صفحات العالم

مقالات تناولت العلاقة الاميركية الايرانية

أميركا تسلّم لإيران بنفوذها الإقليمي؟/ روزانا بومنصف

تكشف معلومات ديبلوماسية أن الاجتماع المقرر بين مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران في مطلع تشرين الثاني يكتسب أهمية كبيرة كونه قد يؤدي الى كشف مدى التقدم الذي أحرز في المفاوضات ليس بين هذه الدول وايران فحسب بل بينها وبين الولايات المتحدة على المسار الثنائي بينهما. اذ على عكس ما يشاع من ان المفاوضات بين طهران وواشنطن محصورة في الملف النووي الايراني، فان المفاوضات الثنائية قامت منذ بعض الوقت وتحديدا منذ الصيف المنصرم. وتفيد هذه المعلومات ان ما تردد عن ان زيارة سلطان عمان قابوس بن سعيد في 25 آب الماضي لطهران كانت زيارة وساطة بين الولايات المتحدة وطهران كان صحيحا الى حدّ بعيد وان المفاوضات التي جرت منذ ذلك الوقت كانت جدية وبدات تتقدم وان لا صحة لانطلاق اولى المؤشرات خلال مشاركة الرئيس الايراني حسن روحاني في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في 23 أيلول المنصرم بل ان الاتصال الذي جرى بين الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الايراني كان بمثابة تتويج للاتصالات. وتكشف المعلومات ان ابرز المؤشرات الى ذلك كان الخطاب الذي أدلى به اوباما أمام الجمعية العمومية في 24 ايلول الماضي والذي تضمن استباقيا محاولة طمأنة دول الخليج العربي الى مضمون المفاوضات التي تجريها واشنطن مع طهران من خلال قوله انه على رغم ان الولايات المتحدة ستخفض باطراد اعتمادها على النفط المستورد، فان العالم لا يزال يعول على امداد الطاقة من المنطقة وما يصب في خانة المحافظة على المصالح الاساسية للولايات المتحدة.

الا ان هذا الكلام لا يبدو انه اثار اطمئناناً بمقدار ما اثار استياء سرعان ما ظهر في الغاء السعودية كلمتها المقررة امام الجمعية العمومية قبل ان تعلن لاحقاً رفضها العضوية الموقتة لمجلس الامن. وتفيد المعلومات الديبلوماسية وفق ما تكشف المصادر المعنية لـ”النهار “ان المفاوضات الاميركية الايرانية تتمحور على شقين: الاول الملف النووي والقاضي بتخلي ايران عن طموحها النووي لقاء الغاء العقوبات الدولية. اما الشق الآخر فيتناول تطبيع العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وطهران لقاء الاعتراف الاميركي بالمصالح الاستراتيجية لطهران في منطقة الشرق الاوسط. وفي ترجمة مبسطة لهذه المصالح، تفيد المصادر ان ذلك يعني استمرار التسليم بنفوذ ايران وسيطرتها في العراق كما بنفوذها وحماية مصالحها في سوريا أياً تكن طبيعة الحكم الذي ستنتهي اليه الازمة السورية وكذلك الامر في لبنان. وهو الامر الذي يعني التسليم عمليا لايران بكل اوراقها ومواقع نفوذها التي سيطرت عليها بالقوة خلال الاعوام الأخيرة في ما عرف تقريبا في الآونة الأخيرة بالهلال الشيعي.

ومع ان كل الاوراق لم تلعب بعد وقد اعلنت المملكة السعودية اعتراضها على ما يجري ولو انها لم تسم الولايات المتحدة حصراً في هذا السياق، فان المصادر الديبلوماسية صاحبة المعلومات المذكورة تخشى الا يكون هناك عوائق تذكر امام هذا المسار اللهم باستثناء الاعتراضات القوية التي يمكن ان تثيرها اسرائيل واحتمال تأثيرها على الكونغرس الاميركي للضغط على اوباما في هذا الاطار. اذ ان السياسة الخارجية الاميركية هي في حقيقة الامر في يد الرئيس الاميركي الذي لا يملك او ليس لديه سياسة خارجية خصوصاً بالنسبة الى منطقة اظهر ان لا مصالح اساسية يسعى الى المحافظة عليها بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق وترك العراق مجالاً رحباً للنفوذ الايراني في الوقت الذي تتفاعل لديه كما لدى الغرب الدعاية الناجحة جداً التي قام بها النظام السوري وايران في تغليب طابع الاصولية والارهاب على فئات من المعارضة وتبني “حزب الله” مع كل من النظام وايران هذه الشعارات وادعاء محاربتها في سوريا كما في لبنان. وغياب السياسة الخارجية الاميركية في هذه المنطقة يفيد بان واشنطن لن تمانع في سيطرة ايران او ممارسة نفوذها بقوة في دولها.

هذه المعلومات استفزت المصادر الديبلوماسية المعنية الى درجة دفعها الى السؤال عن كيفية قبول الولايات المتحدة بسيطرة ايران في لبنان وعلى الحدود مع اسرائيل وحظيت باجابة مفادها ان واشنطن لم تبد اي رد فعل له معنى بعد اجتياح “حزب الله” العاصمة بيروت في ايار 2008 في الوقت الذي لم تطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل منذ العام 2006 وان الحدود اللبنانية الشمالية مع اسرائيل هي الاكثر هدوءاً بين كل المناطق اللبنانية على نحو يعيد الى الاذهان الدعم الذي لا يزال يحظى به الرئيس السوري بشار الاسد لضمانه بعد والده أمن اسرائيل في الجولان منذ عام 1967. يضاف الى ذلك عدم محاربة واشنطن “حزب الله” في لبنان على رغم وضعه على لائحة الارهاب الاميركية بالتزامن مع عدم دعمها خصومه ايضا مع الأخذ في الاعتبار القوة العسكرية التي يملكها الحزب والتي تجعله أكثر قدرة من الدولة اللبنانية نفسها. فهل ان التطورات الأخيرة على صعيد العلاقات الاميركية السعودية في شكل أساسي الى جانب تطورات أخرى يمكن ان تحدث تعديلات في هذا المسار؟

النهار

“تمرّد” إقليمي على التوافق الأميركي – الروسي الحلّ السوري دونه الحلقة السعودية – الإيرانية/ روزانا بومنصف

تتوقف على الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى المملكة العربية السعودية غداً الاحد جملة أمور لا تتصل فحسب بمحاولة رأب الصدع الذي اصاب العلاقات بين واشنطن والرياض في اعقاب مواقف اميركية محبطة ازاء المنطقة، بل تكتسب اهميتها من واقع انها تسبق ايضاً الاجتماع التقريري المفترض ان يعقد بين كيري ونظيره الروسي مع الموفد الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي في ختام جولته على بعض دول المنطقة تمهيداً لتأمين انعقاد مؤتمر جنيف – 2. فزيارة كيري التي يبدأ بها جولة على بعض الدول ايضاً في المنطقة تتخطى بدرجات جولة الابرهيمي. فما يمكن ان يقدمه كيري على صعيد ازالة الشوائب التي اصابت العلاقات الثنائية مع الرياض مهم على صعد عدة، ليس على مستويات تخفيف التوتر انما انعكاسات هذا التوتر على جملة ملفات ومسائل وعلى دول المنطقة ايضاً. ولذلك تتجه الانظار الى المملكة السعودية مطلع الاسبوع من أجل محاولة استكشاف ما الذي سيبحثه كيري مع المسؤولين السعوديين وما هي نتيجة ذلك وهل ستأخذ الولايات المتحدة بهواجس ومصالح حليفتها او حلفائها في الاعتبار ام انها ستمضي في تنفيذ مقاربتها السياسية لمشكلات المنطقة وفق المسار الذي تعتمده. فالرياض رفضت استقبال الاخضر الابرهيمي وكذلك فعلت الامارات العربية من ضمن جولته على بعض دول المنطقة في الوقت الذي يبدي افرقاء المعارضة السورية انتقادات شديدة له. وما يبدو مستبعداً بالنسبة الى مصادر معنية هو انعقاد المؤتمر من دون ان تكون المملكة السعودية موجودة على الطاولة على رغم التلويح بامكان ذلك من جانب بعض الدول وذلك نظراً لتأثيرها الكبير على المعارضة السورية التي سيكون صعباً ان تحضر من دون داعميها الاقليميين الاساسيين ايضا في الوقت الذي يسعى النظام الى تجميع من يستطيع من اجل دعمه وعدم اقتصار ذلك على روسيا وايران وحدهما الى جانبه فقط.

ويبدو لافتا بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين ان التوافق الدولي الذي حصل بين روسيا والولايات المتحدة حول نزع الاسلحة الكيميائية السورية واصرار كل منهما على عقد مؤتمر جنيف – 2 لحسابات ومصالح خاصة بالنسبة اليهما لم يسر على الوضع في المنطقة او على دولها. فلم ينسحب هذا التوافق على ازالة الاعتراضات والتحفظات الاقليمية بل على العكس ويعود ذلك الى اختلاف الاجندة السياسية بين كل من الولايات المتحدة خصوصاً والدول الحليفة لها في المنطقة خصوصا في الموضوع السوري حيث اثار انكفاء الولايات المتحدة عن تبني رؤية الدول الحليفة لها في المنطقة من الموضوع السوري ازمة في العلاقات الثنائية مع المملكة السعودية ودول الخليج العربي. ولعلها المرة الاولى التي لا يسري التوافق الدولي على دول المنطقة فلا يلتزمه الاطراف الاقليميون او يتمردون عليه علما ان ازمة العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة تمس مجمل المقاربة الاميركية للمنطقة من موضوع سوريا الى موضوع مصر وعدم دعم السلطة الانتقالية البديلة من حكم الاخوان المسلمين وصولا الى موضوع ايران لجهة المخاوف من اعتماد مقاربة الاسلحة الكيميائية السورية على الملف النووي الايراني واضافة الى التعثر في الملف الفلسطيني الاسرائيلي وعدم بذل الولايات المتحدة الجهود المطلوبة على هذا الصعيد مع مواصلة اسرائيل سياستها الاستيطانية.

ومع ان هذا الامر يفتح الباب امام تساؤلات مهمة تتصل بواقع انه لم يعد يكفي الدول الكبرى ان تقرر عن الدول الاقليمية مصالحها بل لهذه الدول مصالحها ايضاً بغض النظر عن القدرة في تسويقها وفرضها او الدفع في اتجاه اخذها في الاعتبار ام لا، فان السؤال الاساسي يتصل بجدوى انعقاد جنيف – 2 من دون توافق اقليمي ايضا وليس فقط توافق دولي بين روسيا والولايات المتحدة من اجل ان يمتثل افرقاء الصراع لما يمكن ان يتفق عليه ومن اجل ان يحظى اي حل بدعم محلي واقليمي ودولي على ان يكون التوافق الاقليمي بين المملكة السعودية وايران موازياً او مكملاً للتوافق الروسي الاميركي. اذ انه ما لم يحصل هذا التوافق او تفاهم او اي شيء من هذا القبيل، فمن الصعب تصور امكان انجاح اي مؤتمر او التوصل الى اي حل او فرض اي حل على دول المنطقة خصوصا ان جزءا كبيرا من الازمة السورية لم يعد محصورا بالحرب الاهلية الجارية رغبة في رحيل النظام السوري بل ان للقوى الاقليمية اما نفوذها او تأثيرها او ايضاً دعمها العملاني والميداني كما هي الحال مع ايران التي لم تبخل على النظام بكل انواع الدعم وانقذته من الانهيار عبر تدخلها المباشر او التنظيمات التابعة لها ايضا. ولذلك فان جوهر الموضوع أبعد من اعادة تصويب العلاقات المباشرة الاميركية السعودية على اهميتها وانعكاساتها تكمن في ازالة العقبات من امام تفاهم سعودي ايراني مباشر او غير مباشر لان اي مؤتمر حول سوريا لا يمكن ضمان نتائجه من دون تدوير الزوايا على هذا الصعيد علماً ان هناك عقبات اخرى لا تقل اهمية امام انعقاد جنيف – 2 حتى الان. ولكن هل يمكن تأمين تدوير الزوايا بين ايران والمملكة قبل جنيف – 2؟ فهذا جانب يقول المعنيون بضرورته وعدم استحالته لكن الطريق غير معبدة حتى الان امام هذا المسار.

النهار

أوباما حوّل إيران دولة عظمى/ رندة حيدر

من الواضح اليوم أن الإسرائيليين جميعاً، سواء أكانوا مسؤولين أم صحافيين وحتى الجمهور العريض، يشعرون بقلق بالغ عندما يرون الحماسة الأميركية للتوجهات الجديدة للرئيس الإيراني حسن روحاني، وعندما يشاهدون بداية اقتناع المجتمع الدولي بجدية المقترحات التي قدمها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لحل المشكلة النووية الإيرانية.

تختلف مشكلة الإسرائيليين مع إيران عن مشكلة الأميركيين وسائر دول العالم. وهم يعتبرون ان المسار الحالي الذي تسير فيه المفاوضات بين المجتمع الدولي وإيران سيفضي حتماً الى رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران في مقابل تنازلات إيرانية لن تشكل خطراً على خطتها للتحول الى قوة اقليمية نووية، وأنها تحاول كسب الوقت للمضي في استكمال مشروعها، ثم وضع العالم أمام حقائق منتهية، كما فعلت من قبل كوريا الشمالية.

والنقاش في إسرائيل لا يدور حول سبل تعايش إسرائيل مع إيران دولة نووية، لان ثمة اقتناعا عميقا لدى المسؤولين الإسرائيليين بأن مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي لن يتخلى قط عن المشروع النووي العسكري، بل يتمحور على ما يجري الآن تحديداً مع بدء التفاوض مع إيران وقبل التوصل الى تسوية ما.

ففي رأي عدد من المحللين الإسرائيليين ان إيران بدأت منذ الآن قطف الثمار الإيجابية لانفتاحها على الولايات المتحدة ومواقفها الايجابية من المفاوضات على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك قبل اختبار صدق النيات الإيرانية وجدية الرئيس الجديد في تقديم التنازلات المطلوبة منه. فخلال وقت قصير تبدلت النظرة الى إيران من دولة دينية راديكالية تشكل جزءاً من محور الشر ومنبوذة دولياً، الى دولة براغماتية موضع ترحيب دولياً. يجري ذلك كله من غير ان تكون إيران قد أقدمت على تغيير قيد أنملة في سياستها الإقليمية. فشحنات السلاح الإيراني لا تزال تتدفق على سوريا، ومقاتلو “حزب الله”، الذراع العسكرية الطويلة لإيران، كما يصفه الإسرائيليون، يواصلون قتالهم الى جانب الجيش السوري النظامي وسائر الميليشيات الشيعية داخل المدن السورية.

ثمة اقتناع إسرائيلي عميق بأن إيران تخدع الأميركيين والأوروبيين في آن واحد. لكن الامر الاصعب بالنسبة اليهم ما تقوم به الإدارة الأميركية. في الاساس، تسود الاوساط الحكومية الإسرائيلية أجواء من عدم الثقة بإدارة الرئيس باراك أوباما، زادتها التوجهات الجديدة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط تفاقما وخصوصا مع حلفائها. ربما للمرة الأولى يتساءل الإسرائيليون جديا عن مصير التحالف التاريخي بينهم وبين الأميركيين، ويتخوفون من ان تكون التعهدات التي قطعها الرئيس أوباما سابقاً لهم بمنع إيران بمختلف الوسائل من أن تتحول دولة نووية قد ذهبت أدراج الرياح.

النهار

لا تخل عن الأسد ولا عن «النووي» ولا «تصفير» للخلافات!/ صالح القلاب

مطالبة وزير الخارجية الإيراني الأسبق، إبراهيم يزدي، الحكومة الإيرانية – وأغلب الظن أنه يقصد مرشد الثورة علي خامنئي – في حديث لـ«الشرق الأوسط» نشرته قبل أيام، بإقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي لإنقاذ سوريا من الآثار المدمرة للحرب المستعرة هناك، ودعوته إلى علاقات أوثق بين دول المنطقة وتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية – تدلان على أن هناك توجها عاما ضد النهج الذي بقي متبعا في إيران منذ انتصار الثورة الخمينية عام 1979 وأدى إلى كل هذا التوتر مع معظم الدول العربية، وخاصة الدول الخليجية.

ولتأكيد كم أن إبراهيم يزدي، بكلامه هذا، يعبر عن موقف غالبية الإصلاحيين الإيرانيين، وربما عن غالبية الشعب الإيراني – لا بد من الإشارة إلى أنه بعد التحاقه بالخميني في فرنسا عشية انتصار الثورة الإسلامية في فبراير (شباط) عام 1979، كان يعد «جيفارا» هذه الثورة، وأنه بعدما أصبح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في حكومة مهدي بازركان، التي استقال منها بعد نحو ثمانية أشهر احتجاجا على احتجاز الرهائن الأميركيين، عنوان التوجهات المدنية والليبرالية وأيضا العلمانية وكان قد شكل لهذه الغاية تنظيما سياسيا، تم حظره لاحقا، أطلق عليه اسم «حركة الحرية».

والسؤال هنا هو: هل يا ترى القوى الإيرانية المنتقدة، التي على رأسها، وفي مقدمتها، الولي الفقيه علي خامنئي، وتضم، بالإضافة إلى حراس الثورة والقطاع الأوسع من المعممين المشددين، ما يسمى «البورجوازية» الانتهازية والطفيلية التي ورثت «البازار» والرأسمالية الناشئة التي كانت تعاونت مع الحركة الإصلاحية التي كان قام بها في بدايات خمسينات القرن الماضي محمد مصدق – ستسمع إلى هذا النداء الذي أطلقه إبراهيم يزدي والذي تشير التقديرات إلى أن غالبية الشعب الإيراني، بعد كل هذه التجربة المريرة الطويلة منذ عام 1979 وحتى الآن، تدعمه وتؤيده وتعمل من أجله…؟!

حسب تصريحات أول رئيس للجمهورية الإيرانية أبو الحسن بني صدر، الذي انتهى هاربا ولاجئا سياسيا في باريس بعدما احتل هذا الموقع، الذي من الممكن أن يعني شيئا بوجود الإمام الخميني ومجموعة المعممين المحيطين به، لفترة قصيرة امتدت من الرابع من فبراير عام 1980 وحتى الحادي والعشرين من يونيو (حزيران) عام 1981 – فإنه من غير الممكن أن تغير إيران اتجاهاتها وتوجهاتها الإقليمية والدولية ما دامت محكومة بهذا التحالف الذي يجمع الولي الفقيه علي خامنئي، والمتشددين الدينيين، وحراس الثورة، والفئة التي نهبت – ولا تزال تنهب – أموال الشعب الإيراني وباتت تشكل طبقة ثرية، من مصلحتها أن يبقى هذا النظام كما كان وكما هو الآن وأن يستمر في سياساته الحالية وفي مواقفه تجاه دول الإقليم وتجاه العالم كله.

وهنا، وخلافا لما يعتقد البعض، فإن انفتاح الولايات المتحدة وعموم الدول الغربية الأوروبية الفاعلة، وأولاها بريطانيا، سيعزز تمسك نظام الملالي بتدخل إيران السافر في بعض الدول العربية: العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان ومصر، وبانتهاجها هذه السياسات الحمقاء في دول هذه المنطقة، فهؤلاء فهموا ما بادرت إليه واشنطن ولندن على أنه تسليم بالأمر الواقع وعلى أنه استسلام للإيرانيين ورضوخ لإرادة الولي الفقيه، وذلك مع أن كل هذا قد جرى تبريره بما كان حسن روحاني قد أعلنه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخيرة الذي ثبت، وقبل أن يصيح الديك كما يقال، أنه مجرد علاقات عامة، وأنه لا رأي إلا رأي علي خامنئي وحراس الثورة.

وهكذا، فإنه ضرب من الوهم أن يسود اعتقاد لدى أوساط إدارة باراك أوباما وأوساط الدوائر الأوروبية الحاكمة وأوساط بعض العرب الذين يمارسون السياسة على طريقة «التغميس خارج الصحن»، أن هذا النظام الإيراني سيتخلى عن مشروعه النووي وعن تدخله السافر في شؤون الكثير من الدول برداء طائفي حقير وبدوافع مذهبية بغيضة؛ فهاتان قضيتان تتعلقان بوجوده وببقاء هيمنة وسطوة الأكثر تشددا فيه. ويقينا، إنه إذا تخلى خامنئي ومن معه من الذين بقوا يحكمون إيران بهذه العقلية منذ عام 1979 وحتى الآن – فإنه سيجد نفسه بلا لقب الولي الفقيه، وأن «الملالي» الذين وصلوا إلى الحكم بعد لحظة، بقوا يطاردونها لحقبة طويلة، سيحصل معهم ما حصل مع الإخوان المسلمين في مصر وما حصل بالنسبة لتجارب كثيرة في هذا النمط الذي سير على نحو معاكس لحركة التاريخ.

لقد بادرت إيران «الثورة الخمينية» إلى إشهار برنامجها النووي، وصرف ما يقدر بأكثر من مائة مليار دولار عليه حتى الآن، باعتباره مشروعا قوميا يجب، وبالضرورة، أن يلتف الإيرانيون حوله ويجب أن ينسوا وأن ينسيهم تعارضاتهم وتناقضاتهم مع النظام. وحقيقة، إن هذا هو ما حصل، وإن المعارضة الإصلاحية وجدت نفسها غير قادرة على المزيد من التصعيد مع المجموعات الحاكمة، التي على رأسها علي خامنئي والكثير من «آيات الله» وآلاف المعممين ومع هؤلاء جميعا حراس الثورة وشرائح «الرأسمالية» المشوهة الجشعة. وكما أن أنظمة الانقلابات العسكرية العربية قد رفعت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» من قبيل إرهاب شعوبهم وتكميم أفواه المعارضين لها – فإن نظام الملالي قد رفع شعار أنه لا إصلاح ولا تغيير ما دامت المعركة «النووية» محتدمة، وما دام المفترض أن يلتف الإيرانيون كلهم حول هذا المشروع القومي المصيري!

ثم وإن المعروف أن الثورة الخمينية، وفور انتصارها في فبراير عام 1979، قد بادرت إلى رفع شعار تحرير الأماكن المقدسة، والمقصود هو إطاحة نظام حزب البعث، ليس لأنه اشتراكي وعلماني وقوي وعربي، بل لأنه سني، ولأنه يجب تخليص النجف وكربلاء وأيضا سامراء، حيث مرقدا الإمامين العسكريين، من السيطرة السنية. وحقيقة، إن هذا هو الدافع الحقيقي الذي اعتبره الإمام الخميني دافعا عقائديا للحرب العراقية – الإيرانية التي أكلت الأخضر واليابس والتي استمرت ثمانية أعوام وتركت هذا الجرح الراعف الذي يعانيه العراق الآن وتعانيه هذه المنطقة بمعظم دولها العربية.

ولهذا، فإنه لا يمكن، وعلى الإطلاق، أن يستجيب علي خامنئي لدعوة إبراهيم يزدي التي طالب فيها الحكومة الإيرانية، والمقصود هو الولي الفقيه ومرشد الثورة تحديدا، بإقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي، وباستخدام نفوذها لإنقاذ سوريا من الآثار المدمرة للحرب المستعرة هناك، فهذا بالنسبة للقابضين على الحكم في طهران مسألة عقائدية لا يجوز التخلي عنها والمس بها. وحقيقة، إن هذا النظام الخميني يعرف معرفة أكيدة أنه إذا تخلى عن النظام السوري، وإذا تخلى عن حزب الله، وتخلى عن مقام السيدة زينب وقبر حجر بن عدي، وإذا أوقف تدخله السافر في الشؤون الداخلية العراقية والشؤون الداخلية اليمنية وشؤون مصر والبحرين – فإنه سيفقد هذا الدافع العقائدي، وبالتالي سيفقد مبرر وجوده ومبرر تطلعاته التوسعية في كل هذه المنطقة الشرق أوسطية.

إنه لا يمكن أن يأخذ النظام الإيراني بنظرية وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو القائلة بضرورة «تصفير الخلافات»؛ فهو يعتبر تدخله في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي البحرين وفي اليمن يشكل دعوة لمهمة تاريخية عقائدية، وإنه إن تخلى عن هذه المهمة فإنه سيخسر قيادته الطائفية للشيعة وبالتالي سيفقد مبرر التمدد في هذه المنطقة العربية لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية القديمة التي يعتبر نفسه وريثا شرعيا لها.. ولذلك، فإنه يجب إدراك أن هذا النظام لا يمكن أن يتخلى عن مشروعه النووي ولا عن هذا الدور الطائفي والمذهبي الذي يلعبه في المنطقة؛ فهذان أمران يتعلقان بمبرر وجوده وبما يعتبر رسالته التاريخية والأبدية.

الشرق الأوسط

مراجعة «شرق أوسطية» لاستراتيجية أوباما: الأولوية لإيران وعملية السلام وحماية النفط/ واشنطن – جويس كرم

تدرس إدارة الرئيس باراك اوباما أسساً جديدة لاستخدامها القوة في المنطقة تركز على حماية الحلفاء وضمان حركة ناقلات النفط ومحاربة تنظيم «القاعدة» ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، فيما يتوقع أن تتركز أولويات الإدارة على عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والملف النووي الإيراني والوساطة في سورية. وارتأت إدارة أوباما «الجلوس في المقعد الخلفي» والنأي بالنفس حيال ملفات الحروب الأهلية والنزاعات والثورات الداخلية، ومن بينها الوضع في مصر و»ضجيج الربيع العربي» في ليبيا وتونس واليمن.

وبعد شهرين من الاجتماعات الأسبوعية في البيت الأبيض لمسؤولين في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية بإشراف مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وضعت الإدارة استراتيجية جديدة للشرق الأوسط لفترة السنتين ونصف السنة المتبقية على الولاية الثانية لأوباما. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن المراجعة أجريت بطلب من الرئيس الأميركي بما لديه من ثقة كبيرة برايس، التي سلمها منصبها في تموز (يوليو) الماضي للتعاطي بحزم أكبر مع قضايا المنطقة.

وكتبت الصحيفة أن المراجعة تتحلى بدرجة عالية من البراغماتية في اعتماد «ثوابت محددة في شرق أوسط متقلب»، ونقلت عن رايس قولها إن «هدف الرئيس أوباما هو تفادي الانزلاق إلى أحداث في الشرق الأوسط تبتلع سياسته الخارجية كما ابتلعت أجندة رؤساء أميركيين سابقين». وزادت رايس «لا يمكن أن نستهلك 24 ساعة يومياً من الجهد في منطقة واحدة مهما كانت أهميتها، والرئيس رأى أنه من المهم أن نعيد تقويم كيف ننظر إلى الشرق الأوسط وفي شكل يتضمن الكثير من النقد».

وتبتعد الاستراتيجية، التي لم تسرَّب إلى الرأي العام، عن نهج رؤساء سابقين، خصوصاً جورج بوش الابن، وتحفظ مسافة من مواضيع «نشر الديموقراطية وأجندة الحرية التي طمح فيها بوش وقادته في الحرب على العراق». وتحصر خيارات استخدام القوة بـ «الرد على اعتداء ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، وإحداث خلل في حركة ناقلات النفط، والرد على الشبكات الإرهابية أو أسلحة الدمار الشامل».

وتطرح الاستراتيجية أسئلة حول مدى استعداد أوباما للانخراط في تدخلات عسكرية في النصف الثاني من ولايته الثانية، وهو أمر مستبعد في سورية إذا لم تهدد الأزمة أمن الحلفاء، أو تضطر الولايات المتحدة إلى مواجهة انتشار سلاح دمار شامل، أو ضرب شبكات إرهابية.

أما في مصر والتي شكلت أولوية في نهاية الولاية الأولى وبعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، فتعتمد واشنطن لغة المصالح الأمنية والجيوسياسية في التعامل مع الواقع الجديد، مع تجنب حركة الشارع أو التحالف مع القيادة الجديدة.

وركز أوباما منذ تسلمه الرئاسة على تحويل السياسة الأميركية نحو تحديات أكبر على المستويين الاقتصادي والعسكري في آسيا، ومنافسة العملاق الصيني، والانسحاب من نزاعات الشرق الأوسط. ويقود وزير الخارجية جون كيري ملف عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، فيما يضع البيت الأبيض ثقله الأكبر في الملف النووي لإيران.

الحياة

أميركا-إيران: الاستكشاف والتقارب/ حـازم صـاغيـّة

هناك فارق مهمّ بين الاختبار الجديد والمتبادل للعلاقات الأميركيّة – الإيرانيّة، وهو فعل استكشاف يمارسه كلّ من الطرفين للآخر، وبين “التقارب” الذي شرع بعض وسائل الإعلام يتحدّث عنه بما لا يخفى من تضخيم. ذاك أنّ “التقارب” لا يحدث إلاّ بعد التوصّل إلى اتّفاقات صلبة تترافق مع تحوّلات نوعيّة في موقف كلّ من البلدين حيال البلد الثاني. وغنيّ عن القول إنّ هذا لم يحصل، وأغلب الظنّ أنّه، ولأسباب لا يتّسع لها المجال هنا، لن يحصل.

وذلك ليس تقليلاً من أهميّة الاستكشاف المتبادل الذي يتمّ للمرّة الأولى منذ الثورة الخمينيّة في 1979، أو من أهميّة التفاوض الجديد، الموصوف بحيازة درجة أعلى من الجدّيّة، بين إيران والدول الأوروبيّة. وهو كلّه أثار خشية واستياء في إسرائيل ولدى حلفاء أميركا في الخليج. فالإيرانيّون الذين تعتصرهم العقوبات، يريدون معرفة المدى الذي ستبلغه السياسات السلميّة لباراك أوباما، وما إذا كانت ستشمل بلادهم أيضاً.

أمّا الأميركيّون، المهجوسون بالسلاح النوويّ الإيرانيّ وباحتمالات التعاون ضدّ الإرهاب، فضلاً عن ضبط الوضع الأفغانيّ (والعراقيّ) بعد انسحابهم العام المقبل من أفغانستان، فمهتمّون بمعرفة مدى التفويض الذي يتمتّع به الرئيس الإيرانيّ الجديد حسن روحاني، وما إذا كان المرشد الأعلى علي خامنئي يتيح له المضيّ في سياسات مختلفة.

لكنّ الاستكشاف المتبادل هذا مرشّح لأن يعكس آثاره المباشرة على الوضع الداخليّ لإيران. ذاك أنّ نظاماً إيديولوجيّاً جعل من معاداة الولايات المتّحدة إحدى ركائز “شرعيّته”، لا يستطيع بهذه الخفّة، وبناء على مكالمة هاتفيّة، أن يعلن انتقاله إلى “محاورة” البلد الموصوف بـ”الشيطان الأكبر”.

والحال أنّ الإعلام الإيرانيّ ومواقع التواصل الاجتماعيّ لم تعد تتكتّم على هذا الخلاف المتنامي بين “صقور” طهران و”حمائمها”. لا بل يمكن القول إنّ جوّاً مناهضاً لروحاني يتشكّل اليوم، مذكّراً بالجوّ الذي اصطدم به أوّل رؤساء جمهوريّة إيران أبو الحسن بني صدر. ومثلما حسم الخلافَ يومذاك آية الله الخمينيّ بتجريمه بني صدر وبتخوينه، لا يُستبعد أن يتقدّم وريثه علي خامنئي، حين يحين الوقت الذي يراه ملائماً، فيدلي بدلوه ضدّ روحاني.

وما يعزّز احتمالاً كهذا أنّ شعبيّة التطبيع مع الولايات المتّحدة قويّة جدّاً في إيران. وكنّا في السنوات القليلة الماضية قد قرأنا عشرات التحقيقات الصحافيّة عن مدى انجذاب الشبيبة الإيرانيّة إلى الثقافة وطريقة الحياة الأميركيّتين، وهذا قبل أن تتلاحق العقوبات التي فاقمت الاستياء من سياسات النظام ومن انعكاسها على الأوضاع الاقتصاديّة للسكّان.

وما يعنيه ذلك أنّ سياسة روحاني إذا ما تُرك لها أن تتطوّر، لن تستطيع السيطرة على عواطف جارفة تتعدّاها وقد تتعدّى أيضاً ما عرفته إيران مع “ثورتها الخضراء” في 2009.

وهنا قد يجد الإيرانيّون أنفسهم أمام وضع يشبه ذاك الذي وجد فيه المجريّون أنفسهم فيه عام 1956، أو التشيكوسلوفاكيّون في 1968. فحينذاك فكّر القائدان إيمري ناجي وألكسندر دوبتشيك بإدخال إصلاحات على النظام الاشتراكيّ لا تُضعف اشتراكيّته ولا تحدّ من علاقاته مع الاتّحاد السوفياتيّ. إلاّ أنّ الحركة الشعبيّة التي سمح لها هذا الوضع الجديد بالتشكّل جرفت الحدود التي أراد ناجي ودوبتشيك التوقّف عندها والانضباط بها. وهكذا، وفي المرّتين، لم يعد من حلّ سوى الغزو المباشر من قوّات حلف وارسو للبلدين المنتفضين وسحقهما.

فإذا كان الاستكشاف يواجه احتمالات صعبة كهذه، فما الذي يمكن توقّعه مع “التقارب

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى