظام في إنقاذ نفسه تتهاوى سريعاً أمام حقيقة ما تكبّده السوريون، وارتدادات الانشقاقات المتتالية، وآخرها «هزة» خروج رئيس الوزراء رياض حجاب على النظام التي لا تفصلها فترة طويلة عن مقتل أعضاء «خلية الأزمة» في التفجير الذي هز أركانه… كما تتوارى تلك الحظوظ وراء وهم الحديث عن «حوار وطني»، تشيّعه كل يوم جثامين عشرات القتلى.

وأما الغرب الذي يربط طهران ومحورها بوهم الرهان على الصمود في وجه طوفان الثورة والحرب، فلا يكلّ من ترداد مقولة التعلم من دروس العراق وليبيا: لا تدخل عسكرياً ضد قوات النظام السوري، النظام والمعارضة (الجيش الحر) كفيلان بالحل… ولا مساومة مع إيران على أي بديل.

تدرك واشنطن وباريس ولندن أن اجتماع 12 دولة في طهران اليوم، لن يبدّل شيئاً في كفة النظام الذي دانت 133 دولة استخدامه الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي في المدن. وإذ تبدو المحاولة الإيرانية استعراضية، بعدما اختارت موسكو تقنين حملتها اليومية على «المسلحين والإرهابيين» في سورية، بعد الفيتو الروسي الثالث في مجلس الأمن، جاءت جولة جليلي على دمشق وبيروت وبغداد، رسالة إلى القوى الإقليمية بأن طهران لن تسكت في حال تدخّل أي طرف لتمكين «الجيش الحر» من السيطرة على حلب وحسم معركتها، لإعلان المنطقة العازلة على تخوم الحدود السورية- التركية.

وإذا كان بعضهم في إيران رأى في انشقاق رياض حجاب إحدى بدايات الفصل الأخير في محنة الصراع في سورية، والذي تستعد أنقرة وواشنطن لاحتواء تداعياته الإقليمية، فإن رد تركيا كرة الوعيد الى رئيس الأركان الإيراني كان لتحذير طهران من عواقب الإفراط في الاستخفاف بقدرتها. والحال أن قيادة خامنئي- نجاد يخالجها الهلع لأن لا أحد يعرف «بعد سورية دورُ مَنْ»، إيران أو تركيا وسواها من دول المنطقة، كأنها تستعير لسان القذافي بعد إعدام صدام حسين. والأكيد أن زيارة جليلي لبغداد لن تكون كافية لطي صفحة انقسام الزعامات العراقية على كيفية التعامل مع الملف السوري، ولا لحشدها جميعاً في «محور المقاومة»، تمهيداً للفصل المقبل من «الحرب الكونية».

لعل حال الموفد الإيراني وجولته لا يشبهان إلا ذاك الجنرال الروسي الذي ظهر في موسكو، معلناً انه ما زال حياً، لينفي «إشاعاتٍ» عن مقتله في سورية.

جاء جليلي لينفي موت محور، ووداع النظام في دمشق، وانكفاء الدور الإيراني الذي أُصيب بتشققات لن تبقى بعيدة عن جدران النظام في طهران. هو يكرر «اللعبة» ذاتها، يحتمي بديبلوماسية «الأجنحة» التي يستساغ معها طلب وساطة أنقرة لإطلاق الإيرانيين المخطوفين في سورية، بعد «إنذار» للأتراك من ثمن «تورطهم» بسفك الدماء.

شكوك متبادلة، ورهانات كذلك على مَنْ يحرق أصابعه أولاً كلما طالت المواجهات الدموية في سورية، فيما تحذير الملك عبدالله الثاني من احتمال إقامة «جيب علوي» وتقسيم البلد، إذا سقطت دمشق، يقرّب تركيا إلى فوهة البركان.

مأساة سورية طويلة، ومعها المأزق التركي- الإيراني. وأما الحديث عن التشنج المذهبي في المنطقة، خلال زيارة جليلي لبغداد، فلعله يترجم قلق طهران من ضياع الورقة العراقية «الرابحة»، إذا تمدد الحريق السوري.

الحياة

الخميس

إيران وسوريا حتى الموت؟

عماد الدين أديب

العلاقات الإيرانية – السورية تمر هذه الأيام بأخطر اختباراتها منذ عام 1979، عندما بدأت علاقة استراتيجية بين نظام البعث الحاكم في دمشق ونظام الحرس الثوري المسيطر في طهران.

وتم تدعيم هذه العلاقات بمصالح تجارية على أرفع مستوى، وتعاون استخباري وثيق للغاية، وعلاقات عسكرية تبدأ بتمويل لشحنات سلاح ثم توفيرها إلى التدريب وصولا إلى وجود قواعد أمنية مشتركة في سوريا ولبنان. واعتبرت إيران وسوريا، أن لبنان هو المسرح الأهم لتجسيد التعاون الأمني بينهما لاستخدامه كذراع لتنفيذ خطط ومشاريع الطرفين.

وتأتي زيارة سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لدمشق واجتماعه بالرئيس بشار الأسد، أول من أمس، محطة بالغة الأهمية في العلاقات بين الطرفين. وقد يقول قائل: وما أهمية هذه الزيارة بالذات؟

وما الذي يجعلها مختلفة عن عشرات الزيارات المتبادلة بين العاصمتين، وبخاصة أن وزير الخارجية السوري كان في زيارة لطهران منذ أيام معدودة؟

أهمية الزيارة تأتي للأسباب التالية:

1) ازدياد المخاطر الأمنية على استقرار الحكم في دمشق بالذات داخل الدائرة الضيقة المحيطة به بعد زيادة وتيرة حركة الانشقاقات والهروب من دمشق؛ آخرها انشقاق رئيس الحكومة السورية الجديد ولجوؤه إلى عمان.

2) عدم قدرة النظام على حماية الزوار الإيرانيين إلى سوريا تحت دعوى الحج إلى الأماكن الدينية وزيادة عدد المخطوف منهم في الآونة الأخيرة.

ويتردد أن هؤلاء خبراء إدارة معارك من الحرس الثوري الإيراني.

وقد اعترف سعيد جليلي أنهم من «القيادات السابقة في الحرس الثوري الإيراني».

3) وصول عدد من الرسائل إلى طهران من عدة عواصم غربية تلوح بأن «تخلي طهران عن النظام السوري الآن قد يساعد بقوة في إعادة تأهيل النظام الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية عنه ضمن صفقة متكاملة تضم موضوع الملف النووي الإيراني».

4) لقاء بشار الأسد – سعيد جليلي هو لقاء «طمأنة وتطمين» للطرفين، فكل منهما له مخاوفه وشكوكه بالنسبة لقدرة كل طرف على الحفاظ على تعهداته للآخر، «وقدرته الذاتية» في عدم الانكسار أمام الضغوط.

ويبقى السؤال، هل هذا الحلف الحديدي مكتوب له الاستمرار حتى آخر جندي سوري، وحتى آخر قطعة سلاح إيرانية، أم أنه عمل مؤقت مرهون بمعادلات محلية وإقليمية ودولية قابلة للمراجعة في أي لحظة؟

هل تبيع إيران نظام الأسد وتنجو من الطوفان أم أنه رهان حتى الموت؟؟

الشرق الأوسط

الخميس

الأسد تحت الوصاية الإيرانية

طارق الحميد

الصورة التي بثتها وكالة أنباء النظام الأسدي «سانا» للقاء بشار الأسد بممثل المرشد الإيراني سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، تلخص الموقف السياسي في سوريا الآن، وتؤكد أن طاغية دمشق الأسد قد بات تحت الوصاية الإيرانية الكاملة، وتحديدا داخل عباءة المرشد الإيراني!

فالصورة التي بثتها «سانا»، ونشرتها صحيفتنا على صدر صفحتها الأولى أمس، تظهر أن الأسد كان يجلس وإلى يمينه جليلي، بينما جميع حاضري الاجتماع كانوا من الوفد الإيراني، فلم تظهر الصورة وليد المعلم، ولا بثينة شعبان، ولا حتى المقداد، أو جهاد المقدسي. فعلى يمين الأسد، ويساره، كان كل الجالسين، حسبما أظهرت الصورة، إيرانيين، بينما بثت «سانا» في وقت آخر من يوم اللقاء، صورة أخرى لاجتماع منفصل عقده جليلي مع وليد المعلم، وفريق الخارجية الأسدية. وهذا في حد ذاته يعد مؤشرا على أن الأسد قد بات الآن تحت الوصاية الإيرانية الكاملة، وهو ما أكدته طهران بتصريحات جليلي نفسه التي أعلن فيها وقوف إيران مع الأسد، وأن طهران لا تقبل بكسر ما سمته محور الممانعة، فقد جرت العادة في كل لقاءات الأسد، وتحديدا منذ اندلاع الثورة السورية، أن يكون الضيف الزائر على يمينه، وبعده الوفد المرافق، بينما يكون أعضاء الحكومة الأسدية على يسار الأسد، وهو ما لم يحدث في لقاء الأسد ومبعوث خامنئي جليلي. ومن هنا فإن السوريين اليوم لا يقاتلون طاغية دمشق فحسب، بل يقاتلون أيضا إيران التي تريد فرض الأسد عليهم، وبقوة السلاح!

والدلالة الأخرى لصورة لقاء الأسد – جليلي هي أن إيران صارت مقتنعة – أكثر من أي وقت مضى – بأن أيام الأسد باتت معدودة، وهو ما يؤكده انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب. لذا فإن طهران ترمي بثقلها حاليا لحماية الأسد، الذي أصبح ملفه الآن بيد المرشد الأعلى الإيراني شخصيا، مما يعني أن الأسد بات مثله مثل نوري المالكي، وحسن نصر الله، لكن هل يضمن ذلك البقاء للأسد؟ بالطبع لا. فدفاع إيران العلني عن الأسد، وبالشكل الذي ظهر في زيارة ممثل المرشد، ولقائه بالأسد، يؤكد أن السوريين يواجهون اليوم معركة طائفية تخاض ضدهم من قبل طهران، مما سيكشف طائفية ونفاق النظام الأسدي والإيراني على حد سواء، كما سيزيل آخر ورقة توت عن النفاق الإيراني في منطقتنا.

ومن هنا، فإن صورة لقاء الأسد بجليلي تعتبر أبرز صورة ستبقى في ذهن الثوار السوريين، وكل المنطقة العربية، وكذلك المجتمع الدولي. فالرؤية الآن باتت واضحة في سوريا، حيث تتدخل إيران لمساعدة نظام متهاوٍ، وتقوم بتقديم كل العون له من أجل قتل شعبه الأعزل، وعلى مستوى المرشد الإيراني، وسط تخاذل دولي في عملية تسليح الثوار السوريين.

وعليه فإن التدخل الإيراني السافر في سوريا يظهر أن ما يحدث هناك هو ثورة سورية خالصة، وعلى يد أبناء سوريا أنفسهم، وليس بدعم خارجي كما يردد الأسد، أو طهران، التي أرسلت جليلي لمقابلة الأسد في لقاء ربما يكون بمثابة قبلة الوداع، وهذا ما سنراه قريبا، فالأيام حبلى بالمفاجآت من دون شك.

الشرق الأوسط

الجمعة

هل أضعفت أحداث سوريا حزب الله”؟ 

    رندى حيدر

ارتفعت حدة الحرب السرية الدائرة بين إسرائيل و”حزب الله” مع اعلان السلطات الإسرائيلية توقيف 12 مواطناً عربياً من سكان إسرائيل بتهمة التعاون مع الحزب في عمليات تهريب سلاح إلى أراضيها. وتأتي هذه الخطوة بعد مرور أسابيع قليلة على تفجير باص كان ينقل سياحاً إسرائيليين في منتجع ببلغاريا اتهمت إسرائيل إيران و”حزب الله” بالضلوع فيه.

ليست هذه المرة الأولى التي تعتقل فيها إسرائيل مواطنين عرباً بتهمة التعاون مع “حزب الله”، فالمعروف ان للحزب صلات قوية مع عرب 48، وكذلك داخل المناطق الفلسطينية ولا سيما منها قطاع غزة. بيد أن القراءة الإسرائيلية لهذا الحدث في هذا الظرف بالذات اتخذت خصوصية معينة في ضوء مسألتين أساسيتين: تدهور الوضع في سوريا، وتصاعد الكلام الإسرائيلي عن احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية الى المنشآت النووية الإيرانية خلال وقت قريب.

تراقب إسرائيل عن كثب انعكاسات الوضع السوري على “حزب الله” وبصورة خاصة مصير الحزب في حال سقوط نظام بشار الأسد. ويجمع عدد من المعلقين الإسرائيليين على أنه سواء سقط نظام الأسد أم لم يسقط، فإن ما يجري في سوريا انعكس سلباً على وضع حزب الله  على أكثر من صعيد وخصوصاً على الصعيد الداخلي اللبناني، فقد أساءت مواقف الحزب المؤيدة للنظام السوري إلى صورته كحزب يدافع عن المظلومين في وجه الظالمين، وجعلته يصطبغ بصبغة طائفية، الأمر الذي تتوقع إسرائيل أن يساهم في نزع الشرعية عن سلاحه مستقبلاً.

وتتوقع التقديرات الإسرائيلية ان يشكل سقوط نظام الأسد ضربة موجعة للمحور الذي تتزعمه إيران في المنطقة بالتحالف مع سوريا و”حزب الله”. لذا ترى إسرائيل في العمليات الأخيرة التي تنسبها الى “حزب الله” محاولة منه كي يثبت أنه لم يفقد شيئاً من مكانته ولا من جهوزيته، وأنه سيواصل حربه على إسرائيل على رغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها حليفته سوريا.

كيف تخطط إسرائيل للتعامل مع هذه التطورات؟ الأكيد أنها حتى الآن ليست في صدد الدخول في مواجهة عسكرية مع “حزب الله” وهي في ذروة تحضيرها لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً أنها لم تنجح حتى الآن في أن تلصق به تهمة الهجوم في بلغاريا، ولم تفلح كل الضغوط التي مارستها على الحكومة البلغارية كي توجه الاتهام علناً الى الحزب، كذلك فشلت مساعيها في اقناع الاتحاد الأوروبي باصدار بيان يقول فيه إن “حزب الله” هو تنظيم ارهابي. لذا فإن كل ما تبقى لها توجيه الاتهامات اليه وتشويه صورته.

النهار

الجمعة

طهران بين حدين

وليد شقير

تجهد إيران من أجل التوفيق بين حدين في سياستها حيال الأزمة السورية. الحد الأقصى هو القيام بكل ما تستطيعه من أجل الحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد، والحؤول دون سقوطه وتأخير هذا السقوط قدر المستطاع، بالدعم المباشر المالي والاقتصادي وعبر الخبرات العسكرية والأمنية والإعلامية، وعن طريق اذرعها وتحالفاتها وأوراقها الإقليمية. وليس مبالغة القول إنها ترعى غرفة عمليات كاملة لتحقيق هذا الهدف، منذ بدايات الأزمة السورية، تتكيف مع تطوراتها، ومع التقدم الذي يحرزه الثوار، بما يمكنها من التعامل مع تراجع سيطرة النظام.

أما الحد الأدنى فهو السعي الى الحد من خسائر سقوط هذا النظام على موقعها الإقليمي، والذي سيؤدي الى حسم سورية من الأوراق الكثيرة التي تمتلكها، مدركة سلفاً أن هذا السقوط سيؤثر عاجلاً أو آجلاً في ما تبقى من أوراق تتمسك بها بأي ثمن أيضاً.

ليس سهلاً على طهران التوفيق بين هذين الحدين. ومن الطبيعي، وهي تدير سياستها في كل منهما، أن تعتبر أنها تتعرض لحرب كونية هي الأخرى. وهذا ما يفسر الحركة الأخيرة التي قام بها كل من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الدكتور سعيد جليلي في اتجاه كل من بيروت ودمشق وبغداد وزيارة وزير الخارجية علي أكبر صالحي أنقرة، ثم عقدها الاجتماع التشاوري في العاصمة الإيرانية أمس. لم يخف جليلي بعد لقائه الأسد تشدد بلاده في الحفاظ على النظام السوري حين قال إنها «لن تسمح بأي شكل بكسر محور المقاومة الذي تعتبر سورية ضلعاً أساسياً فيه». لكن الخطأ في الحسابات، أثناء التحرك بين هذين الحدين قد يكون مكلفاً إذا جرّ القلق والارتباك اللذين يعيشهما القادة الإيرانيون الى خطوات غير محسوبة.

وعلى رغم تبنيها الكامل لرواية النظام بأنه يواجه مؤامرة أميركية – إسرائيلية تساندها دول عربية، فإن القيادة الإيرانية تدرك أن سياسة إنكار الثورة الشعبية التي تتعاظم شأناً ضد نظام الأسد، ومواجهتها بالحديد والنار لن تنفعا في تغيير الواقع الفعلي. وعلى رغم المكابرة التي يثبت كل يوم فشلها بأن النظام قادر على السيطرة على الوضع، فإن التقدم الذي أحرزه المعارضون على الأرض، وتمكنهم من قتل 4 من كبار القادة الأمنيين، وتوالي الانشقاقات على رغم القبضة الحديد، والتي تزيد انكشاف الحلقة الضيقة الحاكمة، لا يكفي تكرار معزوفة المؤامرة لتبريرها. فالحصار على هذه الحلقة الضيقة بانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب، يزيل الحلقة الوسطى التي تشكل خط حماية لها، تدريجاً. وهو أمر يرجح أن يستمر ويتفاقم، فتزيد الحفنة الحاكمة استخدام العنف والقتل والتدمير…

تنفي طهران تدخلها العسكري والأمني المباشر فتضطر الى القول إن الزوار الإيرانيين الـ 48 الذين احتجزهم الجيش السوري الحر هم من المتقاعدين في الحرس الثوري الإيراني، لأنها تدرك أن لا تدخل أميركياً أو عربياً أو تركياً مباشراً في الحرب الدائرة في سورية. فهي حتى لو صحت الأنباء عن وجود مقاتلين لها في دمشق الى جانب النظام، تعلم أن هذه التهمة ستكون تبريراً لتدخل مباشر من واشنطن وأنقرة وعواصم عربية أخرى. وهي تعلم أيضاً أن واشنطن باتت تستخدم الأسلوب الإيراني نفسه أمام تراجع الاعتداد الأميركي بالنفس، وروح المغامرات العسكرية التي كلفت بلاد العم سام خسائر لا تحصى في العراق وأفغانستان، فتؤثر دعم الثوار السوريين من بعد وتخوض الحرب بواسطة دول أخرى وأدوات مساعدة لا مباشرة. وهو ما سمّاه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حرباً بالوكالة تدور في سورية. واستطراداً تعرف طهران أن استخدامها والنظام السوري أوراقاً مثل حزب العمال الكردستاني في وجه تركيا، لا يعني أن الأخيرة لا تملك أوراقاً بالمقابل عبر علاقتها مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني مثلاً في التعاطي مع الحدود العراقية – السورية ومع إمكان نشوء جيب كردي ضد أنقرة على الحدود السورية – التركية. ويمكن الحديث عن أوراق متبادلة في الدول الأخرى المجاورة ومنها لبنان.

هل هي الخشية من العزلة، بعد استبعاد طهران من اجتماع جنيف في 30 حزيران (يونيو) الماضي الذي اقر خطة انتقال سياسي في سورية انطلاقاً من نقاط المبعوث كوفي أنان الست آنذاك، هي التي دفعتها الى التحرك الديبلوماسي الأخير، أم هي خطة التحرك الهادفة الى الحد من خسائرها والرغبة في الاحتفاظ بورقتي نفوذها في العراق ولبنان، في حال سقوط نظام الأسد؟

قد يكون السببان معاً وراء هذا الإصرار من قبل جليلي في لبنان على إيصال الرسالة الى المسؤولين اللبنانيين بالإقلاع عن إثارة مسألة سلاح «حزب الله» في الحوار الوطني.

والأرجح أن دعوة طهران الى الاجتماع التشاوري أمس، ترمي الى استباق تحديد سقف عال في التعاطي مع الأزمة السورية في قمة التضامن الإسلامي في مكة المكرمة الثلثاء المقبل، لعل طهران تستلحق القمة بسقف تشارك هي في رسمه.

الحياة

الجمعة

إيران تستشعر دنوّ الخطر على النظام وتسعى إلى حجز مقعدها في مستقبل سوريا

    روزانا بومنصف

استبقت ايران المؤتمر الذي دعت الى انعقاده في عاصمتها حول الوضع السوري بنشر وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي مقالا في صحيفة “الواشنطن بوست” الاميركية عشية المؤتمر حدد فيه ما ترغبه ايران من هذا المؤتمر وموقعها مما يجري لكنه وجه رسائل اهم في ما يتجاوز المؤتمر في حد ذاته. اذ لا يمكن اغفال الجهة التي يستهدفها صالحي عبر مقاله في صحيفة اميركية كبيرة، وهي  ادارة الرئيس باراك اوباما في رسالة بدت تحمل، وفقا لمصادر ديبلوماسية متابعة عاملين استنادا الى استشعار ايران الوضع الخطر جدا الذي بات عليه النظام السوري مع توالي الانشقاقات وتاليا وضع ايران نفسها نتيجة لذلك اضافة الى الخطورة التي تستشعرها في شأن ملفها النووي. أول هذه العوامل وفق ما ورد في مقال صالحي هو محاولة ايران الترويج لفكرة انها جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة في سوريا، قياسا على استبعادها من الاميركيين في وقت سابق من مجموعة العمل حول سوريا التي التقت في جنيف بدعوة من كوفي أنان واتفقت على مرحلة انتقالية في سوريا. وقد استشهد صالحي في معرض تسويقه لهذا الاطار بتجربة التعاون التي قدمتها بلاده، كما قال، في كل من افغانستان والعراق كما لو انه يدعو واشنطن الى عدم استبعاد طهران في بحثها عن حل للوضع في سوريا والاستفادة من التعاون السابق على قاعدة ان لإيران ما لها في سوريا وعلاقتها مع النظام والتأثير عليه. ويحاول صالحي وفق المصادر المعنية التأثير على هذا الصعيد في الرأي الاميركي الذي يرى وجوب ان تدخل واشنطن ايران في بحثها عن حلول للوضع السوري وعدم استبعادها، وهذا الرأي موجود لدى باحثين ومسؤولين سابقين في الادارة ويسعى الى ابراز هذه النقطة في الاعلام الاميركي وفي مراكز الابحاث.

 والعامل الاخر سعي ايران الى تسويق فكرتها للحل على قاعدة ان “فكرة حصول انتقال منظم للسلطة في سوريا بعد سقوط بشار الاسد وهم” مؤكدا ان المجتمع السوري سيتفكك في حال سقوط الأسد فجأة ومروجا لفكرة يقول انها تعتمد على خطة كوفي أنان اي وقف العنف والتمهيد لحوار بين السلطة والمعارضة على ان يتاح للسوريين عبر مشاركتهم في انتخابات رئاسية وتشريعية اختيار ما يريدونه”. ولهذا الغرض مهدت ايران لذلك عبر عقدها مؤتمرا حول سوريا وجهت فيه الدعوة الى الدول التي صوتت الجمعة الماضي في الثالث من الشهر الجاري ضد المشروع الذي قدمته المملكة العربية السعودية الى الجمعية العمومية للامم المتحدة وهي دول يقع الثقل فيها عند الصين وروسيا وايران في الموضوع السوري في حين ان الدول الاخرى التي اعترضت من بوليفيا الى بيلاروسيا ونيكاراغوا وفنرويلا وزيمبابوي لا صلة مباشرة لها بالموضوع اطلاقا. وكذلك الامر بالنسبة الى  بعض الدول التي امتنعت عن التصويت في حين ان قلة لا تتعدى اصابع اليد الواحدة حضرت من  الدول الاقليمية من تلك التي دعمت المشروع السعودي رمزيا خصوصا ان المشروع السعودي ندد بالحكومة السورية وطالب بانتقال سياسي  في سوريا. وقد بدا ان ايران تحاول الحصول على حماية مصالحها من خلال السعي الى انقاذ ما يمكن انقاذه عبر الترويج لمؤتمر لاصدقاء النظام من حيث المبدأ، شأنها في ذلك شأن مؤتمر اصدقاء الشعب السوري الذي تدعمه الدول الغربية والعربية.

وقد رافقت هذا التحرك الايراني مجموعة مؤشرات تدل على التلويح باتجاهات متضاربة لدى طهران. فازاء استشعار ايران الخطر الذي بات عليه وضع النظام في سوريا تحاول من جهة حماية مصالحها من خلال الدفاع عنه قدر الممكن على ان تمد خيوطا نحو المستقبل ايضا. فبناء على ما اعلنه رئيس مجلس الامن القومي سعيد جليلي الذي زار الرئيس السوري هذا الاسبوع من ان بلاده “لن تسمح بكسر محور المقاومة الذي تشكل سوريا ضلعا اساسيا فيه” اعتقد كثر ان ايران لن تسلم بسهولة بانهيار النظام السوري. وبرزت في الوقت نفسه الاتهامات التي ساقها مسؤولون ايرانيون لدول خليجية بالتورط في سوريا على نحو يخشى كثر ان تكون ايران تمهد في موازاة كلام جليلي الى التورط اكثر في دعم الاسد. لكن المصادر المعنية تعتقد ان المواقف الايرانية لا تتسم بالقوة التي توحي بها بل هي أكثر هشاشة في ضوء إدراكها وضع النظام السوري، خصوصا بعد خطف مجموعة كبيرة من الايرانيين على طريق المطار في دمشق، كما في ضوء مخاطر حقيقية تتهددها بفعل المخاوف من ضربة توجه الى مشروعها النووي.

النهار

الخميس

إيران والضلع السوري المكسور

حسان حيدر

الجولة التي قام بها ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي على دوائر النفوذ الايراني المباشر في المنطقة، لبنان وسورية والعراق، والتصريحات المتشددة التي رافقتها، تؤشر الى ان طهران المحشورة بدأت «هجوماً مضاداً» في الملف السوري يتخذ شكل التهديد بتوسيع المواجهة بين النظام والمعارضة ونقلها الى اطار اقليمي لاجبار العالم على التفاوض معها حول ضمان «مصالحها» بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وبالتأكيد يعرف الايرانيون ان الحكم في دمشق يقترب من نهايته وان سورية جديدة ستقوم خلال فترة ليس ببعيدة، ولهذا لا بد من انقاذ ما يمكن انقاذه من «محور المقاومة» الذي انشق ضلعه الفلسطيني وانكسر ضلعه السوري ولم يعد قادراً على لعب الدور المطلوب منه ولا على دعم الاضلاع الاخرى.

وأرفقت طهران اعلانها رسمياً دخول الحرب السورية بتهديدات الى تركيا الأطلسية بأن دورها سيأتي اذا سقط الاسد، وان الحرب ستنتقل الى اراضيها ومكوناتها، وأرسلت وزير خارجيتها الى انقرة لتحميلها المسؤولية عن مصير الرهائن الايرانيين تحت ذريعة طلب مساعدتها في اطلاقهم، وهو ما استدعى رداً تركياً واضحاً بتحميل ايران جزءاً اساسياً من المسؤولية عن جرائم نظام الاسد بسبب دعمها غير المحدود له.

ويهدف التصعيد الايراني الى تحييد الاتراك في معركة حلب التي بدأ الجيش النظامي السوري هجومه البري عليها فور مغادرة جليلي، والى صرفهم عن إقامة مناطق آمنة لحماية النازحين السوريين الذين يتزايد عددهم يوميا، قد تتحول لاحقاً الى مناطق حظر جوي وتمهد لتدخل غربي مباشر.

وكانت المواجهة الايرانية – التركية بدأت مع تسليم الجيش السوري مناطق في شمال سورية تحاذي تركيا الى اطراف كردية معروفة بعدائها لأنقرة، وردت هذه باستنفار قواتها وتأكيدها انها لن تسمح بقيام كيان مناوئ على حدودها، وارسلت وزير خارجيتها الى كردستان العراقية ليبلغ المسؤولين فيها بأن اي تدخل تركي في شمال سورية لن يكون موجهاً ضد الاكراد بل ضد «حزب العمال الكردستاني» وحلفائه.

وفي بغداد، حيث انقذت طهران حكومة نوري المالكي بإجبار حليفها مقتدى الصدر على الانسحاب من الحملة التي تقودها المعارضة لاسقاطها، وحيث طلب الايرانيون تسهيل مرور قوافلهم الى سورية وزيادة المساعدات النفطية والمالية العراقية الى دمشق، فان الهدف ايضا الضغط على تركيا بعد التوتر في علاقاتها مع العراق واحتجاج الاخير رسمياً على زيارة داود اوغلو الى كردستان من دون المرور بالاقنية الديبلوماسية الرسمية.

اما في لبنان، «ارض المقاومة» ومحطة جليلي الاولى، حيث يسيطر «حزب الله» على الحكومة ويوجه سياساتها المؤيدة لدمشق، فتزداد الضغوط على تركيا عبر اقحامها في قضية خطف مواطنين شيعة في سورية، وتوجيه تهديدات بخطف رعاياها وجنودها العاملين في قوة الامم المتحدة (يونيفيل). وكان لافتاً ان الامين العام للحزب تبنى بعد لقائه جليلي لهجة «معتدلة» في بعض شؤون الداخل اللبناني، وهو «اعتدال» يعرف اللبنانيون من خلال التجربة انه لن يعمر طويلا، وان الحزب لن يعدم الذرائع للتراجع عنه، وانه قد لا يعدو كونه غطاء لتصعيد ما.

«الجبارة» الايرانية الهشة للضلع السوري المكسور لن تصمد طويلا، وقد تؤدي في أحسن الاحوال الى اطالة عمر نظام دمشق قليلاً، لكنها لن تنجح في ابقائه على قيد الحياة، خصوصا وان «صحة» صاحبها نفسه موضع شكوك جدية.

الحياة

الخميس

فلنقاوم قانون سعيد جليلي!

   علي حماده

كثيرا ما تحدثوا عن قانون غازي كنعان الذي خيضت على أساسه انتخابات العام ٢٠٠٠ و ٢٠٠٥. وكثيرا ما اعتبر القانون على انه قانون المحتل الذي يريد تأبيد احتلاله للبنان. جيد، ماذا عن مشروع قانون الانتخاب الذي اقرته الحكومة بالامس اساسا لانتخابات ٢٠١٣ أليس قانونا احتلاليا بامتياز؟

لنوضح أكثر: ثمة شرائح واسعة من الشعب اللبناني تمثل غالبية واضحة على الارض تعتبر اننا نعيش في ظل احتلال الاخوة. انه احتلال “حزب الله” على أرض الواقع، فبيروت عاصمة محتلة، وأجزاء واسعة من الوطن واقعة اما تحت احتلال ميليشيا حزب يمارس قمعا موصوفا على بقية اللبنانيين و يحاول تحويلهم الى رعايا في وطن ما عادوا يشعرون انه وطنهم. حزب يستخدم قوته المسلحة لنسف أسس وطن، ولفرض ارادته على كل نواحي حياته الوطنية. حزب لا يتوانى عن غزو بيوتهم ومناطقهم كما حصل في ايار ٢٠٠٨. حزب يقلب نتائج الانتخابات النيابية بقوة التهديد تارة بالقتل، وطورا بغزوات اخرى فيسقط حكومات، وينصب حكومات أخرى. حزب تحول معه الفساد و الخروج على القانون الى مستويات قياسية، فصارت مناطق نفوذه المباشرة تحت إمرة مافيات مسلحة من كل نوع و لاداعي للتفصيل.

ان القانون الذي أخرجته حكومة بشار الاسد والسيد حسن نصرالله هو قانون احتلال. و نحن نعني ما نقول لاننا مثل ملايين اللبنانيين نشعر و نلمس اننا نعيش حالة احتلالية لا تقل شراسة عن احتلال النظام في سوريا. اكثر من ذلك نحن نعيش جنبا الى جنب مع من يقتلون كبارنا مثل رفيق الحريري، ومع من يمجدون قتلة كبار شهدائنا مثل كمال جنبلاط! ومن هنا وقبل الدخول في تفاصيل القانون الذي صاغوه على مقاسهم من اجل نسف لبنان وما يمثله لبنان نقول ان قانون السيد حسن نصر الله، او قل انه قانون سعيد جليلي، هو تهديد اول موجه الى مستقبل كل لبناني على هذه الارض، وكل لبناني في الانتشار. انه قانون يستحق ان يوصف بمشروع احتلال مديد لن يتوقف عن غزو حياتنا قبل ان يدمر توازناتنا، وصيغتنا، والنظام، والدولة.

بناء على ما تقدم ندعو الاستقلاليين اللبنانيين الى اعتبار “قانون سعيد جليلي” قانونا وضعه الاحتلال بواجهات لبنانية، و انه قانون معاد يستوجب قيام أوسع جبهة وطنية لمواجهته واسقاطه جملة وتفصيلا. وهنا لا بد لنا من كلمة نوجهها الى رئيس الجمهورية، لنقول له ان قبوله بهذا القانون المناقض لصيغة البلد يضعه في موقع المحاسبة السياسية والتاريخية لانه بقبوله لا بل باذعانه ينحاز الى احتلال ذوي القربى، ويضع نفسه في مواجهة أغلبية كبرى من الشعب اللبناني.أما بالنسبة الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فنكتفي بكلمة مختصرة: هكذا كنت وهكذا ستبقى رجل بشار الاسد لا أكثر و لا أقل.

النهار

الخميس

سوريا تستنجد بإيران لمنع تركيا من غزو أراضيها

 هدى الحسيني

تستطيع سوريا أن تطلب من إيران المساعدة، وأن تشكو لها المخاوف التي تعتريها، فمن بين الأسباب الكثيرة التي هي سبب معاناة السوريين، بدءا من حكم ديكتاتوري أذل الحجر والبشر، وصولا إلى «التمترس» خلف وهم بأن الإرهابيين يريدون الوصول إلى النظام، تشكل إيران سببا أساسيا، فإصرار النظام السوري على التمسك بتحالفه الاستراتيجي مع دولة تعتبر الإرهاب سياسة، والتدخل في الشؤون العربية حقا له ثمنه وإن كان، للأسف، جاء على حساب الشعب السوري وسوريا الأرض والوطن.

لكن، وصول رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، إلى لبنان يوم الاثنين الماضي، بدا كمن ينعي النظام السوري وأن إيران تريد أن تحتل مكان ذلك النظام في لبنان. زيارة ضريح عماد مغنية وليس نصب الشهداء، وقوله، كمن يريد الاستماع لصدى صوته: إن لبنان تحول اليوم إلى نجم ونموذج يحتذى في مجال المقاومة على المستوى الإقليمي وعلى مستوى العالم بأسره، والإنجازات الكبرى التي تحققت في لبنان ببركة المقاومة البطلة، وقد يكون من بين هذه الإنجازات قطع طريق مطار بيروت الدولي احتجاجا على انقطاع الكهرباء، لمنع السياح من المجيء إلى لبنان حيث تصر إيران على تزويده بها، لتثبيت موطئ قدم لها، يساعد قاطعي الطرقات «المياومون» الذين ربطوا بالسلاسل الحديدية بوابة مبنى شركة الكهرباء على طريق النهر.

أيضا، أدان جليلي خطف «الزوار» الإيرانيين في دمشق واصفا العمل بـ«المشين». وبينما كان السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» يشرح كيف أن الحزب مع الدولة ضد المعرقلين والفاسدين، إذا بصدى كلمات جليلي عن الخاطفين، يترجم بقطع طريق المطار مرة جديدة، هذه المرة من أجل المخطوفين اللبنانيين في سوريا، مع التهديد بنصب الخيم وإحراق الدواليب.

يوم الاثنين الماضي، كانت «الجرعة» كبيرة على أغلبية اللبنانيين: السيد نصر الله بخطاب طويل عن أهمية سلاح المقاومة ولبنان المقاوم، وجليلي وقوله: «الشعب اللبناني العزيز والحكومة اللبنانية يعرفان أكثر من أي طرف آخر كيف لهم أن يحتفظوا بهذه الجوهرة الناصعة».

من يدعم من هنا؟ جليلي أم نصر الله؟ والمراهنة من قبل الاثنين هي على لبنان. قال نصر الله إن الحزب لا يريد أن يسيطر على كل لبنان، لكن «هبوط» جليلي المسؤول الأمني الإيراني في ذلك اليوم كان ليحمل النظام الإيراني ليحل محل النظام السوري في لبنان. لكن، غاب عن باله المصير الذي وصلت إليه سوريا بسبب لبنان. كانت سوريا في لبنان تماما مثل شمشون الذي هد جدران الهيكل بشعره، لكن، بعد انسحابها من لبنان، تهاوى دورها وانهارت قوتها، فقد «قصت دليلة شعر شمشون». وهذا ما سيحل بإيران، فالتمسك بلبنان بداعي المقاومة ودعم المقاومة لن يفيد. وما حل بسوريا سيحل بإيران. كم «شمشون» مر على لبنان، قصت لهم «دليلة» شعورهم، كلهم انتهوا وبقي لبنان.

لن تكون إيران أو سوريا أقوى، إنما المثير للسخرية أن بعض السياسيين الذين كانوا يستقبلون «ممثلي» النظام السوري يستقبلون اليوم «ممثلي» النظام الإيراني للتواطؤ على لبنان ولن يغفر التاريخ للسياسي اللبناني زاهر الخطيب، قوله على شاشة «الإخبارية» السورية مساء الأحد الماضي، وهو يشير إلى ممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري: «مندوبنا»، وكأن الخطيب تنازل عن لبنانيته لإرضاء السوريين.

ونعود إلى الخوف السوري الذي نقله وزير الخارجية وليد المعلم إلى طهران في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، حيث كشف للمسؤولين هناك عن مخاوف سوريا من احتمال قيام تركيا بغزو عسكري للأراضي السورية، مستغلة الحالات الإنسانية، أو التوتر الكردي، لإقامة «ملاذات» آمنة. قال المعلم إن عناصر من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبأمر من رئيس الحزب مسعود بارزاني، دخلت 4 قرى كردية في منطقة القامشلي السورية، واشتبكت مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي.. هذا الأمر قد يدفع تركيا للدخول إلى سوريا. كما أبلغ المعلم المسؤولين الإيرانيين أن دمشق تأخذ على محمل الجد تهديدات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، خصوصا أنها تتزامن مع اتصالات وتحركات إقليمية ودولية لدفع أنقرة للقيام بعمل ما، وهذه كلها تأتي مع نشر قوات ومعدات عسكرية تركية لم يسبق لها مثيل، والقيام بمناورات على الحدود. وعبر المعلم عن مخاوف قيادته من أن التهديد التركي حقيقي، وبأن العمل العسكري وشيك، ولهذا، طلب من طهران ممارسة الضغوط على أنقرة لمنعها من أي تحرك عسكري ضد الأراضي السورية.

من جانبه، قلل الطرف الإيراني من «الهواجس» السورية، وأبلغ المعلم أن التهديدات التركية «للاستهلاك المحلي»، ونتيجة لأزمة داخلية يعيشها أردوغان، ثم إن الأوضاع الاثنية والمذهبية عنده قد تنفجر في وجهه، إذا ما اقتحمت قواته الأراضي السورية، خصوصا أن التوتر السني – العلوي يزداد تأججا في تركيا.

حاول المعلم إقناع طهران بنشر قوات إيرانية على الحدود التركية. لكن المسؤولين الإيرانيين وعدوه بأن الضغوط ستكون سياسية واقتصادية.

وحسب معلومات موثوقة، ترفض إيران نشر قوات عسكرية على حدودها مع تركيا، لأن التنسيق الأمني بين أجهزتها والأجهزة التركية قائم وعميق على طول الحدود المشتركة بينهما لمواجهة العدو المشترك، أي أكراد الطرفين.

ما اتفق عليه المعلم في طهران كان التحرك لدى العراق للضغط على بارزاني لوقف نشاط حزبه في المناطق الكردية السورية، ولهذا سافر من طهران مباشرة إلى بغداد. وحسب معلومات موثوقة، استغل استياء نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي من تحركات وتدخل بارزاني في الشأن السوري. وكان المالكي اصطدم مع وزير خارجيته هوشيار زيباري (كردي) الذي انتقد في إحدى المقابلات التلفزيونية بشار الأسد شخصيا وانتقد النظام السوري، الأمر الذي دفع المالكي لمنع زيباري من حضور جلسات مجلس الوزراء، لأنه خالف خط حكومة المالكي الداعم للنظام السوري.

لقد وعدت طهران الوزير المعلم بأن تتحرك وبسرعة لعقد اجتماع إقليمي حول سوريا ويمكن أن يتوسع ليشمل روسيا والصين وأفغانستان وباكستان، وحددت اليوم الخميس، التاسع من أغسطس (آب) موعدا لهذا المؤتمر.

كما وعدت طهران المعلم بأنها مستمرة في مساعيها لدعوة المعارضة السورية للحوار مع الحكومة. وكأن إيران تبحث عن توازن ولو متأخرا، بعد انحيازها الكامل لدعم النظام السوري.

التزمت إيران ببعض وعودها، فإثر مغادرة المعلم وصل مساعد وزير الخارجية التركي لشؤون الشرق الأوسط خالد تشويك، الذي التقى علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني وتركزت مباحثاتهما على الوضع السوري.

وقد يكون ما نشرته الصحف التابعة لـ«الحرس الثوري» عكس نتيجة تلك المباحثات، إذ قالت إحداها، إن إيران وجهت تهديدا لتركيا بأن أي تدخل عسكري سيواجه برد إيراني قاطع، لأن طهران سوف تلتزم بالاتفاقيات الدفاعية الموقعة بين إيران وسوريا وهما اتفاقية دفاعية بحرية (2006) واتفاقية دفاعية جوية (2009).

وحسب مصدر إيراني شارك في المحادثات السورية، فإن هناك حالة من الهلع والخوف لدى المسؤولين السوريين من احتمال دخول قوات تركية إلى الأراضي السورية.

يبقى أن نشير إلى أنه كان الأجدر بالخارجية الإيرانية أن تتذكر تصريح وزيرها في الثالث من الشهر الحالي حيث قال: «الأوضاع في سوريا عادية وهادئة ولا مشاكل أمام الرعايا الإيرانيين».

وتجدر الملاحظة هنا إلى أنه وأمين عام «حزب الله» أصرا يوم الاثنين الماضي على تحديد لبنان بفعل «المقاومة» وتبعاتها، وجليلي يقول: «إن أصدقاءنا في حماس.. ما هم إلا امتداد طبيعي لحركة المقاومة والممانعة في لبنان»، وحيث إن الاثنين يزيدان من الظلمة في النفق أمام اللبنانيين، كان العالم يحتفل بهبوط المسبار «كوريوزيتي» على سطح المريخ، الذي أشرف على المشروع المنطلق من الأرض إلى الفضاء الواسع، كان الأميركي اللبناني الدكتور تشارلز العشي.. لقد رفض الدخول في النفق.

الشرق الأوسط

الجمعة

إيران ومواجهة العرب والقمة الإسلامية

رضوان السيد

جاء سعيد جليلي مدير مجلس الأمن القومي الإيراني، إلى لبنان وسوريا. وذهب في الوقت نفسه وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا. في لبنان تظاهر جليلي بمحاولة إقناع المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية اللبنانية، بحضور الاجتماع الذي تعقده طهران «للدول المؤثرة»، من أجل التشاور في ابتداع حل للأزمة في سوريا. لكن الغرض الحقيقي من ذهابه إلى لبنان كان الاجتماع بحسن نصر الله لبحث ما يمكن فعله، لتقديم المزيد من المساعدات للنظام السوري. رئيس الجمهورية اللبنانية قال لجليلي إن لبنان لن يحضر اجتماع طهران، بناء على سياسته في النأي بالنفس عما يحدث في سوريا حماية للبلاد من التداعيات الداخلية لتلك الأزمة. وبالطبع ما كان ذلك موقف نصر الله، الذي كان – وبناء على طلب إيران – قد أرسل قبل أسبوعين قوات لحماية جبهة النظام فيما بين الحدود اللبنانية وحمص. لكي تتفرغ القوات السورية في الشمال لمعركة حلب مع الجيش الحر، والكتائب المسلحة الأخرى. ولأن التهديدات الإيرانية تصاعدت ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد ظن محللون أن طهران يمكن أن تطلب من نصر الله التحرش بإسرائيل، وهذه المرة ليس بذريعة تحرير الأرض اللبنانية أو الفلسطينية، بل لمنع كسر النظام السوري (من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل طبعا!) الذي يلعب دورا محوريا في منظومة «المقاومة» التي بنتها إيران خلال العقد الماضي على الخصوص.

وسبقت وصول صالحي وزير الخارجية إلى تركيا تصريحات إيرانية تتهمها بتسعير النيران في سوريا، وهو الأمر الذي نفته تركيا بشدة. أما مباحثات وزير الخارجية الإيراني في تركيا فكان لها موضوع رئيسي وآخر فرعي. الموضوع الرئيسي هو حث تركيا على حضور اجتماع طهران يوم الخميس للتشاور في اقتراح حل. وقد ناقشه وزير الخارجية التركي مطوَّلا في معالم ذلك الحل. وذكره بأن تركيا عن طريق رئيس وزرائها، وعن طريق وزير خارجيتها، وفي عشرات الزيارات، حاولت إقناع طهران بإقناع الأسد بحل سياسي انتقالي يبدأ فورا عبر حوار وحكومة توافقية تنهي العنف. وتجري انتخابات، وتنتهي بذهاب الأسد عام 2014. وقد رفض الإيرانيون دائما (رغم تأييدهم الظاهر لمبادرة كوفي أنان ونقاطه الست التي تنتهي إلى نفس النتيجة!) التفكير في سوريا من دون الأسد ونظامه.

الإيرانيون الآن مستعدون، بحسب ما قالوا للوزير التركي، للتفكير في حل على هذه الشاكلة، وإن كانوا لا يقبلون أن يسلم الأسد السلطة الآن لحكومة توافقية! وقال الوزير التركي إنهم أيضا ما عادوا يقبلون بأي شيء قبل توقف العنف فورا وعودة الجيش والشبيحة إلى ثكناتهم، شرطا للدخول في أي حوار. وقد لفت انتباهه إلى إقدام نظام الأسد على التلاعب بالملف الكردي، ونشر مسلحي حزب العمال الكردستاني على الحدود مع تركيا. كما ذكره بأن إيران تملك إمكانيات كبرى ومؤثرة على الأرض السورية عبر «فيلق الجنرال سليماني»، وحزب الله عبر مسلحيه الموالين لإيران وسوريا. ونبهه أخيرا إلى أنه لو أراد الإيرانيون والنظام السوري إبقاء مساحة للحل لما أمعنوا في المذابح، ولما اتجهوا لإشعال حرب طائفية يمكن أن تؤدي إلى خراب هائل في سوريا وما حولها. وفي النهاية ما اتفق الطرفان إلا على أن تبذل تركيا مساعيها الحميدة لإطلاق سراح الإيرانيين الذين أسرهم الجيش الحر بضواحي دمشق قبل أيام، وقال الإيرانيون إنهم زوار للسيدة زينب، وقال الآسرون إنهم ضباط في الحرس الثوري الإيراني!

ماذا تريد طهران، من وراء اجتماع الخميس، الذي قالت عنه إنه تحضره عشر من الدول المؤثرة في الأزمة السورية؟ يريدون أمرين اثنين: الأول مواجهة ما يمكن أن يصدر عن مؤتمر القمة الإسلامية الذي دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز بشأن سوريا. والثاني محاولة استنهاض «جبهة» لمواجهة جبهة أصدقاء سوريا، وقرار الأمم المتحدة الأخير بشأن المرحلة الانتقالية، أو مرحلة ما بعد الأسد هناك.

يريد الإيرانيون في الظاهر إقناع المجتمع الدولي بأن النظام السوري قوي، وأنهم سيدعمونه بشتى الوسائل إلى النهاية. ولا تقل كل من روسيا والصين عنهم في التصميم على ذلك. ولذا فالأفضل العودة إلى تجديد مبادرة كوفي أنان أو ما يشبهها. لكنهم يعرفون أن شيئا من ذلك لم يعد نافعا لأكثر من شهرين أو ثلاثة. ولذا فالواقع أنهم لا يزالون يراهنون على دخول الولايات المتحدة في مفاوضات معهم على أزمتيهم: أزمة الحصار بسبب الملف النووي، وأزمة تزعزع مناطق نفوذهم، وفي سوريا والعراق معا. وقد بدأوا يفكرون – أو أن بعضهم يفكر – بإمكان التأجيل في النووي بالفعل، وإمكان المهادنة نتيجة لذلك بشأن مناطق النفوذ. وقد ضغطوا كثيرا لزعزعة التحالف الكردي – السني المتكون ضد المالكي، بعد أن أخرجوا منه مقتدى الصدر بالقوة. وهم لا يملكون الجرأة على التحرش مباشرة أو من طريق غير مباشر (من طريق حزب الله) بإسرائيل. كما أنهم لا يجرؤون بالطبع على إحداث اضطراب في مضيق هرمز أو في الخليج. ولذلك ستكون وسيلتهم للضغط في الشهور المقبلة: الدخول بكل قوة وعلنا للقتال مع النظام السوري. وتهديد الأتراك بالملف الكردي في سوريا والعراق، ومحاولة نشر الاضطراب في المشرق العربي والخليج عن طريق الجماعات الشيعية، والجماعات الجهادية التي يدعمونها بغزة وخارجها. فالظواهري عندهم أو على مقربة منهم، لكنهم على علاقة مباشرة أيضا بالجهاديين في غزة وغيرها، وما كانوا بعيدين عن الهجوم الذي حصل بسيناء قبل أيام.

إنما هل يعتقدون حقا (وقد صارت هذه الطرائق معروفة لأكثر من عقد من الزمان) أنها ستفيد، سواء في دفع الأميركيين للتفاوض، أو في الإبقاء على النظام السوري؟! قد لا يعتقد عقلاؤهم ذلك. وتصريحات رفسنجاني الأخيرة دليل على ذلك. إنما يكون علينا أن نتنبه للتركيبة الحالية لسلطة الحرس الثوري بطهران، التي انتظمت سطوتها وانتظم نفوذها العسكري والاقتصادي والإداري خلال السنوات الماضية بعد الغزو الأميركي للعراق. إن سطوتها تقوم على تحقيق «انتصارات» بالخارج، من خلال الامتدادات بالعراق وسوريا ولبنان وبعض أقطار الجزيرة العربية، والاستمرار في تهديد إسرائيل مثلما قال لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني، أخيرا: إن النار المشتعلة في سوريا بفعل التدخل الخارجي، يمكن أن تحرق إسرائيل! وما كانت لتلك السياسة؛ سياسة الحروب بالواسطة، ونشر الانقسامات بالدول العربية، نتائج باقية أو مجدية للمصالح الوطنية الإيرانية. لكن تغييرها يعني سقوط التركيبة كلها، ومجيء نخبة أخرى تكون لها نتائج مدمرة عليها. ولذا فإن الاستماتة في التعبد للنوويات، والاستماتة في مواجهة الظروف الجديدة التي أحدثتها الثورات العربية، كل ذلك هو الذي يسمح لها باستدامة السطوة والبقاء في السلطة استعدادا لانتخابات الرئاسة، والانتخابات البرلمانية بإيران، وربما إلى أبد الآبدين من وجهة نظرها. ولذا فإنه لا مجال لتغيير السياسات الإيرانية تجاه العرب وفي المنطقة، إلا إذا حدث تغيير بالداخل الإيراني، يشبه ذاك التغيير الذي عرفته الجمهوريات العربية الخالدة، أو التي كانت كذلك!

لقد شهدت الأعوام الماضية مبادرات عربية انطلقت جميعا من السعودية للمصالحة معهم، ومع حلفائهم في العراق وفلسطين، وقد ردوا على كل المبادرات بالخديعة أو عدم الاهتمام. وما اقتصر ذلك على إيران بل تعدى الأمر ذلك إلى بشار الأسد على الخصوص، وإلى المالكي، وإلى حزب الله. ومؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي الذي دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز هو فرصة أخيرة لهم لحفظ ماء الوجه، وليس في منطقة المشرق العربي والخليج فقط، وعلى مستوى العلاقات الدولية. لكن في تحركاتهم العنترية، وإعداداتهم لمواجهة العرب والمسلمين، يدللون للمرة المائة على أنهم لا يزالون يأملون عن طريق الفتن والانقسامات والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور – وهي طرائق قديمة تجاوزتها الأحداث – أن يحفظوا رؤوسهم فوق الموج، وأن يضحكوا على القريب والبعيد بالشعارات البهلوانية. وآخِر طرائفهم غير الظريفة أن الشعب السوري يثور على طاغيته، فيهددون العرب والأميركيين والإسرائيليين والأتراك أنهم سيدمرون العالم الذي صنع هذه «المؤامرة» ضد نظام المقاومة العظيم!

قبل أيام، قال نجاد إن الإمام المهدي يقاتل مع الرئيس الأسد! والحقيقة أنه لا يقاتل معه غير الجنرال سليماني والجنرال بوتين. إيران تتجه للمواجهة، وعساها تكون المواجهة الأخيرة بنجاد ومن دون نجاد!

الشرق الأوسط

السبت

دمشق والسقوط من الداخل

احمد عبد الحق

في مواجهته لإنتفاضة الشعب السوري، يبدو ان نظام دمشق نجح الى حد كبير، ولو مرحليا ً، في ادارة المعركة، سياسيا وعسكريا ً، على اكثر من صعيد. فعلى الصعيد السياسي تمكن ،ابتداءً، من استثمار علاقته التاريخية، بغض النظر عن حقيقتها، مع فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله، ليقدم نفسه قلعة ً للصمود والتصدي وحصنا ً للمقاومة والممانعة. واستطاع بذلك تأمين جبهة عريضة من المؤيدين له في الداخل والخارج. وبالرغم من ان تاريخه ‘ النضالي ‘، من تل الزعتر الى حصار بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا الى حفر الباطن، لا يشرّف عربيا ً غيورا ً، الا انه تمكن من ايجاد تيار لا يستهان به من المناصرين له في صفوف جمهرة من السياسيين والبرلمانيين والاعلاميين والمثقفين على امتداد المنطقة العربية وبشكل خاص ضمن صفوف المهتمين في الجارين الاقرب، الاردن ولبنان.

ولم يكن ذلك بالامر العسير، فالمناوئين لنظام الاسد في المعسكرالرسمي العربي، قطر والسعودية بشكل خاص، ليسوا افضل من يتحدث عن الحرية والديموقراطية. ثم ان النظام السوري استطاع، ثانيا ً، ان يحكم قبضته، شريانا ًحيويا ًو رئة ً وحيدة ً للتنفس، على حزب الله اللبناني، الذي يعتبر ذراع طهران في المنطقة وطفلها المدلل، وضمن بذلك دعما ً لوجستيا وعسكريا ًو ماديا ً لا حدود له من الاخطبوط الايراني الغني الذي لا يخفي رغبته في التمدد غربا. ثم انه تمكن، ثالثا ً، من تقديم نفسه على انه النظام العلماني المدني الوحيد في منطقة عربية تتنازعها تيارات دينية وطائفية، وانه، بالتالي، يمثل العائق الاهم في وجه تمدد الاسلام السياسي، وكان هذا، في ظنه، مطلبا ًغربيا ً. ونجح، رابعا ً، في تكريس نفسه موقعا ً متقدما ً واساسيا ً للوقوف بوجه الثور الامريكي الذي تطمح موسكو وبكين الى كبح جماحه وارغامه على الاقرار بوجودهما وحضورهما الدولي على الصعيد الاقتصادي والسياسي، بل وحتى العسكري، وبذلك تمكنت دمشق من ضمان الفيتو تلو الفيتو في مجلس الامن ومنعت بالتالي عملا ً عسكريا ً لا يرغب اوباما، ولا يستطيع، القيام به دون غطاء دولي في سنة انتخابات لها عند واشنطن الاولوية الاولى.

اما عسكريا ً، فقد اطلقت القيادة السياسية يد الجيش النظامي للقضاء على ‘بؤر الارهاب’ دون رحمة ولا هوادة. وفي غياب دعم خارجي غير خجول، فإن قوى المعارضة لن تتمكن من الصمود طويلا ً، وبدا ذلك واضحا ً للعيان خلال الايام القليلة الماضية التي شهدت قتالا ًضاريا ً في بعض مناطق حلب. فقد تمكنت قوات الاسد من حسم الامور لصالحها بدموية وعنف غير مسبوقين مستخدمة في ذلك آلة عسكرية جبارة وغطاء جوي فاعل. ان الوضع الميداني لمقاتلي الجيش الحر يبدو صعبا ً للغاية، فبالرغم من استمرار مسلسل الانشقاقات في صفوف القوات النظامية، والتصدّع البطيء في البنية السياسية للنظام الحاكم، الا ان غياب الدعم الضروري لاستمرار المقاومة وتصعيدها قد يؤدي الى تحول الجيش الحر الى مجموعات مسلحة تفتقر الى المقوّمات الاساسية المتعلقة بالقيادة والسيطرة، ويقتصر نشاطها على عمليات متفرقة تشكل شوكة في خاصرة النظام ولكنها تعجز عن اسقاطه على الصعيد الاعلامي لم يكن نجاح دمشق في هذا المجال بحجم نجاحها على الصعيدين العسكري والسياسي، فعلى الرغم من تدارك الاعلام الرسمي لسقطاته المبكرة التي صورته اعلاما ًمخابراتيا ًصاخبا ً في الايام الاولى ونجاحه في الابتعاد عن الانفعال والضجيج، الا انه فشل في الموائمة بين هذا الهدوء من جهة وبين المصداقية والذكاء من جهة اخرى، فاستضاف، مثلا ً، العشرات من المطبّلين والمزمّرين من الاعلاميين والنشطاء السياسيين في بيروت وعمّان ممن يُعتبرون، في أعين الكثيرين من مواطنيهم، ‘ شبّيحة ‘ لا يعوّل على تنظيرهم المتعلق بالحرية والعدالة والصمود والممانعة. ثم انه بالغ، الى حد السذاجة، في مسألة الهدوء والابتعاد عن الانفعال فلجأ الى التعامل مع الكارثة الوطنية والالم اليومي باستخفاف رخيص وصل حد بث مسلسلات اجتماعية تقترب من الكوميديا في نفس اليوم الذي يقتل فيه العشرات من مواطنيه.

من الواضح ان الآلة الاعلامية السورية لم توفــــر جــــهدا ّ ولا مالا ً في محاولتها تلميع الحكم وتحسين صورته، الا انها لم تنجح في تقديم اعلام يتمتع بقدر معقول من المصداقية وان ظل هادئا ً في كثير من الاحيان هذا النجاح النسبي للنظام السوري في ادارة الازمــة لم يكن كافيا ً للوصول به الى برّ الامان، فقد عجزت دمشق عن الاستفادة من دروس الربيع العربي واصرّت على انها ليست تونس ولا القــــاهرة فانزلقت نحو سيناريوهات ليبية كان من الممكن تفاديها.

لم يفلح الحكم، اولا ً، في ادراك جوهر التغيير الاصلاحي المطلوب الذي يؤدي الى التعددية السياسية وتداول السلطة، فلجأ الى اجراءات تجميلية ساذجة لنظام سياسي يعشّش الفساد في جذوره، وزاوج ذلك، ثانيا ً، بإستخفاف وبطء في التحرك مما الهب جذوة الانتفاضة وسارع في تمددها وزيادة اوارها. اما ثالثة الاثافي فكانت تغييب الاسد الفعلي للحل السياسي لصالح القبضة الحديدية التي اوغلت في دماء السوريين دون رحمة ولا هوادة. فانتهكت حرماتهم وقطّعت اوصالهم وشتّت شملهم. وكانت مشاهد الذبح والقصف والتدمير تدخل الى كل بيت وتدمي كل قلب، وقبل ان يتمكن السوريون من دفن موتاهم، كانت ادوات النظام تتوعدهم بالمزيد.

لم يترك رعب الموت وحجم الدمار وحدّة الكراهية والعنف مجالا ً لأي شكل من اشكال المصالحة الوطنية، فوصلت الازمة الى نقطة اللاعودة، ولم تعد السيناريوهات المطروحة تتحدث عن سوريا الاسد، وانما عن ما بعد الاسد، وغالبا ً، عن ما بعد البعث.

لن تحسم المعركة في سوريا على الطريقة الليبية. فموسكو التي غضت الطرف عن ضربات الناتو لليبيا وعقيدها، عادت في دمشق قيصرا ً روسيّا ً يطمح لإستعادة دوره التاريخي، وبكين التي لم تذرف دمعة على نظام طرابلس، الذي لم يكن يعني لها شيئا ً، تتمدد الآن تنّينا ً صينيا ً يبحث عن مساومات تعزّز جبروته الاقتصادي وتؤكد موقعه كرقم صعب في المعادلة الاممية.

لن يكون الخروج من الازمة السورية سهلا ًو لا سريعا ً، غير انه من المؤكد ان بشار الاسد قد اصبح خارج الحل. ومن المرجح ان حسم المسألة لن يكون بتدخل خارجي واضح ومعلن، وانما نتيجة حراك داخلي يتعاظم ويتأجج بموازاة تصاعد عنف النظام ودمويته، الى جانب حصار اقتصادي وعقوبات دولية لن تفلح خزائن موسكو وطهران، غير المفتوحة الى الابد، في التقليل من اضرارها. ومن غير المستبعد ان يكون عنوان الحسم الداخلي انقلابا ً عسكريا ً يعيدنا الى مرحلة الستينات من القرن الماضي، فعلى الرغم من ان الانقلابات العسكرية، حتى في سوريا، لم تعد تتفق مع لغة العصر ومنطق الحاضر، الا ان التعويل على مخلص يدخل ابواب قاسيون على ظهر دبابة او عربة عسكرية ليس مستهجنا ً، ولكنه، اذا حدث، لن يتجاوز عملية دموية تنتهي بسحل الحاكم وصَحْبه في ساحة المرجة وعلى ضفاف بردى قبل ان تعود الامور الى المربع الاول، فالثورة السورية لا تهدف الى الخلاص من الاسد فحسب وانما الى الخلاص من نهجه ونهج التفرد والظلامية وغياب العدالة.

من ناحية اخرى، يبدو الارتباط الوثيق والمعقد بين المكوّن الايراني في الازمة مع الداخل اللبناني وتقاطعه مع الهلال الشيعي الممتد من الضاحية الجنوبية لبيروت الى اطراف افغانستان، الى جانب تداخلات البرنامج النووي الايراني والتحرك الاسرائيلي في هذا الاتجاه، يجعل من احتمال تحوّل الازمة السورية الى نقطة تفجّر تتجاوز الاقليم امرا ًغير بعيد.

من المأمول ان يكون الخلاص من الاسد، كشخص وكنهج، مقدمة اولى لخروج سوريا من دوامة العنف والتسلط الى فضاء التعددية والحرية والعدالة كيانا ًواحدا ًمتماسكا ً، الا ان الخصوصية السورية مع تعقيدات الوضع الاقليمي تجعل هذا الحلم صعبا ً وان لم يكن مستحيلا ً. ويخشى ان تستجير سوريا من رمضاء الاسد بنار حرب اهلية طائفية جهوية تمزّق البلاد وتفرّق العباد وتنتهي بنا الى عراق آخر مقسم بين امراء الطوائف والملل، او الى كيانات جديدة يحكمها شيوخ النفط وسادة البيت الابيض.

‘ كاتب اردني

السبت

إيران وجيرانها… و «الإخوان»

جمال خاشقجي

< رسم الصراع أو التنافس أو التدافع بين السعودية وإيران شكل العلاقات الإقليمية طوال ربع القرن الماضي. الربع المقبل قد يخصص لصراع وتنافس وتدافع بين «الإخوان المسلمين» وإيران، إلا إذا تغيّرت إيران وأصبحت تركيا أخرى، بالطبع من دون أن تغيّر مذهبها، يكفي أن تغير سياستها.

ثمة أسباب وجيهة للخلاف بين «الإخوان» وإيران، فكلاهما «أصولي»، والأصوليون إن اختلفوا اصطدموا، هذه القاعدة الأولى والأساسية، بقية الأسباب تدور حول سياسة إيران الخارجية، علاقاتها الإقليمية، وطائفيتها، وثأر قديم تجدد بشكل أكبر وأكثر إيلاماً في سورية.

غالب المحللين السياسيين العرب ذوي الخلفيات الليبرالية، ذهبوا إلى احتمال أن يتحالف الأصوليون فيقترب «الإخوان» مع صعودهم الى السلطة من الجمهورية الإسلامية في إيران. هؤلاء لم يسبروا عمق الاختلاف بينهما، العامل المشترك الوحيد بينهما هو الخطاب التعبوي المؤيد للمقاومة والمعادي للغرب.

ولكنهم مختلفون في مسائل حقيقية على الأرض. سورية تحديداً وموقف إيران منها كسر آخر جرة بين الاثنين، وقبلها سعي إيران لنشر التشيّع ومد النفوذ من حولها ومناكفة دول الخليج التي يفضل «الإخوان» علاقة معها على علاقة مع إيران.

إيران من جهتها لا تطمئن لـ «الإخوان».

بين يدي وثيقة أشرت إليها في مقال سابق عن العلاقات الطائفية بين النظامين السوري والإيراني ولم أجدها يومذاك، وقد بحثت عنها في مكتبي فوجدتها قبل أيام، توافَق ساعتها أن كانت قناة «العربية» تبث فيلماً يعرض فيه «الجيش الحر» 46 إيرانياً خطفهم أو اعتقلهم، وقد وصلوا لتوهم من طهران لزيارة مراقد آل البيت في سورية التي تدور في جنباتها حرب أهلية. هذه الحادثة وكيف ستنتهي ستكون مفصلية في العلاقة المستقبلية بين سورية التي ستكون في الغالب إسلامية الهوى (هناك من سيقول ليس بالضرورة) وإيران.

هذه الوثيقة وصفت بأنها تحليل صادر عن مكتب حرس الثورة الإسلامية «قسم حركات التحرر العالمية»، ونشر في صحيفة إيرانية تنطق بالعربية «الجهاد» في رجب 1402هـ (1982)، كانوا منشغلين بالترويج لثورتهم بين القوى الإسلامية في العالم العربي التي رحبت بانتصار ثورتهم في البداية، ولكن هذه القوى صدمت بموقف إيران المؤيد لنظام حافظ الأسد الذي كان يشن حرباً لا هوادة فيها ضد «الإخوان المسلمين» الذين أطلقوا هم أيضاً ثورة سموها بالإسلامية، وهو ما لم يفعلوه في الثورة الحالية. إنها الحكمة التي جاءت متأخرة.

يمكن أن يعيد مكتب حرس الثورة إصدار هذا التحليل مجدداً ليبرر الموقف الإيراني المتجدد الداعم لنظام الأسد الابن ضد ثورة المستضعفين، مع إجراء تعديلات طفيفة ليتوافق مع الوقت الراهن، إذ يعتمد على محورين، الأول التشكيك في جماعة «الإخوان» وتحديداً في قيادتها واتهامهم بالارتماء «في أحضان الملوك والرؤساء العملاء»، والثاني أن تحركهم ضد النظام السوري «يكون بدعم من الشاه، (الملك) حسين وصدام (حسين) اللذين يقفان وراء زعماء الإخوان المسلمين في سورية».

إنه المنطق الحالي نفسه، المؤامرة المدعومة من قطر والسعودية وتركيا وأميركا، وأن المستفيد من إسقاط النظام هو من يريد إسقاط «المقاومة»، من غير الالتفات إلى طائرات النظام التي تقصف مدناً، ومدفعيته التي تدك أحياء وتهدم بيوتاً على سكانها. في تحليل 1982 كان الإيراني موضوعياً أكثر، إذ قال «كان على الحكومة السورية أن تميّز العناصر المشبوهة من بعض الإخوان في مدينة حماة ومعاقبتهم بدلاً من قتلها الأبرياء العزل، وإننا إذ نشجب مثل هذه الأعمال، وفي اعتقادنا أن أيادي خفية في الحكومة السورية هي التي جعلت الحكومة السورية (الركاكة من المحلل) تتخذ هذا القرار». ربما محلل لبناني يقول قولاً كهذا الليلة في تلفزيون «الدنيا» المؤيد للنظام.

يستمر المحلل في استعراض أسباب الموقف الإيراني، ليؤكد أنه في النهاية يصب في مصلحة الإسلام فيقول: «الاستعمار الأميركي أراد أن يوقع الثورة الإسلامية في إيران في ورطة، إما أن تنحاز إلى جانب «الإخوان» ضد الحكومة، أو أن تقف مع الحكومة ضد «الإخوان»، وفي كلتا الحالتين تصب الشتائم والهم – ربما يقصد التهم – على الثورة الإسلامية في إيران»، ما سيؤدي بحسب الخطة الأميركية بزعم المحلل «إلى وقف تصدير الثورة الإسلامية إلى مناطق أخرى (..) وحرف أذهان البسطاء من الإخوان المسلمين وعزلهم عن الثورة الإسلامية في إيران».

يكاد يستغرق نصف التحليل الطويل للتأكيد على انحراف قيادة «الإخوان» عن خطها الرسالي القديم، فيستعرض أسماء أعضاء التنظيم الدولي للحركة، الذي كان دقيقاً، ولكنه يصفهم جميعاً كوعاظ سلاطين «يحتلون مراكز في بعض الحكومات العميلة التي ثبتت عمالتها للاستعمار العالمي مئة بالمئة»، وبين ما سماه الخط الشعبي لـ «الإخوان» من المثقفين والطلبة والعمال، الذي «تخلى عن خط الزعامة ويميل إلى الثورة الإسلامية في إيران ويضم الملايين من الشباب الثوري المتحمس».

كان هذا نموذجاً أسّس لعلاقة عدم الثقة والتوجس بين «الإخوان» وإيران، التي تعززت وتجذرت على مدى العقود الثلاثة الماضية، مع تباين بين الحركات بحكم احتكاك وتجربة كل منها مع إيران أو الحركات الشيعية المحلية المحسوبة عليها، الأمر الذي يفسّر الموقف السلبي الذي يتخذه الرئيس المصري محمد مرسي تجاه إيران حتى الآن، والعداء الصريح من قبل «إخوان» سورية.

ربما يأتي يوم نترحم فيه على أيام الخلاف السعودي الإيراني.

* كاتب سعودي

الحياة

 

ماذا استفاد النظام من حلفه مع ايران؟

جهاد الخازن

ايران استضافت مؤتمراً دولياً لنصرة حليفتها سورية. أكبر مشكلة يواجهها النظام السوري هي حِلفه مع ايران التي تواجه عقوبات دولية وحصاراً ومقاطعة.

كنت سأقول إن النظام الايراني يعيش في المريخ، إلا أن الاميركيين سبقوه الى الكوكب الأحمر قبل يومين، فلعله يعيش في عُطارد أو زُحَل، إذ يبدو أنه اختار أن ينفصل عن واقع الأمور في الشرق الأوسط والعالم.

خلفية سريعة: كان حلف سورية مع ايران في العقد الماضي مبرراً جداً، فإدارة جورج بوش الابن أعلنت سياسة «تغيير النظام» في سورية وإيران، ورد عليها البلدان بدعم المقاومة والإرهاب في العراق بين 2004 و2006، وخسرت الولايات المتحدة الحرب في العراق، وسحب باراك اوباما آخر جنود اميركيين منه مع إدراكه أنه يسلم مصير بلد أساسي في المنطقة الى ايران، والآن نرى كل يوم نماذج من تبعية حكومة بغداد لآيات الله في طهران وقم.

كان وزير خارجية العراق هوشيار زيباري واحداً من إثنين فقط من وزراء الخارجية الذين حضروا مؤتمر طهران (الآخر وزير خارجية زيمبابوي) وهو ما كان فعل لولا النفوذ الايراني في بلاده.

المهم في الأمر أن الحلف الذي كان مبرراً في العقد الأول من هذا القرن لم يَعُدْ له أي مبرر في العقد الثاني، بل إنه من أسباب مشاكل النظام السوري حتى لو أنكر أصحاب العلاقة الآخرون ذلك.

ايران تحتل ثلاث جزر تابعة للإمارات العربية المتحدة وتهدد الجار القريب والبعيد، ولا تكتم أطماعاً فارسية في الخليج كله. وفي حين أنني أؤيد البرنامج النووي العسكري الايراني أملاً بأن تحذو الدول العربية حذوه، فأنني لا أعمى عن سياسة فارسية، لا إسلامية، جعلت دول الخيج الصغيرة تطلب أحلافاً أجنبية وحماية هي بغنى عنها لولا ايران، ثم يحافظ النظام السوري على حلف فَقَدَ أسبابه.

ماذا استفاد النظام السوري في السنوات الإثنتين أو الثلاث الأخيرة من حلفه مع ايران؟ لا شيء سوى أنه أصبح مُقاطَعاً بالتبعية، والدول العربية التي كانت مستعدة لدعمه أصبحت ضده.

ايران اختارت أن تعقد مؤتمراً لنصرة سورية، وهي كانت ستفيد النظام السوري لو أعلنت مقاطعته والابتعاد عنه، لأن الدول التي تعارض النظام تريد أولاً وأخيراً أن تخرج دمشق من دائرة النفوذ الايراني.

وزير خارجية ايران على أكبر صالحي بدا وكأنه يتجاوز السياسة الموجودة، ليجمع 27 أو 28 دولة في طهران ويطلب هدنة مدتها ثلاثة أشهر لتتفاوض الحكومة السورية والمعارضة على إصلاحات.

هذا لن يحدث. كان زمان. اليوم أرى أن المواجهة بين النظام والمعارضة ستنتهي بغالب ومغلوب بعد حرب أهلية، لذلك أتفق مع قول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن لا منتصر في المواجهة الحالية، بل احتمال حرب أهلية طويلة الأمد تدمر النسيج الاجتماعي السوري.

في المقابل لا أتفق مع الموقف الاميركي إزاء سورية وإيران، والناطق الرئاسي جاي كارني قال تعليقاً على مؤتمر طهران إن لا دليل على أن ايران تلعب دوراً بنّاءً في سورية. هذا صحيح، والولايات المتحدة أيضاً لا تلعب دوراً بنّاءً في سورية. ولعل كلام سفيرة اميركا لدى الأمم المتحدة، السيدة سوزان رايس، وهي جيدة عادة ومعتدلة، يشرح أسباب اعتراضي، فهي قالت إن الاتجاه في سورية يتغير بوضوح لمصلحة المعارضة، وأرى كلامها تمنيات أكثر منه تحليلاً دقيقاً لواقعٍ على الأرض صفته القتل اليومي الفظيع. السيدة رايس قالت أيضاً عن «حلف الممانعة» إنها ترى أنه «سيئ للمنطقة». أولاً، لا حلف ولا ممانعة هناك بل كلام مُستَهلَك، وثانياً، إذا كان الحلف سيئاً فهو سيئ لإسرائيل، والإدارة الاميركية تقدم هذه الدولة الفاشستية المحتلة على كل اعتبار آخر في المنطقة.

كنت سأقول عن مؤتمر طهران «إتْلَمْ المتعوس على خايب الرجا»، غير أن سورية غابت عن المؤتمر، وهذا انتهى كما بدأ من دون فائدة لأي بلد شارك أو غاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى