صفحات الناس

مقالات تناولت الأزمة الاقتصادية الحادة في سورية

 

سوريا: وزارة التنمية الإدارية.. النظام لا يملّ “الإصلاح”/ سلام السعدي

لا يكاد يخلو خطاب للرئيس السوري بشار الأسد، منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية قبل نحو 15 عاماً، من وعود وخطط ورؤى تتعلق بـ”الإصلاح الإداري” في سوريا. وحتى مع اندلاع الثورة، بما هي أزمة سياسية بالمقام الأول، شخصت خطابات الأسد “الأزمة” بأمرين اثنين: المؤامرة العالمية الشهيرة على النظام الممانع، وحاجة البلاد لإصلاحات إدارية واقتصادية.

اليوم، وبعد مرور نحو أربع سنوات على اندلاع الثورة، يواصل الأسد إهمال عملية الإصلاح السياسي في مقابل اندفاع محموم لإصدار القرارات والمراسيم الشكلية إلى حد كبير، والتي تنظم عملية “الإصلاح الإداري والإقتصادي”. وقد كان آخر تلك القرارات إستحداث “وزارة التنمية الإدارية” عند تشكيل الحكومة الجديدة قبل أقل من شهر، ليعقب ذلك قبل يومين إصدار المرسوم الرئاسي رقم 281 للعام 2014 والمتعلق بتحديد أهداف ومهام الوزارة الجديدة.

وقد شرح المرسوم مهام الوزارة الجديدة، فكرر كل ما كان يرد على لسان الأسد في خطاباته “التوجيهية” لحكوماته المتعاقبة من “وضع إستراتيجية متكاملة للتنمية والتطوير الإداري”

و”تأهيل وتطوير الكوادر البشرية” و”تطوير خدمات المواطن” و”تحديث القوانين، واقتراح التعديلات التشريعية والإجرائية”.

وبعيداً من الخطابات الفارغة، يمكن أن نسجل للنظام السوري بعض الخطوات العملية التي قام بها في سياق الإصلاح الإداري. ويعود ذلك إلى العام 2002، حين أعلنت الحكومة السورية أن أكبر العقبات التي تعترض الإصلاح الإقتصادي والسياسي في سوريا إنما تتمثل في “الإصلاح الإداري”، وعليه بات هذا الأخير أولوية الأولويات. حينها، سخر الباحث الاقتصادي البارز عارف دليلة من هذا الخطاب الهزلي الذي “يضع العربة أمام الحصان” فما كان من النظام إلا أن أودعه السجن لعقد من الزمن، وراح بعد ذلك يستقبل خبراء عرباً ودوليين متخصصين في الإصلاح!

أول دولة تعاون معها النظام في هذا السياق، كانت فرنسا. إذ وصل خبراء فرنسيون إلى سوريا وقدموا دراسات بخصوص الإصلاحات الإدارية المطلوبة. وقامت الحكومة بالفعل بتوسيع برامج التدريب الخاصة بالوظائف العليا ووظائف الإدارتين الوسطى والتنفيذية، ووفرت الموارد المالية اللازمة لهذا الغرض. كما عملت على توسيع علاقاتها مع مؤسسات التدريب في دول عربية وأجنبية، ومنها دول خليجية كالكويت، حيث بات “المعهد العربي للتخطيط” أحدى أهم الوجهات التي يقصدها الموظفون السوريون للتدريب.

صرفت أموال طائلة على تلك المشاريع خلال سنوات عديدة، وماذا كانت النتيجة؟. “لا شيء”، يقول عامر(45 عاماً)، وهو موظف في إحدى الهيئات الحكومية السورية التي استفادت بصورة مكثفة من برامج التدريب. يشرح عامر لـ “المدن” كيف “ينخر الفساد والمحسوبية جسد الحكومة ومؤسساتها. وكان ذلك هو الأساس في تحديد من يستفيد من برامج التدريب، حيث استفاد منها الأشخاص المقربون من الأجهزة الأمنية وحزب البعث بصرف النظر عن كفاءاتهم”. هكذا اقتصر التدريب على الأشخاص الذين يشكلون عقبة رئيسية في وجه نهوض مؤسساتهم، “معظمهم معروفون بالفساد وتلقي الرشى ويفتقدون للمهارة والرغبة في تحسين الأداء الوظيفي”.

ويؤكد عامر أن البرامج التدريبية التي كانت تقدم للمتدربين، “ليست ذات قيمة حقيقية، فهي برامج قصيرة لا تزيد عن أسبوع”. وقد عارض المدراء أي جهود لإقامة برامج تدريب طويلة الأمد داخل سوريا، إذ “تتعارض مع مصالحهم، فهم يسافرون إلى بلدان عربية أو أوروبية بدافع السياحة واستلام بدل نقدي للسفر، لا بدافع التدريب!”.

في حقيقة الأمر، وعلى مدار سنوات حكم الأسد، شكلت قضية “الإصلاح الإداري” ستاراً من الدخان الكثيف حجب عن السوريين الحاجة الملحة للإصلاح السياسي. ويحاول أن يحجب اليوم الخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم والذي لا يمكن الفكاك منه بإحداث “وزارة للتنمية الإدارية”. لا بد للعربة أن توضع خلف الحصان!

 

 

 

سوريا: النازحون ضحايا الإقتصاد الأسود/ مروان أبو خالد

سوريا: النازحون ضحايا الإقتصاد الأسود عناصر الدفاع الوطني أكثر الفئات التي تستغل اشتعال المعارك لنهب البيوت ونقل أثاثها

يشمل الإقتصاد الأسود كل الأنشطة الإقتصادية غير المسجلة رسمياً والتي تتم بعيداً عن الرقابة والتشريعات القانونية والضريبية وهي بالتالي لا تدخل ضمن إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي، وأخطرها تلك الأنشطة التي تعتبر جرائم مخالفة للقوانين والتي تضخمت كثيراً خلال الحرب، بحيث باتت تدر مليارات الليرات على ممارسيها. وبالطبع فإن الإقتصاد الأسود بجميع أنشطته ليس وليد الحرب، فسياسات الفساد الحكومي المتراكمة عبر عقود والتدمير الممنهج للقطاعات الاقتصادية المنتجة وانخفاض مستويات الدخول وارتفاع معدلات البطالة، كلها دفعت إلى تعاظم أنشطة الاقتصاد الأسود ليشكل قرابة 40% من حجم الإقتصاد السوري قبل الحرب، لترتفع هذه النسبة خلال سنوات الحرب إلى ما بين 60-70 %، على وقع ارتفاع البطالة إلى حدود 60%، وارتفاع معدلات التضخم بما لا يقل عن 300%.

ولعل أبرز أنشطة الاقتصاد الأسود حالياً تلك التي برزت ونمت بفعل تزايد عمليات النزوح من المناطق الساخنة، وأسواق “التعفيش” – أي بيع العفش أو الأثاث المنزلي المسروق من بيوت النازحين – دليل واضح على ذلك، إذ تجد فيها كل شيء ابتدءا من الملاعق والصحون وصولاً للأدوات الكهربائية المنزلية المسروقة، وما يغري السارقين هو وجود طلب كبير على هذه السلع بعد تراجع المعروض منها بسبب دمار معظم الورش الحرفية المنتجة لها خاصة في الريف الدمشقي، والتوقف شبه التام لاستيرادها من الخارج، ما دفع لتكاثر المحال المختصة ببيع هذه المسروقات، خاصة خلال الأشهر القليلة الماضية.

وتعتبر عناصر الدفاع الوطني أكثر الفئات ممارسة لهذه الأعمال، والتي تستغل اشتعال المعارك لنهب البيوت ونقل أثاثها للمناطق الآمنة لبيعها بأسعار مختلفة تبعاً لجودة المسروقات ومزاجية السارق، إذ تباع غرف نوم كاملة بسعر 50 ألف ليرة (267 دولارا عند سعر صرف 187 ليرة للدولار)، وأما البرادات تبدأ أسعارها من 10 آلاف ليرة (قرابة 53 دولارا) وصولاً إلى 50 ألف ليرة، والغسالات الكهربائية تبدأ من 5 آلاف (26.5 دولارا تقريباً)، ومفروشات صالون كاملة تصل إلى 60 ألف (320 دولارا تقريباً). وبرغم تعالي الأصوات في الداخل لضرورة مقاطعة المواطنين لهؤلاء اللصوص وعدم الشراء منهم كما حصل قبل أيام في دعوة شيوخ جرمانا، التي غصت بالمسروقات من بلدة المليحة، بتحريم المتاجرة بهذه المسروقات تحت طائلة المقاطعة وفرض العقوبات الدينية والاجتماعية، إلا أن الظروف الموضوعية التي أنتجتها الحرب تدفع بشكل قسري الناس للشراء، ولاسيما النازحين الذين نهبت بيوتهم إذ يضطرون لشراء المسروقات، فلا خيار آخر لهم أمام حاجتهم لأثاث يملأ منازلهم المستأجرة في المناطق التي نزحوا إليها. ولسخرية القدر فإن الشارع السوري يتناقل قصصا عديدة عن نازحين تعرفوا إلى أثاثهم الذي كانوا يملكونه في محلات المسروقات من دون أن يمتلكوا القدرة على استعادته إلا بشرائه مجدداً.

أنشطة مشبوهة أخرى قامت على هامش قضية النزوح ألا وهي المتاجرة بشكل غير مشروع بالمساعدات الإنسانية المخصصة للنازحين، ولنا أن ندرك الحجم الكبير لهذه المتاجرة غير المشروعة إذا علمنا أن اعداد النازحين في الداخل السوري نحو 6.5 مليون نازح معظمهم تسرق معوناتهم ولا يحصلون عليها، وتشمل هذه المعونات السلال الغذائية والبطانيات وفرش الإسفنج وغيرها، وبرغم أنها مختومة بعبارة “غير مخصصة للبيع” فذلك لا يمنع مافيات الاقتصاد الأسود مع بعض الفاسدين من المنظمات الإغاثية من المتاجرة بها، وذلك بطرق عديدة إما عبر تسجيل أسماء وهمية للحصول على مخصصات ومن ثم بيعها، أو توزيعها شكلياً لغير مستحقيها، أو عبر اختلاس كميات من المساعدات وتقديمها منقوصة. وتباع تلك السلع المختلفة لتجار السوق بما لا يتجاوز ربع أو نصف قيمتها على أعلى تقدير، ليبيعها هؤلاء للمواطنين بأسعار السوق بما يحقق لهم أرباحاً مضاعفة، فالسلال الغذائية التي تبلغ قيمتها وسطياً 20 ألف (106 دولارات) تباع للتجار بسعر أقل من 10 ألاف، لبيعها هؤلاء بأسعار السوق تبعاً لسعر صرف الدولار.

إن تضخم أنشطة الاقتصاد الأسود خاصة المتعلقة بنهب النازحين والمتاجرة بمعيشتهم أمر كارثي على مستقبل المجتمع السوري ووحدة نسيجه الاجتماعي، إذ أنه يزيد من عوامل الكراهية والعنف، ويعمق الانقسام الطبقي الحاد ويزيد من تركيز الثروة بيد مافيات المتاجرين بمعيشة المواطن السوري، كما أن العوائد المالية المرتفعة التي تحققها جماعات المصالح عبر ممارسة هذه الأنشطة المحظورة باتت تشكل عاملا أساسياً في استمرار الحرب وتغذيتها.

المدن

 

 

الاقتصاد السوري في ظل الحرب: نفق مظلم ومفخخ!/ علي شقير

140 مليار دولار خسائر.. أمراض ووفيات مرتفعة.. وخوف من الأميّة

هذا التقرير ليس هو التقرير الوطني السوري حول تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والذي يصدر سنوياً عن الحكومة السورية بالتعاون مع منظومة الأمم المتحدة، إنما تقرير أعدته «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا» في الأمم المتحدة (الإسكوا)، يتطرق إلى هذا الموضوع في معرض التحليل حول تداعيات الأزمة على الاقتصاد الكلّي. والتقرير يتضمن بيانات ومعطيات عن واقع الاقتصاد والتنمية في سوريا حتى نهاية العام 2013، بالإضافة إلى تحليل من فريق الإسكوا بشأن التوقعات المستقبلية، معتمداً على بيانات المؤسسات الحكومية السورية وعلى بيانات مؤسسات ووكالات الأمم المتحدة بحسب اختصاصاتها، وعلى تحليلات ومعلومات الخبراء.

وخلص التقرير إلى أن العام 2013 هو الأسوأ على جميع الصعد منذ بدء النزاع. فقد شهد تدهوراً مستمراً في المؤشرات التنموية، وامتداد النزاع المسلّح إلى مناطق واسعة، وازدياد أعداد النازحين داخل البلد وخارجه. وتقلّص النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات والمناطق، وإغلاق أعداد كبيرة من الشركات وتسريح العاملين فيها، الأمر الذي أدى إلى تراجع المعروض من مجموعة كبيرة من السلع والخدمات في السوق، وارتفاع حاد في معدلات البطالة، وتدهور سعر الصرف الرسمي للّيرة السورية في مقابل العملات الأجنبية وانتشار تهريبها والتجارة بها في السوق السوداء، ما أسفر بدوره عن ارتفاع حاد في أسعار السّلع المستوردة.

ولم تستفد القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السوري من انخفاض قيمة العملة المحلية، فانخفضت الصّادرات بشكل كبير، في ظلّ تفاقم العجز في الميزان التجاري بفعل العقوبات المفروضة على التجارة الخارجية والمعاملات الماليّة. وبطبيعة الحال، اتّسع العجز في الموازنة مع زيادة مخصصات الإنفاق الجاري، وتقلّصت الإيرادات الضريبية وعائدات النفط، فارتفع الدّين العام ارتفاعاً حادّاً. كذلك تراجعت الخدمات العامة نتيجة تدمير محطّات الطّاقة ومضخّات المياه ومحطّات معالجة الصرف الصحي ووسائل ومحطّات النقل والمستشفيات والمدارس وآبار وخزّانات وأنابيب النفط ومشتقاته وأعداد كبيرة جداً من الأبنية السكنيّة.

وانخفض الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي (بالأسعار الثابتة للعام 2010) من 60 مليار دولار في العام 2010 إلى 56 مليار في العام 2011، ثمّ إلى 40 مليار دولار في العام 2012، وإلى نحو 33 ملياراً في العام 2013. وتقدّر الخسارة الإجمالية للناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي (بأسعار 2010) خلال السنوات الثلاث الماضية بنحو 70.67 مليار دولار.

وتشير البيانات الواردة في التقرير إلى دخول الاقتصاد السوري في ركود تضخّمي، وارتفاع مستويات تضخّم أسعار المستهلك بشكل ملحوظ خلال فترة النزاع حتى بلغت أعلى مستوى لها (89.62 في المئة) في الفترة 2012-2013. وتضخّمت بشكل خاص أسعار المواد الغذائية والمشروبات، التي ارتفعت بنسبة 107.87 في المئة في الفترة نفسها. ويعود تسارع التضخّم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية في مقابل العملات الأخرى في السوق السوداء، وارتفاع الأسعار نتيجةً لذلك بنسبة 173 في المئة خلال الفترة 2010-2013.

ويقدَّر مجموع الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد السوري طوال السنوات الثلاث للنزاع (2011ـ2013) بنحو 139.77 مليار دولار، تكبّد القطاع الخاص خسائر بقيمة 95.97 مليار دولار (68.7 في المئة) من الخسارة الاقتصادية الإجمالية، بينما بلغت خسائر القطاع العام 43.8 مليار دولار.

وتناول الفصل الثاني من التقرير أهداف الألفية، والتي كانت سورية قد حققت تقدماً كبيرا فيها، وتم تصنيفها في آخر تقرير (2010) في المرتبة الثالثة بين الدول العربية في تحقيق أهداف الالفية، وهي الآن في المرتبة قبل الأخيرة عربياً قبل الصومال.

وكانت سوريا نجحت في خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن 1.25 دولاراً في اليوم إلى اجمالي السكان من 7.9 في المئة إلى 0.2 في المئة في الفترة من 1997 إلى 2010. غير أنّ هذا المشهد تغيّر جذرياً مع نشوب النزاع. وسرعان ما ارتفعت جميع مؤشرات الفقر وخطّيه الأعلى والأدنى والفقر المدقع، لعدة عوامل منها ارتفاع معدلات البطالة نتيجة تعطّل النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات، والارتفاع الكبير في أسعار المواد كافة نتيجةً لانخفاض مستويات الإنتاج المحلي للبضائع والخدمات وندرة بعضها، والحصار الاقتصادي الذي أدى إلى انخفاض كبير في حجم الواردات، وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية، ووصل عدد السكان تحت خط الفقر الأعلى إلى أربعة ملايين شخص (18 في المئة).

من جهة ثانية، انخفضت نسبة الالتحاق الصافي في التعليم الأساسي من 98.4 في المئة في العام 2011 إلى 70 في المئة في العام 2013، وأثّر النزاع بصورة أكبر على تعليم البنات، لا سيما في المرحلتين الثانوية والعالية.

وصحياً، شهدت معدلات تحصين الأطفال ضد الأمراض تدهوراً كبيراً. فبعدما كانت نسبة التحصين بواسطة جميع أنواع اللقاحات تتراوح بين 99-100 في المئة في جميع المحافظات قبل النزاع، انخفضت هذه النسب لمعظم أنواع اللقاحات حتى أصبحت تتراوح بين 50 و70 في المئة حسب المحافظات، وشارفت على الصفر في بعض المناطق.

أما معدل وفيات الأمهات، فيستمر في الارتفاع منذ بداية النزاع في العام 2011. وقدّر أن يصل إلى 62.7 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة بدءاً من العام 2013، نتيجة لضعف خدمات الصحة الإنجابية بفعل تضرر البنى التحتية والمنشآت الصحية، ونقص الأدوية بفعل توقّف معظم الإنتاج المحلي واستمرار الحصار الخارجي، وانعدام الأمن على الطرق في مساحات واسعة من البلد، على امتداد الأرياف والمدن، في عدة محافظات.

وأدى النزاع إلى عودة أمراض كان السوريون قد نسوها، وإلى تفاقم أمراض كانت معدلات انتشارها منخفضة. فقد عاد شلل الأطفال ليظهر من جديد بعد غياب دام لأكثر من 14 عاماً، في موازاة ارتفاع عدد المصابين بأمراض الحصبة والتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي والغدة النكافية.

وسجل مرض اللاشمانيا انتشاراً واسعاً، حيث أوقع 41 ألف إصابة في النصف الأول من العام 2013، بسبب التلوّث المستشري وسوء النظافة ورداءة الصرف الصحي وانتشار القمامة في مناطق واسعة من البلد، لا سيما في محافظة حلب. وظهرت حالات جديدة من فيروس نقص المناعة البشرية، «الإيدز»، نتيجة ظروف أوجدها النزاع مؤاتية لذلك، مثل دخول أشخاص أجانب إلى البلد، وتردّي الحالة الاقتصادية، وزيادة الضغوط النفسية.

ولم يقتصر تأثير النزاع على البشر والحجر بأبعادهما ومؤشراتهما المتعددة، بل طاول الغطاء النباتي أيضاً. فقد التهمت الحرائق مساحات واسعة من الغابات التي تحتوي أشجاراً ورثتها الأجيال السورية منذ مئات السنين في محافظتي اللاذقية والقنيطرة. كما دفع ارتفاع أسعار وقود التدفئة وقلة توفره بشريحة واسعة من السكان إلى التحطيب الجائر الذي لم يقتصر على الغابات، بل تعداها ليطال أشجار الحدائق والأرصفة والمحميات الطبيعية.

وأوقفت معظم دول التعاون الثنائي مساعداتها وبرامجها الإنمائية، وغادرت معظم البعثات الدولية المعنية بتنسيق هذه البرامج والمساعدات، باستثناء الوكالات التابعة للأمم المتحدة جزئياً، وكل ذلك تحت وطأة عقوبات اقتصادية ومالية فرضتها مجموعة كبيرة من الدول.

وتناول الفصل الأخير من التقرير التوقعات بشأن مستقبل الأهداف الإنمائية للألفية في سوريا في ظل استمرار النزاع، وذلك على صعيد الحوكمة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وفرص التقدّم المحتملة.

ويؤكّد هذا الفصل أن توقّعات الخبراء بشأن الانهيارات الكبرى في الاقتصاد السوري خلال سنوات النزاع قد تحققت، والخسائر الكبرى قد وقعت. وبطبيعة الحال، انعكس ذلك على الحياة اليومية للناس. فاحتياطي المصرف المركزي السوري من العملات الأجنبية انخفض بنسبة 67 في المئة منه خلال ثلاث سنوات فقط، من أجل تثبيت سعر صرف الليرة السورية عند حدود 150 ـ 160 ليرة للدولار الواحد. وبالتالي، سيكون مصير الليرة السورية في العام 2015 رهناً بمجريات النزاع ومستوى الدعم الخارجي.

كذلك، انخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي مجدداً في العام 2013 بنسبة 16.7 في المئة، بعدما تراجعت بنسبة 28.2 في المئة في العام 2012 حتى بلغت نصف ما كانت عليه في العام 2011. ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض، ولو بوتيرة أقل، بنسبة 14.27 في المئة في العام الحالي، وأن يبلغ في العام 2015 نحو 4.68 في المئة، حتى يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 27.3 مليار دولار، أي ربع مستواه كما كانت المؤسسات الدولية تتوقّعه للعام نفسه.

ومع استمرار النزاع، يُتوقّع أن تترجم انعكاسات هذا التدهور الاقتصادي محنةَ اجتماعية على عدة مستويات:

في العام 2015، يُتوقّع أن يرتفع معدل وفيات الأطفال دون الخامسة إلى 28.8 طفل لكل ألف نسمة، وأن يصل معدل وفيات الأطفال الرضّع دون عمر السنة إلى 28.7 حالة لكل ألف طفل، في مقابل 23.3 في العام 2013. ويُتوقّع أيضا أن تنخفض نسبة الأطفال المحصّنين ضد الحصبة إلى 40 في المئة، وأن يرتفع معدل وفيات الأمهات إلى 73.4 حالة وفاة لكل مئة ألف ولادة. ونتيجة الظروف الراهنة، ستتراجع نسبة الولادات التي يجريها عاملون صحيون مؤهلون إلى 50 في المئة، ونسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة إلى 36 في المئة.

في السنوات القليلة المقبلة، يُتوقّع أن تتدنّى نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي إلى 50 في المئة في الفئة العمرية 6ـ11 سنة، وإلى 30 في المئة في صفوف التلاميذ في الصفين الأول والنهائي من مرحلة التعليم الابتدائي، وهي نسبة متدنية إلى حدّ مخيف ستترك أثرها المدمّر على مستقبل البلد لعقود طويلة. فالخبراء اليوم يتوقّعون أن ينشأ جيل من الأطفال دون الـ15 ضحايا للأمية. وبالرغم من التوقعات بأن يبلغ الإلمام بالقراءة والكتابة في الفئة العمرية 15 ـ 24 نسبة 94.3 في المئة في المستقبل المنظور، فمن المؤكد أنّ هذه النسبة ستنحدر بشكل كبير خلال السنوات المقبلة بسبب الانخفاض الحالي والمتوقّع في نسب الالتحاق بالتعليم.

وفي العام 2015، يُتوقع أن تبلغ نسبة البنات إلى البنين في مرحلة التعليم الأساسي 90.8، وأن تصل إلى 92.5 في مرحلة التعليم الثانوي، و53.6 في التعليم المهني. ويتوقع أن تنخفض نسبة البنات إلى البنين في مرحلة التعليم الجامعي لتصل إلى 76.1.

ولعل أخطر ما تتضمّنه هذه الدراسة هو تقديرات الخبراء بشأن الفقر الذي يُتوقّع أن يصل خطه الأدنى في العام 2015 إلى 59.5 في المئة وخطه الأعلى إلى 89.4 في المئة. وهذا يعني أنه إذا ما استمر النزاع لغاية العام المقبل، فسيكون 90 في المئة من السوريين فقراء.

وفي محور الحوكمة، قال التقرير إنه لا يمكن الحديث عن الحوكمة في سوريا في ظلّ الظروف الراهنة. وفي ظلّ عدم خضوع جميع أجزاء سوريا إلى سلطة مركزيّة أو أقلّه إلى سلطة موحّدة، ونظراً إلى تعطيل أو ضعف مؤسسات الدولة، وتحوّل الميدان إلى آلية الحوكمة الوحيدة والواقعية، تفتقر سوريا في الوقت الراهن إلى المقوّمات الأساسية للحوكمة.

فدستور العام 2012 يسري نظريّاً على جزء من البلد فقط بفعل ظروف الحرب. وينطبق ذلك على التشريعات، بما في ذلك قوانين الانتخابات والأحزاب والإعلام.

وفي هذا الواقع الصعب، لا بدّ من التساؤل حول ما إذا كان إنقاذ ما تبقّى من سوريا وشعبها ممكناً، وحول ما ينبغي القيام به لتحقيق ذلك. ورداً على تلك الأسئلة، تشير الدراسة إلى أنّ هذا الأمر لا يزال غير مستحيل، حتى ولو كان مهمةً عسيرة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم في ظل ارتفاع الكلفة المادية والبشرية والسياسية للنزاع لحظة بلحظة.

 

إعداد علي شقير

السفير

 

 

 

 

 

أكذوبة الصادرات السورية لروسيا/ عدنان عبد الرزاق

ربما يكون في الأرقام الصادرة عن الاقتصاد السوري، أكثر مرايانا واقعية لاستشفاف “أكاذيب” النظام السوري حول أن “الاقتصاد بخير”، لتأتي بعض التصريحات الفاقعة، بمثابة صفعة تثير الاستغراب والدهشة لمن لا يعرف بنية وهيكلية هذا الاقتصاد، الذي بنيّ وفق مبدأ المحاصصة أصلاً، قبل أن تأتي حرب الأسد على الثورة لتنال مما تبقى من “المزارع” التي وزعها الأسدان، الأب والابن، بمثابة رشى ومكافآت، شكلت اقتصاداً هشاً فضحه توقف تصدير النفط وعرّته سنوات الحرب.

لعل آخر دعابة اقتصادية أطلقها معاون رئيس مجلس الأعمال السوري الروسي، تجلت في أن سوريا ستصدر خلال أيام سفن خضار وفواكه لتسد العجز في المعروض الغذائي للأسواق الروسية، بعد العقوبات الأوروأمريكية على موسكو، لعدم قدرة أوروبا على تأمين الخضار والفواكه لروسيا في هذه الآونة، بسبب فروقات درجة الحرارة.

بداية القول: ماذا تبقى من الإنتاج الزراعي في سورية، والفائض عن حاجة الاستهلاك المحلي، لتصدره للحليف الروسي، إذا علمنا أن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية والإنتاج، خارجة عن سيطرة نظام الأسد، وأن الأسعار ارتفعت في سورية، إثر فشل الحكومة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب لأكثر من 300%، وأن الفقر في سورية زاد عن 54 %..

هذا إن فرضنا جدلاً أن ثمة زراعة في سورية بعد تخريب البنى والطرقات وقتل المزارعين وهروب من نجا منهم من طائرات النظام وبراميله، ولم نتطرق إلى ندرة مستلزمات الزراعة وانقطاع الكهرباء وفقدان البذار والأسمدة وندرة المياه .

قصارى القول: يؤْثر النظام السوري الاستمرار في “بروبوغاندا” أن سورية بخير، ويصدر القرارات والمراسيم على نحو يومي، عله يوهم مؤيديه على الأقل، أنه سيصمد أمام ثورة شعبه، ولعل في عقود التصدير مع إيران وروسيا، بعضاً من هاتيك الدعاية التي تدخل في باب الحرب النفسية أكثر ما تندرج في الاقتصاد.

ويتسلح النظام السوري، ليتمم صفقته النفسية، ببعض المنتجات الزراعية، وعلى رأسها الحمضيات وزيت الزيتون، نظراً لأن مراكز انتاجها الرئيسية في سورية تقع في منطقة الساحل، مسقط رأس الأسد، وهي مازالت تحت سيطرته، وربما ببعض المنتجات النسيجية، بعد سرقة المعامل ونقل المنشآت إلى مدن الساحل السوري بالتواطؤ مع اتحاد غرف الصناعة السورية.

ولكن، أي أثر يمكن أن يعود على العرض السلعي في أسواق تعاني أصلاً من نقص حاد وكيف ستنعكس صفقات التصدير السياسية على الأسعار وعلى المستهلكين السوريين، في واقع محدودية، إن لم نقل تلاشي الدخول والتضخم النقدي الذي زاد عن 174%.

نهاية القول: تقول الأرقام أن الصادرات السورية تراجعت بنحو 95% منذ بداية الثورة، فمن 1901 مليون دولار خلال الربع الأول عام 2011 إلى أقل من 94 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، وقال صندوق النقد العربي قبل أيام، أن رصيد صافي الدين العام سيرتفع بنحو 40% خلال عام 2014 ليصل لنحو 3000 مليار ليرة وسيرتفع الدين السوري الخارجي بنحو 16% ليبلغ 10.7 مليارات دولار نهاية العام.

فإن نظرنا إلى هذا الواقع الاقتصادي الذي أوصل الأسد الابن سوريا إليه، قد لا يكون من تفسير لما يقال عن صادرات إلى روسيا، عدا السبب الدعائي النفسي، سوى أن موسكو ضجت بسبب تراكم ديون الأسلحة، وتريد مقايضة ديون الأسد ببعض المنتجات، ليعود تاريخ اتفاقية المدفوعات نفسه عام 1996 الذي لا ينساه السوريين أبداً.

العربي الجديد

 

 

 

 

نظام بشار يسرق السوريين وبـ”القانون”/ عدنان عبد الرزاق

تتجاهل المحاكم السورية محاسبة الفاسدين من المسؤولين في الحكومة ولم تصدر أحكاماً قضائية تذكر بتهم غسل الأموال أو الاحتكار، في حين تكيل الاتهامات للمعارضين، حيث كشفت وزارة العدل عن 500 دعوى جديدة في هذا الإطار.

كذلك حُجزت أموال وممتلكات المئات منهم بزعم ارتكابهم جرائم سرقة المال العام وفساد، ووصل الأمر إلى بيع ممتلكاتهم في مزادات عامة.

ويأتي ذلك في إطار استخدام نظام بشار الأسد لسلاح القضاء للتنكيل بالمعارضين وجميع المساندين للثورة السورية.

ورغم أن خسارة الاقتصاد السوري تجاوزت 250 مليار دولار بحسب أكثر الدراسات تفاؤلاً، لم يحاكم أي مسؤول، بل على العكس، أعاد بشار الأسد الاستعانة بهم في حكومة وائل الحلقي الجديدة وغيرها من المؤسسات.

وفي الوقت نفسه يصدر كل حين قرارات بالحجز الاحتياطي، أو البيع بالمزاد العلني، بحق سوريين أيدوا الثورة، كان آخرها بيع ممتلكات نجل وزير الدفاع الأسبق، فراس طلاس، ووزير الثقافة الأسبق رياض نعسان آغا، بالمزاد العلني، والحجز الاحتياطي على أموال رئيس الائتلاف الأسبق، معاذ الخطيب، ورئيس المجلس الوطني، جورج صبرا، وغيرهم أكثر من 1670 معارضاً سورياً بتهم الفساد، كما فصلت حكومة الأسد قوانين وتسميات على مقاسها.

دعاوى اقتصادية

وكشفت وزارة العدل السورية مؤخراً عن وجود أكثر من 500 دعوى اقتصادية تتهم أصحابها بارتكاب جرائم سرقة المال العام والاحتيال المالي والتسبب بأضرار مالية في مؤسسات الدولة.

وقال رئيس إدارة قضايا الدولة، إحسان خيو، في تصريحات صحافية: “تتوزع الدعاوى على محافظات سورية، حيث يوجد 100 دعوى اقتصادية في دمشق وريفها و120 دعوى في حلب و30 دعوى في حمص و20 دعوى في حماه، ومعظم الدعاوى تخص سرقة المال العام”.

وأوضح خيو أن الدولة تلاحق عدداً لا بأس به من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم اقتصادية كسرقة المال العام والتسبب بأضرار كبيرة في مؤسسات الدولة، مقدراً أن المبالغ التي تطالب بها الدولة هؤلاء الأشخاص وصلت إلى مئات الملايين سرقت من القطاع العام.

فساد نظام الأسد

ويقول الخبير الاقتصادي، الدكتور عماد الدين المصبح، لـ”العربي الجديد”: “لا يمكن لنظام الأسد الفاسد أن يتطرق لجرائم الفساد والاحتيال المالي لأركان منظومته وحكومته، لأن هذا الملف في سورية مرتبط جذرياً بنشوء النظام الحالي”.

ويضيف المصبح: “شكل المديرون العامون ورجال الأمن والشرطة طبقة خاصة سهلت لهم منافذ السرقة والرشوة حتى أصبح ريع الفساد في سورية يشكل رقماً كبيراً لا يقل عن 60% من الناتج المحلي الإجمالي”.

ويقول المصبح: “لقد شكل بعض الفاسدين الماليين جيشاً مدافعاً عن النظام وهم في الحقيقة يدافعون عن مكاسبهم، إلا أن فئة منهم وضعتها سيطرة الفساد في يد قلة قليلة من مقربي بشار الأسد من العائلة أو من التجار الذين يعملون بصفة وكلاء ماليين لبشار الأسد وماهر الأسد”.

ويضيف: “وجد النظام السوري مبرراً لسرقات وتخريب البنى والهياكل الاقتصادية، وسرقة وتبديد المال العام أيضاً، من خلال لصق كل الجرائم الاقتصادية بالثورة والثوار، فبعد قيام السوريين بالثورة بأشهر قليلة، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد ما يسمى قانون الارهاب في العام 2012 بهدف التلويح به لكل من يؤيد الثورة، ما وجدته السلطات السورية منفذاً لتجميد أموال رجال الأعمال والحجز على ممتلكات الثوار”.

وعممت وزارة المالية على مختلف الجهات التابعة لها قرارات النيابة العامة في محكمة قضايا الإرهاب، والقاضية بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لجملة من الأسماء، التي يصل عددها إلى ما ينوف على 1670 اسماً، ضماناً لحقوق الدولة والمتضررين، بحسب ما ورد في كتاب وزارة العدل إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.

يقول المفتش المالي المنشق عن النظام، ابراهيم محمد، لـ”العربي الجديد”: “كل ما يجري بغطاء مكافحة الفساد والإرهاب، إنما يأتي لتبرير سرقات شركاء النظام بالقتل وتخريب الاقتصاد، وقلّما كانت تردنا قضية تحقيق بجهة حكومية منذ بداية الثورة”.

ويضيف محمد لـ”العربي الجديد”: “تحصل الآن جرائم مالية واقتصادية، لكن انشغال الجميع بالحرب والدم أبعدها عن الضوء والمحاسبة، فسورية أبوابها مفتوحة على الفساد، ليس للمسؤولين السوريين فقط، بل ولشركاء النظام من إيران وروسيا”.

ولعل أخطر جرائم المال ترتكب باسم صفقات الأسلحة التي يشرف عليها خال الرئيس محمد مخلوف مباشرة، وتلك الرشى التي تدفع من الخزينة العامة للمؤيدين والشبحية باسم اللجان الشعبية وغيرها.

وعن قصده بالجرائم المالية التي تتم مع شركاء النظام الخارجيين يقول المفتش محمد: “لمن تعطى استثمارات التنقيب والنفط؟ ولمن تمنح وكالات صفقات الأغذية؟ ولمن تعطى شركات القطاع الحكومي بحجة أنها خاسرة في عملية خصخصة سرية؟”.

ملاحقة المعارضين

ولم يصدر أي حكم قضائي بتهم غسل الأموال أو الاحتكار، على أي ممن منحهم النظام الأسدي وكالات حصرية لاستيراد الغذاء ومستلزمات السوق السورية خلال الثورة، وعلى رأسهم رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري الذي يتحكم بالاقتصاد قبل الثورة وبعدها، بل طالت الأحكام والملاحقات المعارضة السورية ومن يسهل حياة السوريين، حيث أغلقت السلطات السورية 13 شركة صرافة في دمشق وحلب بتهم واهية ولاحقت أخيراً شركتي الشام والوطنية للصرافة بتهمة غسل الأموال والإرهاب.

وكانت السلطات السورية قد قامت مؤخراً بنفس الحملة على شركة الهرم للصرافة بتهمة تحويل أموال من وإلى محافظة الرقة بشكل يخالف القرارات الصادرة عن الجهات المختصة، وفي وقت سابق ألقى الأمن السوري، في إطار مكافحته للفساد المالي، القبض على مدير الخزينة المركزية في مصرف الشام.

كذلك جمدت هيئة مكافحة غسل الأموال في سورية حسابات معارضين سوريين بصفتهم الطبيعية، أو إذا كان لهم حسابات مشتركة مع أشخاص وشركات، لكن النظام السوري بدأ بسحب بعض الحجوزات الاحتياطية وقرارات تجميد الحسابات لبعض رجال الأعمال، في خطوة رآها المراقبون رشى وحالات جذب، لدعوتهم إلى تمويل حربه على الشعب، أو مشاركتهم في تمويل إعادة الإعمار، وكان أبرز المعفى عنهم، رجلي الأعمال نبيل الكزبري ووليد الزعبي.

اسطنبول

العربي الجديد

 

 

 

سوريا: أزمة المازوت.. عود على بدء/ مروان أبو خالد

تشهد سوريا راهنا أزمة مازوت حادة بدأت تتفاقم تدريجا بعد تخفيض مخصصات المحافظات، بحجة عدم توفر كميات كافية منه، فمحافظة طرطوس لا تزود الآن إلا بقرابة 20% فقط من أصل الكمية المخصصة لها. وأمّا في حلب فقد انخفضت مخصصاتها إلى 50%، وفي دمشق التي تبلغ حاجتها اليومية قرابة مليون لتر فلا يتم تزويدها إلا بنحو 600 ألف لتر.

هذا النقص في المخصصات دفع إلى ارتفاع سعر المازوت في السوق السوداء التي زاد الطلب عليها كثيراً، فبرغم أن السعر الرسمي للتر المازوت يبلغ 61 ليرة، فإن نقص توافره في الكازيات رفع سعره في السوق السوداء بنسب تتراوح ما بين 100-200%، إذ تراوح سعر المازوت في دمشق وريفها ما بين 120-180 ليرة، ووصل سعره في حلب حالياً إلى 190 ليرة.

ارتفاع أسعار المازوت يترتب عليه نتائج كارثية على معيشة السوريين المأساوية أساساً، فكل زيادة على أسعار المازوت بمقدار 1% تسهم في رفع المستوى العام للأسعار بمقدار 0.4% نظراً لاستخدامات المازوت الكثيرة في المعامل والإنتاج الزراعي ووسائط النقل. وقد تجلت أزمة المازوت الراهنة في انخفاض أعداد السرافيس والباصات خاصة في دمشق وريفها، فعجز السائقين عن تأمين المازوت وغلاء سعره في السوق السوداء دفعهم للتوقف عن العمل إذ لا تزيد نسبة التقيد بخطوط النقل حالياً عن 30% بحسب التقديرات الحكومية، وهذا عمّق من أزمة الإزدحام نظراً لقلة مركبات النقل العاملة، وأدى لرفع تسعيرة النقل عشوائياً ما بين 5 و15 ليرة على الراكب وأحياناً أكثر من ذلك، وحجة السائقين أنهم مضطرون لرفع تعرفة النقل بسبب حصولهم على المازوت من السوق السوداء بسعر مرتفع.

نقص كميات المازوت ترتب عليه تخفيض مخصصات الأسرة الواحدة لأغراض التدفئة إلى 200 لتر بدلاً من 400، وهي كمية لا تكفي عملياً لأكثر من شهرين فحسب، وما يزيد الطين بلة اشتراط دفع القيمة مسبقاً عند التسجيل، وليس الدفع لاحقاً عند التعبئة كما كان في المواسم الماضية. فسابقاً كان بين التسجيل والتعبئة مدة زمنية تزيد عن شهر أو شهرين وهي مدة كان يستطيع رب الأسرة خلالها تأمين ثمن المازوت عبر الاستدانة وغيرها من الأساليب، ولكن حالياً فإن اشتراط الدفع سلفاً سيترتب عليه امتناع أعداد متزايدة من المواطنين عن التسجيل للحصول على الـ 200 لتر نظراً لانعدام المداخيل وتزامن فترة التسجيل الحالية على المازوت مع بدء الموسم الدراسي وإعداد المونة التي تتطلب مصاريف كبيرة.

لكن هل حقاً يمكن اختصار أزمة المازوت الراهنة بحجة عدم وجود كميات كافية في البلاد بعد تراجع الإنتاج النفطي؟. الجواب لا، فلو كان الأمر كذلك لما توفر المازوت في السوق السوداء واقتصر انخفاض كمياته على الكازيات الرسمية فحسب، فالمشكلة الأولى تكمن في سوء آليات التوزيع وفسادها، إذ أن المازوت يتم استيراده من إيران وفنزويلا وروسيا بكميات تكفي السوق المحلية التي تراجع الطلب فيها على المشتقات النفطية خلال سنوات الأزمة بنسبة تزيد عن 60%، ناهيك عن أن مصافي النفط التي ما زالت خاضعة لسيطرة الحكومة ما زالت تنتج المازوت عبر تكرير النفط الخام المستورد من خلال الخط الائتماني الإيراني.

وللتذكير فإن استيراد هذا النفط الخام عبر إيران لا يترتب عليه الدفع بالعملات الصعبة ولا يشترط فيه الدفع نقداً أو سلفاً، فشروط استيراد النفط الخام ميسرة إذن ولا ترهق الموازنة الحكومية. والمشكلة كلّها تكمن في الفساد الحكومي الذي جعل السوريين ضحايا السوق السوداء التي باتت متحكمة عملياً في تسويق مادة المازوت وذلك لتحقيق هدفين على أقل تقدير: فمن جهة يعود هذا الأمر بإيرادات غير مشروعة تصب في جيوب أقنية الفساد الحكومي عبر بيع اللتر بأضعاف سعره الرسمي، ومن جهة أخرى يعطي ارتفاع سعر المازوت في السوق السوداء مبرراً قوياً للحكومة لرفع السعر الرسمي للمازوت إلى سعر أعلى ولكن أقل من سعره بالسوق السوداء. وحينها يتقبل المواطنون هذا الارتفاع بالسعر مكرهين، بعد أن يتم وضعهم بين مطرقة السوق السوداء وسندان الفساد الحكومي، خاصة وأن شائعات رفع السعر الرسمي من 61 ليرة للتر إلى 85 ليرة ما زالت سارية منذ أشهر، وبرغم نفي الحكومة لرفع السعر قريباً، فإن استراتيجيتها النيوليبرالية القائمة على رفع الدعم تصب في إطار تأكيد هذه الشائعة، ولاسيما بعد رفع الدعم تدريجاً عن الخبز والسكر والأرز التمويني والبنزين في الأشهر الماضية.

المدن

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى