صفحات العالم

مقالات تناولت الدور الأميركي في المنطقة

 

الحاجة إلى اصلاح التحالف الدولي ضد “داعش”/ راغدة درغام

تبرز في الساحة الاميركية أفكار ودعوات إلى إجراءات أكثر حسماً وحزماً وتمكيناً فعلياً لتنفيذ السياسة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما للقضاء على «داعش» ضمن استراتيجية متكاملة وهيكلية مدروسة بعيداً عن اعتباطية الرد وهفوات التردد. كثير من كبار العسكريين الذين شغلوا مناصب كبرى سابقاً بدأ يتحدث علناً عن «فشل» الولايات المتحدة في إلحاق الهزيمة بـ «القاعدة» و «داعش» و «طالبان» في أفغانستان وباكستان وغيرها من التنظيمات الراديكالية الإسلامية بسبب سياسات وقرارات السلطة التنفيذية لا سيما في عهد أوباما. بعضهم يتحدث عن الحاجة الى «حلف أطلسي عربي» ويؤكد على مركزية الشراكة الأميركية الفعلية مع مثل هذا الحلف لأن ذلك في المصلحة القومية الأميركية، وإلاّ – حذّر أحدَهم – فإن خطر «داعش» و «القاعدة» و «الراديكالية الإسلامية» آتٍ الى عقر الدار الأميركية.

السناتور الجمهوري، رئيس لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ جون ماكين يربط بين تحقيق هدف القضاء على «داعش» وبين تبني إدارة أوباما موقفاً واضحاً ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه الإيراني. يقول إنه على المدى القصير، لا مناص من إنشاء «مناطق حظر الطيران» في سورية مع تصعيد جدي في العمليات الجوية بمشاركة «قوات خاصة» على الأرض تعزز إمكانيات المحاربين ضد «داعش» وضد النظام في دمشق. وعلى المدى البعيد، يرى ماكين أنه لا بد من إنشاء «قوة عربية» في سورية والعراق «بمشاركة أميركية» واسعة جوياً ومحدودة برياً هدفها تعزيز قدرات القوة العربية. ويوضح أن أية مشاركة إيرانية في الحرب على «داعش» في سورية «مرفوضة» بسبب «التحالف المدنّس» (unholy) بين إيران وسورية، وأية موافقة أميركية على ذلك هي «غير أخلاقية». الغائب عن الحديث الأميركي حول كيفية إلحاق الهزيمة بـ «داعش» هو الحاجة إلى استراتيجية شبه استباقية في اليمن وليبيا، اللتين تتحولان إلى أرض خصبة لإنماء الراديكالية الإسلامية بمختلف أنواعها. الحاضر هو استمرار الامتناع عن القيادة الجدية، وذلك ليس فقط بسبب مواقف وشخصية وفكر الرئيس أوباما وإنما أيضاً بسبب الانفصام في الرأي العام الأميركي وفي الشخصية الأميركية.

الرأي العام العربي ليس أقل انفصاماً أو كسلاً من الرأي العام الأميركي والأوروبي، لكنه أكثر حدة. اليوم، لقد شاهد العالم بربرية مقرفة مدروسة – تم اخراجها في شريط فيديو رفيع المستوى تقنياً – تمثلت في احراق «داعش» الطيار الأردني الشاب الأسير معاذ الكساسبة حياً. اليوم، تجتاح الأردن والدول العربية والإسلامية موجة غضب شديد وذهول أمام بشاعة الجريمة والفكر «الداعشي» الذي يشكل خطراً وجودياً على الدول العربية.

الغضب لا يكفي، لأنه عابر. يجب ان ينهض العالم العربي والإسلامي ضد «داعش» وان يكف أولئك الذين يعتبرون التنظيم الرد الطبيعي على التطاول الإيراني في المنطقة العربية، وأولئك الذين ينظرون الى «داعش» بأنه أداة الرد على الإقصاء الشيعي للسنّة في العراق. عدا ذلك لن يكون سوى استثمار في احراق الروح العربية والمبادئ الإسلامية.

مثل هذا النهوض يستلزم سياسات دولية وإقليمية ترافقه كي ينجح، بل كي يحصل. وهذا يتطلب الكثير من الاصلاح لـ «التحالف الدولي» ضد «داعش» – الذي تقوده الولايات المتحدة – بدءاً بكف الرئيس الأميركي عن تجنب القرارات الدولية وارتكاب هفوات وأخطاء التردد والتملص من استحقاقات الساعة.

الرئيس أوباما قال ان ذلك العمل الوحشي «سيضاعف يقظة وتصميم التحالف الدولي لضمان الهزيمة الكاملة للتنظيم». والسؤال هو: كيف سيترجم الرئيس الأميركي هذا التعهد والتصميم بصفته قائد التحالف. فأقطاب التحالف عاتبون على باراك أوباما بسبب مواقفه السياسية الرافضة الوضوح والخالية من الاستراتيجية، كتلك التي تنص على ضرورة رحيل بشار الأسد انما بلا خريطة طريق ولا استعدادات عملية لتنفيذها. عاتبون أيضاً بسبب النقص في الاستعدادات العسكرية الأميركية العملية في اطار التحالف.

دولة الإمارات العربية علّقت عملياتها الجوية ضد «داعش» وطالبت الولايات المتحدة بحماية أكبر للطيارين في حال اسقاط طائراتهم وذلك عبر نقل المعدات الأميركية للبحث والإنقاذ من الكويت الى شمال العراق. وهي على حق بذلك.

الأردن سيحتاج أكثر وأكثر بعد اقدام الملك عبدالله الثاني على الأمر بتنفيذ حكم الاعدام بساجدة الريشاوي التي طالب «داعش» بإطلاق سراحها مقابل الطيار معاذ الكساسبة في الوقت الذي كان أحرقه حياً قبل شهر.

بعض العشائر الأردنية في البداية، وعندما أعرب الأردن عن استعداده لتبادل الأسرى، طالبت علناً بانسحاب الأردن من التحالف الدولي ضد «داعش» على أساس ان هذه ليست حرب الأردن. بعد نشر الفيديو، نهضت العشائر الأردنية بما فيها والد الطيار الشاب، داعية الى الانتقام وداعمة لقرار الملك عبدالله بتنفيذ الإعدام شنقاً والاستمرار في التحالف.

الأرجح ان «داعش» سيوسّع حلقة الانتقام وسيصعّد ضد الأردن. الارجح أيضاً ان الأردن سيستأنف المشاركة في الغارات الجوية للتحالف على «داعش» بعدما كان علّقها في أعقاب أسر الطيار الأردني. كل هذا سيتطلب من أقطاب التحالف، وبالذات الولايات المتحدة، اجراءات فعلية ومتطورة لتحصين الأردن. لعل اليابان ستكون من أوائل الدول التي ستقدم الدعم للأردن بعدما أعدم «داعش» ذبحاً الصحافي الياباني كينجي غوتو الذي ربط «داعش» بين اطلاق سراحه وبين اطلاق سراح ساجدة الريشاوي – ووافق الأردن على اطلاق سراحها مقابل اطلاق سراح الأسيرين الياباني والأردني، شرط اثبات انه على قيد الحياة. ولم يكن.

إذن، من المتوقع ان تكون هناك مراجعة شاملة وجدية لعمل التحالف الدولي في أعقاب الذبح والإحراق هذا الأسبوع. فلقد بات واضحاً ان الغارات بمفردها لن تحقق الهزيمة الكاملة لتنظيم «داعش»، وان لا مناص من استراتيجية سياسية وعسكرية جوية وبرية، أوسع وأوضح.

الأجواء الشعبية الدولية والعربية باتت اليوم أكثر تقبلاً لإجراءات أكثر صرامة وحسماً لوقف بشاعة الجريمة التي انتقلت من الذبح الى الحرق حياً بتصعيد مقصود ومتعمد من طرف «داعش» لاستدعاء الاستنكار، كما لاستدعاء المتطوعين في صفوفه، كما لاستدعاء الانخراط الأوسع للولايات المتحدة في الحرب ضده، ربما، إذا قرر قتل الرهينة الأميركية لديه، فهذه الرهينة الأميركية الشابة ابنة العشرينات تؤثر جداً في القرار الأميركي ونوعية الإجراءات الأميركية.

ذبح الصحافي الياباني وإحراق الطيار الأردني يشكلان تحدياً سافراً لأعضاء التحالف وللتذبذب الأميركي السياسي والعسكري. والكلام الذي يتم تداوله رداً على ذلك لا يقتصر على تصعيد العمليات العسكرية للتحالف وإنما يشمل أيضاً آفاق التفاهمات الممكنة – أو المستحيلة – بين الولايات المتحدة وروسيا حول الساحة السورية. كما يشمل البعد الإيراني النووي والإقليمي في الحسابات الأميركية، علماً بأن ايران تلعب دوراً مباشراً عسكرياً في سورية لصالح النظام وبقاء بشار الأسد في السلطة، وان النظام في دمشق يسوّق نفسه بأنه الشريك العضوي للتحالف في الحاق الهزيمة بـ «داعش».

من الناحية العربية، تعكس مواقف أطراف التحالف توافقاً ملفتاً، بل ومواقف مشتركة مهمة بين الدول الخليجية ومصر والأردن. وهذا يشكل نواة تفكير في تلك «القوة العربية» التي لا بد من النظر فيها عاجلاً أم آجلاً.

من الناحية الدولية، عادت المعادلة بين الولايات المتحدة وروسيا تطفو في الاعتبارات الاقليمية والدولية، فمحاربة «داعش» في سورية، ظاهرياً، تبدو موضع توافق أميركي – روسي، لأن البلدين يعتبران «داعش» عدواً. أما الاجراءات الضرورية في الاستراتيجية الأوسع التي تتطلب التخلي عن بشار الأسد لحشد الحملة ضد «داعش» فإنها تصطدم بحائط العلاقة الأميركية – الروسية وما تتطلبه التفاهمات بينهما.

والسؤال المطروح اليوم هو: ماذا تريد روسيا التي تقف حالياً في مواجهة مع الغرب في أوكرانيا وتتهم الولايات المتحدة والسعودية بـ «تجويع» الشعب الروسي بسبب تخفيض أسعار النفط؟ ما هي مطالب الرئيس فلاديمير بوتين الذي يدرك جيداً مخاطر «داعش» عليه في عقر داره وفي جيرته المباشرة؟ وهل هو جاهز لنوع من التأقلم مع الاحتياجات داخل سورية لجهة مصير بشار الأسد كي ينجح التحالف الدولي في الحاق الهزيمة بـ «داعش»؟ أم هل هو مصرّ على التمسك بالرئيس السوري تحت أي ظرف كان وبأي ثمن؟

وما هو الثمن الذي يريده فلاديمير بوتين؟ ما هي مساحة التفاهمات والمقايضات؟ أهي حصراً في اطار الاعتبارات الاستراتيجية والقومية، أم ان أسعار النفط وتأثيرها الفعلي والمؤذي لروسيا ستؤدي الى اعادة النظر والى نوعية أخرى من المفاوضات والمقايضات؟

هذا يعتمد على مدى التهديد الوجودي الذي تشعر به روسيا. حتى الآن، لا الولايات المتحدة ولا روسيا ولا الدول الأوروبية تعتبر تهديد «داعش» وجودياً لها. لذلك قد تتلكأ. وإذا تلكأت، ستجد تجاوباً معها من «داعش» الذي سيعتبر التلكؤ تأشيرة له لحصر نشاطاته التدميرية والبربرية في الساحة العربية.

لذلك ان الأصوات التي تبرز في الساحة الأميركية محذّرة من العواقب على الداخل الأميركي إذا استمرت السياسات المتلكئة والمذبذبة انما تقرع ناقوس الخطر الذي تريد الأكثرية الشعبية حمايته وتود الإدارة الأميركية تخفيف وطأته الى حين الانتهاء من المفاوضات النووية مع ايران.

ولذلك أيضاً، ان أصوات المؤسسة العسكرية «المتقاعدة» وفي الكونغرس والتي تعتبر أن التراخي مع إيران، نووياً وإقليمياً، يهدد استقرار الشرق الأوسط والمصالح الأميركية، انما تشكل مقدمة الى ما هو آتٍ في حال فشل المفاوضات النووية. فهذه الأصوات تذكر ان لدى الولايات المتحدة أدوات فرض الحصار الاقتصادي على إيران، في حال فشل المفاوضات النووية، ولديها أيضاً أدوات افشال التدخل الإيراني في سورية – المباشر وعبر «حزب الله» – لتقليم اظافر الأيدي الإيرانية الممتدة لتنفيذ الطموحات الاقليمية.

مرحلة صعبة هي تلك الآتية الى المنطقة العربية قريباً. لكنها ليست مرحلة انتصارات الراديكالية الإسلامية بأي من وجوهها المذهبية.

الحياة

 

 

 

 

بؤس الاستراتيجية الأميركية/ هشام ملحم

يوم احرق تنظيم “داعش” الطيار الاردني معاذ الكساسبة، قال مدير وكالة استخبارات وزارة الدفاع الأميركية الجنرال فنسنت ستيوارت في شهادة له في الكونغرس انه، على رغم ان الغارات الجوية للائتلاف الدولي قد قتلت عدداً من قادة التنظيم المتطرف وقللت قدرته على التحرك العلني في سوريا والعراق، إلا ان هذا التنظيم يواصل “تعزيز وضعه وتحصين مكاسبه في المناطق السنية التي يحتلها، وقت الذي يحارب خارج هذه المناطق”. واشار الى ان فروع “داعش” في دول مثل الجزائر ومصر وليبيا، مقلقة للغاية. هذه الصورة القاتمة لـ”داعش” وقدراته في 2015 مغايرة للصورة الايجابية التي رسمها الرئيس باراك اوباما في خطابه عن حال الاتحاد قبل اسبوعين حين ادعى ان “القيادة الاميركية” في العراق وسوريا “قد اوقفت تقدم داعش”. وفي اليوم نفسه أكدت تقارير صحفية اميركية ان واشنطن تقوم عمليا بتنسيق ميداني مع “فيلق بدر”، المزود سلاحاً أميركياً وهو من اقدم الميليشيات الشيعية العراقية، في الحرب على “داعش”.

هذه المحطات الثلاث تلتقي لتثبت مرة اخرى بؤس الاستراتيجية الاميركية – اذا صح تسميتها استراتيجية – في مواجهة خطر “داعش”، وتحديات النظامين السوري والايراني. في افضل الحالات هي استراتيجية خجولة تركز على “العراق أولاً” لوقف تقدم “داعش”، لكنها لا تشمل مقومات تدمير التنظيم المتطرف كما يدعي اوباما. في العراق تتعايش اميركا مع ايران لانها تحتاج اليها لدعم وتنسيق العمليات العسكرية البرية ضد “داعش” لتتماشى مع الحملة الجوية التي تقودها واشنطن. في سوريا تتعايش اميركا مع نظام الاسد، لان ضرب “داعش” وانهاكها هما أولويتها الملحة الان، وليس اسقاط النظام . وحتى البرنامج المتواضع لتدريب المعارضة السورية، يهدف الى تأهيلها لمواجهة “داعش” في الدرجة الاولى. ويرى العسكريون الاميركيون، وفقاً لمصادر مطلعة، ان ثمة احتمالاً لصد “داعش” في العراق – لكنهم لا يعتقدون ان العراق قادر على استعادة الموصل في الصيف كما تأمل بغداد – إلا أنهم يعترفون بأنه لا استراتيجية اميركية لسوريا، لأن الرئيس اوباما لا يزال عند موقفه الرافض “للتورط” اكثر في النزاع السوري.

في تقويمه الواقعي لإيران، يقول الجنرال ستيوارت ان ايران تواصل سعيها لتصير “الدولة المهيمنة” في المنطقة، ويضيف: “النظام لا يواجه أي مشاكل تقنية غير قادر على تخطيها لانتاج سلاح نووي، الامر الذي يجعل الارادة السياسية هي المسألة المركزية”. ويتوقع ان تستمر التطورات السورية في الاتجاه لمصلحة نظام الاسد، وخصوصاً في محيط مدينة حلب حيث يتوقع خلال السنة “تطويق حلب وقطع امدادات المعارضة”. الجنرال يقول ضمنا انه لا استراتيجية اميركية في سوريا.

النهار

 

 

 

 

 

أوباما وإيران وشراء الوقت/ جويس كرم

أسابيع حاسمة تنتظر المفاوضات بين ايران ومجموعة الدول الخمس زائد واحد في المحاولة لابرام إطار اتفاق شامل حول الملف النووي قبل 24 آذار (مارس) وتسويقه ثم توقيعه رسميا قيل نهاية حزيران (يونيو) المقبل. هذا الهدف حتى برأي الادارة الاميركية الأكثر اصرارا عليه، تفوق احتمالات فشله النجاح وبشكل قد يضطر الغرب الى الاكتفاء بتمديد آخر للاتفاق المرحلي.

ما من شك في ان الوصول الى اتفاق شامل هو المحرك الاستراتيجي الأبرز لإدارة باراك اوباما في الشرق الأوسط اليوم كإنجاز سياسي ولتفادي سباق تسلح نووي في المنطقة. وهو على رغم صعوباته دفع البيت الأبيض للعمل على قنوات عدة لتفادي ضربة استباقية له. فتراجع الديموقراطيين في مجلس الشيوخ عن تبني مشروع العقوبات في الكونغرس وإمهال أوباما حتى نهاية آذار (مارس)، يعكس رغبة البيت الأبيض في عدم تفجير الخيار الديبلوماسي ولو كلّف ذلك مواجهة داخل الحزب الديموقراطي ومع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي دعاه الكونغرس لالقاء خطاب في ذكرى الثورة الإيرانية في 11 شباط (فبراير) ثم تم تأجيله الى بداية آذار وقبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية.

أجواء العاصمة الاميركية تطغى عليها الضبابية في موضوع الاتفاق ويجمع المعنيون والخبراء على ان فرص التوصل اليه نهاية الشهر المقبل هي ضئيلة، وان الفجوة ما زالت واسعة بين الجانبين. فضلا عن ذلك فان الضوء الأخضر لتوقيعه لن يأتي من وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي لا يبدو قادرا اليوم حتى على القيام بنزهة مع نظيره جون كيري في جنيف من دون اثارة عاصفة في البرلمان الإيراني. وتدرك واشنطن ان فرص اي اتفاق رهن بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي رفض في الخريف الفائت شروط التفتيش من الغرب والرفع التدريجي والبطيء للعقوبات.

ويعول الغرب على فاعلية الخناق الاقتصادي على طهران وتراجع أسعار النفط كمحفز قد يدفعها الى قبول الاتفاق ويغير حسابات قيادتها. الا ان بنود هكذا اتفاق لم تتغير منذ الخريف الفائت وليس هناك مؤشرات إقليمية او دولية من القيادة الإيرانية توحي بقبولها. لا بل فان تصرف طهران على الساحة الإقليمية والتصعيد في اكثر من جبهة هو مؤشر على تصلب النظام وليس انفتاحه. وعليه، يتجه الخطاب الاميركي اكثر وأكثر نحو تسويق الاتفاق المرحلي الحالي وفتح الاحتمال لتمديده اذا تعذر الوصول الى اتفاق شامل.

ويبدو تمديد الاتفاق المرحلي الخيار الأقل سوءاً امام إدارة اوباما في حال عدم افساح خامنئي المجال امام اتفاق شامل. فالتمديد يمنح جميع الأطراف سلاح شراء الوقت، ويوفر على اوباما مواجهة عقيمة مع الكونغرس بقذف الكرة ستة أشهر الى الامام ونقض اي عقوبات جديدة قد يمررها الكونغرس بعد مهلة آذار (مارس) المرتقبة. ويحافظ التمديد على الهيكلية الحالية للعقوبات ويمنع ايران من تخصيب اليورانيوم بنسبة الـ20 في المئة، من دون هز أعمدة الثورة الإيرانية والمصالحة مع “الشيطان الأكبر”.

شراء الوقت والحفاظ على التوازن الحالي في المفاوضات النووية قد يفرض نفسه الورقة الاكثر واقعية، الا في حال حصول مفاجأة في طهران. فالجلوس على الطاولة مع واشنطن من دون تغيير شعارات الثورة او التنزه مع كيري في جنيف، يحدد السقف الإيراني في المفاوضات. هذا السقف قد يسلب اوباما إنجازا تاريخيا سعى اليه منذ اليوم الاول له في البيت الأبيض وفي أربعة رسائل الى خامنئي، بانتظار الرد الإيراني.

الحياة

 

 

 

 

حروب متداخلة تربطها أميركا وإيران باتفاقهما المرتقب/ عبدالوهاب بدرخان

تقود الولايات المتحدة «الحرب على الارهاب»، لكن الدول الأكثر نقداً لهذه الحرب وقيادتها واستراتيجيتها هي الدول الثلاث (اسرائيل وايران وتركيا) المتنافسة حالياً على تقاسم تركة «الرجل المريض»، وهو هنا المشرق العربي، مع بعض الامتداد الى شمال أفريقيا حيث يشكّل القتال في ليبيا وفي سيناء جانباً من صراع لم يبلغ ذروة احتدامه بعد، كما لم تتوضّح أبعاده الجغرافية. ويُستدلّ من نقاش الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول «التحالف»، في لندن قبل اسبوعين، أن الحرب كما عُرفت منذ أربعة شهور بلغت أقصى ما تستطيعه: اذ توصّلت من جهة الى تمكين الأكراد وبعض «الجيش السوري الحرّ» من طرد مقاتلي تنظيم «داعش» من عين العرب/ كوباني، واستطاعت في المقابل أن تساعد «البيشمركة» الكردية على استعادة عدد من المواقع لتأمين اقليم كردستان العراق وإبعاد الخطر عنه. لكن المسألة التي واجهها وزراء «التحالف» مجدداً كانت الحاجة الى قوات برّية، وعلى رغم أن ادارة باراك اوباما شدّدت منذ البداية على عدم إرسال قوات الى الأرض، إلا أن مسؤولين سياسيين وعسكريين صرّحوا أخيراً بأن البنتاغون يدرس هذا الاحتمال.

ثمة محور آخر غير مصرّح به لهذا التنافس، وهو يتمثّل تحديداً بتسابق أطراف عديدة، أبرزها الولايات المتحدة، الى محاربة «داعش» والى الأسبقية في استغلال هذا التنظيم تحقيقاً لأهدافها ومصالحها. لكن الحروب الجانبية المتداخلة التي تخوضها هذه الأطراف تزكّي خطاب المتطرّفين عموماً، بما تُفسد محاربة «داعش» المفترض أنها أولوية استراتيجية. فمن ذلك مثلاً، أن الادارة الاميركية شهدت اوباما يتخذ للمرّة الأولى قرارات ولو مبتورة للتدخل في الخارج، سواء لأن مقتضيات «القيادة» و «الزعامة» وضعته على المحك، أو لأن اميركا ساهمت قبل رئاسته وخلالها في دفع المنطقة الى نفق لن تخرج دولها منه كما كانت، وينبغي عدم ترك التحكّم بخروجها منه لآخرين. في المقابل كان «فيتو» اوباما نفسه هو ما أحبط مشروعاً عربياً في مجلس الأمن لا يطمح لأكثر من وضع حدّ زمني لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبناء على التفاوض.

ورغم أن انقاذ المنطقة من الارهاب هدفٌ معلنٌ للحرب إلا أن العرب، داخل «التحالف» أو خارجه، لم يشعروا أبداً بأنهم سائرون على هذا الطريق. بل إنهم مقتنعون بأن ما جاء بـ «داعش» ليس موضع نظر ولا معالجة، لا سياسات ايران واسرائيل وجرائمهما، ولا انتهاكات النظامين العراقي والسوري وجرائمهما. ثم ان الاميركيين يميلون أكثر فأكثر الى التعامل مع صانعي الارهاب تحقيقاً لمصالحهم. ووفقاً للمعطيات الراهنة فإن المستفيدين من الحرب هم بالأحرى صانعو الارهاب، الذين لبسوا للمناسبة أزياء محاربته. اذ تخوض ايران الحرب برسم خطوط حمر لها في العراق كما في سورية، فلا قوات على الأرض إلا تلك التي تأتمر بضباط ايرانيين، ولا تسليح إلا للمجموعات التي اسستها ودرّبتها، ولا قرار تتخذه بغداد أو دمشق إلا بموافقة «خبرائها» ومندوبيها أو بالعودة الى المرشد عند الحاجة.

تخوض ايران الحرب غير مهتمّة بما يفعله «التحالف»، رغم أنها تستفيد من غطائه الجوي. وتقوم قوات من «الحرس الثوري» في العراق بعمليات قتالية في العراق، وترفدها ميليشيات «الحشد الشعبي»، كما فعلت أخيراً في محافظة ديالى التي أعلن هادي العامري قائد «منظمة بدر» تحريرها من قوات «داعش» لكنه تغاضى عن أعمال انتقامية ارتكبتها الميليشيات في قرى سنّية، من إحراق لمنشآت ومنازل للأهالي وعمليا اغتصاب، بل جمعت الرجال في قرية بروانة وعمدت الى تصفية سبعين منهم. ماذا يعني ذلك سوى تأجيج الصراع السنّي – الشيعي وإعادة انتاج الظروف التي أدّت الى ظهور «داعش» وانتشاره. يحدث هذا في ظل تحالف دولي لمحاربة الارهاب، ويقال للضحايا أن رئيس الوزراء أمر بفتح تحقيق في الأمر مع أن الأهالي اشتكوا من أن المجزرة حصلت بوجود «قوات حكومية».

وفي سورية كما في العراق تربط ايران «مساهمتها» الحربية بتقلّبات المفاوضات النووية والمفاوضات السياسية الجارية على هامشها. وعندما تقتضي الظروف فإنها تهزّ احدى «أوراق» نفوذها، فمجزرة بروانة تخدم أهدافها اذ تذكّر بأنها تمسك بمعايير التعايش والتنافر في العراق. والتوتير الأخير في الجولان السوري يأتي في السياق نفسه. كذلك تحريك الحوثيين في اليمن ليستكملوا طرد أي دعم خارجي للسلطة الشرعية، حتى لو كانت مدركة أنها تعبث في رمال متحركة يصعب التحكّم بها. لكنها في سورية، تحديداً، تتهيّأ لخلط الأوراق، فلديها خطة لإشعال جبهة الجولان، كمناورة أخيرة لضمان بقاء بشار الاسد ونظامه. ومنذ حرب عام 2006 في لبنان، وبلوغ الغارات الاسرائيلية الحدود السورية ثم تهديد اسرائيل بأن أي حرب مقبلة ستشمل سورية أيضاً، قرر الايرانيون التحضير للمواجهة التالية بتوسيع نطاق الجبهة ونصب منظومة صاروخية مترابطة بين جنوب لبنان والجولان، وفوّض اليهم نظام الاسد إعادة هيكلة خططه الدفاعية. بعد سلسلة غارات اسرائيلية خلال العامين الماضيين على مواقع في دمشق ومحيطها، استهدفت شحنات أسلحة وصواريخ متطورة مخصّصة لـ «حزب الله»، أعلن الاسد في ايار (مايو) 2013 أنه سيحوّل الجولان «جبهة مقاومة» وسيعهد بالمهمة الى مجموعات مقاومة، وهو ما ترجمه حسن نصر الله بعد أيام بالقول «سورية ستسلمنا أسلحة نوعية وجبهة الجولان ستُفتح».

بين النظام السوري واسرائيل «معادلة» أو «قواعد لعبة» ترقى الى عام 1974، قوامها الهدوء في الجولان في مقابل ضمان النظام في دمشق وتعهّده ضبط الفلسطينيين في لبنان. وقد استدرج هذا التعهّد موافقة دولية وعربية على وصاية سورية على لبنان، كما أتاح للطرفين اعتباره ساحة للصراع بينهما، تصعيداً وتنفيساً، ما لم يمنع اسرائيل من اجتياح لبنان أكثر من مرة (1978 و1982 ضد منظمة التحرير الفلسطينية، و1996 و2006 لمواجهة «حزب الله» ومن ورائه ايران). كان دخول ايران قد أخلّ بالمعادلة، خصوصاً بعد الانسحاب السوري من لبنان، لكن الانتفاضة الشعبية في سورية بلورت مصلحة مشتركة لإيران واسرائيل تمثّلت برغبتهما في بقاء نظام الاسد. وأخيراً اعتبر الايرانيون أنهم يقتربون من اتفاق مع الادارة الاميركية إلا أن «لوبي اسرائيل» سيقصيه، لذلك باشروا نشاطاً ميدانياً لتفعيل «المقاومة» في جبهة الجولان، أولاً لتحدي اسرائيل واستفزازها، وثانياً لمواجهة «ترتيبات تعايش» توصّلت اليها مع فصائل معارضة مسلّحة ناشطة في جنوب سورية، وثالثاً لتلميع النظام السوري وإظهار «خروجه» من الأزمة من بوابة الصراع مع اسرائيل.

لم تبدِ اسرائيل بدورها أي اهتمام بـ «التحالف الدولي»، فهي ليست جزءاً منه، وتعتبر مفهومه للارهاب «ناقصاً» إلا أنها تؤيد وجوده طالما أنه يفتح أمامها خيارات، كما فعلت بذهابها الى حرب ثالثة ضد غزة. فكما شكّل تنظيم «القاعدة» فرصة انتهزها آرييل شارون بدعم من ادارة جورج دبليو بوش للإجهاز على «عملية السلام» و»اتفاقات اوسلو» المنبثقة منها، يرى بنيامين نتانياهو أن «داعش» فرصة للدفع بأن طبيعة الصراع (العربي – الاسرائيلي) باتت دينية بحتة ولذلك فإن «الحرب على الاسلام» هي المطلوبة، ويتساوى في ذلك أن يضيف صفة «المتطرّف» الى الاسلام أو لا يضيفها، لأن ايمان المسلمين العاديين بقضية فلسطين وشعبها يقلق الاسرائيليين أكثر من عنف المتطرفين. ولذلك تبنّى نتانياهو داخلياً خيارات المجموعات الأكثر تطرّفاً في انتهاك المنشآت الدينية الاسلامية، ومن المؤكد أنه سيستغلّ الدعوة المفتعلة من الكونغرس لتضمين خطابه رسالتين: أولهما، أن العدو «العربي» مات ليظهر العدو «الاسلامي» بديلاً منه، وإذ أصبح الفرز الديني استحقاقاً ماثلاً فإن دعم اسرائيل صار يعني دعم يهوديتها لتنتصر على الاسلام. أما الرسالة الثانية، فهي أن البرنامج النووي الايراني لم يعد هو المشكلة ولا مصدراً للخطر، لكن «القنبلة» الحقيقية التي تمتلكها ايران هي نجاحها في صنع تطرّف اسلامي مسلّح ومنضبط، يعمل بإمرة نظامها، والأهم نجاحها في استغلال التطرّف الاسلامي غير الموالي لها…

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى