مقالات تناولت الشرع كبديل للأسد
الشرع … لمَ لا؟
رندة تقي الدين
اقتراح وزير الخارجية التركي احمد داوود أوغلو تسليم الرئاسة السورية لفاروق الشرع ثم تعليق الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على هذا الاقتراح «لمَ لا» غريب. فبشار الأسد ما زال في الرئاسة ولا احد من الأسرة الدولية يفعل شيئاً لإزاحته سوى بالكلام. بان كي مون يدعو إلى وقف إطلاق نار أحادي وكأن الثوار السوريين على الأرض لديهم طائرات أو أسلحة ثقيلة لوقف إطلاق النار. فبشار الأسد وجيشه مستمران في القتل لإزالة الذين يصفهم بإرهابيين وهم أبناء وبنات وأطفال بلده. إن صورة الأب السوري الذي يحمل ولده المقتول في الصحف العالمية مريعة ومؤلمة وتعكس تخلي الأسرة الدولية عن التدخل رغم كل ما يقال لإيقاف سفك الدماء وإزالة نظام قاتل. فكأن الدول النافذة في الأسرة الدولية على سحاب كل منها يتكلم ويدين ويقول إن على بشار الأسد أن يرحل ويوقف القتال ويقترحون رئيساً جديداً وأماكن محررة محمية بماذا؟ الولايات المتحدة لا تريد حظراً جوياً لأن هناك انتخابات رئاسية وأوباما لا يريد أي شيء. والولايات المتحدة لا تريد حكومة انتقالية من المجلس الوطني السوري لأن الأكثرية فيه إسلاميون. فرنسا تريد حكومة انتقالية. قطر لا تحبذ لأنها تريد مشروعها. والمعارضة السورية على الأرض تقاتل وتقتل وتتلقى قنابل جيش النظام والأسرة الدولية معطلة. لبنان بقي كذلك لمدة ١٥ سنة وكانت قيادات العالم تحاول وقف إطلاق النار ولكن في النهاية حافظ النظامان السوري والإسرائيلي على استمرار سفك الدماء بواسطة حلفائهما في لبنان. أما الآن والنظام السوري مستمر في جعل بلده جحيماً جاء الاقتراح التركي «العظيم» بترشيح الشرع رئيساً للبلد. الشرع الذي بقي لعقود وزير خارجية في عهدي حافظ وبشار الأسد الذي جعل منه نائباً له يقترحه الوزير التركي لقيادة بلده إلى المرحلة الانتقالية الديموقراطية. إنها مهزلة وربما تركيا بدأت تعد لدفعه إلى الانشقاق. فاروق الشرع الذي برع في ديبلوماسية بنموذج الاتحاد السوفياتي وحتى بنظام كوريا الشمالية والذي خلفه معلم الديبلوماسية السورية البارعة، هو الآن في نظر تركيا الأفضل لتولي الانتقال. هذا النائب الرئيس «الشجاع» الذي شهد مدينته تسقط تحت قصف وقتال رئيسه وبقي في السلطة رغم كل ما دار من إشاعات حوله اصبح الآن من بين كل السوريين الأفضل لقيادة البلد إلى الديموقراطية.
فعلاً إن الأسرة الدولية في ضياع وهذا البلد التركي العريق الذي انجز الكثير حتى الآن اقتصادياً واجتماعياً بدأ يفقد المقاييس لصعوبة الوضع العالمي المعطل إزاء الكارثة التي تحدث في سورية وسلاح الدول الكبرى الوحيد اصبح الكلام والتكرار: على بشار الأسد أن يرحل. إن الكارثة الإنسانية التي نشهدها في سورية مريعة والكلام إنها غير مقبولة كما قال بان كي مون وغيره ليس الواقع فهي لسوء حظ الشعب السوري مقبولة من الجميع طالما انهم لن يوقفوها فعلياً ويرحلوا هذا النظام.
الحياة
ورقة «الحل السياسي» تسابق ورقة «إشعال المنطقة»
عبدالوهاب بدرخان
ليس معروفاً لماذا جازف أحمد داود أوغلو بالدفع مجدداً باسم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع واعتباره «رئيساً مقبولاً» أو تميل المعارضة إلى قبوله. فلا يخفى على الوزير المحنّك أن مجرد تبرع مسؤول تركي غداة التقاصف الحربي بين البلدين بتفضيل شخص في النظام كبديل من رئيسه كفيلٌ بـ «حرق» هذا البديل ناهيك بتعريض أمنه الشخصي للخطر. وهو يعرف بلا شك أن امتداح الشرع كـ «رجل عقل وضمير ولم يشارك في المجازر» لا يرفع من أسهمه في دائرة القتلة التي تدير الحرب على الشعب السوري بل يحرضها ضدّه. في كل الأحوال بدا أوغلو كمن يقول للجميع إن الحل سيكون سياسياً في نهاية المطاف، وبالتعاون مع شخوص من النظام، وليس بإسقاطه عسكرياً.
هي عودة، قد تكون الأخيرة، إلى «السيناريو اليمني» بعد تنقيحه وتكييفه مع الوضع السوري، بما فيه من محاولة لإيجاد مخرج لرأس النظام وأعوانه، قبل أن تؤدي التطورات إلى إقفال كل المخارج. ولعل الوزير التركي كان يخاطب موسكو على الأخص، لأن الروس أول من غازل هذا السيناريو قبل نحو عام ثم توقفوا نهائياً عن تداوله متذرعين بأن بشار الأسد اعتبره غير قابل للنقاش. أي أنه لم يكن آنذاك باحثاً عن «مخرج» بل عن إنهاء الأزمة والبقاء في السلطة، حتى أنه لم يكن قد تحدّث عن «حسم (عسكري) قريب» ضد خصومه إذ عوّل على استغلال «الحل العربي» وتطويعه لمصلحته. فهل تغيّرت الظروف لتتيح طرح «السيناريو اليمني» مجدداً، وهل يمكن موسكو أن تستعيده وتعمل على تفعيله؟
قبل عام كان النظام لا يزال يراهن على الوقت ويرى جملة خيارات أمامه، أهمها «الحسم»، فجرّبه خصوصاً في حمص ثم حاوله بعدئذٍ في أكثر من موقع ولم يفلح، وأخيراً أصبحت دمشق وحلب بؤرتي «الحسم المضاد». وبات معلوماً أن داعمي المعارضة هم أنفسهم الذين يؤجلون تمكينها من الحسم ضد النظام بإحجامهم عن مدّها بالسلاح النوعي، اللازم والضروري، وتتفاوت أسبابهم ودوافعهم بين مَن يخشى على الأقليات (وعلى إسرائيل بالنسبة إلى الغربيين) إذا سيطر الإسلاميون ومَن لا يريد تكرار نموذج الفوضى العراقي أو الليبي.
وقبل عام كان القتل والمزيد منه يُترجَمان بأن النظام لا يزال قوياً ومسيطراً، وأصبح يعني الآن أنه أكثر غرقاً وتورّطاً، وكأن قوته النارية أثبتت ما عندها وفقدت فاعليتها أمام السلاح الأمضى، وهو الاستهانة بالموت، الذي شهره الشعب كاسراً كل حسابات النظام وحتى الآمال السرّية لكثيرين ممن يوصفون بأنهم «أصدقاء الشعب السوري». فلو وجد بعض هؤلاء فرصة سانحة لما ترددوا في استبقاء النظام (مع إصلاحات عميقة) لكنه لم يساعدهم أبداً، فكان تعنته بمثابة مساهمة لم يتقصدها في ثورة الشعب عليه.
وقبل عام لم يكن قد استشعر انعكاسات العقوبات الدولية وتضييق العزلة الدولية والعربية عليه، ولا بدّ أنه تيقن الآن أنها جعلته أكثر تبعية لحليفيه الروسي والإيراني اللذين يدعمان صموده صوناً لمصالحهم ولا يملكان أي حل سحري لإنقاذه. فحتى ورقة «إشعال المنطقة» لا تبدو محبّذة لدى الحليفين، فروسيا لن تتبنّاها إلا في حال قررت دول «الناتو» التدخل وهو ما لا تراه وارداً لكنها تتحوّط فتواصل التحذير منه، أما إيران التي جاءتها الضربة من ريالها المتدهور فتفضّل موقتاً ألا تواصل المناورة عند حافة الهاوية. ورغم أن موسكو تشاطر دمشق وطهران ضيقهما من الدور التركي الحاسم في دعم المعارضة، إلا أن الضغط الروسي للجم التصعيد الأخير كان بارزاً. لا يعني ذلك أن التوتر بين تركيا وقوات النظام سينحسر، فالنظام يستشعر خطراً قريباً آتياً في السعي إلى تمكين المعارضة من إكمال سيطرتها على الشمال لفرض منطقة عازلة – آمنة من دون الاستعانة بغطاء جوي دولي بل بدفاعات أرضية تشلّ مقاتلاته. ولا تمانع الدول الغربية مثل هذا المشروع الذي لا يتطلّب تدخلاً، لكن سبق لروسيا أن عارضته وليس واضحاً إذا كانت ستحاول جدياً إفشاله.
لم يتوقف الحديث عن «حل سياسي» في مختلف المراحل، سواء باعتباره – مبدئياً – الوسيلة الوحيدة لوقف القتال وإراقة الدماء أو بحثاً عن حل عقلاني يحافظ على وجود الدولة والجيش والمؤسسات. ولم ترفضه تشكيلات المعارضة كافة، بما فيها تلك العسكرية، كمؤدى منطقي للاحتجاج والقتال. إلا أن شروطه تبدّلت مع تصاعد العنف وبات بقاء النظام ورموزه من المستحيلات، كما أنه مرّ بتغيّرات وتقلّبات عدة، منها مثلاً أنه تراجع في الشهور الأخيرة لمصلحة الاحتكام للأرض ومعاركها، ومنها أيضاً أنه بلغ ذروته مع محاولة كوفي أنان في لقاء جنيف لـ «مجموعة الاتصال» في 30 حزيران (يونيو) الماضي إذ كان مشروعه قريباً جداً من «خيار فاروق الشرع» من دون تسميته لكن الآلية التي تصوّرها تفترض توافق الدول الخمس الكبرى، أو قل توافقاً أميركياً – روسياً، على «خيار تنحّي الأسد» كبداية لا بدّ منها للمرحلة الانتقالية. ومنذ أحبطت موسكو هذا الخيار، وبعد استقالة أنان، لم يعد هناك حل سياسي على جدول الأعمال. ولم تجد موسكو أي استجابة من الأطراف الأخرى لمحاولتها إحياء «اتفاق جنيف»، ربما لأن مبرراتها ودوافعها لإحباطه كشفت أنها تستخدمه في المساومة على مصالحها الخاصة مع واشنطن وليس في معالجة الأزمة. والواقع أن روسيا لا تقيم أي اعتبار لسقوط ثلاثين ألف قتيل أو أكثر، ولا تعتقد أن الدم يمكن أو يجب أن يتحكّم بالحل، وقد وجد ممثلو المعارضة أن محاوريهم الروس يستخفّون بالحديث عن الضحايا وأن تصوّرهم للحل السوري يستوحونه من «نموذجهم» في الشيشان حيث قتلوا عشرات الآلاف ثم فرضوا نظاماً تابعاً لهم في غروزني. يبدو أن اقتراب «ما بعد الانتخابات الأميركية» والآمال والأوهام المعلّقة عليه، وبلوغ الوضع الإقليمي ذروة التصعيد في المواجهة التركية – السورية، وجمود الوضع العسكري داخلياً لكن مع استمرار المجازر، كذلك شروع الأخضر الإبراهيمي في مهمته، أعادت تحريك ورشة «الحل السياسي». وهذا على الأقل ما أراد أحمد داود أوغلو الإيحاء به ملوّحاً بأن مثل هذا «الحل» محبّذ لكن سقفه بالنسبة إلى النظام وحلفائه لا ينفك ينخفض، فما بدا مقبولاً على مضض عشيّة «لا اتفاق جنيف» لم يعد مقبولاً الآن، وما بدا متاحاً بالنسبة إلى الأسد عبر «السيناريو اليمني» قبل عام – واليوم! – قد لا يتاح أبداً بعد اليوم، وبالتالي فإن عليه أن يختار بين «استراتيجية الانتحار» التي يندفع إليها و»استراتيجية الخروج» التي لن تبقى معروضة عليه إلى ما لا نهاية. فالروس يبالغون في العنت والابتزاز، لكنهم مدركون أن العالم الذي سكت على جرائمهم ونظامهم في الشيشان قد تغيّر ولا يمكن فرض النظام السوري وجرائمه عليه. أما الولايات المتحدة فسيكون عليها، خصوصاً بعد التجديد لباراك أوباما، أن تبرهن أنها لا ترغب في إدامة الأزمة في سورية، وفقاً لشكوك أصدقائها وخصومها. فلا التمديد للاضطراب في المنطقة خيار مسؤول ولا اعتماده والتذرع به يشكل سياسة مجدية وذات صدقية. والأكيد أن افضل وسيلة لترجيح حل سياسي حقيقي تكمن في مواصلة دعم المعارضة عسكرياً لتتمكن من تشكيل ضغط أكبر على النظام، فالمساران مترابطان ولا يعطل أحدهما الآخر.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
الشرع بديلا للأسد!
طارق الحميد
يقول وزير الخارجية التركي إنه من الممكن أن يحل فاروق الشرع مكان بشار الأسد على رأس حكومة انتقالية تؤدي إلى وقف النزاع المستمر في سوريا منذ أكثر من 18 شهرا. وأضاف السيد أوغلو أن الشرع «رجل عقل وضمير ولم يشارك في المجازر»، مؤكدا أن المعارضة «تميل إلى قبول الشرع». فهل هذا الأمر ممكن؟
بالطبع كون هذا التصريح صادرا عن رجل بحجم وزير الخارجية التركي، فإنه أمر لا يمكن تجاهله، لكن الغريب في هذا المقترح القديم – الجديد أنه سبق طرحه، وبطرق مختلفة، ومنذ بداية التحرك العربي في الأزمة السورية، ورفض رفضا تاما من قبل الأسد الذي سارع وقتها بتعيين وزير مختص لمحاورة المعارضة. فلماذا يعود هذا المقترح الآن مرة أخرى، وعلى لسان وزير الخارجية التركي؟
المنطق يقول، خصوصا أن الواضح هو أن المسؤولين في منطقتنا لا يكترثون كثيرا بالرأي العام، والدليل حجم الصمت تجاه ما يحدث في المنطقة.. المنطق يقول إن إعادة طرح فكرة تولي الشرع مرحلة انتقالية في سوريا هدفها تجديد الفكرة على أمل أن تحظى بدعم من قبل الروس والإيرانيين، على اعتبار أن يكون مخرج الأزمة السورية هو خروج الأسد، وليس سقوط النظام. وفي هذه الجزئية تحديدا، فقد سبق لمسؤولين عرب أن سمعوها صريحة من المسؤولين الروس الذين قالوا لهم: لماذا كان من المقبول خروج مبارك في مصر وبقاء النظام، بينما يجب إسقاط النظام كاملا في سوريا، وليس خروج الأسد فقط؟
ومن هنا يبدو أن إعادة المقترح الخاص بأن يقود الشرع المرحلة الانتقالية في سوريا هو من أجل تطمين الروس والإيرانيين بأن نفوذهم في سوريا لن يتهاوى في لحظة، وإنما من خلال قبولهم بالشرع، فإنهم يقبلون بأقل الضرر. لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة بطبيعة الحال، خصوصا أن المعارضة السورية باتت اليوم لا تفرق بين أعضاء النظام الأسدي كلهم، لا سيما ونحن نرى الاتهامات التي توجه لمستشارة الأسد على خلفية قضية الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، كما أن لدى المعارضة السورية مكاسب حقيقية على الأرض لا يمكن التفريط فيها بسهولة، ومن خلال تقديم تنازلات لأحد أركان النظام الأسدي، وإن كان الشرع. وهنا يجب أن نتنبه إلى خبر لافت؛ وهو الاجتماع الذي عقده في عمان وزير الخارجية الأردني ناصر جودة مع رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، والذي بحث «تطورات الأوضاع على الساحة السورية»، بحسب وكالة الأنباء الأردنية الرسمية، مما يعني أن لدى المعارضة السورية خيارات أخرى قادرة على تولي مرحلة ما بعد الأسد!
وعليه، فليس من السهولة تخيل حل على طريقة مقترح إنابة مبارك للراحل عمر سليمان، فالأوضاع على الأرض في سوريا مختلفة تماما، إلا في حال كانت هناك «طبخة» مستوية، لا يعلم عنها أحد، وهذا أمر لا يوجد ما يدعمه لهذه اللحظة، فلا الأسد بالعاقل؛ ولم نر من روسيا وإيران ما يوحي بأي إشارات جادة. وهنا يبقى سؤال مهم وهو: هل يريد الأتراك القول بأننا فعلنا كل ما في وسعنا، لكن الأسد وإيران وروسيا لم يستمعوا إلينا؟ ربما.
الشرق الأوسط
سوريا غير اليمن والأسد غير صالح والشرع ورقة محروقة!
صالح القلاب
لا جديد فيما اقترحه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بالنسبة لتولي نائب الرئيس السوري فاروق الشرع مسؤولية الحكم في البلاد لفترة انتقالية يتنحى خلالها بشار الأسد جانبا ويترك مسؤولياته لنائبه دون أن يتقدم باستقالته ويترك موقع رئاسة الجمهورية، فالمسألة بقيت مطروحة منذ أن كانت هناك المبادرة العربية، ولذلك فإن أغلب الظن أن طرحها الآن من قبل تركيا هو من قبيل ما يسمى بـ«وهم الحركة»، ومن قبيل تعبئة الفراغ بعدما انتهت كل محاولات الحلول السابقة إلى الارتطام بأبواب مغلقة.
لكن رغم أن هذا الذي قاله داود أوغلو، والذي هو تجديد لاقتراح سابق لم يحرز أي تقدم ولو بخطوة واحدة، قد فاجأ معظم الأطراف المعنية من فصائل المعارضة السورية والجيش السوري الحر إلى العرب المتابعين لهذه المسألة إلى الإيرانيين والروس والأوروبيين والولايات المتحدة الأميركية، فإن هناك من يرى أن وزير الخارجية التركي قد لجأ إلى ما لجأ إليه ليس من قبيل «وهم الحركة» ولا على أساس ما يسمى «قوة الدفع» وإنما من قبيل جس نبض إيران ومعرفة ما إذا كانت قد أصبحت مستعدة للتخلص من المأزق السوري والخروج منه بحفظ ماء الوجه بعدما أصيبت بهذه الأزمة الطاحنة وبعد كل هذا الانهيار المدمر الذي حل بعملتها الوطنية الـ«تومان»!!
ويقال أيضا إن داود أوغلو أراد من خلال العودة للتذكير بذلك الحل السياسي «القديم»، لأزمة غدت على كل هذا المستوى من التعقيد والخطورة، الذي عنوانه: «مرحلة انتقالية في سوريا يتحمل مسؤولية الحكم خلالها فاروق الشرع» أن يعرف مستجدات الموقف الروسي، وخاصة أن هناك معلومات مؤكدة تقول: إن غالبية «الطبقة السياسية» الروسية باتت تعارض السياسة التي ينتهجها فلاديمير بوتين تجاه المشكلة السورية، وإن هناك مؤشرات على بدايات انسحاب روسي بطريقة التسلل البعيد عن الصخب والخبطات الإعلامية من هذه الأزمة، من بينها سحب كل الخبراء والفنيين والمستشارين الروس من سوريا، والتخفيف على نحو واسع النطاق من أعداد الجالية الروسية في هذه الدولة المرشحة للمزيد من الاضطرابات والقلاقل، وتفريغ القاعدة البحرية الروسية في طرطوس من كل العاملين فيها والإبقاء على اثنين فقط من هؤلاء العاملين قد يجري سحبهما أيضا إن تطورت الأمور نحو المزيد من التحولات المأساوية.
وبالطبع فإن هناك من يرى أيضا أن أوغلو قد بادر إلى هذه الخطوة للتأكيد للعالم بأن بشار الأسد مستمر في رفض كل الحلول السياسية (السلمية) للأزمة المتفاقمة التي تعيشها بلاده، وأنه يصر على الاستمرار في العنف والمزيد من العنف، ومصر أيضا على مواصلة استفزاز تركيا والتحرش بها، وأنه في ظل هذا كله لم يعد هناك إلا العمل العسكري، فالأوضاع السورية المتردية باتت تشكل صداعا مؤلما للعالم بأسره، وغدت تهدد أمن الشرق الأوسط وأمن هذه المنطقة كلها، وبالتالي فإنه لا بد من التخلي عن ميوعة المواقف السياسية، وعن التردد الذي أوصل الأمور في هذا البلد إلى ما وصلت إليه، والذي إن لم يتم وضع حد له وبسرعة فإن سوريا ذاهبة إلى الانقسام والتشظي، وإلى حرب أهلية طاحنة ستكون لها انعكاسات أمنية خطيرة فعلا على كل الدول المجاورة.
وهنا فإن البعض يذهب في تقدير ما أراده وزير الخارجية التركي بالتذكير بفكرة الحل السياسي المستند إلى فترة انتقالية يتولى خلالها فاروق الشرع مسؤوليات بشار الأسد دون تنحيه ولا استقالته إلى حد الاعتقاد بأن أوغلو أراد استغلال احتدام معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية لإلزام أي من المرشحين في حال فوزه بتخلي الولايات المتحدة عن موقفها الذي بقي يتسم بالتردد وبالميوعة خلال كل شهور الأزمة السورية المتصاعدة، وللإيضاح لهما أن هذا النظام السوري يرفض كل الحلول السلمية، وأنه لم يعد ينفع معه إلا حل القوة العسكرية الذي يتطلب تزويد الجيش السوري الحر بكل ما يحتاجه من أسلحة متطورة، والذي يتطلب أيضا إنجاز فكرة المناطق المحمية في الأجزاء الشمالية السورية.
في كل الأحوال فإنه لا بد من التذكير بأن فكرة ضرورة إنجاز حل سياسي لإنهاء الأزمة السورية على غرار الحل اليمني، الذي كان في حقيقة الأمر نتيجة جهد مجلس التعاون الخليجي وليس نتيجة لجهد عربي، من خلال الجامعة العربية أو من خارجها، ولا جهد دولي من خلال الأمم المتحدة، كانت فكرة مبكرة بدأها العرب من خلال جامعتهم، ثم انتقلت إلى كوفي أنان باعتباره مندوبا عربيا ودوليا، ثم انتقلت إلى الأخضر الإبراهيمي الذي يقوم الآن بمهمة في غاية التعقيد والصعوبة هذا إن هي لم تكن مستحيلة.
وهنا فإن الضرورة تقضي بإيضاح أنه لا يوجد أي وجه شبه بين الأزمة السورية والأزمة اليمنية حتى يجري الحديث عن حل سياسي لسوريا على غرار الحل السياسي اليمني، ففي اليمن هناك قوى معارضة مؤطرة ومتبلورة ولديها مشروع واضح ومتفق عليه، يقابلها كل هذا التشتت الذي تعيشه المعارضة السورية، ثم إن العنف في اليمن لم يصل إلى الحد الذي وصل إليه في سوريا، وأعداد القتلى والجرحى والمشردين والمهجرين والمفقودين تكاد تكون معدومة هناك مقارنة بما جرى ولا يزال يجري هنا، وكذلك فإن الجيش اليمني بصورة عامة بقي على الحياد ولم يفعل ما فعله الجيش السوري بشعبه، وأيضا وفوق هذا كله فإن الأحداث اليمنية بقيت محصورة بصورة عامة في صنعاء وتعز، بينما لم تبق ولا حتى قرية صغيرة، باستثناء المناطق العلوية في جبال النصيريين، إلا وشملتها الاضطرابات والمجازر المتواصلة في كل المناطق السورية من البوكمال شرقا وحتى اللاذقية في الغرب، ومن باب الهوى في الشمال وحتى تل شهاب في الجنوب.
وأيضا وبالإضافة إلى هذا كله، فإن هناك فرقا كبيرا بين فاروق الشرع وعبد ربه منصور هادي، فالأول جاء إلى موقعه الحالي وإلى موقع وزير الخارجية الذي سبقه كـ«مكرمة» من الرئيس السوري بشار الأسد، وهو بقي في هذا الموقع موظفا نمطيا مهيض الجناح، بينما الثاني جاء نائبا لرئيس الجمهورية علي عبد الله صالح كممثل للشطر الجنوبي من البلاد بعد استقالة علي سالم البيض، ثم وفوق هذا فهو أحد كبار ضباط القوات المسلحة، وهو يعتبر من المقربين جدا من المعارضة اليمنية.
وهنا لا بد من الإشارة مجددا إلى أن هذا «المشروع» بقي مطروحا خلال الفترة الماضية كلها، وأن التوقف عنده جديا لم يتم إلا في مؤتمر جنيف الشهير، حيث رفض الروس الموافقة على تمسك الأميركيين بضرورة أن يتنحى بشار الأسد نهائيا مع بداية هذه المرحلة الانتقالية الآنفة الذكر، وألا يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة التي من المفترض إجراؤها في عام 2014، فانتهى هذا الموضوع نهائيا عند هذا الحد ولم يتم التطرق إليه قبل تصريحات وزير الخارجية التركي إلا على نطاق ضيق أولا من قبل الرئيس المصري محمد مرسي ومن خلال ترويجه للجنة الاتصال الرباعية، وثانيا من قبل الأخضر الإبراهيمي.
في كل الأحوال.. وإن ما يجعل هذا المشروع غير قابل للإنعاش إطلاقا أنه من المستبعد جدا أن يوافق عليه بشار الأسد حتى وإن لم تبق له أي سيطرة إلا في «القرداحة» وحدها، وهنا فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أنه سيتم التخلص من فاروق الشرع بأحد الأساليب الاستخبارية السورية المرعبة إن هو فكر حتى مجرد تفكير بأن يستجيب لهذه الرغبة العربية والدولية.
الشرق الأوسط
الشرع بدلا عن الأسد.. هل انتهت “الثورة” السورية؟
عريب الرنتاوي
الترحيب الذي قوبل به المقترح التركي بتولي نائب الرئيس فاروق الشرع إدارة مرحلة الانتقال في سوريا، من قبل أطراف واسعة في المعارضة المسلحة وبعض داعميها الإقليميين والدوليين، يعكس على ما يبدو، وصول هذه الأطراف إلى ما يشبه اليأس من إمكانية تغيير النظام، وجنوح بعضها للعمل بنظرية “ما لا يُدرك كله…لا يُترك جُله”، فيما بعضها الآخر، سيجادل في جدوى تقديم ثلاثين ألف شهيد من إجل استبدال الشرع الرئيس بنائبه؟!
حتى الآن، ما زلنا أمام “مقترح” عام وفضفاض…ثمة سيل من الأسئلة والتساؤلات التي تنتظر من يجيب عليها: من أين سيأتي الشرع بصلاحياته، من الرئيس أم من غيره؟…هل يتعين على الأسد أن يتنحى عن الحكم خلال مرحلة الانتقال، أم أنه سيكتفي بتفويض بعض أو كثير من صلاحياته لنائبه؟….كم هي الفترة التي سيبقى فيها الأسد في سدة الحكم، قبل أن يتنحى؟…هل سيعتزل العمل السياسي، أم أنه كنظيره اليمني، سيمارسه خارج القصر الجمهوري بعد التنحي؟….هل المطلوب تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة أم في موعدها، بمرشح انتقالي توافقي (على الطريقة اليمنية) أم في انتخابات تنافسية؟…هل سيُتاح للأسد خوضها أم سيطلب منه إعلان رسمي بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة؟
أسئلة وتساؤلات لم تشغل اهتمام الأوساط السياسية والدبلوماسية بعد، حتى تلك التي رحبت بالاقتراح التركي، ربما لأنها تشعر أن الحديث في المسألة السورية، قبل الانتخابات الأمريكية، هو ضرب من العبث واللعب في الوقت الضائع…وربما لأن الأطراف ذاتها، وهي تنظر بعين القلق للتجربة اليمنية الانتقالية، ليست شديدة الطمأنينة لإعادة إنتاجها في سوريا، فالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، مازال الرقم الأصعب في اليمن، وهو وعائلته وائتلاف العشائر والمليشيات التي تحيط به وتدعمه، نجحوا حتى الآن في تحويل الرئيس الإنتقالي إلى ما يشبه “الألعوبة” في أيديهم، ثم أن مشاكل اليمن، بعد “الانتقال” ازدادت تعقيداً عما كانت عليه قبله: حراكات الجنوب تزداد تعقيداً، الحوثيون يتلقون عروضا تحالفية من صالح، القاعدة تتحول إلى مصدر استراتيجي للتهديد، الفقر والجوع يعصفان بالبلاد والعباد، الفساد والفوضى الأمنية..إلى غير ما هنالك، من مشكلات تبدو كل واحدة منها، “أم الأزمات”.
قبل عدة أشهر تحدث الملك عبد الله الثاني عن الأزمة السورية، متسائلاً عن مغزى وأهمية التركيز على شخص الأسد دون الاعتناء بمستقبل النظام ككل..وقبل أيام، أعاد الأخضر الإبراهيمي طرح المشكلة ذاتها بطريقة أخرى، حين قلل من الأهمية التي توليها بعض الأطراف لإسقاط الأسد أو تنحيه، مذكراً وهو الخبير في الحرب الأهلية اللبنانية، بأنها بدأت بالمطالبة بتنحي الرئيس سليمان فرنجية، واعتبار ذلك مقدمةً للحل وشرطاً له. استقال فرنجية وجاء إلياس سركيس ومن بعده الأخوين بشير وأمين الجميل، وحكومتي سليم الحص وميشيل عون الانتقاليتين، من دون أن تنتهي الحرب الأهلية أو أن يتوقف سفك الدماء، إلى أن نضجت شروط “الصفقة” إقليميا ودولياً، وكانت ولادة “اتفاق الطائف”.
خلاصة القول: أن الأسد قد يُقال أو يستقيل، قد يسقط أو يتنحى، قد يفوض صلاحياته لنائبه أو لهيئة انتقالية…لكن الأسئلة الأهم من كل هذا وذاك وتلك، هي: هل سيضع ذلك حداً لإراقة الدماء في سوريا؟…هل سيتوقف القتل والتخريب والتدمير؟…هل سيُعتبر ذلك كافياً لأطراف محلية وإقليمية ودولية، لها مروحة واسعة من الوكلاء والعملاء المدججين بالسلاح والكراهية؟..هل سيقبل “النظام” بالشرع بديلاً عن الأسد أم رديفاً لـ”تقطيع مرحلة انتقالية”؟…هل يمكن أن تنشأ بدائل أخرى من رحم المؤسسة العسكرية و”الطائفية” زيادة في بث الطمأنينة والاطمئنان؟….هل سيفعلها “النظام” على طريقة “بيدي لا بيد عمرو”..فيفرض هو بدائله عبر “انقلاب مدبر” أو”ترتيب داخلي” يضمن له الخروج بأقل الخسائر الممكنة؟
منذ أن أصبح شعار تبديل رأس النظام وليس إسقاطه وتغييره، هو الشعار الناظم للمعارضة وداعميها ورعاتها، فإن المسألة السورية تكون قد دخلت في “بازار” المقايضات والتسويات، وأحسب أن مقترح أوغلو حول الشرع، ليس سوى “المبادرة الافتتاحية” والمؤكد أن مبادرات أخرى ستليها على وقع المعارك الدامية في حلب وغيرها، إلى أن يرسو المزاد الإقليمي والدولي على “طائف سوري”، المؤكد أنه لن يكون في الطائف هذه المرة.
*نقلاً عن “الدستور” الأردنية.
الشرع كبديل للأسد
عبد الباري عطوان
يتصرف بعض المسؤولين الأتراك، ومن بينهم السيد احمد داوود اوغلو وزير الخارجية، وكأنهم مستشرقون اجانب يعتمدون على مصادر ثانوية في تقييمهم للأوضاع في منطقة الشرق الاوسط. وخاصة ما يجري في سورية حاليا من حرب اهلية طائفية مسلحة طاحنة.
السيد داوود اوغلو فاجأنا امس بتصريحات قال فيها ان السيد فاروق الشرع انسان متعقل وصاحب ضمير ويصلح ان يكون بديلا للرئيس السوري بشار الاسد، من اجل ايقاف الحرب في سورية.
يبدو واضحا، ومن خلال هذا التصريح، ان معرفة السيد اوغلو بالشرع محدودة، والشيء نفسه عن عقلية الرئيس الاسد، وطريقة ادارته للأزمة، والمجموعة المحيطة به، فحتى يتولى السيد الشرع هذه المهمة، يجب ان تتوفر ثلاثة شروط مهمة:
*الاول: ان يوافق السيد الشرع بعد حصوله على ضمانات داخلية وخارجية قوية بأن يكون رجل المرحلة الانتقالية، وهذه الموافقة لم تصدر، ولا نعتقد انها يمكن ان تصدر.
*الثاني: ان يقبل الرئيس بشار الاسد ان يتنحى ويترك الحكم، ولا يوجد اي مؤشر على ذلك، وما نعرفه، ومن خلال تصريحات المسؤولين السوريين مثل السيد وليد المعلم وزير الخارجية، انه لن يكون هناك اي حوار الا بعد تطهير سورية من ‘الجماعات الارهابية’، وسحق المؤامرة الخارجية التي تستهدفها.
*الثالث: ان تظهر بوادر حسم في جبهات القتال لصالح احد الطرفين المتقاتلين، اي الجيش النظامي ومن يتحالف معه من ميليشيات، والجيش الحر ومن ينضوي تحت مظلته من كتائب اسلامية متشددة. وحتى كتابة هذه السطور ما زالت المعارك مستمرة في حلب وادلب بشراسة دون تحقيق تقدم حقيقي ملموس لصالح هذا الطرف او ذاك.
انا اعرف السيد الشرع شخصيا، حيث التقيته عدة مرات داخل سورية وخارجها، كما اعرف ابنه مضر الشرع وأسرته، وهو يعمل طيارا في الخطوط الجوية القطرية منذ سنوات، وهي وظيفة استحقها عن كفاءة ومقدرة، وبعد ان ضاقت في وجهه سبل العيش في سورية، ورفض والده ان يستخدم نفوذه ويتوسط له للعمل في الخطوط الجوية السورية.
‘ ‘ ‘
الرجل عروبي حتى النخاع، ويكره الاستعمار الغربي بكل صوره، والامريكي على رأسه، مثلما كان يتخذ مواقف حادة من محور دول الاعتدال العربي التي كانت تمثل رأس حربة لهذا الاستعمار في المنطقة، وهو غير مرحب به في معظم هذه الدول، والمملكة العربية السعودية خاصة، بسبب هذه المواقف، وها هي الأيام تثبت مدى صحة وجهة نظره بالنظر الى دعم هذه الدول للمعارضة السورية المسلحة.
استغربت كثيرا الانباء التي ترددت حول رغبته بالانشقاق اسوة بآخرين، لأني اعرف مسبقا، وارجو ان لا اكون مخطئا، ان الرجل ليس على ارتباط بأي قوى خارجية، عربية او اجنبية، تسهل له عملية الانشقاق هذه، مثلما حدث مع العميد مناف طلاس او غيره، ويفضل ان يظل في دارته المتواضعة في احد احياء دمشق طيلة حياته على ان يغادرها مقابل اغراءات مالية او سلطوية، وما اكثرها لمن يريد ان ينشق هذه الايام.
قد يختلف السيد الشرع مع بعض ممارسات النظام، وسياساته الامنية القمعية على وجه الخصوص، ومن غير المستبعد ان يكون قد استاء او غضب كثيرا مما حدث لأبناء عشيرته في درعا من اذلال لوجهائها واطفالها على يد محافظ جاهل مغرور دموي، مثل معظم رجالات المؤسسة الأمنية للنظام، لكن الرجل لم يكن مناطقيا، وكيف يكون ذلك، وهو الذي يؤمن بالوحدة العربية ايمانا راسخا ولم يتزحزح ايمانه مليمترا واحدا.
يخطئ السيد داوود اوغلو اذا كان يعتقد ان الأزمة في سورية يمكن ان تحلّ بايجاد بديل سني لرأس النظام الذي يراه علويا طائفيا، فالمحاصصة الطائفية التي طبقها الجنرال بريمر في العراق بمساعدة السيد الاخضر الابراهيمي مندوب الامم المتحدة في حينها، بعد سقوط بغداد، هي التي ادت الى تمزيق هذا البلد، وطمس هويته الوطنية الجامعة، وسقوطه في مستنقع الحكم الطائفي.
المشكلة في سورية تتلخص في غياب الحريات والقمع واذلال المواطن السوري وسحق كرامته وآدميته من قبل الأجهزة الامنية، وتغوّل الفساد، وانعدام الديمقراطية والقضاء والتعددية السياسية.
الحلول الأمنية التي طبقها النظام على مدى العشرين شهرا الماضية فشلت في سحق المعارضة، ولجوء الاخيرة الى السلاح، بعد فشل كل محاولات استجداء التدخل الخارجي، فشل ايضا في اسقاط النظام او حماية الشعب من بطشه، بدليل تضاعف اعداد القتلى يوميا، ونزوح حوالى خمسة ملايين سوري داخل البلاد وخارجها.
المعارضة السورية او بالأحرى جزء من الشعب السوري الثائر ضد النظام، تعرّض لاكبر خدعة في تاريخ المنطقة، عندما اعتمد على الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها العرب، وصدّق اقوالهما حول التزامهما بإطاحة النظام السوري، فلا النظام سقط، ولا هو شعر بالأمان، بل تحوّل الى شعب لاجئ مهجّر ينظر بحزن وأسى الى بلده المدمر، ويحتاج الى اكثر من مئة مليار دولار لاعادة بنائه، ناهيك عن الدمار النفسي والبشري، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء، واستنزاف جيشه وتقويض دولته ومؤسساتها.
‘ ‘ ‘
ندرك جيدا ان كلامنا هذا لن يعجب الكثيرين الذين يعيشون في اماكن آمنة مريحة، او اولئك تجار الحروب، او بعض القوى الاقليمية التي تقاتل حتى آخر مجاهد سوري لاسباب طائفية او لأهداف اقليمية نعرفها ويعرفونها جيدا، ولكننا سنقول كلمتنا هذه من منطلق الحرص على سورية وشعبها الطيب صاحب التاريخ العريق في التضحيات.
مرة اخرى نحذر من ان سورية تتفكك جغرافيا، مثلما تتفكك ديموغرافيا وطائفيا، وهذا هو الأخطر في رأينا، وتركيا بدأت تدير الظهر للشعب السوري الذي راهن بعضه عليها، وامريكا بدأت تعيد النظر في مواقفها خوفا من الجماعات الاسلامية المتشددة، حسب ما يقول خبراؤها ومسؤولوها، وتصدر اوامرها لبعض عرب الخليج بوقف ارسال الاسلحة الى المقاتلين في حلب ودير الزور وادلب وريف دمشق.
المطلوب تيار سوري ثالث يخاطب الشعب بالحقائق، وبشجاعة، ويعمل على وضع حد لشلال الدم بعيدا عن المزايدات واتهامات التخوين، والاعتماد على الخارج الذي خذل السوريين لانه لم يكن ابدا يريد مصلحتهم، وانما تدمير بلدهم.
القدس العربي
تسويق فاروق الشرع؟
عماد الدين أديب
وزير الخارجية التركي ينصح بتولي فاروق الشرع الحكم بدلا من بشار الأسد، ورجب طيب أردوغان ينصح بشار بالتعقل وأن «يضع عقله في راسه» ويحجم عن الأعمال العدوانية تجاه شعبه، والجيش السوري الحر يهدد حزب الله بنقل القتال إلى الضاحية الجنوبية في بيروت! كلام في التفاوض وكلام في التهديد، ما يؤشر إلى تسوية وما يؤشر إلى العكس تماما، ما يعطي انطباعا في السيطرة على الموقف داخل سوريا، وما يناقضه تماما باتساع مسرح الأحداث ليشمل الضاحية في بيروت وطرابلس والحدود الأردنية والشريط الحدودي بين تركيا وسوريا.
إشارات متناقضة في كل الاتجاهات ولا أحد يعرف بالضبط أين ومتى سوف يتوقف قطار الجنون الذي يقوده نظام بشار الأسد؟
عند أي محطة سنصل.. هل عند محطة الاغتيال أم التنحي أم الهروب أم التسوية أم تسليم السلطة لفاروق الشرع أم استمرار بحار الدم الحالية؟ حتى الآن، وحتى كتابة هذه السطور، ما زال سيناريو الجنون واستمرار مجازر الدم هو المعتمد رسميا لدى النظام الأسدي.
ما زال منطق الأمن أننا نتقدم بخطى واسعة في «تطهير البلاد من المخربين» (الثوار)، وما زال منطق الإعلام الرسمي «أننا قبل العيد الكبير سوف نرفع رايات النصر»!
من ناحية أخرى توقفت طويلا أمام خطاب عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري المعارض الذي يؤكد فيه «عدم وجود أي خلاف مع أي عضو من أعضاء حزب البعث السوري الحاكم طالما لم يشارك في القتل، وهذا ما ينطبق على فاروق الشرع كشخصية قابلة للحوار والتفاوض». ولست أعرف بالضبط هل يمكن سياسيا قبول الترشيح التركي لفاروق الشرع ليصبح «البديل» الموثوق فيه من النظام الأسدي والمقبول تركياً، والذي لا اعتراض عليه من المعارضة؟
هل نحن الآن في مرحلة تجربة تجهيز المسرح سياسيا لتقديم عرض «بانتقال سلس» للسلطة بعد بحار من المجازر الدموية؟
محاولة تسويق فاروق الشرع هي بضاعة تركية لا أعرف بالضبط إذا كانت ستجدي وستجد أي قبول من قبل المقاتلين والمجاهدين على ساحات القتال.
في الحالة السورية علينا أن نفرق بين الذي يقاتل على الأرض والذي يفاوض في أنقرة أو باريس.
هل فاروق الشرع هو اللواء عمر سليمان النظام السوري بمعنى هل هو الرجل «الجسر» الانتقالي بين نظام قديم وآخر جديد؟
وهل تنجح عملية تسويق الشرع في الشارع السوري؟
أعتقد أن الإجابة ما زالت مرتبطة بالرئيس بشار.
الشرق الأوسط
الغزل التركي بفاروق الشرع
الياس حرفوش
ربما كانت هذه أسوأ بطاقة توصية يمكن أن تعطى لشخص ما لدعم ترقيته إلى وظيفة جديدة، فأقل ما يقال عن اقتراح وزير خارجية تركيا احمد داود أوغلو بتكليف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قيادة المرحلة الانتقالية في بلاده، أنها ستقطع أي طريق محتمل لأي دور للشرع في مستقبل سورية، هذا إذا كان له دور فيها أصلاً بعد العزلة التي يجد نفسه فيها في هذه الفترة، وبعد الشكوك على أعلى مستويات القيادة حول موقفه منذ انطلقت الثورة من مدينته درعا.
ليس جديداً تداول اسم الشرع في هذا السياق، فقد جاء في اطار طرح «الحل اليمني» للأزمة السورية منذ اقترحت المبادرة العربية هذا الحل في مطلع هذه السنة كمخرج معقول يقوم على أساس تضحية الرئيس بشار الأسد بنفسه في مقابل المحافظة على النظام. غير أن داود أوغلو زاد على الاقتراح العربي صفات أضفاها على الشرع، من النوع الذي يزيد من حذر الرئيس السوري من نائبه، فقال إن الشرع رجل «متعقل وذو ضمير ولم يشارك في المجازر». وهذا تلميح مقصود إلى أن الأسد يفتقد هذه الصفات. وأضاف داود أوغلو قناعته بأن الشرع ما زال موجوداً في سورية، ما يفهم منه أن هناك اتصالات قائمة بين نائب الرئيس السوري والجانب التركي تؤكدها معرفة مكان إقامته. وسوف يضيف إلى انزعاج القيادة السورية، أن هذه الشهادة تأتي من الطرف الإقليمي الذي يعتبره رأس النظام السوري مصدراً للمتاعب التي يعاني منها، ومركزاً لتصدير «الجماعات الإرهابية» إلى بلاده.
يستدعي كلُّ هذا التساؤلَ عن مغزى توقيت هذه الإشادة التركية بالشرع، وعن معنى حرق أوراقه في سورية في هذه المرحلة، مع أن البديهي الذي بات معروفاً، أن أفق «الحل اليمني» أصبح مسدوداً في سورية منذ فترة طويلة، في ظل اقتناع الأسد والمقربين منه أنهم قادرون على الحسم العسكري ضد المعارضة، وهو ما أكده وزير خارجية إيران علي اكبر صالحي مؤخراً، نقلاً عن الأسد. هل يعود السبب إلى إدراك أنقرة أن المأزق الذي بلغته الأزمة السورية بات مأزقاً لها أيضاً، وهو بحاجة إلى حل سريع، إذ على رغم التفويض الذي حصلت عليه حكومة رجب طيب أردوغان من البرلمان باستخدام الجيش في عمليات خارجية عبر الحدود مع سورية، إلا أن الواضح أن تركيا غير مستعدة للذهاب إلى حرب واسعة النطاق مع سورية، للرد على التحرشات ومحاولات الاستدراج السورية المتكررة، وذلك في غياب أي غطاء أطلسي او غربي لتوسيع العمليات التركية في الأراضي السورية.
يبقى السؤال عن مدى تنسيق داود أوغلو مع المعارضة السورية لاقتراح الشرع كبديل مقبول، فعلى رغم قول الوزير التركي إن الشرع لم يشارك في المجازر أو في الاجتماعات الأمنية التي تخطط للعمليات العسكرية، وإشارته إلى أن المعارضة السورية تميل إلى قبول الشرع لإدارة المرحلة الانتقالية، إلا أن الأوساط الفاعلة في المعارضة لا تبدي ترحيباً بالاقتراح التركي، أولاً لأنها تعرف سلفاً أنه مرفوض من جانب الأسد، وأصبح الآن مرفوضاً اكثر بسبب تبني أنقرة له. ثم إن المعارضة تعتقد أن الأزمة السورية تجاوزت نقطة المحافظة على جسم النظام واستبدال رأسه فقط، وباتت مقتنعة بضرورة التغيير الجذري في البنية السياسية السورية بكاملها.
وهو ما يعيدنا مرة اخرى إلى السؤال عن الهدف من وراء إحراق تركيا لأسهم فاروق الشرع في هذه المرحلة.
الحياة