مقالات تناولت اغلاق مجلة ” طلعنا ع الحرية” من قبل جيش الإسلام في دوما
«جيش الإسلام»: نعم، هذا وقتها/ عمر قدور
يستغل «جيش الإسلام»، في الغوطة الشرقية لدمشق، نشر مقال يرى فيه مسّاً بالذات الإلهية في مجلة «طلعنا ع الحرية» ليقفل مكاتب مجلات ومؤسسات مدنية أخرى لا علاقة لها بالأمر. أمر الإغلاق يطاول مؤسسة تعنى بالأطفال، وأخرى تعنى بتمكين النساء ومساعدتهن، ومؤسسة «اليوم التالي» و»لجان التنسيق المحلية». فضلاً عن مكتب توثيق الانتهاكات الذي يُتهم «جيش الإسلام» نفسه بخطف أربعة من العاملين فيه، قبل أكثر من ثلاث سنوات، هم رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي، من دون معرفة أية معلومة عنهم حتى الآن.
المقال الذي أثار المشكلة يستلهم مقولات فكرية شاعت قبل نحو عقدين في الغرب، تتحرى الرابط بين الأديان والدول والمجتمع البطريركي، مع قسر حادث إصابة طفل سوري تحت قصف قوات الأسد، وقطع رجليه واستنجاده بأبيه ليحمله، على قياس تلك المقولات. لكن بالطبع لا أحد في سلطة الأمر الواقع، المتعينة في «جيش الإسلام»، مكترث بمناقشة فكرة المقال، ولا أحد اكترث أيضاً بمبادرة إدارة المجلة إلى سحب المقال والاعتذار عنه تجنباً للمشكلات، ومن المرجح أن تكون الغاية قد تحققت بما أعلنته المجلة عن إيقاف نشاطها في الداخل السوري.
سيكون ثمة من يدافع عن «جيش الإسلام» بالقول إن قرار الإغلاق هو لحماية تلك المؤسسات «الخاطئة» من غضب الجمهور، أي أن سلطة الأمر الواقع بهذا المعنى أكثر تفهماً للحرية من الجمهور المتعصب! ومن المفهوم وجود جمهور انفعالي، تتحرك عواطفه اليوم على إيقاع «المظلومية السنية» العائدة لمجريات الصراع الشيعي – السني في المنطقة، حيث يتعدى الدفاع عن تنظيم إسلامي الخوض في الحادثة نفسها، إلى كونه دفاعاً عصبوياً وطائفياً في آن، حتى إذا كان أصحابه يحسبون أنفسهم من دعاة الحرية أولاً!
خارج التبني المباشر لموقف سلطة الأمر الواقع، تطل التسويغات التي يدعي أصحابها الواقعية والعقلانية، بزعم التجرد عن الدوافع الأيديولوجية، وهم ربما كانوا كذلك في حياتهم الشخصية وطرائق تفكيرهم عموماً. أهم هذه التسويغات القول بأن هذا ليس وقتها، وأن الظروف الحالية الحساسة تستدعي مراعاة مشاعر أولئك الذين يتعرضون يومياً للقصف، والذين لا يجدون ما يصبّرهم عليه سوى إيمانهم.
هكذا، بضربة واحدة، يصبح صمود الأهالي في بيوتهم نابعاً من الوازع الديني فقط، وكأن نزوح عدد مضاعف عن الذين صمدوا نابع من قلة الإيمان. وهكذا أيضاً يتم تنميط أولئك الصامدين، وفق تصور نقي لا يبتعد كثيراً عما يروّجه النظام عندما يتحدث عن بيئة حاضنة للإرهاب، وفي المقام نفسه يتناسى أصحابه تلك التظاهرات التي انطلقت من بين هؤلاء الناس منددة بالنهج القمعي لـ «جيش الإسلام»، أو بامتلاء مستودعاته بالأغذية بينما يعاني المحاصرون آثار سياسة «الجوع أو الركوع» التي يتبعها النظام.
جماعة «هذا ليس وقتها» ينسون تاريخاً حافلاً لهذه العبارة، فأزلام النظام نفسه كانوا يواجهون بها طيلة عقود ما يعتبرونه نقداً مقبولاً، طبعاً في حال عدم إيداع أصحاب هذا النقد في المعتقلات. حرية الرأي والتعبير لم يكن وقتها خلال نصف قرن، لأن ظروف الصراع مع العدو الإسرائيلي ومع المؤامرة الإمبريالية العظمى لم تكن تسمح بها، ولأن الأعداء سيتسللون من خلالها لتقويض الداخل. التنمية الاقتصادية لم تكن المطالبة بها في وقتها، لأن العائد الاقتصادي ينبغي أن يتوجه أولاً لدعم الجيش، الجيش الذي سيحقق أهم إنجازاته لاحقاً بإبادة المواطنين، عدا الفساد المتلطي خلف ادعاء تكريس الاقتصاد لأجله. باختصار، تحت لافتة «الظروف الحرجة والاستثنائية» التي تمر بها البلاد عاش السوريون في ظروف مدقعة على صعيد كل ما يمس كرامتهم الإنسانية.
استعادة النغمة ذاتها من قبل معارضين للنظام لا تبشر سوى باستعادة كم الأفواه، والانتقاص من الحرية تحت زعم وجود أولويات تعلو فوقها لا يعني إطلاقاً سوى الدعس عليها، الأمر الذي عبّر عنه حرفياً قائد «جيش الإسلام» السابق. جدير بالذكر أن جماعة «هذا ليس وقتها» عبّروا من قبل عن استيائهم من إثارة قضية مخطوفي دوما الأربعة، بذريعة عدم الإساءة إلى «جيش الإسلام» وهو يقاتل النظام، بل رأى البعض منهم في جرم الاختطاف قضية شخصية تشوش على المعركة العامة الكبرى، وتناسوا أن الإساءة الكبرى تأتي من خنق الحرية، أو الصمت على خنقها، من أناس يحسبون أنفسهم على ثورة الحرية.
في قضية «جيش الإسلام» وأشباهه تحديداً، ثمة سياق من محاباة التنظيمات الإسلامية لكونها أصبحت القوة الرئيسية التي تقاتل النظام، مع أن نسبة لا يُستهان بها من «المناطق المحررة» حُررت أولاً بجهود فصائل محسوبة على الجيش الحر، قبل تكاثر الإسلاميين لتحرير المحرر! لا يقلل ذلك من استبسال بعض الإسلاميين في قتال النظام، لكن يجب ألا تخفى مشاريع التسلط التي مارستها تلك التنظيمات في مناطق سيطرتها على الحريات العامة والخاصة. وإذا كان صعباً على أنصار الحرية مقارعة عدوين لها في آن، فالثمن الذي يقتضي التضحية بها يساوي أيضاً بينهما لصالح النظام.
القضية هنا ليست الدفاع عن مقال قد نتفق أو نختلف معه، مثلما لم تكن من قبل إدانة أعمال الاعتقال أو الاختطاف نابعة من أسباب شخصية، هي تماماً في إجازة مصادرة الحريات تحت أي زعم. ومن ذلك، التصغير من حجم ما يُرتكب من انتهاكات بالمقارنة مع انتهاكات النظام. تصور كهذا يقلل من انتهاكات النظام التي أدت إلى الثورة، ويجعل من اقتلاع أظافر تلامذة مدارس درعا شأناً معتاداً من شؤون أية سلطة. أما سقوط الضحايا في الاقتتال البيني بين الفصائل الإسلامية، والتكفير المتبادل، فهو بلا شك يدلل على مدى احترام حرية الرأي وعلى مصير الآخر المشابه قبل المختلف.
ما آلت إليه الثورة بعد ست سنوات، وإن أمكن رمي قسم معتبر من مسؤوليته على تدخل قوى خارجية، يشير إلى التهاون في الدفاع عن قضية الحرية، ما أفسح المجال لقوى التسلط بالتسلل إلى داخلها. وإذا منع الضعف من مواجهة تلك القوى في مواقع سيطرتها، فأضعف الإيمان عدم الاعتراف بها ممثلاً للثورة، أو مفاوضاً باسمها. نعم، هذا وقتها.
الحياة
دوما أو إمارة «كبير المفاوضين»/ بيسان الشيخ
تحل الذكرى السادسة لانطلاق الثورة السورية بعد أيام قليلة على وقع حادثة بالغة الرمزية، مسرحها مدينة دوما في الغوطة الشرقية المحاذية للعاصمة دمشق. ليس حصار المدنيين هذه المرة أو تجويعهم هو الحدث، ولا تناحر الفصائل المسلحة هو العنوان، ولا حتى خرق النظام للهدنة الروسية المعلنة حتى 20 الجاري، وإنما مداهمة مكاتب صحيفة محلية وعدد من مقرات منظمات المجتمع المدني القليلة المتبقية في المنطقة، بعد تكفير العاملين فيها وتهديدهم على يد ما سمي «مواطنين غاضبين»، ثم إغلاقها ومنعها من العمل بقرار من «المحكمة الشرعية».
وجاءت الاحتجاجات الشعبية المزعومة رداً على مقال اتهم بالإساءة للذات الإلهية، لتنطلق حملات تحريض ودعوات إلى التظاهر تمت تلبيتها بحمل السلاح الأبيض ومحاصرة مقرات المجلة والمنظمات معاً، ما دفع الناشطين المدنيين العاملين فيها إلى إخلائها، بعدما رفضت الشرطة المحلية التدخل لمصلحتهم وحمايتهم بذريعة عجزها عن «الوقوف في وجه الشارع». هكذا، حكم على آخر معاقل الاعتدال والعمل المدني في الغوطة بالإعدام، لتطلق يد الفصائل الإسلامية المسلحة في شكل كامل.
والحادثة التي تأتي بعد سلسلة من حوادث حجب الصحف ووسائل الإعلام في «المناطق المحررة»، ومنع أعدادها الصادرة في تركيا من عبور الحدود للداخل السوري، معطوفة على ممارسات تشبه إلى حد بعيد ممارسات النظام في استدعاء الإعلاميين والناشطين إلى المراكز الأمنية لأي ذريعة كانت، تنطوي على أبعاد أكثر تعقيداً من كونها مجرد رد فعل ساخط على مقال مهما بلغ من رداءة أو تهور.
فهي بداية تعيد سيناريو «المخطوفين الأربعة» الذين مرت 4 سنوات على اختفائهم القسري، في ظروف مشابهة، من دوما نفسها، وفي ظل سيطرة الفصيل المسلح نفسه. مع فارق أن الإعادة هذه المرة، تأتي بحِرفية أعلى وحصانة أكبر لمرتكبيها. ذاك أن من داهم المقرات وهدد الناشطين ليسوا ملثمين لا أثر لهم ولا وجه ويسهل ربطهم بالمسلحين من «جيش الإسلام» وممثله السياسي محمد علوش، كما في المرة السابقة، بل هم «مواطنون غاضبون» أخذتهم الحمية ذوداً عن الدين. إنهم «الشارع» الذي لا يمكن التصدي له ولجم مشاعره فيما المسألة بأهمية الذات الإلهية.
وبعكس «الشبيحة» و «البلطجية» و «الأعوان» الذين يرتبطون ارتباطاً مباشراً وصريحاً بأجهزة السلطة، بحسب اختلاف البلدان والتسميات، فهؤلاء هم من أطلق عليهم في لبنان تسمية مدنية بامتياز وهي «الأهالي». وهم من يستعان بهم وبغضبهم للاستقواء على أهالٍ آخرين وترويعهم، حين لا تدعو الحاجة لتدخل غير المدنيين في شؤون مدنية. أو حين تلح الرغبة في إنجاز سريع لا يخلف عواقب ولا يحمل مسؤوليات.
وعليه، وفي ذروة الاستقطاب السياسي وتفوق طرف على طرف، يمكن للأهالي أن ينجزوا بقوة سواعدهم وسورة غضبهم ما يحتاج تحقيقه أحياناً فصيلاً مسلحاً أو سياسياً محنكاً. لا بل يمكن، والحال على ما هي عليه، أن يلعب السياسي دور الوسيط ويرفع خطاب التهدئة، فيما يمنح أعوانه منابر للتحريض ويطلق صبيانه في الشوارع.
وذلك تماماً ما جرى بالأمس في دوما، حيث قدم «المواطنون الغاضبون» خدمة نظيفة للعسكر في طرد الناشطين المدنيين وتعليق أعمالهم ربما لغير رجعة. ولأن ذلك لا يمكن أن يتم بلا تواطؤ «المؤسسات» وتكافلها، تخاذلت الشرطة عن توفير الحماية لمن يحتاجها، فيما أخذت العدالة مجراها عبر إصدار حكم محكمة، لإسكات الأصوات المطالبة بذلك.
والحال أن الضرر هنا لا يقتصر على مجموعة من الناشطين والعاملين في الشأن العام، بل يقطع شريان حياة أساسياً لآلاف الأسر والعائلات المستفيدة من دعم تلك المنظمات وبرامجها، وهو ما كان يتيح شيئاً ولو ضئيلاً من مقومات صمود المدنيين وبقائهم في مناطقهم، ويحصر التعامل الخارجي معهم عبر قناة واحدة هي «جيش الإسلام». لكن الأهم وربما الأخطر، أن ذلك يحرم السكان المحليين من مراكز التوثيق وحفظ سجلات الضحايا والمعتقلين وأرشفة انتهاكات حقوق الإنسان، وإمكانية رفعها لاحقاً إلى محكمة محلية أو دولية.
وإلى ذلك تكمن الطامة الكبرى في أن استباحة من هذا العيار تحظى بحصانة دولية يستمدها مرتكبوها من موقع القيادي في «جيش الإسلام» الذي شغل منصب كبير المفاوضين في جنيف ويشغل رئاسة وفد آستانة. هكذا، يجلس مفاوضاً سلمياً محسوباً على المعارضة وناطقاً باسمها هناك، ويرفع السلاح على أبناء الثورة ونشطائها المدنيين هنا، ليكرس ذلك النهج بصفته مستقبل السوريين الموعود، لا عملاً فردياً أو استثناء طوته أربع سنوات مضت.
وتحمل القضية بعداً آخر يتعلق أيضاً ببيئة المجتمع المدني السوري والمنظمات الدولية الشريكة لها. فالأخيرة، على ما قال مصدر من داخلها، واقعة بين الدفاع عن شركائها المحليين الذين يعتبرون صمام الأمان الأخير المتبقي من مسار العمل السلمي والمدني، وحكوماتها التي تدفعها في هذا الاتجاه لكنها، في المقابل، تقوي أطرافاً تقوضه، وتعترف بها وتتفاوض مع ممثليها. فهي وكأنها في شكل غير مباشر تساهم في إطباق الحصار على المدنيين عبر تكريس سلطات الأمر الواقع والتعامل من خلالها، ثم ملاحقة الناشطين ليل نهار لإثبات مدنيتهم واعتدالهم. أما المنظمات المحلية، التي أصابها ما جرى بصدمة كبيرة، فردت أيضاً بما لا يبشر كثيراً بالخير. فهي صحيح أنها سارعت إلى إعلان تضامنها مع زملائها ورفعت الصوت عالياً بضرورة حمايتهم وعدم التعرض لهم، لكنها فعلت ذلك أيضاً من باب «ولا تحملوا وازرة وزر أخرى»، بما يشي بموافقة ضمنية على أحقية ذلك الغضب الشعبي. وعوض الاكتفاء بالتنديد بمقال رديء وإظهار بعض التماسك والضغط على شركائها الدوليين أو مفاوضين آخرين من زملاء علوش لحل المسألة بأقل الأضرار الممكنة، دُفعت مؤسسة إعلامية ناشئة إلى التنصل حتى من مطلب حرية التعبير… وإعادته إلى حضن الإمارة وبيت طاعتها.
* كاتبة وصحافية من أسرة «الحياة»
الحياة
النيابة العامة تغلق شبكات ومجلات للثورة السورية و الناشطون ما بين مؤيد ومعارض لما حدث/ بهية مارديني
«إيلاف» من لندن: تعددت آراء الناشطين السوريين، منذ إصدار النيابة العامة في مدينة دوما بالغوطة الشرقية في 8 مارس 2017 قراراً يقضي “بإغلاق كافة المقرات العائدة لمجلة “طلعنا عالحرية” وشبكة “حراس الطفولة”، وكل مؤسسة أو مجلة مرتبطة بهما، وذلك لحين محاكمتهم أمام القضاء”، كما تضمن القرار “إحالة كتاب إلى مديرية منطقة دوما لإغلاق المقرات وختمها بالشمع الاحمر وتنظيم ضبط بذلك”.
وجاء ذلك، على أثر الاستياء العام من المقال الذي تم نشره في مجلة “طلعنا عالحرية ” بعنوان “يا بابا شيلني” لشوكت غرز الدين، والذي تم حذفه والاعتذار عنه من قبل إدارة المجلة.
أكثر النشطاء الذين تحدثوا الى “إيلاف” اعتبروا أن أصداء المقالة أخذت أكثر من حجمها الى درجة أن الشيوخ ناقشوها واعتبروها فرصة لتصفية الحسابات، ورأى الناشطون أنه لا داعي لإيقاف الإصدارات وإغلاق المكاتب، وأن اعتذار إدارة المجلة كان كافيًا، وخاصة أنه جاء أكثر من مرة.
وسبقت القرار شكوى مقدمة الى القضاء ضد شبكة حراس الطفولة، والتي بحسب الشكوى هي صاحبة المقال الذي تم نشره عبر مجلة “طلعنا عالحرية”، وعلى الرغم من كون المقال لشوكت غرز الدين هو مجرد مقال رأي لا علاقة له بشبكة حراس، إلا أن القرار أمر باغلاق كافة المقرات العائدة لمجلة “طلعنا عالحرية”، والمقرات العائدة لشبكة حراس الطفولة، وكل مؤسسة أو مجلة مرتبطة بهما، وذلك لحين محاكمتهم أمام القضاء.
كما صدر في ذات اليوم قرار إداري من معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية يقتضي بمنع دخول مجلة “طلعنا عالحرية” عبر معبر باب الهوى إلى المناطق المحررة، بالإضافة إلى رفع دعوى قضائية على المجلة كشخصية اعتبارية، ورفع دعوى قضائية على الكاتب كشخصية حقيقية.
المجلة توقف نشاطها
فيما أكدت إدارة مجلة “طلعنا عالحرية” أنها هي الوحيدة المعنية بالأمر، وهي المسؤولة عن نشر المقال الذي تم حذفه والاعتذار عنه علناً مرتين. واستهجنت “تضمين القرار وتنفيذه ضد مؤسسات مدنية لا علاقة لها بالمجلة، وتعمل في الغوطة الشرقية باستقلال تام عنها، وتقدم الكثير من الخدمات الضرورية للسكان القابعين تحت الحصار منذ سنوات”.
وقالت هيئة تحرير “طلعنا عالحرية”، في بيان تلقت ” إيلاف” نسخة منه، إنه “في أعقاب التطورات الأخيرة التي أعقبت الاحتجاج على نشر مقال “يا بابا شيلني” للكاتب شوكت غرز الدين في العدد 86 من مجلة “طلعنا عالحرية”، قررت إدارة المجلة إيقاف نشاطها في الداخل السوري، وإيقاف التوزيع الورقي إلى حين البت في الأمر عبر المحكمة”.
وقدمت المجلة اعتذارها مجدداً عن هذا “الخطأ غير المقصود، بعد قيامها بحذف المقال الذي لا يعبر إلا عن رأي كاتبه، عن كافة صفحاتها وإيقاف توزيع النسخة الورقية، فإنها تؤكد احترامها الكامل لمعتقدات الجميع ولحق الناس في التظاهر والاحتجاج، وتعتبره جزءًا من القيم التي تدافع عنها وتعمل من أجلها”.
وأكدت المجلة أنها مؤسسة مستقلة لا ترتبط بأية مؤسسة أخرى من المؤسسات التي أدرجت في قرار النيابة الذي صدر في الغوطة الشرقية.
ولفت البيان ” إن هذه المؤسسات، (شبكة حراس الطفولة، مركز توثيق الانتهاكات VDC، منظمة اليوم التالي، مكتب التنمية دعم المشاريع الصغيرة، لجان التنسيق المحلية) تقدم خدمات اجتماعية هامة لشريحة من السوريين في الغوطة، وتقوم بعمل هام لا يمكن الاستغناء عنه في ظل الحرب التي يشنها النظام على المنطقة، وما تخلفه من آثار اقتصادية واجتماعية، ولا يجوز معاقبتها بسبب خطأ لم ترتكبه ولا يد لها فيه، كما أن تلك المؤسسات بمجملها تعارض مضمون المقال، وتعتبر أنه يتنافى مع قيمها ومبادئها” .
وأكد البيان امتثال المجلة “لقرارات النيابة والمحاكمة المزمعة واحترامنا لمشاعر الغاضبين من مضمون المقال، “مطالبين الجهات المعنية في الحسبة والقضاء النظر في قضية المقال على أنه شأن يخص المجلة فقط والحكم بناء على ذلك”، كما طالبت المجلة الجهات الأمنية والقضائية في مدينة دوما بالتحلي بمسؤوليتها في الحفاظ على سلامة كوادر المجلة والمؤسسات المعنية المذكورة أعلاه.
إعلان استقالة
ولكن رئيسة تحرير “طلعنا على الحرية” ليلى الصفدي، قالت “أعلن استقالتي من رئاسة تحرير مجلة “طلعنا عالحرية”، كخطوة أخيرة لا أملك غيرها”، متمنية نزع الفتيل المتصاعد في الداخل السوري، وكل السلامة لكادر المجلة أينما كان.. متمنية لهم التوفيق في مشوارهم القادم.
آراء متعددة
وتناول الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي هذه القضية، وقال الكاتب والصحافي السوري حكم البابا “بالنسبة الى مقال مجلة “طلعنا عالحرية”، الذي ينال من الذات الالهية: فتّش عن الممول، واستفزاز الناس في معتقداتهم ليس نضالاً ولا رأياً آخر، كما يبرر اليسار الطائفي والأقلوي، ابن مدرسة مظليات رفعت الأسد في الاعتداء على حجابات النساء في شوارع دمشق باسم تحرير المرأة، وتلميذ كلية سليم حاطوم في اقتحام الجامع الأموي بالدبابات باسم تثوير المجتمع.”.
الى ذلك أكد الكاتب والصحافي ملاذ الزعبي أن التنوير الذي يبدأ “من السخرية من الإسلام وعدم فهم المجتمع والسياق الاجتماعي السياسي الذي نعيش فيه ينتهي بالالتقاء مع تنوير البراميل التي يرميها السيد الرئيس بشار الأسد، والإسلام الذي يبدأ من المنع والزجر والكلام عن فرض الشريعة وعدم فهم المجتمع والسياق الاجتماعي السياسي الذي نعيش فيه ينتهي بالالتقاء مع سيوف داعش وهي تجز الرقاب”.
الاعلامية السورية إيلاف ياسين اعتبرت أن مشكلتنا “في سوريا أنه كل من حمل موبايل صار إعلامياً، وكل من تواصل مع قناة اخبارية صار مراسلاً، وكل من حمل قلماً ويعرف ان يفك الخط يكتب مقالات وكل من اعتقل وخرج من السجن صار حقوقيًا وناشطًا، والصحافة مهنة عظيمة تشرشحت على يد شعبنا العظيم خاصة بالمعسكر الثوري” .
وأشارت أيضًا باللغة الدارجة المحكية “بيجي شب بيقرر ينشهر وعنده خلاف مع فصيل إسلامي، بيقرر يكتب مقال يجرح فيها ايمان الناس وقناعاتهم ويشتم دينهم .. بيسكروا الجريدة، فبتصير حفلات شتائم جماعية اسوأ كحدى حلم كل حياته يكون صحافيا، انا ضد إغلاق الصحف، ضد تكميم الأفواه، ضد اعتقال الصحافيين، وضد التسلق على هالمهنة باستفزاز الآخرين والشتم والصحافة الصفراء”.
بادرة طيبة من المجلة
من جانبه، قال الصحافي سامر العاني: “قرأت اليوم مقال “يا بابا شيلني”، والذي أثار جدلاً وأغلق مكتب مجلّة “طلعنا عالحريّة” في سوريا بسببه”، واعتبر أنها ” بادرة طيّبة من هيئة تحرير المجلة أن تعتذر، لكن حجّة أنّ المقالات تعكس رأي كاتبها هي حجّة ضعيفة، فنحن نعلم تماماً كيف تتمّ الانتقائيّة في مقالات الرأي داخل الكثير من المؤسّسات الإعلاميّة، وسبّ الله بطريقة فجّة ليست رأياً إنّما هو تعدٍّ على حريّات ومعتقدات المسلمين الذين يشكّلون أكثر من 90% من المجتمع السوري.
ورأى أنه للمرّة الاولى يشعر بالراحة” ومؤيّد لقرار منع مجلّة من التوزيع “بالقوّة”، بسبب مقال”.
وحضّ على “وجوب رفع دعوى على كاتب المقال، فهو لم يتعرّض للذات الإلهيّة فقط، وإنّما تعرّض وتعدّى على معتقدات شعب بأكمله”.
وأكد أن رأيه هذا لم يشكله من دافع ديني، “فأنا وإن كنت ابن عائلة ملتزمة دينيّاً، إلا أنّ الله لم يكرمني بعد بهذا الالتزام، لكنّ رأيي شكّلته من باب وجوب احترام حريّات الآخرين ومعتقداتهم وتوجّهاتهم، أيّاً كانت، فالحريّة لا تعني الاعتداء على معتقدات الآخرين، لاسيما الدينيّة منها”.