صفحات العالم

مقالات تتناول مهمة الابراهيمي في سورية

إنها حقاً مهمة مستحيلة!

أمجد ناصر

لا يبدو الأخضر الابراهيمي في عجلة من أمره، ولا الذين أخرجوه من بيجامته وخفِّه وزجوا به في درب الآلام السوري. مضى نحو شهر، أو أكثر، على تسميته خلفاً لكوفي عنان ولم نسمع منه سوى كلام لا يخفى تلعثمه حيال مهمته، فيما تسجل ماكنة التدمير والقتل والتهجير رقماً قياسياً لم يبلغه من قبل، أيّ شهر من أشهر الثورة السورية.

ايقاع السيد الابراهيمي بطيء. العمر له حقه، لكن الأمر لا يتعلق بشيخوخة الدبلوماسي الجزائري، ذي السجل المتراوح بين النجاح والفشل في حلِّ النزاعات، بل في المشهد الدولي المحيط به.

فعلام يستعجل سادة هذا المشهد والنار ليست في بلادهم بل بعيدة، كلّ البعد، في الجغرافيا والمصالح. النار المندلعة في سورية لن تحرق نفطاً ولاغازاً، ولا تهدِّد بفتح جبهة هجرة جديدة الى أوروبا، ولم تمتدّ، حتى الآن (على نحو فعلي) الى الجوار، خصوصاً الى اسرائيل.

لم تكن هناك، في الواقع، ضرورة للابراهيمي. ليس الشخص، بالطبع، بل المهمة. فعندما يفشل كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة السابق، ذو المنزلة السياسية الأوزن من ‘سفيره’ الجزائري، في مهمته السورية، وعندما يظل انقسام مجلس الأمن على حاله من دون أدنى تغيّر يُذكر، فهذا يعني أن مهمة خلفه، أيا كان اسمه وسجله، ستلاقي المصير نفسه.

فماذا لدى الابراهيمي ولم يكن لدى عنان؟

لا شيء، على الأغلب، سوى اللغة العربية! ولكن بماذا سينفع الابراهيمي لسانه العربي والمشكلة، فعلاً، عند قوى لا تتكلم العربية! حتى تعنت بشار الأسد وامعانه في الحل العسكري الدموي ليسا، حسب أصوب التقديرات، ذاتيين. أيِّ أنه لا يملك، وحده، قرار وقف الحرب على شعبه والخروج من المعادلة.

هناك من يقول (والوقائع تؤكد هذا القول) إن قراراً كهذا يُلتَمسُ في موسكو وطهران وليس في دمشق، وما يصدر من المسؤولين الروس والايرانيين يؤكد أن المعركة مستمرة وأنهم لن يسمحوا بسقوط نظام حليفهم بشار الأسد (حتى لو أراد) مهما كان الثمن!

هذا، بطبيعة الحال، لا يبشر بخير للأخضر الابراهيمي الذي كاد أن ينفض يده مما هو مُقْدمٌ عليه قبل أن يصل الى دمشق. وليس كلامه عن مهمته ‘شبه المستحيلة’ بلا دلالة. إنه إقرار مسبق بالفشل. إنها، حقاً، مهمة مستحيلة، وليست شبه مستحيلة.

فلا شيء يدعو الى الاعتقاد أن حلاً للمسألة السورية يمكن أن يجد طريقه عبر مجلس الأمن والروس ممسكون بـ’الورقة’ السورية كما لم يمسكوا بأيِّ ورقة دولية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا يبدو أنهم في وارد التخلي عن هذه ‘الورقة’ المستنّقعة بالدم، وها هم يبشروننا أن من السذاجة الاعتقاد بأن النظام السوري سيوقف حربه على شعبه أولاً، ففي ذلك ‘استسلام’ في غير مكانه ولا زمانه (الكلام الأخير لنا)، فكيف يستسلم من يملك آلاف الدبابات ومئات الطائرات الحربية ومئات آلاف الجنود وفيضاً لا ينضب من العتاد الحربي (شكراً، بالطبع، لإيران وروسيا)؟

كيف يمكن للأخضر الابراهيمي المُقْدِمُ على مهمة مستحيلة أن يتوافر على القليل من التفاؤل والوقائع الدولية البائسة التي أفشلت مهمة عنان لا تزال على حالها، كما لا يزال النظام السوري (وعلى لسان رئيسه) يرى في ثورة شعبه مؤامرة دولية وعربية ضده (سماها مؤامرة عالمية في آخر ظهور غير مبارك له)؟

هل تلاحظون الفتور، إن لم أقل عدم الاكتراث، الذي تحظى به مهمة الابراهيمي من قبل ‘جميع الأطراف’، حتى زلات لسانه لم تثر ردود فعل تتتجاوز تسجيل الموقف. فما يجري في سورية، خرج تماماً ‘من اليد’ كما يقولون.

لا نقاط عنان الست ولا التصور الذي لا نعرف ما هو للابراهيمي، ولا خطة الجامعة العربية من قبل، ممكنة التطبيق اليوم. لقد انتقل النظام السوري من حصار المدن والبلدات الثائرة وتوجيه ضربات انتقائية لها الى دكِّها من كلِّ جنب، بل وتسوية أجزاء منها بالأرض تماماً.

لم أر، وأنا الذي عاش الحرب الأهلية في لبنان والحصار الاسرائيلي لبيروت، دماراً كالذي تنقله لنا كاميرات الهواتف من حمص وحلب ودير الزور وبعض أعمال درعا!

عندما كان يسقط خمسة قتلى في حيٍّ بيروتيٍّ واحدٍ كانت الصحف اللبنانية تتحدث، بالمناشيت العريضة، عن مجزرة. إن مقتل خمسة سوريين، حتى لو كانوا من عائلة واحدة، لا يشكل خبراً للجريدة أو لوكالة الأنباء.

مصرع خمسين، فما فوق وفي مكانٍ بعينه، يمكن أن ينال، اليوم، لقب ‘مجزرة’ في سورية المنكوبة، ويحظى بخبر سريع على شاشة التلفزيون.

هل يمكن للابراهيمي والحال، أن يوقف هذا الخيار الشمشوني الذي يمعن فيه وريث أول كرسي للجمهورية في العالم العربي وآخر واحد؟

أيُّ كلام سيقوله الدبلوماسي المخضرم في لحظة تجاوزت كلَّ دبلوماسية ممكنة، ونسفت كلَّ حلٍّ سياسيٍّ لا يتضمن خروج بشار الأسد وعائلته من المشهد السوري؟

هل يستطيع، فعلاً، أن يقول له إنك قتلت أكثر من ثلاثين ألف سوري من أجل كرسي لن تحتفظ به، كما يبدو، حتى لو قتلت ثلاثين ألفاً آخرين؟ هل يستطيع أن يقول له إن لكلِّ شيء نهاية، وأن تطويل النهايات لا يغير شيئاً من حتميتها، فاحفظ ما تبقى من دم ونسيج اجتماعي وبنية تحتية في بلادك واخرج الآن، إذ لا يزال باب الخروج ممكناً، قبل أن تُخرجك أيدي الثكالى واليتامى والمفجوعين في أعزائهم الى ساحة المرجة… عندها لن يواجه أحدٌ في طهران أو موسكو الاستحقاق الذي يتأرجحُ بين عينيك.

طبعا لن يستطيع الابراهيمي أن يقول شيئاً كهذا لبشار الأسد.. وهذا، في اللحظة التي وصلت اليها سورية، هو أضعف الإيمان.

كلُّ ما نرجوه، أخيراً، أن لا تتحول مهمة الابراهيمي المستحيلة الى رخصة جديدة لقتل مزيد من السوريين وتدمير ما تبقى قائماً من المدن السورية.

القدس العربي

الإبراهيمي وأنهار الدم

غسان شربل

أقر كوفي انان بفشل مهمته في سورية. جمع أوراقه وغادر الشاشات. عاد الى تقاعده في مجموعة «الحكماء» التي أسسها نيلسون مانديلا في 2005، والتي تضم ايضاً خبيراً عريقاً في شؤون الدول المنكوبة اسمه الاخضر الابراهيمي. تعكس التصريحات الطازجة لأنان غضبه من ثلاثة اطراف: الرئيس بشار الأسد وروسيا والصين. لهذا دعا الاول الى التنحي وحمّل موسكو وبكين مسؤولية عدم تمكن مجلس الامن من التحدث بصوت واحد.

لا اعرف ما الذي يدفع متقاعداً بحجم كوفي انان الى المجازفة بتتويج مسيرته بفشل من هذا النوع. هل هو توهم القدرة على اجتراح الحلول؟ ام تراه الضعف البشري وإغراء العودة، وإن لفترة محدودة، الى الشاشات والطواف بين مراكز القرار؟ في اي حال لا يحق له ان يفاجأ بما آلت اليه مهمته، فقد كانت اللعبة معروفة والمواقف مكشوفة.

كان الإبراهيمي يواكب من قرب مهمة انان. كان مطلعاً على الأبواب السورية والايرانية والروسية الموصدة، والتي تعذر على انان امتلاك مفاتيحها. لا النزاع الداخلي نضج بما يكفي لإطلاق وساطة فعلية ولا الانقسام الدولي يسمح بها ولا المبارزة الاقليمية تتيحها. فشل انان في بلورة المظلتين الاقليمية والدولية أضعف موقفه أمام الاسد وأمام المعارضة ودفعه الى اتخاذ قرار العودة الى التقاعد.

يقول العارفون بأسلوب الابراهيمي انه لن يطوف حاملاً حلاً مختصراً في نقاط على غرار ما فعل سلفه. لن يبكّر في وضع اوراقه على الطاولة. «لن يقدم طعاماً لمن لا يعتبر نفسه جائعاً». لا يستطيع الابراهيمي فرض حل. ولن يبدأ بالترويج لملامح حل. اغلب الظن انه سيراهن على سلاحي الصبر والانتظار.

لا يمكن الابراهيمي اطلاق وساطة جدية ما لم يشعر طرفا المواجهة في سورية بالجوع. والمقصود هنا بالجوع الحاجة الى مخرج. دوره الفعلي لا يمكن ان يبدأ إلا اذا استنتج فريقا النزاع ان خيار الضربة القاضية متعذر او مستحيل ولا طاقة على احتمال أثمانه. لعله يراهن على تسلل شيء من التعب او اليأس الى قلوب الفريقين. بمعنى ان ييأس النظام من امكان اعادة إخضاع البلاد بأسرها لسلطته. وأن المزيد من القتال يضاعف الأخطار على مستقبل من يقاتلون معه اليوم. وأن الانتصار غير وارد عملياً حتى ولو استمر الدعم الايراني والروسي. وانه لا بد من البحث عن مخرج حتى وإن كانت الادوية المتوقعة شديدة المرارة والإيلام.

لعل الابراهيمي يراهن ايضاً على ان تستنتج المعارضة ان الضربة القاضية متعذرة في غياب تدخل عسكري خارجي لا يبدو جذاباً للدول القادرة عليه او مطروحاً جدياً لديها. وأن الصراع الدموي بات يرتدي طابع الصراع بين المكونات. وتقول التجارب ان الحروب بين المكونات تسمح بتسجيل النقاط لكنها لا تتيح توجيه ضربات قاصمة ونهائية. وأن هذا النوع من النزاعات ينذر بقتل وحدة البلاد قبل قتل الطرف الآخر. وأن استمرار النزاع طويلاً ينذر بجعل سورية مسرحاً لحرب مذهبية اقليمية، وهو ما لا تريده المعارضة التي ترفع شعار سورية ديموقراطية تتعايش مكوناتها في ظل الديموقراطية والحرية والمساواة.

يقود ما تقدم الى استنتاج مؤلم وهو ان الابراهيمي يحتاج لنجاح وساطته الى أنهار جديدة من الدم. والى مزيد من امواج النازحين الى الدول المجاورة. والى مزيد من المجازر والقرى المدمرة والأحياء المنكوبة. يحتاج الى اليأس من الضربة القاضية. الى الشعور بالجوع والحاجة الى مخرج من النفق الدموي. يحتاج ايضاً الى شعور فلاديمير بوتين ان الافراط في اظهار القدرة على العرقلة يهدد بإغراق بلاده في عزلة عربية وإسلامية ودولية وإلحاق ضرر فادح بصورتها ومصالحها. وإلى شعور ايران باستحالة حماية الاندفاعة التي حققتها في العقد الماضي وأن عليها التفكير في خفض الخسائر وطبيعة التعويضات. وإلى نجاح مشاورات اقليمية بدأت بعيداً عن الاضواء.

اعرف قسوة هذا الكلام على من أُصيبوا في أحبائهم وأرزاقهم وأحلامهم، لكن كل شيء يشير الى تصاعد موسم القتل قبل ان يبدأ الابراهيمي توزيع الضمادات والضمانات والتصورات لمواقع المكونات في سورية الجديدة.

الحياة

هذا الصمت الدولي المريب!

    الياس الديري

بقدر ما تبدد التطورات العاصفة في سوريا اي امل في نجاح مهمة الاخضر الابرهيمي التي يقرأ عنوانها من الفشل الذريع الذي منيت به جهود سلفه كوفي انان، تبدو المنطقة بأسرها كأنها مقبلة على زلزال كبير يمهد لحرب اقليمية مفتوحة.

وان كانت حرب كهذه مستبعدة من الحسابات والترتيبات الدولية وحتى الاقليمية فان رسائل التحدي المتبادل بين اسرائيل وايران، وقد تلقت قبل يومين دعما من الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، و خصوصا بتلويحه بعزيمة دخول الجليل… اذا ما انطلقت شرارة الحرب في هذا الاتجاه او ذاك.

الا ان ذلك كله، على اهميته، في كفة والموقف الدولي مما تشهده سوريا منذ 17 شهرا في كفة اخرى وطابشة، وهوموقف اقل ما يقال فيه انه يتصف بالغرابة المطلقة بل انه يعبر شكلا ومضمونا وجوهرا وكلاما عن اللاموقف، واللامبالاة، واللارغبة في الاقدام على اية مبادرة او خطوة.

للمرة الاولى، ومنذ اندلاع شرارة “الربيع العربي”، يظهر المجتمع الدولي بهذا التوصيف المطلق والمبهم ومعه الشرعية الدولية، كما لو انهما بعيدان بالنظر والسمع عما يحصل من فظائع واهوال في المدن والارياف والحارات والزواريب، على امتداد الجغرافيا السورية وتخومها.

اجل، للمرة الاولى، وسط دهشة اوروبية وعربية من هذا الامر المريب.

مجرد استنكارات خجولة، تعرضها كلمات باردة، خالية من اي اهتمام فعلي بما يحصل، او بأي تأثر لسقوط هذه المئات من الضحايا. ويومياً. ونتيجة قصف عنيف، متواصل بكل انواع الاسلحة الثقيلة جوا وبرا.

ناطق باسم الامين العام للامم المتحدة، او مساعد لوزيرة الخارجية الاميركية، او متحدث باسم الاتحاد الاوروبي.

مجرد كلمات، من باب رفع العتب، ولئلا يقال ان الجميع لاذوا بالصمت المطبق فيما الموت والدمار يتآزران على الشعب السوري والمدن السورية.

كلام كثير قيل، وتحليلات بمختلف اللغات انتشرت الا ان احدا لم يتمكن من اختراق جدار الحيرة الذي يلف معظم العواصم الكبرى والصغرى في هذا الصدد.

فما الذي يحاك في الكواليس الدولية، وماذا تخبئ موسكو ليوم “الصفقة الكبرى” التي كثر الحديث عنها؟ وهل صحيح ان القرار الحاسم حول الوضع السوري و”الحالة الايرانية” ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية في اميركا؟

والى ذلك الحين يبقى كل شيء على حاله، ام ان الزمام قد يفلت؟

الابرهيمي لمرحلة انتقالية نفتقد عناصرها

لا شيء جاهزاً باستثناء احتدام مأسوي

    روزانا بومنصف

يواصل الاخضر الابرهيمي الذي حل محل كوفي انان من اجل السعي الى ايجاد حل في سوريا بعد تسلمه مهماته في مطلع الشهر الجاري كما لدى تسميته قبل اسبوعين ابقاء سقف الامال منخفضا جدا في شأن مهمته، فيعتبر انها شبه مستحيلة على قاعدة تأكيده ان لا اوهام لديه بقدرته على تحقيق اي اختراقات قريبا متسلحا بعوامل عدة من بينها : اولا التجربة الحديثة لسلفه في هذا الاطار وثانيا استمرار الخلافات الدولية على مقاربة الحلول من اجل سوريا وثالثا عدم حصول اي تغيير كبير او حاسم في المشهد السياسي السوري الداخلي على صعيد المعارك الميدانية الجارية. هو يحفظ خط الرجعة من جهة كونه يستلم ملفا صعبا لم تتغير معطياته في الاونة الاخيرة لكن عارفيه والمتصلين به ينقلون عنه انه صادق في التقليل الموضوعي والواقعي لقدرته على احداث تقدم تحسبا لان يسجل خطوات معينة ستكون عندئذ بمثابة انجازات. لكنه ايضا يتحسب لمدة طويلة ستستغرقها مهمته بناء على ان المقاربة التي اعتمدها سلفه من خلال الاعداد لخطة تؤدي في نهايتها الى تسوية سياسية قد باءت بالفشل وهو لا يستطيع تبنيها لئلا يفشل بدوره. كما فشل انان في شد الروس وجذبهم الى مشروعه. وتقول مصادر مطلعة على صلة بالاتصالات التي قادها انان وتاليا تلك التي يستعد لها الابرهيمي ان الخيار امام هذا الاخير قد يكون التفكير في الوصول الى المرحلة الانتقالية من دون المرور بورقة او خطة انان. فهناك افتراضان يرجح ان تنطلق منهما مهمة الابرهيمي وفق هذه المصادر :

الافتراض الاول انه في غياب اي توافق دولي وغياب القدرة على الحسم الداخلي ستكون هناك مرحلة انتظار طويلة من المحتمل ان يزداد خلالها الاهتراء الداخلي وربما تتغير بعض المعطيات بما يؤدي الى تغيير المشهد السياسي كحصول انشقاقات اضافية عالية المستوى او قدرة احد الطرفين اي النظام او المعارضة على الحسم الميداني او ربما ظهور شخصيات علوية تعلن خروجها ورفضها لما يحصل وتبدي استعدادها للانخراط في مرحلة التغيير نحو مرحلة انتقالية. وهذا الاهتراء هو ما يعتقد انه سيساهم في اقناع الدول الاخرى بان الوضع بات ناضجا للتوافق وللدخول في التسوية حول حل نهائي للوضع السوري. وهذا الافتراض يتناسب وما يعتقد البعض انها الاسباب الحقيقية وراء اختيار الابرهيمي وليس سواه من اجل الحلول محل انان. اذ تقول المصادر المعنية ان اقتناعا يسود حول هذه الاسباب تتصل بان الابرهيمي هو رجل المراحل الانتقالية في بلدان شهدت اضطرابات وحروبا. وهو رعى المراحل الانتقالية في كل من افغانستان والعراق وقبلهما في لبنان على نحو يعتقد انه بات يملك الخبرة الكافية من اجل الاعداد للمرحلة الانتقالية في سوريا اي مرحلة ما بعد الحرب الدائرة داخليا. وتاليا فان المهمة التي كلف من اجلها العمل في سوريا هي الاعداد لهذه المرحلة وليس اي شيء اخر بغض النظر عن الوسيلة للوصول الى ذلك. الا ان المرحلة الانتقالية تحتاج الى نضوج ظروفها من جهة كما تحتاج الى آلية للوصول اليها. والى هذه النقطة بالذات يستند الافتراض الثاني المتصل بمعرفة كيفية الوصول الى هذه المرحلة والمدة التي ستستغرقها خصوصا ان الامر يحتاج الى اتصالات في كل الاتجاهات ومع جميع الاطراف الداخلية والخارجية.

والسؤال الاخر في هذا الافتراض يتصل بمعرفة ما اذا كان سيكون في استطاعة الابرهيمي ان يقنع الروس وجلبهم الى خطته على قاعدة اقناعهم بان الخلاصة التي سيصل اليها كنتيجة للمرحلة الانتقالية سيضطر الجميع الى الاقرار بها عاجلا ام آجلا وتاليا سيكمن السؤال اذا كان سيستطيع اقناع الروس بالاتفاق على النتيجة قبل البحث في السبيل الى الوصول اليها ام لا خصوصا ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لا ينفك يذكر بوجهة نظر بلاده في هذا الاطار واخرها قبل يومين من خلال قوله ان بلاده متفقة مع الاميركيين على الهدف في سوريا لكنها مختلفة معهم على كيفية تحقيق هذا الهدف. وهي النقطة ذاتها التي سيحاول الابرهيمي ايجاد السبيل من اجل ردمها.

في الانتظار فان الخلاصة ان لا شيء جاهزا في المدى المنظور بل المزيد من اشتدادالوضع المأسوي بالنسبة الى السوريين خصوصا في ظل مواقف اميركية تبدو باردة ليس على وقع الانتخابات الرئاسية القريبة خلال اسابيع فحسب بل على وقع مخاوف اميركية من التحولات الجارية في سوريا وفق ما سبق ان عبر المسؤولون الاميركيون بحيث يمسك الجمود بالموقف الاميركي الرسمي على رغم الموقف الاخير للرئيس الاميركي باراك اوباما والتهديد الذي رفعه حول اعتباره استخدام الاسلحة الكيماوية خطا احمر. وهذا الجمود يؤثر على الدول الغربية التي اعيتها الحيلة في فرض عقوبات اقتصادية وسواها وباتت تفتقر الى تبني عقوبات جديدة وغير قادرة على المبادرة في الوقت نفسه نتيجة الجمود الاميركي. وهو الامر الذي ينسحب على الدول العربية ايضا مما يترك المجال واسعا امام البحث عن مرحلة انتقالية لا تزال عنوانا غامضا لتفاصيل غامضة وغير واضحة حتى الان.

النهار

الابراهيمي عندما يعترف بصعوبة مهمته

رأي القدس

عندما يعترف السيد الأخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي الجديد للازمة السورية بان مهمته شبه مستحيلة في التوصل الى تسوية سلمية، وذلك في حديث الى تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية، فان السؤال الذي يتبادر الى الذهن فورا هو عن الاسباب التي دفعته لقبول هذه المهمة؟

اصدقاء كثيرون نصحوا السيد الابراهيمي الذي عرض عليه قبول هذا التحدي كخليفة لكوفي عنان، عندما كان يقضي اجازة عائلية في باندونغ باندونيسيا بالابتعاد عن هذا الملف الشائك المعقد، ولكن يبدو ان الرجل يريد العودة الى الاضواء مجددا ولا احد يلومه على ذلك.

الازمة السورية لم تكن سهلة في اي يوم من الايام، وازدادت تعقيدا بفضل التدخلات الخارجية فيها، سواء من قبل المعسكر الداعم للنظام بقيادة الثلاثي الروسي ـ الصيني ـ الايراني، او المعارض له الساعي لاسقاطه بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومعظم دول جامعة الدول العربية.

السيد كوفي عنان كان افضل حظا من خلفه الابراهيمي، لان الاوضاع على الارض السورية كانت افضل قليلا، فالانتفاضة الشعبية كانت في طور الانتقال من طابعها السلمي الى العسكري، وكانت هناك مبادرات عديدة مطروحة على طاولة المفاوضات المستقبلية مثل المبادرة للحل على الطريقة اليمنية، ووجود استعداد، ولو ظاهري، لدى كل من المعارضة والسلطة للحوار، بدليل قبولهما نقاط عنان الست.

السيد الابراهيمي يأتي وجميع المبادرات قد تبخرت تماما، وبات الحل العسكري هو القاسم المشترك الذي يتفق عليه الجانبان، السلطة والمعارضة، فالحديث الآن يدور حول صراع بين جيشين، مع الفارق في التسليح بينهما، وجماعات جهادية متشددة تضم عناصر من مختلف انحاء العالم الاسلامي، وتعطي الاولوية للجهاد من اجل اسقاط النظام السوري، حتى ان بعضها انسحب من جبهات المعارك في ابين جنوب اليمن للتوجه الى حلب وادلب، مثلما جاء في احد البيانات التي نشرت على مواقع الكترونية جهادية.

المعارضة السورية تقول انها لن تتحاور مع نظام ملطخة اياديه بدماء الشعب السوري، والنظام يقول انه لا حل سلمي قبل تطهير البلاد من كل الجماعات الارهابية وعناصرها، وبالامس كرر السيد عمران الزعبي وزير الاعلام السوري هذه المطالب، وقال لا بد من وقف كل اعمال العنف قبل التفكير في اجراء اي حوار، وزاد على ذلك بقوله ان التلفزيون السوري مفتوح امام عناصر المعارضة الداخلية والخارجية للادلاء بوجهة نظرها بعد الغاء جميع القوائم السوداء.

استبشرنا خيرا بمبادرة الرئيس المصري محمد مرسي التي اقترح فيها حلا اقليميا من خلال لجنة رباعية تضم الدول الكبرى وهي مصر وتركيا وايران والمملكة العربية السعودية، ولكن هذه المبادرة لم تعمر الا بضعة ايام، سرعان ما نسفها، اي الرئيس مرسي، اثناء خطابه الذي القاه في قمة عدم الانحياز وهاجم فيه رأس النظام السوري بقسوة ووصفه بانه رئيس غير شرعي.

السيد الابراهيمي سيصل يوم السبت الى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الاسد، ولا نعرف كيف سيكون هذا اللقاء، وما يمكن ان يتمخض عنه، مثلما لا نعرف ماذا سيطرح السيد الابراهيمي من افكار لم يتم طرحها في السابق من قبل سلفه كوفي عنان.

انها مهمة ليست شبه مستحيلة، بل مستحيلة، ولا نرى انها ستتوصل الى اي حل، انها مجرد مادة جديدة للاعلام يتسلى بها، ويسلي قراءه ومشاهديه لكسر دائرة التكرار، تكرار الاحداث وتقارير القصف، والتقدم والتأخر لهذه القوات او تلك.

القدس العربي

الإبراهيمي إذ يستنسخ كوفي أنان

خالد غزال

تعيين الأخضر الإبراهيمي بديلاً عن كوفي أنان مبعوثاً لمعالجة الأزمة السورية لقي ترحيباً، انطلاقاً من كونه نجح في لبنان عام 1989 في وضع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية. لم يكن للإبراهيمي أن ينجح في لبنان لولا التوافق الدولي والعـربي والإقليمي، إضافة إلى كون اللبنانيين يريدون وقف الحرب بأي ثمن. فهل يقف الإبراهيمي على العناصر الموضوعية ذاتها والذاتية في سورية بما يسمح لمهمته بالنجاح، أم سيلاقي مصير كوفي أنان؟ تبدو الإجابة، حتى الآن، محكومة بالسلبية نظراً إلى عوامل متعددة.

العنصر الأول المانع الحل هو النظام السوري نفسه، الذي يصعّد منذ فترة ارتكاب المجازر عبر استخدام الطيران والدبابات في تدمير المدن والأرياف السورية. ما زال النظام يكرر استحالة الجلوس إلى مفاوضات مع المعارضة قبل إنهاء العنف الصادر عن معارضيه، ما يعني أن الأسد يضع شرطاً أساسه تسليم الثوار أسلحتهم وإنهاء الانتفاضة كشرط للدخول في حل سلمي. يفيد النظام من الدعم الإيراني المتصاعد والذي بات يعتبر أمن سورية من أمن إيران، مضافاً إليه استعداد الحرس الثوري الإيراني للتدخل العسكري لمنع النظام السوري من السقوط. كما يفيد النظام من الموقف الروسي والصيني الداعم له دعماً مطلقاً، والرافض أي تدخل دولي في الأزمة السورية.

العنصر الثاني المانع الحل يتمثل بقوى المعارضة ذاتها، سواء على مستواها العسكري أم السياسي. تـضع المـعارضة شـرطاً أسـاسـياً للـبحـث في الـحل الســياسي يـقوم على رحيل الرئيس السوري قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهو مطلب يكتسب كل شرعيته من حجم الدمار الذي تسبب فيه النظام بقيادة الأسد، وكلف سورية عشرات الآلاف من الشهداء والـمعـتقلين والـمهجرين، ناهيك عن الدمار في البنى الـتحـتية الناجم عن استـخدام الأسـلحة الثقيلة. يسـتحـيل على قوى الـمعارضة، بـعد أن دفعت هذه الأثـمان الباهـظة أن تقـبل بحل تـكون من أسسه تسوية ما مع النظام. على رغم التباين في آراء ومواقف كل طرف من المعارضة، في الداخل والخارج على السواء، فهي مجمعة على استحالة القبول بحل يعطي الأسد موقعاً في السلطة.

المانع الثالث لإمكان الحل يتصل بالوضع الدولي. لا يزال الخطاب الدولي يردد المنظومة ذاتها عن استحالة التدخل لإسقاط النظام وإظهار الفارق الجوهري مع الحالة الليبية. هذا الامتناع عن التدخل يثير أسئلة مليئة بالشك حول نيات الدول الغربية تجاه سورية. وفّرت المعارضة وجود مناطق محررة تشمل معظم الشمال السوري، بما يسمح بإقامة منطقة عازلة في سورية تعطي اللاجئين من الشعب والقوى المعارضة مكاناً آمناً. كل ما تتطلبه هذه المنطقة هو قرار دولي يحظر ضربها بالطيران، وهو أمر لا يكلّف الدول الغربية الثمن الذي دفعته في ليبيا. تصدر عن الجانب التركي أو الفرنسي إشارات إلى إمكان فرض منطقة حظر طيران، لكنها تبقى إشارات خجولة لا مردود فعلياً لها.

يطرح الموقف الدولي علامات استفهام حول كل ادعاءات الدفاع عن حقوق الإنسان ونظرية التدخل العسكري والأمني لحماية هذه الحقوق. ما يجري في سورية من مجازر وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان، لم يعد يحتاج إلى تأمل وانتظار من هذه الدول لتتخذ إجراءات رادعة تمنع النظام من ارتكاب مزيد من هذه المجازر. إذا أرادت هذه الدول التدخل، فلا أحد يردعها، فقد تدخلت سابقاً في يوغوسلافيا، واحتلت العراق من دون انتظار موافقة مجلس الأمن. لكن سوء الظن بالمعسكر الدولي وامتناعه عن التدخل، على رغم التشدق الدائم بضرورة هذا التدخل، هذا السوء ناجم عن إصرار هذه الدول على إطالة أمد الحرب الأهلية في سورية، بما يؤدي إلى إنهاك قوى النظام والمعارضة على السواء، وبما ينهي دور سورية السياسي والعسكري ويحوّلها أشلاء، لتتدخل بعدها تلك الدول وتفرض اتفاقاً على غرار ما جرى في لبنان.

لا يبدو المجتمع الدولي مستعجلاً في المساعدة لإنجاز الحل، كما لا تبدو الظروف الذاتية والموضوعية قادرة على تأمين ولوج الحلول، ما يعني أن مزيداً من الخراب والمجازر والتفسخ في النسيج الاجتماعي وتجذر الانقسامات الطائفية والمذهبية واستفحال التقاتل في ما بينها، كله ينتظر سورية في المرحلة المقبلة. فإلى أن تنضج عناصر التسوية، سيعمل الأخضر الإبراهيمي في تقطيع الوقت، وسط بحر دماء يسبح فيه الشعب السوري، وإلى أن يكتشف استحالة مهمته فينسحب عائداً «بخفي حنين» على غرار سلفه كوفي أنان.

الحياة

المطلوب من الإبرهيمي النجاح أم شراء الوقت؟

الأزمة السورية قد تكون مدخلا لحرب إقليمية

    اميل خوري

هل ينجح الممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية الاخضر الابرهيمي حيث فشكل سلفه كوفي انان في التوصل الى حل للازمة السورية التي تزداد تعقيدا، ام ان الغاية من اسناد مهمة صعبة، ان لم تكن مستحيلة، اليه سعيا للنجاح انما لكسب مزيد من الوقت الى ان ينضج الحل السياسي او يصبح الحل العسكري لا مناص منه؟

الواقع، ان لا شيء تغير حتى الآن في المواقف من الحلول المقترحة، فمؤيدو النظام في سوريا هم مع بقاء الرئيس الاسد في السلطة وللشعب السوري وحده ان يقرر مصيره وليس اي خارج على ان يتشارك المعارضون الموالون في حوار لتحقيق الاصلاحات المطلوبة وتدعم روسيا ومن معها هذا الموقف، فيما خصوم النظام يصرون على رفض الدخول في اي حوار قبل ان يتنحى الرئيس الاسد، وتدعم موقفهم الولايات المتحدة الاميركية ومن معها. فمن اين يستطيع ان يبدأ الاخضر الابرهيمي لايجاد حل وسط بين الموقفين؟ هل يبدأ بالبحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى اذا ما تم التوصل الى اتفاق على تشكيلها تنتقل اليها صلاحيات الرئيس الاسد ويتنحى، وهو ما يعتبره البعض حلا وسطا يحول دون مواجهة خطر الفراغ اذا ما تنحى الاسد ولم يحصل اتفاق مسبق على البديل فتسود عندئذ الفوضى، مما يجعل روسيا الخائفة من الصعود الاسلامي الى السلطة في دول عربية لا تطمئن الى هوية الحكم البديل من الحكم البعثي؟

ثمة من يرى انه من الآن حتى نهاية السنة تكون الثورات العربية التي انتقت منها انظمة جديدة وحكام جدد قد هدأت واستقرت، وتكون الولايات المتحدة الاميركية قد ارتاحت من مشاغل انتخاباتها الرئاسية وباتت الادارة الجديدة جاهزة للانصراف الى معالجة المشكلات مع روسيا في اكثر من منظمة ومنها المشكلات مع ايران ايضا، كما المشكلة في سوريا تكون الحرب الداخلية الدائرة في سوريا قد اقتربت من نهايتها وذلك بتغلب طرف على طرف آخر، او باستمرارها سجالا بحيث لا يستطيع اي طرف حسمها. عندها قد يصير في الامكان التوصل الى اتفاق على حل بموافقة داخلية وخارجية وهو حل “التعب” العسكري والاقتصادي.

اما اذا كان لا حل للازمة السورية الا ان اصبحت مفتوحة على حرب اقليمية بين المحور الايراني ومن معه والمحور الاميركي ومن معه، فان نتائج هذه الحرب سوف تعطي لونا معينا لوجه المنظمة او تنتهي الى تسوية يتقاسم بموجبها المحوران المتحاربان مناطق النفوذ في المنطقة على اساس اتفاق جديد بديل من اتفاق “سايكس – بيكو” وهو اتفاق قد يقيم انظمة “فيديرالية” تضع حدا لحروب الاديان التي اخذت تحل مكان الحروب السياسية والقومية والعرقية.

وفي معلومات لمصادر ديبلوماسية ان روسيا ومن معها قد تخير الولايات المتحدة الاميركية ومن معها بين الدخول في حرب تحدد نتائجها مناطق النفوذ وتكون حربا مدمرة لدول المنطقة، او الاتفاق سلميا ورضائيا على توزيع هذه المناطق بدءا من الازمة السورية، وفي اعتقاد روسيا انها عندما تضع الولايات المتحدة الاميركية بين خيار الحرب او السلم فانها قد تختار الاخير لانها ذاقت ما يكفي من حروب لا تزال مشتعلة في افغانستان بعد العراق ولا مصلحة لها في التورط بالمزيد منها. حتى ان الرئيس الاسد يفضل ان يخسر في حرب اقليمية ويتنحى على ان يخسر في حرب داخلية امام من يسميهم “الارهابيين”. وقد كان لافتا ما جاء في محاضر التحقيق مع الوزير النائب السابق ميشال سماحة وقوله فيها: “في استحقاقات ضخمة، في امكانية حروب كبيرة وفي امكانية قصص كتير كبيرة شايفها هلّق. في حرب كبيرة، صارت قصة كبيرة”.

والسؤال المهم المطروح ويثير القلق هو: هل تنتهي الازمة السورية بحل سياسي في وقت قريب، ام ان لا حل لها الا بحرب اقليمية؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى