صفحات الناس

مقالات تناولت اطلاق سراح الراهبات

جبهة النصرة’ كانت أذكى هذه المرة من النظام والإعلام السوري جنّ لأن راهبة معلولا لم تكذب/ نسرين طرابلسي

بعد استعانة إعلاميي مصر بالفلكيين لتحليل حركة النجوم والأفلاك وقراءة الطالع لإقناع الرأي العام بالسيسي رئيساً لمصر، لم يعد على العامة من حرج.

هذا ما عرضه باسم يوسف في أولى حلقات البرنامج بطريقته الساخرة. وأنا بهذه المناسبة أريد أن أبارك للإعلام العربي هزيمته الساحقة لما تبقى من وعي، فمما يشيب له الرأس ويُسقط الفك ويخرب خلايا الدماغ أن يتم العبث بالثورة المصرية التي أدهشت العالم لتتحول في أقل من ثلاثة أعوام إلى ذكرى حلوة مثل الحلم العابر.

كما أريد أن أمنح الإعلام السوري الرسمي جائزة أقوى إعلام كاذب في العالم، لعرضه ثلاثة من خيرة شباب سوريا المسالمين بعد اعتقالهم لفترة طويلة وتعذيبهم على أنهم عصابة التضليل الإرهابية! شباب مثل الورد، من الذين اتخذوا من الكلمة ولغة الصورة وسيلة لكشف ما يحدث في بلدهم ظهروا في برنامج ‘العين الساهرة’ أقل ما يمكن أن نقول عنه إنه فرع مخابرات تلفزيوني. يكفي أن كاتب كلمات أغنية المقدمة برتبة عسكرية (كلمات: العميد فلان) كما يظهر في المقدمة وتشابه أسماء القائمين عليه يؤكد أنه برنامج مافيا عائلية عُيّن أغلب أفرادها بالواسطة!

أما ما سيجعلك تدور حول نفسك هو أنه لا يوجد في اعترافات الشابين والفتاة كلها ما يدينهم أو يثبت تورطهم بغراقة دم أو بزرع فتنة. فكل اللافتات التي قبض عليها بحوزتهم والقصاصات الورقية التي صودرت كانت متلبسة بعبارات نبيلة، مثل: سواسية وعدالة وحرية وحياة الإنسان! كل تصريحاتهم المذنبة كانت مدهشة وهم يؤكدون أنهم ضد التطرف والإرهاب! أما عدة الشغل التضليلي فلم تكن سوى كاميرات بسيطة وأجهزة لاب توب وفلاش ميموري! وأماكان التضليل اقتصرت على المظاهرات الشعبية التي تجرأ هذا البرنامج بعرضها أخيرا من دون أن يضع في عينه حصوة ملح وهو يثبت على شاشته بالدليل القاطع مشاركة آلاف مؤلفة من البشر فيها، وهم يحملون علم الثورة ذي النجمات الثلاث ويهتفون هتافاً جماعيا من دون أن ينجح في رصد قطعة سلاح فيها ولا حتى موس كباس أو سكين مطبخ!!

وما الذي يحدث في الإعلام العربي بعد أن ينشغل ليل نهار في نكران الحقيقة وتغييبها وإحضار الأضداد ليتعاركوا على الشاشات ويورد أخبار البغدادي والجولاني والزرقاوي وأبو قتادة وداعش ولاحش وجاحش إلى آخر قائمة مشتقات مدرسة الإجرام، يعطي المشاهد جرعة دموع رومانسية في الدراما والغناء والتهليس وبعض الهجايص وقليل من الشعوذة والسحر وقراءة الطالع والأبراج.

الراهبات الفاضلات وجبهة النصرة

تابع العالم أجمع بمزيد من السخرية والتهكم رد الفعل اللاإرادي المصدوم لإعلاميي وإعلاميات قنوات التضليل المناصرة لاستمرار النظام الديكتاتوري في سوريا، تجاه الصفعة التي تلقوها من رغبة الراهبة الفاضلة بقول الحقيقة. كانت الأخت تردد امام عدسات الإعلام وحزمة كبيرة من مايكروفونات التلفزة العربية والعالمية بأن ضميرها يحتم عليها أن تقول الصدق، فهي لم تتعرض وباقي المختطفات عند ‘جبهة النصرة’ للتعذيب أو لأي شكل من أشكال الإهانة، بل ومارست شعائر دينها وصلاتها ولم ترغم على خلع صليبها وهي بين يدي الجماعة المتطرفة. لكن المتتلمذين على أيدي مؤسسات الكذب والنفاق وتحريف الوقائع لم يستطيعوا تقبل ذلك. ولم يحترموا أبدا لباسها المحتشم وكبر سنها بل انهالوا عليها بالكثير من التوصيفات الشنيعة واتهموا تصريحاتها باللاوطنية واللامسؤولية!! كان عليك يا أختي الفاضلة يا من وهبت حياتك لخدمة معتقدك ودينك أن تكذبي وتختلقي قصة وتشنعي بمختطفيك وتقولي بأنك منعت من الصلاة وبأنك أهنت وجردت من ملابسك واغتصبت وكيلت لك الشتائم وديس على رأسك وهُددت بأقرب المقربين إليك لكي تمنحي صك الوطنية. أما وقد آثرت قول الحقيقة فقد حقت عليك اللعنات!

في المقابل لم أجبر أنا شخصيا كإعلامية معارضة ومحتقنة بشتى أنواع الغضب والسخط على ممارسات رجال المخابرات والشبيحة تجاه أهلنا في سوريا والتي سربت مصورة شهداء التعذيب وضحايا المعتقلات والخارجين اشلاء من تحت الركام، ضيفتي المعتقلة السابقة على أن تقول غير الحقيقة، فقد قالت بالحرف في اللقاء الذي سجلته معها لصالح ‘قناة الآن’ بعنوان ‘أربعون يوما في الجوية’، بأن المحقق يبدو أنه عندما حاورها واكتشف براءتها من التهم المنسوبة إليها في التقرير وتأكد من عمق ثقافتها ومستوى تعليمها بأنه حاورها أفضل من الأخريات. ولم أجبرها على تغيير أقوالها ولم أحذف ما قالته من التسجيل، بل لعلي وجدت في هذا أبلغ إدانة أن تستمر في معتقلها الجحيمي أربعين يوما تعاني فيه شتى صنوف العذاب النفسي والصحي والجسدي، من أصوات الذين يتعرضون للتعذيب في الزنزانات الأخرى، حتى القمل والجرب الذي نهش جسد 20 امرأة محشورين في زنزانة مساحتها مترين بمترين ونصف ويعطين فوطتين فقط لتدبير أنفسهن في أيام الدورة الشهرية!

وفي الختام لا يسعني إلا أن أهنئ ‘جبهة النصرة’ على ذكائها، على الرغم من أنني ضد الفكر الذي تستند إليه، إلا أنها في هذه المعركة العالمية التي يقف فيها الرأي العام العالمي متأهباً لحماية الأقليات أمام مجزرة ترتكب بحق الأكثرية، كسبت جولة وحشرته في ‘خانة اليك’!

الإعلام الغربي في هذه الأثناء:

عرض عالم فيزياء كندي جائزة مقدارها مليون دولار لأي مشعوذ أو ساحر يستطيع أن ينفذ أمامه حيلة لا يستطيع كشفها علمياً. قدم برنامج الأطباء Doctors بطلة جمباز عمياء، شاهدت سلسلة لبرنامج علمي عن أصل الإنسان وتشكيل هيكله العظمي، والمهام التي صمم سبحانه هذا الجسد ليقوم بها ويتحملها ليجري منحنيا بسرعة ومرونة للصيد في البراري ثم ليمشي باستقامة عندما يتطور عالمه وتتغير وسيلة حصوله على أسباب الحياة. وأمثلة كثيرة يمكن إيرادها عن صناعة الإعلام في عالم الحضارة. قد يكون لديهم كذب إعلامي لا بل وتضليلهم الذي يتماشى مع مصالحهم الدولية، لكنهم لا ينسون مسؤولياتهم أمام العلم والمعرفة. وحده مال الخسيس بيروح فطيس كما يقول المثل. لا برامج علمية على شاشاتنا ولا أي محاولة جريئة لإعادة قراءة التاريخ. همّ الإعلام العربي الأكبر الدوران حول الحاكم وخلق زوبعة تشويش حول رأس المواطن. هكذا يضمن لنفسه الاستمرار. فإذا فلحوا في استجلاب مادة علمية للمحطات العربية يشترونها (فورمات) جاهزة. إنتاج البرامج العلمية لا يندرج أبدا في لائحة الأولويات ولا الثانويات. حتى البرامج الوثائقية ما هي إلا تقارير طويلة أكثر منها توثيق حقيقي للحدث، وتعتمد في أغلبها على حديث أشخاص أكثر منها استقصاء للحقيقة. سنحلم طويلا قبل أن يصبح لدينا ما يشبه ‘الناشيونال جيوغرافيك’ أو ‘الآنيمال بلانيت’. سيغرقوننا بمسابقات الشعراء بينما لن يدفع ربع مليون من أجل مسابقة لتحفيز الطلبة، لتشغيل المخ بالابتكار والاختراع وغيجاد الحلول عوضا عن حشوه بالمحفوظات، ربع مليون فقط لمسابقة للعلوم أو للرياضيات أو الاقتصاد. ولماذا نتعب أنفسنا وبإمكاننا دفع رواتب هائلة لموظفي الشركات الأجنبية لينفذوا لنا المشاريع والأبراج والمهرجانات والبهرجة المدنية!

أحضروا علماء الفضاء والفلك الحقيقيين المهمشين وعلماء الفيزياء من السجون والمعتقلات، وعلماء الطبيعة ليشرحوا للناس تأثير حركة الكون ومتغيراته على المناخ والبحر وقشرة الأرض.

آخر مرة شاهدت طلاب جامعة على التلفزيون كانوا الجمهور الضيف ببرنامج لول للنكات المتهتكة!

والشعب العربي غارق حتى الثمالة بالدراما والدين والسياسة والترفيه… والاكتئاب.

ملاحظة صغيرة: نجحتم في إجهاض الربيع العربي هذه المرة، لكن في المرة القادمة لن تفلحوا، هذا الوعد ليس مني فقد أموت قبل أن أستمتع بنسائمه لكنه وعد الجيل القادم، وعد الحياة.

كاتبة وإعلامية من سوريا

@nasrine_tr

القدس العربي

راهبات معلولا وامتداح الإرهابيين!/ عبد الرحمن الراشد

نتفهم عندما يمتدح المخطوفون الخاطفين، ويشكر الضحايا المجرمين عند إطلاق سراحهم، ربما هو الخوف، أو ثمن الخروج، لكن لا يمكن أن نتفهم الذين أمطروا جبهة النصرة بالثناء والشكر، لأنها أفرجت عن المخطوفات من راهبات معلولا. هذه جريمة، اختطفت نساء لأربعة أشهر وهن لسن طرفا في الحرب. عمل جبان من جماعة إرهابية لا يشرف السوريين أن تنتسب إليهم. مع هذا، هلل البعض في الإعلام العربي مستشهدين بالنساء اللاتي تحدثن عن حسن المعاملة والضيافة! أي هراء هذا؟! متى كان خطف النساء عملا نبيلا حتى يشكر الخاطف لحسن معاملته للمخطوفات؟

قصتهن منذ البداية جريمة مع سلسلة أكاذيب، عندما تسلل مقاتلو جبهة النصرة إلى بلدة معلولا المسيحية، وتبعد 55 كلم عن دمشق، ادعوا أنهم لن يتعرضوا للدير ومن فيه. ثم دخلوه في الليل واختطفوا رئيسته مع عدد من الراهبات اللواتي يعملن في الدير والميتم التابع له. وبعد أن عبرت قوى سورية عن استنكارها لتلك الجريمة زعمت جبهة النصرة، ووسائل الإعلام التي تدافع عنها، أن المقاتلين أخذوا النسوة من أجل حمايتهن، ممن؟ لم يجب أحد، واختفت أخبار المخطوفات وسط استغراب كثيرين. وفي الأيام الماضية اتضح أنها عملية ابتزاز مالية لا علاقة لها بالنظام ولا الثورة، جبهة النصرة باعتهن بالمال، كما فعلت من قبل مع رهائن آخرين. كما فعل النظام السوري الشيء نفسه حيث إنه أفرج عن مجموعة من المعتقلات، وبضعة أشخاص من جنسيات عربية يقال خليجية، أيضا مقابل فدية مالية كبيرة.

وأكاذيب جبهة النصرة في تبرير فعلتهم، ومن تعامل معهم ودافع عنهم، فضيحة بذاتها. يزعم المتحدث باسم جبهة النصرة عبد الله عزام الشامي أنهم لم يفرجوا عن راهبات دير مار تقلا مقابل فدية، وهذا، طبعا، كذب صريح. ويتجرأ على القول بأنها استضافة، «يستحيل أن نوافق على فدية، فالراهبات لم يكنّ مختطفات، وإن العرض المقدم عرض لا شأن لنا به». إذن، لماذا بقين مغيبات أربعة أشهر؟ يقول رجل «النصرة» إن «التأخر كان مجرد إجراءات روتينية، وتأمين قوة مسلحة لتحمي موكبهن»! طبعا نسي أنهم أخذوا النساء من بيتهن في ليلة ظلماء واحدة، ونقلوهن قسرا من معلولا إلى يبرود، وهناك عشن أشهرا تحت المساومة.

ولا نستطيع أن نقول الكثير عن نظام بشار الأسد، لأن الذي يقتل 150 ألف إنسان لا يستحق حتى أن يلام على بقية الجرائم. اللوم على الذين شكروا وامتدحوا جماعة مجرمة، مثل جبهة النصرة، فقط لأنها تقاتل نظام الأسد، متناسين أنها، مثل «داعش»، فرع تنظيم القاعدة الثاني، ليست إلا تنظيما إرهابيا لا يحترم إنسانية الغير، ولا معتقداتهم، ولا أبسط أخلاق الإسلام نفسه، فالرسول عليه السلام قام من مكانه ووقف عندما مرت جنازة يهودي أمامه، والخليفة عمر رفض الصلاة في الكنيسة خشية أن يستولي عليها المسلمون من بعده، بحجة أنه صلى فيها.

عوضا عن شكر جبهة النصرة، كان يجب أن تنتقد وتحارب على فعلتها، لأنها ساوت بين الثورة والنظام في ارتكاب الجرائم، وأظهرت أنها لا تملك حتى أدنى أخلاق المتحاربين بخطفها النساء وابتزازهن، ولا شيء من أخلاق العرب من شهامة وحماية لأعراض النساء. وكل ما نجحت فيه الأختان الإرهابيتان «النصرة» و«داعش» هو تحسين صورة نظام الأسد، وتخويف العالم من الثورة السورية.

الشرق الأوسط

راهبات معلولا.. افتدين المعتقلات وكذّبن النظام/ فادي الداهوك

 مطلع الشهر الأخير من السنة الماضية، كان من الصعب جداً تبيان ما حصل في معلولا. المعلوم حينها أن “جبهة النُصرة” اقتحمت المدينة، شبه الخالية من أهلها، وسيطرت عليها بعد اشتباكات مع اللجان الشعبية وقوات النظام.

 كان القرار في “المدن” أن لا تُقدّم رواية المعارضة وحدها، أولاً للمهنية التي تحكم العمل، وثانياً لحساسية الوضع واختفاء 13 راهبة من دير مارتقلا الأثري. وصلنا إلى مقاتل في صفوف ما يسمى “جيش الدفاع الوطني” الذي يقاتل إلى جانب النظام. على الرغم من إصابته بعد الاشتباكات في معلولا، لم يمانع حنين تعلب، المقاتل المسيحي من أهالي معلولا في صفوف “جيش الدفاع الوطني” أن يتحدث لـ”المدن” ويروي ما حصل. جاء كلام تعلب مطابقاً لرواية المعارضة، التي حصلت عليها “المدن” من مركز القلمون الإعلامي، إذ كانت الرواية أن الراهبات بالفعل نقلن إلى مدينة يبرود السورية من قبل المسلحين.

الراهبات كنّ مختطفات. هذا ما يختصره اليوم الطويل الذي جرى فيه تبادلهن مع معتقلات سوريات كنّ في سجون النظام. عملية التبادل رافقتها تصريحات كثيرة، كان الأكثر غرابة فيها واستهجاناً، تلك التي صدرت عن المطران لوقا الخوري.

 المطران قال إن الحديث عن صفقة جرت لإخراج الراهبات محض افتراء. نهر الإعلام على طريقة رجل أمن نزق “مافي.. مافي صفقة ولا تبادل ولا أي شي عم تحكوا عليه انتوا الإعلام.. الإعلام اتأكدوا من حكيكن بعدين احكوا”. المطران لم يكتفِ بنفي حدوث صفقة، فأكد أن الراهبات خرجن “بهمة الجيش العربي السوري الذي ضيّق على يبرود وعرفوا حالن إنو بدن ياكلوها (المسلحين)، قالوا بنطلع ومنطلعن معنا، مافي لاصفقة ولا تبادل ولا شي”.

 ذلك الشق من إجابة المطران، المتعلق بالجهة التي ساهمت بإخراج الراهبات، أثار تساؤل موفدة قناة الجديد إلى جديدة يابوس، حيث سألته “يعني سيدنا هذا الحكي يعني إنو يبرود تحت سيطرة الجيش؟”، فأجاب “طبعاً”.

 وما بين النفي لوجود صفقة، والتأكيد على أن الجيش السوري هو من أخرج الراهبات. كذَبت رواية المطران، ومن قبلها النظام، وصدقت رواية اليبروديين، ومدير الأمن العام اللبناني، اللواء عبّاس ابراهيم، وصور السجينات.

ابراهيم، أكد للموفدة ذاتها، أن خروج الراهبات كان مقابل الإفراج عن معتقلات سوريات، مع حرص كبير على نفي الأحاديث التي صدرت من رجالات النظام السوري عن مبالغ مالية تقاضتها الجهة التي احتجزتهن.

للراهبات روايتهن أيضاً. في الطريق إلى عرسال، كانت الراهبات تتحدثن بأريحية. الأم بيلاجيا سياف، رئيسة دير مارتقلا في معلولا كانت واضحة وصريحة في شكرها لمن استضافها والراهبات الأخريات، والشكر هنا لـ”جبهة النُصرة”.

 ” الله يحميكن، الله يعطيكن الآخرة الصالحة، الله يآجركن انتو وكل مين حط إيدو بهالمشكلة..، ما بيضيع عند الله شي” تقول سيّاف لحظة مغادرتها يبرود.

 لحظة وصولها إلى عرسال، وقفت سياف تتحدث إلى أحد المسلحين الملثمين من “جبهة النُصرة”، قالت له في الشريط المصور الذي بثّه الناشطون “سلملي على أم مازن، على أبو مالك..، قلو لأبو مالك، يا إنسان ياشريف إنت (أبو مالك هو أمير “جبهة النُصرة” في القلمون)”.

في الفضاء الالكتروني، كان المغردون على “تويتر” يتناقلون الكثير من الأنباء. على الـ”هاشتاغ” المسمى “راهبات_معلولا” كتب أحد المغردين “قولوا للثوار الأشاوس يرجعوا الصلبان للراهبات”.

 قصّة الصلبان تعود إلى أن النظام أشاع أن الخاطفين سلبوا الراهبات صلبانهن، وأخذت هذه القضية أبعاداً كثيرة أراد النظام منها تحوير القضية من مسألة إنسانية إلى قضية سياسية وورقة ضغط جديدة تحدث عنها مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، في مناسبات كثيرة، ركزّ خلالها على أن الخاطفين سرقوا الصلبان.

 الأم بيلاجيا سيّاف، من داخل قاعة الشرف في نقطة جديدة يابوس الحدودية، لم تبدّل حديثها الذي قالته وهي في يبرود حين كانت تستعد للمغادرة إلى عرسال. كذّبت تلك الأنباء. قالت “ما حدى أجبرنا نشيل الصلبان..، نحنا شلناهن بإرادتنا”. المطران لوقا الخوري، الذي وقف إلى جانب سياف، كان يحاول إيجاد مخرج وإيقاف أسئلة وسائل الإعلام التي احتشدت داخل القاعة، بدعوتهم إلى حضور قداس في اليوم التالي والحديث إلى الراهبات حتى يأخذن قسطاً من الراحة، لكن دون جدوى.

 أضافت سيّاف “بدي أحكي قدام الله تعالى، الجبهة كانت منيحة معنا، كانت عم تقدملنا كل احتياجاتنا، كلنا مناح 16 شخص وكلنا رجعنا وصحتنا جيدة، ما حدى لمسنا، ما حدى دايقنا، ما حدى قرب ناحنا.. قدام الله عم أحكي”.

 وكما جرى في قصة الإفراج عن مخطوفي أعزاز في ريف حلب، غابت صور المعتقلات السوريات هذه المرة أيضاً، لا إعلام، ولا حفاوة. الراهبات كنّ طوال الفترة التي احتجزن فيها بخير. المعتقلات عند النظام كنّ تحت التعذيب، في العتمة. رويدة كنعان تجاوزت فترة اعتقالها 10 أشهر، كيف شكلها الآن؟

 المعتقلات البالغ عددهن بحسب معلومات “المدن” 132 معتقلة، لم يرشح أي جديد عنهن. الأسماء التسعة التي كشف عنها المحامي ميشال شماس لم يضف إليها أسماء جديدة. أضيف إليها، فقط، اسم طفلة تدعى هاجر(الصورة)، يقول الناشط هادي العبدالله إنها قضت 6 أشهر معتقلة، إلى جانب المدرسة نبال زيتونة التي أفرج عنها في السويداء، وأغلب التوقعات تشير إلى أن الإفراج عنها كان بسبب الصفقة، بعد اعتقالها لمدة 3 أشهر. معرفة المزيد حالياً صعب. أم وأطفالها الأربعة سلّمهم الجيش اللبناني إلى العناصر التي رافقت الراهبات إلى عرسال، قال موقع “زمان الوصل” إنهم عائلة أحد قياديي “النُصرة”، ما يشير إلى أن العائلة كانت ورقة ضغط على “النُصرة” لإتمام العملية، أو على الأقل، كان مكان تسليمها لـ”النُصرة” هو ما أخر العملية.

 الأم بيلاجيا سياف، قالت للناشط هادي العبدالله، الذي وثّق عملية التبادل “إن ما يعزيهن في الفترة التي قضينها بعيداً عن الأهل والأقارب، أنهن كنّ سبباً في الإفراج عن معتقلات سوريات مظلومات”.

 إلى ذلك، يبقى عدد المعتقلات السوريات القابعات في سجون النظام كبير. 1397 معتقلة منهن 49 طفلة، لا لواءَ يقود مفاوضات للإفراج عنهنّ ولا يعرف في أي مكان احتجزن. الرقم المسجل حتى العاشر من آذار 2014 وثقّت رزان زيتونة، ورفاقها، جزءًا كبيراً منه، قبل خطفهم أو تسليمهم، أو إخفائهم.

المدن

قيل للراهبات: أشتُمنَ العدو كي تشكُرنَ القائد/ روجيه عوطة

 ما أن صرحت ثلاث من راهبات معلولا لتلفزيونيّ  “الجديد”، و”الميادين”،  أن “جبهة النصرة”، قد أحسنت معاملتهن، ولم تتعرض لهن بالأذية أو السوء، حتى انقلب موقف الأسديين من الراهبات المحررات، وكشف عن قاموسه الشتائمي نحوهن. فـ”الراهبات” أصبحن “عاهرات”، بحسب التعليقات  التي نقلتها صفحة  “راهبات معلولا رمز الطهر-مسحيين أحرار ضد بشار الأسد”، عن الموالين للنظام في سوريا. فسرعان ما نسّب هؤلاء رئيسة دير مار تقلا، الأخت بلاجيا سياف، إلى حزب “القوات اللبنانية”، ناعتين إياها بـ”العميلة لإسرائيل”.

ليس الإنقلاب من حماية “الأقلية” إلى سبّها غريباً عن المسلك الممانع، لا سيما حين يُسند بذاكرته الطائفية، مسترجعاً قضية مخطوفي اللاذقية أمام الإفراج عن “النساء المسيحيات”. إلا أن ما يستدعي التوقف عنده، في هذا المجال، هو صَمَم الموالين، بحيث أنهم سمعوا ما قالته الراهبات عن “جبهة النصرة”، لكنهم، غضوا آذانهم عن الشكر، الذي توجهن به إلى رئيسهم بشار الأسد.

 من الممكن رد ذلك إلى أن، أولاً، الأساس، بالنسبة إليهم، هو الحفاظ على صورة “الإرهاب”، الذي من الضروري أن يصيب مخطوفيه بمكروه كي يكون “إرهاباً” صحيحاً. وثانياً، أن هؤلاء يرغبون في الإبقاء على هذه الصورة، من أجل إدامة مقولة “مكافحة الإرهاب”، التي يرددها إعلام النظام، ومن خلفه قيادته، مبرراً جرائمه المتواصلة منذ حوالى سنوات ثلاث.

 بالتالي، لم يكترث الموالون للشكر، الذي وجهته الراهبات إلى بشار الأسد، لأنه لم يستوِ على ذم عدوه “الإرهابي”، خصوصاً أن “القائد” يستمد قوته من وظيفة “مكافحته”، ومن غاية “حماية الأقليات”. وعليه، عطّل كلام المحررات هذه الوظيفة وتلك الغاية، وما عاد لشكر الأسد أي قيمة مذكورة. إذ بات “سيادة الرئيس” بلا عدو مخيف، يستطيع اقتلاعه بآلاته العسكرية، ويحمي العلويين والمسيحيين من بطشه. وفي هذه الجهة، يخسر الأسد نظامه ويصبح ضعيفاً، ذاك، أن العدو هو نظام الديكتاتور، الذي إن فقده، سقطت سلطته.

 من هنا، لا يريد الموالون من الراهبات أن يشكروا بشار الأسد، بل أن يشتموا عدوه، الذي حتى لو أحسن معاملتهن، لسبب ديني إيديولوجي، متعلق بمعاملة الأسرى، أو لآخر، مرتبط بمسار المبادلة، فهذا لا يعفي المحتجزات من سبّ الخاطفين، والقول أنهم مجرد وحوش قساة، لجأوا إلى التنكيل بهن وبمقدساتهن، على ما أشاع ورغب الإعلام الممانع في كلامه عن نزع الصلبان ومنع الطقوس. لقد أربك كلام الراهبات خطاب البعث، لدرجة أن الموالين تناقلوا رسالةً، كتبها واحد منهم في “فايسبوك”، سائلاً بشار الأسد عن مصير العلويين في ظل سياسته، قائلاً له: “نحن بشر…لدينا أحاسيس ونبكي أيضاً! صدقني، نحن كالجميع، وأتمنى ألا تنسوا ذلك!”.

 فأمام مشهد الإفراج، وبعدما تحدثت الراهبات عن حسن تصرف الخاطفين اتجاههن، وجد الموالون، المنتمين إلى الطائفة العلوية على وجه الخصوص، أن الأسد يستخدمهم لتحرير مَن يشكر الإرهاب، في حين كانت جهات إسلامية المتطرفة، اختطفت عدداً من السوريين في المناطق الساحلية، ولم يتحرك النظام لتحريرهم. وربما، يصح القول أن في مقدور مناصري النظام بلوغ الإستنتاج نفسه، أي استخدامهم كوقود في حرب الأسد ضد الشعب السوري، بمعزل عن كلام الراهبات عن “جبهة النصرة”. لكنهم، في الواقع، لم يستطيعوا فعل ذلك إلا حين تغيرت صورة العدو، على لسان “الأقلية المسيحية”، أي على لسان حليف وخائف مثلهم.

 غير أنهم، في المطاف الأخير، لم يتكلموا عن استغلال النظام لهم بسبب رفضهم لسلطة الأسد، بل عتباً عليه، لأنه لم يعد قوياً بما فيه الكفاية، بعدما أصبح عدوه غير عنيف. لقد كان لزاماً على الراهبات أن يكذبن كي لا يصرن “عاهرات”، وكان لزاماً عليهن أن يصرخن أمام الكاميرات: “عُذّبنا، مُنعنا من الصلاة، نُزعت الصلبان من أعناقنا!”، كي يظل بشار الأسد “قائداً”، على رأس الحقيقة الإرهابية لـ”جبهة النصرة” وممارساتها بحق مناوئيه، قبل مواليه. ثم، مَن قال إن الجمع بين مناصرة الأسد ورفض الإرهاب فعل واقعي بالأصل؟ إذ لا يمكن للممانع أن يناصر ما يرفضه، ويرفض ما يناصره، مثلما لا يمكنه أن يقول: الحرية لكل المعتقلات والمعتقلين في سجون البعث و”النصرة” و”داعش”!

المدن

الراهبات رهينات الإعلام السوري الرسمي/ فادي الداهوك

  لم تكد تمرّ ساعات على استراحة راهبات معلولا، بعد يوم طويل أنهى معاناتهن، حتى بدأت فصول معاناة جديدة. وإن تبيّن أن الراهبات كنّ عند “جبهة النصرة” في أمان نسبي، أو على الأقل بخير طوال المدة التي قضينها محتجزات، ها هو النظام السوري يلجأ إلى المنظومة الإعلامية لانتقاد وتأويل تصريحات الراهبات والتحريض ضدهن بشكل مفضوح.

 بمكره المعتاد، انتقى النظام، أضعف الراهبات من ناحية المركز والسّن، إذ من بين كل الراهبات اللواتي صرّحن للإعلام عن المعاملة الجيدة التي تلقينها في يبرود من قبل الخاطفين، اختار واحدة منهن هي الأصغر سنّاً والأقل مرتبة.

 اللافت في الموضوع أن النظام تمكّن ببراعة من تجزئة الحدث العام، ليجد ضالته في جزئية شكّلت بالنسبة إليه ثغرة تمكنه من تفتيت باقي حيثيات الحدث. حصل ذلك من خلال تحميل مسؤولية كل التصريحات وحسن معاملة “جبهة النصرة” لراهبة واحدة تدعى آجيّة. الراهبة آجيّة من بلدة في ريف حماه اسمها السقيلبية، تقطنها غالبية مسيحية من الروم الآرثوذكس، تعدادها أقل من تسعة آلاف نسمة، بحسب إحصائيات أمانات السجل المدني السوري للعام 2010.

 تلك الراهبة ظهرت على شاشة قناة “الجديد”، قالت مجيبة على سؤال المراسلة “عاملونا معاملة كتير كتير كويسة.. كانوا طيبين معنا.. بنشكر الله”.

 إلى جانب الراهبة آجيّة، كانت الأم بيلاجيا سياف، رئيسة دير مارتقلا، كبيرة الراهبات، تتحدث أمام كل وسائل الإعلام الموجودة، التي ما انفّكت تتسول تصريحات سياف لاقتناص أي كلمة يمكن توظيفها ضد الثورة من خلال أسئلة المراسلين: “تعرضتوا لضرب؟.. كيف كانوا يعاملوكن؟.. طيب، شلّحوكن الصلبان؟”، فكان أن لا سبيل إلى الظفر بحرف ضد الثورة.

 تصريحات سيّاف، وحديثها الودي مع مسؤول “النصرة” لدى إيصال الراهبات إلى عرسال، وتحميله سلاماً منها لزوجته “أم عزام”، وسلاماً ثانياً لأمير “جبهة النصرة” في القلمون كلها “أبو مالك”، يستحق الإعدام، بحسب مقاييس النظام ومنطقه، لكن، مع ذلك، لم يأت الإعلام السوري بأي كلمة ضد الأم سياف خلال الأيام الأولى لانتفاضته ضد الراهبات واكتفى “بتكفير” آجيّة.

 “كل السوريين يشاركون أبناء بلدهم صلوات الشكر لله على عودة الراهبات المختطفات محررات إلى عوائلهن، لكن أن تنسى راهبة تم تحريرها أو تتناسى الجيش العربي السوري ودماء شهدائه، فذاك يندرج في خانة الخيانة، أو على الأقل، الانحراف عن الوطن”.

تلك، كانت مقدمة نشرة الأخبار الرئيسية “قناة سما” (“الدنيا” سابقاً) في اليوم الذي تلا الإفراج عن الراهبات. وتابعت المقدمة: “موقف أقل ما يقال عنه أنه صادم، موجع، حين تقول من نذرت نفسها لخدمة الرب، ما لا يقوله أبناء سوريا”، وأضافت: “لعل ما قالته تلك الراهبة في ثلاث جُمل، شكر قطر، والدفاع عن المسلحين، ومدح إنسانيتهم، تصريح لا مسؤول، ولا مقبول، ولا وطني”.

القناة، زوّرت، فبركت، كلام آجيّة. تلك المسكينة لم تشكر قطر، قالت فقط: “كانوا كتير طيبين..، منشكر الله”. لكن شكر الله لا يكفي، ولا يشبع، الرئيس، اللامعقول، الفريد، المجنون، الذي سيق من العيادة إلى عرش العبادة ونُصّب ربّاً على السوريين، فكان شكر الله اتهاماً، وفي محاكمات إعلامه هو شكرٌ لقطر!

 الأبعد من ذلك، أن القناة وبعد مقدمة نشرتها الإخبارية “الردحية”، بثّت تقريراً بعنوان “شرائح واسعة من الشارع السوري تستنكر تصريحات إحدى الراهبات”. هنا أنكرت القناة، على لسان أحد ضيوفها، جهود مدير عام الأمن العام اللبناني، عباس ابراهيم، في هذا الملف. يقول الضيف: “هو اللي طلعن ابراهيم من لبنان… ويعني بمساعدة من الحكومة السورية… التشكر بس للحكومة السورية”.

 لكن، بعد 48 ساعة، غيّرت القناة تكتيكها الذي خيّل إليها أنها صنعت من خلاله رأياً عاماً أقنع جمهورها بأن الراهبات ناقصات عقل ودين ووطنية، فبدأت بالنيل من رئيسة دير مارتقلا بيلاجيا سياف التي شكرت بالفعل “جهود قطر، وعباس، والرئيس بشار الأسد، وكل حدا حط إيدو بهالمشكلة”.

 تقول المقدمة الجديدة لنشرة “قناة سما”: “لم يزل سخط السوريين قائماً، حتى بعد مرور 48 ساعة، على وصمة العار التي نطقت بها، رئيسة دير مارتقلا في معلولا، الأم بيلاجيا”. بعد التحريض الأولي الذي قادته القناة على آجيّة، انتقلت إلى اتهام سياف بعمالتها للمسلحين. أضافت المقدمة: “تتوالى الأنباء من معلولا، أنها (بيلاجيا) يوماً ما، خبأت المسلحين فوق الدير، وخبأتهم عن الجيش الذي يفيض احتراماً للأديان، الذي اعتبر الدير مكاناً مقدساً، واكتفى بكلمة الأم بيلاجيا، ولم يفتش المكان”.

 التصعيد المتواتر في مقدمة النشرة وصل إلى درجة أن وضع القضية في عهدة المرجعية الدينية المسيحية في سوريا للوقوف “أمام مسؤوليتها التاريخية والوطنية”.

 ذلك التصعيد ليس الذروة، فإن كان المستهدفون في المقدمة هم السوريين، فللبنانيين أيضاً حصّتهم. تبدل شكل النيل من الراهبات، فاتّهمن لاحقاً بأنهن مقربات من رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، إلى الرئيس اللبناني ميشال سليمان.

 تقرأ مذيعة “سما”:  “بعدما صدم السوريون بما قالته الراهبة، صدموا كَرّة أخرى بما قاله ميشال سليمان، رئيس جمهورية النأي بالنفس في لبنان الشقيق”، الذي “رواه السوريون بمائهم ودمائهم وكهربائهم”. واستشهدت القناة في ممسكها على سليمان، بكلام ربيب النظام في لبنان، الحليف الوفي، وئام وهاب، فتابعت: “حتى لا نفتئت على الرجل، ننقل ما قاله لبناني حرّ عنه، وئام وهاب، حين أصدر مكتبه بياناً عبّر عن سرور لبنان بالشكر الذي وجهه فخامة الرئيس ميشال سليمان، إلى أمير الكاز والديزل في دويلة قطر العظمى”.

 وأضافت: “مكتب وهاب استدرك قائلاً، لقد فات فخامة الرئيس، ربما، بسبب انشغاله بالإعداد لمغادرة القصر الجمهوري قريباً، فاته أن يوجه الشكر للرئيس بشار الأسد، والجيش العربي السوري، ورجال المقاومة، الذين ضيقوا الحصار على إرهابيي يبرود، ما دفعهم لإطلاق سراح راهبات معلولا، لذا اقتضى التنويه.. انتهى كلام مكتب وهاب. لكن.. كلامنا لم ينته”.

 إذاً لا شكر مسموحاً في مسألة تخص سوريا، إلا للأسد، القائد الأحد، الذي لم يأتِ إلى الحكم سواه أحد، والكلام الذي “لم ينتهِ” يفضح ما يبيّته النظام، من خطرٍ، أو أذىً، يترصّد بالراهبات، الأمر الذي يستدعي استنهاض المعنيين أو القادرين على حمايتهن، وذلك أضعف الإيمان.

المدن

أربع ملاحظات عن قضية الراهبات/ حسام عيتاني

انتهت أزمة راهبات معلولا. أفرج عنهن مقابل أكثر من مئة وخمسين معتقلة في سجون بشار الأسد. واستعرضت وسائل الإعلام في لبنان وسورية كل ما في جعبتها من أدوات التشويق والجذب ومحاولات توظيف الحدث لمصالح سياسية.

الاستنكار المبدئي لاختطاف الراهبات ووقوف «جبهة النصرة» وراء احتجازهن، ينبغي ألا يحجبا رؤية عدد من الحقائق التي أحاطت بالمسألة منذ بدايتها إلى النهاية السعيدة (نسبياً) التي آلت إليها.

الملاحظة الأولى هي أن النظام السوري ما زال يرى في مواطنيه أوراقاً صالحة لتحسين وضعه السياسي وصورته. وبعد حوالى العام على مبادلة الأسرى الإيرانيين لدى الجيش الحر بأكثر من ألف معتقل لديه، كرر المسؤولون الأمنيون السوريون العملية ذاتها ضمن ظروف شديدة الشبه، لناحية وجود وسيط أجنبي متهم بتمويل «الإرهابيين» (الأتراك في حالة الأسرى الإيرانيين والقطريون في قضية الراهبات)، وتجاهله الوضعَ القانوني للمعتقلين الذين يفرج عنهم والذين غالباً ما يكونون قد أمضوا فترات طويلة قيد الاعتقال الاعتباطي وما يرافقه من سوء معاملة. هذه التفاصيل، على جزئيتها، تعلن للمرة الألف ربما الموقع الحقيقي الذي تحتله حقوق الإنسان والعدالة والقانون في منظومة حكم آل الأسد: الصفر المطلق في مواجهة إرادة أجهزة الاستخبارات المتغولة والحاكمة الحقيقية في سورية.

تتعلق الملاحظة الثانية بأداء وسائل الإعلام، خصوصاً اللبنانية المرئية منها، التي تابعت اختطاف الراهبات منذ دخول مقاتلي المعارضة إلى بلدة معلولا التاريخية إلى يوم الإفراج عنهن. لا مفر من القول إن وضع الإعلام اللبناني بات يتطلب عناية عاجلة، ذلك أن الميل إلى التلاعب بالحقائق ودفع الأمور خارج سياقاتها والتذاكي في التعامل مع الوقائع لتوظيفها في الاتجاه الذي يخدم الطرف السياسي الممول للمحطة، صار يتعارض مع الحد الأدنى من شروط الموضوعية والمهنية. وكان مدهشاً فعلا زج اسم بلدة عرسال في كل ما يتناول القضية وما لا صلة له بها على نحو يدعو إلى التساؤل عن مبرر هذا الإلحاح المشبوه، على الأقل. وكان ملفتاً أيضاً، الأسئلة «الذكية» الموجهة إلى الراهبات التي أعلنت المتحدثة باسمهن أنهن لم يتعرضن لسوء من قبل الخاطفين، وكأن المطلوب كان استصدار شهادة إدانة بأي ثمن على نحو يخدم رواية النظام السوري عن المجموعات الإرهابية.

الملاحظة الثالثة ترتبط بسابقتها، من جهة استغلال بعض القوى السياسية اللبنانية قضية الراهبات خدمة لمصالحها ودعاويها، فالمبالغة إلى حد الإفراط في استحضار حادثة الخطف من قبل قوى تتجاهل حتى اليوم أن أكثر من ألف وأربعمائة سوري وسورية قتلوا بالغازات السامة التي أطلقها نظامهم عليهم، يدعو إلى الاشمئزاز. وسحب خطف الراهبات إلى ساحات «حماية الأقليات» والخوف على مستقبلها في الوقت الذي يتجاهل الحريصون ذاتهم أن مئات القتلى يسقطون بفعل براميل «حامي الأقليات» ذاته في حلب ودرعا وداريا وغيرها، لا يشير إلا إلى فجوة أخلاقية هائلة الاتساع عند سياسيين ينظرون بعين واحدة إلى مأساة تكاد فظائعها تحجب نور الشمس.

الملاحظة الرابعة تتبع سابقتها أيضاً. وعلى من يعتقد، في صفوف النظام السوري وأتباعه في لبنان، أن يقلب الظلم عدلاً والقمع تحريراً ومحاولات ليّ قوانين التاريخ والطبيعة بحيلة من هنا وكذبة من هناك، أن يدرك أنه مخطئ تماماً. وقضية الراهبات في أول المطاف وفي آخره، ليست غير تفصيل بسيط في لوحة الثورة السورية الكبرى، تفصيل أسود وغير مقبول، لكنه لا يمكن ولا يجوز في حال أن يغطي عدالة أهداف الثورة وحقيقتها.

الحياة

مسيحيّون وعلويّون و»حماية أقليّات/ حازم صاغية

مع الفرحة بإطلاق سراح راهبات معلولا في سوريّة، كائنةً ما كانت الصيغة التي حكمت تحريرهنّ، حضرت في ساحة التبادل الإعلاميّ والكلاميّ عواطف صادقة ونبيلة كالرغبة في أن يُطلق سراح جميع المخطوفين والمخطوفات في سوريّة، كائناً من كان المخطوف وكائناً من كان الخاطف. كذلك حضرت مواقف حيال «جبهة النصرة» ومثيلاتها الإرهابيّة والتكفيريّة التي غدت، لا عبئاً ثقيلاً على الثورة فحسب، بل عبئاً قاتلاً على المجتمع السوريّ برمّته.

لكنْ أيضاً حضرت بقوّة تلك النظريّة، التي لم تغادر ساحة التداول أصلاً، عن النظام السوريّ بوصفه «حامي الأقلّيّات الدينيّة»، أمّا آخر البراهين القاطعة فتحريره بعض أسراه كرمى لراهبات معلولا.

وسط هذه المعمعة نقل «المرصد السوريّ لحقوق الإنسان» ما يفيد بوجود «استياء شديد في مناطق في محافظات طرطوس واللاذقيّة (غرب) وحمص وحماه (وسط)، تقطنها غالبيّة من الطائفة العلويّة، من قيام النظام بعمليّات تبادل مختطفين إيرانيّين أو لبنانيّين، مقابل الإفراج عن معتقلين ومعتقلات في سجونه، بينما رفض في حالات كثيرة، عمليّات تبادل مختطفين مدنيّين من أبناء الطائفة العلويّة، مقابل الإفراج عن معتقلين من معتقلاته وسجونه، وأيضاً رفض عمليّات تبادل أسرى من القوات النظاميّة وعناصر من «قوات الدفاع الوطنيّ» الموالية له من أبناء الطائفة العلويّة، مقابل الإفراج عن معتقلين».

وما تشي به الفقرة أعلاه يقول بكلّ الوضوح اللازم أنّ المسألة لا هي «حماية أقليّات دينيّة» ولا من يحزنون. فنحن، هنا، أمام استخدام آخر للنظريّة التي قام عليها النظام الأسديّ منذ ولادته في 1970، ومفادها تغليب الخارج، بصفقاته و»أوراقه» وبيعه وشرائه، على الداخل، لا سيّما بناء علاقات صحّيّة بين جماعاته الأهليّة. ذاك أنّ الاستعداد لـ»التضحية» في سبيل تحرير الراهبات يخدم خطّة النظام في مخاطبة الرأي العامّ الغربيّ وفي إقناعه بـ»إنسانيّته» وبأنّه «يحمي الأقلّيّة المسيحيّة» من التعصّب والإرهاب. ولا تُنسى صرخة بثينة شعبان، إبّان مؤتمر جنيف 2، مخاطبةً ما يتراءى لها أنّه «الغرب»: ألستم مسيحيّين؟

والحال أنّ الشكّ في هذه العواطف حيال راهبات معلولا جائز تماماً حين يكون صاحب العواطف أخصّائيّاً في استخدام البراميل المتفجّرة والأسلحة الكيماويّة وإلقائها على الأطفال والنساء وباقي المدنيّين الأبرياء، فضلاً عن استعمال سلاح التجويع على نطاق واسع، وفقاً لآخر التقارير الصادرة عن «منظّمة العفو الدوليّة» (أمنستي إنترناشونال).

لكنّ الشكّ في العواطف تلك يقوم على ما هو أبعد، أي على التكوين التراتبيّ – الطائفيّ الذي رعاه وعمّقه نظام «حماية الأقلّيّات الدينيّة». فحين يظهر «استياء شديد» في مناطق يقطنها علويّون، فهذا يُظهر أمرين متلازمين:

فأوّلاً، ينمّ ذلك عن فائض التمثيل الذي يمارسه النظام حيال أبناء الطائفة العلويّة. فهو «يمون عليهم»، وهم «في جيبه»، أي أنّه يملكهم إلى حدّ لا ينطبق حتّى على المسيحيّين ممّن يقال إنّ أكثريّتهم تواليه. وفائض التمثيل هذا كاشف لا يخطىء في دلالته على طائفيّة النظام وعلى تصوّره للمجتمع السوريّ مجتمعاً من المعازل الطائفيّة تحكم العلاقةَ بها سياسات التقريب والتبعيد.

وثانياً، ولأنّ العلويّين لا يمكن استخدامهم كسلعة خارجيّة، على ما هي حال المسيحيّين من جهة والإيرانيّين من جهة أخرى، يُترجَم فائض التمثيل، في المنعطفات الحرجة، فائضاً في التفريط بهم وبحقوقهم وحياتهم. إنّ «الطليعة» هنا، ومرّة أخرى، تخون «البروليتاريا» التي قرّرت أن «تمثّلها»، أو أنّ مَلاّك العبيد، حين استبدّت به الحاجة، باع من يعتبرهم عبيده.

ونظام يفترض هذه المراتبيّة المحكمة بين الطوائف، وداخل الطائفة الواحدة، كما يعمل بموجبها ويسعى إلى تكريسها، ليس النظام الذي يقال فيه إنّه «حامي الأقلّيّات الدينيّة».

الحياة

صفقة الراهبات تدفع ملف المختطفين العلويين إلى الواجهة/ صادق عبد الرحمن

 مع كل صفقة تبادل كبيرة يبرمها النظام السوري مع قوات المعارضة المسلحة، تعود قضية المفقودين والمخطوفين السوريين من أبناء البيئات الأهلية الموالية لنظام الأسد إلى التداول.

 يجمع هذه الصفقات الكبيرة عامل مشترك، يتمثل في أن أولئك المختطفين الذين يتم إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح معتقلين لدى النظام السوري هم من غير السوريين، أو أنهم أبناء أقليات دينية، يشكل إطلاق سراحهم مكسباً إعلامياً أو سياسياً للنظام السوري، كما هو حال الراهبات اللواتي أطلق سراحهن بموجب صفقة التبادل الأخيرة.

 منذ أواخر عام 2011، بدأت تنتشر أعمال خطف للمدنيين والعسكريين على الطرقات الدولية وخاصة طريق حماة حلب، وكان كثير من هؤلاء المختطفين ينتمون للبيئات الموالية لنظام الأسد، وخاصة الطائفة العلوية.

 لكن وبعد اشتداد المعارك، لم تعد عمليات الخطف متعلقة بفدية مالية أو عصابة سطو مسلح، بل وصلت إلى عملية ضغط سياسية. كانت واحدة من أبرز تلك المحاولات ما عُرِفَ بمعركة “تحرير الساحل” في ريف اللاذقية أواسط العام الماضي، حيث وثقت منظمة “العفو الدولية” اختطاف ما يقارب 200 من المدنيين العلويين على يد “جبهة النصرة” و”جيش المهاجرين” و”الأنصار” وغيرها من التشكيلات المتشددة. غالبية المختطفين كانوا من النساء والأطفال، اشترط الخاطفون لإطلاق سراحهم الإفراج عن معتقلين في سجون النظام دون أن يبدي الأخير أي استعداد لتحقيق ذلك.

 بعد إطلاق سراح الراهبات ارتفعت الأصوات المطالبة بإبرام صفقات مماثلة لإطلاق أسرى ومخطوفي قرى الساحل العلوية. جاءت تصريحات الراهبات الإيجابية حيال “جبهة النصرة” لتزيد من حدة هذه المطالبات التي جاء أغلبها بصيغةٍ مفادها أن “النظام يعمل على إطلاق سراح راهبات متعاطفات مع المسلحين، ولا يعمل على إطلاق سراح جنوده وأنصاره الحقيقيين”.

 هذا ما يقوله كثيرون من أبناء الساحل السوري في ما بينهم، وإذا كان اصطفافهم إلى جانب النظام في معركة يرونها معركة وجودهم هو ما يمنعهم من الاحتجاج العلني، فإن السخط يتراكم في داخلهم وهذا ما عبَّر عنه كثيرون في الأحاديث المتداولة، وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

 يقول سائق إحدى سيارات النقل العمومي ساخراً “المهم أن يعود اللبنانيون والإيرانيون والراهبات إلى بيوتهم، أما أبناؤنا فليبقوا مختطفين من أجل الوطن”. هذه السخرية الحزينة تشي بالكثير، إذ يجد أنصار الأسد في الساحل السوري أنفسهم أكثر فأكثر في مواجهة حقيقة تجاهل النظام لمصير أبنائهم واستعداد النظام للتخلي عنهم في أي لحظة تضعه في خطر وتهدد بقاءه.

 إحدى أمهات الجنود المخطوفين من محافظة طرطوس تتساءل “هل يدافع بشار الأسد عنا أم نحن من ندافع عنه، لماذا تعود الراهبات إلى بيوتهن ويبقى ولدي أسيراً لعام ونصف في الغوطة الشرقية؟”. سؤال سيبقى بلا إجابة، على الرغم من أن أغلب مؤيدي النظام باتوا يعرفون إجابته.

 الجنود في جيش النظام لا يرون المسألة هكذا، موقفهم أقل حدّة من أولئك البعيدين عن المواجهة. أحد العساكر يقول “نحن من ندافع عن بشار الأسد وليس أمامنا خيار آخر، رفاق السلاح المختطفون لا يزالون في قبضة المسلحين لأننا غير قادرين على الضغط على الدولة لعقد صفقة شبيهة بصفقة الراهبات، الكنائس تستطيع الضغط، أما نحن فلا حول لنا ولا قوة”.

على أي حال يبدو أن الكتائب المسلحة التي تحتجز المدنيين العلويين من ريف اللاذقية استشعرت هذا السخط الذي يمكن أن يشكل عاملاً ضاغطاً على النظام، وقامت ببث مقطع مصور لهم على قناة “الجزيرة”، الخميس، ظهر فيه 94 امرأةً وطفلاً من قرى ريف اللاذقية، عارضةً إطلاق سراحهم في مقابل إفراج النظام عن ألفين من المعتقلين في سجونه، في خطوة يبدو أن الهدف منها إحراج النظام السوري أمام أنصاره، وهو الأمر الذي لو أدى إلى عقد صفقة تبادل، فإنه سيعني بداية مرحلة جديدة من عمليات التفاوض بين النظام السوري وقوات المعارضة.

المدن

‘القدس العربي’ تروي تفاصيل احتجاز مئة أسيرة علوية في سجون ‘داعش’ و’جبهة النصرة

سمر مهنا

اللاذقية ـ ‘القدس العربي’ أفرجت ‘جبهة النصرة’ عن ثلاث أسيرات علويات من ضمن المئة معتقلة لديها، وقد نشرت صورهم في صفحة ‘المختطفات والمختطفين في مدينة اللاذقية’ على ‘فيسبوك’، وبدت النسوة الثلاث طاعنات في السن، لذلك يقول الناشطون في جبل التركمان حيث تحتجز المختطفات المئة إن النسوة الثلاث أفرح عنهن كـ’بادرة حسن نية’ كما يؤكد الصحافي سليم العمر الذي كان مطلعا على اتصالات جرت مع شخصيات علوية في المعارضة السورية من أجل التوسط لإطلاق سراح المختطفات العلويات.

وتأتي هذه الخطوة عقب مبادلة راهبات معلولا المحتجزات لدى جبهة النصرة بـ153 معتقلة لدى النظام، ما أثار استياء الطائفة العلوية لوجود رهائن علويات في سجون المعارضة ‘لم يجر النظام أي صفقة لإخراجهن’، حيث جاء في أحد التعليقات لأحد أبناء الطائفة العلوية على موقع التواصل الإجتماعي ‘فيسبوك’، ‘ردا على إطلاق سراح الراهبات سيادة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد.. اليوم فقط تأكدت أننا كعلويين مجرد أرقام لا قيمة لها في دولتكم’.

وقد حصلت ‘القدس العربي’ على التفاصيل الكاملة لاحتجاز المختطفات العلويات المئة في سجون ‘داعش’ و’جبهة النصرة’، إذ أوضح الناشط الإعلامي سليم العمر لـ’القدس العربي’ أن كتيبة صقور العز (وهي كتيبة تضم مقاتلين سعوديين في أغلبها وكانت قد بايعت داعش وتحالفت معها في جبل التركمان) هي التي احتجزت الأسيرات بداية ومن ثم تم اقتسامهن بين ‘داعش’ و’جبهة النصرة’، حيث تم احتجازهن من قبل ‘داعش’ في كنيسة قرية الغسانية على الحدود السورية التركية وهي قرية تعتبر مركزا هاما لداعش ولم تنسحب منها حتى اليوم.

ويضيف العمر ‘قائد كتيبة صقور العز ‘الشيخ صقر وهو سعودي’ كان تواصل بعد عملية الأسر مع شخصيات علوية معارضة في اللاذقية لإجراء عملية مبادلة بمقاتلين معارضين، لكن النظام رفض رفضا قاطعا وقال ‘خللوهن عندكون’.

ولكن ‘داعش’ قامت بتسليم معظم الأسيرات اللواتي كن بحوزتها لـ’جبهة النصرة’ بعد أن ضاق الخناق على التنظيم الأصولي المحارب من قبل فصائل المعارضة الإسلامية.

وبعد أن تم نقلهن إلى ‘جبهة النصرة’ في منطقة جبل الأكراد حظيت الأسيرات برعاية جيدة أفضل كثيرا مما كن عليه عند ‘داعش’، مشيرا إلى أن امرأة علوية من ضمن المعتقلات كانت ولدت في مشفى سلمى الميداني.

وتمت عملية اسر المعتقلات العلويات ‘نساء وأطفال’ في معركة ‘عائشة أم المؤمنين’ التي قامت بها ‘داعش’ وفصائل اخرى منها ‘جبهة النصرة’ وفصائل المهاجرين الليبين، في آب/اغسطس الماضي بهجوم على 11 قرية علوية.

ولم تكتف داعش حينها باختطاف المدنيين، فقد وثقت تقارير لمنظمة ‘هيومان رايتس ووتش’ انتهاكات قامت بها ‘داعش’ في القرى العلوية كـ’قتل ما لا يقل عن 190 مدنياً واتخاذ أكثر من مئتي رهينة وإعدام ما لا يقل عن 67 ضحية أو قتلهم بصفة غير مشروعة’، كما اغتنمت ‘داعش’ العديد من الأبقار والسيارات.

وقد أثارت تلك الممارسات لـ’داعش’ في القرى العلوية غضب الكثير من الفصائل الإسلامية في جبل التركمان كجبهة النصرة وكتائب الهجرة لله (التي حلت لاحقا)، ودخلت بعضها ككتائب الهجرة لله في مواجهات دامية مع داعش في جبل التركمان وقتل قيادات من هذا الفصيل على يد أبو أيمن العراقي قائد داعش في جبل التركمان.

وانتهت المعركة التي استمرت 17 يوما باستعادة النظام للقرى، ومحاصرة 37 مقاتلا من كتيبة المهاجرين التي اشتركت في المعركة في قرية خربة باز.

وفي تفاصيل حصلت عليها ‘القدس العربي’ من مصادر خاصة حول ترتيبات تسجيل الشريط الذي بثته ‘الجزيرة’، فإن التنسيق تم من خلال عماد الدين رشيد وفداء المجذوب وينتمون لحزب سياسي إسمه التيار الوطني الحر وهم من أبناء ريف اللاذقية وجبل التركمان ويرتبطون بعلاقات وطيدة مع الفصائل هناك.

وكان لدى فداء المجذوب كتيبة مقاتلة في جبل التركمان، قام رشيد والمجذوب بالإتصال مع ابن مدير مكتب حماية الثورة بالساحل ومقرهم في جبل التركمان، ويدعى الشيخ أحمد وهو مسؤول شرعي في ‘جبهة النصرة’، من أجل بث تسجيل مصور لـ 94 معتقلة علوية، ومن ثم أرسل الشريط إلى قناة ‘الجزيرة’.

ودعت الفصائل المسلحة النظام إلى مبادلة المحتجزين بـ2000 معتقل معارض، على أن يكون نصفهم من الأطفال والنساء، وعلى أن يكونوا ممن قضوا عاماً على الأقل في السجون.

ولا تزال ردود الأفعال الغاضبة من أبناء الطائفة العلوية تتوالى، وتساءل أحدهم، عن مصير العديد من الضباط المخطوفين لدى المعارضة والذين لم تجر أي صفقة تبادل بشأنهم مشيرا إلى أن قريبه الضابط مسجون في دوما منذ العام الماضي هو وغيره، ولا نعرف أي شيء عن مصيره حتى الآن.

وأشار ناشط علوي آخر إلى أن فصائل المعارضة بعد خروجها من عدرا، أسرت العديد من أبناء الطائفة العلوية الذين لا نعلم ما حل بهم، أما بشأن أسرى ريف اللاذقية فكل ما فعلوه الأهالي حتى الآن هو وقفة تضامنية قاموا بها الشهر الماضي في مدينة اللاذقية، وطالبوا كل المعنيين للعمل على إعادة الأطفال والنساء المخطوفين خلال الهجوم على القرى.

فيما قالت ناشطة علوية، إن النظام الآن أمام موقف محرج ففي حال قرر مبادلة الأسرى العلويين بمعتقلين لديه سيفتح هذا الباب أمام المعارضة للضغط عليه من خلال عمليات خطف قد يقومون بها بهدف تحرير معتقلين، وفي حال لم يقم بهذا فسيواجه ضغطا كبيرا من قبل طائفته التي تستقبل يوميا جثامين الجنود الذين يقاتلون تحت رايته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى