صفحات العالم

مقالات تناولت الدعوة القطرية لارسال قوات عربية الى سورية

إرسال قوات عربية لسوريا غير مجدٍ

طارق الحميد

من الممكن أن تتندر كيف أن التاريخ يعيد نفسه في منطقتنا، وتحديدا مع النظام الأسدي، حيث يأتي الأخضر الإبراهيمي مبعوثا للأزمة السورية بعد أن كان مبعوثا للأزمة اللبنانية التي تسبب فيها الأسد الأب. وتستطيع أن تتندر كيف أن المعلم لم يستطع مغادرة دمشق إلى نيويورك مؤخرا إلا من مطار الحريري ببيروت. وتستطيع أن تتندر أيضا على أننا اليوم أمام مقترح قديم جديد وهو إرسال قوات عربية لسوريا، بعد أن كان مقترحا خاصا بلبنان، قبل عقود.

تستطيع أن تقول كل شيء على عدالة القدر في هذه المفارقات، لكن لا يمكن القول إن مقترح إرسال قوات عربية لسوريا أمر قابل للتنفيذ. وكما قلنا هنا في 16 يناير (كانون الثاني) من هذا العام، وقال غيرنا بالطبع، فإن المهم والأهم هو تدخل دولي أوسع وحقيقي، وقد يكون من المناسب حينها تدخل قوات عربية تحت المظلة الدولية. أما القول بتدخل عربي فقط فإنه أمر غير قابل للتنفيذ، وقد يطيل أمد الأزمة السورية المطلوب اختصارها، وليس إطالتها.

فمجرد التحرك الدولي، وحتى خارج مظلة مجلس الأمن، ما دام الروس يعطلون أي قرار فيه، ومن خلال تحالف الراغبين، والإعلان عن فرض منطقة آمنة، وحظر طيران، فإن من شأن ذلك أن يسرع من تداعي ما تبقى من قوات طاغية دمشق، وهذا ما يقوله كثير من الضباط السوريين المنشقين، وبالطبع فإن الأمر يتطلب جدية أكثر، أي تحركا عسكريا حقيقيا من أجل وقف المجازر الأسدية، وليس التهويش فقط بالعمل العسكري. فمن شأن ذلك حينها إنهاء الأزمة بسقوط الأسد لتبدأ المرحلة الأطول، والأشق، وهي إعادة بناء سوريا ككل.

أما القول بإرسال قوات عربية، ولو وافقت مصر – كما نقل عن أحد مستشاري الرئيس المصري يوم السبت في تركيا – أو تونس، أو حتى جل الدول العربية، فإن ذلك أمر غير مجدٍ، ولن ينهي الأزمة الإنسانية في سوريا بالشكل المطلوب، فالمهم أن يكون هناك عمل دولي جماعي، وهو أمر ملح، ولعدة أسباب.

فمن ناحية، هناك كارثة إنسانية حقيقية، وهناك خطر على الكيان السوري ككل، بسبب جرائم قوات الأسد، بحق السوريين وتاريخ سوريا، وكل ذلك يحدث بدعم حقيقي من قبل روسيا وإيران للأسد بينما العالم كله يكتفي بالمشاهدة بلامبالاة غريبة، خصوصا أننا أمام جريمة لم تعرفها منطقتنا في تاريخنا العربي الحديث، حيث يقوم نظام مجرم بالعربدة بحق مواطنيه كما يفعل الأسد بالسوريين اليوم! والأدهى والأمر أن مستشار المرشد الإيراني يقول إن الأسد سينتصر على السوريين والعرب والغرب، وإن ذلك الانتصار يعد انتصارا لطهران أيضا، مما يعني أن القصة ليست قصة تدخل خارجي من عدمه بل هي قصة نظام عميل لإيران يريد حكم سوريا بالنار والحديد، وإفساد كل المنطقة، فلماذا لا يكون هناك عمل دولي حقيقي لاقتلاعه، خصوصا أن الأسد أسوأ من أسوأ نظام مر على منطقتنا؟

ولذا، فإن إرسال قوات عربية لسوريا أمر غير عملي، بل المطلوب هو تدخل دولي أوسع يكون العرب من ضمنه، ليكون تدخل حسم، وليس فرض أنصاف الحلول.

الشرق الأوسط

وضع العرب مأساوي ولا تدخل عسكريا في الأزمة السورية!

صالح القلاب

ستبقى فكرة التدخل العسكري العربي في سوريا مطروحة إلى أن تطرأ مستجدات، إن متوقعة وإن غير متوقعة، لحسم الأمور وترجيح الكفة إن في هذا الاتجاه وإن في ذاك، فالتدخل الدولي الذي كثر الحديث عنه والذي طال أمد انتظاره يبدو أنه أصبح غير وارد وغير متوقع، وذلك على الرغم من أن هناك معلومات متداولة في أطر ضيقة جدا تشير إلى أن الموقف الأميركي، الذي اتسم بالميوعة، سوف يتغير وسيتحول من التردد إلى الحسم حتى قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في بدايات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

لكن لأن هذا الموقف الأميركي الذي يقال إنه سيتغير قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة غير مؤكد، ولأنه لا يوجد في الأفق ما يشير إلى أن الأوروبيين والأتراك سيتخذون مواقف أكثر حزما وحسما وجدية، فإنه لا بد من أخذ فكرة التدخل العسكري العربي على محمل الجد طالما أن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد أثارها في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخير، وطالما أن الرئيس المصري محمد مرسي – كما أشيع – قد استجاب وأبدى تأييده «من حيث المبدأ» على الفور، وذلك مع أنه تراجع لاحقا لأسباب غير معروفة.

والمؤكد أن أمير قطر لم يلجأ إلى إلقاء هذا الحجر الكبير في بركة العرب الراكدة والآسنة إلا بعدما نفد صبره وفقد الأمل بأي تدخل دولي جدي، لا من خلال حلف شمال الأطلسي كما حصل في ليبيا، وقبل ذلك كما حصل في البلقان وكوسوفو، ولا من خلال ما بقي مطروحا منذ البدايات بتوفير حماية جوية للمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر في الأجزاء الشمالية السورية ومن بينها مدينة حلب، التي من المتوقع أن يؤدي خروجها نهائيا من قبضة جيش بشار الأسد النظامي إلى تغييرات جذرية في المعادلة العسكرية على الأرض، وإلى مستجدات هامة في المواقف العربية والدولية.

وبالطبع فإن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كان يعرف، عندما بادر إلى تفجير هذه القنبلة السياسية في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة وأمام العديد من رؤساء الدول المشاركة، أن الوضع العربي «لا يسر الصديق ولا يغيظ العدا»، وأنه ينفخ في قربة مثقوبة، وأن دخول العرب عسكريا على خط الأزمة السورية يحتاج إلى إرادة سياسية موحدة، وأنه يحتاج أيضا إلى إدراك أن هذه الحرب المحتدمة في سوريا هي حرب مواجهة التمدد الإيراني الذي إن لم يجر استيعابه وبسرعة فإنه لن يستثني حتى ولا دولة عربية واحدة.

ثم إن مما لا شك فيه أن أمير قطر عندما ألقى هذا الحجر في البركة العربية الآسنة كان يعرف هذا كله، وأنه يعرف أن أكثر ما ينطبق على هذا الوضع العربي المأساوي هو أغنية فيروز الشهيرة التي تقول فيها: «لا تندهي ما في حدا»، لكن مع ذلك فإنه قد لجأ إلى هذا الذي لجأ إليه من قبيل لعل وعسى أن يدرك العرب أن تحركهم و«تململهم» على الأقل سيجعل الغرب، الذي للأسف لا تعويل إلا عليه، يأخذ الأمور بمنتهى الجدية ويفهم أن انكسار الثورة السورية وفوز بشار الأسد الذي هو فوز لإيران ولروسيا سيعني تغيير المعادلة التقليدية في هذه المنطقة الشرق أوسطية الاستراتيجية، وسيعني معادلة جديدة بديلة لا مكان فيها لا للأوروبيين ولا للأميركيين ولا لحلفائهم الذين يواجهون الآن تمددا إيرانيا زاحفا، عنوانه كل رؤوس جسور النفوذ التي أقامتها دولة الولي الفقيه في الشرق الأوسط كله.

إن استجابة الرئيس محمد مرسي للدعوة القطرية، التي تراجع عنها، تدل على كم أن الوضع العربي محبط ومخيب للآمال، فالرئيس المصري، ومع أن نواياه – لا شك – صادقة وأن مواقفه مبدئية وتستحق التقدير، لم يجد ما يستنجد به لتحقيق فكرة التدخل العسكري العربي في الوضع السوري الذي غدا بمنتهى الخطورة إلا لجنة الاتصال الرباعية التي تضم مصر وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، والتي بات مؤكدا أنها قد ولدت ميتة وأنها لم تستطع أن تعقد إلا اجتماعا واحدا بجميع ممثلي الدول المشاركة، هو الاجتماع الأول، وحيث انعقد الاجتماع الثاني بغياب المندوب السعودي، بينما لم ينعقد الاجتماع الثالث الذي كان من المفترض أن يتم على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة.

والغريب أن الرئيس محمد مرسي، الذي أبدى مواقف مبدئية وواضحة وحاسمة لا لبس فيها تجاه الأزمة السورية، لم يجد ما يراهن عليه كـ«نواة» لهذا التدخل العسكري العربي المطلوب إلا لجنة الاتصال الرباعية.. هذه اللجنة التي بات في حكم المؤكد أن المملكة العربية السعودية أصبحت خارجها، والتي تضم إيران الدولة التي سارعت منذ اللحظة الأولى إلى دخول هذه الحرب القذرة المدمرة من أوسع الأبواب، إن بالسلاح وإن بالأموال وإن بالمقاتلين من فيلق القدس وغيره.

فهل خاف على الرئيس المصري أن إيران تعتبر هذه الحرب المحتدمة في سوريا هي حربها، وأن مرشد الثورة علي خامنئي قد وجه تأنيبا قاسيا لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني لأنه لم يتمكن «حتى الآن»!! من تدمير الثورة السورية؟

لا يمكن أن يكون هناك أي وضوح بالنسبة للموقف الإيراني تجاه كل هذا الذي يجري في سوريا أكثر من هذا الوضوح، ولهذا فإن المفترض أن يطوي الرئيس محمد مرسي صفحة لجنة الاتصال الرباعية هذه، وألا يراهن على الجامعة العربية التي في ضوء عدم وجود أي إجماع فيها تجاه الأزمة السورية لا يجوز توقع أن تفعل أكثر مما فعلته، فهي فشلت فشلا ذريعا منذ البدايات، مما يعني أنه يجب البحث عما يمكن فعله عربيا خارج هذه الدائرة، ومن خلال التركيز على ما يمكن أن تفعله الدول المتقاربة المواقف تجاه ما يجري في هذه الدولة الشقيقة التي غدت مهددة بوحدتها وأيضا ببقائها كدولة.

وحقيقة وبكل صراحة إنه لا أمل إطلاقا بأي تدخل عسكري عربي جدي، وبأي شكل من الأشكال في الأزمة السورية، فأوضاع العرب مأساوية والجامعة العربية تعيش حالة كساح قاتلة، والاتفاق العربي على خطوة خطيرة كهذه الخطوة لا هو متوقع ولا هو ممكن، وكذلك فإن الدول العربية ذات المواقف الواضحة تجاه هذه الأزمة غير قادرة على تحمل عبء بكل هذا الحجم وبكل هذه الخطورة دون أن تكون هناك مشاركة دولية رئيسية، إن من خلال مجلس الأمن أو من خارجه، ولهذا فإنه لا بد من التركيز على الاستمرار بتقديم المزيد من الدعم الحقيقي للمعارضة السورية المسلحة وللجيش السوري الحر، مع استمرار العمل على توحيد هذه المعارضة وتوحيد هذا الجيش، ومع الدفع في اتجاه أن يكون هناك حظر جوي سريع وبالقوة على الأجزاء الشمالية السورية التي يعتبرها الثوار السوريون مناطق محررة تشكل نقاط ارتكاز استراتيجية لإسقاط نظام بشار الأسد وإقامة النظام البديل المنشود.

الشرق الأوسط

فكرة لا يمكن تطبيقها!

صالح القلاب

فكرة إرسال قوات عربية إلى سورية، إن للرَّدع وإن لفك الاشتباك، لاشك في أنها رائعة وتقف وراءها نوايا طيبة لكن المشكلة تكمن في كيفية وفي إمكانية تطبيقها في ضوء هذا الواقع العربي المُبعثر، الذي يفتقر إلى عمودٍ فقري وإلى رافعة قومية وإلى دولة قائدة ورائدة إن هي أوْمأت برأسها فإن الآخرين يوافقون، وفي ضوء كل هذه التعقيدات الدولية والإقليمية التي طرأت على هذه الأزمة فجعلتها غير قابلة لأي حلٍّ إلاّ بالقوة العسكرية. حتى بعد موافقة الرئيس المصري محمد مرسي “المبدئية” على الاقتراح القطري فإن المشكلة تكمن في أن أوضاع مصر اليوم هي على غير ما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي عندما قاد جمال عبدالناصر تكتلاً عربياً، تحت راية الجامعة العربية، حمى الكويت من “زعرنات” عبدالكريم قاسم وتهديداته وما كان من الممكن أن يحصل ما حصل لاحقاً عندما قام صدام حسين بتلك الخطوة الرعناء التي أدخلت الوضع العربي والإقليمي بما ترتب عليها من استحقاقات خطيرة لاتزال نتائجها مستمرة حتى الآن. ثم إذا كان التفكير في عمل عسكري عربي بالنسبة للأزمة السورية يستند إلى تجربة سابقة هي تجربة إرسال قوات ردع عربية إلى لبنان، فإنه لابد من التذكير بأنه لا يوجد أي وجه شبهٍ على الإطلاق بين هذه الحالة وتلك الحالة حيث كان العرب والسوفيات والغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة وقبل هؤلاء جميعاً إسرائيل متفقين سلفاً، ولكل منهم حساباته الخاصة، على إعطاء تلك المهمة للجيش السوري الذي بالنتيجة استفرد باحتلال هذا البلد أكثر من عشرين عاماً، وحيث تولَّى حافظ الأسد باتفاق غير معلن مع الإسرائيليين إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح والسياسي على الأراضي اللبنانية. إنها فكرة رائعة فعلاً ولكن المشكلة تكمن في تطبيقها، فالمستبعد بداية أن يكون هناك إجماع عربي على هذه الفكرة بغض النظر عن المقصود بها، ثم من غير المستبعد أيضاً، إذا كان الهدف هو “الرَّدع”، ألاّ تنشب حربٌ إقليمية على الفور،  فإيران التي تضع كل بيضها في السلة السورية لا يمكن أن تسكت عن تطور كهذا وعلى خطورة كهذه، وهذا ما ستفعله إسرائيل أيضاً وما سيفعله الروس وما ستفعله الألوان الطائفية في العراق، وما قد لا يقبله الأتراك ولا يشجعه الغرب الأوروبي ولا الولايات المتحدة الأميركية. وكذلك وعلى افتراض ضمان موافقة كل هذه الدول الآنفة الذكر، وهو افتراض غير واقعي بل مستحيل وغير ممكن، فإن المشكلة أيضاً، وهي مشكلة كأداء وعسيرة، هي من أي جبهة ستدخل هذه القوات العربية يا ترى، فالجبهة العراقية مغلقة، والجبهة اللبنانية مستحيلة، والجبهة الأردنية يحتاج فتحها إلى معادلة لاتزال غير مطروحة وغير متوفرة، والإنزال الجوي غير ممكن، والأتراك لا يمكن أن يوافقوا على أن تكون أراضيهم ممراً لقوات “أجنبية”، لا هي في إطار حلف شمالي الأطلسي ولا هي بمهمة من قبل الأمم المتحدة، لاحتلال دولة مجاورة… وهكذا فإن هذه الفكرة قد تكون رائعة وجميلة لكن إمكانية تطبيقها فعلياً أبعد من الأرض عن السماء.

الجريدة

مغزى الدعوة إلى تدخل عربي في سوريا

عبد الوهاب بدرخان

 بالغ المجتمع الدولي، لا سيما دوله الكبرى، في التهرب من مسؤولياته، وفي التخفي وراء استبسال الشعب السوري في الدفاع عن كرامته ومستقبله، لم تكن الجمعية العامة للأمم المتحدة المناسبة الوحيدة لإظهار عجز الأسرة الدولية عن وقف نزيف الدم في سوريا، فالشهور الطويلة الماضية كشفت عمق الخلل في النظام الدولي وفي آليات عمل مجلس الأمن، لكنها كشفت أيضاً عن أن انتهازية دولة واحدة مثل روسيا لا تبرر سلبية دولة أخرى هي الولايات المتحدة.

ذاك أن التذرع بالانتخابات الرئاسية يمكن أن يفهم في حد ذاته، لكنه ينفي في الوقت نفسه، ما يقال عن دولة المؤسسات وثوابت السياسة واستمراريتها، وإلا فما الذي يفسر أن شلل الرئيس المرشح يعطل فاعلية الدولة العظمى الوحيدة، وإذا كانت هذه الحال كل أربع سنوات فما الذي يبرر جمود الأسرة الدولية بمختلف مكوناتها في انتظار تمرير الاستحقاق الانتخابي هذا – اذ ان الوقت المستقطع يمكن أن يشكل فرصة سانحة لكل الجرائم والمآسي، ولكل المساومات والابتزازات، وهذا ما حصل ويحصل بالنسبة إلى المحنة السورية.

كانت السمة الغالبة على الجمع الدولي العارم في نيويورك، خلال الأسبوع الماضي، ندرة الأفكار والأطروحات للتعامل مع المقتلة اليومية التي يديرها النظام السوري، لذلك هيمنت الثرثرات المكررة، استبعاد التدخل الخارجي وكأنه مطروح فعلاً، تفضيل الحل السياسي وكأنه متاح فعلاً، ترك الشعب السوري يقرر وكأنه كان يقرر دائماً إلا أن انتفاضته على النظام سلبته هذا الحق، ضرورة وقف العنف وكأنه لايزال خياراً ممكناً، دعم مهمة المبعوث الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي وكأن مهمة سلفه كوفي أنان لم تترك دروساً ينبغي التعلم منها، وبالأخص تعلم أن النظام وحلفاءه لن يدعموا أي حل لا يرجح بقاء بشار الأسد بشكل أو بآخر رغم كل الجرائم التي ارتكبها.

لذلك شكلت دعوة أمير قطر إلى تدخل عسكري عربي صدمة للمتجادلين في نيويورك، فالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ذهب إلى أقصى ما يمكن أن يبلغه أي مسؤول عربي، وأطلق ما يشبه الصرخة الضرورية من على منبر الأمم المتحدة بالذات، للتعبير عن الألم مما يحصل لسوريا دولة وشعبا وجيشا ومجتمعا، فلو لم يكن النظام نفسه طرفا معاديا للشعب، لوجب أن يبادر هو إلى إطلاق مثل هذا النداء إلى العرب لإنقاذ بلده من الاقتتال الداخلي الذي ابتلي به، لكن الواقع ان سوريا الشعب ابتليت بهذا النظام وصبرت عليه عقودا، إلى أن قالت له كفى.

وسواء كان اقتراح أمير قطر قابلا للتطبيق أم لا فإنه أصبح مطروحا وكان صاحبه واضحا في أنه يستحق فزعة عربية من الجميع لإنقاذ سوريا وشعبها إن لم يكن بدافع الواجب الذي يحدده ميثاق الجامعة العربية فأقله بدافع الحس الإنساني، وبديهي أن أمير قطر لم يكن بصدد إعلان حرب، ولم يكن يفكر بعمليات قتالية ينبري إليها العرب لإسقاط مزيد من الضحايا – كما سارع الأمين العام للجامعة العربية إلى التوضيح – لكنه كان يطالب بعمل استثنائي حازم لإشعار المجتمع الدولي بأن الفشل في إنهاء المأساة السورية ليس خياراً بل مساهمة في التقتيل والتدمير.

إذن، فهي دعوة إلى العرب جميعاً، ودولهم الكبيرة والأصغر، المؤثرة والأقل نفوذا، إلى التحرك الآن بعدما غدا الوقت الضائع، ترخيصا للإمعان في سفك الدماء.

كثيرون من العرب والغربيين رأوا في الحاصل في سوريا وكأنه ضربة لـ”الربيع العربي” ووقفاً قسريا لاندفاعته أو كأنه كان مجرد فقاعة واهية أو انفعال آني أجوف، لكن الشعب السوري بذل ما يستطيعه حين كان أعزل ثم حين اضطر لحمل السلاح، ولا شك أن “ربيعه” وكل “ربيع” آخر أصبح مسؤولية عربية عامة ينبغي ان يحرص الجميع، دولا وشعوبا، على إنجاحها ودفعها إلى غاياتها الحقيقية لأن أي تغيير صائب هو مصلحة للجميع، وبالنسبة إلى سوريا تحديدا، هناك مسؤولية مضاعفة، نظرا إلى ما تمثله موقعا وتاريخا وما تعرض على أيدي هذا النظام للإساءة والمهانة.

لعل أكثر المجادلات سقماً وتضليلاً تلك التي تناولت مسألة “التدخل الخارجي” في الأزمة السورية، فالذين يعارضونه عن حسن نية يتجاهلون أمرين: الأول أن النظام كان من أول من هاجمه بذريعة أن ثمة “مؤامرة” ضده، واستخدمه لتبرير القتل، بل لا يزال حجته الأساسية، والثاني أن حلفاء النظام، روسيا وإيران والصين، يدعمونه في القمع الدموي ويجندون كل طاقاتهم ونفوذهم لدعمه من دون أن يعتبر ذلك تدخلا خارجيا، أما الذين يؤيدونه عن حسن نية أيضا فينطلقون من اعتبارين: الأول أن المهم وقف إراقة الدماء بأي وسيلة، وطالما أن النظام اتبعها نهجا ثابتا فلابد من وضعه عند حده.

أما الثاني فهو أن الأصل في الحلول هو الحل الداخلي، لكن النظام أبطل أو عطّل كل الآليات الممكنة لحل كهذا، وهو لم يفعل ذلك منذ اندلاع الثورة ضده، وإنما عمل طوال عقود على قتل أي نقد أو حوار داخلي – وكل من تعاطى مع الأزمة، سواء كان وسيطا أو موفدا خاصا، خرج بانطباع مفاده أن النظام لا يملك سوى الحل الأمني ولا يرى خيارا سواه.

لا أحد يحبذ التدخل الخارجي لذاته، ولعل مثالبه تفوق فوائده في كل الأحوال، لكن الأسوأ منه تمكين القاتل من مواصلة القتل ومنحه الفرصة تلو الأخرى حتى أصبح الآن لا يرضى بحصيلة أقل من مائة قتيل يومياً، إن لم تكن أضعاف هذا العدد، لذلك يفرض التدخل نفسه كأمر لابد منه في غياب أي حلول أخرى ممكنة، ولعل أمير قطر أراد على طريقته إبداء الاستياء من هزال الإرادة السياسية، خصوصاً لدى الدول الكبرى في “مجموعة أصدقاء الشعب السوري” فأي فكرة مهما بدت صعبة أو حتى مستحيلة يمكنها أن تغير الواقع المسدود متى توافرت الإرادة السياسية لتحقيقه.

الشرق الأوسط

“قوات ردع عربية” لسوريا؟

أسعد حيدر

حلب تحترق. إحراق حلب التاريخية، جريمة ضدّ الإنسانية. الحارق والمشارك والصامت والمتكافل والمتضامن، كلهم شركاء في الجريمة. يبقى الرئيس بشار الأسد هو المسؤول الأوّل والكبير عن هذه الجريمة. “شيشنة” سوريا، سياسة ينفذها الاسد. الوريث لن يسلّم ما ورثه إلاّ قاعاً صفصفاً. لا يتردّد ولا يتراجع الأسد عن ارتكاب أي جريمة حتى يبقى إلى الأبد. ورث عن والده سوريا وأيضاً عبقرية التدمير طريقاً إلى الانتصار. لا توجد خطوط حمراء من أجل الحفاظ على السلطة. الأسد الأب لاحق الشهيد ياسر عرفات، وأكمل المهمّة التي عجز الإسرائيليون عن تنفيذها كاملة في غزو 1982. غادر أبو عمار طرابلس في سفينة فرنسية، وعاد الأسد وقوّاته إلى لبنان. كل حدث وقع في لبنان، كانت وراءه العبقرية الأسدية في التدمير والمقايضة. الابن ورث عن والده هذه العبقرية. آخر ما كُشف من فنون المقايضة الأسدية، بيد الأسد الابن لصديق والده وصديقه العقيد معمر القذافي. قايض الأسد هاتف القذافي السرّي، بموقف معتدل منه من نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق، الذي سرعان ما اكتشف هول خداع الأسد له، فقفز من ضفة إلى ضفة بسرعة صاروخية، وكان العداء الذي تعمّق مع انتقاله إلى الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولند.

موسكو وطهران وبكين مسؤولة عن إطالة عمر جرائم الاسد وهي بشكل أو بآخر شريكة معه. لكن هذه الشراكة لا تكفي لتفسير صمود الأسد وبقائه. واشنطن وتل أبيب ليستا عاجزتين عن نطق الحكم بإزاحة الاسد. ما زالتا تماطلان. واشنطن بحجّة الانتخابات الرئاسية، وتل أبيب لأنّها تريد نظاماً يضمن السكون في الجولان كما فعل الأسد الأب والأسد الابن. تركيا لبست ثوب السلطان محمد الفاتح، ولم تملك سيفه، لتفعل ما تقوله، ضمناً تريد ضمانات أميركية ما زالت بعيدة. موقف فرنسا وألمانيا وبريطانيا، قوي ضدّ الاسد، لكنه موقف “العين بصيرة واليد قصيرة”. يقول الفرنسيون علناً ما يقوله الآخرون سرّاً وهو: دون موقف أميركي واضح وتنفيذي، لا يمكن عمل شيء أكثر من تقديم بعض المساعدات اللوجستية والإنسانية. أما عن الموقف العربي فحدِّث ولا حرج.

عودة مصر، تنعش الجسم العربي. مصر قادرة على المبادرة، لكن القاهرة ما زالت متردّدة بين طموحات “إخوانية” مفتوحة على واقع يتغير لمصلحتها، وقيود لم تتحرّر منها لأنّها قديمة قدم السياسة المباركية التي كانت تجد في عدم اتخاذ المواقف موقفاً. الرئيس محمد مرسي بحاجة إلى موقف عربي داعم وليس منافساً له. مصر هي الدولة العربية الوحيدة القادرة على المبادرة عسكرياً إذا ما تقرّر ذلك دولياً. ليس المطلوب الحل العسكري. تشكيل قوّة عربية على غرار “قوّة الردع العربية” التي دخلت لبنان ثمّ تحوّلت للأسف إلى قوات سورية انفردت بحكمه ومصيره، هو أحد الحلول الممكنة.

أبرز ما يجري حالياً في هذه الفترة الانتقالية التي تنتهي حكماً في 4 تشرين الثاني بعد أن يتم انتخاب الرئيس الأميركي، أنّ مسارات عديدة تُرسم حالياً. لم تكتمل الخريطة، لكن من الواضح أنّ خطوطها تتقاطع عند مفترق واحد وهو رحيل الأسد ونظامه. سيقاتل الأسد في هذه الفترة بكل قوّته وقوّاته. لن يعنيه كثيراً أن تحترق دمشق وسوق الحميدية معها بعد إحراق حلب. من المؤلم أن تتعرّض حلب ودمشق للحريق. لكن ايضاً لو وقف أهالي حلب ودمشق منذ البداية موقفاً موحداً مع باقي الشعب السوري وطالبوا بالتغيير، لما استطاع الأسد الصمود أسابيع وليس 19 شهراً. استقواء الاسد بموقف أهالي دمشق وحلب، سواء دعماً له أو كرهاً بالثوار القادمين من الأرياف أو حاملي العلم السلفي وفكرهم الظلامي، منحه حجّة “الشرعية الشعبية”، للبقاء.

حتى طهران بدأت تفقد الأمل من صمود الأسد. قدّمت له أكثر مما تستطيع. لم يعد بمقدورها تقديم الكثير. يمكن لطهران الاستمرار في دعم النظام الأسدي بالخبرات العسكرية وبالعتاد، لكن امكاناتها المالية تتراجع بقوّة. انهيار التومان بسرعة فاقت توقعات الخبراء، تحول دون متابعة سياسة الضخ المالي للأسد. قفز سعر الدولار عن الثلاثة آلاف تومان أو ثلاثين ألف ريال نتيجة للوضع الاقتصادي السيئ. الحصار والمقاطعة اختصرا فترة الانهيار مائة يوم. لم يعد أمام طهران سوى البحث عن مخرج لها للمشاركة في حل سياسي. ثبوت وقوع الخلاف بين قيادات من الحرس الثوري والمرشد آية الله علي خامنئي (كانت المستقبل قد نشرت تفاصيله في 18/9/2012) حول الفشل العسكري في سوريا، سيدفع المرشد آية الله علي خامنئي الى مراجعة موقفه، خصوصاً وأنه وضع إيران في ضفّة بمواجهة الشعوب العربية والأخطر في مواجهة تنظيم “الاخوان المسلمين” الذي تسلّم السلطة من أنقرة إلى القاهرة مروراً بتونس وغزة.

حريق حلب، جرح عميق عمق التاريخ الذي صنع هذه الحضارة. لكن من المؤكد أنّ تضحيات الشعب السوري لن تذهب مع الريح. نار حلب أكلت حضارتها، وهي لا بد ستحرق الأسد الذي “شيشن” سوريا ليبقى هو أو لا أحد.

المستقبل

قطر تقترح “تدخُّلاً” في سوريا… فَشِل في لبنان!

    سركيس نعوم

أواخر عام 1975 استضافت العاصمة السعودية الرياض قمة عربية مصغرة لدرس سبل وقف الحرب في لبنان كانت بدأت قبل اشهر. وأوائل عام 1976 عقدت في العاصمة المصرية القاهرة قمة عربية موسعة لدرس اقتراحات القمة المصغرة لوقف تلك الحرب. وفي نهايتها صدر قرار بارسال “قوة ردع عربية” الى لبنان من 20 الف جندي. وكانت غالبية هذه القوة سورية لأن مصر امتنعت عن الاشتراك فيها، ولأن مشاركة الدول العربية الأخرى كانت رمزية ولم تستمر طويلاً. وقد “ربّحت” سوريا في حينه الدول العربية “جميلاً” بقبولها هذه المهمة الصعبة، علماً أن المعلومات التي توافرت لاحقاً اشارت الى ان القيادة السورية “اشتغلت” باللبنانيين على تنوعهم الطائفي والمذهبي، وبالفلسطينيين اللاجئين الى لبنان قبل نشوب الحرب وبعده رغم تناقضاتهم بغية تحقيق استراتيجيتها وهي السيطرة على لبنان وفلسطينييه والتحول رقما عربيا يستحيل تجاوزه في اثناء البحث عن حلول لأزمة الشرق الأوسط ولبّها قضية فلسطين.

هل أوقفت “قوة الردع العربية” الحرب في لبنان؟

طبعاً لا. وعلى العكس من ذلك فقد اججتها وورّطت فيها دولاً إقليمية وكبرى منها الاتحاد السوفياتي الذي رفض في حينه دخول جيش سوريا الى لبنان. وادى ذلك الى تقسيمه، واشعل حروباً داخل الطوائف والمذاهب، وبين بعضها والفلسطينيين. كما أشعل حروباً بين الفلسطينيين أنفسهم. في اختصار اطال التدخل العسكري العربي في لبنان حربه اذ دامت قرابة 15 سنة. وهي لم تنته عام 1990 الا بعد تحرك عربي شامل نجح في جمع اللبنانيين المتحاربين في الطائف السعودية حيث اتفقوا على ميثاق وطني جديد تُرجم دستوراً لاحقاً. لكن النجاح ارتبط بموافقة العرب على دور أساسي وحيد لسوريا في لبنان. وكان ذلك أحد ابرز شروط الرئيس السوري آنذاك إذ استمر متمسكاً باستراتيجيته ومُصرّا على تحقيق اهدافه. وما حصل بعد ذلك معروف. وقفت الحرب العسكرية، لكن الحرب السياسية استمرت لأن سوريا لم تشأ مساعدة اللبنانيين على تنفيذ اتفاق الطائف، بل على بناء دولة انهاء الحرب، وذلك كي تبقي وجودها السياسي والعسكري على أرضهم حاجة دائمة لهم. علماً ان سياسة سوريا الأسد في لبنان بعد الحرب العسكرية أسست لحروب فيه بدأنا نرى ملامحها المذهبية والاسلامية اليوم. فضلاً عن انها ارست أسس نظام لبناني ديموقراطي شكلاً، وديكتاتوري وأمني وقمعي وفاسد وطائفي ومذهبي فعلاً، رؤوسه لبنانية لكن ادارته الفعلية سورية.

وغني عن القول ان اميركا كانت، في معظم هذه المرحلة التي انتهت رسمياً في 6 نيسان 2005 او قبل ذلك بأشهر، مع سوريا الأسد ودورها “البناء” في لبنان.

لماذا إثارة هذا الموضوع اليوم؟

لأن أمير قطر، الذي له أياد بيض على لبنان وخصوصاً بعد حرب اسرائيل عليه في تموز 2006، اقترح اخيرا ومن الأمم المتحدة “تكرار الحل العسكري العربي في لبنان” في سوريا التي تشهد ثورة حولَّها قمع الأسد حرباً أهلية – مذهبية. ولأننا حرصاء على سوريا وعلى دماء شعبها وواثقون ان تكرار “الخطأ” فيها سيكون مدمراً لها وخصوصاً في ظل بعض التشابه بين تركيبتها الشعبية والتركيبة اللبنانية خلافاً لما يظنه متعصبون لنظام الأسد. ونحن نخشى على قطر الطامحة إلى دور كبير جداً بل الممارسة له من الخطأ الفادح. فالعرب ومعهم العالم “برأوا ذمتهم” عام 1976 بالنسبة الى لبنان رغم علمهم بأن مبادرتهم فاشلة. فهل يريد أمير قطر تكرار التجربة اليوم في سوريا؟ هذا فضلاً عن أن تنفيذ اقتراح الامير حمد بن خليفة آل ثاني ليس سهلاً. فمصر ليست قادرة على اداء دور سوريا أيام حافظ الأسد. علما انها لم تؤده عام 1976.

والسعودية أساساً، رغم حجمها الأكبر من  قطر، لا تستطيع اداء الدور نفسه. ولا أحد في الدول العربية الاخرى قادر على ذلك. أما تركيا وايران الاسلامية فقادرتان، وربما راغبتان، لكنهما جزء من المشكلة في سوريا، ولكل منهما طموحات اقليمية كبيرة، وهما تستطيعان أن تصبحا جزءاً من الحل، شرط ان يتفق عليه شعبها وبقية الدول العربية والمجتمع الدولي. ذلك ان العرب والعالم لا يحتاجان الى تحوّل الدولتين الاقليميتين الكبيرتين طرفين مباشرين في الصراع العسكري داخل سوريا. فهل من يُطلع امير قطر على حقيقة تجربة لبنان منذ الـ75 بل منذ 69 – 70 حتى الـ2005؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى