صفحات العالم

مقالات تناولت الأزمة الخليجية الأخيرة وتداعياتها على الثورة السورية

خلفيات سحب ثلاث دول خليجية سفرائها من الدوحة: ثمن البقاء خارج المحاور وأفضليته

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

بعد توتُّر صامت’-‘رسميًّا’-‘في العلاقات بين دولة قطر من جهة، وكلٍّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، تفجَّر الخلاف وظهر إلى العلن إثر إعلان هاتين الدولتين، ومعهما البحرين، سحْب سفرائها من الدوحة. وفي حين أحجمت الكويت وعُمان عن الانضمام’إلى هذا الموقف، هنّأت الحكومة المصرية الدول الثلاث بقرارها.

وعلى الرغم من أنّ الخلافات القطرية’-‘السعودية ليست جديدةً؛ إذ كانت تظهر في السنوات الأخيرة من خلال حملات إعلامية تشنُّها صحفٌ ومواقعُ تملكها هذه الدول على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، فإنّ حدَّتها التي استدعت خطوةً من قبيل سحْب السفراء جاءت مفاجِئةً. وقد أصدرت الدول الثلاث بيانًا حاولت أن تشرح فيه الأسباب التي دعتها إلى هذه الخطوة، متَّهمةً دولة قطر’-‘من بين أمور أخرى’-‘بعدم الالتزام بـ’المبادئ التي تكفل ‘عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأيّ من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي’.

وعلى الرغم من أنّ البيان، على غير العادة، جاء مُفصَّلًا، فإنه مع ذلك ظلَّ مواربًا وعامًّا، ولم يُقدِّم شرحًا وافياً بشأن دواعي خُطوة بهذه الدرجة؛ فقد تُركت هذه المهمة لمجريات العادة يتناولها الموالون لسلطات تلك البلدان من الأكاديميين والإعلاميين المتنافسين في الاقتراب من وجهات النظر الرسمية لحكومات دولهم.

أسباب الخلاف

على الرغم من أنّ الخطوة الخليجية الثلاثية مرتبطة مباشرة بمواقف قطر من الربيع العربي، من قبيل قيام قناة الجزيرة بتغطية الثورات إعلاميًّا، ودعْم قطر السياسي والاقتصادي المعلن للحكومات التي قامت بعد الثورات العربية، ورفضها الموقف السعودي الإماراتي المتمثِّل بمحاصرة هذه الثورات، واستضافتها شخصياتٍ عربيةً معارضةً، فإنّ الخلاف السعودي’-‘القطري يعود في حقيقة الأمر إلى فترة تولِّي الشيخ حمد’بن خليفة مقاليد الحكم في قطر في منتصف تسعينيَّات القرن الماضي. وقد برز الخلاف على أشدُّه في مواقف الطرفين من مختلف القضايا العربية والإقليمية، وخصوصا خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز′/’يوليو’2006، وعلى غزة (2008”2009)، ذلك أنّ الدولتين اتخذتا مواقفَ متناقضةً كلِّيّا؛ ففي حين دعمت قطر موقف المقاومة اللبنانية والفلسطينية المتمثلة بحزب الله وحماس في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وقدَّمت لهما دعمًا ماليّا وسياسيّا كبيرا، برَّرت السعودية التي تزعَّمت في ذلك الوقت ما’كان يُعرف بمحور الاعتدال الذي ضمَّ إليها كلاً من مصر، والأردن، والإمارات، السياساتِ الإسرائيليةَ بما’عدَّته خطواتٍ استفزازيةً قامت بها حركتا المقاومة، وقاطعت قمَّة غزة العربية التي استضافتها الدوحة مطلعَ عام’2009، وقد خُصِّصت لدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي، علمًا أنّ هذا الموقف لم يمنع قطر من اتخاذ موقفٍ مضادٍّ لموقف حزب’الله حين وقف مع النظام السوري ضدَّ شعبه. وظلت قطر تعارض الحصار على غزة، وتدعم صمود سكانها خلافا لموقف مصر الرسمية والسعودية.

وعلى الرغم من أنّ الربيع العربي همَّش تقسيمات محورَي الاعتدال والمقاومة؛ بالنظر إلى أنّ ثورات الحرية والكرامة لم تميِّز بينهما؛ ذلك أنَّها أسقطت، على سبيل المثل، حسني مبارك ‘المعتدل’، وتصدَّت لدكتاتورية بشار الأسد ‘الممانع′، فإنّ ذلك لم يُؤَدِّ إلى إنهاء الخلاف القطري’-‘السعودي، بل أعطاه سبباً إضافيًّا للاستمرار والتفاقم.

لقد عدَّت السعودية’-‘وهي الدولة الأكثر محافظةً في المنطقة’- ثورات الربيع العربي، منذ البداية، مُوجَّهةً ضدَّها، فقادت محور الثورات المضادة، وظلَّت تقوم’-‘بمعيَّة دولة الإمارات’-‘بفعل ما’بوسعها لإحباطها؛ من ذلك أنَّها استضافت أوَّل رئيس عربي مخلوع، وهو زين العابدين’بن علي، وعرضت استضافة حسني مبارك بعد أن فشلت في منع إطاحته. ثمّ إنها اختلفت’-‘بمعيَّة الإمارات أيضًا’- مع الموقف الأميركي من ثورة يناير، عادَّةً إيَّاه تخليا أميركيا عن حلفاء أميركا. وفضلاً عن ذلك لم تُبْدِ أيَّ حماسة تجاه إطاحة نظام العقيد القذافي، على الرغم من خلافها الكبير معه، بل إنّ موقفها من الثورة الليبية التي ساهمت الإمارات في دعمها مباشرةً مع قطر، كان على عكس ذلك، موسوماً بالسلبية.

أمّا في’ما يتعلَّق بثورة سوريا فقد التزمت السعودية الصمت طَوال ستة أشهر، جرى فيها قمع الثورة المدنية بالقوة المسلحة، ولم تتكلَّم إلا في شهر رمضان 2011 الذي تخلَّله اقتحام الجيش السوري مدينةَ حماة، وبعد تعالي دعواتٍ في أوساط الرأي العامّ السعودي إلى اتخاذ موقف ممَّا يجري في سورية.

زيادةً على ذلك كانت الرياض قد سارعت في بداية الثورة إلى تقديم معونات مالية للنظام السوري لمساعدته على إسكات الاحتجاجات، عبر إيفاد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) إلى دمشق في شهر نيسان’/’أبريل’2011. ولولا البعد الجيوسياسي للصراع في سورية وخشية الرياض من هيمنة إيرانية مطلقة على المنطقة في حال انتصار النظام السوري، لما تميَّز الموقف السعودي من الثورة في سورية عن موقفه من الثورات العربية الأخرى. أمّا الإمارات فقد ظلَّ موقفها من الثورة السورية، فترةً طويلةً، مُبهماً للغاية.

ولم يَفُتَّ في عضُد السعودية نجاح الثورات العربية في إطاحة أنظمة فاسدة، بل تواصلت محاولتها في تقويض الديمقراطيات الوليدة وحرْف عملية التحول الديمقراطي عن مسارها، وكان نجاحها الأكبر في مصر التي شكَّلت أبرز نقطة خلاف مع قطر. فقد أطاح الجيش المصري في 3′تموز′/’يوليو’2013، بانقلاب عسكري قاده وزير الدفاع الفريق عبد’الفتاح السيسي، حُكم الرئيس المصري محمد مرسي، وأدَّت السعودية والإمارات دوراً مشهوداً في محاصرة النظام المنتخب، وفي التعبئة الإعلامية التي حضَّرت للانقلاب، بما في ذلك الاستثمار في الإعلام المصري. ولم يَخْلُ الأمر من طرافة؛ إذ إنّ وسائل الإعلام السعودية والإماراتية كانت مستعدةً للتسامح مع لفظ الـ”ثورة’، وحتى مع استخدامه مباشرةً في وصف الهبَّة الشعبية يوم 30 حزيران’/’يونيو، وانقلاب 3 يوليو، مثلما تسامحت مع صُوَر عبد’الناصر العدوِّ التاريخي اللدود للمملكة، بما أنهما وجدتا تشبيه السيسي به مفيداً في الانقلاب على المسار الديمقراطي.

إضافةً إلى ذلك تؤدِّي كلّ من السعودية والإمارات دوراً في منع استقرار أنظمة ديمقراطية في تونس واليمن؛ ذلك أنّ السعودية غير معنية بنجاح أيّ تجربة سياسية تعدُّدية يجري فيها تداول السلطة. ولكن في الوقت الذي يمكن أن تُفهَم فيه خشية السعودية من الديمقراطية، يجد المرء صعوبةً في فهم الموقف الإماراتي من مسألة التحول الديمقراطي؛ فعلى الرغم من أنّ الإمارات غير مهدَّدة بهذه المسألة’-‘شأنها في ذلك شأن قطر؛ بسبب طبيعة النظام الاقتصادي وبنية المجتمع′-’تتبنَّى موقفًا يكاد يكون ‘جهاديًّا’ ضدّ القوى الإسلامية (بما في ذلك المعتدلة منها)، وضدّ حركات المقاومة وفي الدفع للتطبيع مع إسرائيل.

ولئن كان من غير الممكن طرْح هذا الخلاف في السياسة الخارجية، بوصفه سبباً لسحب السفراء، فقد أثارت الرياض خلال الآونة الأخيرة عدَّة قضايا خلافية لتبرير هذه الخطوة؛ بعضها’-‘بل أغلبها’-‘سابقٌ، أصلاً، لتولِّي الشيخ تميم’بن حمد مقاليد الحكم في بلاده، وبعضها الآخر متعلِّق بتصريحاتٍ ومقولاتٍ في وسائل إعلامية لا’تقود عادةً إلى مثل تلك الخطوات التي اتُّخذت، ولا تبررها.

إنّ التحدي الأساسي الذي تمثِّله قطر بالنسبة إلى السعودية وكلِّ المنظومة السياسية في المنطقة هو في انتهاجها سياسيةً خارجيةً مستقلةً عن المحور السعودي، وعن المحور الإيراني في الآن نفسِه، واحتضانها شخصياتٍ ورموزًا من كلّ التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية السائدة في العالم العربي؛ من إسلاميين، وقوميين، ويساريين، وليبراليين، حتى أنّ بعضهم يكاد يحار في قدرة قطر على ضمِّ هذا الكمّ الكبير من التنوع الذي يعتبره غير المعتاد على مثل ذلك في السياسة العربية تناقضاً وارتباكاً في السياسة الخارجية القطرية.

على أنّ الأمر ليس مرتبطاً في حقيقته بخيارات مختلفة في السياسية الخارجية القطرية، بل هو الهامش الذي يتيحه وجود قطر’خارج المحورين السعودي والإيراني لقوى سياسية ناقدة للمحورين في أن تُعبِّر عن نفسها وأن تتقاطع مع قطر؛ فليس ثمَّة أماكن عديدة في المشرق العربي يمكن لمن هم خارج دائرة تأثير المحاور أن يلجأوا إليها، أو أن يعبِّروا عن أنفسهم في إعلامها. وهذا لا’يعني أنّ قطر تتبنى مواقف هذه القوى بالضرورة كما تحاول أن توحيَ بذلك وسائلُ إعلامٍ تابعة للسعودية والإمارات؛ ذلك أنه تجري، من خلال هذا المدخل، محاولات إلصاق تُهم بقطر؛ نحو الادعاء أنها تدعم تياراً سياسيًّا بعينه مثل تيار الإسلام السياسي، أو جزءًا منه مثل جماعة الإخوان المسلمين. وفي الوقت الذي تجري فيه محاولات لطمس أيِّ تمايزٍ بين القوى الإسلامية، يكتمل المشهد بالعمل على الخلْط بين الإخوان والإرهاب والقاعدة؛ حتى يصبح الجميع في سلَّة واحدة.

إنّ الإخوان تيار سياسي دعمته السعودية ضدّ عبد’الناصر تحديداً، واستضافت رموزه على امتداد عقود طويلة، وأيّ محلل سياسي رصين’-‘بغضّ النظر عن موقفه من هذا التيار’-‘يعرف أنه تطور منذ تلك الفترة، وذلك حتى من منظور إحداثية التمييز بين المعتدل والمتطرّف؛ إذ خاض انتخاباتٍ برلمانيةً في عدَّة دول، وأصبح يُعَدُّ قوةً سياسيةً شرعيةً في إطار أيّ نظام تعدُّدي، ولكنّ موقف السعودية والإمارات أصبح معاديًا للإخوان، على نحوٍ خاصٍّ، حين أصبح هذا التيار أكثر براغماتيةً. وإذا كانت توجد أدلَّة كثيرة على دعْم السعودية للإخوان ضدّ نظام عبد’الناصر في الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن الماضي، فإنّه’-‘حتى الآن’-‘لم يقدِّم أحدٌ أيَّ دليلٍ على دعْم قطر للإخوان. أمَّا الخلط بين دعْم قطر حكومةً منتخبةً اعترف بها العالم كلُّه، وبين دعْم الإخوان فهو أمرٌ مقصود؛ لأنّ دعْم الديمقراطية والشرعية لا’يُمكن أن يكون تُهمةً.

إنّ كل ما فعلته قطر في هذا الشأن هو أنَّها منحت الإخوان منبرًا يعبِّرون فيه عن أنفسهم. لكنّ هذا الأمر لم’يكن خاصًّا بالإسلاميين؛ إذ منحَت قطر آخرين المنبر نفسه، بمن فيهم خصوم الإخوان، وخصوم الإسلام السياسي. وإنّ قناة الجزيرة التي تُعَدُّ تغطيتها الإعلامية للثورات العربية، بخاصة ثورة مصر، أحدَ أهمِّ أسباب الخلاف مع السعودية، تشكِّل منبرًا تتمكن من خلاله أصوات فكرية وشخصيات سياسية من تيارات مختلفة، إسلامية كانت أو غير ذلك، من التعبير عن دعمها للمقاومة والديمقراطية، ويكفي أن نتمثَّل الحال التي يمكن أن يبدوَ عليها المشهد السياسي والإعلامي العربي في غياب مثل هذا المنبر حتى ندرك أهميته. كما أنّ وسائل إعلام قطر، خلافًا لمنتقديها، غالبًا’ما تُضيف الرأي المعارض لها؛ من ذلك، على سبيل المثال، المؤيِّد للانقلاب في مصر، والمؤيِّد للنظام السوري، والمؤيِّد للموقف السعودي الحالي أيضًا، في حين يبدو معسكر الثورة المضادة في المنطقة جوقةً واحدةً موحَّدةً، شأنَ الإعلام الرسمي في الأنظمة الدكتاتورية. وربما كان أفضل تعبير عن حقيقة هذا المشهد هو اتهام قطر بأنها ‘تغرِّد خارج السرب’، أو ‘تمشي خارج القطيع′.

إنّ ما يُؤخذ على قطر’-‘في رأينا’-‘أنها لم تكن على مسافة نقدية كافية من الإخوان في مصر، ولكنّ عذرها أنّ التآمر على النظام المنتخب في مصر’-‘منذ اليوم الأول’-‘لم يُتِحْ لها ذلك، وأنّها تعاملت في نهاية المطاف مع من انتخبهم الشعب، وانحازت أكثر من غيرها إلى التيارات الإسلامية؛ لاعتقادها أنها بهذا الانحياز إنَّما تنحاز إلى الرأي العامّ. وهي برأينا لم تدرك درجة تنوّع الرأي العامّ العربيّ والقوى الصاعدة بعد الثورات غاية الإدراك.

لا’شكّ في أنّ لدى قطر’-‘مثلها مثل بقية دول مجلس التعاون الخليجي’-‘الكثير من المشكلات، وأنّ فيها العديد من السلبيات الناجمة عن النظام الاقتصادي الريعي، يُضاف إلى ذلك التحالف مع الولايات المتحدة، والبنية الاجتماعية المحافظة، ونسبة العمال الأجانب المرتفعة وما’يترتَّب عليها من المسائل المتعلِّقة بحقوقهم، والخطر الذي يمثِّله هؤلاء بالنسبة إلى هوية البلاد. غير’أنّ هذه القضايا، تعانيها دول مجلس التعاون كلها. وبالتأكيد ليس هذا هو سبب النقد السعودي والإماراتي لها، بل يعود السبب إلى ما تميزت به إيجابيا في ما أتاحه انفتاحها وتموقعها خارج المحاور.

إلى أين تتجه الأمور؟

لقد أعربت قطر عن رغبتها في احتواء الخلاف وعدم التصعيد؛ من خلال عزوفها عن مقابلة الخطوة السعودية’-‘الإماراتية’-‘البحرينية بمثلها، وأعلنت أنّ سحْب سفرائها من الدول الثلاث مسألة ليست واردةً بالنسبة إليها، وأعلنت، أيضا، أنها ملتزمة بميثاق مجلس التعاون، وأمنه المشترك، ومصالح شعوبه. بيد’أنها لا’تملك، من جهة أخرى، الرضوخ لما يُطلب منها؛ فالمطلوب هو أن تتخلى عن سياستها الخارجية المستقلة، وعن دعمها للثورات العربية، وعن استضافتها لمعارضين عرب لم يجدوا في بلدانهم الأصلية متنفسا للتعبير عن أنفسهم، وأن تنهج سلوكًا أقرب ما’يكون إلى سلوك البحرين في علاقتها بالشقيقة الكبرى، وأن تقوم بإغلاق قناة الجزيرة، أو في المقابل دفعها في اتجاه المحور الإيراني، وهذا ما لم يكن واردًا في أوقات أصعب خَلَتْ، بخاصة بعد أن ثبت أنّ التراجع تحت ضغْط الإملاء يؤدِّي إلى طلب المزيد، وأنّ ثمَّة من لا’يقبل بأقلَّ من التبعية الكاملة.

لا’يسع قطر أن تتدخل في شؤون الدول الخليجية الأخرى، مثلما لا تقبل أن يتدخل أحد منها في شؤونها. هذه قضية جِوَارٍ حضاري وإستراتيجي لا بدَّ من إيلائه حفاظًا وحرصًا خاصَّين. كما أنّ على قطر أن تدرك أنها تولَّت من الأمور الإقليمية والدولية التي لا يمكنها معالجتها دفعةً واحدةً. غير أنها لا’تستطيع، على الرغم من ذلك، أن تقبل إملاءات المحاور، أو أن تتخلَّى عمَّا هو إيجابي في كثير من السلوك المنفتح، وعن المبادرات التي منحت دولة قطر شخصيتها المميَّزة عربيًّا ودوليًّا، ولا’يمكنها أن تتخلَّى، أيضًا، عن تعزيز العلاقات التي تربطها ببقية الدول الخليجية، على نحوٍ يخدم المصالح المشتركة، في إطار تعاونٍ يسمح بهامش من الاختلاف في القضايا التي لا’تمسُّ دول مجلس التعاون مباشرةً. وإنّ أيّ تصعيد سيقود في النهاية إلى مصالحة، وأيّ مصالحة سترتكز، في الوقت نفسه، على مبدأ الاستقلالية، واحترام سيادة الدول، والمصالح الخليجية المشتركة.

سحب السفراء والصراع بين السعودية وقطر/ شاكر فريد حسن

    ما زالت الخطوة التي أقدمت عليها السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر احتجاجاً على ما وصفته بالسياسة القطرية والتدخل في الشؤون الداخلية ، تتفاعل بين أوساط الرأي والإعلام العربي ، وتثير العديد من الأسئلة حول الأسباب والدوافع الحقيقية الكامنة وراء هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي الممتد منذ أكثر من ثلاثة عقود ، خاصة وأنها ترافقت مع إدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن الحركات الإرهابية .

    ولا ريب أن خطوة سحب السفراء من قطر هي دليل قاطع ومؤشر واضح على الخلاف الجذري العميق والتصدع الحاصل بين دول الخليج والدولة القطرية نتيجة سياستها ، التي تشكل في حقيقتها تهديداً للأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي.

    لقد جاءت هذه الخطوة بعد نفاذ صبر حكام الرياض وأبو ظبي والمنامة على تمادي قطر في نهجها السياسي ، وتوصلهم لقناعة تامة أن قطر لا ترغب ، وليس في نيتها التوقف عن دعم الحركات المتطرفة وتسليح جبهة النصرة في سورية ، وهي حركة جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة . ناهيك عن عدم اتخاذ أي إجراء فعلي على الأرض بحق شيخ الفتنة يوسف القرضاوي ولجمه على تفوهاته وحملته التحريضية ضد الإمارات العربية ، وعدم تلبية مطالبهم بإخراس صوت فضائية “الجزيرة ” ، التي تؤجج الفتن وتخدم المشروع التفتيتي الأمريكي الهادف إلى زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى الخلاقة في العالم العربي.

    في حقيقة الأمر أن ثمة منافسة محمومة بين السعودية وقطر على الخلافة والخيانة ، رغم تباين الخلافات في المواقف بينهما من القضايا العربية والإقليمية .ولعل ثورات ما يسمى بـ “الربيع العربي ” كانت بمثابة الوقود الذي أشعل الصراع فيما بينهما ، حيث بدت الدوحة إمارة صاعدة تنازع الرياض في النفوذ الإقليمي والاستراتيجي وإشغال الدور التآمري في المنطقة . وبينما لعبت قطر دوراً داعماً ومساعداً للجماعات الأصولية والسلفية التكفيرية وغدت الراعي الرسمي لها ، فإن السعودية التزمت موقفاً متحفظاً في بدايات الأزمة السورية واكتفت بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار السوري . وهذا التحفظ ناتج عن المخاوف السعودية من تداعيات التحركات وانعكاساتها على الوضع الداخلي السعودي ، ولكن ما لبث أن انتقل الموقف السعودي إلى وضعية الهجوم والالتحاق بوتيرة التصعيد القطرية والعربية في إطار الجامعة العربية ، وكان وزير الخارجية سعود الفيصل الصوت الأعلى في الدعوة إلى تسليح المعارضة والمطالبة بالتدخل الأجنبي في سورية بهدف التخلص من حكم بشار الأسد .

    والسؤال الذي يتبادر للذهن : هل دول الخليج التي سحبت السفراء من قطر هي أنظمة ثورية وديمقراطية وتحررية معادية لأمريكا وسياستها العدوانية ..؟!

    الجواب بصورة قاطعة لا ، فالسعودية وقطر حليفتان مقربتان من الولايات المتحدة ، وهما على الدوام ربيبتان للسياسة الأمريكية وخادمتان لها في المنطقة ، ولكن بعد التحولات والتغيرات والوقائع الجديدة التي أحدثها “الربيع العربي” فقدت السعودية دورها وأصبحت خائفة على مصالحها واستقرارها ، ومتخوفة من فتنة داخلية على أيدي الإخوان والجماعات الوهابية المتطرفة ، لكبر مساحتها ولطبيعة التركيبة السكانية والمجتمعية فيها ، رغم إنها كانت وراء نشوء وصعود وتمويل هذه الجماعات في ثمانينيات القرن الماضي ، قبل أن تنقلب عليها وتناصبها العداء . في حين أن قطر تزعمت الساحة العربية ورسخت موقفها المتقدم بدلاً من السعودية في إدارة اللعبة السياسية ، بعد أن تحولت إلى أداة ضيقة بيد الامبريالية ، وانخرطت في مشاريع التفتيت والتجزئة العربية ، وتأجيج الصراعات والفتن الطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية والإقليمية . وقد حصنت نفسها من حالة عدم استقرار ومن تدخلات الجماعات الإسلامية المتطرفة ، وذلك عبر موقعها ودورها في صناعة ودعم وتسليح كثير من الجماعات التكفيرية في سورية ومصر ، وتسليم أمورها الأمنية لقوات المارينز الأمريكية المرابطة فيها .

    إن السعودية ، التي تعتبر قطر منافستها وغريمتها في اللهاث وراء حكام واشنطن والغرب الأجنبي ، تبغي من وراء سحب سفيرها من قطر إعادة تكوين ثقلها ووزنها السياسي في المنطقة ، ومواصلة دورها التآمري المتساوق مع المشاريع والمخططات الامبريالية ، وتدعيم نفوذها من جديد ، والانخراط في اللعبة السياسية التي باتت مكشوفة للجميع ، ولن يشفع لها دعمها لثورة مصر والوقوف مع السيسي ضد الإخوان ، وعزل مرسي عن الحكم .

الاشتباك الخليجي يهدّد بخلط أوراق جديد القمّة العربية المحطّة الأولى للانعكاسات/ روزانا بومنصف

بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين كثر شكل انفجار الازمة في مجلس التعاون الخليجي الذي تمثل في سحب كل من المملكة العربية السعودية والبحرين والامارات العربية الاسبوع الماضي سفرائها من قطر في خطوة غير معهودة وغير مسبوقة مشهدا في غاية السلبية استناداً الى ان هذا المجلس بقي، حتى الامس القريب وعلى رغم انطلاق الثورات العربية في عدد من البلدان المهددة بدورها استقرار دول مجلس التعاون وربما ايضاً نوعية الحكم فيها وطبيعته، متماسكاً في الحد الادنى بحيث يشكل مرجعية ما للمساعدة في ما أصاب ويصيب سائر البلدان الاخرى وفق ما بدا خلال الاعوام الثلاثة الماضية. ومع ان هزات عدة اصابت المجلس خصوصاً في الأشهر الاخيرة كان اكثرها حدة لعب سلطنة عمان دوراً في المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة وايران من دون علم دول المجلس ما فتح الباب امام اتفاق الدول الغربية مع ايران مبدئياً على ملفها النووي ثم في اختلاف المواقف بين المملكة السعودية وقطر من الانقلاب على حكم الاخوان المسلمين في مصر، فإن تماسك مجلس التعاون على هشاشته واستعار الخلاف بين اعضائه والذي تفاوتت نسبته بين مرحلة واخرى من مراحل الثورات العربية، استمر يقوم مقام النواة الصلبة لجامعة الدول العربية التي لا تزال قائمة شكلاً على رغم ضعفها بحيث تبقى مظلة مبدئية لا غنى عنها للدول العربية والمجتمع الدولي على حد سواء. ولكن ليس واضحاً تماماً كيفية صمود القمة العربية واحتمالات حصولها في 25 و26 الجاري في الكويت في ظل المعطيات الراهنة، علماً انها ليست التحدي الوحيد الابرز المطروح امام مجلس التعاون في المدى القريب جداً. بل تشكل ايضا زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما المرتقبة الى المملكة السعودية احد ابرز التحديات الاخرى خصوصا في ظل معطيات تحدثت عن لقائه دول مجلس التعاون في أثناء هذه الزيارة وتوجهه الى هذه الدول برسائل تتناول بعض الهواجس التي تقض راحة هذه الدول مجتمعة في ما خص امن الخليج وأفق التعاون والعلاقات على خلفية الاتفاق الغربي الايراني المفترض حول ملف ايران النووي في ظل حاجة الى ان يشكل مجلس التعاون رافعة حقيقية وضرورية لمنحى او توجه سياسي معين في المنطقة تحتم عليه التطورات ان يكون موحداً حول أهداف واحدة وليس متمايزا جداً او متباعداً. وبعيداً من البحث التفصيلي في اسباب الخلافات التي ادت الى سحب السفراء من قطر والتي تسهب في تداولها وشرحها الوسائل الاعلامية في الدول المعنية، فإن هذا المشهد يزيد الخشية من باب امتداد التطورات في المنطقة وتداعياتها على دول مجلس التعاون، علما انه وبالنسبة الى المراقبين المعنيين لا يمكن اعتبار ان هذه الدول كانت بعيدة فعلا عما يحصل من خلال التطورات التي شهدتها البحرين واليمن وما وصل الى ابواب الاردن والمغرب وصولاً الى مصر. وقد شكلت الاجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية قبل ايام في شأن ادراج جماعات وتنظيمات على قائمة الارهاب جزءاً من هذه التداعيات ولكنها ايضا شكلت جزءاً من الصراع الذي تفجر بين دول مجلس التعاون من خلال ادراج تنظيمات كالاخوان المسلمين التي يتردد دعمها من قطر، كتنظيمات ارهابية.

ثمة ترقب في بيروت على الأقل، ولعله كذلك ايضا بالنسبة الى سائر الدول العربية التي غالبيتها على تماس شديد ومتعدد مع دول مجلس التعاون، لمآل الاشتباك او الكباش الديبلوماسي السعودي – القطري خصوصا ان لكل من المملكة وقطر حضورها السياسي ونفوذها وشبكة علاقاتها وحتى امتلاكها مدى واسعا للمساعدات التي يقدمها البلدان. وكذلك ثمة رغبة قوية في الحذر ازاء ابداء اي موقف قد يشتمّ منه اي اصطفاف على أمل الا يطول الخلاف فيحتم انحيازاً موضوعياً او قسرياً في مرحلة ما في ظل تعليق آمال كبيرة على وساطات يعول عليها ان تنجح قريبا جدا وقبل موعد القمة العربية. الا ان ما يخشاه المراقبون الديبلوماسيون المعنيون الا يؤثر الصدع الذي اصاب مجلس التعاون الخليجي على اكتمال المشهد العربي تفككا وانهياراً وضعفاً فحسب، بل ان يساهم ذلك في تردد اصداء تداعيات هذا الصدع في ارجاء المنطقة ودولها في ظل علاقات متشابكة ومصالح متضاربة وتنافس شديد فضلا عن هشاشة باتت ضاغطة في اوضاع دول عربية عدة على نحو يثير تساؤلات اذا كان اشتداد الصراع وعدم رأبه يمكن ان يؤدي الى خلط اوراق جديدا في المنطقة ، او على الاقل الى محاولة النفاذ اقليمياً ودولياً الى الخلافات العربية الجديدة. اذ يعود الى الاذهان ما روجه النظام السوري قبل بضعة اسابيع من عودة الاتصالات القطرية معه عبر قنوات سرية على رغم ان قطر كانت جنباً الى جنب المملكة السعودية الشهر الماضي في الحض على موقف من الامم المتحدة ازاء الازمة الانسانية في سوريا علما ان نموذج ما حصل من خلاف حول مصر ما زال قائما ويشكل سبباً مباشراً في الاشباك الديبلوماسي السعودي القطري الاخير، مما لا يستبعد محاولة النظام السوري وداعميه محاولة الاستفادة من هذا الصدع العربي وتوظيفه في خانة ما يصب في مصالحه. كما لفت المراقبين المعنيين ابراز وسائل اعلام ايرانية اتصالات قطرية عمانية الاسبوع الماضي ادرجتها هذه الوسائل في اطار العمل من اجل الالتقاء على موقف موحد في مواجهة المملكة السعودية.

النهار

عن المصالحة الخليجية و “القصف” المالكي/ زهير قصيباتي

لمصلحة مَنْ القصف على وحدة مجلس التعاون الخليجي؟ أليس النأي بالخليج عن الفوضى العارمة في العالم العربي، صمّام أمان لدوله ومجتمعاته، بل كذلك لكل العرب الذين باتوا في حال حصار بين الحروب والجوع والعوز وطوفان اللاجئين؟

أيهما أهم، انعقاد القمة العربية أم نجاح الجهود الكويتية في التقريب بين نصف دول مجلس التعاون وقطر التي لم تعطِ بعد إشارة الى تبديل في نهج التغريد خارج السرب الخليجي؟ بل هل تكون قمة بلا مصالحة؟

ألم تصبّ “قنبلة” رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الزيت على نار أزمات المنطقة، في قصفه العشوائي واتهاماته للسعودية وقطر بـ “إعلان الحرب على العراق”، مصرّاً على تحميل الآخرين دائماً مسؤولية تشظي بلاد الرافدين وحرقِها بنارَيْ استبداد المحاصصة والإرهاب؟… ولماذا الآن يختار المالكي المواجهة المكشوفة مع المملكة، بعدما كشف ما تنضح به أوردة السلطة في بغداد؟

الأكيد أن ما تشهده منطقة الخليج سابقة منذ إنشاء مجلس التعاون، وإذ يقترب قلق الخليجيين من الذروة يكشف انفجار الأزمات علناً، أن مخاوفهم منذ بدايات ما سمِّي “الربيع العربي” كانت ولا تزال مبرَّرة. فبين شقيق في المجلس لا يرى علاقة بين أمن المنطقة واستقرارها وشظايا الانفجارات الكبرى في العالم العربي، وبين جارٍ عراقي “قوي” بعضلات السلطة، واهن تحت ضربات القتل العشوائي واجتثاث توازن السلطات، وجارٍ إيراني يتمنى استبدال منظومة مجلس التعاون ليصبح الأقوى بين ضعفاء… تنتصب حقائق حقبة مريرة، نتيجة أوهام المغامرين.

على عتبة الخليج أيضاً، اليمن مهدد بحريق كبير، إذ تصرّ أطراف في الداخل والخارج على إحباط نتائج الحوار الوطني، وشطب التسوية الخليجية، وإلا بماذا تُفسَّر الاندفاعة الكبيرة للحوثيين شمالاً، واستعراضهم قوتهم في شوارع صنعاء؟ هل هو قرار ذاتي وبقدرة ذاتية؟ لعل كثيرين يدركون أن مَنْ أحبط اتفاق مكة المكرمة ودمّر مشروع المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، يجرّب ايضاً تغييب مفاعيل التسوية في اليمن، ليضيعَ بلد عربي آخر يُذبح بسكين الإرهاب وسكاكين الانفصاليين.

سنة ثالثة اكتملت في “الربيع العربي”، كان لا بد ان تنعكس ارتداداته على ثوابت في العلاقات الخليجية- الخليجية، خصوصاً لأن في مجلس التعاون مَنْ اختار القفز فوق العمل الجماعي، ليقرر وحيداً “إدارة” الثورات، بما يتلاءم مع نهج تبديل الأدوار والأحجام، والحجَّة دائماً مقولة “مصلحة الشعوب العربية”.

وإذا كان صحيحاً أن مشاريع تبديل خرائط القوى السياسية لم تعد مجرد طروحات أو هواجس، فالصحيح كذلك أن الخليجيين الذين يعايشون اكتواء شعوب عربية بحرائق الحروب والأزمات، يأملون بتطويق تداعيات الخلاف مع قطر، بعدما سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة. لكن مبادرة الخطوة الأولى المطلوبة لرأب الصدع في البيت الخليجي، تقع على عاتق قطر، فيما المُلحّ يتعدى انقاذ مجلس التعاون ووحدته إلى تحصين أمن المنطقة من شرور كثيرة تتربص بها… أقلها أخطبوط الإرهاب الذي تسقط معه النظريات التقليدية حول الحدود وحصانة الكيانات السياسية.

لقد حدّدت السعودية الجماعات والتنظيمات الإرهابية المحظورة. ما الذي تريده قطر؟ هل تختار علناً أم تبقى الوساطة الكويتية معلّقة بانتظار تعريف الدوحة لأمن الخليج؟ كثير من المؤشرات يفيد بنفاد الوقت والصبر وبأن حسم الخيارات الصعبة بات حتمياً. وأما “القصف” المالكي فأبسط حقائقه أنه يتجاهل قدرة الجميع على معرفة مَنْ أرسل ميليشيا “أبو الفضل العباس” إلى سورية، ومَنْ بيته من زجاج.

الحياة

“مقوّيات” للأسد/ امين قمورية

لو أدرجت اللجنة الاولمبية لعبة فن تقطيع الوقت في مبارياتها لكانت الميدالية الذهبية من نصيب النظام السوري بلا منازع، ولو قررت كبرى الجامعات احداث كلية لتدريس الماكيافيلية السياسية لوجب ترك كرسي العمادة للبعثيين السوريين، ولو خصصت لجنة الاوسكار جائزة لاطول الافلام الابوكاليبتية لاقتضى حصر الترشيح لها بفيلم الازمة السورية بادارة المخرج بشار الاسد.

ثلاث سنوات، وفيلم الاثارة والتشويق المجبول بالدم والبؤس لم يتوقف لحظة. النظام لم يفوت فرصة الا اغتنمها لتكريس مبدأ البقاء للقوي. راهن كثيرون على اسقاطه وإلحاق رئيسه بركب بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح. سقط الرهان تلو الرهان، لا بل يكاد يسقط كبار المراهنين انفسهم. حفر كثيرون حفرة في سوريا سقط الجميع فيها الا النظام نفسه الذي لا يزال يناور ويعاند ويلعب. جعل ضعف المعارضة وخلافاتها قوة له وسراً للبقاء. واتخذ من تطرف بعض اطرافها وانجرارهم نحو الارهاب ذريعة وحجة لأبشع انواع الرد الساحق. كما جعلهم ورقة مقايضة في البازار الدولي لمكافحة الارهاب وازمة البديل. افاد من الحلفاء اكثر مما افادوا منه، جعلهم ركيزة لتثبيت حكمه، في حين صار وجودهم في سوريا ضرورة وجودية وخروجهم منها خسارة لا تعوض.

ومع اطفاء الشمعة الثالثة للازمة يثبت النظام انه الامهر في فن كسب الوقت وسياسة حافة الهاوية، واشطر من ماكيافيلي نفسه في علومه، وافضل من حفظ امثولة مصائب قوم عند قوم فوائد. المقويات تنهمر عليه في هذه المناسبة غير السارة للشعب السوري، وجلها كان محظوراً عليه لكنه هذه المرة يأتيه من خصومه. اولى الهدايا جاءت من الخليج، فاول المصابين في حريق البيت الخليجي، المعارضة السورية التي يشكل “الاخوان” ابرز اعمدتها. فالتصنيف السعودي لهذه الجماعة بانها “ارهابية”، هو وصفة لمزيد من الصراع والاقتتال داخل صفوف “الائتلاف الوطني” وداخل صفوف المعارضة عموما. وبما ان رهطاً كبيراً من هذه المعارضة يحظى بالرعاية القطرية في مواجهة كتلة وازنة تلقى دعما من السعودية فلا غرابة ان يتحول الخلاف بين الدوحة والرياض اقتتالاً في الرقة وحلب ودير الزور. وهنا لا يمكن تجاهل انقرة التي توفر قاعدة خلفية للثائرين السوريين، فهي حتما لن تكون راضية عن “اللائحة السعودية”.

حتى مصائب الحلفاء قد تكون فوائد لنظام دمشق. فالصفعة التي تلقتها روسيا في اوكرانيا والتي لا تزال ترن في آذانها قد تحفز موسكو على رد مماثل في سوريا وربما دفعت بدمشق الى مزيد من المماطلة في تدمير ترسانتها الكيميائية وتوسيع حربها على خصومها المحليين.

وفي ظل “المقوّيات الجديدة” كيف يمكن تصحيح الخلل وفرض شروط على النظام؟

النهار

الرهان القطري الخاسر/ موناليزا فريحة

كثيرة هي السياسات الخارجية القطرية الملتبسة. ديبلوماسية مثيرة للجدل من المحيط الى الخليج. ولعل من أكثر وجوهها غموضاً على الاطلاق ذلك القرار الاستراتيجي بدعم “الاخوان المسلمين”. وهو دعم تعود التساؤلات في شأنه الى الواجهة مع تفجر حرب الخليج الباردة. في رأي المراقبين الخليجيين قبل غيرهم، إن موقف هذه الامارة من الجماعة المنبوذة على نطاق واسع يبقى لغزاً، كما المكاسب التي تحققها من سياسة كهذه.

وقد أثارت التحولات الكبيرة في المنطقة العربية شكوكاً عميقة في نيات “الاخوان”. تجربتهم الفاشلة في الحكم في مصر أفقدتهم كثيراً من رصيدهم. وإذا أصرت الدوحة على دعمهم على حساب مصالحها مع الدول الاخرى في المنطقة، قد تكون قررت احياء رهان قديم كاد أن يثمر مع وصول الجماعة الى السلطة في مصر، قبل أن تحاول الاستئثار بكل أجهزتها وتدفع مصر الى حافة حرب أهلية، لينتهي بها الامر جماعة محظورة.

تبدو المغامرة القطرية خطيرة هذه المرة. مصر، مهد الجماعة، انتفضت عليها. وعلى رغم الاستياء من الحكم العسكري الانتقالي، لا فرصة جديدة لـ”الاخوان” في الافق. وحليفهم الاساسي رجب طيب أردوغان يترنح، ولن يكون على الارجح قادرا على توفير دعم مالي سخي لهم. أما السودان وتونس، الدولتان الاخريان اللتان لا تزالان تنحازان الى “الاخوان”، فليس أي منهما في موقع يتيح له توفير دعم كبير لهم.

الثابت أن الاجراءات الخليجية الاخيرة غير المسبوقة تعكس طفحاً للكيل. التدخلات القطرية في مصر خصوصاً تكلف السعودية ثمناً باهظا. خلال سنة، ضخت مع الامارات أكثر من 32 مليار دولار في مصر، من غير أن تكون ثمة نهاية قريبة محتملة للفوضى. الحراك الاخواني والاعتداءات على قوى الامن والفوضى في سيناء كلها تقوض الجهود السعودية لتحصين مصر وتقويتها، في مواجهة تمدد محتمل للنفوذ الايراني في المنطقة بعد رفع الحصار الغربي عنها.

يمكن السعودية، إذا ارتأت ذلك، أن تضيّق اكثر على قطر. فمع أن الامارة غنية ولا تعتمد على مساعدات خارجية، وانها أطلقت قمرها الاصطناعي الخاص لمواصلة بث “الجزيرة” في الحالات الطارئة، تستطيع المملكة التحكم بالحدود البرية الوحيدة للامارة. وسبق لها أن أبدت استعدادها لذلك، عندما تطورت خلافات حدودية بين الجانبين عام 1992 الى اشتباك مسلح سقط فيه قتيلان. وعلى المدى المتوسط، يمكن السعودية أن تقوض الحلم القطري باستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم سنة 2022.

حاليا، تبدو قطر أمام الاختبار الاصعب يواجهه أميرها الشاب، فإما أن تتخلى عن “الاخوان”، وهو ما سسبب لها مشاكل داخلية، وإما أن تمضي في المواجهة وتثبّت تحالفاتها مع ايران وسلطنة عمان، وهو ما لن يكون بلا ثمن خليجياً.

النهار

الغضب الخليجي من قطر/ محمد خلفان الصوافي

المشهد السياسي الذي تعيشه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ أسبوع، خاصة بعد قرار الإمارات والسعودية والبحرين؛ يدل على رغبة الدول الخليجية الثلاث في وضع حد للدور القطري في مسألتين اثنتين: المسألة الأولى، عدم استغلال الدوحة المظلة الإقليمية الخليجية سياسياً والتحرك باسمها، فمعظم قرارات قطر لا تصب في مصلحة دول «التعاون»، والمثال على ذلك الموقف السياسي في لبنان عام 2008، والذي خرج بما عرف «باتفاق الدوحة» والذي حصل من خلاله «حزب الله»، الجناح الموالي لإيران، على الجانب الأكبر. المسألة الثانية: أن الدول الخليجية لن تقبل بعد اليوم الإساءة لها تحت أي مظلة تعتقدها الدوحة، حتى لو كانت تحت مسمى حرية الرأي عبر قناتها «الجزيرة» أو منبر صلاة الجمعة الذي تعوّد القرضاوي على توجيه انتقاداته منه لدولة الإمارات.

غضب الحكومات الخليجية الثلاث؛ من تصرفات الحكومة القطرية لا يقل عن غضب الرأي العام في الخليج؛ حتى في تلك الدول التي لم تسحب سفراءها، لأن «ميراث» السياسة القطرية مملوء بإغضاب الآخرين عبر «الجزيرة». بل إن هناك إجماعاً خليجياً وعربياً على الغضب من قطر وربما تعليقات المراقبين على القرار الخليجي تعطينا مؤشراً على ذلك.

كان واضحاً منذ زمن تعمد السياسة القطرية شق الصف الخليجي وقبله المواقف العربية (منذ 1995 حتى اليوم لم تكن تعقد قمة عربية مكتملة أو من دون وساطات مسبقة بسبب سياسات قطر). وهناك إجماع أيضاً؛ على أن جميع مواقفها السابقة ضد أبناء المنطقة مقصودة، وليست مجرد أخطاء أو مصادفات.

كانت قطر في فترة ما قبل «الربيع العربي» أكثر تنسيقاً مع إيران وسوريا في القضايا الإقليمية وربما القضية الفلسطينية والوضع السياسي اللبناني بشكل خاص، ولكن خلال «الربيع العربي» وبعده أصبحت على علاقة كبيرة بتركيا و«الإخوان المسلمين». بل إنها تستضيف مؤسسة هدفها زعزعة استقرار المنطقة، وهي «أكاديمية التغيير»، كما تعمل فيها شخصيات معروفة بتهديد استقرار الدول العربية. وبالنظر إلى تلك المواقف فإن تداعيات المرحلتين، ما قبل «الربيع العربي» وما بعده، تؤكد أن قطر تسير على خلاف السياسة الخليجية عموماً، وبالتالي فالوضع لا يبدو أنه يخدم الاتفاق الذي أنشئ عليه المجلس الخليجي.

إذا كان رد الفعل القطري على القرار هو عدم التراجع عما يهدد المنطقة، فإن ذلك يستدعي إلى الذهن تلك الطموحات القطرية في لعب دور سياسي في المنطقة، وهذا حقها ولا يمكن لأحد الجدال فيه، لكنها بذلك تتجاوز ذلك الكثير من الاعتبارات الاستراتيجية المهمة منها: الحجم الجغرافي أو العمل الجماعي، كما تتجاوز الكثافة السكانية؛ وهما عاملان مهمان جداً. كما تجاهلت الثقل السياسي ومدى التأثير في المواقف. وقد استفادت قطر في لعب ذلك الدور- وإن كان جزئياً- بسبب تراجع الدور السياسي للدول العربية الإقليمية: مصر والسعودية والعراق وسوريا، وكانت تنسق في ذلك مع دول منافسة للعرب مثل تركيا وإيران. كما كانت تستخدم المال في إيجاد حلول وقتية لملفات عميقة الخلاف مثل الوضع في السودان وقضية الخلافات بين الفصائل الفلسطينية وفي لبنان واليمن.

التحركات السياسية القطرية كانت لها تداعيات أو بالأصح «ارتدادات استراتيجية» على الأمن الوطني الخليجي؛ أي أن المصلحة الأمنية الخليجية في خطر؛ فـ«الإخوان المسلمون» اليوم هم مصدر التهديد الأول في الدول العربية، و«حزب الله» الذراع العسكرية لإيران في المنطقة، والحوثيون مليشيات على الخاصرة الخليجية. وهناك تداعيات لإضعاف الموقف السياسي الخليجي عن حسم قضايا سياسية في المنطقة، منها الوضع السوري أو اللبناني وكذلك الوضع الأمني في مصر، لذا كان لابد من موقف خليجي واضح مدعوم من الدول العربية للحفاظ على المنطقة أو إعادة تعريف مفهوم «مجلس التعاون لدول الخليج العربية».

يبدو أن القرار «الثلاثي» لن يقف عند حد سحب السفراء، بل هي خطوة أولى ضمن سلسلة من الإجراءات ستلحقها في المستقبل، إذا أصرت القيادة القطرية على السير في الخط نفسه وعدم مراجعة ما تقوم به. «الكرة» الآن في الملعب القطري للتفضيل بين البقاء مع «الأشقاء» الخليجيين أو الاستمرار في التغريد «خارج السرب»، كما أن الأمر متروك لبقية أعضاء دول المجلس التي لم تنضم إلى الدول الثلاث، سواء بإقناع قطر بإعادة النظر في موقفها أو إعلان موقفها صراحة. لأن هناك في الأفق الإعلامي؛ احتمالات لتصعيد العقوبات، وربما إغلاق الحدود وعقوبات اقتصادية، وربما تجميد عضويتها في المجلس.

قطر تدفع الآن ثمن مغامراتها السياسية التي لا تعرف حدوداً، ولا تضع حساباً للعواقب التي يمكن أن تتركها. أحد تلك الأثمان رفض الدول الخليجية أي وساطة لإعادة الأمور إلى مرحلة ما قبل سحب السفراء من دون أن تتوقف قطر عن العمل على تهديد الأمن الوطني الخليجي. ويعتقد البعض، أن مسألة سحب السفراء غير كافية لدولة مثل قطر التي تعودت على هكذا مواقف؛ ففي السابق استدعت السعودية سفيرها من الدوحة، لكن ممارسات قطر لم تتوقف، لأنها كانت تجد من يساندها؛ وبالتالي فإن مسألة زيادة حجم العقوبات على قطر ينبغي أن تزيد، بل المطلوب عدم فتح باب للوساطات من قبل الدول التي تقف معها، خاصة أن القرار جاء بعد مشاورات سياسية خليجية.

تقع مسؤولية حالة التوتر السياسي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي على قطر وحدها؛ هذه حقيقة. فهي تعودت الاصطدام مع الأشقاء سواء في عهد الحاكم السابق «الأب»، حمد بن خليفة آل ثاني، أو ابنه تميم، الحاكم الحالي، مع أن التوقعات والوعود كانت بأن هناك «سياسة قطرية جديدة»، لكن الوضع لم يختلف أبداً. فلم تكن هناك سياسة جديدة. وكانت قطر تسعى دائماً إلى تصعيد الموقف السياسي مع أن الآخرين يحاولون التهدئة، ولأن الرسالة الخليجية وصلت إلى الدوحة وإلى من يدعم سياستها، فإن الجميع ينتظر موقفاً قطرياً إيجابياً، وكذلك كان المأمول من عمان والكويت، على اعتبار أن الوضع ليس بحاجة إلى تهدئة النفوس بقدر ما أنه بحاجة إلى التفكير في تداعيات التصرفات السياسية الأحادية، وأحياناً الشخصية التي لا تعبر عن عمل جماعي.

الاتحاد

مع قطر.. المشكلة أكبر من مصرّ/ تركي الدخيل

ما أن قررت الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) أن تسحب سفراءها من الدوحة، حتى هبّت الأقلام المنتقدة والمدافعة عن قطر والمتسائلة عن سبب هذا الخلاف. بالتأكيد أن الخلاف يعود إلى ممارسات دامت أكثر من خمس عشرة سنة، منذ أن بدأت الجارة «الشقيقة» تحاول القيام بأدوار أكبر من حجمها. من حق الدول أن تفعل ما تشاء، حتى لو قررت الدوحة الوساطة بين الصين وروسيا، وأوكرانيا والقرم، لكن ليس من حقها أن تتدخل في شؤون غيرها!

لكن المتابع للسياسة القطرية، يلحظ أنها قائمة على فعل الشيء ونقيضه! علاقات مع إسرائيل، وأخرى مع «حماس»! استضافة القاعدة الأميركية في العديد، وتبني خطاب «القاعدة» الإعلامي وبثه عبر «الجزيرة».. تبني «الإخوان المسلمين»، وفتح المنابر للقرضاوي لينتقد الإمارات والسعودية، وافتتاح جامع محمد بن عبدالوهاب، في محاولة للتشبث بالوهابية، لكنها ستكون وهابية إخوانية، وهي من عجائب الزمان القطري!

وبينما تؤيد قطر تنديداً من مجلس التعاون الخليجي بممارسات «حزب الله» في البحرين، تجدها تتبنى تهيئة المنابر لأقطاب المعارضة البحرينية التي تسعى لإسقاط حكم آل خليفة، خلافاً لتدريب بعضهم في «أكاديمية التغيير» وغيرها من جمعيات همّها استضافة المعارضين لدول الخليج الثلاث، بل بالإضافة للكويت وعُمان!

حين كانت السعودية تعمل في لبنان من خلال دعم الاستقرار وتثبيت حكم الأغلبية الفائزة في الانتخابات البرلمانية، كانت قطر تدعم الأطراف الأخرى، وعلى رأسها «حزب الله» الذي احتل بيروت في مايو 2008!

يحاول المدافعون عن قطر، تصوير المشكلة كخلاف بين الدول الثلاث وقطر على الوضع المصري، وهذا جزء من المشكلة، لكنه ليس لبها.

المشكلة أكبر من مصر، إنها أزمة سياسة داخل البيت القطري، حين تكون خاصرة الخليج مكشوفة بفعلٍ قطري بني على تحالف قوي بينها وبين «الإخوان»، فإن من حق دول الخليج أن تقلق. هناك دعم من قطر لجماعات انفصالية، وجماعات تستخدم العنف. ولقد بقي الإعلام القطري منتقداً لسيادة الإمارات حين ضربت بقوة الخلايا الإرهابية، ومارس الإعلام القطري وأتباعه ضرب السعودية عبر الأخبار والضيوف والبرامج، وادعى أن ما يجري في البحرين من ثورة ومحاولة لقلب نظام الحكم، لا يعدو كونه مطالبات حقوقية!

حين يكون هذا المنطق ضد الدول الشقيقة فماذا ستفعل قطر زيادةً على هذا ضد الدول العدوة؟!

كبّرت الدول الخليجية عقلها طوال عقدٍ ونصف، وكان الوسطاء يقومون دائماً برأب الصدع، لكن وبعد أن امتدت الممارسات لتمس سيادة الدول، فإن أسس الأمن القومي لأي دولة يحتم عليها مواجهة هذا الخطر بكل السبل المتاحة. وإذا كانت قطر على قناعة بأنها تستطيع الاستغناء عن دول تحيط بها جغرافياً وسوسيولوجياً وأمنياً واقتصادياً، فهذا وهم كبير ربما تكتشف زيفه بعد أن تنضج. فمجلس التعاون الخليجي أوجد بغرض أن لا تبتلع القوى الكبرى أي دولةٍ صغيرة كانت أم كبيرة.

كل ردود الفعل على الإساءات القطرية كانت حكيمة، لم ينطق مسؤول سعودي ضد قطر بكلمة رغم كل الممارسات، وبعد طول صمت تحدثت الإمارات بأسلوبٍ هادئ رزين حكيم، وحين تحدث الشيخ محمد بن زايد عن الهجوم الذي مارسه أحد الدعاة القطريين من أصل مصري، تحدث بأخوة و«عشم» في أن يكون ساسة قطر على قدر حسن الظنّ الذي يكنّه لهم.

لا أحد يتمنى الشر لقطر. أهلها أهلنا، وما يضرهم يضرنا، لكننا نجزم بأنهم لا يقبلون بالضرر لأهلهم في السعودية، والإمارات، والبحرين!

الاتحاد

مَن المستفيد من الأزمة السعودية – القطرية وهل يقوم تحالف في المنطقة لضرب الإرهاب؟/ اميل خوري

سئم الناس من متابعة تقلبات أخبار البيان الوزاري وراحوا يتطلعون إلى الخارج لأنه هو الذي يرسم صورة الداخل ليس في لبنان فقط، إنما في المنطقة، وأهم ما ينبغي انتظار نتائجه هو لقاء القمة الأميركية – السعودية المرتقبة خصوصاً بعد الأزمة مع قطر وما قد يكون لها من انعكاسات داخل مجلس التعاون الخليجي إذا لم يتم التوصل إلى حلّ لها.

لقد استفادت اسرائيل من ضعف جامعة الدول العربية ومن تخبط عدد من دولها في حروب داخلية لم تنته كي يقوم فيها حكم مستقر، فمن سيكون المستفيد من الأزمة مع قطر المتهمة بمخالفة السياسة التي رسمها مجلس التعاون خصوصاً ما يتعلق بـ”الاخوان المسلمين” الذين تدعمهم قطر مالياً وإعلامياً، وصار دورها بالتالي مغايراً لدور السعودية باقترابها من إيران كمحور ممانعة. فهل تلعب الكويت دور رأب الصدع فيعود مجلس التعاون إلى تضامنه وإلا فإن إيران قد تكون المستفيدة من استمرار التصدع وكذلك النظام في سوريا، ويجد لبنان نفسه مربكاً نظراً إلى علاقاته الطيبة بكل من الدولتين وما تلقّى منهما من مساعدات مالية.

ويشار إلى ان مجلس التعاون الخليجي تأسس عام 1981 ليكون جامعة للدول العربية الست التي تملك صفات اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابهة، وهي في حاجة الى أن تكون متعاونة لمواجهة طموحات توسعية لدول في المنطقة، وهذا ما جعل العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز يطلق في قمة الرياض عام 2011 دعوة للانتقال من حالة “التعاون” الى “الاتحاد” من اجل تنسيق السياسات العليا في مجالات الاقتصاد والدفاع والأمن والطاقة من دون مساس بسيادة أو بهوية داخلية، وهو تنسيق بات ضرورياً ومهماً وسط الاضطرابات الحادة في العالم العربي.

ان ما حصل بين السعودية والبحرين والامارات من جهة وقطر من جهة أخرى يطرح جملة أسئلة منها: هل تقوم تحالفات جديدة متنافرة في المنطقة لا تأخذ في الاعتبار لا الجغرافيا ولا التاريخ ولا المصالح المتشابكة في عمق النسيج الخليجي، وأين يكون موقف إيران من هذه التحالفات، هل تنضم إلى أحدها، أم انها تكتفي بممارسة سياسة اللعب على التناقضات بين دول الخليج فيكون لها الدور الأقوى، وأين تقف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من هذه التحالفات إذا ما قامت، لا بل أين تقف بين السعودية وقطر إذا لم يتم رأب الصدع؟

الواقع ان ما حصل في مجلس التعاون الخليجي يزيد أهمية زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للسعودية التي يؤمل أن ترسم نتائجها خريطة طريق لحلول في دول المنطقة، ولتحقيق سلام شامل يجعل اسرائيل دولة منها وليس فيها ويضمن استقرارها وازدهارها، وهذا يتطلب الاتفاق على تحديد المنظمات والمجموعات التي توصف بالارهابية لمكافحتها وقد اصبحت العدو المشترك لكل دول العالم وينبغي أن تتضافر كل الجهود لضربها واجتثاثها من جذورها، واعتبار كل دولة تحتضن أو تمول الارهابيين مستهدفة وشريكة في أعمال الإرهاب.

لقد أدرجت السعودية جماعة “الاخوان المسلمين” وفروعها المتمثلة في الجماعات الجهادية المختلفة من “داعش” و”النصرة” وغيرهما ضمن الجماعات الارهابية، واتخذت قراراً بمعاقبة كل سعودي يقاتل في سوريا وعزل داعمي الارهاب الذي ينخر في الداخل العربي خدمة لاسرائيل ولأعداء العرب.

إن ما يهم دول العالم شرقاً وغرباً يميناً ويساراً هو ضرب الارهاب قبل أن يصل إلى قلب هذه الدول ويضربها، وهذا ما جعل ايران ومن معها تدخل في تنافس مع السعودية ومن معها على محاربة الارهاب لكسب ود الولايات المتحدة الاميركية وروسيا ودول الغرب. فهل يصير اتفاق على تحديد المنظمات الارهابية، أم يقوم خلال على ذلك؟ لقد حددت السعودية هذه المنظمات فهل توافق الولايات المتحدة الاميركية على ذلك، أم إن لديها لائحة أخرى بالمنظمات الارهابية انطلاقاً من تصريحات للخارجية الاميركية تقول “بتوسيع الشراكة القطرية – الاميركية للدور الذي تلعبه في تغيير المنطقة العربية في مرحلة الاضطراب التي تمر بها المنطقة”.

ولا شك في أن الزيارة الرئاسية الاميركية للسعودية سوف تكون مهمة بنتائجها، فإما يصير اتفاق وتفاهم على السياسة الواجب اتباعها في المنطقة لضمان الامن والاستقرار فيها، وهذا يتطلب التعاون بين الجميع بما في ذلك ايران المستعدة للدخول في محاربة الارهاب بحيث لا تبقى اي دولة نصيرة او حاضنة او ممولة له. فهل تنجح الولايات المتحدة الاميركية في جمع دول المنطقة في حلف واحد لمحاربة الارهاب ومنع وصوله الى قلب دول الغرب ودول الشرق، وهل يصير اتفاق على تحديد المنظمات الارهابية.

النهار

المستفيدون والمستهدَفون من تفكيك مجلس التعاون الخليجي راغدة درغام

المستفيدون الإقليميون من تفكيك مجلس التعاون الخليجي هم إيران وإسرائيل بالدرجة الأولى، وكذلك تركيا. المملكة العربية السعودية تقع في طليعة المُستهدَفين نتيجة أي تفكيك لمجلس التعاون الذي يمثّل تكتّلاً أمنياً واقتصادياً وسياسياً، لأنها الوزن الأكبر في ذلك التجمّع. السياسة السعودية نحو مصر –والتي تدعمها فيها دولة الإمارات العربية– دقت ناقوس الخطر في أذهان المعارضين الإقليميين والدوليين لأي صعود عربي في موازين القوى الإقليمية، وهي سياسة مهمة جداً استراتيجياً وناجحة حتى الآن، بينما السياسة الخليجية نحو سورية لامست أو تلامس الفشل، وهي في أقصى حاجات المراجعة الشاملة، سيما على ضوء قرار دمشق الإطاحة بالعملية السياسية الانتقالية في سورية عبر إجراء الانتخابات الرئاسية هذا الصيف، فسورية والعراق، وهما الدولتان العريقتان الأساسيتان عربياً في موازين القوى الإقليمية، باتتا في الكفة الإيرانية الآن وليس في الكفة العربية. الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تبعثرت على اختلاف أولويات كل منها، وبالذات القطرية والعمانية، وهذا يتطلب أولاً الإقرار الصريح بواقع التوجهات المختلفة لكل من الدول الست، وثانياً التفكير مليّاً بمعنى إنشاء نظام أمني إقليمي بديل وأبعاده، وثالثاً التعرف بدقة إلى موقف الولايات المتحدة من موازين القوى الإقليمية على ضوء التعاضد السعودي– المصري بدعم إماراتي تخشاه إسرائيل وتعمل ضده، ورابعاً جسّ نبض ما إذا كانت واشنطن تدعم تفكيك مجلس التعاون الخليجي وترى في التفكيك وسيلة من وسائل إرضاء إيران.

زيارة الرئيس باراك أوباما إلى الرياض تتطلب فرزاً جذرياً لهذه التساؤلات وإجابات استراتيجية متماسكة على مختلف الأصعدة والملفات.

إن مراقبة العلاقة الأميركية– الروسية على ضوء التطورات في أوكرانيا مهمة بالطبع، إنما يجب عدم الخلط بين الحزم والجزم في الملف الأوكراني وبين الأمل بانعكاس ذلك على العلاقة الأميركية– الروسية في بعدها السوري والإيراني، أو الإسرائيلي، أو الخليجي أو غيره.

ما يحدث في أوكرانيا يقع في معادلة حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استُدرِج إلى التورط بإجراءات مكلفة له ولروسيا مهما بدا له أنه يتحدى الغرب وينتصر عليه ويحبط خططه. لقد نصب بوتين لنفسه فخاً أو وقع في الفخ الذي نُصِبَ له.

إجراءات ضم شبه جزيرة القرم تلبي متطلبات القومية الروسية الجامحة، إنما هذا الضم يقدم بقية أوكرانيا على طبق من ذهب إلى حلف الناتو وينفذ بذلك رغبات الانتفاضة الأوكرانية ضد روسيا.

وكما لخّص أحد الديبلوماسيين الغربيين المعادلة: إن الجائزة الأولى هي كييف وليس القرم. استئثار موسكو بالقرم يعني خسارتها كييف، ثم إن قيام موسكو بضم القرم يعزز مقولة دول البلطيق الراغبة بالانضمام إلى الناتو أن العدو هو روسيا، وأنها بحاجة للحماية عبر مظلة الناتو. بكلام آخر: إن ما سهّل أرجحية -أو حتمية- انضمام أوكرانيا إلى الناتو هو تماماً الأزمة الأوكرانية والإجراءات الروسية إزاءها، بالذات عبر إعادة امتلاك القرم، التي أهداها خروتشيف في القرن الماضي إلى أوكرانيا.

الغرب لا يعير القرم تلك الأهمية الفائقة، فمنذ البدء أرادت أكثرية دول الناتو أن تنضم أوكرانيا إلى الحلف. بوتين تصرف باعتباطية القومية اللامنطقية عندما قفز في فخ ضم القرم، متناسياً أن القرم مجرد ملحق وليس الأساس في الاستراتيجية الغربية نحو أوكرانيا.

إجراء الضم يعني عملياً بدء صفحة جديدة للدول الراغبة بالانضمام إلى الناتو، مثل أستونيا ولاتفيا، وهو أيضاً يعني بدء صفحة التقسيم وإعادة رسم الحدود في دول آسيا الوسطى، بدءاً بكازاخستان وغيرها، فوحدة الأراضي وسلامتها مبدأٌ رفعته روسيا شعاراً لها وتقوم الآن بأيديها بتمزيقه عملياً، إما لأنها وقعت في فخ الاستدراج أو في فخ القومية اللاعقلانية.

الدول الغربية مدت الحبل إلى بوتين ليشنق نفسه بنفسه، وكل ما عملته في الأمم المتحدة هو تأكيد المبادئ العامة، بما فيها مبدأ «سلامة الأراضي»، مع العمل نحو شرخ العلاقة الروسية– الصينية في إطار هذا المبدأ، وهي لو فشلت في عزل الصين عن روسيا، فإنها وضعت أولوية واضحة لها، وهي تعميق الحفرة التي تقع فيها روسيا.

حتى ألمانيا وجدت صعوبة في الاستمرار بالدفاع عن روسيا والانفصال عن بقية دول الاتحاد الأوروبي في عدة قضايا تتعلق بالموقف الروسي، وهذه موسيقى عذبة في آذان عدة دول أوروبية.

كل هذا لا يعني إطلاقاً أن الدول الغربية على استعداد لمواجهة مباشرة مع روسيا تتعدى العقوبات والعزل، فلا حاجة لها لأكثر طالما حصلت على جائزة كييف في صفوف حلف الأطلسي.

فلاديمير بوتين قد يقرر -وهذا مستبعَد- حصر خسارته والتوجه إلى مقايضات وتفاهمات كبرى مع الدول الغربية، وقد يقرر بدلاً من ذلك ترسيخ «انتصاراته» في أماكن أخرى، مثل سورية.

الدول الغربية لا تبالي بانتصارات روسيا في سورية، فالساحة السورية بدورها موقع انزلاق القدم لروسيا مهما تخيّلت موسكو انها تفوز بالجائزة الكبرى في تلك البقعة من الشرق الأوسط.

أخلاقياً، الدول الغربية -وبالذات الولايات المتحدة- مفلسة في كيفية تعاملها مع سورية بقدر إفلاس روسيا والصين معها، وبراغماتياً سورية هي مستنقع لروسيا وحلفائها في المحور، بغض النظر عن الانتصارات العسكرية الآنية. من وجهة النظر الأميركية، الفوز بدولة ممزقة، على شفير هاوية التشرذم، ساحتها مباحة في حرب الإرهاب واستقطاب أيديولوجية التدمير، قيادتها مرفوضة من قِبَل نصف الشعب، تراثها يُدمّر، وشعبها يُشرّد، ليس فوزاً ولا انتصاراً حقيقياً… إنه تورط لدولة كبرى اسمها روسيا في حرب أهلية في سورية، وهذا يصبّ في المصلحة الغربية، فواشنطن ليست منزعجة من عنجهية روسيا وغطرستها في سورية طالما أن هذه الدولة الكبرى تهبط إلى مستنقع حرب أهلية وتنصب نفسها الواجهة والعنوان للحرب على الإرهاب.

كل هذا لا يعفي الأميركيين ولا الروس من الإثم الأخلاقي في سورية، التي باتت شاهدة على انحدار القيادتين إلى الحضيض باسم الدفاع عن المصالح القومية لكل منهما.

الممثل الأممي والعربي في سورية الأخضر الإبراهيمي راهن على صياغة توافق أميركي– روسي في الشأن السوري، وخسر الرهان، فكل منهما في وادٍ: واشنطن لن تنخرط في سورية وستبقى في تملص ونأي بالنفس عنها للمرحلة الآتية، وروسيا ستبقى حليفاً للنظام في دمشق مهما كان.

استراتيجية النظام في دمشق في شقها الأول قامت على نسف بيان جنيف– 1 الداعي إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي في سورية، عبر الإصرار على تقزيم المسألة السورية إلى حرب على الإرهاب، وهكذا توقفت محادثات جنيف- 2 عند ذلك الإصرار ورفْض محاولات التأقلم معه، باقتراح الإبراهيمي عقد محادثات متوازية تعالج مطلب التطرق إلى مسألة الإرهاب مع الهدف الأساسي لمحادثات جنيف، وهو تنفيذ بيان جنيف1، أي إنشاء هيئة الحكم الانتقالي.

الشق الثاني من استراتيجية نسف إنشاء الحكم الانتقالي ينفذ الآن عبر إجراء الانتخابات الرئاسية السورية. واقع الأمر أن مجلس الأمن لن يتحرك قيد أنملة لوضع العصا في عجلة هذه الانتخابات، التي تريدها روسيا بقدر ما يريدها النظام في سورية، وواشنطن لن ترفع أصبعاً.

هذا سيضع السعودية في موقع يضطرها إلى صياغة موقف واضح من التطورات السورية عشية وصول الرئيس أوباما إليها. الإبراهيمي وفق المصادر، يعتزم زيارة طهران غداً السبت، ربما في محاولة لطلب مساعدتها في حلحلة العقدة الانتخابية في سورية، وربما لإصلاح العلاقة بين طهران والأمم المتحدة بعدما سحب الأمين العام بان كي مون دعوته إليها لحضور جنيف– 2. أمام الرياض إذاً إما تعزيز دعمها الفعلي للمعارضة السورية في الميدان عسكرياً، أو إعادة النظر في مواقفها المعلنة لإسقاط النظام في دمشق والتعايش مع بقائه في السلطة عبر الانتخابات، وهذا ما تريد واشنطن بحثه بوضوح مع الرياض أثناء زيارة أوباما.

الزيارة لن تنصبّ حصراً على المسألة السورية، وكلا الطرفين يودّ للزيارة أن تخرج بعنوان استمرار العلاقة الثنائية التاريخية، مهما كان.

حقيقة الأمر أن إيران ومصر وفلسطين والعراق هي في طيات العلاقة الثنائية، وليس فقط سورية:

فبالنسبة إلى فلسطين، هناك توافق على الدور العربي، بالذات السعودي، في مساعي التوصل إلى اتفاق فلسطيني– إسرائيلي لتحقيق حل الدولتين.

أما مصر، فليست موقع توافق، سيما في إطار العلاقة الاستراتيجية السعودية– المصرية ووقْعها على معادلة موازين القوى الإقليمية، فواشنطن تلبي تل أبيب في مقاومتها صعود تحالف عربي وازن ضمن القوى الإقليمية.

سهواً أو عمداً، مواقف قطر نحو مصر تلبي الرغبة الأميركية– الإسرائيلية بقطع الطريق على تحالف سعودي– مصري هدفه الرئيسي استعادة الوزن العربي في موازين القوى الإقليمية. عنصر «الإخوان المسلمين» ليس سوى تفصيل جانبي في المعادلة.

الأزمة الأخيرة في العلاقة السعودية– القطرية لها أيضاً بُعد مهم في إطار مجلس التعاون الخليجي، لجهة بقائه أو تفكيكه، وهذا بدوره يدخل في معادلة موازين القوى وأنظمة الأمن الإقليمية.

قطر لم تتخلَّ قطعاً عن علاقتها التقليدية الجيدة بإيران، على الرغم من افتراقهما في المسألة السورية، وحرصت قطر كما عُمان، على التجاوب مع مطلب إيران الرئيسي الداعي إلى إنشاء نظام أمني يضم دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق في منظومة أمنية جديدة. هذا المطلب يتطلب، عملياً وواقعياً وبراغماتياً، تفكيك مجلس التعاون الخليجي.

عُمان أوضحت توجهها إيرانياً منذ فترة، وهي تعارض المطلب السعودي بإنشاء «اتحاد» بين دول مجلس التعاون الست: السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، عمان والبحرين. زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى مسقط هذا الأسبوع شددت على أواصر العلاقة بين الدولتين اللتين تسيطران على ضفتي مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يعبره 40 في المئة من نفط العالم بحراً. وزير الخارجية يوسف بن علوي حرص على إبراز دور عمان في التقارب الأميركي– الإيراني سراً وعلناً منذ أيام الرئيس بيل كلينتون، وموقف عُمان من سورية -مثلاً- يتطابق مع موقف إيران وروسيا والنظام في دمشق، بأن سبيل الحل هو «إخراج الإرهابيين الأجانب من سورية».

مجلس التعاون الخليجي إذاً في مأزق، وفي اختلاف، وتفكك، وهما مطلوبان إيرانياً وإسرائيلياً، وربما أيضاً أميركياً. وما تهجُّم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على السعودية سوى جزء من استراتيجية تفكيك مجلس التعاون ليحل مكانه التصور الإيراني لنظام أمني جديد ولسياسة بديلة نحو سورية.

الحياة

حرب سوريا في الخليج/ سميح صعب

وفي السنة الرابعة للحرب على سوريا، بدأت تظهر مفاعيلها في اكثر من منطقة في الاقليم. إذ لا يمكن فصل الخلاف المستعر بين السعودية وقطر عن اصل مشروع التغيير الذي حملت لواءه الدوحة من تونس. فقطر جيرت الاضطرابات التي سماها الغرب “الربيع العربي” لمصلحة “الاخوان المسلمين”. وعليه باتت قطر قاطرة الاحداث في العالم العربي وتولت زمام القيادة ردحاً من الزمن كما تبين التطورات المتسارعة لحذف سوريا من المشهد الاقليمي واسقاطها بسرعة في أيدي “الاخوان المسلمين”. ولو تم لقطر ذلك لكان “الاخوان” حكموا اهم بلدين عربيين، مصر وسوريا، انطلاقا من الدوحة.

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. سوريا لم تسقط وان تكن دُمرت وتشظت. ولم يستطع الغرب بعد هضم القوى الجهادية التي افرزتها المغامرة الخليجية في سوريا من غير ان يعني ذلك ان اميركا مستعدة للتراجع عن مطالبتها برحيل الرئيس بشار الاسد الذي اطلقته الدول الخليجية ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ولا تزال تقف عنده بعد اربع سنوات من الحرب.

أما الواقع السوري اليوم، فليست سوريا وحدها التي تعيشه. فالعراق يعيش الحرب الطائفية مجددا، ولبنان ليس افضل حالا مع التفجيرات المتنقلة والسير نحو الفراغ الدستوري في مؤسسات الحكم، فيما الاردن يغالب الضغوط الغربية والعربية التي تدعوه الى دور اساسي في مساعدة المعارضة السورية “المعتدلة” على اختراق دمشق انطلاقا من درعا من غير ان يؤخذ في الاعتبار كون خطوة كهذه يمكن ان تفجر الاردن من داخل.

ويغرق اردوغان، الذي رأى ان اسقاط سوريا سيكون ممرا لحكم “الاخوان المسلمين” الشرق الاوسط بكامله وربما ما هو أبعد، في دفع اتهامات الفساد عنه وعن المحيطين به ويحاول عبر ايران الحصول على “تهدئة” في الموضوع السوري.

ولم تتخلف “حماس” عن المشهد والتقلبات في المنطقة. واعتقدت الحركة انه بوصول “الاخوان” الى السلطة، يجب ان تشارك في وصولهم الى السلطة في سوريا، فكان التورط في القتال بعد “نصائح” وجهها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل الى الاسد، بان “يستجيب لمطالب الشعب السوري”، تماما كما هي فاعلة “حماس” في قطاع غزة!

وهكذا فإن اربع سنوات من الحرب على سوريا لم يخرج منها مستفيد واحد سوى اسرائيل التي يستطيع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ان يقول اليوم في وجوه العرب والغرب انه من دون شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين والاعتراف باسرائيل “دولة لليهود” لن يوقع اتفاق سلام.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى