صفحات العالم

مقالات تناولت الجمود في الثورة السورية

متى تنتهي المراوحة في سورية؟

حسان حيدر

قد يبدو الجواب على هذا السؤال مثل الضرب في الرمل، لأن العوامل التي تتيح انتهاء حال الكر والفر العسكرية والسياسية غير متوافرة، وقد تبقى كذلك لوقت طويل.

فنظام عائلة الأسد لا يعترف حتى الآن بأن هناك طرفاً سورياً في مقابله يمكن التفاوض معه، بل هناك فقط من يجب قتله. وهذا بالضبط ما يفعله منذ أربعين عاماً وليس فقط منذ 26 شهراً هي عمر الانتفاضة الشعبية ضده. أما المعارضة فلا تبدو قادرة على الحسم، ليس لنقص في الإرادة بل في الوسائل.

يربط حاكم دمشق مصير بلده بمصيره الشخصي. ويقول نائب وزير خارجيته المقداد في تصريح إلى «الغارديان» البريطانية إن «تنحي الأسد يعني زوال سورية عن الخريطة»، فيما العالم يشهد كيف أن بقاءه هو ما يهدد حاضر بلاده ومستقبلها.

لكن ما يعرفه العالم شيء وما يقوم به شيء آخر. وإذا كان مفروغاً منه أن إيران وتابعيْها، أي عراق المالكي ولبنان «حزب الله»، يبذلون ما في وسعهم دفاعاً عن الأسد ونظامه، ليس حباً به بل ذوداً عن أنفسهم ومصالحهم، فليس مفهوماً استمرار باقي العالم في التفرج على ما يجري والاكتفاء بإبداء الأسف على الضحايا، بل والضغط على الأطراف الذين يحاولون دعم المعارضة السورية بما يؤمن صمودها في وجه آلة التدمير الهائلة التي يمتلكها النظام.

لا تزال المشكلة هي نفسها منذ آذار (مارس) 2011. المجتمع الدولي عاجز عن أداء دوره في دفع الأسد إلى القبول بمرحلة انتقالية تطالب بها البيانات والاجتماعات والمؤتمرات كل يوم، وتتمسك كل دولة كبرى بمفهوم مختلف لها. ولا تزال موسكو وبكين تعتبران أن وقف إطلاق النار يجب أن يسبق أي بحث سياسي، وهذا يعني في عرف النظام أن يسلم المعارضون أسلحتهم ويستسلموا. فيما تدعو واشنطن وباريس ولندن وباقي العالم إلى البدء بنقل صلاحيات الأسد إلى حكومة موقتة، وهذا عملياً غير ممكن طالما بقي النظام يتلقى الدعم بالسلاح والمال والرجال.

حلقة مفرغة يدور الكل فيها من دون أن يتلاقوا. بل ربما لا يرغبون في التلاقي. كل طرف ينتظر أن يخطو الآخر في اتجاهه، ولا بأس بالانتظار طالما الخسائر محصورة بسورية والسوريين.

أما الوضع على الأرض ففي حال من المراوحة الدامية. بعض التقدم هنا وبعض التراجع هناك، لكن لا أحد قادر على تحقيق انتصار ناجز. النظام كما قال نبيل العربي «يتكلم مع نفسه» ولا يرى إلا نفسه، والمعارضة مشغولة بانقساماتها وتوضيح انتماءاتها بين «نصرة» و «اعتدال»، والغرب يجد في إعلانات التطرف ذريعة ملائمة لمواصلة التفرج. وإذا استمر هذا المنوال فقد تصح التوقعات بأن الحرب السورية ستطول سنوات وسنوات.

ما الذي يمكن أن يغير هذا الواقع؟ العرب لا يملكون جواباً، وخطوتهم الجريئة بمنح المعارضة مقعد سورية في قمة الدوحة لا تكفي وحدها. ومجلس الأمن بدوله الخمس الكبرى غارق في عجزه وقيوده. الثوار فقط متيقنون بأن المعاناة لن تتوقف إلا برحيل الاسد ونظامه، لكنهم أيضاً لا يعرفون متى سيحتفلون بالانتصار.

الحياة

عن الجمود في الثورة السورية

ماجد كيالي

 شكّل دخول “الجيش الحر” إلى مدينة حلب (تموز 2012) تحولاً كبيراً في الثورة السورية، لجهة قدرتها على كسر شوكة “النظام” في مدينة كبيرة، ولجهة نمو المكوّن العسكري لهذه الثورة.

بعد السيطرة على أجزاء واسعة من حلب حدث الأمر ذاته في محافظات الشمال والشرق السوريين (إدلب والرقة والدير)، والأهم أنه حصل في بعض أحياء دمشق وريفها ثم في درعا.

اللافت أن كل هذه التطوّرات، على أهميتها، لم تحدث بعد فرقاّ كبيراً في الصراع الدائر، فما زال النظام موجودا في حلب، رغم إعلان “الجيش الحر” مراراً انه سينهي الأمر نهائياً خلال أيام. فضلاً عن ذلك فإن المدن الكبيرة مازالت تحت سيطرة النظام، وضمنه مدن الساحل وحمص وحماه، ناهيك عن سيطرته في العاصمة دمشق، رغم كل التضحيات والمعاناة والبطولات، والمشكلة أن هذا الواقع بات له حوالي ثمانية أشهر، أي أننا إزاء حالة “جمود”، أو توازن، في الصراع بين الطرفين، أقله في المدى المنظور.

ويمكن تفسير ذلك بعدّة أسباب، أولها، أن الجوزة الصلبة لهذا النظام لم تنكسر بعد الى المستوى المطلوب، لاسيما بسبب الدعم الذي يلقاه من إيران وروسيا. وثانيها، أنه لايوجد قرار دولي بتغيير هذه المعادلات، حتى الآن، لاعتبارات مختلفة تخصّ كل طرف من الفاعلين الدوليين والإقليميين. وثالثها، أن ثمة انهاك واستنزاف كبيرين للمجتمع السوري، بسبب تعمّد النظام رفع كلفة الثورة، بقصفه الأحياء الشعبية بالصواريخ من الجو والبر، مع تدمير الممتلكات والعمران وتشريد الناس وتوقّف الأعمال، وهو واقع صعّب عل كتل مجتمعية واسعة الانخراط في هذا الصراع، والتعجيل بحسمه.

يستنتج من ذلك أن الشعب السوري مضطرّ للاعتماد على ذاته في محاولته تقويض النظام، وضعضعة وجوده، لإسقاطه أو إجباره على الرحيل، وأن زمن الثورة العفوية أو المنفلشة قد انتهى، بعد كل هذه التجربة، وهذه التضحيات، بحيث باتت قوى الثورة ملزمة بمراجعة طريقتها في العمل، على كل الأصعدة، السياسية والعسكرية والمجتمعية.

ومثلاً، لم يعد مقنعاً ولا مقبولاً هذا التجاذب الحاصل في إطار “الائتلاف الوطني”، أو بينه وبين الإطارات أو المنابر التي تعمل من خارجه. كما لم يعد مقنعاً، ولا مقبولاً، بقاء المكوّن العسكري للثورة على هذه الدرجة من التفكّك، واللامركزية، الأمر الذي يبقي “الجيش الحر” اسما من دون مسمى، أي من دون هيكلية أو قيادة أركان، أو غرفة عمليات، ناهيك عن أن ذلك يؤدّي إلى نوع من الفوضى، ومن الاضطراب والارتجال في اتخاذ القرارات العسكرية، التي ربما تضرّ بالثورة ومسارها، فضلاً عن الضرر الذي يلحق بمجتمعها، كما حصل في عديد من المناطق.

في هذا الإطار، ثمة ثلاثة مسائل لابد من الاشتغال عليهما، للخروج من هذا المأزق، الأول، ويتعلق ببذل الجهود من أجل استعادة البعد الشعبي للثورة، وتوسيعه، بعد أن طغت عليها العسكرة، وأشكال العمل المسلح، لاسيما أن المقاومة المسلحة باتت جامدة عند حدود معينة، كما ذكرنا، لأسباب تتعلق بإحجام الأطراف الدوليين والإقليميين عن تأمين مستلزمات ذلك. وثانيها، أن الثورة السورية معنية بتوضيح ذاتها، لذاتها، ولشعبها، وللعالم، فمن غير المعقول مطالبة العالم بدعم ثورة تخالف قيمه، أو ثورة تشتغل بعقليات دينية متطرّفة، يرى الآخرون أنها تشكّل خطرا عليه، ناهيك عن خطرها على سلامة العيش المشترك في المجتمع السوري ذاته. وثالثها، أن العمل العسكري للثورة ينبغي أن يعمل وفق امكانياته، بحيث يقلع عن اتخاذ خطوات كبيرة قد تضع المجتمع السوري في دائرة الخطر، ما يعني تركيز الاستهداف على مواقع النظام العسكرية، كبديل عن الطريقة السابقة المتعلقة بدخول مناطق شعبية والسيطرة عليها.

المدن

الجميع في مأزق

عبدالله إسكندر

أصدر رأس النظام السوري، منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية قبل عامين تقريباً، عدداً كبيراً من قرارات ومراسيم العفو الجزئي والكلي عن «جرائم» حمل السلاح ومواجهة القوات النظامية. كما اصدر قرارات «اصلاحية» تناولت مواد دستورية تتعلق بتنظيم الحياة السياسية. وأدار «جلسات حوار» مع قوى «معارضة» في الداخل. لكن كل هذه «المحسنات» لا تخفي ان عمليات القتل والتدمير والتهجير مستمرة، وعلى نحو متزايد، لا بل باتت مرادفاً لتعميق الكارثة التي تحل بالبشر والحجر في سورية.

أي ان القرارات والمبادرات التي أراد النظام، من ورائها، ان يظهر انه يسعى الى تهدئة الامور والتوجه نحو «حل سياسي»، لم تقنع أحداً في داخل سورية وخارجها بكونها أساساً صالحاً للحل، خصوصاً انها تترافق مع لجوء النظام الى أسلحة متزايدة القدرة على الفتك والتدمير. مع ما يعنيه ذلك من تعميق للمأزق الذي واجهته اصلاً قرارات النظام ومبادراته، وكذلك سلوكه العسكري.

في موازاة ذلك، لم تتمكن القوى السياسية المعارضة من تشكيل ثقل قادر على رسم استراتيجية الخروج من المأزق الذي دفع النظام الجميع اليه. فهي لا تزال تتعثر في سعيها الى الشكل الذي ينبغي عليها ان تكون عليه والمهمات المتوقعة منها. لا بل ما زالت في مرحلة ما قبل الجبهة السياسية الواحدة، صاحبة البرنامج الموحد والمعلن. ناهيك عن قدرتها على تشكيل حكومة ما، مهما كانت تسميتها.

وعلى الارض، ورغم فرض انحسار السيطرة الميدانية للقوات النظامية عن مناطق متزايدة الاتساع، لم يسجل التغيير النوعي الذي يحد من حركة النظام، وإن كان بعض رموز السيادة بات مهدداً. فالنظام ما زال قادراً عسكرياً على ارتكاب مزيد من القتل والتدمير، كما تظهر الاحصاءات اليومية. ولم تتمكن المعارضة المسلحة بعد من فرض أي نوع من حماية للمناطق السكنية المستهدفة، خصوصاً بالصواريخ الطويلة المدى والغارات الجوية، أو ردع النظام عن اللجوء الى هذه الاساليب.

وهذا يعني ان المواجهات على الارض لم تحمل معها حتى الآن أي تحريك للحل السياسي. في حين ان تعقيدات جديدة تدخل على المشهد، خصوصاً مع مضاعفات كشف البيعة بين «جبهة النصرة» وقيادة تنظيم «القاعدة». فهذه القضية لا تؤثر في كيفية التعامل الخارجي مع الازمة السورية فحسب، وانما تعقد ايضاً طبيعة الحل السياسي الذي تريد المعارضة الترويج له، وتحديداً معاني الدولة المدنية والتعددية والديموقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات.

ومع تعطل القدرة على فرض حل دولي بفعل الانقسام في مجلس الامن، لم يظهر ان الجبهة الاقليمية والدولية المعارضة للنظام تمكنت من التأثير في مجريات الامور في الداخل والدفع في اتجاه الحلول.

لقد كان الفشل نصيب لجان المراقبة والتحقيق والمهمات الاغاثية والانسانية. كما فشلت كل انواع الضغوط والعقوبات على النظام، على المستويين العربي والدولي في تحريك أي شكل من أشكال الحل السياسي. لا بل اتخذ النظام من هذه الاجراءات ذريعة للاستمرار في القتل بدل التوقف عند معانيها، خصوصاً على مستوى العلاقات العربية – العربية، سياسياً واجتماعياً ومذهبياً. العقوبات العربية هي نتيجة للمأزق السياسي الذي دفع النظام الامور اليه. لكنها لم تحمل أي تأثير في واقع الاحداث، وتالياً لم تساهم في بلورة اتجاه نحو الحل.

هكذا يظهر ان جميع المعنيين بالكارثة السورية غير قادرين على تغيير اتجاه الوضع. وباتت أزمة الحل تنعكس على سلوك كل منهم، في انتظار تغيير في المعطيات ربما ملامحه بدأت تظهر في كثافة التهجير الى دول الجوار وفي تزايد الحوادث عبر الحدود. أي تغيير في اتجاه تعميم القتل والدمار.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى