مقالات تناولت التطورات الكردية في سورية
أحلام أكراد سوريا.. وهواجسهم
حققوا مكاسب عسكرية وعززوا وجودهم الجغرافي والسياسي.. وشكلوا إدراتهم الجديدة
أربيل: شيرزاد شيخاني بيروت: ليال ابو رحال وكارولين عكوم ونذير رضا
وضعت المكاسب الحربية التي حققها الأكراد في شمال شرقي سوريا، وتعزيز وجودهم الجغرافي والسياسي في البلد الذي مزقته الحرب، القوى الإقليمية في مأزق حقيقي. واختلفت الرؤى حول تلك الخطوة بين مؤيد ومتحفظ ومعارض، حتى بين الأكراد أنفسهم الذين رآها بعضهم على أنها انجراف إلى محور إقليمي يدعم الأسد ولكنهم ينفون ذلك. وعانى الأكراد من الاضطهاد في عهد الرئيس السوري بشار الأسد ومن قبله والده ويعتبر بعضهم الحرب الأهلية بمثابة فرصة للحصول على نوع من الحكم الذاتي يتمتع به أبناء عرقهم في العراق المجاور.
وتدخل القضية الكردية بسوريا حاليا إلى منعطف تاريخي بعد تشكيل إدارة ذاتية (حكومة مؤقتة) بالمناطق الكردية المحررة من قبضة النظام السوري، لإدارة شؤون المنطقة، وهو ما يثير المخاوف أكثر. وتستعد أحزاب الهيئة الكردية العليا، وهي تحالف عريض من مجموعة أحزاب كردية، لتشكيل الإدارة الجديدة، وظلت تعقد اجتماعات متواصلة من أجل تحقيق هذا الهدف.
نشر موقع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري أمس أن اجتماعا عقد في القامشلي «ضم جميع مكونات المنطقة من الكرد والعرب والمسيحيين والشيشان (انتهى بالإعلان) عن تشكيل الإدارة المدنية الانتقالية لمناطق غرب كردستان – سوريا».
وتتكون الهيئة الكردية العليا من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بقيادة صالح مسلم الذي يسيطر على مقاليد الأمور بالمنطقة، ويقود مجموعات مسلحة تحت اسم قوات الحماية الشعبية، وبين أحزاب تقليدية انضمت إلى المجلس الوطني الكردي ومجموعها 11 حزبا، انشقت عنه أربعة أحزاب وشكلت اتحادا سياسيا بقيادة رئيس الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) جناح عبد الحكيم بشار، الموالي للزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني.
ويؤكد الدكتور جعفر عكاش ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لـ«الشرق الأوسط»، عزم الأكراد في تشكيل الإدارة الجديدة، ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «نحن ماضون إلى مؤتمر السلام حول سوريا (جنيف2)، ولكن قبله سنعلن عن تشكيل الإدارة الذاتية بمناطقنا». وأشار إلى أن «الحزب ومجموعات أخرى من الأحزاب والفعاليات والمنظمات السياسية والشعبية والمهنية تجتمع منذ عدة أيام بمدينة القامشلي للتباحث حول وضع اللمسات الأخيرة لمشروع (الإدارة الذاتية) التي ستكون على شكل حكومة محلية ستتولى إدارة شؤون المناطق المحررة من قبضة النظام الحاكم بدمشق، وتضم الإدارة ممثلين عن جميع القوى السياسية والمكونات القومية والدينية مثل أحزاب المجلس الوطني والهيئة الكردية العليا وكذلك الفعاليات والتنسيقيات المحلية، إلى جانب ممثلين عن المكونات المسيحية والآشورية والسريانية والعرب أيضا، ومن خلال هذه الإدارة سيتم اختيار أعضاء الوفد الكردي الذي سيشارك بمؤتمر جنيف2».
ويؤكد عكاش أن مطالب الأكراد الأساسية تتركز في «تحقيق الديمقراطية وترسيخ الحقوق القومية المشروعة للكرد وتأكيد مبدأ الشراكة السياسية وحق ممارسة الثقافة الكردية ورفع الغبن الحاصل على هذا الشعب طوال السنوات الماضية، وإقرار مشاركتهم بإدارة الحكم في المستقبل وفقا لتمثيلهم الشعبي وحجمهم السكاني»، مشيرا إلى أن هذه المطالب ستكون أهم الأجندات أو المطالب التي سيبحثها الوفد الكردي مع الأطراف الدولية المشاركة في مؤتمر جنيف.
لكن الصدام بين الهيئة الكردية التي تضم معظم الأحزاب الكردية المنضوية تحت راية المجلسين الوطني الكردي السوري وشعب غرب كردستان، وبين حزب عبد الحكيم بشار الموالي لحزب بارزاني بإقليم كردستان، ما تزال مستمرة، وتقف عائقا أمام توحيد الجهود الكردية. يقول ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي «الخلافات مستمرة، فهم لا يريدون العودة إلى البيت الكردي الموحد، بل إن لديهم رغبة حاليا بالمشاركة في مؤتمر جنيف بالانضمام إلى الائتلاف السوري وهم لا يريدون الذهاب معنا كفريق كردي واحد».
والأوضاع في المناطق الكردية بسوريا التي يعتبرها الأكراد الجزء الغربي من كردستان الكبرى، مرشحة لتطورات مذهلة في المستقبل القريب على أثر تداعيات الثورة السورية المندلعة منذ أكثر من سنتين والتي أحدثت تغييرا بطبيعة الخارطة السياسية المعروفة عن تلك المناطق وظهور قوة سياسية جديدة، كانت لفترة طويلة منزوية بعيدا عن الحراك السياسي هناك، ويقصد بها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعد حاليا جناحا سوريا لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا.
ومع وقع تلك الأحداث تنامت قوة هذا الحزب بشكل غير متوقع، حتى سبق دوره السياسي وتأثيره على الشارع الكردي أكثر بكثير من دور معظم القوى السياسية التقليدية التي تأسست بهذا الجزء السوري منذ عشرات السنين.
ويتجه هذا الحزب حاليا وبخطى حثيثة نحو إعلان حكومة مؤقتة، قد تقود في النهاية حسب المراقبين إلى إنشاء أول دولة كردية مستقلة بجزء من كردستان، أو على أقل تقدير تأسيس كيان كردي شبه مستقل على غرار تجربة إقليم كردستان العراق، ما يرشح لحدوث تغيير كبير على الخارطة السياسية والوضع الإقليمي.
وتعني مكاسب الأكراد بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد انتزاع المزيد من الأراضي من قبضة مقاتلي المعارضة، ومن ناحية أخرى تأمل القوى الأجنبية الداعمة للمعارضة في أن يوجه الأكراد ضربة للمقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة الذين ظل نفوذهم يتصاعد في شمال سوريا على مدى شهور.
ولا تقف المكاسب الحربية الكردية عند حد تهديد وحدة سوريا فحسب بل كذلك تزعزع استقرار الدول المجاورة التي تعاني من نفس الانقسامات العرقية والطائفية.
ويزيد عدد الأكراد على 40 مليون نسمة موزعين على أربع دول، وغالبا ما يوصفون بأنهم أكبر جماعة عرقية لا دولة لها. وتضم الأراضي التي يهيمنون عليها وتعرف باسم كردستان أجزاء من تركيا وإيران وسوريا والعراق.
وبدأت تركيا عمليات الحفر لوضع أساسات جدار على طول جزء من حدودها مع سوريا الشهر الماضي، وعزت ذلك إلى دواع أمنية ولكنه أثار احتجاجات من الأكراد الذين قالوا إنه يهدف إلى الحيلولة دون تقارب العلاقات عبر الحدود بين المنطقتين الكرديتين في البلدين.
ولا شك أن تعزيز موقف الأكراد في سوريا يضع تركيا في موقف صعب في الوقت الذي تحاول فيه تحقيق السلام على أرضها مع حزب العمال الكردستاني الذي قاتل من أجل الحصول على حكم ذاتي أكبر للأكراد في جنوب شرقي تركيا طوال ثلاثين عاما.
وتزداد هواجس دول الإقليم التي ترى في نجاح أي تجربة بحكم ذاتي لأكراد سوريا تهديدا لأمنها الإقليمي وخاصة تركيا، على اعتبار أن تكرار تجربة مشابهة لإقليم كردستان العراق، قد يغري الجزأين المتبقيين من كردستان (تركيا وإيران) على التحرك نحو هدف مماثل، ما ينعش الآمال باستقلال الدولة الكردية الموحدة.
ولذلك فإن الدور التركي حاليا يعتبر عامل حسم للوقوف بوجه السقف الأعلى للتطلعات الكردية وخاصة بالجانب السوري.
ومن هذا المنطلق فإن الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين يعتبرون أن ما يجري حاليا من تطورات ميدانية ووجود نشاطات معادية من قبل جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، وخوضهما حربا ضروسا ضد المواطنين الكرد بالجزء السوري، إنما هو بدفع من تركيا. وفي هذا الإطار تعتقد معظم القيادات الكردية السورية، أن تركيا في وقت تسعى فيه لعزل أكرادها عن الأكراد السوريين ببناء جدار عازل، تدعم في جانب آخر جبهة النصرة بحربها المعلنة ضد الأكراد، بدليل أن قوات هذه الجبهة استخدمت المدرعات والأسلحة الثقيلة في معاركها ضدهم. وتتهم تلك القيادات تركيا بفتح معابرها الحدودية بوجه تدفق المقاتلين الإسلاميين المتشددين المقبلين من أفغانستان وباكستان وغيرهما من الدول العربية التي تنطلق من مدينتي غازي عينتاب وأنطاكيا نحو الأراضي الكردية بسوريا.
الحرب الدائرة حاليا وبضراوة بين المقاتلين الإسلاميين وقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، من شأنها أن تكشف عن ملامح المرحلة المقبلة خصوصا مع النجاحات التي حققتها قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بتحرير مساحة كبيرة من الأراضي الكردية من يد الجماعات الإسلامية المتطرفة (داعش والنصرة) وفشل هذين التنظيمين في إحكام سيطرتهما على المناطق التي تمكنا خلال الفترة الماضية من السيطرة عليها بسبب فقدانهما للحاضنة الشعبية، والتفاف المواطنين حول قوات الحماية الشعبية الكردية.
هذه الأحداث تكرس واقعا جديدا يصعب على بعض الأطراف الإقليمية والكردية استيعابها، وخاصة تركيا والأحزاب الكردية السورية الموالية لحزب بارزاني الذي يصطدم حاليا مع حزب الاتحاد الديمقراطي السوري على خلفية منع رئيس الحزب صالح مسلم من استخدام أراضي الإقليم معبرا له للسفر إلى الخارج.
وهناك جهود تبذل حاليا لإجراء مصالحة بين الحزبين من أجل توحيد الجهد الكردي في مؤتمر جنيف المقبل، ولكن المؤتمر القومي الكردي الذي كان يفترض انعقاده في 24 من الشهر الحالي والذي كان يتوقع أن يتولى مهمة المصالحة قد تأجل إلى إشعار آخر بسبب الصدام القائم بين قيادة الحزبين الكرديين.
وتبدو الخلافات عميقة بين حزب بارزاني وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، على الرغم من الموقف القوي الذي أبداه الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني قبل عدة أشهر أثناء احتدام المواجهة بين حزب الاتحاد وجبهة النصرة واستعداده لتقديم كل أشكال الدعم لهذا الحزب لمواجهة الجماعات المتطرفة بالمناطق الكردية.
المتحدث الرسمي باسم المكتب السياسي لحزب بارزاني، جعفر إيمينكي أكد في تصريح سابق لـ« الشرق الأوسط» أن «قيادة إقليم كردستان لن تقبل تحت أي ظرف أن تعود جرائم الإبادة التي اقترفها النظام البعثي السابق بالعراق مرة أخرى وتهدد شعبنا بأي مكان كان، ولن نقبل مطلقا بالسكوت عن تحركات جهات أو منظمات إرهابية تحاول إبادة أو قتل أبناء شعبنا». ولخص إيمينكي نوعية الدعم الذي بإمكان قيادة كردستان أن تقدمه لأكراد سوريا قائلا «الدعم سيكون شاملا، بما فيه الدعم اللوجستي لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي واي دي) وجميع الثوار الذين يدافعون عن أرض كردستان سوريا». لكن هذا الموقف المساند لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تحول اليوم إلى ما يشبه العداء السافر من خلال وضع القيود على تحركات رئيس هذا الحزب عبر إقليم كردستان العراق، لم يمنع قيادة الاتحاد الديمقراطي من المضي بمشروعه في إقامة الحكومة المحلية الذي يرى شيرزاد اليزيدي الناطق الرسمي باسم مجلس شعب غربي كردستان وهو الواجهة السياسية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أنه «أمر لا بد منه وأصبح في غاية الأهمية، حيث إن المواطنين في المناطق الكردية بحاجة ماسة إلى إدارة محلية تنظم شؤونهم وتؤسس لمرحلة جديدة من حياتهم السياسية». ويضيف «علينا أن ننظم شؤوننا الاقتصادية والإدارية بما يلبي طموحات شعبنا ويتناسب مع التضحيات التي قدمها، فلا يمكن أن ننتظر منة أو صدقة من الآخرين، علينا أن نبادر بتنظيم أنفسنا وننشئ كياننا الإداري الذاتي، وعندما تتحرر سوريا من النظام الحالي عندها سننضم إلى مجموع الشعب لاختيار شكل النظام الذي يناسب البلد ويتفق عليه جميع السوريين».
ويقول الناشط الكردي بيروز بيريك من مدينة القامشلي السورية «ما ترونه هو انقسام أوضح لشمال سوريا بين حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات المعارضين الإسلاميين». وتقول التقارير الميدانية إن قوات حزب الاتحاد الديمقراطي سيطرت على أكثر من ثلثي الأراضي الكردية في سوريا ومعظمها في محافظة الحسكة بشمال البلاد حيث يشكل الأكراد 70 في المائة من سكان المحافظة والباقي من العرب. ويشير المراقبون إلى أن قوات الاتحاد قد تحاول السيطرة على بلدات شمالية يشكل فيها الأكراد أقلية مقارنة بالعرب مثل بلدتي جرابلس واعزاز الحدوديتين الاستراتيجيتين اللتين استخدمهما مقاتلو المعارضة كطرق لنقل الإمدادات من تركيا. ومن المرجح أن تثير مثل هذه الخطوة ردا عنيفا من مقاتلي المعارضة السورية. ويقول ريدور خليل المتحدث باسم الميليشيا الكردية المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي «لا أقول إننا سنفعل ذلك.. دعونا نأخذ الأمور في حينها. فلننتظر لنرى ما إذا كانت الجماعات المسلحة (مقاتلو المعارضة) ستضمن للأكراد حركة آمنة في تلك المنطقة أولا».
ويلتفت الأكراد الآن إلى مدينة تل أبيض التي تمثل طريقا مهما عبر الحدود مع تركيا يمكن استخدامه في نقل الإمدادات. ومدينة راس العين الحدودية التي سيطر عليها الأكراد بالفعل هذا الأسبوع لا تقل أهمية عن تل أبيض.
الحلم الكردي:
يقول شلال كدو القيادي بحزب اليسار الديمقراطي عضو المجلس الوطني الكردي «إن ما يشاع بأن الكرد يسعون إلى الانفصال عن سوريا وتقسيمها محض هراء، فهذه التهمة القديمة الجديدة – يستهدف مروجوها من وراء إطلاقها تأليب الرأي العام العربي على شعبنا الكردي وحقيقة طموحاته الهادفة إلى التعايش الأخوي بين مختلف المكونات السورية على أساس عقد اجتماعي يضمن حقوق الجميع في سوريا تعددية ديمقراطية برلمانية». وأضاف «لا يوجد فصيل سياسي كردي سوري واحد يطالب بالانفصال عن سوريا، بل إن الكرد عموما يفتخرون بانتمائهم الوطني رغم أن الآخرين يحاولون من الآن أن يبقوهم مواطنين من الدرجة الثانية في سوريا المستقبل، الأمر الذي يرفضه شعبنا جملة وتفصيلا».
ويقول كدو «إن تأسيس إدارة انتقالية تشاركية بين مختلف أطياف ومكونات إقليم كردستان سوريا في هذه المرحلة المصيرية أمر في غاية الأهمية، كون معظم المدن الكردية خارجة عن سيطرة النظام، وهناك فراغ إداري ومالي وأمني وقانوني كبير، ولا مناص من بذل الجهود لملء هذا الفراغ من خلال تشكيل إدارة انتقالية مشتركة، مهمتها وضع مسودة دستور والتحضير لانتخابات برلمانية نزيهة وشفافة تحت إشراف المنظمات الدولية، وبالتالي تأليف حكومة محلية لتسيير أمور سكان هذه المناطق البالغ عددهم زهاء أربعة ملايين نسمة، ويجب أن لا ننسى أن تشكيل هكذا إدارة يحتاج قبل كل شيء إلى تحقيق أقصى درجات التوافق الكردي الكردي بين المجلسين الكرديين».
من جهته يقول المنسق السياسي والإعلامي في الجيش السوري الحر، عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لؤي المقداد لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش الحر والمعارضة السورية ينظران إلى الأكراد على أنهم مكون أساسي من مكونات المجتمع السوري، وهم شركاؤنا في الوطن وفي المعاناة من نظام الأسد، الأب والابن، طيلة عقود». وأشار إلى «إننا نعلم جيدا كيف تعاطى النظام معهم، وكيف حرمهم من حقوقهم على مدى أعوام طويلة، ونحترم خصوصيتهم بشكل كامل».
ولفت المقداد إلى «وجود تشكيلات عسكرية، غالبيتها من الأكراد، على غرار (لواء الشهيد مشعل تمو) تقاتل في صفوف الجيش الحر»، مشيرا إلى «ارتكاب بعض التنظيمات الكردية المسلحة تجاوزات بحق مواطنيها نتيجة اتفاقها مع النظام السوري، على غرار ما قامت به تشكيلات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لناحية قمعها المظاهرات الكردية التي خرجت في مناطقها».
وشدد المقداد على «إننا لا نقبل بسفك الدم الكردي، كما لا نقبل بسفك الدم العربي»، مؤكدا «الرفض المطلق لما ارتكبته جبهة النصرة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام وبعض الكتائب غير المنضبطة بحق إخواننا الأكراد، وفي الوقت نفسه نناشد الإخوة الأكراد من مختلف الأطياف أن يستجيبوا لنداء الوطن ويغلبوا المصلحة العامة للقضية السورية على المصالح الضيقة والحسابات الآنية».
وآمل المقداد أن تكون المرحلة المقبلة، بعد توقيع اتفاق بين «الجيش الحر» و«الهيئة الكردية العليا»، مرحلة «وئام بين مكونات الشعب السوري وأن تكون البندقية موحدة وموجهة ضد نظام الأسد»، مؤكدا أن «الجيش الحر يتعامل مع سوريا ككتلة واحدة، ولا فرق لديه بين منطقة كردية أو علوية أو ساحلية، لأننا جميعا ثائرون على نظام واحد، من مختلف الأراضي السورية».
وقال المقداد «إننا حين ننظر إلى سوريا، فنحن ننظر إلى الدولة الديمقراطية التي يعيش فيها كل أبنائها بكامل حقوقهم وواجباتهم، ولا فرق بين سوري وآخر على أساس ديني أو قومي أو طائفي»، مشددا على أن سوريا هي «الوطن الأزلي لكل السوريين». وأكد رفض «انفصال أي فصيل أو مكون، سواء أكان كرديا أو علويا أو درزيا أو سنيا»، موضحا «إننا لن نقبل بتنظيمات عابرة للحدود ولا بتقسيم سوريا إلى كيانات عدة، لكننا في الوقت ذاته نصر على مسألة الحقوق والمساواة بين العرب والأكراد الذين يتمتعون بكامل خصوصيتهم القومية».
ويشير نواف خليل عضو الهيئة الإعلامية في الحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى أن الأكراد في سوريا هم في رأس سلم المعارضة ضد النظام، وقال لـ«الشرق الأوسط» «نحن على تواصل مع المعارضة العسكرية المتمثلة بالجيش الحر ونقف مع كل مجموعة تقبل بوجودنا وحقوقنا، ولنا فيه لواء خاص يحمل اسم (لواء جبهة الأكراد)، وعلاقتنا جيدة مع عدد كبير من الفصائل، لكن نخوض معارك طاحنة ضد بعض المجموعات الإسلامية ولا سيما جبهة النصرة والدولة الإسلامية في الشام والعراق». ولفت خليل، إلى أنّ ما يعرف بـ«وحدات حماية الشعب» التابعة للحزب الديمقراطي الكردي خاضت معارك كثيرة إلى جانب الجيش الحر، ولا سيما في حلب وكان آخرها، اعتقال عدد من عناصر قوات النظام إثر معركة السيطرة على مطار منغ العسكري.
وأبدى خليل، استغرابه لما قال إنه تناقض في تصريحات المعارضة السورية، التي تدعم ما تقوم به جبهة النصرة حينا، وتتّهم النظام بدعمها حينا آخر، مضيفا «سبق لوحدات حماية الشعب وجبهة النصرة أن وقعا اتفاقا في فبراير (شباط) الماضي، ينص على عدم التعدي أو الدخول إلى المناطق الكردية إلا بالتنسيق مع هذه الوحدات، لكن لم يتم التقيد بهذا الاتفاق من قبل الإسلاميين».
وفي حين اعتبر الخليل أنّ الأكراد لم ولن يكونوا إلى جانب النظام السوري الذي عانوا من ظلمه أكثر من خمسين عاما، لفت إلى أنّ الهدف اليوم هو طرد الإسلاميين الذي اختاروا المنطقة والهدف الخطأ، مضيفا «نجحنا في طرد قوات النظام واليوم نعمل على طرد الإسلاميين، مع تأكيدنا على أننا ندافع عن أنفسنا ولا نهاجم أحدا». وفيما يتعلّق بالمعارضة السياسية، التي لا يزال الأتراك خارج ممثلها الأساسي، وهو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، تمنى الخليل أنّ تعيد قوى المعارضة النظر في سياستها وتضع خارطة طريق جامعة للعمل مع كل الفرقاء للوصول إلى سوريا حرة ديمقراطية. ونفى الخليل أي «أهداف انفصالية» يسعى إليها أكراد سوريا، قائلا «مشروعنا اليوم هو الإدارة الذاتية لتأمين متطلبات شعبنا وليس الانفصال، وبعد سقوط النظام وإجراء الانتخابات لن يقبل الكردي إلا أن يكون كأي مواطن سوري مع تمسكنا بهويتنا القومية والحصول على حقوقنا».
الشرق الأوسط
سوريا.. الأكراد فرصة أم درس؟/ طارق الحميد
نشرت وكالة «رويترز» بالأمس تقريرا خطيرا عن ما أسمته «مكاسب الأكراد العسكرية في سوريا تثير القلق وتضع القوى الإقليمية في مأزق» حيث اعتبر التقرير أن الأكراد يرون بالأزمة السورية مثابة فرصة للحصول على نوع من الحكم الذاتي يتمتع به أبناء عرقهم في العراق.
خطورة التقرير تكمن في إشاراته الواضحة إلى أن ما يفعله المقاتلون الأكراد في سوريا الآن يعني أنهم قد انجرفوا إلى محور إقليمي برعاية إيران يدعم الأسد، مع نفي الأكراد لذلك، بحسب التقرير الذي نقل أيضا مخاوف حتى بين بعض الأكراد أنفسهم مما يحدث، وبالطبع فإن المكاسب التي يحققها الأكراد عسكريا تعني للأسد وحلفائه الشيعة، بحسب التقرير، انتزاع المزيد من الأراضي من قبضة مقاتلي المعارضة السورية «السنة». وتحرك المقاتلين الأكراد شمال سوريا كان بمثابة فرصة للقضاء على مقاتلي القاعدة وجبهة النصرة، والتي يشير التقرير إلى أن تدخلا عسكريا عراقيا قد جرى من أجل دعم الأكراد ضد تلك الجماعات، وهو ما تنفيه بغداد رغم عدة تأكيدات لذلك!
ومن خلال قراءة هذا التقرير المهم، وغيره من التقارير، يتضح أن أكراد سوريا هم من باتوا في مأزق اليوم، وليس القوى الإقليمية، كما يقول التقرير، فهل يريد الأكراد خوض معركة إيران، مثلا، مع أبناء المنطقة التي تعد محيطا سنيا، خصوصا وأن تقرير «رويترز» ينسب لسياسي عراقي كبير قوله إن «إيران الشيعية الحليف الإقليمي الأساسي للأسد تدعم بقوة حزب الاتحاد الديمقراطي»، ومضيفا: «تدعم إيران هذه الجماعات كي تضمن لنفسها جماعة قوية في سوريا في حال خرجت الأمور عن السيطرة». ويقول السياسي العراقي إن حكومة المالكي تدعم الأكراد لإضعاف العلاقات بين السنة عبر الحدود، مشيرا «قد يساعدونهم بالتعاون مع إيران على تأسيس منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي.. من أجل إقامة منطقة فاصلة بين السنة العراقيين والسوريين»!
وهذا بالطبع يعني أن الأكراد سيدخلون في علاقة عداء غير متكافئة مع سنة سوريا، والعراق، وكل المنطقة، ولن يقف المأزق الكردي عند هذا الحد، فهل يتحمل الأكراد عداء حقيقيا مع تركيا، وعداء لاحقا مع طهران، خصوصا وأن في إيران أكراد أيضا؟ أم سيتجاهل الأكراد أبناء عرقهم في إيران؟ صحيح أن الأكراد قد يحققون مكاسب آنية بسوريا، وكما فعلوا بالعراق، لكنها ستكون مكاسب بطعم الخسارة، ومثل ما يحدث اليوم لحزب الله، وبشار الأسد، وكذلك نوري المالكي، ومن وراءه من متشددي الشيعة بالعراق، فالدول لا تبنى بتشرذم الأقليات، أو انكفائها، وفي أي مكان، وخصوصا بمحيط سني كمنطقتنا!
ملخص القول هو أنه إذا أراد الأكراد تحقيق مكاسب سياسية عبر مكاسبهم العسكرية اليوم، فإن من شأن هذا تعريض سوريا كلها للخطر، وإثارة الشكوك حول الأكراد، فهل من موقف كردي متعقل يستوعب دروس المنطقة، والتاريخ؟ وهل من يقظة عربية تجاه خطورة ما يحدث؟ هنا السؤال!
الشرق الأوسط
إعلان الحكم الذاتي لأكراد سوريا: حسابات “الكردستاني” و”جنيف 2″/محمد نور الدين
لا يفترض أن تكون خطوة الأكراد في سوريا في إعلان ما يشبه الحكم الذاتي مفاجئة لأحد، ذلك أنهم أعلنوا في الصيف الماضي نيتهم القيام ذلك في وقت لاحق. وبالتالي، فإنّ ما يمكن أن يثير التساؤلات فقط هو مسألة التوقيت، فيما برزت، أمس، إشارة من الرئيس التركي عبد الله غول إلى المسألة، حيث قال: «لا نرغب في حدوث أمر واقع ولا نريد أن يُبغى أحد»، مضيفاً أن «سوريا تمر في فوضى كبيرة ونحن نولي أهمية لتأسيس نظام جديد فيها».
أولاً، إن إعلان «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا الإدارة الذاتية في منطقة شمال شرقي البلاد، والتي يطلقون عليها اسم «روجافا»، هو قبل كل شيء تلبية لتطلع كياني سبقهم إليه أكراد العراق، ويطالب به أكراد تركيا. وهو تطلع طبيعي يمكّنهم من ترجمة هويتهم الكردية ثقافياً ولغوياً وسياسياً بمعزل عن أية حسابات سياسية سورية أو إقليمية.
ثانياً، يعتبر توقيت إعلان الحكم الذاتي خطوة استباقية طبيعية قبيل انعقاد مؤتمر «جنيف 2». فالفئات الكردية التي يمثلها «حزب الاتحاد الديموقراطي» بزعامة صالح مسلم، والذي يتبع بالكامل خط «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان، والتي تمثل غالبية أكراد سوريا، لم يتم التعاطي معها من جانب المعارضة السورية بالجدية المطلوبة، بل قوبلت بتهميش كبير، فلم تتمثل في «المجلس الوطني السوري» ولا في «الائتلاف» المعارض الذي تشكل لاحقاً.
ويعود السبب في ذلك إلى الضغوط التركية التي ترى في حزب صالح مسلم عدواً لتركيا ما دام يوالي اوجلان. وكانت أنقرة، وفي استفزاز واضح، تستورد شخصيات كردية لا تمثل سوى نفسها لتنصبها أحيانا في رئاسة «المجلس الوطني السوري»، كمثال عبد الباسط سيدا.
ولا يريد الأكراد اليوم أن يخرجوا خالي الوفاض من أي تسوية محتملة في سوريا، فكان إعلان الحكم الذاتي رسالة قوية للمجتمع الدولي بأن الوضع الكردي في شمال سوريا لن يعود إلى ما كان عليه قبل بدء الأزمة السورية من جهة، والى أن لا أحد يعكس التمثيل الكردي في سوريا أكثر من «حزب الاتحاد الديموقراطي» من جهة أخرى. وطبعاً، لا يقفل الإعلان الباب أمام مشاركة الفئات الكردية الأخرى في سوريا، لكن على قاعدة تحصيل الحقوق الكردية.
ثالثاً، لا ينفصل الإعلان الكردي السوري في توقيته عن الصراع الكردي – الكردي نفسه في منطقة الشرق الأوسط، ذلك أن التطورات الكردية في سوريا لم تلق ارتياحاً لدى رئيس إقليم كردستان في العراق مسعود البرزاني، الذي يرى أن الأمور أفلتت من يديه على أرض «روجافا» لمصلحة خصمه التقليدي عبد الله اوجلان.
ومع أن الأكراد باتوا يتشاركون وحدة الهموم والدم، غير أن الصراع على الزعامة عاد من جديد منذ بدء الأزمة السورية وظهور فرصة لاوجلان ليترجم تطلعاته في أن يقود منطقة كردية صافية خارج تأثير أي قوة كردية أخرى، مثل البرزاني أو الرئيس العراقي جلال طالباني أو خارج الوجود المباشر للدولة التركية كما الحال في جنوب شرقي تركيا. لذلك فإن إعلان الحكم الذاتي هو إعلان عن ظهور منطقة كردية جديدة صافية النفوذ لـ«حزب العمال الكردستاني»، وهو تطور له تداعياته الحتمية.
رابعاً، يظهر أنّ من بين هذه التداعيات دخول الصراع بين تركيا و«حزب العمال الكردستاني» مرحلة جديدة من الحسابات المعقدة. إذ أن تمتع الأكراد في سوريا بحكم ذاتي، ولو من جانب واحد، هو إنذار لما يمكن أو يجب أن يكون الوضع عليه في تركيا، خصوصا في ظل انسداد المفاوضات بين أنقرة واوجلان لإيجاد حل للمشكلة الكردية في سوريا.
وهو ما سوف تعمل أنقرة إلى اعتباره تطوراً خطيراً يمس بالأمن القومي التركي وبالتالي مواجهته، في ظل رفض رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان منح الأكراد أية مطالب واستمرار السياسة الإنكارية للهوية الكردية.
وقد عبر الرئيس التركي عبد الله غول عن ذلك من خلال القول في منطقة ارزنجان في شرقي تركيا، أمس، «إننا لا نرغب في حدوث أمر واقع ولا نريد أن يُبغى أحد». وقال إن «سوريا تمر في فوضى كبيرة ونولي أهمية لتأسيس نظام جديد فيها وأن يكون نظام يثير سعادة الشعب».
وتابع «لا يمكن المساعدة على تقسيم سوريا. كل الذين في سوريا هم أقرباؤنا، وعلى حدودنا قرى يمر في قلبها خط الحدود. كل العرب والتركمان في سوريا هم أقرباؤنا. ولا نريد أن يُمحى أحد ولا نرغب في نشوء أمر واقع هناك».
لكن مواجهة تركيا لإعلان الحكم الذاتي الكردي في سوريا لن تكون فقط على الأرض، بل أيضاً من خلال استغلال التنافس بين البرزاني واوجلان، وذلك من خلال دعوة البرزاني إلى ديار بكر واللقاء معه، في رسالة لا يخطئها أعمى في أن البرزاني هو زعيم أكراد المنطقة في العراق وسوريا وتركيا أيضاً.
وهي لعبة كان البرزاني مستعداً للدخول فيها مجازفاً بما ستتركه من أثر سلبي واستفزازي على أكراد تركيا. إذ أن هؤلاء لا يبدون معارضة لزعامة البرزاني في العراق ومساعدته لأكراد تركيا، لكن أن يدخل في لعبة تعمّق الانقسام الكردي ويستفيد منه «العدو» التركي، خصوصاً اردوغان عشية الانتخابات البلدية، فهو ما أثار سخط زعماء أكراد تركيا حتى المعتدلين جداً منهم مثل النائب أحمد تورك الذي انتقد البرزاني على موافقته على اللقاء مع اردوغان في ديار بكر بالذات.
وجاء توقيت إعلان الحكم الذاتي في سوريا رسالة الى اردوغان – البرزاني، والتي تشير الى ان زعامة الأكراد الفعلية وعلى الأرض في سوريا، كما في تركيا هي لأوجلان وليس للبرزاني ولا لأحد غيره.
خامساً، برغم أن انفجار الصراع بين «حزب الاتحاد الديموقراطي» السوري وفصائل المعارضة من «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة» و«الجيش السوري الحر» يمكن أن يصب موضوعياً لمصلحة النظام السوري، لكن الخطوة الكردية تتصل بحسابات كردية خالصة وتهدف في النهاية إلى وضع الجميع بمن فيهم النظام السوري أمام حقيقة أن الأكراد يريدون حقوقهم في سوريا بمعزل عما ستكون عليه الصورة المقبلة، وأنهم لن يقبلوا العودة إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل انفجار الأحداث في سوريا.
السفير
إنجازات كردستان العراق الأخيرة تهددها العاصفة السورية
عبدالاله مجيد
ايلاف
تهدد الحرب السورية بتداعياتها الإقليمية انتعاشة اقتصادية حلت بإقليم كردستان العراق أخيرًا، وكشفت الأزمة في سوريا انقسامات بين الأكراد تحول دون التفافهم حول قومية واحدة. فحزب الاتحاد الكردي السوري مثلًا كثيرًا ما تختلف مواقفه مع مواقف أكراد العراق.
في منطقة محاطة بالغليان والعواصف السياسية تبدو كردستان العراق جزيرة من الهدوء وسط بحر هائج. فالإقليم يشهد انتعاشًا اقتصاديًا كبيرًا وحركة إعمار واسعة. وفي العاصمة إربيل مثلًا، تلتف الشوارع بين المباني القديمة والعمارات الجديدة، التي ارتفعت بجوارها. وأصبحت الأسواق التجارية الكبيرة وناطحات السحاب منظرًا مألوفًا.
لكن حكومة إقليم كردستان تجد الآن صورة الإقليم، بوصفه واحة للسلام والأمن، مهددة باستمرار الحرب السورية وتصاعدها على أعتاب منطقتها.
تبدت هذه المخاطر أخيرًا باستهداف مقر المخابرات في قضاء عقرة بهجوم مزدوج، حاول تنفيذه انتحاريان، أحدهما سوري، والآخر عراقي عربي، قبل أن تحبط قوى الأمن الكردية محاولتهما.
داعش على الخط
لكن الحظ لم يحالف الأجهزة الأمنية في منع سلسلة من التفجيرات التي سبقت هذا الهجوم، مؤدية إلى مقتل وإصابة عشرات في أربيل في أيلول/سبتمبر الماضي. وكان ذلك أول هجوم من نوعه يستهدف المدينة منذ عام 2007. وأعلنت الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” مسؤوليتها عن التفجيرات انتقامًا من دعم حكومة الإقليم لأكراد سوريا.
إضافة إلى هذه التهديدات الأمنية الجديدة، تتعامل حكومة إقليم كردستان مع تغير سكاني جذري آخذ يحدث داخل حدود الإقليم. إذ يُقدر أن 235 ألف لاجئ تدفقوا على المنطقة من سوريا.
وبحسب هيمن هورامي مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني رئيس الإقليم، فإن مدينة دهوك وحدها شهدت زيادة في عدد سكانها بنسبة 15 في المئة خلال أقل من سنة، وبسبب هذه الزيادة تواجه المدارس والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى ضغطًا شديدًا عليها. وقال هورامي “إن ما لدينا من ميزانية وقدرات مرصودة لكردستان العراق لا تكفي لهذا السيل من اللاجئين”.
في أربيل، أصبحت الكرمانجي – لهجة أكراد سوريا – تُسمع بصورة متزايدة في شوارع المدينة، التي يجري على أطرافها بناء مخيمات جديدة لاستقبال العدد المتزايد من النازحين السوريين. وقال هورامي لمجلة فورين بوليسي إن حكومة الإقليم توفر المخيمات والتعليم وكل الخدمات الأساسية التي يحتاجها اللاجئون الأكراد، معتبرًا أن ذلك “التزام إنساني إلى جانب كونه التزامًا قوميًا وأخلاقيًا”. لكنه أضاف “إن هدفنا ليس إبقاء اللاجئين إلى ما لا نهاية، لأننا لا نريد أن تفرغ المناطق الكردية في سوريا، وتُملأ بآخرين”.
السوريون أزمة مضافة
يرى مراقبون أن الضغط الناجم من نزوح اللاجئين إلى الإقليم يمكن أن يؤدي إلى احتكاك بين أكراد سوريا والعراق، ولكن اختلاطهم قد يسهم أيضًا في تعزيز وحدة الشعب الكردي.
ورغم إصرار حكومة إقليم كردستان على بقاء الإقليم جزء من العراق، فإنها مستعدة للتفكير في خيارات أخرى، إذا استمر تفاقم الأزمة السياسية في العراق. وقال رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان فلاح مصطفى “نحن لن نكون السبب وراء تفكك العراق، ولكن إذا تردى الوضع، فإننا لا نريد أن ندفع الثمن، إذا لم تنجح الأطراف الأخرى في تسوية خلافاتها”.
لكن النزاع السوري أماط اللثام عن انقسامات بين الأكراد تحول دون التفافهم حول فكرة الوحدة القومية لكل أجزاء كردستان. والمثال الأبرز على ذلك حزب الاتحاد الوطني الكردي السوري، الذي كثيرًا ما تختلف مواقفه مع مواقف أكراد العراق. وعلى سبيل المثال فإن حزب الاتحاد الوطني الكردي انتقد بقوة تصريحات بارزاني المتكررة بأن كردستان العراق تصلح نموذجًا لأكراد سوريا. وقال زعيم الحزب الكردي السوري صالح مسلم “إن حكومة إقليم كردستان ليست مثالًا يقتدي به الأكراد السوريون، وإن شعب كردستان سوريا يحكم نفسه بنفسه”.
ويخشى حزب الاتحاد الوطني الكردي بزعامة مسلم أن يحاول أكراد العراق فرض نموذجهم عليه. وحين أرسلت حكومة إقليم كردستان مساعدات إنسانية وعسكرية إلى المنطقة الكردية في شمال شرق سوريا، نظر حزب الاتحاد الوطني الكردي إلى الخطوة بعين الشك. وقال رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة الإقليم فلاح مصطفى من جهته “إن حزب الاتحاد الوطني يفرض إرادته على الفصائل الأخرى”.
أيديولوجيات مختلفة
بلغ الخلاف بين حكومة إقليم كردستان وحزب الاتحاد الوطني الكردي درجة منع فيها زعيم الحزب صالح مسلم من دخول الإقليم مرات متعددة، في مؤشر آخر إلى الانقسام السياسي في الحركة القومية الكردية. وقال مسلم “إن قرار إبقائي في كردستان سوريا قرار سياسي. إنه صراع، لأن لدينا أيديولوجيات مختلفة”.
وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر اتخذ حزب الاتحاد الوطني خطوة أحادية أخرى بإعلان الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطر عليها في شمال شرق سوريا. وكان الحزب يأمل بأن تنال الخطوة دعم أربيل، ولكنها امتنعت عن منحه هذا التأييد. وقال فلاح مصطفى “لم يكن هناك تنسيق مع أي فصيل آخر. إنه عمل أحادي من جانب حزب الاتحاد الوطني”.
وتشكل هذه الخلافات عقبة في طريق بناء جبهة كردية موحدة، فضلًا عن كونها موطن ضعف يستغله اللاعبون الكبار في المنطقة. فإن كردستان العراق ترتبط بعلاقات اقتصادية واسعة مع تركيا وإيران، ولكن تركيا تدعم جماعات إسلامية متطرفة تقاتل الأحزاب الكردية في سوريا، في حين تدعم إيران نظام بشار الأسد، الذي يأمل باستعادة السيطرة على المنطقة الكردية في شمال شرق سوريا في أقرب فرصة سانحة.
وقال هيمن هورامي مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الديمقراطي الكردستاني إن إيران وتركيا لاعبان إقليميان “ولكن السياسة الخارجية الكردية هي الحفاظ على التوازن… والابتعاد عن التكتلات في الشرق الأوسط”. وأضاف هورامي لمجلة فورين بوليسي “نحن نتَّبع ما هو لمصلحة الأكراد، وليس ما هو لمصلحة إيران أو تركيا أو أي أحد آخر”.
ولاحظ رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان فلاح مصطفى “أن الشرق الأوسط يشهد موجة من التغييرات، ونحن كأكراد نجد هذه فرصتنا لتأكيد هويتنا والعمل على نيل حقوقنا بالطرق السلمية”. لكن هذه الفرصة يمكن أن ينسفها عناصر تنظيم القاعدة في العراق وسوريا. وستحدد المعارك المقبلة مستقبل الأكراد في البلدين على السواء.
أتراك وأكراد: تسعون سنة وثلاثة حروف!/ علي جازو *
حصل عام 1928، بعد مرور خمسة أعوام على سقوط الدولة العَليّة العثمانية، Yüce Osmanlı Devleti، أن أصدر حاكم تركيا الجديد قرارين غريبين، قطعا الصلة مع ماضي الإمبراطورية الإسلامي وحكم بابها العالي الحصين، ليورثا رعاياها «الأيتام» انقسامات اجتماعية سياسية حادّة، تم تصريفها بطرق دموية بالغة الشراسة.
لقد تمّ حينها نقل شكل الحرف الرسميّ من العربية إلى اللاتينية، ومع النقل الشكلي ذي المعنى الجذري الذي وجّه تركيا نحو المركز الأوروبي ولمّا يصل إليه، مُنع إدخال ثلاثة حروف كردية في أبجدية تركيا «العلمانية» الحديثة. والحروف الممنوعة هي الخاء (X) والقاف (Q) والواو (W) من اللهجة الكرمانجية التي يتحدث بها معظم الأكراد. فقد اعتبرت حينها حروفاً معادية، وبذلك تمّ زجّ ناطقيها داخل تصنيف جديد. لقد غدوا «أكراداً» فجأة، وهم أنفسهم من قبل كانوا أخوة في الدين الإسلامي الحنيف عماد الإمبراطورية الآفلة، ومن واجبهم على ذاك النحو محاربة «الكفّار» أعداء السلطنة الأشرار!
ولربّما فات الكثيرين أن تركيا العلمانية إنما لم تلغ حتى الآن قانوناً عسكرياً جائراً يحول دون بلوغ أي مجند تركي مسيحي مرتبة ضابط في الجيش، مع العلم أن «المواطنين» متساوون قسراً في تأدية ضريبة الدم. يكشف التحول الأتاتوركي عن أمرين أساسيين. أولهما أن جمهورية تركيا بنيت على تصور قومي عسكري متخلف ومنغلق، محكوم بنزعة فردية استبدادية، وهي نزعة فضّلت اعتبارَ العرق على معيار السكان أساساً لجمهورية حديثة، وأرجأت من تطبيق قيم المواطنة المتكاملة، وقد مُنع بهذا الإرجاء دخول قرابة 20 مليون كردي في كنف الدولة.
بناء على مركزية عرقية مستبدة وكارهة لغيرها، نُعت الأكراد حتى عهد قريب بأتراك الجبال، مما دفعهم إلى التمرد أكثر من مرة، الأمر الذي دفع العسكر التركي الحاكم إلى مجابهتهم بلغة الحرف الواحد: القتل. أما الأمر الثاني، فهو أن علمانية مزيفة هجينة لن تصمد أمام واقع حقيقي ومحتقن. فقد أبقى العسكر على جذر إسلامي خفيّ اعتمدوا عليه في طرد «رعايا» آخرين، مسيحيي تركيا، والاستيلاء على أملاكهم، ومن لم يجد طريقه مطروداً لاحقاً، كان قد وجده من قبل في الطريقة الأسهل والأكثر حسماً، وما مجازر 1915 وغيرها الكثير سوى صفحة سوداء لا تزال آثارها المؤلمة حاضرة في الوجدان الإنساني. على نحو شبيه، ومن وجهة مضادة، خرج في وجه خلفاء أتاتورك اللاحقين، بعد مرور حوالى ستين سنة على قمع الحروف وناطقيها كلّهم، زعيم كردي تركي «علمانيّ» هو عبدالله أوجلان، عاونه الأسد العلوي «العلمانيّ» السوري، ونصبه مدفعاً صغيراً في وجه مدفع كبير.
يبقى أن جزءاً أساسياً من الخلاف التركي الكردي يتعلق باللغة. فمطالب الأكراد في هذا الإطار تتناول حقّ التعليم، لا حقّ التعلّم. وما سماح تركيا الرسمي أخيراً بعودة الحروف الثلاثة إلى التداول العام كتابةً وقراءةً، ولفظاً كان قد درج وتخطى المنع منذ سنوات، بعد منع استمر قرابة تسعة عقود، سوى إجراء تلطيفيّ، ذاك أن السماح لا يترافق مع إدراج الكردية لغة أساسية ثانية في البلاد، ومعها يحظر عملياً اعتبار جمهورية تركيا مكونة من قوميتين أساسيتين؛ تركية وكردية، مع ما يستتبع ذلك من تغير جوهري يطاول صلب الدستور الذي من المفترض أن يشهد حزمة إصلاحات!
أخيراً، يحق للكردي (التركي) أن يتعلم لغته، لكن التعلم هذا يتم في معاهد خاصة أغلب الأحوال، ولا يجد له مكاناً في المدارس الحكومية. لهذا ربما يكون تصريح السيدة جولتن كيساناك، وهي شخصية بارزة في حزب السلام والديموقراطية الكردي (PDB)، عقب القرار الجديد ذا قيمة لافتة: «إنه لمن الإهانة للشعب الكردي أن نقول له إنه صار بمقدوره الآن تعلم لغته الأمّ، فقط إذا دفع مقابلاً مادياً».
هل انتهت سياسة تتريك الأقليات، وليس الكرد الأقلية الوحيدة في تركيا المترامية، أم أن الحجاب الأردوغاني الإسلامويّ الممدوح يخفي الكثير، ولا يظهر إلى السطح الهشّ لتركيا التي تقطع أشوطاً حسنة، ثم سرعان ما تعود إلى الوراء متخبطة بين شرق وغرب قديمين تالفين، سوى وجه مقنّع بلون جديد!
مع ذلك، صار بمقدور «المواطن» التركي، بعيداً عن ديكتاتورية أتاتورك وأبعد من ادعاءات أردوغان الشعبوية، تعليم أطفاله لغة أطفال آخرين يجاورونهم السكن والشارع. كلمات كرديّة لطيفة مثل xunav (رذاذ) وxani (بيت)، لن تخدش حياء أحد، ولا تبعث على الخوف ولا على العنصرية، ولا شكّ في أنها لن تقوض أسس الجمهورية، ويمكنها أن تظلل وتلطف من لفحة التركية، اللغة الشمس، التي اعتبرها غلاة الأتراك أصل كلام الدولة وفصلها الوحيد. أليس غريباً أن تحتاج ثلاثة حروف صغيرة «خطيرة» على أمن دولة كتركيا إلى تسعين سنة، حتى تنتقل من هواء اللغة اليومية إلى حبر كلمات مرئية تنتظر من يلفظها داخل كتاب! ألا يبدو تحول التاريخ الطغيانيّ، وقد كان حاضراً شرساً وهمجياً يوماً ما، إلى ذكرى مدعاة ضحك! لكننا نعرف، وينبغي أن نعي ونتذكر أن خلف هذه الضحكة ويلاتٍ وجرائم.
* كاتب سوري
الحياة
تداعيات انضمام المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف/ فرمز حسين
قبول الائتلاف الوطني لقوى الثورة الاشتراك في مؤتمر جنيف يعتبر تحولا في الموقف العام للمعارضة السورية وتغييرا في خطابها السياسي الداعي الى عدم محاورة النظام و يعدّ قرارا قريبا الى الموضوعية لأسباب جمة منها: عدم تمتع قيادات الائتلاف أنفسهم بثقل مؤثر في الداخل, تشتت المعارضة المسلحة وضياع مراكز القرار كذلك أعاصير المحنة العنيفة التي تدمر البلد و تعصف بالسوريين وتشتتهم في كل مكان ولا ننسى طغيان الصبغة الدينية وانتشار الثقافة الراديكالية بين المعارضين المسلحين , انحراف مسار الثورة السورية وبالتالي دخولها في متاهات بات تقدير زمن الخروج منها أمر غير معلوم.
لكن بيئة الحوار حسب المعطيات التي أفرزتها لقاءات لافروف,كيري, زيارات الموفد الأممي الابراهيمي المتعددة لا تبشر بفرصة سانحة للتوصل الى تسوية سياسية مدعومة بقرار دولي يضع حدا لمعاناة السوريين وينهي الصراع الدامي الذي يزداد سوءا مع شروق شمس كل يوم جديد, لكي يتم التوصل الى ذلك لابد للأسد أن يرحل وكما يعلم الجميع فهو لن يفعل بل باق في الحكم حتى اشعار اخر ومؤتمر جنيف ان عقد سوف تخرج منه المعارضة خالية الوفاض.
من جهة أخرى فان انضمام المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف والمشاركة في المؤتمر المحتمل أمر ايجابي ولو أنه جاء متأخرا, لكن المجلس الكردي نفسه يشبه الى حد بعيد الائتلاف من خلال افتقاد قياداته للقاعدة الشعبية والثقل المؤثر في الداخل, نتيجة التشرذم الكبير لمختلف التيارات السياسية المنضوية تحت لواءه ,عدم استقلالية قراره والتي تعتبر من الأمور التي استغلها المنافس الأبرز حزب الاتحاد الديمقراطي الذي استطاع أن يحقق نجاحات ملحوظة على الأرض مستفيدا من حالة الهدنة مع نظام البعث في دمشق كون أمر اسقاطه لا يندرج في سلّم أولوياته لا في الوقت الراهن ولا حتى على المدى الاستراتيجي , من هنا نستطيع الاستنتاج بأن قرار المجلس جاء في محاولة حثيثة لخلق توازن للقوى مع الحزب المذكور الذي يزداد نفوذا وشعبية وتتطور مؤسساته العسكرية والمدنية في عموم المناطق الكردية خاصة مع تصدي قوات حماية الشعب لهجمات تنظيمي دولة العراق والشام وجبهة النصرة الارهابيتين وقدرة الحزب على توظيف ذلك اعلاميا مما ساهم في تسهيل عملية التعبئة للمزيد من الشبان والشابات في صفوفه , كما أن حزب الاتحاد بدا دائما مهيأ بخطة بديلة ( ب) وقد ظهر ذلك جليا من خلال اعلانه الادارة الذاتية في المناطق الكردية شراكة مع المكونات الأخرى كرد على اعلان المجلس الكردي انضمامه الى الائتلاف في محاولة منه لتقويض تحالف المجلس مع قوى المعارضة السورية و اظهار ضعفه وعدم شرعيته كممثل للكرد في المحافل الدولية.
السلبي في الأمر هو تعميق الخلاف الكردي الكردي وبعثرة القوى وتناقض الخطاب, أما الايجابي في ما يحدث هو وضوح المواقف السياسية للحركة الكردية ليس فقط لشركاء الوطن في المعارضة السورية بل للشعب الكردي السوري نفسه حيث مثل هاتين الخطوتين كفيلتين بإزالة الضبابية عن نهج الطرفين ويطرح السؤال الأهم برسم الرأي العام الكردي الشعبي لاتخاذ موقف و اذا كان الانفصال عن سورية لم يكن في يوم من الأيام مطلبا كرديا لا على مستوى النخبة السياسية ولا حتى على المستوى الشعبي لعامة الكرد فهذا يعني أن ارتباط مصير الكرد مع بقية المكونات السورية الأخرى أمر حتمي لذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح:
هل التخلص من الحكم الشمولي والانتقال بالبلاد الى نظام حكم برلماني ديمقراطي تعددي سيجعل من المكون الكردي شريكا فعليا في بناء البلد وأن حل الوضع الكردي مرهون بزوال حكم البعث؟
أم أن حل المسألة الكردية السورية يمكن أن يتم في ظل النظام الاستبدادي القائم ؟
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
ايلاف
“إقليم كردستان سورية” جاراً لتركيا/ هوشنك بروكا
قبل أقل من عامٍ تداولت الكثير من المواقع الكردية الإلكترونية خارطة لما أسمته “إقليم كردستان سوريا”، رسمها “المركز الكردي للدراسات والإستشارات القانونية ياسا”، الذي يتخذ من مدينة بون الألمانية مقراً له. وتبدأ حدود “الإقليم الكردي” في سوريا، بحسب الخريطة التي أعدها “ياسا” من قرية “عين ديوار” الواقعة في أقصى شمال شرقي سوريا بمحافظة الحسكة، وتمتد بمحاذاة الحدود التركية لتصل إلى أقصى الشمال الغربي عند “إقليم هاتاي” المعروف ب”لواء اسكندرون”، حتى عام 1939، الذي اقتطع من سوريا أيام الإنتداب الفرنسي على سوريا، وتم ضمّه إلى تركيا بعد استفتاءٍ صّوري نُظم عام 1939 في هاتاي.
وتظهر خريطة “إقليم كردستان سوريا” مدن الشمال السوري ذات الغالبية الكردية، الرئيسة مثل ديريك، رميلان، جل آغا، تربه سبيه، قامشلو، عامودا، درباسية، الحسكة، سري كانيه، تل أبيض، كوباني، عفرين، ونسبة كل إثنية فيها، من كرد وعرب وآشوريين ومسيحيين وأرمن وجاجان. هذه الخريطة التي رسمها “ياسا” قبل حوالي عام، تحوّلت الآن إلى واقع يعيشه الأكراد السوريون، وتبلغ مساحتها حوالي 24 ألف كم مربع، أي أكثر من ضعف مساحة لبنان.
بعد ساعات من إنضمام “المجلس الوطني الكردي ” إلى “الإئتلاف الوطني السوري” وإعلان هذا الأخير عن تشكيل حكومته برئاسة الإسلامي د. أحمد طعمة، أعلن الأكراد عن تشكيل مجلس حكم ذاتي انتقالي طرح حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في سورية مسوّدة مشروع أطلق عليه تسمية “الإرادة الذاتية الديموقراطية” بهدف السيطرة على المناطق الكردية وإدارتها بشكلِ مؤقت إلى حين استتباب الأمن والإستقرار في سوريا.
إعلان الأكراد عن مشروعهم الخاص، الذي هو في حقيقته نواة للحكم الذاتي في “إقليم كرستان سوريا” جاء كرّد مباشر على إعلان المعارضة السورية عن حكومتها، ما يعني أنّ هذه الأخيرة لا تعني الأكراد ومناطقهم المحررة الواقعة تحت سيطرة ال”PYD” وجناحه العسكري المعروف ب”قوات حماية الشعب” (YPG). وهو الأمر الذي دفع بأهل “الإئتلاف السوري” إلى إصدار بيان “ناري”، عاجل وصف فيه حزب “الإتحاد الديمقراطي” وملحقاته ب”أعداء الثورة السورية”.
“الإئتلاف” اعتبر ال “PYD” في بيانه “تشكيلاً داعماً لنظام الأسد، وعاملاً من خلال جناحه العسكري المعروف باسم قوات الحماية الشعبية الكردية (YPG) ضد مصالح الشعب السوري ومبادئ ثورته”، عازياً ذلك إلى أكثر من سبب، لعل أهم هذه الأسباب، حسبما ورد في البيان، هو “ارتباط التنظيم بأجندات خارجية، ودعوته لقيام دولة جديدة ضمن كيان الدولة السورية، متعدياً بذلك على السيادة والأمن والاستقلال الوطني”.
إعلان “الإئتلاف” “ال”PYD” “عدوّاً للثورة” يعني بوضوح إعلان المعارضة السورية بشقيها السياسي ممثلاً ب”الإئتلاف السوري” والعسكري ممثلاً ب”الجيش الحرّ”، الحرب المعلنة على “إقليم كردستان سوريا” أو “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، التي يديرها هذا الحزب مع أحزاب كردية وآشورية أخرى، بمشاركة كافة مكوّنات المنطقة من كرد وعرب وآشوريين وجاجان.
الواضح من لهجة البيان “النارية”، هو أنّ حق الأكراد في تقريرهم لمصيرهم، كما تنصّ على ذلك كلّ الصكوك والمواثيق الدولية، لا يزال بحسب منطق ومنطوق المعارضة السورية، وعلى رأسها “الإئتلاف السوري”، حقاً مؤجلاً “غير مرحّب به”، لسبب بسيط وهو لأنّ الديمقراطية هي حكم الأكثرية، وديمقراطية الأكثرية في سوريا المستقبل، كما يراها أهل “الإئتلاف”، لا يمكن لها أن تكون خارج المكوّن السني، الذي يشكل أكثر من ثلثي تعداد سكان البلاد، بإعتباره أكثرية قومية (عربية) أولاً ودينية ثانياً.
تركيا التي يقيم فيها أهل “الإئتلاف” ويقومون ويقعدون يومياً معها، أعلنت من جهتها، مراراً وتكراراً أنها لن تسمح بإنشاء “كردستان ثانية” على حدودها، وكان هذا الشرط هو الأول والأساس من بين كلّ شروطها التي فرضتها على المعارضة السورية التي تبنتها منذ الأول من الأزمة السورية، بدءً من “المجلس الوطني السوري”، وانتهاءً ب”الإئتلاف السوري” بكلّ نسخاته المعدّلة بما فيها النسخة الأخيرة التي تمّ الموافقة بموجبها على انضمام “المجلس الوطني الكردي” إلى “الإئتلاف”.
لكنّ تركيا ما قبل سنة، التي طالما هددت النظام السوري ب”التدخل المباشر” حال تخطي هذا الأخير “الخطوط الحمر” في حلب أو حماة أو حتى في داخلها، ليست هي تركيا اليوم. رياح الأزمة السورية، على ما يبدو، جرت بما لا تشتهي سفن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحلفه، خصوصاً بعد “صفقة الكيماوي” التي أطالت من عمر النظام وعززت فرص بقائه في السلطة إلى منتصف العام 2014 على أقل تقدير، أي بعد الإنتهاء من تفكيك ترسانة الأسد الكيماوية.
تركيا التي قامرت في سوريا وتراجعت في سياستها الخارجية عن سياسة “صفر أعداء”، ودخلت بسبب تدخلها المباشر في الشأن السوري، الذي طالما اعتبرته شأنها، في عداء مباشر مع أهم جارين لها، العراق وإيران، كلّ ذلك دفع تركيا إلى مراجعة سياستها الخارجية وإعادة المياه مع جوارها الإقليمي إلى مجاريها. وما زيارة وزير الخارجية التركي صاحب نظرية “العمق الإستراتيجي”، أحمد داوود أوغلو، إلى العراق والمراجع والحوزات والمزارات الشيعية، وكذلك دعوة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى تركيا إلا دليلاً على “الندم” التركي، ومراجعة الثالوث الحاكم “أردوغان، غول، داوود أوغلو” للسياسة الخارجية التركية في ظلّ التطورات الأخيرة التي طرأت على الأزمة السورية، خصوصاً بعد الإتفاق الروسي الأميركي، الذي فيه من الدرس ما يكفي لتعليم تركيا وحلفائها، بأنّ لقاء المصالح بين الدولتين العظميين كان ولا يزال أهم من صدام المبادئ.
الواضح هو أن القلق التركي تزايد بعد بسط الأكراد السوريين بقيادة “حزب الإتحاد الديمقراطي” المقرّب من العدو التركي اللدود، حزب العمال الكردستاني، سيطرتهم على غالبية أراضي “إقليم كردستان سوريا”، وهو الأمر الذي دفع بالسلطات التركية إلى بناء “جدار عازل”، سُمي في الأوساط الكردية ب”جدار العار” بين إقليمها الكردي والإقليم الكردي السوري، على عدة كيلومترات، تحديداً بين مدينتي نصيبين التركية وقامشلو السورية.
بناء تركيا ل”الجدار العازل” بين أكراد(ها) والأكراد السوريين، يعبر عن خوف تركي حقيقي من صعود نجم الأكراد في الجانب الآخر من الحدود، الذين يديرون مناطقهم منذ أكثر من سنة، وهو الأمر الذي زاد من فرصة الأكراد السوريين في إعلان إقليمهم “إقليم كردستان سوريا”، إقليماً فيدرالياً جاراً لتركيا، على غرار “إقليم كردستان العراق”.
تركيا عزت بناء “الجدار” بين أكراد(ها) والأكراد السوريين إلى دواعٍ أمنية، إلا أنه يهدف في الحقيقية إلى الحيلولة دون لقاء “كردستان قامشلو” التي أصبحت الكردية لغتها الرسمية، وبين “كردستان نصيبين” التي ليس لها إلا أن تتحدث بالتركية، وتتعلّم أن “كلّ تركي يساوي العالم”!
عليه فإنّ تعزيز موقف الأكراد في إقليمهم الكردي يضع تركيا في موقف صعب تجاه أكراد(ها)، خصوصاً بعد إعلان “العمال الكردستاني” فشل عملية السلام، بسبب “تماطل” الحكومة التركية في تنفيذها لوعودها، كما يقول الجانب الكردي.
سواء قبل “الإئتلاف” في سوريا المستقبل، ب”الإقليم الكردي” الجار الجديد لتركيا، أو لم يقبل، فذلك لن يغيّر من واقع الأكراد في كونهم “شعباً يقيم على أرضه التاريخية”، كما تقول وثائق “أكراده الأصدقاء” قبل “الأكراد الأعداء”، شيئاً.
التقدم الميداني الذي حققه الأكراد في شمال شرق سوريا، على أكثر من جبهة في تل كوجر وتربسبيه وسري كانييه، وما حققوه من مكاسب عسكرية بعد مرور أكثر من سنة ونيف على إدارتهم لمناطقهم، وإعلانهم ل”الإدارة الذاتية الديمقراطية المؤقتة”، كلّ ذلك يشكلّ مرحلة متقدمة نحو تحقيق حلم أكراد سوريا في الحكم الذاتي بإقليمهم، “إقليم كردستان سوريا”.
خارطة “إقليم كردستان سوريا”، التي نُشرت لأول مرّة، قبل أقل من عام على الورق، تحوّلت الآن إلى خارطة من لحم ودم، تعيش على الأرض، حيث يقيم عليها أكرادها.
“إقليم كردستان سوريا” الذي كان قبل حوالي عام “حلماً كردياً” جميلاً، أو قصيدة جميلة في دفتر شاعرٍ كردي، أصبح الآن حقيقة كردية، تقوم وتقعد مع أكرادها.
الأكيدُ، كما هو واضحٌ من تهديد “الإئتلاف”، هو أنّ الطريق إلى “إقليم كردستان سوريا” لن يكون مفروشاً بالورد، بل سيكون محفوفاً بالكثير من المخاطر، وربما بالكثير من الدم والدم المضاد. والأكيد أيضاً، هو أن تركيا ستبذل كلّ ما في وسعها لئلا تصبح “كردستان السورية”، جارةً ثقيلةً عليها.
لكن بين الأكيدين، “أكيد الإئتلاف” و”أكيد تركيا”، هناك “أكيد كردي” ثالث، يقول:
أن لا حل للمشكلة السورية بدون حلّ المشكلة الكردية.
ولا سلام في سوريا بدون السلام مع أكرادها.
ايلاف
محطة “تل كوجر” في مسار المسألة السورية/ آزاد أحمد علي()
أنجزت المانيا عام 1912 بالتعاون مع السلطة العثمانية خط قطار الشرق السريع، لربط استانبول مع بغداد، وبالتالي أوروبا مع الهند. وذلك كترجمة سياسية لتحالف الدولتين، وتعبيراً عن طموحات المانيا للتواجد في الشرق الأدنى. هذا وقد شكلت الرغبة البريطانية – الفرنسية لاحقا للمشاركة في الاستثمار والتحكم بهذا الخط أحد أسباب قيام الحرب العالمية الأولى. هذا الخط القائم مازال يربط نظريا حلب مع الموصل فبغداد، عبر محطة تل كوجر، لكن حركة القطارات عليه كانت تتوقف أو تزداد حسب الأوضاع السياسية والأمنية وسوية العلاقات بين الدول الثلاث: تركيا، سوريا، العراق. احتفظ خط قطار الشرق السريع بخلفيته السياسية، بل ظل مؤشرا فيزيائيا على درجة حرارة العلاقات الحكومية العراقية – السورية على وجه الخصوص. فقد اغلق الخط مع بوابة “تل كوجر” تماما لمدة تقارب العشرين سنة، ابان حكم البعث في كل من سوريا والعراق، حتى كادت البلدة أن تندثر. ما هو مثير للانتباه ان هذه البلدة الصغيرة التي تأسست حول محطة على خط قطار الشرق السريع، تتصف بحساسية سياسية عالية، وتعاود لتحتل واجهة الأحداث الأمنية والعسكرية في منعطفات حادة من تاريخ المنطقة السياسي، منذ الحرب العالمية الثانية. كانت سهولها الخصبة أصلاً مراعي لماشية القبائل الكردية الرحل (كوجر) طوال قرون عديدة، حتى استقرت فيها بطون من قبيلة شمر البدوية العربية، ابان الحرب العالمية الثانية، واستقرت في المنطقة بتشجيع من السلطتين البريطانية والفرنسية، لتحقيق توازنات ديموغرافية وتثبيت الحدود السورية – العراقية، وتأمينها. لذلك تم أولاً إزاحة سكانها الكوجر نحو عشرة كيلومترات شمالا. ثم اعتمدت المحطة معلماً حدودياً يفصل كل من سوريا والعراق.
انتعشت المحطة – البوابة اقتصاديا، وارتقت اداريا، لتلعب دوراً سياسياً وقبلياً أكبر من حجمها العمراني الجديد. تحقق ذلك أيضا بدعم من سلطات دمشق التي ترجمت دعمها وتوجهها السياسي بتعريب اسم المحطة إلى (اليعربية)، كما تم نقل المركز الإداري للناحية من بلدة (ديرون آغا) الحدودية إليها، أواسط القرن العشرين، بهدف السيطرة على الريف الكردي الشمالي وربطه مع هذه البلدة، المتشكلة حول محطة القطار.
الغاية من هذا السرد الوجيز هو التذكير بأن هذه البلدة الحدودية الهامشية، والتي لايتجاوز عدد سكانها سبعة آلاف نسمة، كانت ومازالت تتسم بسمات جيوسياسية رمزية، منذ تأسيسها مطلع القرن الماضي وحتى الانتفاضة السورية الراهنة. ففي أواسط عام 2012 وبعد انسحاب قوات النظام من المناطق الكردية، سيطرت مجموعات اسلامية مسلحة على هذه البلدة، فاغلق النظام إحدى عينيه على وجودها حتى أواخر تشرين الأول 2013. وبهذا تكون قد سيطرت “كتائب من المعارضة السورية المسلحة” عليها لمدة تقارب السنة، من دون ان تبذل قوات النظام المتواجدة في مدينتي القامشلي والحسكة، أي حركة جدية لإخراجها. فقد كان وجودها إشكالياً في الأساس، ويثير أكثر من تساؤل، لأنه من الصعب استقرار قوات المعارضة فيها، أيا كانت قدراتها، لمدة طويلة من دون حماية جوية.
عملياً، تبقى تل كوجر ثاني أهم معبر حدودي رسمي بين سوريا والعراق، وتتصف البلدة بقيمة استراتيجية مضافة تزداد اليوم بالتوازي مع ارتسام مسار التسوية السياسية المرتقبة للمسألة السورية. لذلك لم يكن مستغربا ان المعارك التي دارت فيها أواخر شهر تشرين الأول 2013 قد نالت اهتماما غير مسبوق من جهات استراتيجية واعلامية. ففي الوقت الذي أكدت قوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب P.Y.D سيطرتها على المعبر والمنطقة الحرة ومعظم أطراف البلدة، لم تتمكن قوات المعارضة السورية المسلحة الاحتفاظ بمواقعها، وبالتالي ضمت ادارة هذه البلدة إلى المناطق الكردية المجاورة.
ما هو مثير للاهتمام أيضاً أن منطقة تل كوجر ومحيطها القريب لم تكن ضمن أجندات الحركة الكردية السورية، حيث انها منطقة تم تعريبها منذ سنوات عديدة وتسكنها غالبية عربية من قبيلة شمر، ذات العلاقات الطيبة مع جيرانهم الكورد (رئيس ائتلاف قوى المعارضة السورية هو أحد أبنائها). وبالتالي ليس لتوجه قواتY.P.G اليها في هذه المرحلة سوى معنى سياسي ذات عمق اقليمي، ولا يمكن ان تفهم الا في سياق ترتيب الوضع العسكري والجيوسياسي على الحدود السورية – العراقية، ومع اقليم كوردستان العراق، بما يتوافق مع اجندات المرحلة السياسية المقبلة. بمعنى انه تم ترتيب الوضع عسكريا على الأرض بحيث يخدم مشروع التسوية السياسية المرتقبة للمسألة السورية، ويساهم في ترجيحها. وفي جانب آخر أكثر حساسية، يمكن للاحتفاظ بتل كوجر أن يؤمن لوجستيا حركة مرور وتواصلاً جغرافياً بين قوات Y.P.G الكردية والقوات العراقية التابعة لحكومة المالكي، وبالتالي تأمين طريق جغرافي آمن بين طهران ودمشق عبر معبر تل كوجر ومطار قامشلي الدولي.
اذا كتب لهذه الواقع العسكري الجديد الاستقرار والثبات، رغم صعوبته، فيمكن لخط سكة قطار الشرق السريع ان يعمل من جديد، بعد تأسيسه بمائة عام، ولكن وعلى الأرجح ليس لنقل البضائع، إذ سيكون عمله سياسيا صرفا، وربما سينطلق في الحالة هذه من طهران باتجاه بغداد، فإلى أوروبا. ان فرص تحقق هذا التصور تزداد حسب درجة نجاح زيارة المالكي الأخيرة إلى واشنطن، والنتائج العملية للقائه مع أوباما في 1/1 1، وما تتضمن من تفاصيل فرعية تحت عنوان اعلانهما التعاون لمكافحة الارهاب. فشكوك المراقبين تحوم حول سر ترافق هذه الزيارة مع سيطرة قوات Y.P.G على معبر تل كوجر الحدودي. مهما يكن، فعلى الأرجح أن ملامح مشروع سياسي جديد يتبلور في المنطقة، هذا المشروع الذي بات يحدد احداثيات حزب P.Y.D وقواته العسكرية بدقة ووضوح أكثر، على الساحة السورية والاقليمية، فلم يعد انخراطه في خدمة محور طهران – بغداد – دمشق تكهنا، ولا قراءة نظرية، وانما انخراط عملياتي، صريح ولوجستي، أسوة بنظيره حزب الله اللبناني. ويظل الملمح الآخر لهذا المشروع هو الارتفاع المطرد لدور حكومة بغداد.
ان محطة تل كوجر تبدو اليوم على الرغم من صغرها، أحد أهم المحطات السياسية وأخطرها في مسار التسوية السورية، وربما تكون أول محطة ليس لنقل الركاب غير المرغوب بهم إلى جنيف وحسب، وانما انطلاقة لمشروع هدنة وتسوية سياسية كبيرة تفعل دور حكومة المالكي، وترسخ نفوذ طهران، وتجمد كثيرا من مفاعيل الزلزال السوري، وربما تعطي فرصة للإدارة الأميركية، الحائرة والمنهكة، لترتاح ولو قليلا في هذه المرحلة.
() كاتب وأكاديمي كردي
المستقبل
الكرد من «ورقة» إلى «لاعب» في المنطقة؟/ كامران قره داغي
إثر زيارة وصفت نتائحها بأنها ايجابية قام بها الاسبوع الماضي وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الى بغداد لتحسين العلاقات بعد توترها، تمهيداً لزيارة رسمية مرتقبة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بدأنا نشهد مسلسلاً من التعليقات والتحليلات مفادها أن هذا الحراك ربما يستهدف العلاقات المتنامية بين أنقرة وإقليم كردستان الذي أخذ يستقوي بتركيا طامحاً الى المزيد من الحرية في اتخاذ القرار وفقاً لمصالحه الذاتية، إمعاناً في اضعاف سلطات المركز الاتحادي في بغداد. وكان طبيعياً ان يثير التقارب التركي–العراقي مخاوف كردية ايضاً.
في موازاة هذا التطور يزور رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني بدعوة من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ديار بكر (آمد بحسب اسمها الكردي)، أكبر المدن الكردية في تركيا لحضور حفلة زواج جماعي يغني فيها اثنان من أشهر الفنانين الكرد، ابراهيم تاتليس وشفان برور العائد الى بلاده للمرة الاولى بعدما أُجبر على الفرار منها قبل 37 عاماً. يشار الى ان بارزاني يزور هذه المدينة الكردية للمرة الاولى منذ مطلع التسعينات، عندما تمردت كردستان العراق على سلطة بغداد إثر حرب تحرير الكويت التي أسفرت، بين أمور أخرى، عن إقامة الملاذ الآمن المحمي من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وكان الزعماء الكرد ينتقلون الى الخارج ويعودون منه عبر تركيا مسافرين براً من دياربكر واليها، علماً ان التنقل ذاك كان كلياً تحت سيطرة أنقرة، تمنعه أو تسمح به لحظة تشاء. كيف تحول الكرد من «ورقة» الى لاعب في المنطقة؟
قبل التسعينات كان الكرد في الأجزاء الأربعة من وطنهم كردستان سبباً رئيسياً في تفاهمات أمنية بين العراق وايران وتركيا وسورية، التي غالباً ما تخلت عن خصوماتها وعداواتها المتبادلة لمواجهة العدو الكردي المشترك. بدأ ذلك يشهد تغيراً ما نتيجة لنشوء كيان قومي في الجزء العراقي من كردستان كنتيجة غير متوقعة لحرب تحرير الكويت وتداعياتها. وإذ اصبح عراق صدّام منبوذاً دولياً ظلت الدول الثلاث الأخرى، لفترة ما، تسعى الى الاستمرار في تفاهماتها الامنية لاحتواء تطلعات الكيان الكردي الناشئ ودرء اي خطر محتمل لتمدده عبر حدوده العراقية. لكنها ترتيبات لم تصمد طويلاً، لأن الدول الثلاث لم تعد منفردة في تقرير مصير الكرد نظراً الى دخول اللاعب الأميركي طرفاً قوياً في الوضع الجديد كضامن لأمن كرد العراق ومراقب من أراضيهم لتحركات نظام بغداد المُحاصر.
في 1993 أصبحت تانسو تشيلر أول امرأة ترأس الوزراء في تاريخ الجمهورية التركية. إثر وفاة الرئيس السابق تورغوت أوزال في ذلك العام خلفه زعيم حزب الطريق القويم سليمان ديميريل، الذي كان أعد تشيلر لتحل محله. وهكذا تسلمت زعامة الحزب، وبالتالي رئاسة الوزراء لأن حزبها كان يملك الغالبية البرلمانية. وقتها كانت المؤسسة العسكرية الآمر الناهي في البلاد وكانت تشيلر لا تقوى على الخروج عن طاعته. ولأن العلاقة الودية التي بدأها أوزال في 1991 بين أنقرة والقيادة الكردية في العراق، أصبحت بعد وفاته ودّاً مفقوداً بمشيئة العسكر، انحازت تشيلر بطبيعة الحال الى موقفهم حتى نُقل عنها أنها تعهدت، حين دخلت بناية الحكومة رئيسةً للوزراء، ان أياً من الزعيمين القبليّين الكرديين (قصدت جلال طالباني ومسعود بارزاني) لن تطأ قدماه البناية طالما ظلت هي ربّ البيت.
كانت الانتخابات البرلمانية التي أوصلت نتائجها حزب تشيلر الى رئاسة الحكومة فرضت عليه تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الاشتراكي الذي كان مؤتمره قد قرر لتوّه قبول استقالة زعيمه اردال إينونو وانتخاب حكمت تشيتين، وهو كردي من ديار بكر، خلفاً له، ليصبح بالتالي، بحكم اتفاق الائتلاف الحاكم، نائباً لرئيسة الوزراء ووزيراً للخارجية. لكن تفاهمات واعتبارات أمنية، قومية وطنية وأخرى اقليمية ودولية، قضت بأن مصالح تركيا والولايات المتحدة، الشريكتين في حماية المنطقة الآمنة في شمال خط العرض 36 في العراق، اي المناطق الخاضعة لسيطرة القيادة الكردية، تحتم على أنقرة ادامة العلاقة مع هذه القيادة مع إبقائها في الحدود الدنيا. هكذا تم الاتفاق بين المؤسسة العسكرية والحكومة التركية على ان يتسلم تشيتين ملف العلاقات التركية–الكردية. ولم يمر وقت طويل حتى استقبلت زعماء «القبائل» الكردية رسمياً في البناية اياها.
التطورات اللاحقة اثبتت ان البذور التي زرعها أوزال لتنمية العلاقات التركية–الكردية، والتحرك في اتجاه الانفتاح على كرد تركيا نفسها، كانت أقوى من أن تستطيع المؤسسة العسكرية اقتلاعها مجدداً. أما الكيان الكردي الناشئ فأثبت، هو الآخر، انه كان قادراً على الصمود على رغم تفاقم الخصومات الكردية–الكردية والتي تفجرت اقتتالاً بين «الأخوة» في منتصف التسعينات. في غضون ذلك كان الوضع الكردي في تركيا يفرض نفسه عاملاً رئيسياً على السياسة الداخلية طيلة التسعينات وصولاً الى العام 2000 وتغير الخريطة السياسية جذرياً بانتقال السلطة المدنية الى يد الحزب الاسلامي وبداية انحسار دور العسكر والفكر الأتاتوركي الذي قامت على اسسه الجمهورية التركية في العشرينات.
التطورات والاحداث اللاحقة منذ ذلك الحين تاريخ معروف ما زالت فصوله تتوالى، اعتباراً من غزو العراق واكتساب الكيان الكردي وضعاً دستورياً ارتقى في ظله الى اقليم فيديرالي في عراق ما بعد صدام الذي تحول دولة اتحادية، وصولاً الى ما سمي بـ «الربيع العربي» الذي أطاح أنظمة ديكتاتورية وكاد ان يشمل سورية التي ما زالت مأساة شعبها مستمرة، ومن تداعياتها غير المتوقعة بروز الكرد فيها قوة رئيسية أعلنت قبل ايام تشكيل ادارة ذاتية في مناطقها الموصوفة بكردستان الغربية، لتصبح قوة ثالثة الى جانب القوتين الكرديتين الفاعلتين في العراق وتركيا.
في ضوء ما سلف يجوز القول ان واقعاً جديداً يظهر في المنطقة مفاده ان القوى الاقليمية يتعين عليها ان تتعامل مع الكرد لا كورقة، بل كلاعب، الأمر الذي يغير قواعد اللعبة. وهذا وضع جديد تواجهه هذه الدول ويواجهه الكرد ايضاً. بعبارة أخرى ستجد دول المنطقة نفسها امام امتحانات صعبة، لكن هذا التطور سيضع الكرد أمام الامتحان الأصعب.
الحياة