صفحات العالم

مقالات تناولت الاسلحة الكيمائية في سورية

بين الطحين والسلاح الكيميائي في سوريا

خطار ابو دياب

صدّق أو لا تصدّق. في برنامج “من دمشق” على قناة NBN الفضائية اللبنانية، استضاف عباس ضاهر ـ يوم السبت 8 كانون الأول ـ مدير مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية في دمشق، الدكتور خالد المطرود الذي قال حرفياً: “حقيقةً ما أشيع عن السلاح الكيماوي الذي أطلقه الجيش، هو أن الجيش العربي السوري استفاد من هذه الإشاعة و”البروباغاندا” التي أطلقتها بعض المعارضة المسلّحة الخارجية، واستخدم مادة الطحين في عملية نوعية في بعض المناطق، ورشّ الطحين من الطائرات، ما جعل المسلّحين يظنونه مادة كيماوية، فخرجوا من أوكارهم وقام الجيش العربي السوري بصيدهم بكل سهولة”.

يأتي هذا الكلام المضحك وهذا الأسلوب الدعائي في حمأة المأساة السورية، بينما تكتفي المجموعة الدولية بإطلاق التحذيرات والإنذارات ليمتنع النظام السوري من اللجوء إلى السلاح الكيميائي. وإمكان تطبيق العقوبة بعد التنفيذ، دفع بناشطين سوريين الى التساؤل هل النظام سيفسّر ذلك كترخيص ضمني لتخطي الخطوط الحمر، خصوصاً أنه بفضل حماية حلفائه استخدم السلاح الثقيل والطيران الحربي، ولم يتورّع عن إزهاق حياة الألوف من المدنيين السوريين الأبرياء.

كما في كل أزمة أو نزاع، تدخل الحرب النفسية والإشاعات من الباب الواسع. ألم يصرّ الإعلام الرسمي السوري على أسطوانة المؤامرة الكونية منذ أحداث درعا، زاعماً أن المتظاهرين ضد النظام في دمشق خرجوا يهللون للمطر وليس احتجاجاً عليه. أما بالنسبة إلى “المنحبكجية” من أنصار الأسد، فقد وصل الأمر ببعض مواقعهم الإلكترونية إلى الحديث عن “تحريك سوري لإعصار ساندي الأميركي”.

بيد أنّ “حكاية الطحين” الذي ترشه الطائرات للتخويف من السلاح الكيميائي، يُعدّ بلاهة جديدة لأن هناك صوراً وفيديوهات غير مفبركة تُبيّن استخدام الطيران العسكري السوري أنواعاً من الفوسفور الأبيض (إلّا إذا اخترعوا الطحين الفوسفوري) سبق لإسرائيل أن استخدمته في حرب غزة (2008 – 2009)… وللمزيد من الالتباس، يحرّض موقع إلكتروني سوري على “إمكان استخدام السلاح الكيميائي بشكل فعال ضد الأفراد، وإبقاء البنية التحتية في مأمن من التدمير”، وكأنّ همجية آلة القتل وعقلية الإلغاء تفكر بالحجر أو بالبشر.

وفي تصريحات لصحيفة “الغارديان”، حذّر العميد مناف طلاس من أن يرتكب النظام الفظائع ويلجأ إلى أسلحة الدمار الشامل. وهذه الشهادة فسّرها البعض على أنها شهادة شاهد من أهله، وسرعان ما استنفرت القوى الغربية وإسرائيل، بعد تناقل أخبار عن إقدام القوات السورية النظامية على تجميع مكوّنات غاز السارين الكيميائي تمهيداً لاستخدامه.

يعني هذا التطور أنّ الترتيب الذي توصل إليه الرئيسان باراك اوباما وفلاديمير بوتين في الربيع الماضي للسيطرة على المخزون السوري، لم يحترم في الفترة الأخيرة بعد التقاط صور عن تعبئة عبوات كيميائية من براميل بالقرب من دمشق ودير الزور، ومع أن واشنطن ولندن وباريس وبرلين رفعت الصوت خطابياً، سعت موسكو إلى التخفيف من وقع الخبر، وعادت وتعهّدت بمنع النظام السوري من ارتكاب حماقة من هذا الطراز.

ترافق هذا الضجيج مع مغادرة الديبلوماسي جهاد المقدسي لبلاده ومنصبه كناطق رسمي باسم وزارة الخارجية السورية، وقد كان أوّل من اعترف رسمياً بوجود السلاح الكيميائي في سوريا، وربما دفع ثمَن ذلك أو قام وقتها بتسريب مقصود مرتب مع قيادته… وهذا يؤكد المعلومات الأوروبية عن ترسانة سورية من الجيل الرابع مصدرها مصر أولاً في العام 1972 (بهدف تمتين الثقة بين السادات والأسد الأب حينها) وثانياً في العام 2002 من العراق، الذي أراد تهريب مخزوناته قبل عام من المواجهة.

بالطبع، يصرّ النظام السوري على أنّ كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق يمكن أن تتكرر مع سوريا. لكن في كلتي الحالتين، كنا مع نظام تسلّطي في بغداد لم يتردد عن استهداف الأكراد في حلبجة بالسلاح المحظور وسقوط آلاف القتلى، ناهيك عن المشاهد المروّعة من الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. واليوم نحن أمام نظام شعار أنصاره: “إما الأسد، وإما تدمير البلد”.

تستمرّ التسريبات حول تحريك قوّات ووضع خطط عسكرية للتصرف في حال الشروع بتنفيذ النظام لتهديداته، لكن الاكتفاء بالمشاورات والتلميحات يعني التعامل بما لا يليق مع خطورة الأمر وانعكاساته المدمرة إذا ما وقعت الواقعة.

ويندرج في هذا السياق تهديد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون للرئيس بشار الأسد بإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية في حال أصبح اسمه “بشار الكيميائي”، وفي هذا احتقار لحجم المعاناة السورية بواسطة أنواع السلاح التقليدي، ولألوف القتلى والضحايا فيها تحت أنظار العالم كله وسط عجز أو تخلٍّ أو تواطؤ سيترك ابشع الآثار ليس على سوريا وحدها بل على جوارها والإقليم أيضاً.

الجمهورية

الأسلحة الكيمياوية … فصل أخير في سورية!

خيرالله خيرالله

فجأة عادت الاسلحة الكيمياوية السورية الى الواجهة بعد غياب دام نحو ثلاثة اشهر. لا تمنع هذه العودة التساؤل هل في الامكان استخدام هذه الاسلحة لابادة قسم من الشعب السوري…او على الاصحّ الانتصار عليه؟ الأكيد أنّ الاسلحة لن تحمي النظام. الثورة السورية اكبر بكثير من الاسلحة الكيمياوية ومن ايّ اسلحة اخرى. انها ثورة حقيقية تثبت كلّ يوم أنّ الشعب السوري لا يمكن اخضاعه وأنّ ليس في استطاعته تحمّل الذلّ والقهر والعبودية الى ما لا نهاية باسم شعارات فضفاضة لا تنطلي الاّ على السذّج من نوع «المقاومة» و«الممانعة» و«الكرامة» وما شابه ذلك.

كذلك، لن تساعد الاسلحة الكيمياوية في اقامة الدولة العلوية وهي البديل من سيطرة العائلة الحاكمة على كلّ سورية، كما كانت عليه الحال منذ العام 1970. فالاسلحة الكيمياوية يمكن ان تساهم، في حال استخدامها، في تسريع سقوط النظام الذي تخرج من تحت سيطرته يوميا مساحات من الاراضي والقرى والبلدات والمدن والمواقع العسكرية المهمّة.

كانت المرة الاولى التي اثيرت فيها قضية الاسلحة الكيمياوية السورية، في مرحلة ما بعد اندلاع الثورة، في ايلول- سبتمبر الماضي. صدر فجأة تحذير عن الرئيس باراك اوباما من النتائج التي ستترتب على لجوء النظام الى هذا السلاح. تبيّن لاحقا أن كلام الرئيس الاميركي الذي تلاه كلام مشابه صدر عن وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك جاء بعد نقل كمية من المواد الكيمياوية في آب- اغسطس من قاعدة قريبة من دمشق يخزّن فيها هذا النوع من الاسلحة الى منطقة قريبة من مدينة طرطوس الساحلية.

نامت قضية الاسلحة الكيمياوية ثلاثة اشهر ثم عادت الى الواجهة قبل ايّام بعد اشتداد المعارك في ريف دمشق واحياء تعتبر جزءا لا يتجزّأ من العاصمة، بل في قلب دمشق.

هناك بكل بساطة هاجس اميركي- اسرائيلي من احتمال انتقال الاسلحة الكيمياوية الى لبنان في حال فقدان النظام سيطرته عليها او في حال كانت لديه رغبة في اشعال المنطقة تنفيذا لشعار «عليّ وعلى اعدائي ياربّ». وقد رفع هذا الشعار رجل الاعمال الابرز وصاحب النفوذ الواسع في سورية ويدعى رامي مخلوف (ابن خال الرئيس بشّار الاسد) في لقاء مع الصحافي الاميركي اللبناني الاصل انطوني شديد نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» قبل ما يزيد على سنة. وكان مؤسفا ان انطوني شديد، الذي كتب بعض افضل التحقيقات عن النظام السوري وطريقة تصرفه واستحالة تغيير اساليبه، قضى في شباط – فبراير الماضي اثر أزمة ربو تعرّض لها في طريقه إلى الداخل السوري، راكبا على بغل، عبر الحدود الشمالية للبنان.

كان مثيرا بعد ايام من اطلاق اوباما تحذيره الاوّل في شأن الاسلحة الكيمياوية خروج الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى العلن كي يؤكّد ان حزبه لا يمكن ان يلجأ الى استخدام السلاح الكيمياوي وذلك لاسباب مرتبطة بالشرع. ترك كلام نصرالله ارتياحا لدى الاوساط الدولية التي كانت تخشى من انتقال المخزون الكيمياوي الى الحزب الايراني الذي يسيطر على اجزاء لا بأس بها من الاراضي اللبنانية، اضافة الى امتلاكه كميات كبيرة من الصواريخ المتوسطة المدى.

تبدو عودة قضيّة الاسلحة الكيمياوية الى الواجهة مجددا دليلا على أن معركة دمشق تقترب من نقطة الحسم. صحيح ان النظام حشد آلاف الجنود و«الشبّيحة» ومئات الدبابات لمنع وصول الثوار الى العاصمة، لكنّ الصحيح ايضا أنه يدرك أن عليه المباشرة في البحث عن بديل. ما لا يدركه النظام أنّه تأخّر كثيرا في ذلك وأن البديل الوحيد امامه يتمثّل في الرحيل اليوم قبل غد. هل لا يزال في الامكان ايجاد بلد على استعداد لاستقبال العائلة؟ الجواب بكلّ بساطة أن روسيا لا تزال مكانا مناسبا لذلك. لم تكن الدولة العلوية يوما بديلا يمكن الاعتماد عليه، حتى لو نقلت كل الاسلحة الكيمياوية اليها. حتى روسيا بدأت في استيعاب هذه المعادلة، في حين لا تزال ايران تراهن على انها قادرة على السيطرة على لبنان من جهة وتأمين منفذ لهذه الدولة الى الاراضي التي يسيطر عليها «حزب الله» في منطقة البقاع من جهة اخرى.

هذا الرهان على الدولة العلوية ساقط حتما لسبب في غاية البساطة عائد الى أن حمص ما زالت صامدة على الرغم من تهجير عشرات الآلاف من اهلها وتدمير قسم منها.

عمليا، تحوّلت الاسلحة الكيمياوية الموجودة في نحو ثلاثين موقعا الى عبء على النظام السوري. كان مطلوبا أن يعترف مسؤول سوري بوجودها، وهذا ما فعله الناطق الفار جهاد مقدسي، كي يتوفّر غطاء دولي لنشر حلف الاطلسي صواريخ «باتريوت» على طول الحدود التركية. هذه الصواريخ ستوفّر بطريقة او بأخرى حماية لمنطقة يمكن أن يلجأ اليها السوريون الهاربون من النظام وقمعه. بكلام اوضح، ستكون هذه الصواريخ جزءا من منظومة تضمن قيام منطقة يحظر على سلاح الجوّ السوري التحليق فيها.

ما الكلام عن الاسلحة الكيميائية سوى فصل جديد من فصول الازمة السورية التي هي في الاصل ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته. قد تكون الفصل الاخير او الفصل ما قبل الاخير من الازمة التي تتجاوز حدود الكيان السوري والتي تشير الى أن عملية اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط بدأت فعلا وأنّ ما بدأ بالزلزال العراقي لن يتوقف عند الحدود السورية التي عرفناها…

الرأي

النظام ينهار… والكيماوي؟

    راجح الخوري

بدا جون ماكين ولوران فابيوس ووليم هيغ في الايام الاخيرة مثل فرقة غاضبة تحرص على تحذير النظام السوري، وبوتيرة شبه يومية، من استخدام  الاسلحة الكيميائية ضد المعارضة، ورافق ذلك اربعة مؤشرات تثير القلق من هذا الامر وهي:

اولاً نشر المعارضة شريطين على “يوتيوب” يظهران مصابين بحروق بالغة وواسعة، وثانياً ظهور تقارير اكدت ان النظام قام بتجهيز قذائف لسلاح الطيران تحتوي على غاز السيرين القاتل، وثالثا وهو الاهم ان النظام يفقد السيطرة سريعاً على العاصمة دمشق ويوسع من وحشية قصفه الصاروخي والجوي للمناطق، ورابعاً ان موسكو اعترفت اخيراً بأنه يفقد السيطرة فعلاً وانها تعد خطة لاجلاء رعاياها من سوريا.

فهل يلجأ النظام الى استخدام هذا السلاح ولو على طريقة “شمشوم الكيماوي” باعتبار ان ما قد يصيب اعداءه من ضرر قاتل سيصيب مؤيديه فوق الجغرافيا السورية الضيقة؟ وهل ما شاهدناه على “يوتيوب” من إصابات قيل انها وقعت في قرية “السفيرة” هو فعلاً نتيجة هذا الجنون؟

لا ادري مدى صحة الشريطين وما اذا كانت المعارضة فبركتهما، لكن ظهورهما جاء مباشرة بعد رسالة دمشق الى مجلس الامن التي قالت إن النظام لن يستخدم هذه الاسلحة وان “المتمردين” قد يستعملونها في نهاية المطاف، وهو ما اثار الخوف من ان يقوم النظام بهذا ويتهم المعارضة به وهي لا تملك هذه الاسلحة!

الشريط الثاني كشف عن أقنعة وألبسة واقية من الكيميائيات قيل ان الثوار استولوا عليها من جيش الأسد، وهذا لا يشكل دليلاً على الاستعمال، لكن بعد ساعات من نشر الشريطين لوحظ انه لم تظهر ردود فعل قوية تتناسب مع التهديدات الغربية، ربما لأن صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية كانت اول من نقل خبر الشريطين عن “يوتيوب”، وهو ما يستدعي بالطبع التدقيق في صحتهما بسبب هذه الحماسة الاسرائيلية!

الشريط الاول عرض عدداً قليلاً من المصابين المدنيين بحروق في الوجوه والاطراف قيل إنها ناتجة من استخدام براميل “تي أن تي” المحرقة او قنابل روسية حارقة، ففي حوزة النظام السوري من هذه الاسلحة الروسية المميتة ما يكفي ليثلج قلب فلاديمير بوتين ويطمئن الرفيق سيرغي لافروف، لكن كل هذا لا يعني ان الوضع الميداني في سوريا لا يمكن ان يشهد هذا الجنون.

في كلام أوضح، النظام يخسر دمشق وطريق مطارها باتت تحت مرمى نار الثوار، وهذا يعني انه ينهار، وسبق للواء المنشق علي سيلو، وكان في ادارة الاسلحة الكيميائية، ان أعلن ان النظام ناقش على مستويات عليا امكان استخدام هذه الاسلحة في اللحظة الاخيرة، فهل يمكن ان يكون المشهد الاخير من المذبحة ممهوراً بالخاتمة الكيماوية؟

النهار

الأسد وما بعده: «الكيماوي» لابتزاز ضمانات لكيان عَلَوي

عبدالوهاب بدرخان *

خلال الأسبوع الماضي لم يعد السلاح الكيماوي مجرد عنوان مثير لـ «البروباغندا» الحربية، ولا مجرد «ذريعة» مفتعلة لتبرير التدخل الخارجي كما يقول محللون متناقضون، بل أصبح جزءاً من التداول بين أطراف الأزمة ومن مصطلحاتها، بل من وقائعها. وقد علم الجميع أن قوات «الجيش السوري الحر» اضطرت إلى وقف قصفها على قاعدة الشيخ سليمان غربي حلب خشية أن تكون فيها أسلحة كيماوية تقضي على حاميتها النظامية ويمكن أن تلحق الضرر بمحيطها وبمهاجميها. ولعل كثيرين شاهدوا ذلك الشريط الذي أظهر وجود الألبسة الخاصة الواقية في أحد مقار قوات النظام بعد وقوعها في أيدي «الجيش الحر».

في غمرة الواقع الكيماوي الذي فرض نفسه، اذا بالنظام يقدّم مذكرة إلى الأمم المتحدة لتأكيد أنه لا يعتزم استخدام هذا السلاح. كان هذا اعترافه غير المباشر، الأول من نوعه، بأنه يمتلكه، رغم التقريع المهين الذي تلقاه الناطق السابق جهاد المقدسي، لأنه تحدث يوماً بلهجة العارف بأن هذا السلاح موجود. ثم إنه كان يمكن أخذ كلام النظام، الرسمي جداً، على محمل الجدّ، وحتى تسجيله على أنه تعهُّد، لولا أنّ طَبْعَه غلب تطبُّعه، اذ ما لبث أن اتهم «الارهابيين»، أي كل الشعب الذي يقاتله، بإمكان استخدامهم «الكيماوي». لذا انقلب «التعهّد» إلى عكسه تماماً، وفُهم أن المذكرة رمت إلى إنذار المجتمع الدولي بأنه عازم فعلاً على اللجوء إلى «الكيماوي». لماذا؟ لا لأنه يمكن أن يحسم الصراع لمصلحته، وليس فقط لأنه «يائس»، وإنما لأنه يريد استدعاء من يفاوضه على شروط النهاية المقتربة بسرعة.

أكثر من أي مرحلة سابقة، دهم الهاجس المؤرق الدول الكبرى: احتمال السقوط المفاجئ للنظام من دون أن تكون هناك خطة واضحة لاحتواء الفوضى المتوقعة في اليوم التالي. ومع الوتيرة الحالية للانهيار الميداني المتدرّج لقوات النظام لم يعد هذا الاحتمال خيالياً أو مستبعداً، لذا مسّت الحاجة الى تسريع «التفاهم» الأميركي-الروسي. ومسألة السلاح الكيماوي، بما تعنيه من إبادة جماعية واسعة، وضعت المجتمع الدولي أمام تحدٍّ كابوسي. ومع ذلك، لا يمكن الوثوق بردود فعلها، فبعدما استطاعت حتى الآن التعايش مع حصيلة أقل من الواقع تقارب الخمسين ألف قتيل، ما الذي يضمن جدية «الخط الأحمر» الأميركي لـ «الكيماوي»؟ ليس مؤكداً أن الاعتبارات «الأخلاقية» هي التي تميّز الولايات المتحدة وحلفاءها عن روسيا، فعلى الأقل كانت هذه الأخيرة حريصة منذ البداية على إيضاح أنها لا تأخذ أعداد الضحايا في الاعتبار عندما ترسم سياساتها. إن ما حتّم على الدول الكبرى أن تدخل مرحلة الواقعية في التعامل مع الحدث السوري هو أنها باتت ترى بوضوح خط النهاية، فلم يعد هناك ما يمكن المراهنة على النظام بشأنه.

لا فرق في أن يُسمّى الحاصل حالياً سعياً إلى أن «جنيف 2» أو «تنقيحاً جنيف» أو تراجعاً تكتيكياً لموسكو عن جزء من التعديلات التي فرضتها، بالتوافق مع واشنطن، على «جنيف 1»… فالمهم بالنسبة إلى الروس أن سلّة المصالح والمكاسب التي اشترطوها بدأت تجهز، بالتزامن مع إدراكهم أخيراً أن ترويج الأوهام وبيعها لم يعودا مجديين، لا اعتماداً على القدرة النارية التي وفّروها لبشار الاسد وخطط الحسم التي وعدهم بها، ولا على التخويف من «حرب أهلية»، أو على التنديد الدائم بـ «تدخل خارجي» كانوا يعلمون أن الأميركيين لا يريدونه. كان «اتفاق جنيف» خطة للشروع بمرحلة انتقالية أرادتها موسكو مع بقاء الأسد وأرادها «أصدقاء سورية» والمعارضة من دونه، بل أن تبدأ فعلياً بتنحيه ورحيله. لم يتبدد هذا الشرط، لكنه فقد معناه الذي دافع عنه الروس، وما تغيّر أن موسكو صارت أكثر انفتاحاً على البحث في تفاصيل صيغة الانتقال استناداً إلى «الائتلاف الوطني السوري» الذي يبدو أكثر مرونة من «المجلس الوطني» في استيعاب المنشقّين أو حتى جهات وأشخاص من «معارضة الداخل»، وبالتالي إلى «الحكومة الموقتة» التي يشكلها «الائتلاف». ورغم أن الروس لم يكونوا ممثَّلين في اللقاء الدولي الذي شهد ولادة القيادة العسكرية الموحّدة في أنطاليا (تركيا) إلا أنهم لم يكونوا بمعزل تام عن هذا اللقاء. وصحيح أنهم رفضوا مجدداً تلبية الدعوة إلى حضور مؤتمر مراكش لمجموعة «أصدقاء سورية» في مراكش، إلا أن محادثات جنيف (الأخضر الإبراهيمي مع نائبي وزيري الخارجية الأميركي والروسي) غداة اجتماع دبلن (هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف مع الإبراهيمي) كانت في جانب كبير منها تحضيراً للموقف الأميركي في مراكش في ضوء تفاهمات مع الروس تأخذ في الاعتبار اقتراح الإبراهيمي إرسال «قوات لحفظ السلام». وإذ اختصر المبعوث الدولي-العربي الموقف بأن الدولتين الكبريين تبحثان عن «تسوية» في سورية فإن هذه لا تعني بأي حال «تسوية» مع الأسد بمقدار ما يمكن أن تركّز على برمجة المرحلة الانتقالية لوضع الأسد أمام الأمر الواقع الدولي.

أدرك الأميركيون أن عليهم مساعدة الروس على تجاوز «عقدة الأسد» طالما أنهم صاروا مقتنعين باستحالة التسوية معه، وفي المقابل أدرك الروس أن عليهم مساعدة الأميركيين على تجاوز «عقدة المعارضة» الرافضة أيَّ تفاوض مع الأسد أو بوجوده طالما أن المعارضة ستحقق هدفها عملياً. لم يعد وارداً بقاء بشار إلى نهاية ولايته، ولا إبداؤه أي رأي في ترتيبات المرحلة الانتقالية بعدما مُنح فرصاً كثيرة في هذا المجال لم يبالِ باستغلالها. لكن ثمة عُقداً عدة لا تزال قيد البحث في ما يتعلّق بالأجهزة الأمنية التي تُدار جميعاً بواسطة ضباط علويين، ولا بدّ من إجراءات فورية لإعادة توجيه عملها قبل إعادة هيكلتها. والفكرة التي باتت ملحّة حالياً هي إلى أي حدّ يمكن الاعتماد على «قوات حفظ السلام»؟ وهل تكفي وحدها لضبط الوضع غداة السقوط، على أن يسلّحها مجلس الأمن بصلاحيات؟ وهل تكون هي «التدخل الخارجي» الذي كثرت مؤشراته أخيراً؟ الأكيد أنها لن تُنشر في توقيت قد يُفهم بأنه يهدف إلى حماية النظام أو فلوله، فهذا لم يعد خياراً، لكنها قد تهتم خصوصاً بتأمين مناطق الأقليات وبتحقيق الربط بين جيش المعارضة والجيش المحسوب حالياً على النظام ولا يشارك فعلياً في الصراع.

ما الذي يمكن أن يهمّ بشار الأسد في اللحظات الأخيرة لنظامه إذا كان جاداً في رفضه الرحيل إلى خارج سورية؟ ولماذا يواصل القتل والقتال رغم اتضاح خسارته؟ وهل يلوّح بالسلاح الكيماوي للردع أم لاستهلاك انتقامه من الشعب إلى أقصاه، أم لاستدراج القوى الدولية الى صفقة أخيرة معه؟ لا بدّ أنه يبحث عن مَخرج له ولضباطه، ولا بدّ أنه طرح مسألة إيجاد «وضع خاص» مع ضمانات دولية للمنطقة الساحلية التي سينكفئون اليها بأسلحتهم، على أن يُصار لاحقاً إلى تطوير هذا الوضع لتثبيته كـ «كيان ذاتي» أو «دويلة». إنه يراهن على تشظي سورية إلى كيانات وأقاليم، ويرفده في ذلك الأكراد الذين يطالبون بـ «الفيديرالية».

* كاتب وصحافي لبناني.

الحياة

استعمال الأسد الأسلحة الكيماوية… انتحار

سركيس نعوم

يوافق المتابعون الاميركيون من واشنطن لتطور الاوضاع في سوريا على تحليلات شرق أوسطية تشير الى ان الرئيس بشار الاسد بدأ خوض معركته الاخيرة ضد الثائرين عليه، والى انه يقوم بمحاولة اخيرة لاستعادة السيطرة التامة على الجغرافيا السورية التي فقدها، لكنه يُعدّ، إذا وصل الى الحائط المسدود، للانتقال الى مربعه الجغرافي المذهبي بعد توسيعه لكي يتصل برياً بايران حليفته. ويعتقدون ان سيطرته على الأجواء السورية لم تعد شاملة، وخصوصاً بعدما بدأ الثوار يحصلون على مضادات للطائرات. وهذا أمر سيتصاعد في المرحلة المقبلة وخصوصاً بعد “التوحيد” المبدئي لفصائل المعارضة والثوار في سوريا، وعملياً بعد انشاء قيادة عسكرية موحدة لهم، وأخيراً بعد اعتراف الاتحاد الاوروبي بهم والولايات المتحدة. وهذا أمر سيدفع اميركا وعلى نحو شبه علني الى تقديم مساعدات عسكرية للثوار. لكن هؤلاء المتابعين الاميركيين يختلفون مع التحليلات الشرق الاوسطية حول سوريا في امرين. الأول، هو ان ايران الاسلامية لن يكون في وسعها الافادة من الاتصال البري بينها وبين المربع الاسدي عبر القسم العراقي منه. ذلك ان سنّة العراق قد ينضمون قريباً الى سنّة سوريا الثائرين. ومن شأن ذلك جعل توظيف العراق ضد الثوار السوريين محفوفاً بصعوبات كثيرة. اما الامر الثاني، فهو ان الإفادة من حمص، التي يجري تدميرها على نحو منهجي لضمها الى المربع، لن تكون بالسهولة التي يتصورها النظام السوري والنظام الاسلامي في ايران. فخط الاتصال البري هذا يسيطر الثوار على اجزاء منه. وقد لا تستطيع قوات الاسد انتزاعه كاملا منهم. ذلك انهم سيستشرسون في الدفاع عن وجودهم فيه ربما لأنه يقع في منطقة غنية بالنفط وتمر فيها انابيب النفط. في اي حال يعتقد المتابعون الاميركيون انفسهم ان اميركا قد لا تمانع في استمرار ايران وروسيا في دعم الاسد في “مربعه” الجديد بعد تراجعه اليه وحتى في المناطق الملاصقة له. فهي منطقة فقيرة بالموارد الطبيعية الامر الذي يدفع الى التساؤل الآتي: الى متى يستطيع الاسد الصمود فيها؟

هل صار انهيار النظام السوري امراً حتمياً، سواء كان كاملاً او جزئياً، اي بتخلّيه عن غالبية الارض ولجوئه الى مربعه الجغرافي المذهبي المُوسَّع؟

طبعاً انصار نظام الاسد من السوريين كما من اللبنانيين والايرانيين يرفضون هذه الحتمية. علماً ان قادتهم الكبار بدأوا يضعون هذا الاحتمال في حساباتهم. ويستندون في رفضهم الى امور نظرية غير مقنعة، والى امور اخرى ممكنة ابرزها اثنان. الاول، ان غالبية الطيران الحربي السوري لم تستعمل بعد، كما ان غالبية الجيش السوري لم تنزل الى المعركة بعد. لكن اعداء النظام والمحايدين يعتقدون ان في هذا الكلام تمنيات اكثر مما فيه واقع. إذ لو كان صحيحاً لما انتظر اكثر من 20 شهراً كي يستعمل امكاناته المشار اليها، ولما ترك الثوار ينتصرون عليه بالنقاط حتى الآن في العالمين العربي والاسلامي وفي العالم الاوسع كما في الداخل. لكن هؤلاء يخشون امراً مهماً هو اقدام الرئيس السوري، وفي حال اليأس الطاغي، على استعمال ما يمتلك نظامه من اسلحة كيماوية ضد شعبه الثائر عليه. وهذا عمل ربما يجعل ميزان القوى في مصلحته من جديد. لكن المتابعين الاميركيين كما غيرهم من العارفين يؤكدون ان اقدامه على عمل كهذا سيكون انتحاراً. اي يكون اطلق النار على نفسه. ذلك ان المدافعَين عنه دولياً اي روسيا والصين لن تستطيعا الدفاع عن فعلته. وحتى ايران لا تستطيع. والأهم من ذلك كله هو ان غالبية المجتمع الدولي بزعامة اميركا لن تسكت على هذا الامر. والمعلومات المتوافرة عند هؤلاء تشير الى ان خطط تنفيذ عملية عسكرية نوعية للاستيلاء على الاسلحة الكيماوية او للتخلص منها صارت جاهزة، كما ان الوحدات التي ستتولى التنفيذ موجودة في المنطقة على رغم نفي عددٍ من القادة الكبار فيها. وعملية كهذه ترفع معنويات “الثوار” الى السماء، وتفتح لهم ابواب الدعم العسكري والمالي الموصد معظمها حتى الآن، وتقضي حتى على إمكان انكفاء الاسد الى “مربعه الجغرافي المذهبي”.

في اختصار تُسيطر اجواء نهاية النظام السوري وفي اسرع مما كان يُظن على واشنطن كما على سائر عواصم العالم. وفي اختصار ايضاً تبدو روسيا “مستقتلة” للتفاوض مع اميركا حول سوريا. لكن واشنطن “تتغنج” عليها ريثما ترى أن اوان التجاوب حان.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى