صفحات العالم

مقالات تتناول تداعيات اعتقال ميشال سماحة

سماحة.. من بشير إلى بشار

جورج عيد- أبوظبي – سكاي نيوز عربية

ميشال سماحة الرجل السياسي، الأمني والمخابراتي في قبضة القضاء العسكري اللبناني! والتهمة: التخطيط والتحضير لعمليات تفجير إرهابية في لبنان!

من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف انتقل الوزير السابق ميشال سماحة حتى أصبح قبل اعتقاله وبحسب الادعاء أمام القضاء اللبناني “عضوا في جماعة” شارك بتشكيلها مع اللواء السوري علي المملوك “هدفها ارتكاب جنايات في لبنان”.

بدأ ميشال سماحة اللبناني أولى خطواته في السياسة عام  1964، حين انضم الى حزب الكتائب اللبنانية وتولى حينها منصب مسؤول في القطاع الطلابي. كان مناصرا للرئيس الراحل بشير الجميل، وتقرب  بعد اغتياله من شقيقه رئيس حزب الكتائب أمين الجميل الذي عينه مسؤوله الإعلامي ورئيسا لمجلس إدارة التلفزيون الرسمي في لبنان.

وكان مع بداية الحرب اللبنانية عام 1975 قد  بدأ علاقة خاصة مع النظام السوري، وأوجد من خلالها  لنفسه دورا جديدا داخل حزبه ألا وهو همزة الوصل بين الكتائب اللبنانية والنظام السوري.

ساهمت حنكته السياسية وقدرته على الإقناع في تعيينه ضمن مجموعة كانت تزور دمشق بانتظام حاملة الرسائل السياسية وغيرها. وكانت أول علاقة وطيدة بناها سماحة في دمشق حينها مع العميد السوريّ محمد الخولي.

وفي عام 1985 ترك سماحة الكتائب ليؤيد انتفاضة على الحزب نفسه قادها رئيس حزب القوات سمير جعجع يعاونه إيلي حبيقة. لينحاز بعدها مباشرة لانتفاضة حبيقة على جعجع. وبين الانقلاب والتقلب بدأ سماحة علاقة مزعومة مع عناصر من المخابرات الفرنسية، طورها إلى حد كبير عندما انتقل للعيش مع أسرته في باريس.

وعلى وتر العلاقات السورية- الفرنسية عزف سماحة، حتى نال لقب مستشار الرئيس السوري حافظ الأسد للشؤون الفرنسية منذ مطلع العام 1990. وبمباركة سورية صار سماحة نائبا عن المقعد الكاثوليكي في المتن في لبنان. ولكن كان عليه انتظار لحظة انتخاب صديقه النائب عن زحلة إلياس الهراوي رئيسا للجمهورية في لبنان ليقتنص فرصة مجده. فعينه الهراوي وزيرا للإعلام للمرة الأولى فوزيرا للسياحة ليعيده وزيرا للإعلام مرة جديدة  هذه المرة من العام 1992 حتى 1995.

عاد بعدها  للمرة الأخيرة بمباركة سورية وزيرا للإعلام مجددا في عهد رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري من العام 2003 حتى العام 2004. ومع خروج القوات النظامية السورية من  لبنان تراجع دور سماحة الذي وصف خلال حقبة الوصاية السورية على لبنان “برجل سوريا الأول في لبنان”.

وأتى قرار الإدارة الأميركية في يونيو 2007 ليمنعه من بين عدد من الشخصيات من دخول أراضيها بحجة “التورط أو احتمال الضلوع في زعزعة الحكومة اللبنانية”، و”رعاية الإرهاب أو العمل على إعادة ترسيخ السيطرة السورية على لبنان”، وأنهم بذلك “يلحقون الضرر بمصالح الولايات المتحدة”.

ويذكر أنه في الآونة الأخيرة كان يشغل منصب معاون اعلامي لمستشارة الرئيس السوري بشار الأسد بثينة شعبان. قبل أن يعيده المستشار الأمني الأول للرئيس السوري اللواء محمد ناصيف إلى الساحة ويكلف بآخر عمل قام به.

وفي صباح يوم الخميس التاسع من أغسطس 2012، خلعت أبواب منزله تحت ضغط أقدام رجال الأمن اللبناني المدعومة بمذكرة جلب قضائية  بحق ” المتهم” ميشال سماحة. لينقل إلى يوم السبت 11 اغسطس الى المحكمة العسكرية، حيث يواجه بحسب الادعاء عقوبة تتراوح بين الأشغال المؤبدة والإعدام. وأشار مصدر أمني لسكاي نيوز عربية إلى أن الأجهزة الأمنية تستند إلى وثائق وأشرطة محددة ستعرض خلال المحاكمة. ومن بينها أربعة أشرطة فيديو لسماحة في أربعة أماكن مختلفة، وتحتوي على مشاهد يتحدث فيها سماحة، طالبا نقل المتفجرات لزرعها في عدد من القرى الشمالية بطلب من القيادة السورية.

السبت

… عن مسألة ميشال سماحة

حازم صاغيّة

إذا صحّت التهم الموجّهة إلى النائب والوزير اللبنانيّ السابق ميشال سماحة، وإذا صحّ خصوصاً أنّه اعترف بها، كنّا أمام حقائق ساطعة تنضح بالمعاني والدلالات.

أولى تلك الحقائق أنّ النظام السوريّ ينوي فعلاً تصدير أزمته إلى لبنان. فإذا كان «حزب الله»، بوصفه الحليف الوحيد الوازن لذاك النظام، يمانع في مثل هذا الاستيراد، ويتحسّب لأكلافه، جاز الافتراض أنّ المهمّة أوكلت إلى الحلفاء الصغار، كما أمكن الظنّ أنّ طبيعة السلعة المصدّرة ليست أزمة وطنيّة عامّة بقدر ما هي توتّرات أمنيّة موضعيّة لا يُستبعَد إفضاؤها إلى كوارث. وفي الحالات جميعاً، دلّت نيّة كهذه على طبيعة الودّ والحرص اللذين يكنّهما النظام السوريّ المأزوم للبنان واللبنانيّين.

ثانية تلك الحقائق، وبالنظر إلى موقع سماحة من الرئيس بشّار الأسد، أنّ توقيفه قد يقلّ إحراجاً، بالمعنى الرمزيّ، عن انشقاق رئيس الحكومة السوريّة السابق رياض حجاب. لكنْ فعليّاً، وتبعاً للدور العمليّ لسماحة في الجهد الحربيّ للنظام السوريّ، وأدواره الفرنسيّة وغير الفرنسيّة في خدمته، فإنّ اعتقاله يتعدّى الإحراج الذي شكّله انشقاق حجاب إلى هزيمة تطاول خطوط إمداد النظام المذكور وتفعيل علاقاته.

ثالثة تلك الحقائق أنّنا لا نتعامل، هنا، مع ديتليف ميليس والتهم الموجّهة إليه من الأطراف التي تمسك اليوم بالحكومة اللبنانيّة. إنّنا نتعامل مع طرف رسميّ لبنانيّ بما يُخرجنا من نظريّات المؤامرة إلى الواقع السياسيّ الفعليّ. وما يقوله الواقع المذكور أنّ قوى 14 آذار التي يمكن أن يؤخَذ عليها ألف نقد ونقد، لم تتورّط في أيّ عنف منذ اتّفاق الطائف. أمّا قوى 8 آذار فهي في أغلبها حالات تقاطع عريض بين السياسيّ والأمنيّ. وهذه حقيقة يُفترض ألاّ تمرّ مرور الكرام في نظام يسمّي نفسه ديموقراطيّاً.

ورابعة الحقائق أنّ سماحة، بفعلته تلك في حال صحّتها، يتجاوز السلطة التي هي سلطته. وهذا من الأعمال التي تذكّر بسلوك الميليشيات و «الفيجيلانتي» التي تظنّ أنّ الأنظمة البرلمانيّة لا يمكن أن تكون صالحة لإنجاز المهمّات التي ينبغي إنجازها، لأنّها محكومة بالسياسة وبتوازناتها، ولهذا ينبغي أداء هذه الوظائف من خارجها. إنّ في ذلك شيئاً من النيابة عن «العجز» الذي تنسبه الحركات الفاشيّة والمتطرّفة إلى أنظمة حليفة لها.

وخامسة الحقائق، وبالنظر إلى تقديم سماحة في بعض التلفزيونات بوصفه المحلّل الاستراتيجيّ والجيوبوليتيكيّ، أنّ ثمّة ما يوجب الحذر من هذه الشطارة اللفظيّة المسمّاة معرفة وتحليلاً أو فرعاً منهما، والتي تشيعها برامج تلفزيونيّة من صنف معيّن. ذاك أنّ «موضوعيّة» التحليل على الشاشة الصغيرة لا تلغي احتمال الانحدار، على الشاشة الأكبر للحياة، إلى سلوك لا يمتّ بمطلق صلة إلى ذاك المظهر «المحترم».

وأخيراً يبقى أنّ ميشال سماحة ليس فرداً بقدر ما هو حالة: ذاك أنّ الشابّ الكتائبيّ بالأمس هو الذي نقلته ذميّته العميقة إلى العمل مع «الأقوياء» والتظلّل بقوّتهم، علّه يتستّر على ذاك الشعور الحارق بالذميّة. وإذا كان سهلاً، في هذا العبور، إشهار العشق لـ «العروبة»، والعداء لـ «اليهود»، فأسهل منه ذاك التعالي على ملايين الضعفاء الذين يشبهونه ضعفاً، للتماهي مع قبضة من الجلاّدين. وهذا، كما نعلم، تيّار عريض في لبنان اليوم.

الحياة

ميشال سماحة: قصة سياسي عادي

حسام عيتاني

ما من شيء استثنائي في سيرة ميشال سماحة. فلا تدرّجه السياسي من ناشط في مصلحة طلاب حزب الكتائب اللبنانية مطلع السبعينات الى توليه حقيبة وزارية فريد في بابه، ولا انتقاله من معسكر اليمين المسيحي الى خندق الولاء المطلق للنظام السوري بدعة انفرد في إتيانها.

ادعاءاته «الفكرية» وتحليلاته الاستراتيجية لا تخرج كذلك عن المتداول من نظريات المؤامرات الصهيونية- الغربية على لبنان ومقاومته وتحالفه مع محور الممانعة، وعلاقات سماحة بوسائل الإعلام العربية والاجنبية ليس فيها ما يبهر.

والمدرسة التي جاء منها هذا الوزير والنائب السابق، حزب الكتائب، تعج بكثر ممن انضموا الى صفوف العدو السابق، اي الحكم السوري وأجهزته وأدواته في لبنان. ولعل اشهرهم إيلي حبيقة، القائد السابق لـ «القوات اللبنانية» ثم الوزير في مطالع وأواسط التسعينات. ومنهم ايضاً كريم بقرادوني الوزير والرئيس السابق لحزب الكتائب منافس سماحة في عالم الجيوبوليــتيك والاستراتيجيا واستقراء الخرائط الاقليمية والدولية. ويمكن إدراج النائب السابق نادر سكر الذي عمل طويلاً في اجهزة استخبارات «القوات اللبنانية» قبل ان يستيقظ فيه الشعور العربي الأصيل فيُنتخب نائباً بأصوات مناصري «حزب الله» في البقاع. النائب اميل رحمة سلك مساراً مشابهاً.

ولبعض من هؤلاء تاريخ «أمني» حافل، من علاماته تنظيم عمليات الاغتيال وإرسال السيارات المفخخة الى مناطق العدو، من دون ان يبخلوا بالاعتراف بما فعلوا وفق القصة الشهيرة عن مصارحة حبيقة لوليد جنبلاط بالمسؤولية عن محاولة اغتياله في 1983. ويتعين الانتباه الى ان المخدوم الجديد، المنظومة السياسية- الأمنية السورية في لبنان، كان يظهر قدراً عالياً من التسامح مع هذه الفئة من «السياسيين» المسيحيين الذين استخدمهم طوال فترة وصايته على لبنان حتى 2005 وصولاً الى اليوم، حتى لو كانوا من الرتب الثانية او الثالثة في أحزابهم. في المقابل، كان يقسو على كل من تزيّن له نفسه من السياسيين المسلمين الخروج عن الانتظام في صف الولاء للسياسة السورية في لبنان فيعالجه بالموت السريع، على نحو ما فعل مع رهط كبير منهم ليس اولهم زعيم الحركة الوطنية واليسار اللبناني، كمال جنبلاط، ولا آخرهم المفتي الراحل حسن خالد أو رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.

وفي العالم الموحِل للسياسة اللبنانية والسورية، غالباً ما يُطلب من الراغب في صعود سلالم «المجد» والثروة والنفوذ، البرهان على الولاء لموزع النِعَم السوري، على شكل إقدام المريد على تنفيذ الأوامر الأخطر لأولي الأمر، حتى ليصح الحديث عن نظام ولاء مافيَوي يفرض على المنتسب الجديد الشراكة في جريمة الجهاز الذي يحاول اكتساب حمايته والتمتع بسطوته. فلا شيء مجانياً في عالم المافيات الحاكمة في المشرق العربي والتي تبدو معها افلام مارتن سكورسيزي كقصص اطفال تُقرأ قبل النوم.

هذه ملامح من سير سياسيين لبنانيين عاديين، يصعب القول بفرادة أي منهم في المجالات التي نشط فيها. فاندغام القتل والفساد والجريمة بالعمل العام والنشاط السياسي والانخراط في الحياة الاجتماعية العلنية، من سمات السياسة اليومية في لبنان. ولا يجد تلامذة هذه المدرسة وخريجوها وهي التي لا يحتكر شرف الانتساب اليها تيار او طائفة او حزب بعينه، اي حرج في سلوكهم المتناقض وازدواج حيواتهم.

وما اعتقل ميشال سماحة بسببه، (والرجل بريء إلى ان يُدان) يشكل عينة على تعدد وجوه السياسي اللبناني المستعد للمضي في خدمة «مرجعيته» إلى أبعد مدى من دون اعتبار لقانون أو قيم، طالما ان المرجعية هذه قادرة على انقاذه في حال زلت قدمه اثناء الخدمة وانفضح دوره، على غرار ما جرى مع العميد السابق والقيادي في «التيار الوطني الحر» فايز كرم ومسؤول «تيار المستقبل» في البقاع الغربي زياد الحمصي اللذين دانهما القضاء بالتعامل والتخابر مع اسرائيل. لكن «جمهورهما» استقبلهما استقبال الأبطال بعد الإفراج عنهما، في ختام عمليتين قضائيتين احاطت بهما الاسئلة والشكوك.

وسيقرر القضاء إذا كان سماحة تورط في الإعداد لتفجيرات واغتيالات ام لم يتورط. لكن ما يعنينا هنا هو الواقعية الشديدة لأعمال الاغتيال والتفجير والتلاعب بالحساسيات الطائفية واستنفارها وصولاً الى زج مواطني الجمهورية اللبنانية في جولة جديدة من التناحر الاهلي. ولائحة الاتهامات التي تداولتها وسائل الإعلام عما تردد من ان سماحة كان يخطط له بطلب من السلطات السورية، لا جديد فيها هي أيضاً. فقتل الخصوم وإثارة الكراهية الطائفية المتبادلة وجرّ مناطق ومحافظات الى الاقتتال، من الأمور المجربة في لبنان منذ عقود.

ومن زاوية ثانية، تبدو قضية سماحة علامة اضافية على عمق الانقسام الوطني. «الفريق السياسي» الذي ينتمي اليه، لم يرَ في القضية غير «فبركات امنية» حاكها العقل الذي يريد شراً بالمقاومة. ولا عجب، فسماحة يشترك بكثير من الصفات مع من اعتبرهم قادة هذا الفريق «رفاق سلاح»، بعد تفجير مقر الامن القومي في دمشق.

عليه، لا مكان في هذا البلد لإجماع حول القضاء والأجهزة الامنية الرسمية وواجب الدول في حفظ السلم الأهلي وسلامة المواطنين. فهذه كلها تعابير نسبية ومصطلحات قابلة للتغيّر تبعاً لهوية المتهم وموقعه من سلّم النفوذ والسلطة الحقيقية التي يبدو ان الحكومة اللبنانية من أضعف المنافسين عليها.

فضيحة دمشق في بيروت

خالد الدخيل

ما حصل في لبنان الخميس الماضي كان كبيراً ومفاجئاً في حجمه وتوقيته. ستكون له تبعات وتداعيات سياسية أكبر من الحادثة نفسها. في صباح ذلك اليوم دهمت قوى الأمن اللبنانية منزل وزير سابق، ونائب سابق، هو ميشال سماحة، وتم اعتقاله بناء على معلومات موثقة بالصوت والصورة، وفق قوى الأمن، بتورطه في مخطط لتنفيذ تفجيرات في منطقة عكار الشمالية، واغتيال شخصيات سياسية، وغير سياسية. وهذه بحد ذاتها تهمة كبيرة في حق رجل كان يوماً ما وزيراً، ونائباً في البرلمان. الأخطر من ذلك أن المتهم سماحة، كما تقول معلومات قوى الأمن، كان بتورطه في المخطط ينفذ تعليمات من المخابرات السورية. وقد اعترف الوزير السابق بالتهم الموجهة إليه، وفق المصادر الأمنية. وتقول الرواية الأمنية في صحيفتي «الحياة» و «السفير» اللبنانيتين إن شخصاً رمز إليه بـ (م. ك.) جاء إلى فرع المعلومات في قوى الأمن، وكشف أن سماحة طلب منه تأمين مجموعة من الشبان الموثوقين لنقل عبوات ناسفة إلى منطقة الشمال، وتفجيرها هناك مقابل مبلغ مالي. وقد طلب (م. ك.) من قوى الأمن ضمانات على نفسه وعائلته للاستمرار في كشف المخطط. وقد حصل على هذه الضمانات بعد الترتيب مع النيابة العامة التمييزية. وبعد الاتفاق على كل شيء، كما يبدو، زود فرع المعلومات (م. ك.) بقلم صغير مجهز بكاميرا. وقام (م. ك.) بتصوير وقائع اللقاء بسماحة، ونقل المتفجرات، وتسليم المبلغ المالي، وهو 170 ألف دولار أميركي. وكل ذلك، وفق الرواية، بالصوت والصورة. وقد اعترف الوزير السابق، وفق المعلومات، بالتهم الموجهة إليه بعدما تمت مواجهته بالأدلة. وتنقل صحيفة «السفير» اللبنانية أن سماحة قال بالنص: «أشكر ربي أنكم كشفتم القضية قبل أن تحصل التفجيرات لكي لا أحمل وزر الدم والضحايا التي ستسقط». وقد ذهبت إحدى الفضائيات اللبنانية إلى حد القول بأن سماحة عندما ووجه بالأدلة أثناء التحقيق قال «بشار بدو هيك». هل هذا صحيح؟

يبدو أن التهم الموجهة الى ميشال سماحة صحيحة، ودقيقة، ما يفرض التساؤل عن السبب الذي دفع الوزير والنائب السابق إلى التورط في مخطط إرهابي بمثل هذه البشاعة، وضد مواطني البلد الذي ينتمي إليه، ومثّل جزءاً من شعبه تحت قبة البرلمان؟ كيف سمح لنفسه، وبموقعه السياسي والاجتماعي، أن يكون في موضع الشبهة، والمغامرة؟ المستهدفون بالمخطط الذي تم كشفه هم إما من «عناصر الجيس السوري الحر» الموجودين في لبنان، أو من المعارضين للنظام السوري، إلى جانب إثارة فتنة طائفية بين السنّة والعلويين، أو السنّة والمسيحيين. والمتهم حليف لقوى 8 آذار، وبخاصة «حزب الله»، وهي قوى حليفة بدورها للنظام السوري. الأهم من ذلك أن سماحة نفسه مقرب من القيادة السورية، إلى حد أن بعض الصحف اللبنانية القريبة من 8 آذار تقول إنه مستشار للرئيس السوري بشار الأسد. ترى، هل أرغمت السلطات السورية حليفها سماحة على تولي الإشراف على تنفيذ المخطط؟ وإذا كان هذا ما حصل بالفعل، فما هي عناصر ووسائل الضغط التي استخدمتها معه؟ هل يسمح موقع سماحة لدى القيادة السورية بأن يكون هدفاً للضغط عليه لتنفيذ عملية مثل هذه؟ أم أن سماحة نفسه رأى أن من واجبه فعل شيء داخل بلده من أجل تخفيف الضغط الذي يتعرض له النظام السوري بفعل الثورة الشعبية؟

والحقيقة أن كشف المخطط، وأنه تحت إشراف أحد حلفاء النظام السوري، سابقة كبيرة كان ينتظرها كثيرون من اللبنانيين وغير اللبنانيين لعقود من الزمن، بدا معها أن كشف مثل هذه المخططات من المستحيلات. تميّز لبنان من بين كل الدول العربية تقريباً بأنه ساحة مفتوحة ليس فقط لأجهزة الاستخبارات من كل حدب وصوب، بل لظاهرة الاغتيالات السياسية التي لم يسلم منها رؤساء الجمهورية، والنواب، ورجال الدين، والصحافيون، والمفكرون، ورؤساء حكومات. وكان آخر موجات هذه الظاهرة تلك التي انفجرت عام 2005 باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وتطلبت إنشاء محكمة دولية للنظر فيها. كانت التهمة دائماً من جانب كثير من اللبنانيين، رسميين وغير رسميين، بأن النظام السوري هو الذي يقف على الأقل خلف أغلب هذه الاغتيالات. كان المطلوب إزاحة هذا الصوت، أو ذلك الزعيم لأهداف سياسية تخص النظام السوري دون غيره، خصوصاً أثناء وجود القوات السورية في لبنان بين 1976 و 2005. وكانت القناعة بالتورط السوري قوية، لكن من دون دليل جنائي تستند إليه. تنتشر بين اللبنانيين، مثلاً، قناعة بأن سورية هي التي اغتالت الزعيم الدرزي الشهير كمال جنبلاط عام 1978. بل إن ابنه ووريثه، وليد جنبلاط، عبّر عن هذه القناعة أكثر من مرة، وكان آخرها بعد عملية دمشق التي قتل فيها أربعة من أركان النظام السوري. وكان من بينهم، هشام بختيار، رئيس الأمن القومي. ويقول جنبلاط إن هذا الشخص هو المسؤول عن اغتيال والده. لكن كل هذه القناعات كانت من دون أدلة، أو ربما أن الظرف السياسي لم يسمح بالكشف عن هذه الأدلة.

من هنا تبرز أهمية توقيف الوزير السابق سماحة، لأن ما كشفه هذا التوقيف، إذا كان صحيحاً ودقيقاً، يمثل سابقة سياسية وقضائية تؤكد بالدليل القاطع ما كان يقال عن طبيعة الدور السوري في لبنان، وطبيعة شبكة العلاقات التي كانت تربط النظام السوري بحلفائه في هذا البلد الصغير، والدور المنتظر منهم في هذا التحالف. إذا لم يتم الالتفاف عليه، ووضعه رهن الأدراج السياسية والقضائية المغلقة، ستكون لهذا التوقيف تبعات وتداعيات أكبر من الحادثة نفسها. وذلك لأن الدور السوري في لبنان كان يتقاطع مع أدوار دول أخرى إقليمية ودولية. بالنسبة إلى وضع لبنان وسورية يحمل التوقيف دلالات مهمة، منها أن التوقيف يعني أن الظرف السياسي الذي كان يحول دونه في السابق تلاشى مع الثورة السورية. وهذا يلتقي مع أن لجوء النظام السوري الى هذا المخطط، والى سماحة تحديداً، يشير إلى أن وضعه الداخلي يزداد صعوبة بأكثر مما يبدو. كما يتضافر المخطط مع حادثة أخرى، في مكان آخر، وهي الاشتباكات بين القوات الأردنية والسورية على الحدود بين البلدين، ما يؤكد فرضية أن النظام السوري يعمل على تصدير أزمته للخارج.

واللافت هو لجوء النظام السوري إلى ميشال سماحة، وليس الى «حزب الله» مثلاً، بحجمه السياسي، وقدراته الأمنية واللوجستية. ماذا يعني هذا؟ هل طلب النظام السوري من «حزب الله» أن يفعل شيئاً في لبنان؟ وماذا كان موقف الحزب من هذا الطلب؟ اللجوء إلى شخص مثل سماحة لا ينتمي إلى تنظيم يوفّر له غطاء سياسياً يترك الانطباع بأن النظام السوري اضطر لهذا الخيار، لأن الخيارات الأخرى كانت تقريباً مغلقة. هل هذا صحيح؟ إذا كان هذا صحيحاً، فهو يعني أن الوضع السياسي لحلفاء النظام السوري، في ظروف الثورة، يجعل من الصعب عليهم التورط في مخططات مثل هذه، وفي مثل هذه الظروف السياسية في سورية، والمنطقة. هناك مؤشرات قوية على أن «حزب الله» منخرط مع النظام السوري في قمع الثورة السورية. ولذلك ربما ترى قيادة الحزب أن هدفها الاستراتيجي حالياً في سورية، وليس في لبنان. محاولة الإبقاء على النظام في دمشق، أو إيجاد مخارج له من الأزمة الحادة التي يواجهها، هي التي يجب أن تكون لها الأولوية، لأنه إذا سقط النظام السوري، سيكون على الحزب وحده مواجهة تداعيات ما طلب منه تنفيذه في الداخل اللبناني. ولذلك فإن الحزب غير مستعد للتورط في عمليات داخل لبنان في مثل هذه الظروف. ماذا عن الحلفاء الآخرين، غير «حزب الله»؟ هل بدأ الشعور بقرب سقوط النظام السوري يفعل فعله السياسي داخل النظام اللبناني؟ هل باتت القيادات اللبنانية مقتنعة بأن النظام السوري صار ينتمي إلى ماضي المنطقة، وليس إلى مستقبلها؟ يمثل توقيف سماحة أول مؤشر لبناني على تراجع سطوة سورية في لبنان.

* كاتب وأكاديمي سعودي

مذكرة توقيف الاسد

    احمد عياش

احد الاصدقاء السياسيين الشجعان يقول انه بعد متابعة التفاصيل المذهلة لقضية النائب والوزير السابق ميشال سماحة شعر بالخوف مما قد يقدم عليه نظام الرئيس السوري بشار الاسد ضد لبنان. واذا كانت الكفاءة العالية لفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي تمكنت من انقاذ هذا البلد مما كان سيصيبه فيما لو نجحت خطة تفجير العبوات الـ24 في الشمال “فلا يزال هناك 70 ميشال سماحة او اكثر” لا يتورعون عن الاقدام على اعمال مماثلة. ويسأل: “هل سينجو لبنان قبل سقوط الاسد؟”.

من يقرأ وقائع من التحقيق يرسم اطاراً كاملاً لما كاد ان يرتكبه الاسد. وليس تفصيلاً بسيطاً ما قاله سماحة لرئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن انه “ذهب الى سوريا قبل ايام قليلة وتوجه مباشرة بسيارته التي كان يقودها بنفسه الى المبنى الامني حيث يقع مكتب اللواء علي مملوك وهناك أخذت منه سيارته وتم وضع العبوات الناسفة في صندوقها الخلفي ومن هناك قاد سماحة السيارة من دمشق الى بيروت”.

اذا، من ملأ صندوق سيارة سماحة بعبوات كفيلة ان تقتل المئات او اكثر وتفجّر لبنان هو الشخصية الامنية الارفع في نظام الاسد خصوصا بعد مقتل اللواء آصف شوكت.

في عز انغماسه في مواجهة ازمة تكاد ان تقتلع نظامه الى الأبد وجد الاسد الوقت الكافي ليحمل سماعة الهاتف من حيث هو موجود ليتصل بكبار المسؤولين اللبنانيين ويضغط عليهم للافراج عن سماحة. مرة اخرى، هذا النبأ ليس تفصيلاً صغيراً. ويتذكر احد الوزراء ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبعد انتخابه رئيساً عام 2008 تلقى اتصالا من نظيره السوري يطلب منه ان يعتمد سماحة وسيطا في العلاقات بينهما. لكن الرئيس اللبناني رفض هذا الطلب. ولعل سليمان تذكر هذه الواقعة عندما انبأه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي بمعطيات المؤامرة التي كان سماحة وسيطها. بالتأكيد، يشكر ربه انه رفض اقتراح الاسد في ذلك الوقت.

من صفات نظام الاسد الوقاحة، الى ابعد الحدود. ومن الامثلة التي لا تنسى سلوكه حيال باخرة الاسلحة التي ضبطها الجيش اللبناني بعد معلومات من قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) التي يخفر اسطولها البحري الشواطئ اللبنانية. لم يبادر النظام الى توجيه الشكر الى لبنان و(اليونيفيل) على ما انجزاه بل سارع بمذكرة احتجاج الى مجلس الامن الدولي امتلأت بتلفيقات كذبها الرئيس سليمان نفسه. اليوم، وبعد نجاة لبنان من قطوع متفجرات المملوك وضغوط الاسد هل تتجه حكومة الرئيس ميقاتي وبكل تهذيب الى نيويورك لتضع مجلس الامن الدولي امام مسؤولياته لحماية لبنان؟

قبل ان يتراجع سماحة عن قوله: “اشكر ربي انكم كشفتم القضية” المطلوب ان يتحلى المسؤولون بشيء من الكرامة فيطالبون بتوقيف الاسد. هل سيفعلون

مذكرة توقيف في حق علي مملوك

    علي حماده

ليست قضية ميشال سماحة مهمة بمعنى انها سابقة او غريبة او مفاجئة، فالنظام في سوريا متورط بالدم اللبناني حتى عنقه، وذلك منذ زمن بعيد، انما اهمية القضية انها للمرة الاولى تنكشف بهذا الوضوح وبملف تحقيق كامل متكامل، مشفوع باعترافات احد اقرب المقربين الى بشار الاسد، مستشاره في مهمات الاغتيال المعنوي والاعلامي. والاهمية ايضا نابعة من خلال تجرؤ القضاء اللبناني للمرة الاولى منذ ١٩٧٥ على الادعاء على شخصية امنية هي الارفع في سوريا، رئيس مكتب الامن القومي اللواء علي مملوك، وهو اليد اليمنى لبشار الاسد امنيا. هذا تطور كبير في الواقع اللبناني.

لقد ختم التحقيق مع ميشال سماحة وبنهايته صدر ادعاء على عليه، مع علي مملوك وضابط سوري آخر، ثم مذكرة توقيف بحق الاول. التهمة تشكيل جمعية او عصابة لتنفيذ تفجيرات بهدف القتل. بالنسبة الى سماحة، جيّد أن يكون القضاء تحمل مسؤولياته فقام بأقل واجباته. ولكن ماذا عن مملوك ومعاونه؟ اين مذكرة الجلب ليتم التحقيق معهما؟ واين الموقف السياسي من نظام بشار الاسد؟ هل تبقى الحكومة هذه على موقفها المعلن لجهة النأي بالنفس؟ ام انها ستضطلع بمسؤولياتها السياسية. والوطنية وتقوم باجراء ما ضد نظام بشار؟

انا اقترح بداية منع دخول كل المسؤولين في النظام السوري الى لبنان، حتى عائلاتهم ينبغي منعها من المجيء. وعلى سبيل المثال، فإن زوجة ماهر الاسد امضت منذ مدة قريبة اسبوعا كاملا في بيروت تتنقل بين المحال تجارية ومحال التزيين اللبنانية والجراحة التجميلية. ففي الوقت الذي كان زوجها والبطانة حول بشار يخططون لقتل مزيد من اللبنانيين، شوهدت هي في لبنان كأنها سائحة أجنبية في موناكو!

على مستوى آخر، ثمة سؤال ملحّ: هل يقترن الادعاء على مملوك ومعاونه باصدار مذكرة توقيف؟ هذا أمر في غاية الاهمية. فمملوك تآمر لقتل لبنانيين ويستحق الملاحقة القضائية حتى النهاية.

سياسيا، كيف ستتصرف الحكومة  يرئسها رجل بشار  الاسد في لبنان الرئيس نجيب ميقاتي؟ هل يصدر ميقاتي بيانا بالموضوع؟ ام يوجه وزير الخارجية لكي يستدعي سفير النظام ويبلغه مذكرة احتجاجية شديدة اللهجة، وهذا أضعف الايمان؟

 لقد أثبتت قضية ميشال سماحة: ان الثورة السورية بتطورها الكبير وبتحريرها الشعب السوري من أغلال الخوف وتحريرها الارض من سيطرة النظام، انما بدأت بتحرير لبنان مما تبقى من احتلال النظام السوري في النفوس والعقول. فمع سقوط سماحة سقط جدار الخوف في الادارة اللبنانية من بشار الاسد، وحتى ان نفوذ “حزب الله” وتسلطه على الدولة ما استطاعا أن يغيّرا في الامر شيئا. ويوم يسقط بشار نهائيا – وسيسقط قريبا – يكون لبنان على موعد مع الانعتاق من مرحلة سوداء بدأت مع حافظ الاسد وانتهت مع ابنائه ليتطلع الى مستقبل واعد… فهل يكون بعض اللبنانيين، لا كلّهم، على موعد مع الفجر الجديد الموعود؟

السبت

قبضوا على أبو «الميش»!

يبدو أن أحداث الثورة السورية انتقلت من كونها شأنا سوريا داخليا بحتا لتحتل الآن مساحة في الشأن اللبناني الداخلي. الشأن السوري كان دوما حاضرا بل طاغيا على المشهد اللبناني، فهو كان ولا يزال لأسباب مختلفة الحاضر الأكبر، ولكن الآن مع الترنح الهائل لنظام بشار الأسد وفقدان النظام للهيبة والوقار والاحترام في ظل ثورة شعبية عارمة عليه وتأييد عالمي ساحق للشعب الثائر، بدأت تظهر حركات ومواقف في لبنان كانت غير ممكنة ولا مقبولة ولا يمكن أن تحصل قبل انطلاق الثورة السورية. ولعل ما قامت به السلطات الأمنية اللبنانية منذ أيام بشكل مفاجئ من إجراءات قضائية اقتضت توقيف الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، وهو معروف عنه أنه أحد كبار مؤيدي نظام الرئيس السوري بشار الأسد وبوق إعلامي فعال وعضو نشط في آلة الإعلام والعلاقات العامة وتلميع النظام السوري، خير دليل على ذلك.

لم تكتف السلطات اللبنانية بإيقاف الوزير، ولكنها «سربت» معلومات في غاية الأهمية عن أسباب إلقاء القبض الاحترازي عليه، وهي قيامه بإعداد مخطط للتفجيرات في مناطق مختلفة وبحق شخصيات مختلفة، مثل النائب الإسلامي عن منطقة عكار خالد الضاهر والمحسوب على تيار المستقبل، وكذلك بحق البطريرك بشارة الراعي الزعيم الروحي الكبير لطائفة الموارنة. وكل هذا كان الغرض الرئيسي منه إطلاق شرارة الفتنة الطائفية للزج بالبلاد في معارك هائلة الغرض الأساسي منها إشغال الناس عن دعم الثورة السورية والتي بات التأييد والدعم لها في لبنان مسألة لا يمكن تجاهلها ولا إخفاؤها.

ميشال سماحة كان من الشخصيات «غير القابلة للمس»، والمحسوبة بشكل مباشر على النظام السوري، وكان ممن يطلق عليهم لفظ «من زلم بشار»، ولكن الهيبة سقطت والوضع تغير، وحتما أصاب هذا الحدث دمشق بنوع من الصدمة أفقدها الكثير من ماء الوجه، وهو الذي جعل بشار الأسد بحسب التسريبات يجري العديد من الاتصالات الهاتفية بأعلى السلطات السياسية الحاكمة في لبنان (وهي التي وافقت سلفا على الإجراء القضائي والأمني بحق ميشال سماحة) بأن يطلقوا سراح الرجل، إلا أن الرد كان أن الأمور يجب أن تتخذ دورتها القانونية والنظامية حتى نهاية الطريق.

هناك «انشقاقات سياسية» منتظرة أيضا في لبنان، الكثير من الوجوه التي أجبرتها الظروف على الانضمام إلى حلف سياسي محسوب بقوة على سوريا تعاود التفكير وتستعد للإعلان عن انشقاقها الصريح عن سوريا وحلفائها.

سوريا التي زرعت الآلاف من رجالها في لبنان لتنفيذ الكثير من توجهاتها، لن تسكت، وسيكون من الطبيعي مشاهدة الكثير من حوادث الاغتيال والتفجيرات والانتقام الجماعي (تماما كما يقوم النظام بعمله في سوريا نفسها). النظام السوري يتلقى الصدمات الواحدة تلو الأخرى، وها هو الآن يتلقى صدمة فاضحة (نظرا لوجود أدلة دامغة ومدينة بحق سماحة بحسب اعترافاته أيضا في التحقيق الأولي)، لن يكون بالسهولة أن يخرج منها سليما بالرغم من الجعجعات الإعلامية التي يقوم بها الجهاز الإعلامي الداعم للتيار المساند لميشال سماحة، والذي أنكر الحادث تماما في الساعات الأولى ثم سرعان ما قال إن الحادث «مدبر»، وأنهم سوف يقومون بحرق جميع الطرقات والمعابر حتى يتم إطلاق سراح المتهم!

لبنان قام بخطوة مهمة وطال انتظارها لتكريس هيبة الدولة والوصول بالقبضة القضائية إلى رجال كانوا يوما ما فزاعات على رقاب العباد، ولكن يبدو أن الزمن الكريه هذا آن أوان انتهائه.

الشرق الأوسط

عن ميشال سماحة و«أبو إبراهيم» وآخرين

نصري الصايغ

لا رغبة لي في الكتابة. أتمنى الصوم ولو طال، أو التقشف في القول ولو بلغ الصمت.

لا متسع لجديد. الملأ اللبناني ممتلئ، يفيض عن الفهم ويتخطى الإدراك. شبه بابل هو، حيث لكل فريق لغته الحاسمة والجازمة، وحيث للثأر السياسي نهج التصفية.

فماذا يقال عن ميشال سماحة؟ لا براءة لأحد في ما أطلق عليه من تهم، تم تسريبها، من مراجع ذات صلة، ولا براءة لأحد، في ما قيل عن براءته، من مراجع ذات صلة مناقضة.

ماذا يقال عن ميشال سماحة؟ كي يقال شيء ذو صدقية، لا بد من مرجعية لا لبس فيها. ولبنان تقيم فيه مرجعيات ملتبسة في ولائها وفي نزاهتها وفي أحكامها… فمن نصدّق؟ لدينا حاجة ملحة: «نريد أن نصدق أحداً». دلونا على من يقول للبنانيين حقيقة نزيهة عن الأهواء والأغراض… تراثنا السياسي القديم والراهن، تشوبه شكوك. فمن نصدق؟ هل نصدق فرعا أمنياً يشكك به فريق ويحتضنه فريق… هل نصدق مرجعية أمنية وقضائية، يسارع نصف اللبنانيين إلى تكذيبها، ويتسرّع النصف الآخر في تصديقها…

هل نصدق «فرع المعلومات» ذا الولاء الخاص، أم «الأمن العام» المحتضن من قبيلة سياسية: طائفية؟ أم نصدق أجهزة قضائية، ثبت، من زمن غير بعيد، أنها تفتي بالشيء وضده في آن: اعتقال المولوي وإخلاء سبيله. الافراج عن ضباط وعسكر ثم إعادتهم إلى «الأسر»، كفدية للسلم الأهلي. إصدار أحكام متفاوتة على عملاء يتشابهون في الارتكاب، ويختلفون في الانتماء السياسي والطائفي.

لدينا قابلية الشك بالحقيقة ولو كانت ناصعة، فقد يكون ميشال سماحة متورطاً وناقلا لرسائل ملغومة، ومع ذلك، فلا إجماع على تصديق الحقيقة ولو أثبتت، على طريقة القديس توما، بالأدلة الواقعية… الظن حمّال شكوك… النيات أساس الاحكام… وعندها، يتساوى الحق مع الباطل.

وقد يكون ميشال سماحة بريئا، فمن يصدق براءته؟ سيقال في براءته ما يطيب لفريق ان يعزف عليه من أدلة، ولن تنجو الأطراف المتدخلة من اتهام.

ليست لدينا أجهزة ذات صدقية. المرجعيات التي يركن اليها نظرياً، ذات قدرة تلفيقية هائلة… الأمن صندوق الحقائق والأكاذيب، أو، هو صندوقة الحقائق المكذبة، والأكاذيب المصدّقة… هذا هو المرض الذي لا شفاء منه، والذي أصيبت به جمهوريات وملكيات العالم الثالث. أما القضاء، فحديث طويل، يمكن اختصاره، بأذن الجرة. والجرة بلد من فخار، ينعطب أو ينكسر.

أسئلة كثيرة أحيطت بتوقيف ميشال سماحة، ولكل فريق إجاباته، والصامتون ينتظرون طريقة لإخراج مواقفهم بالتي هي أحسن… لا شك في ان أصحاب الحل والربط باتوا على علم بالتفاصيل… سرية التحقيق تلفيقة. بضاعة التحقيق ملقاة على قارعة السياسة. والإعلام لا يتوقف عند دقة المعلومات، المفترض ان تكون سرية. يلقيها على علاتها، ولا يتورّع عن التشديد عليها أن ناسبت اهواءه، أو التبخيس بها، ان شذت عن هواه السياسي.

من نصدق؟

تهمة لوزير سابق، مقرب من الرئيس بشار الأسد، ومن تيار 8 آذار، بنقل متفجرات لزرع الفتنة، ليست قليلة. وهي تزداد جسامة في ظرف سياسي يزداد فيه الشرخ بين اللبنانيين، حول كل شيء تقريبا، من النظام السوري إلى الثورة السورية، إلى قانون الانتخاب، إلى سلاح المقاومة، إلى ما تيسّر من أفعال يومية وأحداث مفاجئة تنبئنا بعنف مكتوم، قد ينفجر في طرابلس، أو في عكار، أو في البقاع الشمالي، أو في صيدا، أو في شوارع بيروت.

فماذا لو كانت التهمة صحيحة؟

ماذا ستفعل حكومة منقسمة ومهترئة ومخلخلة وآيلة إلى السقوط أو الجمود؟ هل تكتفي بالنأي، بينما التهمة تتخطى الموقوف، لتصل إلى النظام السوري؟ أي تسوية ستجترحها السلطة؟ هل تحصر التهمة بالشخص من دون بلوغ الرأس؟ هل تستطيع السلطة ان تخفي رأسها، وتكتفي بهز ذنبها؟

لا أعرف… إنما، لم تعد السلطة قادرة على الوقوف في منزلة بين المنزلتين، لم يعد طلب «السترة» مقبولا. ففريق 14 آذار، العامل ليل نهار على مدار الساعات والأيام والأشهر على إسقاط الحكومة، ليأخذ البلد إلى مواجهة مع سوريا، وفق الرغبة الخليجية المعلنة، سيجد متسعاً من الساحات لمنازلة الحكومة وفروعها المتشددة وتياراتها المبعثرة.

ما كان لي رغبة في الكتابة. فالكتابة في العتمة عرضة للوقوع في الخطأ، والخروج عن السطر. والكتابة في أروقة الاصطفاف المبرم، ليست سهلة، إذ غالباً ما تقع في الاتهام المزدوج، فيقال لك: «احسم أمرك يا أخي»، مع أو ضد. مع النظام السوري أم ضده، مع التهمة للوزير سماحة ولو غير مؤكدة، او ضدها ولو تأكدت؟

الملأ اللبناني حافل بالغرائز.

مكتظ بالغضب. ممتلئ بالثأر… لذلك، فلا سياسة في لبنان، ولا أمن في لبنان (إلا بالتراضي والتذاكي) ولا قضاء في لبنان ولا إمكان للاستقرار ولو لأيام، من دون مفاجآت، من عيار «الأسير» و«المولوي» و«الكويخات» و«عودة القاعدة» إلى المخيمات، وأخيراً… مفاجأة توقيف سماحة على خلفية أمنية، وقد تتحول إلى سياسية… والله أعلم.

لعله من الحكمة عدم تصديق أحد. لعله في غاية التعقل ان تقيم في الشك وتحتمي به، محارباً اليقينيات المبرمة، مفضلا الانتظار إلى ان تظهر الحقيقة، ذات يوم، ولو بعد فوات الأوان، كما ظهرت حقيقة الضباط الأربعة الذين اعتقلوا، وكادوا يقنعوننا، بأنهم مرتكبو جريمة اغتيال الرئيس الحريري.

كان من الأفضل اختيار موضوع آخر للكتابة، كأن أكتب عن كذبة «قانون النسبية» الذي رغبت الحكومة من ورائه في ان نلهو به، ونتسلى بفقراته، إلى أن يحين موعد رجوع الشيخ إلى صباه في قانون الستين، أو إلى طلاق موقت مع موعد الانتخابات.

كان من المفضل اختيار موضوع المخطوفين و«أبو ابراهيم» للكتابة. وهذا الموضوع فيه الجنون والابتكار الاعلامي والتوظيف السياسي والاخراج الفني، ما يجعله في رأس قائمة الانحطاط، إذ لا انحطاط يدانيه أو يبلغ قاعه.

كان يمكن الكتابة عن المخطوفين الضحايا الذين لقنوهم كيف يُمتدح الخاطف. حدث ذلك في كتاب جورج أورويل، وبات المسحوق والمعدم، محباً لإله «الأخ الأكبر»… لقد ارتكبت جريمة بحق هؤلاء المخطوفين المنكوبين. ليس الإعلام المرئي لعبة الجلاد. أظهر «بؤساء» لبنان المخطوفين الأبرياء، كأنهم من عبدة الوثن الابراهيمي، الملقب بأبي ابراهيم.

الخطف جريمة. والخاطف مجرم. والمخطوفون أبرياء. فكيف يسمح للخاطف، باستعمال الإعلام بهذا الرخص… لم يحدث ذلك من قبل. الهستيريا التنافسية، أخذت الإعلام إلى مطارح خطرة. لم تجرؤ وسيلة اعلامية أن تصبح وسيلة دعائية للخاطف، ولو كان الخاطف منتمياً إلى الثورة السورية، التي تلقت اساءة بسبب تورط أحد «قادتها» الميدانيين بخطف أبرياء.

نحن من لبنان يا ناس. لدينا أكثر من عشرين ألف مخطوف. من منكم ذاق طعم الخطف؟ من منكم تذوق مرارة الأهل الذين انتزع منهم أولادهم؟

ألهذه الدرجة بلغت هستيريا التنافس؟

لقد هزلت جداً… وإنه لمن المفضل ان تكون أعمى كي لا ترى ما يدلق على المشاهدين، ولمن الحكمة ان تكون أصم، كي لا تسمع النفاق والابتزاز. وانه كان من المفضل ان أترك هذه المساحة بيضاء، وألا أكتب سوى كلمة مهذبة وحيدة: تباً لي.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى