مقالات تناولت اللاجئين السوريين
نزيف الديموغرافيا مستمر في سوريا/ فادي الداهوك
أطلق في ثمانينيات القرن التاسع عشر تسمية “سوريا الصغيرة”، أو “الحي السوري”، على مكان قطنه مهجّرون سوريون ولبنانيون في شارع واشنطن في مانهاتن، وكانوا قد هاجروا في تلك الفترة إلى نيويورك هرباً من مناطق نفوذ الامبراطورية العثمانية (سوريا، لبنان وفلسطين حالياً)، لمعاناتهم من الفقر المدقع، والاستغلال والتمييز المذهبي. سكان الحي السوري كانوا في غالبيتهم الساحقة من المسيحيين، فيما شكّل المسلمون نسبة 5 في المئة فقط من المهجّرين. ووصفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في العام 1946 هذا الحي بـ”قلب العالم العربي في نيويورك”، قبل أن يهاجر السكان مجدداً بعد تحسّن أحوالهم، وبعد بناء مدخل نفق بروكلين باتيري، الذي جار على منازلهم.
مؤخراً، أصبحت تسمية “سوريا الصغيرة” دائمة الحضور في الإعلام الغربي، للدلالة على المساحة التي يحاول النظام أن ينكفىء للسيطرة عليها. ليس في ذلك استعراض للمعرفة والإطلاع، أو تجميل للكارثة، بقدر ما هو وصف للواقع، أو للمستقبل المرعب الذي تسير إليه سوريا، بدفع من المجتمع الدولي، وأحياناً كثيرة برعاية مباشرة منه.
لم تختلف أحوال السوريين كثيراً، فهم اليوم أيضاً في القرن الحادي والعشرين على الحال نفسه. بيد أن محركات التهجير كانت أكثر عنفاً من ذي قبل، وحاملها الرئيس كان الدّم، والجوع، والرغبات الدولية؛ إذ شهدت الأيام الأخيرة من العام الثقيل الذي مضى مشهداً صادماً، تمثل بـ”جريمة دولية” استبدلت سكاناً سوريين من الزبداني في ريف دمشق جنوب البلاد، بسكان سوريين من الفوعة وكفريا في ريف إدلب شمالاً. هذه الحال المهولة ثبّتت ملامح تقسيم مناطق النفوذ، الذي بدأ يوم 3 أيار/مايو 2014 من حمص.
كان التهجير بالنسبة للنظام استراتيجية قائمة بحد ذاتها، وأتى بنتائج بالغة الأهمية له من دون خسائر تذكر يدفعها من رصيده. هذه الاستراتيجية لم تكن لتتحقق لولا عوامل كثيرة، فهي أخذت شكلاً تصاعدياً، وأكثر وضوحاً، مع استيلاء إيران على المفاصل الأمنية والعسكرية في سوريا منذ العام 2013. وفي ما سبق تلك الفترة، كانت استراتيجية النظام تقوم على إبرام الهدن في مناطق حول العاصمة، بعد إحداث تهجير جزئي لسكانها نتيجة العمليات العسكرية والقصف، لإجبار السكان المتبقين على الرضوخ للهدن. لكن التدخل الإيراني حمل شقاً أكثر عنفاً من طبيعة الهدن التقليدية التي توصل إليها النظام في مناطق حزام العاصمة، ولا بد هنا من استعادة اتفاقية تفريغ مدينة حمص، إذ مرت الاتفاقية عبر مسارين، أحدهما من خلال وزير المصالحة علي حيدر، وصاحب فكرة هدن دمشق وريفها العقيد سالم العلي ولجنة التفاوض عن المحاصرين من جهة، وآخر بين فصائل في تحالف “الجبهة الإسلامية” تتلقى دعماً من جماعة الإخوان المسلمين عبر “هيئة حماية المدنيين في حمص” ومفاوضين إيرانيين من جهة ثانية.
انتصر المسار الثاني في اتفاق حمص، وتقرر إخلاء المحاصرين من الأحياء القديمة إلى الريف الشمالي، في صورة مغايرة تماماً لرغبة وفد التفاوض عن الأهالي، إذ كانت المباحثات مع حيدر والعلي تجري لإنهاء الوجود العسكري للمعارضة، وعودة السكان الذين نزحوا من حمص القديمة إلى حي الوعر. وقد وصف السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل- في كلام نسب إليه- بأن الاتفاق يحسم نصر الرئيس السوري بشار الأسد، وألمح إلى أنه سيطلق نزاعاً بين تركيا والسعودية.
كانت ورقتا التفاوض اللتان تمسك بهما فصائل “الجبهة الإسلامية” في اتفاق حمص، هما بلدتا نبل والزهراء الشيعيتين في حلب. ومجدداً، آلت الأوضاع في الزبداني إلى مصير مشابه، فعاد المتفاوضون على أحياء حمص القديمة للتفاوض على الزبداني، ممسكين بورقتين أيضاً، هما البلدتان الشيعيتان في ريف إدلب، كفرية والفوعة.
في اتفاقي الزبداني وحمص، كان مركز القرار في الشمال. وفي ذلك الجزء من سوريا، يخضع العمل العسكري إلى استراتيجيات كبرى لا تقدر عليها تنظيمات مسلحة بمفردها. وبصورة جلية، كانت البلدات الشيعية في الشمال أوراقاً رابحة مُنع التفريط بها، أو السماح للفصائل العسكرية بالتقدم نحوها لإنجاز سيطرة كاملة عليها. وذلك ربما كان بالغ السهولة في حالة كفرية والفوعة اللتين تحاصرهما المعارضة من جميع الجهات، ويرمي النظام لسكانهما الطعام باستخدام الحوامات.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التقاطعات بين اتفاقي الزبداني وحمص تنسحب على المسارات السياسية الكبرى التي شهدتها سوريا، فاتفاق حمص أنجز في موازاة اجتماع المعارضة مع وفد النظام السوري في مؤتمر “جنيف-2″، واتفاق الزبداني أنجز في موازاة اجتماع المعارضة السورية الموسع في الرياض، تمهيداً للمفاوضات المقررة في “جنيف-3” هذا الشهر. ومن المعلوم، أن السعودية في الاستحقاقين السياسيين، كانت في موقع القيادة. هذه التقاطعات تعزز وجود التباينات الإقليمية حول الملف السوري، بل قد تفسر أيضاً كلام هيل.
تفرض الموضوعية القول إن أي عملية لتهجير السوريين الشيعة من الشمال، والسوريين السنة من محيط العاصمة، وما حصل بينهما من تهجير لدروز جبل السماق والمسيحيين من إدلب، جريمة كاملة؛ وإن المتفاوضين من الفصائل المسلحة كانوا الشركاء السوريين لتنفيذ مخططات فرز المناطق على أساس مذهبي وديني. فتركيا رعت جزئياً اتفاق حمص-نبل-الزهراء، ورعت بشكل كامل اتفاق الزبداني-كفريا-الفوعة، والأمم المتحدة كانت الوسيط الذي أمن العمليات اللوجستية للاتفاقين. بيد أنه لا بد من السؤال عن “أملاك الغائبين” في المناطق التي شهدت تهجيراً لسكّانها الأصليين، حتى لا تتحول مستقبلاً إلى مسألة سورية مستعصية، على غرار مسألة “أملاك الغائبين” في فلسطين!
في “سوريا الصغيرة” في شارع واشنطن، في مانهاتن، زحف التطور العمراني على منازل السكان ودمّر معظم المكان، إلا أن الجالية العربية في الولايات المتحدة سعت للحفاظ على ما تبقى منه من خلال جمعية “أنقذوا شارع واشنطن” ونجحت في ذلك. لكن من سيوقف نزيف الديموغرافيا، وينقذ سكان معضمية الشام، وقرى الزبداني، ويمنع تهجيرهم من “سوريا الصغيرة” واستبدالهم بمن بقي في كفريا والفوعة؟
المدن
الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا: إقفال طريق يفتح أخرى/ بشير مصطفى
يعرف المتابعون لموضوع التهريب والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا أنه “كلما أقفلت طريق للهجرة والتهريب، يُفتح بدلاً منها عشر طرق”. فمع تشديد القوى العسكرية إجراءاتها الأمنية عند المنافذ البحرية في طرابلس والشمال عموماً، برزت طرق جديدة للتهريب عبر مطار رفيق الحريري الدولي، أو من شواطئ جنوبي لبنان، أو عبر الدخول إلى الأراضي السورية براً.
تركيا “المقفلة”
يتوزع الهاربون من لبنان في ثلاث فئات رئيسية، فبالإضافة إلى اللبنانيين، يشكل السوريون والفلسطينيون شريحة كبرى منهم، ولكل جنسية من هذه الجنسيات الثلاث إجراءات تهريب خاصة بها، اعتماداً على سماسرة لبنانيين أو في المخيمات الفلسطينية، يحمل بعضهم صفات رسمية وديبلوماسية. ويساعد هؤلاء الأشخاص المهاجرين على الحصول على الفيزا التركية بطرق مختلفة، إما عبر دعوة لزيارة من شخص في تركيا، أو طلب زواج من تركية، أو سفر للعلاج، أو حتى حضور ندوة علمية. وهذا ما يلزمه توصية من بعض أركان “الجماعات الاسلامية” أو الشخصيات الفلسطينية واللبنانية النافذة والمقربة من “حزب العدالة والتنمية” التركي، مقابل مبلغ يتراوح بين ألف وألفين وخمسمئة دولار، وذلك بحسب أ. ح، أحد العاملين في عمليات التهريب.
والحال أن نظام التأشيرة الذي فرضته تركيا، ابتداءاً من الجمعة الماضي، على السوريين سيؤثر على طريقة هروبهم، كما يوضح أ. ح، الذي يشير إلى أن “السوريين قبل ذلك كانوا يدخلون الى تركيا من دون فيزا، إذ يكفي أن يقطع بطاقة طائرة من المطار ليدخل تركيا. أما الآن فعلى السوريين أن يدخلوا براً إلى تركيا، وإتباع طرق غير مشروعة، أو طلب الفيزا بطريقة رسمية أو عبر الانترنت”. ويمكن للسوريين الاستفادة من تجربة الفلسطينيين، الذين كانوا ملزمين بالحصول على فيزا، في حال أرادوا السفر إلى تركيا. لذلك كان كثيرون منهم يتوجهون إلى سوريا، إما براً أو عبر مطار بيروت بإتجاه مطار القامشلي، “الذي تم إفتتاحه بعد نشوب الحرب فهو في المرحلة السابقة كان مطاراً تجارياً وزراعياً، والآن تحول إلى مطار يستقبل الطائرات المدنية”.
البر السوري
لكن في ظل الإجراءات المعتمدة حديثاً في سوريا أصبح على الفلسطيني أيضاً تأمين كفيل ليتمكن من الدخول إلى سوريا، أو “كفيل صوري”، وتأمين مقر إقامة مؤقت في القامشلي بإنتظار أن تحين الفرصة ليعبر الحدود السورية- التركية، وعادة ما يتم تسهيل هذا العبور بواسطة “معارف المهرب من الدولتين السورية والتركية”. ويروي خالد، وهو أحد الهاربين، أن “المجموعة إنتظرت إشارة من الجانب التركي للعبور سيراً على الأقدام وخفيةً بين الحقول والأحراج، وعند الوصول إلى الأراضي التركية، التقينا بأشخاص على صلة بالمهرب أمنوا لنا الإقامة، وفي اليوم التالي نُقلنا إلى أزمير بواسطة الباصات، في رحلة استهلكت تقريباً 18 ساعة”، وقد بلغت تكاليف الرحلة، وفق خالد، ما يقارب الألفي دولار.
وعملية التهريب تتم بواسطة شبكات شبه دولية مترابطة. فـ”في كل دولة هناك أناس ينسقون مع المهربين، فالمهرب يكون لديه مساعدون في تركيا، ومهربون يؤمنون نقلهم إلى اليونان بحراً”، على ما يؤكد أ.ح، الذي يشير إلى أن الإنتقال نحو اليونان يتم بواسطة زوارق مطاطية، يقودها شخص من قبل المهرب أو يمكن إسناد المهمة إلى أحد الركاب، فيما “يجتمع على ظهرها أشخاص من جنسيات مختلفة، ولا فرق بين لبناني وسوري وأردني وفلسطيني”.
الرحلة الأوروبية
على أن الإقبال على الهجرة غير الشرعية، كاد يفرّغ بعض المناطق من سكانها، حيث يعمد البعض إلى بيع مساكنه بأسعار متدنية من أجل إتمام معاملات السفر وتأمين نفقاتها، وقد تحوّل مدخل السفارة التركية في بيروت الى ما يشبه ساحات التظاهر، كما يشير عدنان الذي يسكن في مخيم شاتيلا في بيروت، لافتاً الى أن “الفيزا التركية تكلف 60 دولاراً، على أن يتضمن طلب الحصول على الفيزا كشف حساب بنكي، وافادة عمل الى جانب الأوراق الروتينية”.
وتستغرق رحلة الإنتقال من أزمير إلى السواحل اليونانية قرابة الساعة، كما يشير المهاجر علي الذي يلفت إلى أن القارب إنطلق وسط الظلام عند الثانية فجراً لتجنب الإجراءات المشددة التي بدأت تركيا بإتخاذها. وعند الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية تتولى الجمعيات الإنسانية المساعدة وتأمين الأكل والحليب للأطفال والملبس. وعن تعامل السلطات الرسمية اليونانية معهم يقول علي أنّ “المهاجرين يسلمون أنفسهم إلى البوليس بمجرد وصولهم، حيث يسجل معلوماتهم ويسلمهم ورقة تُسمى الخارطية– وثيقة تعريف– التي من دونها لا يمكننا الإنطلاق من اليونان نحو الحدود المقدونية ومن ثم صربيا، فالنمسا ثم ألمانيا”.
وعند الوصول إلى ألمانيا يقوم اللاجىء بتقديم طلب لجوء، ويتم وضعه في “كامب مؤقت”، وهو عبارة عن مجمعات سكنية أو مستشفيات، ويُعطى رقماً ويخضع لمقابلتين، تمهيداً لمواجهة المحكمة. وفي هذه الفترة يتم إعطاء اللاجىء معاشاً، وعند منحه الإقامة يمكنه التسجيل على بيت تتكفل بتأمينه الدولة، ويُفرض عليه دورات لغة للإندماج والتواصل مع الناس، كما يشير عبد الله البيروتي الذي توجه إلى ألمانيا مع عائلته، مشيراً إلى أن “الراشد يحصل قبل الفرز على 143 يورو كل أسبوعين، أما القاصر فيحصل على 85 يورو”.
وتلعب شهرة الدول دوراً كبيراً في جذب المهاجرين، فالوجهة الأساسية تكون ألمانيا أو هولندا أو السويد، ولكن إرتفاع أعداد اللاجئين وتأخر انجاز الإجراءات، كما يشير اللاجىء عبد الله، دفع بعضهم إلى البحث عن دول جديدة، كما فعل جهاد الذي توجه نحو فنلندا، فيما تحول آخرون نحو بلجيكا والنمسا. والمفاضلة بين الدول تتم حسب الشروط التي تضعها هذه الدولة أو تلك للحصول على الجنسية، فالسويد مثلاً لا تفرض شرط تعلم اللغة، كما أنها تمنح القاصرين تلقائياً الجنسية، بينما تلزم هولندا طالب الجنسية تأكيد إندماجه في المجتمع.
كما أن قبول طلبات اللجوء لم يعد أكيداً، ولكن عند رفض طلبات اللجوء، يمكن للاجئين التوجه إلى محامين تدفع الدولة نفقاتهم، وذلك لإستئناف القرار ولإعتبارات إنسانية، علماً أنه في حال ترحيل هذا الشخص لا يعود بإمكانه تقديم طلب لجوء إلى أي دولة في الإتحاد الأوروبي.
المدن
لاجئات سوريات قاصرات لـ «البيع» تحت ستار الزواج/ ماهر الشوابكة
لعلّ أبشع ما تواجهه عائلات سورية دفعتها ويلات الفوضى الوحشية الدائرة في بلادها إلى اللجوء في الأردن، هو اضطرارها إلى «بيع» بناتها القاصرات لأثرياء تحت مسمى الزواج والسترة، وإبعادهن عن حياة المخيم (الزعتري 70 كلم شمال عمّان)، الذي تتعرّض فيه فتيات كثيرة للتحرّش والاغتصاب.
ويتولّى سماسرة الزواج المنتشرون داخل المخيم اختيار الفتيات الأجمل والأصغر لأثرياء معظمهم متزوّج أو متقدّم في السن.
وسلاح هؤلاء السماسرة هو الدولار وحاجة الأسر اللاجئة المحتاجة له لتوفير سبل العيش، وفق اعتقادهم وإبعادهن عن أخطار اللجوء وتشعباته.
ويرفض القانون الأردني تزويج الفتاة إلا بعد تجاوزها سن الـ 18، إلا في حالات معيّنة يُترك تقديرها للقاضي الشرعي، كون هذه السن تعتبر معياراً للنضج، خصوصاً أن الفتاة قبل ذلك لا تكون جاهزة للزواج جسدياً أو عقلياً أو عاطفياً.
ولا يكلّف الراغب في الزواج من لاجئة سورية قاصر إلا ملء استمارة ودفع مبلغ نقدي لسماسرة قبل تحقيق مراده في غضون أيام.
تقول السورية الشقراء ريهان التي لم تبلغ الـ 16 سنة، أن والدها اضطر لـ «بيعها» وأختها التي لم تبلغ الـ 15 سنة، إلى ثريين عربيين في مقابل 7 آلاف دولار عن كل منهما، وما لبثا أن اختفيا بعد 20 يوماً فقط من عقد القران.
وتؤكّد فريهان أن الثريين، وهما شقيقان الأول في الـ 55 من عمره والثاني في الـ 51، استأجرا لهما شقتين مفروشتين في عمّان، غير انها وشقيقتها افتقدتاهما بعد أسبوعين.
وتضيف أن عقد القران تمّ بورقة خارج المحكمة الشرعية، تحت إلحاح السمسار الذي أخبرهما بأن الزوجين سيثبتان العقد عندما يغادران إلى بلدهما. وتجزم أن الحيلة انطلت على الوالد تحت ضغط الحاجة، وسعياً إلى أن تنتقل ابنتاه مع زوجيهما إلى موطنهما.
وتذكر بسمة أن السمسار أخبر عائلتها بأن الزوجين سينجزان معاملة لمّ شمل أفرادها في بلدهما. لكن هذه الأسرة بقيت تعيش في مقطورة معدنية وسط صحراء لاهبة صيفاً وقارسة البرد شتاء.
وتؤكّد الدكتور أميرة محمد الضابط في مكافحة الاتجار بالبشر في «منظمة الهجرة الدولية»، أن مثل هذا الزواج «يكون قصير الأجل عادة ويمكن ألاّ يدوم أكثر من 24 ساعة»، معتبرة أنه «غطاء قانوني للاستغلال الجنسي».
وقالت: «على رغم أن الزواج المبكر شائع في الأرياف السورية، إلا أنه من وجهة نظر إنسانية، انتهاك صارخ لحقوق الإنسان».
ووفق القاضي الدكتور أشرف العمري في دائرة قاضي القضاة الأردنية، ينتهي أكثر من 50 في المئة من زواج اللاجئات السوريات القاصرات بالطلاق.
وعلّل العمري هذه النسبة المرتفعة من الطلاق، إلى أن كثراً من المتقدمين إلى الزواج أثرياء باحثون عن المتعة. وأضاف أن هذا النوع من الزيجات لا يستمر أكثر من أشهر وأحياناً أياماً قليلة، مشيراً إلى أن مهور هؤلاء القاصرات غالباً ما تكون مرتفعة، قياساً إلى المهور المتعارف عليها، لأن موافقة ذويهن على تزويجهن أشبه ما تكون بصفقة، للخلاص من حالة الفقر التي يعيشونها، كاشفاً أن الدائرة تسجّل شهرياً أكثر من 6 آلاف حالة زواج مبكر بين اللاجئات السوريات.
وأوضح العمري أن غالبية القاصرات، المعروضات للزواج، يكن عادة من المتسرّبات من المدرسة، نظراً إلى حاجة ذويهن لعملهن، أو لبعد المدارس عن مساكنهن، ما يتطلّب نفقات مواصلات لا يستطيعون توفيرها.
وقدّر العمري نسبة زواج القاصرات (15-18 سنة) بين اللاجئات السوريات في الأردن بنحو 35 في المئة في عام 2015، في مقابل نحو 18 في المئة عام 2013 و25 في المئة عام 2014. ولفت إلى أن حالة اليقين لدى اللاجئين بأن وجودهم في الأردن موقت وإمكان تصويب أوضاع هذة الزيجات لاحقاً في بلادهم بعد العودة، يدفعهم إلى عدم توثيق زيجاتهم.
وأوضح العمري أن دائرة قاضي القضاة تأخذ معايير عدة بالحسبان في مسألة زواج القاصرات، أبرزها: التحقق من الرضا التام للمخطوبة والولي، وعدم وجود فارق سن كبير بينها وبين الخاطب، وألا يكون الخاطب متزوجاً من أخرى، والتأكّد من ملاءته مالياً ووجود حاجة واضحة للزواج. وأكّد أنه في حال اكتشاف زيجات لاجئات دون عمر الـ 15 سنة، تثبّت الدائرة العقد إذا تجاوزت الفتاة حينها الـ 15 سنة، وإلا يفسخ العقد.
الحياة
أنجيلو تزورتزيني: عن شواطىء لم يبلغها السوريون/ جوزيف الحاج
إختارت مجلة “تايم” الأميركية المصور اليوناني أنجيلو تزورتزيني(31 عاماً) Angelos Tzortzinis مصور العام 2015. هو السابع على لائحة هذه الجائزة، بعد البرازيلي موريسيو ليما (2010) وتغطياته في أفغانستان، بيت موللر (2011)، الإيطالي ماركو لونغاري (2012) الذي نال الجائزة عن تغطياته في سوريا ومصر والضفة الغربية وغزّة، محمد محيسن (2013)، وبولنت كيليج (2014).
كان اختيار هذا اليوناني، باعتراف اللجنة المانحة، صعباً إذ سبقته مداولات حامية. فهناك العديد من المصورين الذين يواظبون على تحقيق مواضيعهم الرائعة: الأفغاني محمد محيسن لا يزال يوثّق مصائر الأطفال الذين أجبروا على الفرار من سوريا والعراق، مع عائلاتهم أو حتى من دونها. بولنت كيليج، يجول حتى الآن عند الحدود التركية- السورية، متابعاً ملاحقاً اللاجئين السوريين بعد أن إحتلّت صوره الصحافة العالمية على مدى أشهر متواصلة فتعرّفت أوروبا بفضله على أفظع مآسي اللجوء. أسماء أخرى تمّ استعراضها: دان كيتوود، من “غيتي إيمادج”، لفتت أنظار الحكام لتغطياتها عن لاجئي البلقان، واحتفالات ذكرى معركة واترلو، والصيد بواسطة الصقور في دولة الإمارات العربية، والهجوم على “شارلي إيبدو”.
في النهاية انتزع الجائزة هذا اليوناني الشاب، مصور وكالة “فرانس برس” الذي غطى أكبر أزمتين تعاني منهما اليونان: تهافت اللاجئين السوريين وتداعيات الأزمة الإقتصادية.
ولد تزورتزيني في 1984 في “إيغليو” الحي الأفقر بين ضواحي العاصمة أثينا. حياته سلسلة تجارب صعبة علمته أن “لا شيء يتحقق بسهولة”، شعار رافقه إلى مهنته كمصوِّر، والتي لم يكن ينوي إحترافها إلاّ لإيجاد مخرج ينقذه من حياة البؤس في الضواحي التي ولد ونشأ فيها. بعد تخرّجه من أكاديمية “لايكا” للتصوير أدرك أن الكاميرا سوف تكون خياراً لا تراجع عنه “كان هدفي أن يشاهد الناس صوري وفهم ما تعنيه بالنسبة لي” قال.
يصوّر لـ”نيويورك تايمز”، ويعمل لحساب فرانس برس منذ 2007، محافظاً على تغطيات مستقلة في ليبيا، مصر، تركيا واليونان. يعتقد أن الفوتوغرافيا ليست التقاط مشهد فقط، “المصور الجيّد لا يهتم بالجمالية، التصوير عملية معقدة جداً. إن قيم المصوّر وخبراته جزء كبير من شخصيته، تتسرّب عبر سلوكه وصوره. لذلك أرغب في تغطية مواضيع تهمني وتؤثر في حياتي، كأحوال اللاجئين وأزمة بلدي الإقتصادية لأنني جزء منها. أعيش في قلب هذه الأزمة، وأحاول إيجاد أجوبة عبر الصور. صوري لتظاهرات اليونان تذكير بتأثير القرارات السياسية الأوروبية على حياة اليونانيين”. يخشى الإقتراب من مواضيعه “ما قد يعيق إستقصاء حقيقة الحدث”.
عن موضوع اللاجئين يقول: “أصبحت اليونان نقطة تجمّع لمئات الآلاف من السوريين والعراقيين والأفغان الباحثين عن حياة أفضل. أعادت هذه الأزمة ذكريات طفولتي. نشأت في حي المرفاْ حيث كان يعيش عشرات اللاجئين العراقيين في ظروف سيئة. كنت ألعب معهم الكرة وأتساءل: كيف جاؤوا إلى هنا، تاركين وراءهم عائلاتهم وحياتهم”.
عندما راحت جثث المهاجرين تطفو عند الشواطئ، وجد نفسه عاجزاً عن المساعدة، فكّر بأحلامهم بحياة أفضل، وبإختصارهم في ثوانٍ ضمن نشرات الأخبار، فقرر الإهتمام بقضيتهم، محافظاً على توازن بين إحتياجات الوكالات وبين وأسلوبه. هدفي ان لا أكون شاهداً إضافياً على المأساة. أحرص على الحياد والموضوعية، وإظهار ما لا يمكن كشفه في العادة. أريد صوراً تطرح تساؤلات عن مستقبل الناس، أكانوا يونانيين أم سوريين”.
يبقى تزورتزيني شاهداً مميزاً، رغماً عنه، على أحداث تاريخية تجري أمام كاميرته، يبرع في إلتقاط عنفها ومآسيها وحتى لحظاتها الحميمة، في تأطيرات محكمة دقيقة.
المدن
اللاجئون السوريون في شتائهم الرابع:الدفء ممنوع/ لوسي بارسخيان
من أشد مظاهر قساوة العاصفة الثلجية التي مرت على لبنان بداية العام الحالي، كانت صورة الأطفال الذين تهافتوا على كاميرات وسائل الاعلام للمطالبة بقفازات لأياديهم الباردة. فمع أن الشتاء هو الرابع للاجئين السوريين في لبنان، فإن القفازات والمعاطف، على بساطتها، ليست من ضمن أولويات الدول المانحة، ولا أهالي الاطفال اللاجئين، في ظل التراجع الكبير في تقديمات هذه الدول، وفي المستوى المعيشي للاجئين، ما يعمم حالة من البؤس سواء عند المقيمين في الخيم أو في المساحات الانشائية المسماة بيوتاً. مع ذلك يبدو مشهد الأطفال الذين يلهون بالثلج في البقاع بأقدام شبه حافية وسط الصقيع، الفسحة الوحيدة المتوفرة لهم خارج مساحاتهم الضيقة التي تتوسطها المواقد المشتعلة ببقايا الحفاضات والكرتون والبلاستيك والأحذية القديمة.
هكذا، يزيد فصل الشتاء من مشهد البؤس الذي يزنّر حياة اللاجئين، رافعاً منسوب خوف سكان الخيم من هبوطها على رؤوسهم بعدما تلف العديد منها بسبب العوامل المناخية.
فوفقاً للتقييم السنوي لجوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان للعام 2015، الذي أطلق من قبل برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة قبل أيام، تدهورت حالة اللاجئين كثيراً في السنة الأخيرة، بحيث يمكن القول إن أكثر من 70 بالمئة من المسجلين في المفوضية يرزحون تحت خط الفقر، ويعيشون بأقل من 3 دولار و80 سنتاً للفرد في اليوم الواحد. وتبين خلال التقييم أيضاً أن أكثر من 90 بالمئة من هؤلاء صاروا مثقلين بالديون. وتقول ليزا أبو خالد، المسؤولة المساعدة في قسم الاعلام في المفوضية لـ”المدن” إن المفوضية ضاعفت، خلال الشتاء الحالي، أعداد المستفيدين من مساعدات الشتاء النقدية، والتي تتضمن بالاضافة الى بطاقات مازوت بقيمة 100 دولار شهرياً للاجئين في عرسال وغيرها من المناطق النائية، مبالغ نقدية للمقيمين في المناطق الأخرى حُدد سقفها بـ147 دولاراً للعائلة التي تسكن على ارتفاع يزيد عن 500 متر و100 دولار للقاطنين في المرتفعات الأدنى، مع تحرير وجهة انفاق المبلغ بشكل يسمح للاجئ بتحديد أولويات انفاقه، سواء للتدفئة أو ايجار المسكن أو للغذاء، خصوصاً أن 50 بالمئة من اللاجئين المسجلين في المفوضية لا يستفيدون عملياً من البطاقة الغذائية.
ويشمل هذا البرنامج الذي أعتمد منذ الشتاء الماضي حالياً نحو 151 الف عائلة سورية مقيمة في لبنان، أي ما يقارب 750 ألف فرد، ابتداءاً من شهر تشرين الثاني 2015 حتى شهر آذار 2016. بينما أظهرت الدراسة أن عدد العائلات الأكثر ضعفاً في فصل الشتاء، والتي تحتاج فعلياً الى هذه المساعدات، يصل إلى 195 الفاً، أي حوالى 975 ألف فرد.
الا أن سوء أوضاع اللاجئين السوريين، اضطرهم إلى دفع هذا المبلغ في بداية موسم الشتاء لتسديد الديون التي تراكمت عليهم، ما جعل الشتاء يفاجئ كثيرين منهم، فلم يتزودوا بالمازوت، فتهافتوا على محطات الوقود لتأمين كميات ضئيلة منه، تكفيهم لأيام قليلة، فيما عمد كثيرٌ منهم الى تكديس أجسادهم تحت الحرامات الموزعة عليهم سابقاً.
والحالة المتردية لا تنطبق فقط على سكان المخيمات، كما تؤكد أبو خالد، بل تشير إلى دراسات أجرتها المفوضّية أظهرت انه على خلاف ما يُعتقد فإن 18 بالمئة فقط من اللاجئين يسكنون في الخيم، وهؤلاء يشكلون جزءاً من 55 بالمئة من اللاجئين الذين يصنفون في فئة اللاجئين الأكثر ضعفاً في لبنان، ويسكنون في أماكن غير آمنة من ضمنها المخيمات العشوائية أو المباني غير المكتملة والكاراجات.
ومع ذلك تبقى شوادر الخيم وهشاشتها في أولوية الاهتمامات، خصوصاً لمن لا يملكون بديلاً يقي رؤوسهم من الأمطار والثلوج، كما تشرح هبة فارس المسؤولة الاعلامية في منظمة MEDAIR المعنية بشكل أساسي بتوفير الخيم ومستلزماتها، لـ”المدن”. وتقول فارس إن إعادة تأهيل الشوادر تبقى استحقاقاً موسمياً بسبب العوامل المناخية، التي تتسبب في تآكل حتى النوعية الأفضل منها، ولذلك “استبقنا الأمور هذه السنة من خلال توزيع الشوادر والخشب على أعداد من اللاجئين، لكن حجم هذه المخيمات صار خيالياً، واللاجئون السوريون تحولوا إلى مجتمعات تكبر وتتولد، وبالتالي فإن الحاجة إلى زيادة الخيم وتكبير المخيمات تسير بشكل مضطرد، وفي ظل ضعف التمويل لا امكانية لتغطية كل المخيمات في آن واحد، حتى بعدما حفز اللجوء السوري الى أوروبا على تقديم مساعدات اضافية للدول المضيفة ومن ضمنها لبنان”.
وتزيد أعباء فصل الشتاء، كما تشير كل من أبو خالد وفارس، نتيجة تراجع القدرات الاقتصادية حتى للمقيمين في المنازل أو غير المسجلين في المفوضية. وتشرح فارس أن عائلات كثيرة كانت تقطن في المنازل ساء وضعها في السنوات الأخيرة، بحيث اضطرت للانتقال إلى الخيم من دون أن يكون لديها القدرة على التأقلم على العيش فيها. ومن هنا كان استهداف MEDAIR للاجئين المقيمين خارج المخيمات، وتدخلها في عقد الاتفاقات مع أصحاب الأملاك لتخفيض ايجارات بعض المساكن والمساهمة في تسديد أجزاء منها، وتجهيز بعض البيوت بالحاجات الأساسية، في محاولة للحد من بؤس حياة اللاجئين، خصوصاً في فصل الشتاء.
على أن المطلوب حالياً، بحسب فارس، أن “لا تنسى الدول أزمة سورية في أي وقت من الأوقات، وأن تبدي اهتماماً أكبر بمساعدة اللاجئين”، خصوصاً أن المشكلة تكبر في كل عام، لتتظهر صعوبة العيش في فصل الشتاء، حيث يصبح خيار البحر هرباً الى أوروبا مواز لمأساة العيش من دون دفء وطعام سواء في لبنان أو في تركيا والأردن، كما يردد اللاجئون.
المدن