مقالات تناولت أزمة مخيم اليرموك في سورية
اليرموكيون والخوف من المصير العراقي
قيادة جبريل اولى الجثث السياسية التي تسقط في النهر الاقليمي الجديد
علي الأمين
نحو مئة الف فلسطيني وسوري نزحوا من مخيم اليرموك في اليومين الماضيين. فالمخيم الذي يتصل بمدينة دمشق جنوبا، واستنادا الى اكثر من مصدر فلسطيني، نزح منه هذا العدد في اتجاه لبنان ومخيم عين الحلوة تحديدا، لأن “اليرموك” بات هدفا لعمليات قصف الطائرات والمدفعية النظامية، بعدما احكم الجيش السوري الحر السيطرة على اكثر من 80 في المئة منه، وأيضا بعد هجوم مضاد شنه ضد مقاتلي الجبهة الشعبية القيادة العامة، ومجموعات امنية وعسكرية تابعة للنظام السوري.
الوصف المتداول لما يجري في المخيم “نكبوي”. النزوح الاخير كان الاضخم والاقسى خلال مسار الثورة السورية، ففي الايام القليلة الماضية زادت وتيرة القصف المدفعي والجوي وشملت كل احياء المخيم الذي يبلغ عدد سكانه ما يفوق 150 الفاً. يروي نازحون ان السكان نزحوا بارواحهم نحو احياء العاصمة دمشق ومحيطها، ولم يستطع معظمهم ان يخرج اياً من امتعته. هذا في ظل توقعات أن تتجه الامور نحو الاسوأ، اذ ان النظام السوري يحشد جنوده على تخوم المخيم تمهيدا لاقتحامه في ظل مخاوف من تدميره كليا.
لكن ماذا تعني سيطرة الجيش الحر على المخيم؟ وما هي الاسباب التي دفعت بمخيم اليرموك إلى ان يكون في قلب المواجهة بين الجيش الحر والنظام؟ بحسب المصادر الفلسطينية النازحة من هناك فإن المخيم جغرافيا كان صلة الوصل بين منطقتين اساسيتين يسيطر عليهما الجيش الحر، هما منطقة الحجر الاسود وحي التضامن والميدان.
والمخيم شكل نقطة تواصل مفتوحة بين المنطقتين استخدمها الجيش الحر. وكان التجوال في طرق المخيم متاحًا ولا وجود لحواجز امنية وعسكرية، الا ان “القيادة العامة” في المخيم اعتقلت بعض عناصر الجيش الحر في داخل المخيم، ورغم مطالبتها من قبل “الفصائل الفلسطينية” بعدم التورط في المواجهات والاعتقالات، وعدم زج المخيم في المواجهة، فان مقاتلي “القيادة العامة” اصروا على نصب الحواجز وتنفيذ اعتقالات، وصلت الى اعتقال جرحى ومصابين في بعض المستشفيات، بعد قصفها بمدافع الهاون.
وتحول مقاتلو “القيادة العامة” الى عائق لوجستي بين منطقتين يسيطر عليهما “الجيش الحر”، ما دفع بمقاتليه الى شن هجوم استهدف مقر قيادة الخالصة والتي تضم المقر العسكري للقيادة العامة والسجن، ومركز الاذاعة في اليرموك، وتم تحرير السجناء السوريين والفلسطينيين بعدما كان الجيش الحر سيطر على قاعدة المزرعة خارج دمشق وهي الموقع العسكري والامني ومقر عمليات الجبهة. وبسقوط هذين المركزين يرجح مصدر فلسطيني ان تكون قيادة احمد جبريل انتهت وتلاشت فعليا. ومهدت هذه العملية لسيطرة الجيش الحر، وبمؤازرة وعون من قبل “تنسيقيات الثورة” الاربع داخل المخيم. وواكب السيطرة على اليرموك حصول انشقاق داخل القيادة العامة بتزعم ابن شقيقة جبريل وهو نجل القيادي في الجبهة فضل شرورو الانشقاق واعلن انضمامه الى صف الثورة السورية، وبانتقال الامين العام احمد جبريل ومساعديه الى داخل دمشق وفي شارع بغداد تحديدا حيث يوجد احد مقرات الجبهة.
في موازاة هذه المعارك المرشحة الى التصعيد، ومع افراغ المخيم من معظم سكانه، ومنهم الذين لجأوا اليه من السوريين في الاشهر السابقة والمقيمين اصلا، تبدو الاتصالات السياسية غير ذات جدوى في تحييد المخيم، فقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعبر ممثلها في دمشق الدكتور سمير الرفاعي، يقتصر دورها على مواكبة عملية نزوح الفلسطينيين من سورية ليس اكثر.
تدفق النازحين الفلسطينيين الى لبنان من سورية لا يتجاوز 3 في المئة من ابناء مخيم اليرموك، وهو رقم متواضع جدا في مقابل أعداد الذين نزحوا إلى داخل الاراضي السورية، وتشير المصادر المتابعة الى ان غلاء الاسعار هو ما يحول دون ان يكون لبنان جاذبا للنازحين الفلسطينيين، الذين يفضلون البقاء في سورية رغم سوء الاوضاع الامنية على المجيء الى لبنان. والى ذلك ايضا ثمة مزاج فلسطيني عام يدفع باصحابه الى ان يقفوا الى جانب الشعب السوري بدفع ضريبة الانتقال الى سورية المقبلة، ولا يريدون لهذا الانتقال ان يكون موسوما بصورة احمد جبريل. وفي الذاكرة الفلسطينية السورية لم تزل تجربة العراق ماثلة في الاذهان، حين تحولت بعض المنظمات الفلسطينية الى ادوات لنظام البعث وصدام حسين، فتمّ استخدامها في قمع الشعب العراقي وحماية نظام الاستبداد.
ومع الانباء عن انتهاء القيادة العامة بقيادة جبريل عسكريا وتنظيميا، فان اولى الجثث السياسية تكون قد سقطت في النهر الاقليمي الجديد.
كاتب لبناني
البلد
“جنيف – 2″ إلى “مقبرة اليرموك”؟!
راجح الخوري
بعد قصفه بالطيران ودكّه بالمدفعية ومحاصرته بالدبابات، يبدو واضحاً ان بشار الاسد يسعى الى وضع الروس والاميركيين امام خيارين أحلاهما مرّ، فإما ان يدفن مبادرتهم الجديدة “جنيف – 2” التي لم تلحظ مستقبلاً سياسياً له او لنظامه، وإما ان يدمر ما تبقى من مخيم اليرموك المنكوب على رؤوس الفلسطينيين!
الاخبار التي نقلتها الوكالات امس من دمشق اجمعت على ان اقتحام المخيم ينتظر الامر السياسي، وفي موازاة ذلك يبدو ان الاخضر الابرهيمي ينتظر بدوره ضوءاً أخضر يحدد له موعداً مع الاسد لكي يبلغه رسمياً نص المبادرة التي حصل اتفاق روسي – اميركي عليها وتتألف من خمس نقاط (نشرت هذه الزاوية نصها يوم الثلثاء الماضي).
قبل ان يصل الابرهيمي الى القاهرة الاحد الماضي حيث أطلع نبيل العربي على المبادرة المذكورة، كان قد طلب موعداً من الاسد لكنه لا يزال يقبع متبرماً في القاهرة منذ ستة ايام، في حين بدا للروس وللاميركيين ان الاسد يحاول ان يلعب معهم، عبر حصار مخيم اليرموك، ورقة العصا والجزرة، بمعنى انه يريد القول، إذا كانت مبادرة “جنيف – 2” تشكل استنساخاً للحل اليمني الذي سيفضي الى إزاحته عن السلطة في نهاية آذار المقبل لمصلحة حكومة وحدة وطنية تنظم انتخابات جديدة، فإنه ليس مضطراً الآن، بعد كل ما جرى، الى التخلي عن الطريق الذي اختاره منذ البداية اي الحل العسكري مهما كلف الامر حتى لو كان الدم في اليرموك فلسطينياً. فها هو وليد المعلم يبلغ بان – كي مون هاتفياً ان المجتمع الدولي مسؤول عن معاناة الفلسطينيين اصلاً وان ما يجري في اليرموك “إشتباكات بين ارهابيين ممولين من الخارج وعناصر من المخيم شكّلتها اللجان الشعبية”!
تتضح معالم لعبة المقايضة التي يريدها النظام في مخيم اليرموك عندما نعرف ان موسكو قامت، بعد اتصالات فلسطينية حثيثة معها، بتوجيه رسالة الى الاسد طالبته فيها بوقف قصف المخيمات، محمّلة اياه مسؤولية الدماء الفلسطينية ومحذّرة من “ان صبرا وشاتيلا جديدة بأيدٍ سورية ستكون عواقبها وخيمة”.
أما عندما تعلن واشنطن ان قصف اليرموك يمثّل تصعيداً كبيراً وينذر بالخطر وانه يمثل ايضاً تقويضاً لدعوة فاروق الشرع الى “تسوية تاريخية وتشكيل حكومة وحدة وطنية”، فإن ذلك يوحي بأن اميركا كانت قد وجدت في “مبادرة الشرع” محاولة شخصية من الاسد تهدف الى فتح الباب امام بازار الحلول بما قد يساعده على الخروج من مأزقه الخانق، في حين كان من الواضح انها محاولة لقطع الطريق على “جنيف – 2” التي يريد الاسد، كما يبدو وكما يعرف الابرهيمي جيداً، دفنها في “مقبرة اليرموك”!
النهار
من كفرقاسم وصبرا إلى مخيم اليرموك
بول شاوول
بعد السواد الأعظم من الشعب السوري، وأكثرية الشعب اللبناني… ها هم الفلسطينيون (في مخيم اليرموك وسواه) ينضمون إلى قوافل “الإرهابيين”.. والأصوليين والمخُرّبين والعملاء. ثلاثة شعوب عربية عريقة يتهمها النظام الممانع “بالإرهاب”. ثلاثة شعوب يمسح عنها النظام “الدائم” للمقاومة (السابقة)، عروبتها، وانتماءها، وتاريخها ويَصمها بالإرهاب، لأنها خرجت عليه، ثارت عليه. تقاوم طغيانه. وجنونه. هذه التهمة جاهزة جهوزية النظام للقتل. بلا رحمة. ولا ضمير. ولا رادع. ولا حساب.
… وحكاية الشعب الفلسطيني مع النظام السوري طويلة، وشاقة ورهيبة لا تختلف كثيراً مع حكايته مع “اسرائيل” في موازاة الشعبين اللبناني والسوري، الثلاثة “تلقوا” نصيبهم من غَدره. وعندما رأينا آثار قصف الطيران الحربي السوري مخيم اليرموك في وسائل الاعلام المرئية، تذكرنا والذكرى جرح، نصيب المخيمات الفلسطينية في لبنان من بطش هذا النظام ومؤامراته على امتداد العقود الأربعة. تذكرنا في منتصف السبعينات (مع بدايات الحروب على لبنان) مخيم تل الزعتر، ومخيم جسر الباشا، ومخيم ضبيه.. كيف كان لهذا النظام الدور الأساسي السياسي والعسكري في اسقاطها، بواجهات بعض الأحزاب التي وضعها النظام في مواجهة الفلسطينيين “يا قاتل يا مقتول” انها المرحلة الأولى لمحاولة تصفية الوجود الفلسطيني السياسي المقاوم المستقل داخل المخيمات. وقد افتتحها نظام الممانعة. ووراءَه اسرائيل وأميركا في حلف سري “مفضوح”. المرحلة الثانية من تصفية هذا الوجود الفلسطيني المقاوم جاء هذه المرة مباشرة من اسرائيل في غزوها لبنان عام 1982. ويظن أن الأطراف التي كانت وراء اسقاط تل الزعتر… هي ذاتها “مؤتلفة” لكن الواجهة والأداة هنا اسرائيل مباشرة.
أما النظام “العروبي” فكان وراء الكواليس تماماً كما كان في عملية تل الزعتر. لكن شارون، كما يبدو، لم يلتزم “وعوده” فبدلاً من أن يكتفي بعشرين كيلومتراً داخل لبنان (أي المنطقة الجنوبية) بحسب اتفاق الطرفين أكمل على بيروت وسائر لبنان.
رائع!
الحلقة الثالثة في هذه السلسلة على الوجود الفلسطيني المقاوم تمت فصولها في حرب المخيمات في الضواحي.. وصولاً إلى الشمال. هذه المرة، أيضاً “افلتت” عروبة النظام أطرافاً لبنانية أخرى، منظمة وحليفة لها (كما حصل مع أطراف داخلية أخرى) لتحاصر المخيمات: وبعد خروج رموز الثورة الفلسطينية بالبواخر من لبنان، وعاد عرفات إلى طرابلس، حاول هذا النظام أن يخوض الحرب بنفسه، مع بعض العملاء الفلسطينيين وعلى رأسهم أحمد جبريل وفصائل وهمية “فلسطينية” تأتمر بهذا النظام “كالصاعقة” وطبعاً كالجبهة الشعبية القيادة العامة التي انشقت بقيادة العميل التاريخي “الهارب” اليوم. ويعتقد كثيرون ان الدور السوري في لبنان بدأ فلسطينياً أي بدأ يضرب “القرار الفلسطيني المستقل الذي تمثله منظمة التحرير (الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني) أي حاملة ورقة الحرب والتفاوض والسلطة والمشروع التحريري والدولة. وهنا بالذات، بدأ الدور الإيراني: وتحول المثلث الاسرائيلي السوري الأميركي، إلى مربع متحالف ضمنياً، أو متقاطع (في المصالح أو الاستراتيجيات) لاستيعاب الورقة الفلسطينية في لبنان، أي بانتقال قرار الحرب والسلم (وإدارة المخيمات) من أيدي المقاومة الفلسطينية إلى أيدي الوصايتين السورية والإيرانية تحت شعارات “علمانية” “عروبية” عند النظام البعثي وشعارات “مذهبية” جهادية عند نظام الملالي: وهكذا كان على هذه الجهات ان تحاول تدمير كل “وحدة” فلسطينية سياسية، تنظيمية، عسكرية، مقاومة.. أو ما يمت إليها بصلة، فبعد قيام “المقاومة الوطنية” عام 1982 بقيادة الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب القومي السوري الاجتماعي، كان من أهداف سوريا أن تخوض حروب المخيمات مع تصفية المقاومة الوطنية، واستبدالها بمقاومة مذهبية انسجاماً مع الطرفين اللذين قررا انشاءها. وعلى انقاض المقاومة الوطنية التي حررت بيروت من الاحتلال الاسرائيلي، أنشِئ “حزب الله” لكن بعدها، كان على “البندقية” ان تتوحد ليحل دور الحزب الإيراني السوري محل دور “أمل” وكانت معارك اقليم التفاح والضاحية والتي قتل فيها مئات اللبنانيين من الطائفة الشيعية. وبعدها كان ما كان. وسيطر الحزب عسكرياً ومالياً وسياسياً على ارث الحركة الوطنية الفلسطينية والوطنية. ولم يكتف النظام بما ارتكبه في لبنان من تدمير للبنى الفلسطينية والمقاومة ومنظمة التحرير (خوّنوا عرفات رمز فلسطين) فقد عمد النظام مع حليفه الإيراني إلى تقديم “هدية” إلى اسرائيل: شق السلطة الوطنية في فلسطين، واحداث شروخ بين غزة والضفة، عن طريق حماس. فانقسم الفلسطينيون في مواجهة اسرائيل وكأنما “اقيمت دولتان واحدة للسلطة وأخرى لحماس في غزة، بحيث تمددت الورقة الفلسطينية من جنوب لبنان إلى غزة، وصارت في حوزة ايران وسوريا، اللتين كاسرائيل، وضعتا استراتيجية أساسية لهما: منع الشعب الفلسطيني من مواجهة اسرائيل في جبهة واحدة (هذا ما فعلوه عندما شقوا منظمة التحرير.. عبر فصائل عميلة لها لا سيما “الصاعقة” والجبهة الشعبية القيادة العامة..) اللعبة ذاتها: تقسيم الجبهة الفلسطينية كما تم تقسيم الأحزاب اللبنانية، والمؤسسات والجيش (لعبة اسرائيلية بامتياز).
وهذه هي المخططات الإيرانية السورية: شرذمة الوضع العربي برمته، واحداث انقسامات مذهبية فيه، ضرباً لعروبته واضعافاَ له، وتحقيقاً لمشروع مذهبي للسيطرة على خطوط تبدأ بايران فالعراق فلبنان فاليمن (مع الحوثيين) فإلى فلسطين (مع حماس) فإلى اسرائيل في حلف جهنمي يشكل طوقاً على العالم العربي. طبعاً. الربيع العربي، افشل هذا المخطط. بانضمام حماس أخيراً إلى حضن الثورة العربية في سوريا وسائر الثورات. وكان من الطبيعي أن يبقى “الفلسطيني” الذي بات أكبر عدو للفلسطينيين واقصد العميل أحمد جبريل على “وفائه” للنظام، إلى ان اجتاحت الانتفاضة العربية السورية الشعب الفلسطيني المقاوم، وحاول جبريل ومرتزقته قمعها. لكن، كان الأوان قد فات، فها هو الجيش الحر، مع المقاتلين الفلسطينيين يتصدون لاعتداءات الجيش النظامي، ويعلنون انضمامهم للربيع السوري. هنا بالذات تذكر هذا النظام ان ما واجهه الرئيس الراحل عرفات منهم، سيتذكره فلسطينيو اليرموك وتذكر فلسطينيين المخيمات في لبنان له لتوافي انتفاضة اليرموك في انتصارها على الجيش النظامي، انجازات الجيش الحر وتقدمه على جهات عديدة وصولاً إلى حلب ودمشق وحماة.. ولأن ليس عند النظام سوى العنف، فها هو يطلق طائراته الحربية لتدمر ما تدمر في مخيم اليرموك ويرتكب عدة مجازر.. هزم على الرغم من “الميغ”. والمدافع والدبابات. انسحبوا. لكن عادوا بتعزيزات لمحاصرة المخيم والفلسطينيين وتسجيل اضافات جديدة من الشهداء. مخيم آخر على مرمى التدمير. وهذا ليس غريباً. فالذي فعله هذا النظام عندما حاصر الأشرفية وزحلة وصيدا وطرابلس وقصفها، لا يختلف كثيراً عما يفعله اليوم في شعبه (وكما فعله عام 1982 في حماه بقتله حوالي 40 ألفاً في ظرف شهر!) العقل القاتل ذاته. وآلة القتل ذاتها وجنون السلطة ذاتها والعداء لكل قضية عربية ذاته. وبدا من كل ذلك ان النظام لا يميز بين عدو له وآخر أو معارض. او منتقد: (الاعدام، التدمير،التعذيب، الهمجي، الخراب، فعندما يصفي هذا النظام ويتسبب بقتل عشرات ألوف السوريين والعراقيين والفلسطينيين واللبنانيين منذ 1973 ولا يقتل جندياً اسرائيلياً واحداً، فهذا يعني ان اسرائيل ليست هي “العدو” المستهدف بل الشعب السوري أولاً، والشعوب العربية ثانياً، لكن الجديد هذه المرة انه “شغال” على عدة جبهات عربية في آن واحد (حدث هذا في لبنان ايضاً) وجبهة جولان هادئة. عدة جبهات، كأنما لم تروه دماء شعبه عبر الانتفاضة الراهنة، بل ها هو يحاول تدمير مخيم اليرموك. وها هو يرسل المتفجرات لاحداث فتنة عن طريق العميل الارهابي ميشال سماهة، والسفاح علي مملوك، وها هو يغتال وسام الحسن، ويحاول اغتيال بطرس حرب وسمير جعجع. ويقدم لائحة باسماء 14 رمزاً من رموز آذار مرشحين للاعدام سواء على طريقة المتفجرات كما حدث مع الشهيدين الحريري والحسن، أو بالرصاص، او بالمتفجرات الموضعية. على كل الجبهات . فما اغبطه. وما اعظم انسجامه مع نزعاته وميوله وغرائزه الوحشية. واللائحة جاهزة. (كما كانت لوائح اخرى جاهزة على امتداد أربعة عقود) فكيف يمكن ألا يكون على لائحة اطباقه اليومية قتل هنا، ومجزرة هناك، وهل ننسى احداث طرابلس بين التبانة وجبل محسن واحداث طريق الجديدة… ومحاولة الفتنة في صيدا وانتهاك الحدود اللبنانية، وخطف لبنانيين وتصفيتهم. والله “ملَحّق على كل شيء” لا يريد قبل رحيله أن يُبقي خلفه اثراً ولا عيناً ولا عرباً. ولا مقاومة. ولا مدناً. ولا دساكر. ولا بنياناً! أف! ومن الطبيعي، انه كلّما خسر هذا النظام مواقع له داخل سوريا، أو في فلسطين أو عند العرب أو في العالم، عمقت عزلته عداءه وشراسته عنفاً وكأن لعنة هذا النظام على امتداد قرابة نصف قرن، اصابت عدة شعوب عربية. فكأنه يستمر في مطاردة كل بؤرة حية مبدعة، ديموقراطية، مقاومة، حوله. وينحاز أبداً إلى كل من يصوّب عداءه على الأرض العربية، او حتى على الدول العربية. فالذي انحاز إلى جمهورية الملالي الايرانية في حربها على العراق العربي، والذي شارك جيوش التحالف في تدمير العراق، والذي هدم كل ما يمكن ان يبني دولة في لبنان، وجيشاً (لمصلحة اسرائيل) والذي حطم وحدة المقاومة الفلسطينية وصفّاها، وطرد عرفات من طرابلس، والذي شارك في العمليات الإرهابية ضد الشعب العراقي (أحزمة متفجرة، سيارات مفخخة، اثارة الفتن المذهبية) لا يعيش إلاّ على خراب الأمة العربية وقضاياها واقتصادها. وإذا كانت لعنته الجهنمية لم توفر قضية عربية فإن أشّر لعناته اصابت القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والمخيمات. كأنه يقول لهؤلاء “انا وراكم وراكم”. في لبنان وفلسطين وسوريا.. وفي كل مكان. وراكم وراكم! وها هو، في نهاياته، لينتقم آخر انتقاماته من مخيم اليرموك المنتفض. لكن ها هو عميله المعلن احمد جبريل (حليف “المقاومة (عندنا) والممانعة) يهرب من المخيم، ويحاول الخروج من سوريا، لكن النظام يمنعه. ونظن ان النظام “محق” في منع هذا المجرم من السفر، لأن الذي خان شعبه الفلسطيني واغتال بعض قياداته، وشارك في الهجوم على مخيمات لبنان واليرموك، من الطبيعي الا يثق به هذا النظام فلمَ لا يخون حليفه البعثي من خان أهله. وباع قضيته؟ ويقال انه في الاقامة الجبرية او في مكان آخر. المهم أن “جبهة” هذا العميل التي انشئت لمحاربة الشعب الفلسطيني انشقت عنه أخيراً.. ولم يبق له سوى الفرار (يذكرنا بميشال عون كثيراً وبمواصفات كثيرة سبحان الله).
وهروب هذا الجبان (خبير المتفجرات والمجازر الجماعية الا في اسرائيل) لا يختلف كثيراً عن هروب نسبة كبيرة من جيش النظام، وانضمامهم إلى الجيش الحر وشخصيات بارزة وأركان في النظام. فالقتل على كل هذه الجبهات (اللبنانية السورية، الفلسطينية، العربية) يعني كأنه يقاتل نفسه. وكلما ازدادت جبهاته قلّت انتصاراته. وكلما توسعت حروبه تقلَّصت سلطته. وكلّما ادعى تقدماً ازداد تراجعاً. كأنه محاصر بجبهاته المفتوحة في لبنان (اغتيالات، محاولة إثارة الفتن، متفجرات) وفي سوريا (حلب، حمص، سقوط مناطق كاملة بأيدي الثوار، دمشق، حماة) وفي فلسطين (انحسار حماس عنه وانضمامها إلى الثورة السورية والعربية)، روسيا (تحاول انقاذ رعاياها بعدما تأكد لها ان هذا النظام في آخر مونولوغاته الدموية)..
مخيم اليرموك محاصر اليوم. تماماًَ كما كانت أحوال مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا وضبيه وشاتيلا والبارد وصبرا وشاتيلا كأنه قدر المخيمات ان يحاصرها هذا النظام. ويدمرها. ويهجر سكانها. لكن الأمور تختلف هذه المرة. فالجيش الحر والمقاتلون الفلسطينيون يواجهون ما تبقى من آلته الحربية بصمود وبانتصارات مدّوية. فالمحاصِر بات مُحاصَراً و”القوي” صار ضعيفاً. والجبّار على حافته الأخيرة. والفلسطينيون في بلاد الشتات في لبنان وسوريا والأردن تحرروا من لعنة هذا النظام. وكأن هناك حركة واحدة متوازية يخطوها الشعب الفلسطيني واحرار سوريا ولبنان والربيع العربي.. خطوة متجانسة واثقة (على الرغم من الخسائر والتهجير والشهداء والدمار..) وعلى الرغم من ظواهر المخاض ومصاعبه. وهنا لا بد من التساؤل: ماذا يمكن أن يتذكر الفلسطينيون من هذا النظام غير التآمر عليهم، واضطهادهم وضرب قضيتهم وقتلهم فرادى وجماعات ومحاصرتهم.. ماذا يمكن أن يبقى في ذاكرة السوريين من نظامهم الممانع سوى تفاهة 99,99 والسجون المفتوحة والمجازر والفساد والقمع والرعب؟ وماذا يمكن ان يتذكر اللبنانيون ايضاً من أيام وصاية هذا النظام عليهم سوى الدمار والاغتيالات والنهب والفساد والكراهية؟ بل ماذا ترك هذا النظام من آثار على العالم العربي سوى انحيازه إلى كل ما يهدد قضاياه؟
مخيم اليرموك في عين “اللعنة” لعنة النظام. لكن.. كأنها آخر “لعنات” النظام الذي يتهاوى بلا أسف عليه.
كأن اليرموك من محطاته الأخيرة قبل وداعاته الأخيرة.
نعم! انها وداعاته الدموية الأخيرة مع تذكارات دامية ونظيفة في مخيمات صبرا وشاتيلا ونهر البارد وصولاً إلى مخيم اليرموك!
وكل هذه المجازر كأنها تكرار لمجزرة العدو الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في كفرقاسم التي صارت عنواناً لهمجيته.
بول شاوول
المستقبل
أحمد جبريل والقضيّة
حازم صاغيّة
أحمد جبريل الذي يقال إنّه فرّ إلى طرطوس، وربّما إلى مكان آخر في سوريّة، اسم لا يُنسى. يذكره، وسيذكره طويلاً، الفلسطينيّون والسوريّون واللبنانيّون لأنّه حلّ في كلّ مكان حلّت فيه النوازع الإمبراطوريّة لحكم حافظ الأسد.
هذا الرجل الذي بدأ حياته ضابطاً في الجيش السوريّ، لم يكن بعثيّاً، كما كان فلسطينيّو منظّمة الصاعقة، فلم تربطه تالياً صلة عقائديّة بالنظام الأسديّ والبعثيّ.
وهو لئن دعمه النظام السوريّ وكافأه بوضعه في الصدارة السياسيّة الفلسطينيّة، إلاّ أنّه لم يصنعه من الصفر مثلما صنع جماعة «فتح الانتفاضة» مثلاً ممّن تولّوا شقّ «فتح» ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة. فاسم جبريل يعود إلى «جبهة التحرير الفلسطينيّة» التي أسّسها في 1965.
وهو لم يكن مجرّد قاتل مُستَأجَر ومتقلّب كما كان صبري البنّا (أبو نضال). ذاك أنّه أنشأ حدّاً أدنى من تنظيم أسماه «الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة»، فضلاً عن أنّ بندقيّته وجبهته ظلّتا سوريّتي الهوى، من البداية حتّى النهاية. فهو قد يعمل لمصلحة معمّر القذّافي أو سواه، إلاّ أنّه يفعل هذا منفّذاً أمر مهمّة يصدر في دمشق.
وهذا الهوى هو الذي وضعه في موقع التضادّ الدائم مع ياسر عرفات، صاحب «القرار الوطنيّ الفلسطينيّ المستقلّ». وقبل ذلك حال دونه ودون البقاء في «الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين» التي جعلها جورج حبش بيت الصوفيّة الفلسطينيّة الضنينة بالسياسة والمعنى.
وهو، بالطبع، لم تستهوه الحذلقات الفكريّة لـ «الجبهة الشعبيّة الديموقراطيّة»، فلم يُضع مرّة بوصلة الطريق إلى قلب الأسد «البراغماتيّ» وقلب سلطته.
أحمد جبريل نسيج وحده. إنّه الرمز الأصيل لسياسة الاستئجار السوريّ، والسوريّ حصراً، للقضيّة الفلسطينيّة. بل هو رمز الإيمان الصلب بجدوى سياسة الاستئجار. وهذا من دون أن يكون معروفاً بأيّ هوس قوميّ عربيّ من النوع الذي عصف ببعض مجايليه المتمسّكين بأنّ فلسطين جنوب سوريّة، أو بأنّ الاثنتين أجزاء من «وطن عربيّ واحد». إنّ وعيه السياسيّ يقف عند كونه ضابط متفجّرات!
وعملاً بسياسة الاستئجار، وعقدُ الإيجار غير محدّد بمدّة زمنيّة، كان معروفاً سلفاً أين يقف جبريل في كلّ تناقض فلسطينيّ مع النظام السوريّ: ضدّ عرفات، ضدّ حبش، ضدّ أهالي مخيّم اليرموك. وبسبب وفائه البالغ والمنقطع النظير، تُرك له موقع صغير، إنّما مؤثّر، في «استراتيجيّة المقاومة اللبنانيّة» المرعيّة سوريّاً وإيرانيّاً. ومثل هذه الشراكة الصغرى مع «حزب الله» لم يحظَ بها أيّ طرف فلسطينيّ أو لبنانيّ موالٍ لسوريّة الأسديّة.
لقد قضى أحمد جبريل سنوات طويلة (عمره 75 عاماً) وهو يمارس هذا الدور. ويبدو اليوم أنّ شيخوخة الدور تتقاطع مع شيخوخته. فالخديعة انكشفت فيما المسيرة إلى فلسطين ساقت جبريل إلى أمكنة كثيرة صُبغت كلّها بالدم، لم تكن فلسطين بينها.
لكنّ الوعي السياسيّ الفلسطينيّ مطالَب بأن يطرح على نفسه السؤال الحارق: كيف، باسم فلسطين وقضيّتها، تنشأ ظاهرة كظاهرة أحمد جبريل؟ وكيف تستمرّ في موقع قياديّ عقداً بعد عقد؟
ذاك أنّ هذا السؤال قد يسمح بوضع اليد على مكمن الخديعة التي خُدع بها الفلسطينيّون جيلاً بعد جيل باسم قضيّتهم. أمّا انكشاف الخديعة فيحلّ محلّه حرق أطفالهم في مخيّم اليرموك، بينما يفرّ أحمد جبريل إلى مكان آمن. آمن حتّى الآن.
الحياة
اليرموك
نهلة الشهال
ها السلطة في سوريا تنتقل من المنّة على الفلسطينيين، المُذْهِبة للحسنات كما نعلم، مذكِّرة على لسان وزير خارجيتها بأن «ما تقدمه سوريا للأخوة الفلسطينيين لم تقدمه أي من الدول المضيفة لهم»، إلى تحميل «الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المسؤولية عن حالة إحباطهم، لعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني»! ولولا حجم الكارثة والمأساة معاً، لاستدعى الأمر تداعياً في المزاح والهزل. وقد قيل هذا بعد قصف مخيم اليرموك للاجئين بالطيران، بحجة تسلل مجموعات من «جبهة النصرة الإسلامية»، البعبع المطلق، إلى أزقته. أنْ يكون هناك مجموعات من تنظيم مرتبط بالقاعدة تعمل في سوريا، أمر لا شك فيه. ولكن، أن يجري القضاء عليها بقتل الناس تطهيراً لهم منها وتخليصا، فمسلك له توصيفات معروفة في علوم السياسة والحروب… والتاريخ.
وأما البدعة الثانية فهي «اللجان الشعبية». وهذه يعمل باسمها تنظيم فلسطيني هو «القيادة العامة»، كان على الدوام منبوذا، لأنه كان يؤجر خدماته للأنظمة، العراقية والليبية والسورية، حسب الظروف. في مصر، يُرسل «الإخوان» لجاناً مشابهة لضرب الناس في التجمعات. وكذلك اشتهرت «لجان حماية الثورة» في تونس إثر اشتباكها مع الاتحاد العام التونسي للشغل، فائق الشعبية، والإطار الوحيد الذي بإمكانه الادعاء أنه قاد الانتفاضة العامة ضد نظام بن علي منذ عامين. «اللجان الشعبية» إذاً تقاتل ضد المجموعات الإرهابية في مخيم اليرموك للاجئين في ضاحية دمشق. تلك هي الصيغة الرسمية التي تعتمدها تصريحات المسؤولين السوريين ووسائل الإعلام الرسمية. ولا يهمها مقدار صدقية القول، بل هي تكتفي بامتلاك رواية يمكنها تردادها، ما ينحدر تحت مستوى البروباغندا، حيث هذه الأخيرة تبغي الإقناع، وتناله بنسب متفاوتة، حسب الزمان والظروف.
في اليرموك، حيث يعيش بأقل تقدير 150 ألف لاجئ، تتحالف «القيادة العامة» مع «الصاعقة» و«جبهة التحرير» (جناحا سلطات البعث السوري والعراقي داخل الخريطة الفلسطينية في الماضي)، و«فتح الانتفاضة». هنا يصل الإدقاع إلى أعلى مستوياته. فإنْ كانت التنظيمات الثلاثة الأولى تمتلك بعض الحيثية التاريخية، وربما ما تعتد به قتالياً في سياق تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، فإن التنظيم الأخير المذكور نشأ كحالة مفتعلة من المخابرات السورية في مجرى صراع حافظ الأسد مع منظمة التحرير بقيادة أبو عمار… مباشرة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت. ولا يُسجَّل له في تاريخه سوى انه نجح في شق فتح، حيث عجزت عن ذلك كل الأطراف الأخرى التي حاولت، بما فيها إسرائيل. ثم يسجَّل له كذلك انه منذ بضع سنوات، ولسبب ما زال غامضاً، احتضن «فتح الإسلام» قبيل تسللها إلى لبنان، وتسبُّبها بكارثة مخيم نهر البارد في شمال البلاد، أو قل إتاحة الحجة لتدمير المخيم تماماً، وفق خطط من المرجح أنها كانت مبيتة، وما زالت هي الأخرى، والتصورات السياسية التي تستند إليها، غامضة.
وهذه كلها لعبة قذرة، اليوم كما في الماضي. ومن سوء طالع مخيم اليرموك للاجئين الذي يقع على طرف دمشق، انه يتوسط أحياء سورية متصارعة لأسباب سياسية ومذهبية. وحتى أمس قريب، كان المخيم ملجأ السوريين الهاربين من جحيم القصف بالمدفعية والطيران، وعمليات الاقتحام والاشتباك المباشر. ولكنه دخل المعركة من أبوابها الواسعة، ومن المرجح أن العودة الى الوراء باتت صعبة للغاية، وأن أتون هذه الحرب المدمرة قد شملته، وسيترتب على ذلك نتائج ليس أقلها حركة نزوح كثيفة إلى حيث يمكن، إلى بيوت الأقارب والمعارف في الأردن ولبنان، وانتهاء تلك الحالة التي ميزت بالفعل الوجود الفلسطيني اللاجئ في سوريا، حيث تمتع هؤلاء بحقوق واسعة تكاد تلامس حقوق المواطنية، عدا بعض المناصب. ولكن النتائج السياسية لهذا التطور فادحة. فهي ستنهي الموقف المتحفظ الذي طبع بشكل عام المسلك السياسي الفلسطيني حيال الأزمة السورية، حتى لدى السلطة ولدى «حماس». والأولى لا تحمل في قلبها الكثير من الود للسلطة السورية لأسباب متنوعة، منها ذلك التاريخ القديم من الصراع ونوايا الهيمنة، ومنها خصوصا انحيازاتها إلى مواقف سياسية وجهات دولية وإقليمية معروفة. وأما «حماس»، فبعد أن وقعت بين نارين، وحاولت التوفيق بين ارتباطاتها بسوريا وإيران وانسجامها السياسي مع روايتهما عن الموضوع الفلسطيني، وتلقيها دعمهما المتنوع، وبين ارتباطاتها الأخرى: بالمزاج العام للناس، وبتنظيم «الإخوان المسلمين»، وبقطر وغيرها من دول الخليج… ولاستحالة أن تتصرف كفصيل صغير وتابع، فقد «خرجت» من سوريا. وها هي تجد نفسها تشترك مع السلطة في إدانة قصف مخيم اليرموك وفي تحميل السلطات السورية المسؤولية عن سلامة اللاجئين الفلسطينيين المشمولين، عدا بنود القانون الدولي الإنساني، باتفاقيات وترتيبات دولية خاصة بوضعهم كلاجئين. ولا بد ان الحرج نفسه يصيب «الجبهة الشعبية»، وهي فصيل يمتلك ثقلاً شعبيا ومعنوياً بين الفلسطينيين أينما كان، وكذلك فهو يطال «حركة الجهاد الإسلامي».
بمعنى أن قصف مخيم اليرموك بالطيران وتوجيه الصواريخ إلى مسجد عبد القادر الحسيني، القائد الفلسطيني الرمز، وإصابة محتمين بالجامع كانوا بالمئات، ومقتل العشرات منهم، واستمرار القتال للسيطرة على المخيم، والبيانات التي تلوي عنق الواقع أو تبرر الأحداث بما يوحي بأنها ستستمر… كل ذلك ينهي هامش الحياد الفلسطيني الممكن في الموضوع السوري، والذي كان يتآكل على أية حال بحكم استطالة الأزمة. وهذه عتبة جديدة، لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بل تعمق المأساة السورية الدائرة، التي يبدو أنها لن تنتهي إلا بعد خراب البصرة، وأنها تحمل في جعبتها دمار سوريا، عمراناً ومؤسسات وعلاقات اجتماعية. ومن المضحك أن الإدارة الأميركية تريد لهذه المعركة أن تجري وفق ما تشتهي، فلا يشتد كثيراً عود التنظيمات الإسلامية المتطرفة، بل يقوى «الإخوان»، المعتدلون والذين يمكن التفاهم معهم، ويحضر إلى جانبهم الليبراليون، ولو بمقدار. وتريد واشنطن ألا ينهار تماماً الجيش السوري «كما حدث في العراق». وتجهيل الفاعل هنا مثير للاهتمام! وكأن هذه الإدارة نسيت في ظرف عشر سنوات قصيرة أنها من قرر «حل» الجيش العراقي. وحين تُجْبر، تعترف بان ذلك كان «غلطة»… هكذا من دون كلمة اعتذار أو حتى أسف، بينما الغلطة كلفت مئات آلاف الضحايا في بلاد الرافدين، فوق هؤلاء الذين سقطوا في الحروب المعلومة. وهي ما زالت تكلف البلاد عجزاً عن استعادة قوامها، أو هي تؤدي الى ترسيخ قوام منحرف، يفتقر إلى بنية المؤسسة الدولتية. ولعل واشنطن تظن العالم استوديوهات هوليوود، وهي تفشل في كل مرة، ولكنها ليست هي من يدفع ثمن الفشل، بل الشعوب والمجتمعات التي تقيم عليها تجاربها. وبمقابل واشنطن، تتصرف السلطة السورية وكأنها سلطة انكشارية غريبة عن البلد، عليها إخضاعه لها بأي ثمن، ولو كان الدمار التام للبلد نفسه، وبكل المعاني. ولأن الأمر غير مرشح للحسم السريع في أي اتجاه، رغم كل التطورات الميدانية، فهو ينبئ بإنهاك سوريا إنهاكا تاماً، قد يصعب تخيل النتائج القابلة للبناء عليه منذ الآن، ولكنها بالتأكيد ليست في مصلحة المجتمع والشعب السوريين.
السفير
فانتازيا فصل السوري عن الفلسطيني أو العكس
باسل أبو حمدة
كلما طالت الآلة الحربية للنظام السوري أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وفتكت بأبنائها، تعالت الأصوات المنددة والمستنكرة بهذا العمل المدان بحال طبيعته وكثرت حوله التحليلات والقراءات غير الضرورية في معظمها، خاصة تلك التي ما فتئت تؤكد وتعيد التأكيد مرارا وتكرارا على حيادية الفلسطينيين فـــي الشتات وبعدهم عن أي حراك اجتماعي أو سياسي في محيط باتوا يشكلون جزءا لا يتجزأ منه بحكم عوامل جغرافية وديموغـــرافية موضوعية لا دخل فيها لإرادتهم التي لطالما عبروا عنها والمتــــمثلة في رغبتهم الجامحة في ممارسة حقهم في العودة إلى بيوتهم وأراضيهم التي هجروا منها عنوة على أيدي العصابات الصهيونية عامي 1948 و1967.
في ظل هذا التشابك والتداخل الاجتماعيين والاقتصاديين والنفسيين وغيرهما الكثير، تبدو الدعوة إلى النأي بالنفس ضربا من الفانتازيا العبثية التي لا طائل منها، حيث اثبتت تجارب هؤلاء الفلسطينيين المنكوبين أنهم قابعون في عين أي عاصفة تهب على المنطقة وأنهم دائما يدفعون ثمن صراعات تنشب في ديار مضيفيهم من الأشقاء العرب بغض النظر عما يتخذون من مواقف حيال تلك الصراعات وبعيدا عن مدى انخراطهم فيها من عدمه، حصل ذلك في غير بلد عربي وفي أزمان متباعدة وكانوا جزءا من تلك الصراعات في كل الظروف والأحوال ليس لأنهم فلسطينيون ولا مستضعفون، ولكن لأن العدالة التي تتمتع بها قضيتهم لا تختلف بأي حال من الاحوال عن عدالة قضايا الشعوب المستضيفة لهم، فضلا عن أن الأنظمة التي تحكم تلك الشعوب بالحديد والنار لا توفر لا الأخضر ولا اليابس، كما يقال، فتستعدي كل من لا يقف إلى جانبها، على قاعدة من ليس معي فهو ضدي.
على ضوء ذلك، يمكن القول إنه إذا كان للشعب السوري، على سبيل المثال، سبب للتمرد على النظام السوري، فإن للاجئين الفلسطينيين ألف سبب لأن ينحو نحو أشقائهم السوريين ويقومون على نظام لطالما حاول الاستحواذ على القضية الفلسطينية واستخدامها كورقة سياسية في معاركه الداخلية والاقليمية والدولية على السواء، مشكلا بذلك عقبة في وجه تطورها من خلال العديد من الوسائل الدنيئة على رأسها محاربة منظمة التحرير الفلسطينية وشق فصائلها وانشاء فصائل موازية لها موالية له وزج مناضليها في المعتقلات والمتاجرة في قضيتها على كل المستويات، ما يعني أن عبارات من نوع ‘النأي بالنفس’ والاقحام’، التي باتت تستخدم على نطاق واسع كلما وجه النظام السوري ضربة جديدة لأبناء المخيمات الفلسطينية في سوريا، تندرج ضمن المشهد العبثي الذي تعيشه المنطقة برمتها.
عندما نقول المنطقة، فإن ذلك يحيلنا بالضرورة إلى مشهد الحراك السياسي الاجتماعي في بلد عربي آخر مثل الأردن، على سبيل المثال، حيث يتبادر للذهن سؤال تلقائي من نوع: هل يمكن الطلب من الفلسطينيين الذين هجروا بدورهم عنوة أيضا إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن أن ينأوا بأنفسهم عن ذلك الحراك؟ ثم ما هي الفوارق الحقيقية التي تفصل بين أوضاع الفلسطينيين في دول الشتات؟
وهل يمكن حصرها في الأوراق الثبوتية والصفات الرسمية التي يحملونها والتي تجاوزها الواقع بقوة شديدة منذ زمن؟ ذلك الواقع الذي يشي بأنه عدا صفة اللاجئ التي يحملها الفلسطيني الذي يعيش في سوريا أو لبنان أو مصر أو العراق، لا فرق بينه وبين الفلسطيني الذي يعيش في الأردن عندما يتعلق الأمر بالظروف الجغرافية والديموغرافية والاجتماعية بأبعادها الزمنية التي طالت واستطالت إلى حد كبير بحيث بات الفلسطيني في أي من هـــــذه البلـــدان يشكل جزءا من النسيج الاجتماعي العام للمجتمع لا يمكن فصله بأوراق رسمية باهتة اللون أو صفات ظهرت نتيجة ظروف سياسية يعرفها الجميع.
قصة الاقحام واهية في منطلقاتها ومآلاتها وهي خطأ استراتيجي كبير وتجاوز للواقع الجغرافي والديموغرافي وهي في الحالة السورية تشكل أنموذجا مصغرا لحكاية التدخل الخارجي متمثلا بتدخل أطراف اقليمية ودولية ودولية في الشأن السوري نفسه وعلى رأسها روسيا وإيران، بينما تمثل فصائل فلسطينية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وفتح’ الانتفاضة’ والصاعقة ،إذا كانت لا تزال موجودة، أداة التدخل السوري في الشأن الفلسطيني من خلال استحداث ميليشيات مسلحة تعرف باللجان الشعبية وظيفتها القيام بأدوار تعجز آلة قمع النظام عن القيام بها داخل المخيمات الفلسطينية.
أما قصة الانصهار، فلا تدعمها وقائع الديموغرافيا القائمة على الأرض داخل البلد الواحد فحسب، بل تعززها كذلك مجموعة لا متناهية من العوامل الموضوعية التاريخية والسياسية والعقائدية واللغوية والنفسية، التي جمعت على مدى آلاف السنين بين المكونات السكانية في المنطقة العربية ، ولا داعي أن نذكر هنا بأنه قبل بضع عقود من الزمن لم يعرف سكان المنطقة حدودا تفصل بينهم لا سياسية ولا جغرافية ولا غير ذلك من عوامل فرقة طارئة عليها وجدت بفعل تدخل خارجي من نوع آخر وعلى نطاق كارثي أوسع لا تزال الشعوب العربية تدفع ثمنا باهظا لها في مشهد يحيلنا إلى نوع من ‘هويات قاتلة’ التسمك بها لن يفضي فقط إلى ترسيخ حالة التجزئة والتقسيم بين شعوب المنطقة فحسب، بل سيمتد إلى مكونات كل شعب على حدا أيضا، خاصة وأن هذه العملية ليست طبيعية لا في منشأها ولا في نتائجها، بل ناجمة عن فعل وإرادة سياسيين بامتياز تحققا بتقاسم تركة إمبراطورية بائدة حكمت المنطقة طوال أربعة قرون من الزمن.
وبينما تتفن بعض الأنظمة في إنزال ما تعتبره عقابا يستحقه اللاجئون الفلسطينيون لأنهم لم يقفوا إلى جانب سياساتها وممارساتها القمعية، تأتي ممارســــات القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية لتزيد الطين بلة حين تكتفي بتصريحاتها ‘الاستشراقية’ المــــنددة بالمجازر التي ترتكب بحق من يفترض أنها تمثلهم والتي تدعو الفلسطينيين إلى النأي بأنفسهم عن الصراعات الداخلية للدول المضـــيفة لهم من دون أن تقدم لهم بدائل يتمكنون من خلالها من ممارسة حقهم الانساني في الدفاع عن أنفسهم، ذلك أنها ترفـــع بذلك، من حيث تدري أو لا تدري، الغطــــاء السياسي عنهم، خاصة عندما تشمل تلك التصريحات التخلي عن حق العودة أو عندما تنحي هذا الحق من أجندة عملها ومفاوضاتها وتسوياتها التي لم تجلب للشعب الفلسطيني إلا الويلات، مثلما تتركهم لمصيرهم وترميهم في أتون صراعات لا حول لهم فيها ولا قوة، بعد أن استحلت هذه القيادة السلطة وباتت أقرب بطبيعتها السياسية وأدوات عملها من تلك الأنظمة القامعة لشعوبها وللاجئين الفلسطينيين في آن.
أما السؤال الكبير، الذي يطرح نفسه، في هذه الحالة، فهو: ما الذي تعنيه التقسيمات السياسية والإدارية عندما تكون حياة الانسان، أي انسان، لخطر الهلاك؟.
‘ كاتب فلسطيني
القدس العربي
يسقط النظام.. لكي تحيا سوريا وفلسطين!
أسامة عودة
“العرب ضيوف وينبغي أن يلتزموا حدود الأدب”. هذا ما صرّح به سابقاً أحد الناطقين باسم النظام السوري، بالتزامن مع نشاط مؤيد للثورة أخذت تشهده أحياء في دمشق، يسكنها فلسطينيون؛ مخيم اليرموك بالدرجة الأولى.
عبر عقود، زاود هذا النظام على العرب جميعاً في ما يخص القضايا العربية وتمثيله لها. التواضع لم يكن سمته في هذا الخصوص، فوجوده صمام أمان العروبة وسر بقائها، وهو المؤتمن على جميع قضاياها! العرب ضيوف على قضاياهم. ولا يخرج الفلسطينيون عن هذا، فهم لا يملكون من قضيتهم إلا ما يرتضيه النظام السوري لهم؛ ضيوف عليها أيضاً. الحكم بخيانة “القضية” على هذه الجهة الفلسطينية أو تلك كان أمراً شائعاً في أدبيات النظام، وقد هيأ لهؤلاء “الخونة” مكانا ينالون فيه عقابهم وإعادة تأهيلهم قوميا ووطنيا، التسمية الشائعة له ستغدو “فرع فلسطين”. لم تكن هذه الأخيرة إلا شأناً داخلياً وقضية مقدسة في دعاوى النظام، فإذا كان أبناؤها ضيوفا عليها، فكيف سيكون الأمر عندما يتعلق بشأن سوري داخلي؟ بالطبع عليهم أن يتأدبوا، وإلا! لو خرج الفلسطينيون في سوريا مسبحين بحمد هذا النظام ومنددين بالمؤامرة التي تحاك لسوريا بسبب مواقفها “المشرّفة من القضايا العربية” ومطالبين بسرعة الحسم والقضاء على المتآمرين بأي وسيلة؛ لو فعل الفلسطينيون ذلك، لما طُلب منهم أن يتأدبوا، فهذه هي السليقة العربية الأصيلة التي لا تنطق إلا بالحق. في العام الأول للثورة، في ذكرى النكسة، وكان قد مضى على الثورة السورية بضعة أشهر، حاول النظام السوري ترحيل أزمته عبر توتير جبهة الجولان الساكنة منذ عقود ومن ثم إرسال رسالة لمن يهمه الأمر، بأنه هو ضابط إيقاع الاستقرار في المنطقة. هذه الرسالة لن تكون من خلال الجيش طبعاً، إذ ستثبت الأيام القادمة أنه ليس في هذا الوارد أبداً، وبأن رسالته العقائدية سيؤديها في مكان آخر تماماً. آنذاك، وبتنسيق أمني مع بعض الفصائل الفلسطينية، وعبر استغلال بعض المشاعر المشتعلة عند الشباب الفلسطيني، توجه المئات من فلسطينيي سوريا باتجاه الجولان واقتحموا الحدود ودخلوا الأراضي السورية المحتلة. الاعلام السوري كان مواكباً للحدث وهو ينقل هذه “الهبّة الشعبية”. لم يخرج أحد من أهل النظام ليذكر الفلسطينيين بأنهم “ضيوف” وعليهم أن “يتأدبوا” رغم تدخلهم بشأن سيادي تضبطه معاهدات ومواثيق وقعها والتزم بها النظام السوري طوال عقود! وما سيحدث بعد ذلك، أن الفلسطينيين سيهبون غاضبين مستنكرين هذا الاستخدام الرخيص لقضيتهم العادلة ودماء أبنائهم، وسيستهدفون بعد تشييع الشهداء الذين قضوا على أرض الجولان برصاص اسرائيلي، مبنى الخالصة، أحد ملاحق فرع فلسطين في مخيم اليرموك.
ما يصح على الفلسطينيين يصح على السوريين أيضاً في “سوريا الأسد”. لم تكن سوريا قبل الثورة للسوريين؛ ضيوف أيضاً. من هنا، فإن الموت والتنكيل كان مصير من اعترض منهم على هذا. القتل بكل بساطة هو استنكار من النظام على مطالب هؤلاء السوريين ناكري الجميل. لسان حاله يقول: كيف لمن أسكنته وأطعمته وعلمته أن يتجاسر عليّ، أنا سيد البيت؟ فسوريا لآل الأسد الخالدين، بينما السوريون طارئون وضيوف مرحب بهم ما لم ينسوا فضل أسيادهم!
الثورة السورية، ليست إلا محاولة استعادة سورية لأهلها، وتحريرها من “الأسدية” التي قامت بأسر البلاد والعباد، سنين طويلة. وما يرتكبه النظام منذ بداية هذه الثورة، ليس شيئاً آخر إلا محاولة “تحرير” سوريا من المعاني التي يتضمنها هذا النصاب الحق، ومن هؤلاء السوريين الذين يؤمنون به.
الشعارات التي علت في بداية الثورة، والتي انتظم حولها الحراك الثوري، كانت واضحة في مغازيها وغاياتها: “الأمة السورية” هي الأمة التي آن لها أن توجد بعد أن طمست لصالح “الأمة الأسدية” التي اجتهد النظام عبر عقود على صناعتها وتكريسها بقوة الحديد والنار، وها هو اليوم يقاتل متسلحاً بإجرام قل مثيله، في سبيل استمرارها وبقائها. مستقبل سوريا، يتوقف على من سينتصر في هذا الصراع، “سورية الأسد”، أم سوريا التي سيعيش السوريون في رحابها بكرامة وعدالة؟
الآن، يختلط الدم السوري بالدم الفلسطيني، والقاتل واحد بالطبع. يقصف الفلسطينيون بالطائرات التي وجدت لقصف أعدائهم وتحرير أراضيهم. تغريبة فلسطينية أخرى تضاف إلى رصيد الفلسطينيين. ربما هذا هو ثمن تحرير قضيتهم التي كانوا ضيوفاً عليها، و بداية لاستعادة مضمونها العادل والتحرري، بعد أن كانت إحدى أهم القوائم التي يستند عليها عرش الاستبداد والقهر.
قصف مخيم اليرموك في دمشق
رأي القدس
تعود قضية اللاجئين الفلسطينيين لتتصدرالعناوين الرئيسية في نشرات الأخبار والصحف بعد القصف الجوي المستمر الذي تعرض له مخيم اليرموك في أطراف دمشق العاصمة من قبل طائرات النظام التي تحاول جاهدة منع قوات المعارضة المسلحة من التقدم باتجاه قلب العاصمة.
ومن المفارقة ان نواة العمل الفلسطيني المسلح انطلقت من هذا المخيم على وجه الخصوص، وبهدف عودة الفلسطينيين الى اراضيهم التي أبعدهم اليهود منها عام 1948، بعد الهزيمة الكبرى للجيوش العربية امام العصابات اليهودية المسلحة المدعومة من الغرب.
طرفا الازمة في سورية مارسا ضغوطا كبيرة على الفلسطينيين للانخراط في المواجهات، الامر الذي احدث انقساما كبيرا في صفوفهم، ولكن الغالبية العظمى فضلت الوقوف في الوسط الرمادي.
لا توجد احصاءات دقيقة حول اعداد الشهداء الذين سقطوا من جراء هذا القصف الوحشي، سواء من الفلسطينيين او اشقائهم السوريين الذين لجأوا الى المخيم وشاركوا اشقاءهم لقمة العيش والحرمان، ولكن من المؤكد انهم بالعشرات وربما المئات.
صواريخ الطائرات المغيرة وقذائفها لا تفرق بين فلسطيني او سوري، مقاتل اومحايد، فالموت والدمار هما العنوان الرئيسي للحرب المستمرة حاليا في سورية التي تقترب من عامها الثاني، ووصل عدد الشهداء فيها حوالي 45 الف انسان، علاوة على تشريد الملايين داخل سورية وخارجها.
انها ليست المرة الاولى التي يجد فيها اللاجئون الفلسطينيون انفسهم في مثل هذا الموقف الخطر، ولن تكون الاخيرة، فقد عايشوا المشهد نفسه في العراق، وفي لبنان، وفي ليبيا عندما زج بهم نظامها السابق الى العراء قرب الحدود مع مصر.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس طالب الامين العام للامم المتحدة بعودة اللاجئين في سورية الى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، وهو طلب مشروع، ولكنه ليس الحل العادل، الحل العادل في رأينا، اذا كان هناك عدل في النظام الدولي الاكثر توحشا من القصف السوري، هو في عودة هؤلاء الى يافا وحيفا وعكا وصفد وكل المدن والقرى التي طردوا منها.
محنة الفلسطينيين في سورية او غيرها من الدول العربية تعيد التأكيد على حق العودة، وضرورة بل حتمية تطبيقه بكل الطرق والوسائل، فمن العار على المجتمع الدولي ان يظل هؤلاء يواجهون القتل والتشريد بين الحين والاخر.
صحيح ان محنة التشريد قد طالت ملايين السوريين، ومن قبلها ملايين العراقيين والكويتيين واللبنانيين والليبيين، ولكن الصحيح ايضا ان جميع هؤلاء اللاجئين ظلت معاناتهم مؤقتة، وسرعان ما عادوا او معظمهم الى بلدانهم، واستأنفوا حياتهم الطبيعية، الا اللاجىء الفلسطيني الذي انتقل من لجوء الى آخر، ومن معاناة الى اخرى، بل ان بعضهم وصل الى البرازيل وايسلندا عندما ضاقت بعض الدول العربية بهم، ورفضت فتح ابوابها امامهم.
اسرائيل التي قامت على حساب تشريد ملايين الفلسطينيين تفتح ابوابها لمئات الالاف من اليهود القادمين من اوطانهم في الغرب والشرق للاستيطان في فلسطين لاسباب سياسية وليس من منطلقات انسانية، بينما ممنوع على الفلسطيني الذي يتعرض للموت من العودة الى وطنه ومسقط رأس والديه واهله.
قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الامم المتحدة، يجب ان تعود الى قمة اولويات الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير وحركات المقاومة الفلسطينية مجددا، في اطار ميثاق وطني فلسطيني جديد يجدد مبادىء واحكام الميثاق السابق الذي تعرض للتعديل والتشويه، ودون ان يحصل الفلسطينيون جراء هذه الخديعة غير المزيد من القتل والدمار والمستوطنات.
القدس العربي
مخيم اليرموك أسقط ورقة التوت ألأخيرة
د. خليل قطاطو
هل فاجأ قصف النظام السوري لمخيم اليرموك أحدا؟ أنا لا أعتقد ذلك، فقد قصفه سابقا بقذائف الهاون والمورتر والآن بطائرات الميغ المقاتلة، ما الفرق؟. قصف أيضا مرارا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في اللاذقية ودرعا من قبل. قتل النظام حتى الآن ما يزيد عن 750 فلسطينيا أبان الثورة السورية التي أشتعلت قبل ما يزيد عن السنة والنصف منذ منتصف اذار 2011.
قتل النظام السوري أكثر من أربعين ألفا من السوريين، شبابا وشيوخا ونساءا وأطفالا ويصفهم جميعا بالعصابات الارهابية المسلحة، فهل يتورع من نّكل بشعبه من أن ينكل بضيوفه كما يسميهم؟.
طال القصف مستشفى ومدرسة ومسجد عبد القادر الحسيني فاختلط دم اللاجئين الفلسطينيين بدم النازحين السوريين الى المخيم. كانوا جميعا ينتظرون العودة، هؤلاء الى صفد وبيسان وحيفا ،واولئك الى المزة وداريا والقابون، صعدوا الى السماء بفعل طائرات الميغ التي يفترض ان تكون مهمتها حمايتهم، لا قتلهم.
توحد الفلسطينيون على اختلاف مشاربهم السياسية والعقائدية في رفض سفك الدم، لا فرق ان كان فلسطينيا أوسوريا من قبل هذا النظام، ما عدا احمد جبريل ومئات حوله نربأ عن تسميتهم بالفلسطينيين ممن باعوا شعبهم وتنكروا لأهل الشام الذين استضافوهم واصطفوا الى جانب النظام، باعوا ضمائرهم من أجل الآف (أو ملايين) الليرات التي أغدقها النظام عليهم ولا يزال.
هل ينسى أحد كيف دكت مدافع الدبابات السورية بيوت مخيم تل الزعتر، وكيف غرر النظام السوري بفتية من مخيم عين البارد وزج بهم في معركة انتهت بتدمير المخيم بأكمله على يد قوات الجيش اللبناني؟. وغير بعيد لعب بعواطف ومشاعر شبان فلسطينيين ودفعهم الى الجولان (في ذكرى النكبة) لتقتلهم اسرائيل، وجيش الأسد لا يحرك ساكنا ويستمتع بالمشاهد الدرامية بأمر من قياداته التي لا تعرف من فعل الحرب سوى الخطابات النارية البليغة عبر ميكروفونات اذاعة وتلفزيونات دمشق الرسمية، اما مدافع دبابات الجيش العربي السوري فقد فقدت فعل النطق منذ حرب تشرين، اما طائرات الميغ فقد اختبأت في أوكارها منذ ذلك التاريخ ولم تجرب قدراتها القتالية الا ضد المدن والقرى السورية التي ثارت ضد قمع النظام وفساده واجرامه.
هل سقطت ورقة التوت الآن عن سوأة النظام السوري، أم هل سيستمر في مواصلة البث في اذاننا مسلسله السمج في التغني بالمقاومة والممانعة من اجل فلسطين؟. سيستمر وسيبررفعلته النكراء بأنه كان يقصف العصابات المسلحة لا أهل المخيم الآمنين. وهكذا فوكالات الأنباء والصوركلها ملفقة للنيل من هذا النظام المقاوم. لن يكل أو يمل هذا النظام من ترديد هذه الاسطوانة المشروخة حتى لحظات لفظ أنفاسه ألأخيرة التي لم تعد بعيدة، انه يترنح الآن.
الملفت للنظر ان أمين حزب الله لم يقل كلمة واحدة بحق شهداء مخيم اليرموك بل خرج علينا يؤكد ان النظام صامد والمعارضة لن تكون قادرة على الحسم، أنها أمنيات، كل المؤشرات تدل على أن النظام يخسر على الارض في كل المحافظات، حتى دمشق وريفها. انه يعتمد على القوة الجوية التي بدأت قدراتها بالتضاؤل أيضا مع امتلاك الجيش الحر لمضادات الطائرات الآن.
كتبت في مارس من السنة الماضية ان النظام السوري زائل لا محالة، رأها البعض نبوءة متسرعة وهي ليست كذلك أبدا. صحيح ان النظام لم يسقط بعد رغم مرورعام واحد عشر شهرا من الثورة ولكن الثورة لم تخب بل زادت اشتعالا. لم يكن لهذا النظام ان يستمرالا بالدعم غير المحدود من روسيا والصين وايران في كل جرائمه ومجازره، ولكن متى كانت هذه الدول (او غيرها) قادرة على اخماد ثورات الشعوب التي تضحي من اجل حرياتها اذا تركت سقف التضحيات مفتوحا؟.
زين العابدين فر، مبارك يقبع خلف القضبان، القذافي قتل شر قتلة، وصالح نفي، وبشار ألأسد (والداعمين له) ما زال يعتقد أنه مختلف (وكذلك الأنظمة الباقية في المنطقة) هذا اليقين لا تبرره مجريات التاريخ، او لم يروا ما حل بامم من قبلهم؟ الاتحاد السوفييتي الذي تبعثر قطعا، واوروبا الشرقية، وأمريكا الجنوبية لهم فيهم مثل من القرون السابقة. هل يعيش الاسد (ومن تبقى من الحكام) خارج التاريخ، غارقين في الأوهام وعالم خاص جدا من الهلوسة والتخبط، مغيبين عن الواقع الجلي امامهم؟. نعم النظام السوري زائل، لن نقول ان ايامه معدودة، فلتكن اسابيعا أو أشهرا، لا يهم، ولكنه في يقيني زائل ……………………………لا محالة.
‘ كاتب فلسطيني
القدس العربي
أين إيران ونصر الله؟
طارق الحميد
فعل الإيرانيون، وحزب الله بالطبع، المستحيل للاستفادة من حرب الأيام الثمانية في غزة التي شنتها إسرائيل على القطاع، وحاولا، إيران وحزب الله، استثمار تلك المعركة من أجل تلميع صورتهما في المنطقة، خصوصا بعد الثورة السورية، ودعمهما لبشار الأسد، لكن ها هي الأقدار تفضح طهران والحزب، وفي وقت وجيز.
فها هي قوات طاغية دمشق تدك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق بالطائرات الحربية، وكأن قدر الفلسطينيين أن يكونوا حطب كل معركة، بذنب ومن دون ذنب، كيف لا وما أكثر المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ودماء أبنائها، وأول، وأبرز، المتاجرين بالقضية وأبنائها هما إيران وحزب الله، ومعهما النظام الأسدي، الذي يقوم بقصف الفلسطينيين اليوم بالطائرات الحربية، ودون أن يخرج لنا حسن نصر الله محذرا الأسد من استهداف الفلسطينيين، ودون أن تخرج لنا القيادات الإيرانية لتقول أي شيء، وكأن دم الفلسطينيين حلال للأسد، وحرام فقط على إسرائيل؟! أمر محزن، ومخز، لكن أراد الله فضح تجار الدم الفلسطيني من إيران إلى حزب الله ومعهما النظام الأسدي، وآخرون بالمنطقة، وبعضهم من الفلسطينيين أنفسهم.
ولذا فإن الصمت الإيراني، ومعه صمت حزب الله، وتحديدا قائده حسن نصر الله، يعد دليلا واضحا على متاجرتهم بالقضية الفلسطينية، وإلا لتدخلوا على الأقل من أجل إقناع الأسد بعدم قصف المعسكر الفلسطيني بالطائرات الحربية. وبالطبع لا يمكن القول، أو التعذر، بأنه كان على الفلسطينيين عدم التدخل في الثورة السورية، ولسبب بسيط جدا، فحين يلجأ النظام الأسدي لاستخدام الفلسطينيين أنفسهم في سوريا، مثل أحمد جبريل، وغيره، أو يقوم بدفع بعض منهم للحدود مع إسرائيل على الجولان من أجل الهروب للأمام، أو عندما يقوم النظام الأسدي باستخدام الفلسطينيين في لبنان، أو بعض الفصائل في غزة، فإن النظام الأسدي، وإيران، وحزب الله، هم من أقحموا الفلسطينيين عنوة في الثورة السورية، كيف لا وطهران والأسد وحزب الله لم يوفروا الفلسطينيين لحظة، خصوصا طوال السنوات العشر الماضية؛ حيث استخدمت القضية الفلسطينية، والدماء الفلسطينية، استخداما فجا، وظالما، خصوصا بالمسميات الكاذبة والمزورة مثل الممانعة والمقاومة، ومن هنا فمن الطبيعي أن يخرج الفلسطينيون على عملاء الأسد منهم، وعلى الأسد نفسه؟
والحقيقة أن المتابع العربي ليس بحاجة لأدلة جديدة على جرائم الأسد، وكيفية استخدامه للقضية الفلسطينية، لكن البعض من عربنا، غير الواعين بقصد أو من دون، بحاجة لأن ينتبهوا الآن كيف تلتزم إيران وحزب الله الصمت تجاه الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين من قبل النظام الأسدي، وعلى الرغم من أن ما يحدث بحق الفلسطينيين يعد أمرا محزنا، فإن الأقدار شاءت أن تفضح زيف المشروع الإيراني في المنطقة، وها نحن نشاهد حلفاء المشروع الخميني وهم يسقطون من فخ إلى آخر؛ حيث أثبتت الأيام زور أقوالهم، وأفعالهم، وأبسط مثال ما يحدث بحق الفلسطينيين في مخيم اليرموك ومن قبل قوات الأسد، وطائراته. وعليه، فالمفروض أن يُسأل حسن نصر الله اليوم: أوَلست من قال في أيام حرب غزة الأخيرة بأن إيران وحزب الله والأسد لن يتخلوا عن غزة، فلماذا تتخلون اليوم عن مخيم اليرموك وطائرات الأسد تدكهم بالنار والجحيم؟ هل من إجابة؟!
الشرق الأوسط
مخيم اليرموك: هجرة أخرى ونكبة أخرى
ماجد كيالي
لم تترك طائرة الميغ مجالاً لهؤلاء الذين افترشوا الأرض، في جامع عبد القادر الحسيني وفي مدرسة الفالوجة، للتملص أو للاحتماء، إذ باغتهم صوتها المرعب، وقذائفها المزمجرة، فباتوا أشلاء، في ذلك اليوم (الأحد 16/12/2012)، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين؛ هذا ما بينته الصور على يوتيوب وفي الفضائيات.
لكن ما الذي كان هذا الطيار يظن بأنه يفعله في هذه الغارة؟ ما الذي كان يدور في مخيلته لحظة الانقضاض على ما يعتبره هدفه؟ ماهي حقيقة مشاعره؟ فهل كان يعتقد أنه كان يقوم بمهمة قصف حربية لتحرير فلسطين أو الجولان مثلاً؟ طبعاً لا، فهذا مستحيل، فلم يسبق له أن فعلها من قبل، ولم تأته أوامر من هذا النوع طوال خدمته العسكرية. ومنذ انتهاء حرب تشرين (1973) ولا طلقة باتجاه هضبة الجولان المحتلة. إذاً ما الذي كان يظن هذا الطيار أنه يفعله بقصفه مسجداً ومدرسة للاجئين الفلسطينيين؟ وبالأحرى ما ماهية الثقافة التي تربّى عليها هذا الطيار، والتي مكنته من القيام بهذه الفعلة المشينة؟ ما ماهية العقيدة العسكرية التي نشأ عليها؟ وأي ضمير أخلاقي يحمله هذا الكائن الطيار؟ وكيف وصل إلى هذا الدرك؟!
والحال، صارت حادثة طائرة الميغ تلك حدثا في تاريخ مخيم اليرموك، وفي التاريخ المأساوي للاجئين الفلسطينيين، وفي تاريخ ثورة السوريين الأكثر كلفة بين الثورات العربية قاطبة، وفي تاريخ العلاقات السورية الفلسطينية، ليس مهماً اسم قائدها، فيكفي انها حدثت في عهد الطاغية بشار الأسد، أو باسمه.
لم يكن في المسجد والمدرسة لا مقاتلين، ولا مسلحين. وأصلاً، لا يوجد في المخيم مسلحون سوى مجموعات الجبهة الشعبية – القيادة العامة، الذين فرضوا أنفسهم بالسلاح، وبدعم النظام. أما الجماعات المسلحة التابعة للجيش الحر فهي تبعد مئات الأمتار عن مكان القصف، في حي الحجر الأسود المجاور، او في حي التضامن، لكن هنا ثمة جامع ومدرسة فضلا عن مشفى (الباسل) كان تعرض للقصف بالهاون قبل يوم من حادثة الميغ. وبالنتيجة فإن ضحايا هذه الغارة الجبانة، من الشهداء والمصابين، كانوا نساء ورجالا وأطفالا من النازحين السوريين ومن الفلسطينيين، الذين أخذهم القدر على حين غرّة، فوحّدهم المصاب بعد أن وحّدتهم مشاعر اللجوء والنزوح وآلامهما؛ حيث بات اللاجئون الفلسطينيون في سوريا يستقبلون لاجئين، أو نازحين، سوريين من الأحياء المجاورة، طوال الأشهر الماضية.
حقاً، كانت تلك ضربة غادرة وأليمة وقاسية، لا سيما أن المخيم لم يعتد على غارة طيران، ولم يهيئ أحواله لها، فقد كان مجرد تعايش مع قذائف الهاون، والتي نجم عنها أكثر من مجزرة. أما مجزرة الميغ، فقد كانت بمثابة ضربة جد صاعقة وصادمة، ولم تكن تخطر على بال.
في خضم ذلك كان الصراع على أشده بين جماعات الجيش الحر من جهة وقوات النظام، ومعها جماعة أحمد جبريل. وبالنتيجة، تمكن الجيش الحر من الدخول الى المخيم واحكام السيطرة عليه.
بعد هذه الغارة، وبعد التحولات التي حصلت في المخيم، أصيب الأهالي بحال من الذهول، ودبت مشاعر الخوف والرعب من الآتي، واشتغلت مخيلاتهم بما يمكن أن يختبروه وأطفالهم في الأيام التالية، على ضوء ما اختبره غيرهم، في دوما وداريا والتضامن وبابا عمرو في حمص، لاسيما مع الشائعات التي انتشرت فجأة بشأن ضرورة اخلاء المخيم، بدعوى أن جيش النظام ينوي اقتحامه لتطهيره من الجيش الحر.
هكذا، لم ينتظر الفلسطينيون طويلاً، وأصلاً ما كان لديهم أي مجال للتفكير بشأن ما يمكن أن يجري، فسرعان ماحملوا ما خف حمله تاركين مخيمهم وبيوتهم، وممتلكاتهم، هائمين على وجوههم، إلى الأحياء المجاورة، أو الى المخيمات الأخرى، وحتى أن ثمة الألوف منهم ذهبوا الى الحدود باتجاه لبنان، كأنهم في نكبة أخرى، بعد أن باتوا يحملون صفة النازحين أيضاً، في استعادة مؤلمة، وموجعة، لمشهد اللجوء الأول، لجوء الآباء والأجداد (1948).
في غضون ذلك كانت ثمة أصوات أخرى، أيضاً، ثمة من رفض أن يغادر عن عدم قناعة أو من قبيل العناد، وثمة منهم من ليس لديه مكان ليغادر إليه، كما ثمة نشطاء قرروا البقاء في المخيم. وعن ذلك كتب Hassan Shaban بمرارة بالغة: “اللي بيترك بيته بعمره ما راح يرجع عليه… ان لم ترجعوا بهذه الايام فلن تجدوا مكانا لكم بعدها… لن تروا المخيم كما لم نرَ فلسطين بعد أن ترك أجدادنا بيوتهم وهربوا من الموت والخوف.. ليش الموت هل هناك أصلا مهرب منه؟! موتوا في بيوتكم أحسن ما تموتوا بكل لحظة بعيون الناس في شوارع الزاهرة وأرصفة الميدان… عودوا الى بيوتكم ومحلاتكم وإلا والله إن نفس البيوت و الشوارع ستنكركم”. وهذا عبد الله الخطيب يكتب عن تشكيل ما يسمى “خلية أزمة” لإدارة أحوال المخيم، مؤلفة من “مجموعة من الشباب المستقل” مهمتها “تأمين خروج ودخول الناس الراغبين من المخيم وإليه.. وتقديم المساعدات اللازمة للعائلات الباقية فيه عن طريق مؤسسة “بصمة” الاجتماعية والهيئات والمؤسسات المتبقية.. كما ستقوم بجولات ميدانية على انحاء المخيم بشكل دوري لحماية الممتلكات العامة والخاصة وتقديم تقرير يومي عن حال اليرموك”
وعلى أية حال فإن غارة الميغ تلك لم تكن الأخيرة، ففي يوم 18/12، أغارت الميغ ثانية، وربما مع الطيار ذاته، وهذه المرة غرب المخيم (قرب المحكمة) ما أدى الى تدمير جزئي لعديد من البيوت، التي كان تركها أصحابها ونزحوا. وعن ذلك كتب أحمد عمرو: “يا رب…أنت أعلم كيف بنيناه لهاد البيت! تركته بين إيديك يارب.. لتحميه… تكسّر كامل الزجاج وتضرر حائط او أكثر في منزلي المبني منذ أقل من عام… كان من الممكن أن يسقط البناء بكامله لو كان الطيار أكثر ثقةً بنفسه قليلاً..وكان من الممكن أن يقتل بشراً كثيرين مثل الذين قتلهم في جامع عبد القادر في بيت الله ذاته الذي دعته أمي لحماية منزلها.. من الممكن ذلك.. من السهل لمن يملك الميغ أن يقصف أحلام البسطاء… ولكن من المستحيل عليه تدمير هذه الأحلام”.
هكذا لم يكن أحد يتوقع ما حصل لمخيم اليرموك الذي كان يضج بالحياة، وكان يصل النهار بالليل، والذي كان من أكثر المناطق حيوية في دمشق. كأن محمود درويش كان يتوقع ذلك حين رسم كلماته: هي هجرة أخرى فلا تذهب تماما… في ما تفتح من ربيع الارض في ما فجر الطيران فينا.. من ينابيع ولا تذهب تماما..
المستقبل
مذبحة صبرا.. وشاتيلا تتكرر في مخيم اليرموك!
يوسف الكويليت
جيلُ ما بعد الاستعمار الفرنسي لسورية من قيادات وأحزابٍ، وكامل الشعب هم من ساند وحارب واستضاف الشعب الفلسطيني وسنّ القوانين بكامل حقوقه أسوة بالشعب السوري، لكن المزايدة على القضية بدأت مع نظام الأسد الذي أُجبر على الحرب ضد إسرائيل خوفاً من استفزاز الشعب، وفي ظله احتُل الجولان، وقيل عن تواطؤ واتهامات للأسد الأب، لكن ما يُضحك أن كل إصلاح وعمل سياسي يتوجه للمواطن السوري، كان يصطدم بأن الدولة في حالة حرب ومواجهة، وخرجوا علينا بشعار المقاومة والممانعة في حين لم ترد السلطة على تدمير نواة المفاعل النووي الذي ضربته إسرائيل، وعلى تدمير منصات الصواريخ السورية في البقاع اللبناني، وحتى جبهة الجولان، وبدون توقيع سلام مع إسرائيل، لم تشهد إطلاق رصاصة من دولة الممانعة..
احتضنت حكومة الأسد حماس باتفاق مع إيران، واستطاعت أن تضعها على تقاطع مع السلطة الفلسطينية، إلى حد المناوشات وسجن أعضاء من الطرفين، لكن حماس في سورية ظلت صوتاً بلا فعل بحيث لم يسمح لها بممارسة أي نشاط عسكري ضد إسرائيل بل مجرد رافعة شعارات، لكنها في السنوات الأخيرة شعرت أنها جزء من النظام الذي يريد تحويلها إلى لعبة في يده، ومع انفجار الثورة خرجت بأعضائها إلى قطر..
حالياً تجري حرب مدمرة في مخيم اليرموك الفلسطيني، دمر مسجد آوى الهاربين من القصف ليموتوا داخله بعمل مشابه لما تقوم به إسرائيل، فقط لأن انحياز المخيم للثوار ومناصرة الجيش الحر، اقتضى هروب أحمد جبريل المعروف بولائه للنظام من الجبهة الشعبية – القيادة العامة، ثم لأن المخيم نقطة الهجوم الاستراتيجي على وسط دمشق، لكن الكذبة الكبرى فشلت أن تصدق، فالفلسطيني الذي من أجله قال النظام إنه في حالة حرب مع إسرائيل يهاجم المخيم ويقتل ساكنيه، وبالتالي فالاعتبارات القديمة لم تعد تنطلي على نظام يريد أن يحمي محيط قصره، والتضحية ليس بالشعب السوري، لكن من ادعى أنهم في حمايته..
الشعب الفلسطيني استنكر بكل فصائله ما يجري في مخيم اليرموك، والحكومة الفلسطينية هددت برفع الملف إلى مجلس الأمن ما يؤكد عري حكومة الأسد، وبالتأكيد فإن التضامن الفلسطيني مع السوري المناهض للنظام هو الإدراك المشترك أنهما في خندق واحد، وأن الأسد وجبريل وبعض جبهته ممن زايدوا على فلسطين اتضح وجههم الحقيقي، خاصة وأن الوعي عند المواطن الفلسطيني، وكذلك السوري يفوقان ما كانت تخادع به سلطة دمشق..
إسرائيل مسرورة بما يجري في المخيم، لأن ذبح أي فلسطيني بدءاً من الأرض المحتلة، ومروراً بالأردن ثم لبنان وأخيراً بسورية، يجعلها تحاول توظيف آلة دعايتها بأن الفلسطيني محارَب بين أبناء عمومته، فكيف تستطيع ضمان ولائه وهو الذي يعلن تدميرها؟
ومثل هذه الذرائع تقنع الشعوب التي لا تدري بأسباب الصراع ومنشئه وتطوره، لكن الأسد يحاول تقليد إسرائيل بمذبحة صبرا وشاتيلا داخل مخيم اليرموك وبلا وازع أخلاقي..
وبسقوط النظام سوف تتكشف حقائق خطيرة، سواء التعامل مع إسرائيل، أو لعبة الورقة الفلسطينية واتخاذها هدفاً باطنياً لمؤامرة مشتركة ضدهم مع العدو، فحساب الزمن كبير ولا غطاء على الحقائق الواضحة..
الرياض