مقالات تناولت التدخل الروسي في سورية
الإجرام الروسي أيضاً/ سلامة كيلة
صفقة الدفاع عن النظام السوري هي التي حكمت سياسات روسيا منذ بدء الثورة بفترة قصيرة، والتي كانت تقوم على حمايته من قرار دوليٍّ، يسمح بالتدخل العسكري، لكن الأمر تطور إلى دعم سياسي وعسكري كذلك. وكانت حاميته في عدم الوصول إلى حل سياسي، حيث كانت تدافع عن كل رؤيته، وهو لا يريد الحل أصلاً.
حين تدخلت عسكرياً نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وضعت الأمر في سياق “الحرب ضد داعش”، على أساس أنها لا تتوافق مع “الحرب ضد داعش” التي يخوضها التحالف الدولي، والذي يقول إنه يخوض حرباً ضد داعش، وبالتالي، فإنها تريد أن تخوض حربها هي “بعد أن ظهر فشل حرب التحالف”. وأوضحت الحرب على الأرض أنها تقصف الكتائب التي تقاتل النظام، وليس داعش (إلا قليلاً)، وأن سياستها تقوم على دعم قواتٍ متعددةٍ، أساسها حزب الله وإيران، من أجل السيطرة على مناطق في الوسط والشمال الغربي، وأيضاً في الغوطة الشرقية والغربية. وفي درعا، حيث لا وجود لداعش فيها، لتبدأ في الحديث بأنها أتت من أجل منع سقوط النظام. إذن، هي ترى أن هذه الكتائب المسلحة التي هي ليست داعش باتت تهدد النظام، ويمكن أن تسقطه. وعلى الرغم من وجود جبهة النصرة المصنّفة إرهابية، وبعض الكتائب الأخرى التي يشك أن لها تبعية لداعش، فإن مجمل الكتائب التي تقاتل، والأكبر، هي من الشعب السوري الذي يريد إسقاط النظام، على الرغم من تناقضي مع جزء منها، ورفضي لها، لكن هذا ما أفرزته وحشية السلطة. بالتالي، أتت روسيا لمنع الشعب السوري من إسقاط النظام، كما فعلت إيران، منذ بداية سنة 2013، حين منعت تهاوي النظام (في وقت لم يكن هناك إرهاب، وكان الصراع الشعبي لا زال الأساسي، وأيضاً كان الحل يتمثل في إبعاد الرئيس وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات). وسأشير، هنا، أن التقدم الذي تحقق، منذ بداية عام 2015، والمدعوم إقليمياً لم يهدف إلى إسقاط النظام، بل كان حث روسيا وإيران على القبول بالحل الذي يبعد بشار الأسد. لكن، طبعاً كان رد الفعل الروسي معاكساً.
ثم أخذ الروس يكرّرون أن الهدف من التدخل في سورية محاربة “المجاهدين الشيشان” الذين قدموا إليها، قبل أن يعودوا ويمارسوا العنف في روسيا. طبعاً هذا نص مقتبس من خطاب لبوش الابن، كرّره الروس. وطبعاً أيضاً هؤلاء “المجاهدين” مع داعش الذي لا تقاتله روسيا، وهذا أمر طبيعي لأن جلهم ممن أرسلهم رئيس جمهورية الشيشان الذي يعمل مع المخابرات الروسية، وهم، بالتالي، في خدمة التدخل الروسي، وليسوا معنيين بالصراع مع النظام. ربما يذكر هذا السبب للضحك على الشعب الروسي فقط، كما فعل بوش الابن أيضاً. لكن، يمكن لمس “التفاهة” الروسية التي تقبل أن تخوض الصراع على أرضنا، وليس على أرضها، حيث يمكن لمخابراتها أن تمنع خروج كثيرين من هؤلاء، وهي تمنع من “يخرج عن قناعة”.
ظهرت هذه “التفاهة”، أخيراً، في خطاب لبوتين، اعتبر فيه أن القوات الروسية تجري نشاطاً تدريبياً في سورية، وهي “الأرخص”. إنها تتدّرب بجثث قتلانا، وبتدمير بيوتنا، إذن. ولا شك أنه أشار إلى “الاستعراض العسكري بأحدث الأسلحة” الذي يقوم به في سورية، بهدف إرهاب العالم، وفتح باب الشراء لأسلحته الفتاكة (أكثر من الأسلحة الأميركية، و”الأدق”!). وهو يبشر في سلاح أقوى، وهدّد كذلك باستخدام النووي. هذا منظور ليس إمبريالياً فقط، بل هو فاشي كذلك، حيث التدرّب بجثث الشعوب، ولتسويق الأسلحة، وإرعاب العالم، وفرض الهيمنة والسيطرة.
أتى لقتل الإرهابيين الشيشان، ونجده يقتل الأطفال والنساء والشيوخ. وهو يقوم ببرنامج تدريبي، تظهر فيه الإصابات الدقيقة للمستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية والبيوت. وفي هذا، تظهر السياسة الروسية سياسة تقوم على أن يبقى بشار الأسد حاكماً، وأن تتدمر سورية. وأن تحقق هي بيع السلاح والهيمنة.
العربي الجديد
صعود التوحش في الصراع السوري/ فايز سارة
لم يسبق أن وصل التوحش في سوريا طوال السنوات الخمس الماضية إلى المستوى الحالي؛ حيث القتل، والاعتقال، والتهجير، والدمار اليومي في كل مكان، وهو في تزايد كمي يفوق ما كان يحصل في السابق، وهذا يشكّل نقلة نوعية في تاريخ الصراع في سوريا، الذي شهد هبات من العنف الوحشي، لكنه الآن صار مستمرًا ومتصاعدًا وحجمه أكبر بصورة لم تحدث من قبل.
وليس من باب المبالغة، أو من باب الاتهام السياسي، أن التطور الجديد مرتبط بالتدخل الروسي الذي دخل شهره الثالث، حيث تواصل الطائرات الروسية غاراتها اليومية على أغلب المحافظات السورية من حلب في الشمال إلى درعا في الجنوب، ومن أرياف اللاذقية في الغرب إلى دير الزور شرقًا مع تركيز في عملياتها على حلب وأرياف اللاذقية، وإدلب، وحماه، لتقصف تجمعات سكنية وتجمعات تشكيلات المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة، في حين تشن عمليات محدودة على مناطق خاضعة لتنظيم داعش في الرقة ودير الزور وريف حمص الشرقي، وفيها جميعًا لا يتجاوز حجم الهجمات على «داعش» عشرة في المائة من مجموع الهجمات.
ويقال إن الطائرات الروسية تستخدم في عملياتها القنابل العنقودية المحرمة دوليًا، وتسبب مقتل وجرح وتشريد آلاف السوريين يوميًا، وهو مظهر مباشر من مظاهر التوحش الذي يقارب في مظاهره التوحش الذي تركه الروس في غروزني عاصمة الشيشان في تسعينات القرن الماضي، حيث حوّلوا المدينة إلى أنقاض وأهلها إلى أموات ومشردين.
والأهم من القصف الروسي ونتائجه في مظاهر التوحش في سوريا، هو تداعيات العمليات وأثرها على قوى الصراع، الأمر الذي جعل الأخير يدخل في مسارات أعمق من التوحش. فالنظام الذي استشعر القوة بعد التدخل الروسي عمد إلى استجماع قوته في تجنيد مزيد من قوات الاحتياط، وفي الجمع الكيفي للشباب السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرته وزجهم على الجبهات في محاولة منه لاستغلال المساعدة الروسية واستعادة السيطرة في مناطق، كان قد فقدها في وقت سابق، دون أن يعنيه ما يصيبه من خسائر بشرية نتيجة مغامراته، وانضمت إلى هذه الهجمات قوات حلفائه من الإيرانيين وميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية على أمل تحقيق مكاسب ميدانية في وقت يجري فيه الحديث عن قرب مفاوضات بين النظام والمعارضة، مما يتطلب تعزيز قوة النظام وسيطرته قبل الدخول فيها، إذا حصلت.
أما الأثر المباشر لمظهر التوحشي الروسي لدى المعارضة المسلحة المعتدلة، فكان شديد القوة هو الآخر. إذا دفعتها العمليات الجوية الروسية، وكذلك الهجمات العسكرية للنظام وحلفائه إلى إعادة ترتيب أوضاعها وتحسين علاقاتها البينية للدفاع عن نفسها وعن حواضنها الاجتماعية في التجمعات السكانية، ونظمت على نحو سريع عمليات الدفاع، وشن الهجمات المضادة، وهذا ما حصل على نطاق واسع في أرياف حلب وإدلب واللاذقية في الأسابيع الأخيرة، لأنها شعرت بأن المعارك باتت معارك حياة أو موت، ولعل معارك جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية ومعارك جنوب حلب أمثلة حية، تسببت في مقتل وأسر وجرح مئات من جنود النظام وحلفائه من الإيرانيين والميليشيات، وهو شكل من أشكال وحشية الصراع المتصاعد.
ولم تقتصر تداعيات التدخل الروسي ووحشيته على ما سبق، بل امتدت إلى قوتين أخريين من قوى الصراع، وهما تحالف الأكراد «قوات سوريا الديمقراطية» من جهة، و«داعش» من جهة ثانية. فقد عزز تحالف الأكراد، رغم مشكلاته الداخلية وصراعاته في تل أبيض وبالقرب منها، من توجهاته في الحرب على «داعش» فأعاد تنظيم قواته وعزز قدراتها مستفيدًا من الدعم الدولي للتوجه نحو معقل «داعش» في الرقة، الأمر الذي يؤشر لقرب معركة كبرى هناك، ستظهر فيها إشارات التوحش على نحو ما كانت عليه معارك عين العرب – كوباني في العام الماضي. أما الأبرز في تداعيات التدخل الروسي ووحشيته عند «داعش» فقد تجلت على نحو مختلف مقارنة بما كان عليه الوضع لدى كل الأطراف الأخرى في سوريا، فإضافة إلى استمرار «داعش» في توحشه التقليدي، فإن التدخل وما أحاط به، دفع «داعش» إلى انكفاء داخلي، عبر عن نفسه في خوض معارك داخلية، كان من نتائجها صراعات وتصفيات للكثير من قياداتها وكوادرها، كما حدث مؤخرًا بين قادة «داعش» في البوكمال، فأضاف ذلك ضعفًا إلى ضعفها في مواجهة التحالفات، التي تستهدف وجود التنظيم في سوريا.
خلاصة القول في الواقع الراهن، إن التدخل الروسي بمجرياته وبما تركه من أثر على الصراع، فإنه خلف وحشية متزايدة ومتواصلة، يمكن أن تستمر ما لم تحصل تطورات جدية في دفع البلاد نحو عملية سياسية لحل القضية. وفي كل الأحوال، فإن الصراع مستمر ومتصاعد في أغلب جبهاته، حتى الوصول إلى قرار دولي ملزم تحت الفصل السابع في سوريا.
الشرق الأوسط
يقتُلُنا ولا يُرعِب ”داعش”/ زهير قصيباتي
17 يوماً بقيت من زمن «المهلة» التي كان الكرملين يتخيّل أنها بأيامها المئة كافية لاستئصال جميع المعارضين للنظام السوري. ترتفع حصيلة الغارات الروسية إلى ألفي قتيل، يتمدّد الخراب فوق خراب، ويتسع اليأس على خريطة سورية المنكوبة.
وهي ثكلى مع شعبها الذي يستخدمه النظام حقل رماية، ومعه الميليشيات الحليفة، والنظام الإيراني والقيصر الروسي. ولا يتردّد الإسرائيلي في انتهاز الفرصة، فيضرب في القلب، ولا يأبه بوعيد الرد.
هؤلاء جميعاً أطبقوا على سورية والسوريين الذين يسألون كل يوم: كم مرشحاً للقتل بغارة أو برميل متفجّرات أو رصاص قنص؟
لعل كثيرين منهم بعدما تجاوزوا عتبة اليأس، لم يعودوا يكترثون للسؤال، حقل الرماية شاسع، وأسماء الضحايا تحوّلت أرقاماً. أما «زوبعة» الأمل التي أثارها قرار مجلس الأمن بإمكان وقف الحرب المجنونة قريباً، بعد إطلالة العام 2016، فاتضح أنها أيضاً صناعة روسية. هكذا لا ترى المعارضة السورية ضوءاً في نهاية النفق الطويل، ولا ترى في حديث الأمم المتحدة عن جولة مفاوضات مع النظام في كانون الثاني (يناير)، سوى اختراعٍ لوهم في الوقت «الضائع».
فمن يضمن وقف النار، فيما الفصائل المقاتلة محاصَرة، متوافقة على الحد الأدنى من تماسكها، و «داعش» و «النصرة» خارج حسابات التفاوض، بداهةً؟… والخلافات على تصنيف التنظيمات الإرهابية تراوح مكانها، وموسكو لن تضمن رحيل الرئيس بشار الأسد من السلطة، والمعارضة لا تعتبر الوقت مناسباً للتفاوض؟
وكالة «نوفوستي» تحتفي بتسلُّم الجيش الروسي قريباً «صواريخ أس 500 المرعبة»، ومَنْ يدري هل يأمر الرئيس فلاديمير بوتين باستخدامها في حقل الرماية السوري، ليثير رعباً في قلوب «الإرهابيين»؟ أم هو يجهّزها لردع «السلطان العثماني الجديد» كما يطلق بعض الإعلام الروسي على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي «تمادى» مع القيصر؟
منظمة العفو الدولية تتهم الروس بارتكاب جرائم حرب في سورية، وهم يكافحون «الإرهاب»، ويشدّون أواصر التنسيق مع إسرائيل التي اغتالت سمير القنطار القيادي في «حزب الله»، حليف إيران شريكة الكرملين في حماية نظام الأسد… مع ذلك، لا سبيل لدى موسكو لتبرئة نفسها من إطلاق اليد الإسرائيلية في تصفية حسابات على الأراضي السورية، ربما في مقابل شراكة أخرى لمصلحة النظام.
وبصرف النظر عن الحسابات المتشابكة لما تبدّل في سورية منذ التدخُّل العسكري الروسي لتمرين عضلات بوتين، ما لا يمكن التشكيك فيه هو أن الكرملين ما زال بعيداً عن فرض تسوية، ظن كثيرون بدايةً أنه سيُمليها بالقوة على النظام ومعارضيه، حفاظاً على الدولة السورية وموطئ نفوذ.
وأما ادعاء الروس الاعتماد على إشراف دولي لدفع التسوية على سكة الحل، فينتظر لاختباره قدرة الأمم المتحدة على جمع النظام والمعارضة الشهر المقبل، إذا قبِل الأول التفاوض معها، وارتضت هي التوقيت فيما الغارات الجوية تنتزع منها على الأقل، المبادرة الميدانية.
لا يوحي تصعيد الضربات الجوية الروسية وغارات النظام السوري بالبراميل المتفجّرة، سوى بتحرُّك لإجهاض مفاعيل مؤتمر الرياض، مهما ادّعت موسكو حرصها على تسوية سياسية قريبة. فالتشكيك بأهدافها لم يتبدّل: طموحها خَنْق المعارضة المعتدلة، وإعفاء النظام من تبعات التفاوض. على الأرض، لا شيء يوحي بأن أقوال الكرملين وجه آخر لأفعاله. وكلما انتزعت موسكو تنازلاً من الأميركيين- مثل تخلّيهم عن أولوية تنحّي الأسد- مالت أكثر إلى الصواريخ «المرعبة»!
مَنْ تُرعِب ومَنْ تقتُل ومَنْ تُشرِّد؟ بعد نحو مئة يوم من الغارات الجوية والصاروخية، لا أحد يظن بعد، أن أبو بكر البغدادي سيرفع الراية البيضاء للقيصر قريباً. مئة يوم إضافية لجنون القتل والدمار الشامل؟ ما الذي يتبدّل إن احتمى هذا الجنون بـ «إشراف دولي»، واستسلام أميركي حتى الرمق الأخير؟
ومرة أخرى، يتبيّن حجم الخديعة باستخدام «الدواعش» ذريعة لتدمير سورية وقتلها من أجل إنقاذ رأس النظام… فوق الخراب.
مجدّداً، يرفع جلاّدٌ راية رعب القتل، باسم السلام. الكثير تبدّل في العالم ليبقى أسير الدهشة، شاهد زور على المأساة الكبرى، يحصي النعوش.
مواكب موت، طوفان نزوح… رجال للقتل، نساء للتشرُّد، وأطفال للبيع.
الحياة
الروس واغتيال علوش/ طارق الحميد
قد يرى البعض في اغتيال الروس لقائد جيش الإسلام، زهران علوش، ضربة موجعة، وقاصمة للظهر، بينما هي ليست كذلك.. صحيح أن مقتل علوش يعد ضربة معنوية، لكنه فرقعة إعلامية، وليس قاصمة للظهر، ولن يغير المعادلة ميدانيًا، وكما يتأمل الروس.
اغتيال علوش، قائد أحد أقوى فصائل المعارضة المسلحة، يقوي الآن حجة الرافضين لتصنيف المعارضة السورية، وكما قال وزير الخارجية القطري بموسكو، وأمام نظيره الروسي، حيث رفض الوزير القطري التصنيف قائلاً: «نحن ضد التصنيف المطلق للجماعات. الأهم هو فهم المنطق الذي من ورائه حملت هذه المجموعات السلاح.. أهدافها ودوافعها». والأمر لن يقف عند هذا الحد، فمن شأن اغتيال علوش، والذي يحاول الإعلام الروسي التنصل منه، إضفاء مزيد من الشرعية على جيش الإسلام، وتعزيز مكانته، فاغتياله لن يؤدي إلى تسريح قرابة خمسة عشر أو عشرين ألف مقاتل هكذا، كما أن من شأن اغتيال علوش تأجيج التطرف، والتشدد، وتعزيز حمل السلاح، بل وخدمة «داعش»، وغيرها، خصوصًا أن علوش، رحمه الله، كان على خلاف فكري مع «داعش» و«القاعدة»، وتبنى توجهًا أكثر اعتدالاً منهما.
وعليه، فإن تزايد موقف الرافضين لتصنيف المعارضة، وتحديدًا بعد اغتيال علوش، يعد أمرًا منطقيًا، فهل المطلوب أن يتم تصنيف المعارضة، وتقديم معلومات عنها للروس حتى يقوموا بتصفيتهم، وكما تم بحق علوش؟ سيكون ذلك عبثًا لا يقل عن العبث الروسي نفسه، خصوصًا أن الحقائق، ميدانيًا: تقول إن الروس لا يزالون يتخبطون بسوريا، ودون تحقيق إنجاز يذكر، وحتى بعد تنفيذ ما يزيد على خمسة آلاف ضربة جوية، حيث لم تصفِّ موسكو قائدًا مهمًا في «داعش» بينما تواصل استهداف المعارضة المعتدلة، ومنها علوش الذي وافق، ووقع، على اجتماع المعارضة السورية في الرياض، وارتضى التفاوض مع النظام وفق الطرح الدولي. فهل يريد الروس كسر المعارضة؟ حسنًا، وماذا بعد ذلك؟ الإجابة هي لا شيء!
الحقيقة أن كل يوم يمضي بسوريا يؤكد أنه ليس لدى الروس رؤية واضحة، فبعد زوال «ذهول» لحظة دخولهم سوريا، فإنه لا يوجد شيء تحقق ميدانيًا. ومن يتابع الأزمة السورية سيلحظ أن الوجود الروسي هناك هو أشبه بمشهد فيل كبير في غرفة صغيرة، حيث كثير من الخراب، والأضرار، وسيضطر الفيل للبحث عن مخرج، عاجلاً أو آجلاً، وكما حدث في أفغانستان سابقًا.
الخلاصة هي أن اغتيال الروس لعلوش لا يعدو أن يكون ضربة معنوية ستتجاوزها المعارضة المسلحة مثلما تجاوزت من قبل اختطاف المقدم حسين هرموش، عام 2011، وكما تجاوزت تعرض العقيد رياض الأسعد، مؤسس الجيش الحر، لتفجير عام 2013، وأدى إلى بتر ساقه، لذا فإنه لا إنجاز روسيًا حقيقيًا بعد اغتيال علوش أكثر من كونه حضورًا إعلاميًا لمدة 24 ساعة، وبعدها يوم آخر، وتستمر الحياة، وكذلك الأزمة السورية، والورطة الروسية.
الشرق الأوسط
روسيا: من سلاح الإيديولوجيا إلى إيديولوجيا السلاح/ ماجد كيالي
طوال القرن العشرين عرفت روسيا بتميّزها بأربعة أشياء: أولها، أنها مصدر للإيديولوجيا الشيوعية، التي حولت النظرية الماركسية من كونها نظرية في الاجتماع والاقتصاد الى ايديولوجيا سياسية مغلقة، ومطلقة، كأنها دين آخر، في وقت كانت هذه النظرية، مع الأحزاب الشيوعية، بمثابة اداة من ادوات النفوذ السوفياتي في العالم. وثانيها، بكونها ثاني أكبر مصدر للسلاح بعد الولايات المتحدة، إذ تركز ثقل الابتكار التكنولوجي للاتحاد السوفياتي في تصنيع السلاح، أكثر من اي شيء آخر، إن لبناء ترسانته العسكرية، او لتوسيع نفوذه، كما لتقوية اقتصاده. وثالثها، انه إحدى اهم الدول التي تحتوي ثروة باطنية من النفط والغاز، ومن اكبر الدول المصدرة لهاتين المادتين. والشيء الرابع، ان الاتحاد السوفياتي احد اهم مواطن التعليم الجامعي لمواطني بلدان العالم الثالث.
في عرض تحولات هذه العناصر تمكن ملاحظة أن روسيا الجديدة كفت عن استخدام القوة الإيديولوجية، فقد اختفت البطريركية الشيوعية، وانهار النظام الاشتراكي الذي كان، وهي انتهجت على الصعيد الاقتصادي، لا سيما في ظل رئيسها بوتين، نموذج الليبرالية المتوحشة، المنفلتة من اي معيار، في ظل غياب دولة المؤسسات والقانون، وفي ظل سلطة ديكتاتورية ليس لها من الديموقراطية سوى الانتخابات الشكلية، مع غياب الحريات وتقييد اشكال المعارضة. اما بالنسبة إلى كونها احد اهم مراكز التعليم لمواطني العالم الثالث فهي تراجعت، بسبب تراجع جاذبيتها الإيديولوجية لمواطني هذه البلدان، ولحركاتهم السياسية، وأيضاً بسبب تراجع القدرة على الاستمرار بهذا الخط المكلف مادياً.
ولا شك في ان هذين العنصرين ساهما في تعزيز مكانة الاتحاد السوفياتي، بوصفه مناصراً لقضايا الشعوب، وضمنها قضايا التحرر الوطني من الاستعمار، وقضايا التقدم والاشتراكية، فيما روسيا اليوم غادرت هذا الخط، بغض النظر عن تقويمنا له، بل انها تقف على نقيضه، كما نشهد، خصوصاً مع دعمها الأنظمة الاستبدادية، ومناهضتها الديموقراطية.
على الأقل، روسيا التي نراها اليوم لم يعد ثمة ما يميزها على هذا الصعيد عن الولايات المتحدة، بل انها تستخدم السلاح للدفاع عن نظام الأسد، ضد شعبه او غالبية شعبه.
هكذا، بقي لدينا عنصران آخران: الأول، صادرات روسيا من النفط والغاز، وهي تتعرض لمنافسة شديدة أدت الى تخفيض عوائدها، علماً أن صادراتها من هذه الثروة تشكّل 70 في المئة من مواردها، ما يبين حجم اعتمادها على هذه الثروة من جهة، وضعف بناها الاقتصادية، من جهة اخرى. اما العنصر الأخير المتعلق بصادرات الأسلحة، فروسيا تحتل المركز الثاني، بعد الولايات المتحدة، مع عوائد سنوية تتراوح بين 12 و15 بليون دولار، من دون ان يكون لأي من اسلحتها عنصر تفوق، إذا استثنينا القدرة على التدمير الأعمى، كما يحصل في تجربة القصف الجوي الروسي على سورية.
بيد أن المسألة لا تتعلق بحجم التصدير فقط، وإنما بحجم التوظيف الروسي في الصناعات العسكرية، وفي بناء القوة الأمنية، ما يفسر سعي روسيا إلى تعزيز مكانتها الدولية باستخدام ما تعتقده نقطة تفوقها، لا سيما مع ضعف قطاعاتها الإنتاجية الأخرى، وتأخرها في مجالات التكنولوجيا والعلوم وحتى في مجالات الآداب والفنون.
في المقارنة بالولايات المتحدة مثلاً، طالما حاولت روسيا ان تبدو بمثابة القطب المقابل. لكن الناتج القومي السنوي لأميركا يبلغ 16 تريليون دولار، فيما الناتج القومي لروسيا 3.3 تريليون، وهذا فارق بخمسة اضعاف. وطبعاً ثمة فارق كبير، أيضاً، في دخل الفرد، ومستوى الخدمات، والصرف على البحث العلمي، والتعليم، لمصلحة الولايات المتحدة.
من حيث القوة التصديرية، أيضاً، روسيا تصدر سلعاً بما قيمته 523 بليون دولار سنوياً، بيد ان 70 في المئة منها من النفط والغاز، مقابل ذلك فإن نصف وارداتها آليات وماكينات وأجهزة، علماً ان مجمل وارداتها يبلغ 344 بليون دولار، في حين تبلغ قيمة صادرات الولايات المتحدة من السلع حوالى 1700 بليون دولار، أي أكثر بثلاثة اضعاف، مع الأخذ في الاعتبار ان هذا الفارق الكبير لا يقتصر على الحجم وإنما على النوع ايضاً، اذ ان الولايات المتحدة اكبر مصدر في العالم للآلات والتكنولوجيا والأدوات الطبية والبرمجيات وغيرها، وهذا قبل تحولها من مستورد للنفط إلى مصدِّر له بعد الاكتشافات الجديدة، ما يعزز موقعها ويحررها من كثير من الاعتبارات.
الآن، إذا كررنا المقارنة في مجالي صناعة السلاح والتسلح سنجد ان ثمة فارقاً هائلاً بين البلدين. فوفق نشرة معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، روسيا تحتل المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، لكن الفارق ليس ببلايين او عشرات البلايين وإنما بمئات بلايين الدولارات. إذ ان الولايات المتحدة انفقت عام 2014 نحو 610 بلايين دولار، في حين انفقت الصين 216 بليوناً، اما روسيا فأنفقت 91 بليوناً، علماً ان إنفاق الولايات المتحدة العسكري يشكل حوالى 4.5 في المئة من دخلها القومي، ما يعادل خمس الناتج القومي الروسي، وحوالى 40 في المئة من الإنفاق العسكري العالمي.
إضافة الى ذلك، فالولايات المتحدة تنفق حوالى 3 في المئة من دخلها القومي على البحث العلمي، أي ما يساوي 450 بليون دولار سنوياً، بينما تخصص روسيا 1.2 في المئة فقط، أي ما يقارب 40 بليوناً. اما من جهة الصادرات، فالولايات المتحدة تصدر اسلحة بما قيمته 35 بليون دولار، فيما تتراوح الصادرات الروسية بين 10 و15 بليوناً.
لذلك يبدو أن الاتحاد السوفياتي الذي انهار بسبب الانهاك الاقتصادي، وبسبب خسارته في المباراة في مجال التكنولوجيا والعلوم، وبسبب سوء الإدارة، والافتقاد للحريات، معرّض لتكرار التجربة، بسبب الطريقة التي يدير بها بوتين روسيا، لا سيما في تعويله على النقلة من سلاح الإيديولوجيا إلى إيديولوجيا السلاح، وهذا ما ستبينه المغامرة الروسية في سورية على الأرجح. معلوم أن هذه المغامرة، او الحماقة، لم تثبت شيئاً بعد ثلاثة اشهر، على رغم كل الدمار الذي ألحقته ببعض المناطق السورية، ومع كل الاستعراضية.
الحياة
الروس والإيرانيون في خندق واحد/ عبد الرحمن الراشد
صحيح أن هذه المرة الثالثة خلال أشهر التي أكتب فيها عن شائعة الخلاف بين الحليفين الروسي والإيراني. لم أستطع، بعد، أن أصدقها، وأظن أنها رواية مصطنعة، هدفها تجميل التدخل الروسي، وتخفيف الغضب العربي الواسع ضد الروس.
وكانت وسائل الإعلام العربية رددت، أمس، نبأ مصدره من بغداد، ومع أنها تعتبر مركزًا جيدًا لتسقط الأخبار بحكم تعدد الانتماءات، لكن لا يوجد هناك ما يثبت صحة الخلاف بين الكرملين وقم، بل كل الشواهد على الأرض تؤكد أن العسكر والسياسيين من البلدين ينامون في نفس الخندق!
على أرض المعركة السورية، العمل موزع بشكل مريح. لا توجد قوات برية روسية، كما لا توجد قوة إيرانية جوية، مما يجعلهما جيشين متكاملين. وحتى لو وقعت خلافات بين قيادات عسكرية، حول إدارة التفاصيل اليومية، تظل مسألة مألوفة في مثل هذه الأجواء، بما في ذلك إجبار قيادات الحرس الثوري الإيراني على نقل بعض وحداتها من مناطق معينة، كما تردد حديثًا، أو قصف الطيران الروسي خطأ ميليشيات تحت قيادة إيرانية. ويبدو لي أن إشاعة تضارب المصالح بين الروس والإيرانيين التي تكررت كثيرًا، هي من باب التمنيات عند البعض، أو جزء من البروباغندا التي اعتادت موسكو إطلاقها منذ دخولها في الحرب إلى جانب الإيرانيين لإنقاذ نظام بشار الأسد.
العلاقة متينة بين الحكومتين. فلا يمكن أن يوجد خلاف ويقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارته المهمة قبل ثلاثة أسابيع إلى طهران. فهي الأولى له إلى هناك منذ ثماني سنوات، التقى خلالها بالمرشد الأعلى، وأهداه نسخة مصحف قديمة، وتعهد للرئيس حسن روحاني بصادرات قيمتها خمسة مليارات دولار، ووقعت الحكومتان مجموعة اتفاقيات بينها عسكرية! صعب أن نصدق بوجود خلاف والعلاقة على هذا المستوى الرفيع. رواية المصدر العراقي عن خلاف بين الحليفين لا قيمة لها، والأرجح أن الحقيقة عكس ذلك.
العراق، وليس سوريا، هو البلد الذي يقع في وسط منطقة الضغط العالي، بين القوى الدولية والإقليمية. فالأميركيون يقاتلون في الرمادي، والروس يتنقلون في الشمال الشرقي، والإيرانيون في بغداد والجنوب، والأتراك في إقليم كردستان وفي محيط الموصل، وتنظيم داعش يحفر المزيد من الخنادق في الموصل وعدد من مدن المحافظات الغربية. وجاء إعلان واشنطن أنها ستنشر قواتها على حدود العراق مع سوريا، وكذلك توليها إدارة المعارك مع العشائر السنية في الأنبار، كله ليؤشر على ارتفاع حدة التنافس بين المحاور.
ومع أنه لا شيء مستحيلا في السياسة، فإنه يصعب أن أصدق بوجود خلاف بين الروس والإيرانيين، وتكرار الرواية يعني أنها من مطبخ الحرب النفسية.
الشرق الأوسط
تنافس روسي إيراني لحماية رأس النظام السوري/ ماجد الشيخ
أضفى التدخل العسكري الروسي الواسع في سورية تعقيدات وتداخلات جديدة، بل مستجدة على معطيات الصراع المعقد أصلاً، من قبيل ما شهدته العلاقات الروسية – التركية، أخيراً، في أعقاب إسقاط الأتراك الطائرة الروسية، من دون أن تظهر في الأفق أي بوادر حلحلة، لا في اتجاه الحسم العسكري، ولا في اتجاه التسوية السياسية، الجاري العمل على التهيئة لها في عواصم عدة.
كذلك ذهبت مسألة إسقاط الطيران التركي الطائرة الروسية إلى اتجاهات تصعيدية، في سياق الصراعات المتفجرة على الأراضي السورية، لأهداف المصالح الخاصة بكل طرف، وكشفت، من ضمن ما كشفت عنه، أن طبيعة تلك الصراعات ليست محكومة لوقائع المعاندة السياسية فحسب، بل هي أكثر احتكاماً في الجوهر لوقائع المعاندة الاقتصادية، وللطبيعة الجيو سياسية، تلك التي لم تعد تخفى على أحد. وقد كان لافتاً ما أشار إليه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حين أكد، في باريس، أن القرار التركي إسقاط المقاتلة الروسية “يندرج في إطار إرادة تركية لحماية واردات نفطية تنطلق من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم (داعش) في اتجاه الأراضي التركية. حتى إن ما يمكن تسميته “النفط الداعشي”، بات “يوحّد” أطرافاً عدة، للاستفادة من وجود التنظيم ودوره التدميري والتخريبي من جهة، على الرغم من الضربات الجوية التي لم تساعد على الحد من آثاره المدمرة، طالما أن هناك من يستفيد من سعر النفط الرخيص الذي يتداول به في الأسواق السوداء، بدءاً من النظام السوري نفسه، وبعض النظام التركي وحتى إسرائيل، ولمَ لا روسيا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وكأن “فوضى النفط” يمكن لها أن تنشئ رأس جسر للعبور نحو ما يتوهم أنه التسوية السياسية التي بدأت تتباعد رويداً رويداً، حتى باتت أبعد مما كانت عليه في السابق، على الرغم من المساعي المكثفة في هذا الاتجاه.
“يلاحظ اتجاه إيراني “مزايد” لإيجاد نوع مع المنافسة مع روسيا، في بدء الكشف عن أعداد الضحايا الإيرانيين الذين يسقطون في المعارك”
في خضم التعقيدات المستجدة وبعد التدخل العسكري الروسي، بدأ يلاحظ اتجاه إيراني “مزايد” لإيجاد نوع مع المنافسة مع روسيا، في بدء الكشف عن أعداد الضحايا الإيرانيين الذين يسقطون في المعارك، مع ذكر مناصبهم، وكأن طهران تريد إفهام موسكو أن الإيرانيين لا يقلون منافحة عن رأس النظام، بل هم ماضون في حربهم للحفاظ على الأسد في السلطة، وعلى مصالحهم في المنطقة، على الرغم مما يقال عن صفقة أميركية – روسية لحل سياسي من مراحل عدة، ينبغي أن تنتهي باستبعاد الأسد.
وفي سابقة لم تشهدها الصحافة الإيرانية، انتقدت صحيفة “بهار” تمسك القيادة الإيرانية ببشار الأسد، والتبريرات التي تسوقها للحفاظ عليه وعلى نظامه. ونددت، بحسب ما نقلت عنها صحيفة العرب القطرية، بوضع النظام الإيراني خطوطا حمراء للحفاظ على بشار الأسد. وكتبت: “وضع خطوط حمراء للأزمة السورية من شأنها أن تسد الطريق لإيجاد أي حل سياسي، وهذا يجعل الأزمة السورية أكثر تعقيدا”.
وفي سياق انتقادها، تطرقت الصحيفة إلى ارتفاع أعداد القتلى الإيرانيين في سورية، وكتبت: “إن الجهات الرسمية قالت إن الوجود العسكري الايراني هو لتقديم الاستشارات، لكننا نرى أن أغلب الذين قتلوا من القيادات الإيرانية في سورية سقطوا في وسط جبهات القتال الحامية في مدينة حلب”.
وقبل اجتماع فيينا وبعده، يلاحظ على الحركة الدبلوماسية، كما الوقائع الميدانية، أنها وإذ تتسارع؛ فلأنها تهدف إلى إعادة صياغة المنطقة ومعطياتها الجيو – سياسية، تمهيداً للبحث في صلب المسألة السورية، المؤجل البحث فيها، ريثما تنضج ظروف مستجدة، يكون في الوسع في أثنائها إشهار إعلان التخلي عن رأس النظام، من حلفائه القدامى والجدد، وصولا إلى الولايات المتحدة التي لم تعد في عجلة من أمرها، لبلورة استراتيجيتها الجديدة في المنطقة، في ما بدا أنه توكيل لموسكو للقيام بمهام استراتيجية غير بعيدة، في سورية تحديداً.
على الرغم من ذلك، لا تبدو واشنطن في حاجة لبلورة سياسة أكثر وضوحاً، تجاه رأس النظام، وهي التي عمدت، وعملت طوال أكثر من ثلاث سنوات، للحفاظ على سياسة أكثر غموضاً، وقد زادها التدخل العسكري الروسي إيغالاً في الغموض والاضطراب، على الرغم من التفاهمات البينية مع موسكو، والتفاهمات التي حصلت بين موسكو وحكومة نتنياهو في إسرائيل التي تبدو أكثر انحيازاً لمسألة بقاء رأس النظام أطول فترة ممكنة، لا خشية من قوى التطرف الإرهابي، بقدر ما تخطط وتسعى إلى إدامة وضع الصراع والتفجير العسكري، رهين وحبيس الأطر الإقليمية في المنطقة، وما يحمله من استنزاف طاقاتٍ وإمكانيات المليشيات المحسوبة على النظام الإيراني، ومنها استنزاف حزب الله تحديدا، وضعضعة قواه البشرية وخزّانه الأهلي.
وفي تأكيد على غياب استراتيجية أميركية واضحة، ذهب مرشحون جمهوريون للرئاسة الأميركية إلى اتهام الرئيس باراك أوباما بإظهار ضعف في السياسة الأميركية في سورية، مشككين في أن يؤدي إرسال عدد صغير من قوات العمليات الخاصة إلى فرق كبير، من دون وجود استراتيجية متماسكة أوسع.
هكذا في خلفية التردد الأميركي وعدم الحسم تجاه النظام، جاء التدخل العسكري الروسي، واندفاعة موسكو في اتجاه محاولة إيجاد حل سياسي؛ ولو في مستقبل يقرب أو يبعد، ليظهر فشل جبهة حلفاء النظام في حسم أي اتجاه ممكن؛ سياسياً أو عسكريا؛ على الرغم من إشراك طهران في المفاوضات الدولية التي انعقدت في فيينا، وعدم إشراك المعارضة السورية، ولا حتى النظام نفسه في البداية، ما يؤكد أن من يريد أن يفرض التسوية السياسية الممكنة، ولو بعد حين، هي هذه القوى الاقليمية والدولية مجتمعة، على الرغم من تبايناتٍ باتت أكثر وضوحاً في مواقفها غير المنسجمة أصلاً، بعيدا عن رأي النظام أو المعارضة، وكأن المسألة باتت تتجه نحو محاولة إيجاد حل أو تسوية إقليمية للمنطقة برمتها، لا في إطارها السوري فقط، ما يعني ركن كل شيء على الرف، في انتظار بلورة مستجدات أخرى، قابلة للانشغال بها، ولو بعد حين.
“تبدو المفاوضات القائمة في فيينا وغيرها من العواصم، على أنها مقاربة أو محاولة أميركية، لا روسية، لتطويع المواقف الإقليمية”
ما يعيق هذه المسألة هو طبيعة الخلاف الأميركي – الروسي المضمر حول سورية، ومصير النظام ورأسه، حيث بدا، ويبدو، أن فجوة هذا الخلاف قد جرى تضييقها أخيراً، في أعقاب التدخل الروسي، في محاولة تقرير مصير رأس النظام، والتنسيق والتفاهم الأميركي – الروسي من جهة، والروسي – الإسرائيلي من جهة ثانية على عدم الصدام في الجو، ولو لم يكن هناك انسجام سياسي على الأرض، حتى إنه يقال إن التصريحات الدبلوماسية الأميركية عن “ضرورة رحيل الأسد”، متفق عليها مع الروس، بعد أن بدت وتبدو المفاوضات القائمة في فيينا وغيرها من العواصم، على أنها مقاربة أو محاولة أميركية، لا روسية، لتطويع المواقف الإقليمية.
هكذا بدا أن دخول الإيرانيين طرفا في المفاوضات، هو التمثل المضمر لترويض موقفهم ودورهم وتوظيفهما، إلى جانب ما يفترض أنها الصفقة الروسيّة ـ الأميركية، التي تحاول إيجاد مسارب قابلة للحياة، والتي قد تشكل عاملاً محرّكاً في اتجاه تقديم مقترحاتٍ، تساهم في إيجاد إطار مناسب وممكن لتسوية شاملة في المنطقة، إلا أن أوان تسوية كهذه، في ظل التراجعات الأميركية والإيرانية وعدم الوضوح السياسي، لا يبدو أنه قابل للحياة، في هذه الفترة الأكثر إحراجا لإدارة أوباما وسياساتها، ليس في سورية فحسب، بل وفي كامل النطاق الإقليمي الذي يعج بمزيد من التناقضات والخلافات، والصراعات واحتدام الفتن المذهبية والفئوية والجهوية السيارة والمتنقلة، في غياب المرجعيات الحاسمة والاستراتيجيات القابلة للتنفيذ، في ظل تعدد الأقطاب الذي بات أمراً واقعاً بفعل غياب الاستراتيجيات الواضحة، وضعف كاريزما القطب الأوحد الذي مثلته الولايات المتحدة ردحاً طويلاً من الزمن، في أعقاب انتهاء حقبة الحرب الباردة، وها نحن بالفعل في مواجهة استراتيجيات وكيلة، يمثل “النأي بالنفس” أميركياً صواعق لتفجيرات أكثر اشتعالا، وأكثر احتمالاً لتسويات تبتعد في سورية، كما في عموم المنطقة، لتحل محلها تفجيرات قابلة لتداعيات أخطر، من قبيل التدخل العسكري التركي في العراق، والصراع المتمادي بين موسكو وأنقرة أخيراً.
العربي الجديد
موسكو وواشنطن في سوريا: كل يتحيّن خسارة الآخر/ جوزف باحوط
المصدر: ترجمة نسرين ناضر
شهدت الأشهر الستة الأخيرة تغييرات سريعة وعنيفة وفجائية على الساحة السورية، بالنسبة إلى الجنود والديبلوماسيين والسياسيين على السواء. وفي حين أن التدخّل الروسي الذي بدأ في 30 أيلول الماضي قد يُغيِّر مسار النزاع، ربما لن يؤدّي سوى إلى الموت البطيء والمؤلم لسوريا.
بيد أن تدخّل بوتين غيّر ديناميات القوة ووقائع المعارك في المحنة السورية التي تتوالى فصولاً. وعند محاولة استشراف الاتجاهات المحتملة التي قد تسلكها الأزمة السورية في أعقاب التدخل الروسي، يجب أن يؤخَذ في الاعتبار الوضع على الأرض، والسياقان الإقليمي والدولي، والرابط بين هذين المستويين.
أسباب التدخل الروسي
بدأ التدخل الروسي في أواخر أيلول الماضي في وقتٍ كان نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد بدأ يخسر أراضي على جبهات عدّة. كانت معالم النزاع قد أصبحت واضحة آنذاك.
سوريا هي الآن بلد مفكّك ينقسم إلى أربع مناطق مختلفة على أقل تقدير. لا يزال نظام الأسد يسيطر على ما يُسمّى في معظم الأحيان “سوريا المفيدة”، تحديداً الجزء الغربي من البلاد، من دمشق إلى الساحل. وفي الشمال والشمال الشرقي، أنشئ جيبان أو ثلاثة جيوب حيث يتمتع الأكراد بشبه استقلال ذاتي، تحت اسم روج آفا أو غرب كردستان. لا تزال الجبهة الجنوبية على طول الحدود الأردنية والإسرائيلية تحت السيطرة المحكمة لعدد من العشائر السنّية، وفصائل معتدلة من “الجيش السوري الحر”، ووحدات درزية للدفاع عن النفس مدعومة من الحكومة. أخيراً، تُرِكت المنطقة الوسطى في سوريا ساحةً للاقتتال بين التنظيم المسمّى “الدولة الإسلامية” وعدد من مجموعات الثوّار المعادية – منها “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” وسواهما.
عند بدء التدخل الروسي، كانت الحكومة المركزية قد خسرت تماماً السيطرة على حدودها، باستثناء الحدود السورية-اللبنانية. لقد اختفت الحدود مع العراق، والحدود مع إسرائيل والأردن هي في أيدي ثوّار “الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر”، أما الحدود التركية فتخضع في أجزاء منها لسيطرة المقاتلين الأكراد، وفي الأجزاء الأخرى لسيطرة “الدولة الإسلامية”.
كانت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تتقلّص بسرعة بسبب الهزائم المتلاحقة على امتداد أشهر في ساحات المعارك، والتأكّل المستمر للجيش السوري من جملة أسباب أخرى. بحلول صيف 2015، أقرّ الأسد نفسه بأن الجيش السوري بات يدافع فقط عما هو حيوي ويمكن الدفاع عنه، بسبب نقص الموارد ولأنه يجب اتخاذ خيارات صعبة.
التهديدات والفرص
في حين أن قرار بوتين التدخل في سوريا بدا فجائياً، كان الهدف منه منع الأفرقاء الآخرين من التقدّم وكسب النفوذ عبر استغلال بعض الفرص. ربما رأى بوتين في الأطماع المتنامية للأصدقاء والأعداء على السواء، تهديداً لنفوذه في سوريا. بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، بات واضحاً بصورة متزايدة أن طهران تعزّز مكانتها كلاعبة مشروعة بهدف أن تبدو في موقع وسيطة النفوذ في سوريا، وبدا أكثر فأكثر أن الولايات المتحدة موافقة على ذلك. وكذلك أبدت تركيا رغبة قوية في اقتطاع منطقة آمنة في الشمال والشمال الغربي لسوريا، وقد عمدت إلى زيادة طلعاتها الجوية وغاراتها، وبدأت التحضير لعملية برية محدودة.
في غضون ذلك، انشغلت قوى إقليمية أخرى بمسائل وملفات خارج سوريا. ربما رأى بوتين في ذلك فرصةً له كي يتحرّك. فالسعودية ودول الخليج التي شكّلت في السابق عائقاً أمام الأطماع الروسية في سوريا، تورّطت في المستنقع اليمني. وفي واشنطن، كانت إدارة أوباما تستعد لتمضية عامها الأخير في الحكم في استيعاب الاتفاق مع إيران وتطبيقه، ولم ترغب في تهديد مكانتها من خلال القيام بأي خطوات تنطوي على مجازفة في سوريا. كان هناك فراغ وقد قرّر بوتين ملأه.
الأهداف الروسية في سوريا
أبعد من هذه الاعتبارات، من السابق لأوانه الافتراض أن هناك مخططاً كبيراً خلف التدخل الروسي في سوريا. من الواقعي أكثر أن نتصوّر ما خطط له بوتين بأنه سلسلة من المناورات التدريجية في مراحل اللعبة النهائية، تعاقبٌ من خطط الطوارئ، وشلال من خطوط الدفاع، على طريقة الدمى الروسية، والتي يمكن تكييفها والتحكّم بها مع تطور الأحداث على الأرض وفي ساحة المعركة الديبلوماسية.
الهدف الأول والأعلى قيمة بالنسبة إلى روسيا هو ترميم الدولة السورية المركزية، إلى أقصى حد ممكن، لتعود كما كانت قبل عام 2011.
إذا تبيّن أن تحقيق هذا الهدف مستحيل أو مكلف جداً، الخيار الثاني هو الاكتفاء بالسيطرة على المناطق التي يمكن الدفاع عنها في سوريا المفيدة بعد ضمان سلامة الكانتون العلوي. ربما كانت هذه الفكرة واردة، إذ إن غالبية الهجمات الجوية الروسية تتركّز في محيط هذه المنطقة. ومن ثم، بإمكان بوتين أن يجمّد النزاع ويخوض حرب استنزاف طويلة، كما فعل في أوكرانيا والقرم. من شأن المناطق الأخرى في سوريا أن تتفكّك وتغرق في الفوضى. ويُترَك للغرب ودول الخليج التعاطي مع مسألة الصحراء في وسط سوريا، والتي تتنازع عليها مجموعات ثورية عدّة وتنظيم “الدولة الإسلامية. تتوقّع روسيا أن يصاب خصومها بالإنهاك في نهاية المطاف، ويأتوا إلى بوتين متوسّلين إليه التوصل إلى حل – الحل الذي لطالما خطّط له بوتين.
يتمثّل سيناريو الطوارئ الأخير في السعي إلى جعل الخيار الثاني شبه دائم. يمكن ترسيخ سوريا المفيدة بحيث تتحوّل جيباً تتدفّق إليه الأقليات تدريجاً، سعياً للحصول على الحماية أو الملاذ من حالة الفوضى في باقي البلاد. ويتحوّل هذا الواقع نقطة الانطلاق للتوصل إلى حل طويل الأمد عن طريق التفاوض بما يؤدّي إلى تثبيت تقسيم سوريا، ويمنح موسكو نفوذاً على دويلة في الساحل حيث تقع قواعدها العسكرية.
ردود الفعل الأميركية وعملية فيينا
في حسابات واشنطن، يبدو أن هناك أملاً بأن تغرق موسكو في نهاية المطاف في المستنقع السوري، فتتورّط في كمٍّ هائل من المشكلات يوازي حجماً تلك التي تحاول إيجاد حلول لها، وينتهي بها الأمر في خوض مواجهة مع إيران حول تملُّك ما تبقّى من نظام الأسد. في هذا السيناريو، بوتين هو من سيتحوّل نحو الدول الغربية والعربية متوسّلاً التوصل إلى حل مقبول. لقد لمّح الرئيس الأميركي باراك أوباما علناً إلى هذا الأمر في مناسبات عدة، مشيراً في الأيام التي أعقبت الاجتياح الروسي، إلى أنه يجب اعتباره إجراء يائساً لدعم الأسد، وإلى أن روسيا وإيران “ستتورّطان في مستنقع”. بالطبع، كان هذا الخطاب أسلوباً مناسباً أيضاً ليتجنّب أوباما الانتقادات بأنه فشل في الرد على التحدي الروسي.
في الوقت نفسه، وجّه البيت الأبيض إشارات بأن الحملة الروسية قد تؤدّي في نهاية المطاف إلى منح اندفاعة قوية للأسد والقضاء على الجهود الديبلوماسية التي تُبذَل منذ عملية جنيف 2 من أجل السلام التي انطلقت عام 2014. وكذلك شجّعت الولايات المتحدة سراً – لا بل ساعدت ربما – على التصعيد من جانب تركيا ودول الخليج لا سيما السعودية، وذلك من خلال تسليم صواريخ “بي جي إم-71 تاو” المضادّة للدروع إلى الثوار بوتيرة أعلى وحجم أكبر من السابق. وقد استُخدِمت هذه الصواريخ لكبح أي تقدّم فعلي من جانب نظام الأسد في مواجهة الثوّار، حتى مع حصول النظام على الدعم الجوي الكثيف من روسيا.
يبدو أن التفسير المنطقي هو أن واشنطن تريد تجنّب المواجهة فيما تُبقي خياراتها مفتوحة في الوقت نفسه. في هذا الإطار، يبدو أن أولوية أوباما في عامه الأخير في الحكم تتمثّل في ترسيخ مكاسب الاتفاق مع إيران، وإدارة النزاع السوري بأدنى حد من الكلفة، وتمريره إلى الإدارة العتيدة. إنه السبيل الأفضل لفهم الصيغة الديبلوماسية الجديدة التي وُضِعت في فيينا. لقد انضمت إيران أيضاً إلى طاولة المفاوضات، لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يستمر في ترداد المقولة الغربية نفسها بأنه على الأسد الرحيل – فيما يُبقي على الالتباس حول توقيت هذا الرحيل.
لقد بدأت الرقصة الديبلوماسية حول الجيفة السورية تشبه، في بعض النواحي، الرقصة حول المسألة الفلسطينية حيث يكثر الكلام عن حتمية حل الدولتين، على الرغم من أن الواقع الميداني يبتعد أكثر فأكثر، وبصورة مطّردة، عن الهدف المعلَن.
لعبة انتظار مدمّرة
ليس الوقت لمصلحة سوريا. ففي غياب حل جدّي وجذري للأزمة، أبعد من محاولة احتواء تنظيم “الدولة الإسلامية”، ستواجه البلاد مزيداً من الانهيار. في المناطق التي ستبقى خارج سيطرة النظام السوري والحماية الروسية، ستستمر القوى المتنافسة في الاقتتال للسيطرة على الأراضي والناس والاقتصاد. وسوف ينمو تنظيم “الدولة الإسلامية” في تلك المناطق. وسوف تستمر سوريا في التسبّب بمشكلات للمنطقة بأسرها.
لعل توقّعات كل واحد من الأفرقاء بأن خصومه سيغرقون في نهاية المطاف في المستنقع السوري، سليمة في لعبة النفوذ الكبرى. لكن هذا يعني الموت البطيء لسوريا، مع ما يترتّب عنه من تداعيات كارثية على المنطقة في شكل عام.
باحث في مركز كارنيغي (واشنطن)
(اقتضى ضيق المساحة حذف بعض المقاطع)
النهار
كيف يمكن للنفوذ الروسي أن يدعم الحل السياسي للأزمة في سوريا؟
ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد
نشرت صحيفة «المونيتور» مقالا تحليليا للكاتب الروسي «بول ساندروس» تناول خلاله طبيعة النفوذ الروسي في سوريا وكيف يمكن أن يلعب دورا في الدفع باتجاه التسوية السياسية هناك.
ووفقا للصحيفة، فإنه على الرغم من أن واشنطن وموسكو قد قاما مؤخرا بتنحية خلافاتهما حول مصير الرئيس السوري «بشار الأسد» من أجل تمرير قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع حول إنشاء جدول زمني لعملية سياسية ووقف إطلاق النار لإنهاء فترة طويلة امتدت لخمس سنوات تقريبا من الحرب الأهلية في سوريا، إلا أن وضع جدول زمني هو شيء وتنفيذ هذا الجدول هو أمر آخر مختلف.
وأضاف الكاتب أن «هناك فهم مشترك أن مستقبل الأسد سوف يكون عاملا رئيسا قد يتوقف عليه حقيقة إذا ما كانت أي محاولة لإحلال السلام في سوريا سوف تنجح أو تفشل». ولكن ذلك لن يكون العامل الوحيد: فإن الفهم الواضح للنفوذ، وكيف ومتى يتم استخدامه، هو أمر لا يقل أهمية.
وفقا للصحيفة، فإن الولايات المتحدة والعديد من حلفائها يتوقون لرؤية روسيا تستخدم نفوذها على «الأسد» لإقناع الرئيس السوري بالموافقة على التنحي كجزء من عملية الانتقال السياسي. ويؤكد الكاتب أنه على الرغم من أن واشنطن وغيرها قد حددوا في وقت سابق هذا الأمر كشرط مسبق للمحادثات، إلا أنه يبدو أن واشنطن قد لينت من هذا الموقف، وذلك بالنظر إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» مؤخرا بأن «الولايات المتحدة وشركاءها لا يسعون إلى تغيير النظام في سوريا». ولذا فإن رحيل «الأسد» في نهاية المطاف لم يعد شرطا مسبقا لإجراء محادثات، ومع ذلك، فإنه على الأرجح لا يزال من المتطلبات الرئيسية لإدارة «أوباما» من أجل التوصل إلى أي اتفاق.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا يثير سؤالا مهما، رغم ذلك. إذا كان الطرفان في نهاية المطاف سوف يتوصلان إلى تسوية على هذا الأساس، فكيف يمكن إقناع «الأسد» بقبول ذلك؟ ما هو مقدار النفوذ الذي تمتلكه روسيا حقيقة في هذا الأمر؟
ويؤكد الكاتب أن هذه الأسئلة ليس من السهل الإجابة عليها، ويرجع ذلك ببساطة إلى أنه لا يوجد معيار عالمي يمكن أن نقيس إليه مسألة النفوذ بموضوعية. التدخل العسكري الروسي في سوريا من الواضح أنه يمد موسكو بنفوذ أكبر على دمشق أكثر من كونها مجرد مزود للأسلحة وصديق في مجلس الأمن الدولي. الضربات الجوية الروسية أيضا تسهم في زيادة النفوذ الروسي مقارنة بإيران التي لم تعد الدولة الوحيدة التي لديها دور قتالي في دعم الحكومة السورية. ونظرا لأن الكريملين يبدو أقل التزاما تجاه شخص «الأسد» من طهران، فإن هذا الأمر يصبح أكثر أهمية.
ورجحت الصحيفة أن النفوذ الروسي على «الأسد» سوف يتقلص بمرور الوقت. والسبب واضح وصريح: تأثير موسكو على دمشق لا يقتصر فقط على ما تقوم به روسيا حاليا في دعم الحكومة السورية، ولكنه يرتبط أيضا بما يتوقع المسؤولون السوريون أن روسيا قد تفعله لهم في المستقبل. إذا خفض «الأسد» من توقعاته فإنه سوف يكون أقل ميلا لتقديم التفضيلات الروسية وسوف تتمتع موسكو بنفوذ أقل.
وعددت «المونيتور» الأسباب المحتملة التي يمكن أن تسهم في تقليص النفوذ الروسي في سوريا. أحد هذه الاحتمالات يتعلق بألا يسفر التدخل الروسي إلا عن نتائج محدودة ما يقلل من المساعدات في المستقبل. أحد الأسباب الأخرى أن تضطر روسيا إلى إبطاء وتيرة عملياتها إذا اكتشفت موسكو أنها غير قادرة على مواصلة الضربات الجوية لفترة طويلة. سبب ثالث محتمل هو زيادة الضغط الشعبي على الحكومة الروسية ما يدفعها إلى محاولة كسب التأييد الشعبي حتى إذا كانت قادرة على تجاهل هذه المشاعر لفترة من الزمن. وأخيرا، هناك سبب معاكس نوعا ما، وهو أن روسيا قد تخسر في الواقع النفوذ على الأسد إذا خضعت للضغوط الأمريكية من أجل تركيز هجماته على مقاتلي «الدولة الإسلامية».
من هذا المنظور، فإنه يمكن للصبر الاستراتيجي الذي تمارسه إدارة «أوباما» أن يأتي بنتائج عكسية. إذا انخفض النفوذ الروسي في سوريا سواء بشكل مطلق أو بالمقارنة بالنفوذ الإيراني، فإن موسكو قد لا تكون قادرة على ممارسة النفوذ اللازم على «الأسد» لقبول التسوية التي تتطلب منه أن يتنحى أو أن يقدم تأكيدات بعدم المشاركة في الانتخابات الجديدة.
المشكلة الأكثر إزعاجا للولايات المتحدة هي أن دور موسكو في سوريا يوفر لها النفوذ ليس فقط في تعاملها مع دمشق وطهران ولكن أيضا مع واشنطن. ومن شأن روسيا بلا نفوذ واضح في سوريا أن تكون قليلة الجدوى الدبلوماسية بالنسبة إلى واشنطن وبالتالي سيكون لها نفوذ محدود في العمل مع واشنطن. على العكس، فإن روسيا التي تملك تأثيرا لتسهيل رحيل الأسد هي أكثر قيمة بالنسبة إلى إدارة أوباما، حيث يمكنها ممارسة هذا النفوذ من أجل دفع العملية إلى الأمام.
ووفقا للصحيفة، فإن هذا يترك الولايات المتحدة أمام بديلين، أولهما هو محاولة التوصل إلى تفاهم حول «الأسد» في الوقت الذي لا تزال فيه روسيا لديها القدرة على ممارسة النفوذ على دمشق، ولكنها أيضا في هذه الحالة سوف تكون قادرة على انتزاع المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة. إذا لم تكن إدارة «أوباما» راغبة في مستعدة لاتخاذ خطوات لزيادة نفوذها، عبر تكثيف دورها في الحرب فإنها سوف تضطر إلى تقديم المزيد من التنازلات.
الخيار الآخر للولايات المتحدة هي أن تترك الصبر الاستراتيجي ليقود مسارها بالكامل. وهذا يعني الانتظار لمعرفة متى سيتراجع نفوذ موسكو، وهل ستواجه إيران خيارات مماثلة، والتأكد إذا ما كان «الأسد» على استعداد للتنحي أم أنه سوف يختار مواصلة القتال. في الوقت الذي لا توجه فيه لحكومات في روسيا وطهران ودمشق أي ضغوط لاتخاذ قرارات صعبة، فإن ذلك يعني منح المزيد من الوقت لتنظيم الدولة الإسلامية لكسب مجندين جدد وإلهام هجمات إرهابية خارج سوريا.
لمونيتور
بوتين ليس “أبو علي”/ إيلي القصيفي
أجلّ السيد حسن نصرالله في خطابه الاثنين الإجابة عن السؤال الأكثر إلحاحاً لدى جمهور المقاومة وعموم المهتمين بالمجريات السورية، عما إذا كانت روسيا التي تسيطر على السماء السورية علمت مسبقاً بالغارة التي استهدفت الأسير المحرر سمير القنطار، أو هي بالحد الأدنى لم تستطع منعها؟ اعتبر أنّ “النقاش اذا كانت الطائرات الاسرائيلية دخلت في الاجواء السورية وقصفت المبنى أم أن الطائرات الاسرائيلية ارتفعت فوق الجولان المحتل او فوق الاراضي المحتلفة ولم تخترق الاجواء السورية إذا اعتبرنا انها خارج الاحتلال وقامت بالقصف، هذا تفصيل لا يقدم ولا يؤخر شيئا”. مستدركاً: “إلاّ إذا أراد احد الكلام على ملف اسرائيل وروسيا، والليلة لا وقت لأتحدث بهذا الموضوع. هذا لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، هذا تفصيل تقني”.
بالطبع يعلم السيد نصرالله أنّ ما اعتبره “تفصيلاً تقنياً لا يقدم ولا يؤخر شيئاً” هو أكثر ما يتوق جمهوره إلى سماع تفصيل عنه وشرح له، أي موضوع “ملف إسرائيل وسوريا” وعلاقة ذلك بوضع ايران وبالتالي حزب الله في سوريا. “لا وقت الليلة لأتحدث بهذا الموضوع”، هذا ما قاله الأمين العام لحزب الله، تاركاً جمهوره حائراً غاضباً، إذ كان يتوقّع أن يتعهد السيد نصرالله بالرد على اغتيال القنطار “في الزمان والمكان المناسبين”، لكنّه كان مهتماً أيضاً بأن يسمع تفسيراً عن الموقف الروسي في الغارة. لكن الحقيقة أنّ نظرة إلى الميدان السوري وما يتصل به من تطورات سياسية على الساحة الدولية كافية ليدرك المرء أن السيد نصرالله لن يخوض في نقاش من هذا النوع ولن يثير أي حساسية روسية-إيرانية في هذا التوقيت. علماً بأن محللين إسرائيليين أشاروا إلى أنّ “الروس علموا بعملية الاغتيال في الوقت الصحيح، لكن موسكو التزمت الصمت”، وذكّر المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ألكس فيشمان، أنّ “اغتيال القنطار سبقته ثلاث غارات إسرائيلية في الأراضي السورية خلال الشهور الماضية، واستهدفت شحنات أسلحة قرب دمشق. واستنتج المحلل من ذلك أنه “على الرغم من الوجود الروسي في شمال غرب سوريا يقيد حرية العمل الإسرائيلي في المنطقة، إلا أنه ليس عائقاً لشن غارات إلى الجنوب من هناك، وحتى قرب دمشق. وهذه رسالة ليست سهلة الاستيعاب بالنسبة للرئيس السوري وشركائه”.
وليس خافياً على أحد أن وضع ايران والدائرين في فلكها في سوريا ما بعد التدخل الروسي في أيلول الماضي ليس كما قبله. فبديهي أن تخسر ايران من نفوذها في سوريا بعد التدخل الروسي، وهذا قد يفسّر عدم معارضة خصوم ايران في المنطقة هذا التدخّل بالرغم من أنّه أنقذ النظام السوري الذي كان على وشك الانهيار. فـ”تضارب الأهداف” على المدى الطويل بين روسيا وايران بدأ يظهر في سوريا، والغطاء الدولي للتدخل الروسي مرتبط برهان “المجتمع الدولي” على تقليص النفوذ الإيراني في هذا البلد.
وينقل تقرير نشر في صحيفة “الفايننشال تايمز” عن خبير الشؤون السورية، كريستوفر فيليبس، قوله إن “إيران كانت سعيدة بأن طلبت من روسيا إرسال طائراتها، وإلا سقط الأسد، ولكنّها ستكون غير مرتاحة على المدى الطويل، لأن سوريا منطقة نفوذ لإيران وأنفقت على ذلك كثيرا، وهي ترى اليوم روسيا تريد أن تبتلعها”. وليس بلا دلالة في هذا السياق عمل روسيا لانشاء قواعد جوّية جديدة في سوريا، بعضها قرب حمص (مطار الشعيرات)، وهي منطقة حيوية بالنسبة إلى إيران وحزب الله. وقد أشارت “الفايننشال تايمز” أنّه “من بين نقاط الاختلاف بين طهران وموسكو إنشاء ميليشيا قوات الدفاع الوطني في سوريا من قبل إيران، ورغبة موسكو في أن تلحق هذه القوات بالجيش السوري الحكومي، الذي له علاقات متينة مع روسيا، بينما تعتبر طهران هذه القوات، التي أنشئت منذ ثلاثة أعوام، بدعم من الجيش الإيراني وحزب الله، أهم وسائل نفوذها في سوريا”.
لكنّ تضارب المصالح بين ايران وروسيا على المدى البعيد لا يعني أنها متضاربة على المدى القريب ميدانياً وسياسياً. فإيران تدرك أنّها لا تستطيع اللعب منفردة في سوريا بعد التدخل الروسي وهي لا تنقصها الحنكة لتدرك أن المحافظة على الحد الأقصى الممكن من نفوذها في سوريا يقتضي الانسجام مع الموقف الروسي والتأقلم معه. وهذا ما عكسه حديث مسؤولين إيرانيين عن أن “إيران قررت توحيد موقفها مع روسيا في الحملة الرامية إلى التوصل لاتفاق سياسي لإنهاء الحرب الأهلية السورية”، كما قال مسؤول إيراني لـ”رويترز” إن إيران وروسيا “على وفاق كامل بشأن سورية ومصير الأسد، وإن الاجتماع بين بوتين وخامنئي كان ناجحاً جداً وتتقاسم إيران وروسيا الآن وجهة النظر نفسها بشأن الأسد”.
وهذا مؤشر واضح إلى أنّ ايران تبدو مستعدة اليوم إلى تعديل موقفها من “الحل السياسي” في سوريا بما في ذلك مسألة مصير الرئيس السوري. وقد عكس ذلك قبول ايران بمقررات جنيف-2 بشأن “الانتقال السياسي” في سوريا، وقد علّق ديبلوماسي في الوفد الإيراني إلى نيويورك على ذلك بالقول إنّ “القرار جاء كما لو أنّه يثير مسألة الصلب من دون ذكر المسيح”، في إشارة إلى أن عملية الانتقال السياسي في سوريا ستطيح في النهاية بالأسد خصوصاً بعد إقرار إجراء انتخابات يشارك فيها اللاجئون السوريون.
وقد قال مسؤول إيراني كبير لـ”رويترز” السبت: “من الممكن أن يقرر الشعب السوري ضرورة تنحي الأسد وسيتعين عليه حينئذ ترك السلطة”. وهذا يأتي في ظل الحديث عن عدم تمسك موسكو بالأسد “في ظل عملية السلام”. أما ميدانياً فالغارات الروسية المساندة للقوات الإيرانية في ريف حلب مستمرة في وقت تحرز هذه القوات تقدما على الجبهة هناك.
لذلك كلّه يصبح مفهوماً لماذا لم يتطرق السيد نصرالله إلى “الملف الروسي الإسرائيلي” في خطابه الإثنين، فالوقت ليس لذلك الآن. فهو لا شك يدرك جيداً تقاطع المصالح الإيرانية الروسية راهناً وإن كانت “روسيا لا ترغب في لعب دور القوة العظمى التي تحمي طموحات دولة إقليمية”، كما أشار رئيس مجلس السياسة والدفاع فيودور لوكيانوف المقرّب من الكرملين. وهو لا شكّ يدرك أنّ فلاديمير بوتين ليس “أبو علي” بوتين!
المدن
الأسد وإيران والأنظمة السلطوية العربية…أكبر المستفيدين من جرائم “داعش” وحروبها العبثية
يحذر المحلل السياسي علي أنوزلا من تداعيات توظيف الأنظمة السلطوية لما يسمي “بالحرب ضد الإرهاب” من أجل إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب الذي أرهبته جرائم “داعش”، بعدما وصلت إلى قلب عواصمه.
بعيداً عن نظريات المؤامرة، التي تنسج سيناريوهات كثيرة حول من يقف وراء تنظيم داعش، ومن يدعمه ويموله ويحميه، لأن كل الفرضيات التي تُساق، اليوم، لا وجود لما يسندها على أرض الواقع، وقد يأتي اليوم الذي تنكشف فيه حقيقة هذا التنظيم. لكن، حتى قبل أن تنكشف حقيقة من يقف خلفه، ومن “خلقه”، ومن يموله، يمكن من الآن معرفة من يستفيد اليوم من وجوده، ومن خدماته، ومن أعماله الإرهابية، ومن هم ضحاياه، وهم في كلا الجانبين كثر.
المستفيدون من هذا التنظيم كثيرون، حتى وإن ادعوا معاداته وشن الحرب ضده. إنهم دولاً وأنظمة، يعادونه في العلن، وهم مرتاحون مما يدرّهم عليهم وجوده واستمراره من فوائد وأرباح سياسية، لا تعد ولا تحصى. أول هؤلاء المستفيدين سياسياً من وجود “داعش” هو نظام بشار الأسد الدموي، الذي ظل يحمي معاقل التنظيم في الرقة، وجنّبها براميله المتفجرة، وتركه ينمو ويترعرع، لكي يخلط النظام المذكور الأوراق، ويقنع العالم بـ “أطروحته” أنه يشن حرباً لا هوادة فيها ضد ما يسميه هو “الإرهاب”.
لذلك، وبعد أن خرج الغول من القمقم، لا غرابة أن نسمع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تخطب ود الأسد، وتعتبر التحالف معه مهماً في محاربة إرهاب “داعش”، الذي وصل إلى قلب عواصم أوروبا، وأغرق دولها بمئات آلاف من اللاجئين.
المستفيد الثاني من وجود “داعش” هو النظام الإيراني، الذي نجح في أن يُجبر الغرب، بعد سنوات من المفاوضات الماراثونية، على التوقيع على اتفاق نووي، يحفظ لإيران برنامجها النووي. فمباشرة بعد سقوط الموصل في يد “داعش”، ارتعب الغرب من المد الإرهابي “الداعشي”، وسعى إلى وضع يده في يد ملالي إيران، لوقف الخطر “الداعشي”، ووأده في معقله. وقد اتضح، الآن، بعد مرور أكثر من سنة، أن “الدعم” الإيراني في الحرب ضد “داعش” لم يغير كثيراً من المعطيات على أرض الواقع، وكل ما فعله هو حماية النظام الطائفي الشيعي في بغداد، وتبييض صفحة النظام الإيراني في الغرب الذي خفّض من سقف انتقاداته التجاوزات التي تطال حقوق الإنسان في إيران.
علي أنوزلا صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع “لكم. كوم”، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة “قادة من أجل الديمقراطية” لعام 2014. الصورة من مراسلون بلا حدود
علي أنوزلا صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع “لكم. كوم”، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة “قادة من أجل الديمقراطية” لعام 2014.
المستفيد الثالث من الحرب العالمية ضد “داعش” هي روسيا وقيصرها فلاديمير بوتين، الذي نجح في أن ينسي الغرب جرائم قواته في أوكرانيا، واغتصابه جزيرة القرم، وهو الآن بصدد تكسير الحصار الاقتصادي الغربي المضروب حول إمبراطوريته. وها هو اليوم يربح فرنسا، الدولة التي كانت متحمسة في فرض أقصى العقوبات ضده، بعد ما فعله في أوكرانيا، ورفضت إتمام صفقة بيع سفينة حربية له، تتوسل التنسيق معه في هجماته الجوية والصاروخية في العراق وسورية، والتي غالباً ما تستهدف المعارضة التي توصف بالمعتدلة، وأغلب ضحاياها من المدنيين، أما “الدواعش” فمازالوا أحراراً طلقاء، وأرض خلافتهم تتسع براً و”فكراً”.
المستفيد الرابع من جرائم “داعش” إسرائيل التي استغلت اهتمام العالم ببشاعة جرائم هذا التنظيم لتطبيق مخططاتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعيداً عن أضواء الكاميرات. وحتى عندما انفجرت ثالث انتفاضة شعبية، وشملت حتى الأراضي الواقعة داخل إسرائيل، جاءت تفجيرات باريس التي تبنتها “داعش”، لتحول الأنظار عنها، وتترك إسرائيل تنفذ مخططاتها وخلق حقائق على الأرض بعيدا عن الأنظار.
المستفيد الخامس والأكبر من وجود خطر داهم اسمه “داعش” هي الأنظمة السلطوية التي ما زالت تخنق أنفاس شعوبها في المنطقة العربية، فباسم “الحرب ضد الإرهاب” ستزيد هذه من إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب الذي أرهبته جرائم “داعش”، بعدما وصلت إلى قلب عواصمه.
أما ضحايا جرائم “داعش” وحروبها العبثية فكثر، أولهم الأبرياء السوريون والعراقيون ممن يقعون تحت حكم أمراء هذا التنظيم الدموي، أو ممن يموتون يومياً تحت قصف كل الدول التي تكالبت عليهم لإنقاذهم (!).
وضحايا هذا التنظيم، هم أيضاً الأبرياء المهجرون واللاجئون الذين يموتون في عرض البحار، أو يقاسون من البرد والجوع وقوفاً على معابر الحدود المغلقة في وجوههم. وهم، أخيراً وليس آخراً، الضحايا الأبرياء الذي قتلوا في شوارع باريس ومقاهيها ومسارحها. وهم أيضا الملايين من المهاجرين العرب في بلاد الغربة الذين بات يُنظر إليهم إرهابيين مفترضين، ومشتبهاً بهم، إلى أن يثبتوا براءتهم، بعودتهم من حيث أتوا، كما تدعوهم إلى ذلك أصوات المتطرفين اليمينيين في الغرب.
علي أنوزلا
حقوق النشر: علي أنوزلا 2015
موقع قنطرة ينشر هذا المقال بالاتفاق مع الكاتب.
علي أنوزلا صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع “لكم. كوم”، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة “قادة من أجل الديمقراطية” لعام 2014.