صفحات مميزة

مقالات تناولت المسألة الكردية في سورية

وجهة نظر تيار مواطنة في المسألة الكردية في سورية

سوريا المستقبل والمسألة الكردية:

الثورة السورية “ثورة سياسية” وذات “طابع تاريخي”، إن لم نقل “ثورة تاريخية” مخافة المبالغة في التوقعات والإغراق في التفاؤل. وهي تواجه تحديات كبيرة بقدر ما تحمل من آمال عريضة. فالمأمول منها لا يقف عند حد تغيير “النظام السياسي”، وإنما إعادة بناء “دولة” سورية وولادة “شعب” سوري بـ”هوية وطنية” سورية. فمشكلة سورية لم تكن تقتصر على بدء تآكل “عقدها الاجتماعي” منذ ستينيات القرن الماضي وصولاً إلى تلاشيه خلال الأربعين سنة الماضية وحسب، وإنما في عيوب وقصور اعترت “عقدها الاجتماعي التأسيسي” الأول. فعلى الرغم من أن الفصل الأول من دستور 1950 جاء تحت عنوان “في الجمهورية السورية” نصت المادة الأولى منه على أن: “سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة. وهي وحدة سياسية لا تتجزأ ولا يجوز التخلي عن جزء من أراضيها. والشعب السوري جزء من الأمة العربية. وفي حين قضت المادة السابعة بأن: “المواطنون متساوون أمام القانون في الواجبات والحقوق وفي الكرامة والمنزلة الاجتماعية.” لم تكمل لتقول: “بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس …”، تماشياً مع المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان: “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.” وإذا كان هذا هو الحال على المستوى النظري، دستورياً وما ينتج عنه من تشريعات ومؤسسات، فإن حال مستوى الواقع العملي الممارس للسوريين هو الأخطر. فلقد عاشت الغالبية الكاسحة من السوريين ازدواجية عميقة ومزمنة، بين ما يحملونه ويرفعونه من آيديولوجيا وشعارات وأهداف “قومية عروبية” عابرة بترفع عن “الوطنية السورية”، وبين ما يعيشونه حقيقة في حياتهم اليومية من انتماءات وعلاقات ومؤسسات طائفية ومذهبية “ما تحت وطنية” دون أن يرتقوا إلى “هوية وطنية” سورية. وأدى هذا التناقض، فيما أدى إليه، إلى ضعف “بناء دولة وطنية سورية” مقابل تورم “قطر سوري” يسعى إلى دولة عربية منشودة، وهشاشة “وجود شعب سوري” مقابل “شعب عربي في سورية” يقصي ويهمش السوريون من غير العرب، والأكراد منهم على وجه الخصوص.

مما تقدم تتضح إحدى أكبر التحديات أمام سوريا المستقبل، ألا وهي بناء “دولة وطنية” سورية قائمة على “عقد اجتماعي” جديد يفتح صيرورة لاندماج اجتماعي يفتح صيرورة لخلق “شعب سوري” يحمل هوية “وطنية سورية”. يبدأ هذا العقد الاجتماعي بالحقوق المتساوية للمواطنين بغض النظر عن العرق والدين والجنس، ولا ينتهي عندها. فالحقوق يجب أن تشمل الحقوق الثقافية واللغوية والعادات والتقاليد لجميع السوريين من مختلف الأعراق والقوميات بلا تردد أو استثناء. يضاف إلى ذلك الحقوق الخاصة بالأكراد بما في ذلك الحقوق السياسية. وإذ نميز الأكراد عن غيرهم من الأصول القومية الأخرى، غير العربية، فذلك بسبب الوضع الديموغرافي والتاريخي الخاص بهم والمختلف عن بقية الأقوام الأخرى. فليس لكل من السريان والآشوريين والأرمن والشركس والتركمان مطالب وطموحات تتعدى حقوق المواطنة المتساوية والحقوق الثقافية واللغوية والفلكلورية على الأرض السورية، لأسباب تاريخية وجغرافية وسكانية غنية عن التعريف. من هنا تتوقف صحة “العقد الاجتماعي” السورية على معالجة “خصوصية” المسألة الكردية في سورية. والمدخل الصحيح لحل المسألة الكردية في سورية ينطلق من أمرين اثنين، يتجلى أولهما بأن يعيد السوريون من أصل عربي النظر بالمسألة الكردية من اعتبارها “مشكلة أكراد في سورية” إلى اعتبارها مسألة “وطنية سورية” بامتياز، ويتوقف على معالجتها بشكل صحيح رسم مستقبل سورية المأمول. والأمر الآخر يتعلق بمدى إمكانية أن ينظر الأكراد إلى قضيتهم، في المدى المنظور والمستقبل الراهن على الأقل، بأنها “قضية سورية” يحملها سوريون من أصل كردي للوصول إلى أفضل تصور لمستقبل سورية.

ولأن معالجة “القضية الكردية” معالجة تاريخية تتعلق بالأمة الكردية وثقلها الرئيس خارج سورية من جهة أولى، ومعالجتها من منظور مبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها” من جهة أخرى، تمت في فقرات سابقة فسنحصر نقاشنا في هذه الفقرة على معالجتها من خلال الاحتمالات المتاحة والممكنة في الواقع العياني الملموس في الظروف السورية الراهنة بملابساتها وتعقيداتها.

من الطبيعي، والمبرر، والمفهوم أن تعلو الأصوات الكردية، وتصبح واضحة وعلنية وجذرية بعد الثورة في سورية، بعد أن كانت الآراء والطروحات نفسها تُقال في السابق بخفوت وفي الغرف المغلقة وعبر بعض الأدبيات الحزبية الجذرية. ومن الطبيعي أيضاً أن يتم الحديث عن “ربيع كردي بعد الربيع العربي”، وأن يتم التذكير بأن “ربيعاً كردياً” سبق الربيع العربي في القامشلي عام 2004. وكما يقال، بحق، بأنه لا يمكن تجاوز “عطش الأكراد إلى حكم أنفسهم ذاتياً”، وبأن “الحل الوحيد يتمثل بالفدرالية”. فهل الفيدرالية ممكنة عملياً في الواقع السوري المشخص عيانياً؟

ينتشر الشعب الكردي في سورية على مساحات شاسعة من الأرض، وتتموضع التجمعات السكانية ذات الأغلبية الكردية بشكل متباعد جغرافياً، وتتداخل هذه التجمعات متشابكة مع تجمعات سكانية عربية وسريانية وآشورية وأرمينية وتركمانية وشركسية. فكيف ستقام منطقة حكم ذاتي كردية ترتبط بسورية بنظام حكم فيدرالي، في ظل غياب استمرارية سكانية، غير متقطعة وغير متداخلة، على أراضي غير متواصلة جغرافياً؟ فهل يمكن ذلك عن طريق تبادل أراضٍ ونقل سكان؟ أم أن هناك حلاً لا يمكن وصفه بالفيدرالي ولكنه يحقق معظم أهداف وغايات الفيدرالية؟ وما هو هذا الحل.

قبل الثورة، وبعيداً عن المسألة الكردية، كانت تُطرح “رؤىً” لسورية ما بعد النظام الشمولي، يحملها سوريون من منظور “تنموي” حقيقي وفعال. فمن أجل “تنمية حقيقية شاملة ومستدامة”، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، لا بد من نظام سياسي مختلف. فبالإضافة إلى ضرورة ربط التنمية بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتوزيع العادل للثروة، يجب إقامة “دولة” “مركزية سياسياً” و”لا مركزية إدارياً”. وكي لا تبقى المسائل في العموميات وبشكل ضبابي، كان يُقال بوضوح أن “اللامركزية الإدارية” تتطلب نصوصاً دستورية وتشريعات قانونية تقضي، فيما تقضيه، أن يتم انتخاب المحافظين ضمن محافظتهم من قبل أبناء المحافظة. وكذلك مدراء المناطق والنواحي والمخاتير. وأن تتمتع السلطات المحلية بصلاحيات حقيقية وواسعة، وأن تكون مسؤولة أمام ناخبيها عبر صناديق الاقتراع في كل دورة انتخابية، وحتى أمام القضاء عندما يتطلب الأمر ذلك. وأن تكون حصة الميزانيات المحلية من الميزانية المركزية بشكل تتناسب مع الحاجات والأعباء التنموية، وذلك لصالح المناطق الأقل نمواً. ويمكن التفكير بأفكار أخرى ضمن نقاش وطني عام في المرحلة الانتقالية. ومن هذه الأفكار على سبيل المثال لا الحصر هي إمكانية إعادة التقسيمات الإدارية في سورية، كأن تقسم سورية إلى أقاليم، يضم كل إقليم مجموعة من المحافظات، وتكون إدارة الإقليم منتخبة من قبل أبناء الإقليم. كما يمكن التفكير بتعديلات على حدود المحافظات إذا اقتضى ذلك ضرورات العملية التنموية، اقتصادياً وبشرياً وثقافياً. ويجب أن يبقى النقاش حول هذه الأفكار وغيرها عاماً ومفتوحاً.

وفي النهاية، ولأسباب كثيرة لا مجال هنا لمناقشتها وتحليلها، يجب التأكيد، بوضوح وصدق وحزم، على أن “المركزية السياسية” هي “ضرورة وجودية” لأي “دولة” سورية، والتفريط بها هو تفريط بوجود “دولة سورية” أصلاً. لكن المركزية الإدارية ليست كذلك.

من يتحمل مسؤولية عدم ائتلاف الكرد مع الائتلاف؟!

فاروق حجّي مصطفى

كيف يمكن للمعارضة اصلاح ذات البين؟ وأخص بالذكر “الائتلاف الوطني للمعارضة”، والمعارضةالكُردية, ولعل هذا السؤال هو الأول (الآن)بعد أن تأسس الاطار الجديد للمعارضة وهو اطار طموح، ولديه رغبة كبيرة بان تكون ممثلة سياسيّة للثورة السوريّة، وأعتقد انّ المعارضة المتمثلة ب “الائتلاف” تدرك تماما كيف يمكن لها أن تحقيق هذا الطموح، وكما انّه يدرك إنّ تكرار اخطاء “المجلس الوطني السوري” سيكون له تداعيات خطيرة على الأداء الثورة كما كان الحال مع ” المجلس الوطني السوري”.

والحق انّ غياب القوى الكُرديّة المتمثلة بمجلسها الوطني الكُردي كان أمراً ملفتاً ومثيراً للجدل ، فهناك من عزا السبب بأنّ واقع “الائتلاف” شكل عقبة امام انخراط الكُرد لهذه المؤسسة، ومنهم من عزا بأنّ توخي حذر الكُرد من ذهنيّة بعض القوى العربيّة، وهناك من رأى بأنّ سبب عدم انخراط الكُرد لهذا الاطار والذي حظي باهتمام كبير لدى شريحة واسعة لاطراف المعارضة المختلفة هو انّ الكُرد أنفسهم لا يريدن دمج انفسهم في أي اطار للمعارضة والتي ما برحت وتعاني من الشقاق.

في الواقع انّ الطرفين يتحملان مسؤولية عدم التآم الكُرد مع “الائتلاف” الجديد، فمن جهة انّ الكُرد رأوا في تردد بعض القوى العربيّة بتفهم واقعهم واحوالهم شماعة يعلقون عليه كل ثغرات أدائهم السياسي، ومن جهة أخرى انّ بعض القوى المعارضة تريد أن تستفرد بالقيادة وما على البقيّة إلا أن تتبعها وان تكون ملحقة لها، وهذا الأمر بدا كما لو انّه يسيطر علينا مرة أخرى اوهام الاستبداد(التفرد بالحال والواقع) ولعله سيبقى مفصل يعيق دمج القوى المعارضة في حالة الثورة بشكل يليق بالثورة.

بيد أنّ واقع الثورة يفرض على السوريين أن يفكروا بمنطق آخر غير المنطق الذي يلازم الذهنيات المتحكمة الكُرديّة والعربيّة، واقع الثورة يضغط على الجميع أن يكونوا على الأقل في هذه المرحلة بمستوى الحدث وبمستوى انجازات الثورة، ولذلك انّ الطرفان يقع عليهما مسؤوليّة الخلاص من تشتت في حيّز المعارضة السياسيّة، ولعل هذا ما يفرض على الطرفين ان يكونا:

كُرديّاً: أن يبدي الكُرد بادرة حسن النية تجاه “الائتلاف”، فليس عيباً أو نقصاً أن يوضح الكُرد للائتلاف بأنهم /اي الائتلاف/و المجلس الوطني الكُردي شركاء وليس من الضروي أن يكونوا كيانا مندمجا وموحدا، وذلك لكي لا يشعر الكُرد بأنهم مجرد تابعين للائتلاف انّما طرف مساهم ومشارك في تأسيس هذا الاطار الذي من المفترض أن يكون اطاراً جامعاً، وعلى الكُرد أيضاً الاستبعاد عن “الترهات” والانغراق في المخاوف التي اصبحت غير مبررة، وبالمقابل انّ تحقيق اي تفاهم لتطلعات الكُرد هو امراً مشروع ولعل القفز عليه هو امر غير مشروع وتنقص من أهمية الثورة وقيمها أيضاً..لأنّ الثورات من وظيفتها تغيير واقع قديم وفرض وقائع جديدة ومجتمعات سياسيّة جديدة وهذا لا يتم إلا عبر قراءة واقع المجتمعي والسياسيّ وايجاد حلول لقضايا العالقة والتي كانت مستهترة بها في زمن الاستبداد.

أما على مستوى الائتلاف: فانّ المجتمعون في القاهرة قد اخطأوا عندما اعتبروا انّ “المجلس الوطني السوري” طرف وانّ بقيّة مكونات الثورة او المعارضة طرف آخر؛ في هذه الحالة انّ اجتماع الدوحة استخفّ من مكان المكونات المعارضة مقابل اعطاء زخم ومكانة رفيعة لـ “المجلس الوطنيّ السوريّ” في وقت الذي طلب وزير خارجية امريكة بعجز المجلس الوطني السيورية واستيجاب تغييره، وهناك نقطة اخرى وهي انّ اجتماع الدوحة كان “أمرا واقعاً” أكثر من كونه نتيجة طبيعية لتطور الطبيعي لسير عمل وفعل المعارضة.

بقي القول انّ الثورة تخطو خطوات جسورة وذات أهميّة كبيرة؛ ولعل نجاح الثورة والحفاظ على قيمها مرهون باعادة صياغة جديدة لقيادة سياسيّة فعالة لئلا يتحول العسكري الى ممثل سياسيّ وعسكري في نفس الوقت انّما عبر التكامل بين مكونات الثورة المسلحة الوطنيّة حصراً وبين مكونات الثورة السياسيّة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجب اعطاء ضمانات سياسية وليست الدستورية لكل المكونات الاجتماعية، ولعل تطمين الكُرد من خلال عقد تفاهم سياسي حول حقوقهم المشروعة، ومساعدتهم لتحسين ادائهم في الثورة هي من واجبات اساسيّة ل”الائتلاف” مثلها مثل بقيّة الواجبات وذلك لاجل تفعيل دور المعارضة السياسيّة وخلق بيئات جديدة، وهي البيئة التي يمكن العمل من خلالها بمنطق يد واحد وعقل جماعي منتج وفاعل وهنا مربط الفرس..حيث الثورة تفرض على الجميع بنكران الذات وعدم الانغراق في الترهات والعمل على خلق اطار سياسي فاعل لقيادتها وامام الرأي العام السوريّ على الأقل.

أورينت نت

في تأجيل ملف حقوق الكُرد إلى ما بعد سقوط الأسد

فاروق البرازي

في البدء، وعندما غاب الممثل الكُردي عن منبر المؤتمر الإعلامي الذي عقدته رئاسة الائتلاف الوطني للمعارضة السورية، لغاية شرح الخطوط العريضة لأفق الائتلاف الجديد سياسيّاً وعملياتيّاً، وُجّه اللوم الى الأداء الكُردي ومقاربته للحالة السوريّة، وكذلك مقاربته للمعارضة أيضاً، وقلنا انّ الكُرد لا يحسنون قراءة المرحلة بشكل دقيق، وفق استحقاقات المرحلة كُرديّاً وسوريّاً .إلا انّ سرعان ما ظهر على الملأ انّ المعارضة السوريّة أيضاً ليست جادة في جذب الكُرد إلى صفوفها، ولعل التصريح الأخير من قبل رئيس الائتلاف، الشيخ معاذ الخطيب، والذي أفاد أنّ المذكرة التي قُدمت من الكُرد إلى المعارضة بطلب تعديل خطاب المعارضة السياسيّة بما يتعلق باسم الدولة وكذلك المقاربة العادلة لوجودهم سكانياً (15 في المئة) إلى ما بعد انتخاب برلمان حرّ بعد سقوط النظام، بحُجة أنّ هذه الأمور دستوريّة أكثر من انّها سياسيّة، ما هو إلا هروب إلى الأمام، ويشي بغياب إرادة الوحدة بينها وبين القوى الكُرديّة.

ثمّة من يرى بأنّ المعارضة السوريّة، وبخاصة الائتلاف الوطني للمعارضة، لا تكلف نفسها أن تبادر بإيجابية بخصوص حقوق الكُرد، ويعزو البعض بأنّه هو نفسه ما زال يحتاج إلى فرصة أخرى لتحرير نفسه من غبار الاستبداد، ومن غبار رفض الآخر، الذي ما انفكت (وغالبيّة المعارضة) متأثرة بأفكار العروبيّة وثقافة الاستفراد بالقرار ونبذ الآخر مجتمعيّاً وسياسيّاً، مع انّ الثورة السوريّة فرضت وقائع على الأرض وكان بوسع المعارضة الاستفادة من فرض الثورة حالة من المساواة وترجمته سياسيّاً، فالنظام السابق وبالرغم من وجود مراكزه الأمنية وسلطته القاهرة، إلا انّه عجز عن بناء حيز من المساواة. وما أمكن فعله من قبل النظام هو فقط بناء المساواة في ثقافة الخوف، أمّا على المستويات الأخرى فاّن النظام قد عجز في ذلك.

الثورة السوريّة استطاعت ان تبلور المساواة في الحالة العامة في كل سوريا، من خلال التشبث بمطالبة سقوط النظام، وبناء دولة القانون، وفي المجال العملي مثل العمل الإغاثي وكذلك في التظاهرات والاحتجاجات ورفض القمع والتنكيل بالناس والإصرار على المطالبة بالكرامة.

والحال انّ الكُرد بدا انهم متمسكون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحقوقهم، ولعل السبب انّهم لم يعد بوسعهم القبول بطي صفحة حقوقهم إلى حقبة أخرى، أو أن ينتظروا ثورة أخرى، خصوصاً بعدما تبين لهم انّ قيامهم بالثورة بمفردهم لا يحقق الغايات، فالثورة الجامعة تحقق الحقوق الجامعة، ومن هنا يجب أن تفكر المعارضة بأنّ عليها أن تكون بمستوى الثورة وأهدافها وما المراد من تحقيقها. أي أن لا يشعر أحد بانه مغبونٌ بعد نجاح الثورة.

استطراداً.. ما كان من المفروض على الائتلاف أن يستبق الدساتير أو اللجان المؤسسة لدستور، والكُرد لا يطلبون منه (الائتلاف) أن يأخذ مكان الدستور، لكن الذي يجب فعله هو أن يؤسس لعقد سياسي بين مكونات الثورة، وان هذا العقد سيتم بسهولة لو راعى أي طرف التطلعات السياسيّة للطرف الآخر. إلا انّه، وللأسف، لم يقم أو يساهم في بلورة ثقافة الاحترام لتطلعات الآخر. من هنا، لا نظن، وحسب احتكاكنا ووجودنا في لب المسألة الكُردية، انّ قيادياً ما أو أي حزب معين أو تكتلاً يتجرأ ويقفز فوق حقوق مجتمعه ومصالحه، ويتجرأ على توقيع اتفاق أو الانخراط في الائتلاف الجديد ما لم يساعده الائتلاف ذاته على ذلك، أي عبر الاعتراف بحقوق الكُرد، التي تنسجم إلى حد بعيد مع سوريا المستقبل، سوريا تعددية وبرلمانيّة ولا مركزيّة.

المهم هنا، وإذا أردنا بالفعل أن يكون الكُرد جزءاً من الائتلاف القائم فانّ على الائتلاف:

ـ أن يقدم رؤية ومقاربة واضحة تجاه الكُرد وقضاياهم، وذلك من خلال طرح الرؤية الشفافة لسوريا المستقبل.

ـ أن يكون متفهمّاً للحال الكُرديّة ومكوناتها المجتمعيّة والسياسيّة، حيث إنّ الثورة أيضاً فرضت واقعاً سياسيّاً وحزبيّاً جديداً على الحيّز الكُرديّ، فحال الكُرد بعد الثورة ليست مثل قبلها من حيث الحقوق والتطلعات وحتى الامكانيات السياسيّة والاقتصادية، لذلك كان من المفترض أن تقرأ المعارضة أيضاً الوقائع على الأرض، لا أن ينظر للكُرد كما هم عبارة عن مكون كان مغبوناً في زمن نظام الاستبداد ولهم حقوق ثقافيّة وهوية خاصة.

اليوم، وضع الكُردي مختلف، فما عاد مصير الكُردي بيد عدد من الشخصيات أو الأحزاب، فالثورة دفعت بكل الكُرد إلى الانخراط في تأسيس واقع لهم على المستوى الكُردي وعلى مستوى سوريا كوطن، لذلك هي (أي المعارضة وبخاصة الائتلاف) مدعوة للقراءة الجيدة ومقاربة جديدة للكُرد وشؤونهم وشجونهم.

الخطاب الأخير لرئيس الائتلاف بخصوص الكُرد ساهم في تعميق الهوة بينه وبين الكُرد، وفي الوقت الذي كان يلام الكُرد بأنّ عليهم أن يتعاملوا إيجابياً مع الائتلاف الجديد، إذ بالشارع الكُردي يتفاجأ قبل سياسييه بأنه ليس ثمة بوادر ايجابية من قبل الائتلاف تجاههم، بل ومسألة حساسة مثل مسألة حقوق الناس والجماعات لا يمكن تأجيلها.

والحق انّ تأجيل البتّ في الحقوق لا يمكن قبوله، من قبل الكُرد خصوصاً، وانّ ثمّة تجربة حيّة ما زالت امام أعينهم حيث انّ الكُرد في العراق قبلوا أن يكون مصير المناطق المتنازع عليها تحت رحمة الدستور وها قد مرّت عشر سنوات عجز فيها الدستور أن يحقق بنوده (140) بل ثمّة حرب (كُردية – مالكيّة) قد تندلع بسبب تأجيل القضايا المعلقة ووضعها تحت رحمة الدستور واللجان.

بقي القول إنّ تأجيل حقوق الكُرد الى ما بعد سقوط النظام، وعدم وجود تفاهم سياسي بين المكونات السوريّة حول حقوق الاقليات والكُرد، فانّه يؤجل سقوط النظام، فلا معنى لسقوط عندما نؤسس لمرحلة خلافية أخرى. لذا، فالائتلاف مدعو لتفّهم تطلعات الكُرد سياسياً، وأن تكون حقوق الكُرد جزءاً من خطابه السياسيّ، لكي نتجنب مواجهة الذهنيات المتحجرة في مرحلة ما بعد تغيير النظام.

المستقبل

كرد سوريا والنازحون و “الجيش الحر” منطقة منكوبة نفسياً

الحسكة ـ عارف حمزة

“الحياة مملة من دون إشاعات”. جملة ذهبية نطق بها هيروسترات. الجملة التي كانت، وما زالت، أحد الأسلحة الكبيرة التي استخدمتها الجيوش، كبيرة كانت أم صغيرة، في زرع الرعب، وربّما الهزيمة المسبقة من دون قتال، في نفوس الجيوش التي قابلتها، ناهيكم عن أدوارها، وحيواتها الأخرى، في تدمير وإعمار الشخصيّات والعلاقات والمصائر … الخ، مثلما استخدمها الشاعر كافافي قسطنطين في قصيدته الشهيرة “في انتظار البرابرة”.

في الثورة السوريّة كانت تتتالى المدن المنكوبة في نكبتها، البشريّة والعمرانيّة والتاريخيّة… بسبب الوحشيّة التي قوبلت بها التظاهرات السلميّة المطالبة بالحريّة من القهر والاستبداد، ومن ثمّ المظاهر المسلحة التي خرجت، بداية، لحماية المتظاهرين السلميّين في مطالباتهم السلميّة، ثمّ تحوّلت، بتعنّت وتدبير من العقليّة الوحشيّة للطرف القويّ، إلى مواجهة مسلحة بين الطرفين المسلحين. فصارت تلك المدن، التي كانت حاضنة لعناصر الجيش السوريّ الحرّ، مدناً منكوبة من كلّ النواحي، جاعلة سكّانها، الذين نجوا من القتل والاعتقال، نازحين في المدن والأرياف القريبة والمحاذية والمنتظرة لنكبتها القادمة عاجلاً أم آجلاً. وهذا بالضبط ما كان حال مدن كبيرة مثل درعا وحمص وإدلب ودير الزور وحلب وجزءاً من حماه المنكوبة في الثمانينات من القرن الماضي، ومدن صغيرة مثل جميع مناطق ريف العاصمة وريف حلب وريف دير الزور … ولم يبق على الأرض سوى مدن طرطوس واللاذقية على الساحل، التي تحوّلت إلى مناطق مغلقة نوعاً ما، تودّع جنودها المقاتلين، وتستقبل جنودها الشهداء، والسويداء، في أقصى الجنوب الغربي، التي صارت ملاذاً كبيراً للنازحين من ريف دمشق وحلب بالخصوص، ومدينة القنيطرة التي ظلت تعيش في الكتب المدرسيّة وزيارات الزعماء والشخصيّات المختلفة، كدليل على وحشيّة العدوّ الإسرائيلي خلال حرب السادس من تشرين الأول من عام 1973، والرقة والحسكة اللتين تحوّلتا إلى منطقتي نزوح كبيرتين لسكان حلب وحمص ودير الزور، على التوالي، مع وجود أعداد قليلة لعائلات من المناطق الأخرى نزحت بسبب علاقات القربى أو التزاوج.

في يوم 7/8/2011 كان النزوح الأول لعائلات من دير الزور إلى مدينة الحسكة، التي تبعد عنها /125/ كيلومتراً، إلا أنّهم عادوا بعد أسبوع إلى مدينتهم، التي كانت ملجأ للنازحين من مدينة حمص، عندما تمّ اجتياحها من الجيش النظاميّ في شباط من عام 2012. ليأتي النزوح الكبير بتاريخ 22/6/2012 لأكثر من ثلاثمائة ألف نازح من الديريّين والعائلات الحمصيّة التي كانت نزحت إليها، والمستمرّ لحد الآن.

كان هناك اتفاق غير مكتوب على أن تبقى محافظة الحسكة، والرقة والسويداء، بعيدة عن دخول الجيش السوريّ الحرّ إليها، وبالتالي عدم إيجاد ذرائع لدخول الجيش النظامي إليها وتدمير كامل المحافظة، في طريقه للقضاء على “المجموعات الإرهابيّة المسلحة” التي دأبت الحكومة على وصف الجيش الحرّ بذلك.

لكن مدينة الحسكة، التي استقبلت الدفقة الأولى الكبيرة من النازحين، ما يقارب خمسة آلاف عائلة، عاشت أياماً عصيبة رغم مشاعر الأخوّة، التي ترسّخت بين سكان المنطقة والنازحين القادمين من دير الزور، التي طمرت أياماً سوداء انطلقت شرارتها من ملعب القامشلي، شمال الحسكة، أثناء المباراة والتي جمعت فريقي الجهاد والفتوة في يوم الجمعة 12/3/2004. الأيام العصيبة هذه ابتدأت إثر ازدياد أعمال السلب والنهب والمشاجرات، ثمّ تطوّر الأمر إلى خطف أسماء معروفة، بملاءتها الماليّة وقربها من النظام، وطلب فدية مالية من أهاليهم تراوحت بين المائتي ألف ليرة سوريّة والخمسة ملايين. ورغم كثرة عمليّات الخطف، التي زادت عن ثلاثين حالة، لم يتحدّث المخطوفون عن الجهة التي قامت بخطفهم، ولا عن ملامحهم ولهجاتهم، ولا عن تصوّراتهم للأماكن التي تمّ خطفهم إليها، الى درجة أنّ أيّ واحد من المخطوفون لم ينظم ضبطاً لدى الشرطة، أو يتقدّم بشكوى لدى المحاكم، حتى أنّ أهاليهم لم يحاولوا التنسيق مع الأمن لاسترداد مخطوفيهم!!… وكانت الإشاعات تثار بأنّ النازحين هم مَن يقوم بذلك، ولكنها سرعان ما تبدّدت مع التأكد بأنّ الخاطفين متعاملون مع جهات نافذة تختار أسماء بعينها، من العنصر المسيحيّ على الأغلب، لبثّ الرعب لدى السكان ودفعهم للتصادم مع النازحين، أو طردهم من المدينة نفسها، أو لدفع العنصر المسيحي للهجرة بكثافة من المدينة، وهو ما حدث للأسف.

في بداية عام 2012 تفاجأ الناس في محافظة الحسكة بانتشار كبير لمقاتلي حزب (P.Y.D)، التابعين لحزب العمال الكردستاني، وظهورهم بشكل علني مع أسلحتهم وأعلامهم في جميع المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة، رغم أن هذا الحزب، مع الحزب المشكل من أعضائه، حورب بشتى الوسائل، من قتل وتهجير ومحاكمات أمام محكمة أمن الدولة العليا، التي تمّ إلغاؤها، منذ اتفاقيّة أضنة التي تمّ بموجبها تسليم زعيم حزب العمال الكردستانيّ السيّد عبد الله أوجلان بتاريخ 14/2/1999، للحكومة التركية بتعاون مع المخابرات السوريّة، كما صرّح بذلك قياديو الحزب أنفسهم.

وسرَت الإشاعات بأنّ سيطرة مقاتلي حزب (P.Y.D)، وانتشارهم العلنيّ الكثيف، في مناطق لا يملكون فيها الأغلبيّة من المناصرين، وسيطرتهم على كثير من المخافر والمراكز الأمنيّة شمال شرقيّ البلاد، قد تمّ باتفاق مع النظام، للوقوف في وجه الثوار في تلك المناطق من جهة، ومنع دخول الجيش السوريّ الحرّ إلى تلك المناطق، ومقاتلته بدلاً عن النظام إن دخل، وبالتالي نشر سيناريو مخيف عن حرب أهليّة كرديّة عربيّة هناك، وإيجاد ذريعة لاجتياح المنطقة من الجيش النظامي، من جهة أخرى.

ورغم أنّ عناصر هذا الحزب قد ساهموا في منع وجود أزمات اقتصاديّة، من احتكار أو إخفاء مواد أساسيّة من السوق، كالخبز والحليب والغاز والبنزين.. أو رفع أسعارها، كما منعوا نشوب توترات عشائريّة أو أمنيّة، إلا أنّ الإشاعة التي سرَتْ، في “عمالتهم” للنظام الحاكم، جعل هذا الوصف ملتصقاً بهم، مهما حاولوا تبديده من أذهان الناس، وصنعَ حواجز بينهم وبين مناصري الأحزاب الكرديّة الأخرى من جهة، وبينهم وبين المكوّنات البشريّة الأخرى في هذه المنطقة الحسّاسة من جهة أخرى.

عند دخول الجيش السوريّ الحرّ إلى مدينة رأس العين، التي تبعد عن مدينة الحسكة ما يقارب مئة كيلومتر، في 8/11/2012، وهو ما حدث لأول مرة منذ اندلاع الثورة في 15/3/2011، تمّ الترويج لإشاعات تتحدّث عن قتال لا بدّ منه بين عناصر الجيش الحر ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، وهذا ما لم يحدث طوال أكثر من عشرة أيام، وأحسّ الناس بالطمأنينة من عدم اندلاع حرب عرقيّة بين الأكراد، الذين يشكلون النسبة العالية من التواجد في تلك المناطق ونادوا بسلميّة الثورة حتى النهاية، والعرب الذين هم عماد الجيش السوريّ الحرّ وأعلنوا المواجهة العسكريّة مع النظام. إلا أنّ الإشاعة تحققت وتمّ القتال بين الطرفين بتاريخ 19/11/2012، وقتل في يومين ثلاثة من عناصر حزب /P.Y.D/، وعشرة جرحى، ومقتل 35 من عناصر الجيش الحر وسقوط 17 جريحاً، ثمّ توقفت المواجهات ليومين، واندلعت من جديد ليلة 22/11/2012 ليُقتل عنصر من حزب (P.Y.D)، وخمسة عشر عنصراً من الجيش السوريّ الحرّ. والسكان هنا، من المقيمين والنازحين، مرتعبون من إشاعة امتداد القتال العرقيّ الى باقي المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة، أو دخول الجيش النظامي بحجّة حماية الأقليّات.

لم يتأخر النظام في تحقيق الإشاعة التي ارتبطت بالإشاعة السابقة، وهي بأنه بمجرّد اندلاع المواجهات بين عناصر حزب (P.Y.D) ومقاتلي الجيش السوريّ الحرّ سيدخل الجيش النظاميّ إلى محافظة الحسكة، للحفاظ على السلم الأهلي، ومنع الجيش الحرّ كونه “عصابة إجراميّة” من ترويع الأهالي، وسيُصدر قبل ذلك بياناً بأنّ أهالي مدينة الحسكة يطلبون تدخل الجيش النظامي لحمايتهم من الجيش السوريّ الحرّ، وهي الديباجة التي يستلمها الناس من التلفزيون الرسميّ قبل تدمير مدنهم على من فيها، إلا أن الجيش النظامي أصبح متواجداً في مداخل مدينة الحسكة بالفعل في ليلة 21/11/2102 عندما تمّ قطع التيار الكهربائيّ لمدة 12 ساعة عن كامل المدينة، ليتفاجأ الناس، نهار اليوم الثاني، بوجود سواتر ترابيّة عالية، من التربة الحمراء الغريبة عن تربة المدينة، وتخفي خلفها دبابات ومرابض مدفعيّة وخنادق فرديّة وجماعيّة، كرسم مرتجل لجبهة أزليّة بين دولتين متصارعتين، في مدخلي مدينة الحسكة الجنوبيّ والشرقيّ. وتواجد الكثير من الضباط والعسكريّين في مبنى الجمارك الحديث وفي الحديقة الكبيرة الملاصقة لمتحف الحسكة ومديريّة الثقافة، لينضمّوا إلى الكتيبة المتواجدة، بكامل عتادها، في حديقة حيّ غويران!

الحوّامات جاءت بقوات وأسلحة جديدة عصر يوم الجمعة 23/11/2012، ليبدأ الناس بالتفكير جديّاً في مغادرة هذه المدينة، ولكن إلى أين في هذا الشتاء والفقر الكبير؟ وإلى أين سيلجأ النازحون الذين نزحوا إلى الحسكة منذ خمسة أشهر واستمرّوا فيها إلى الآن ومدنهم، التي جاؤوا منها، ما زالت مدمّرة؟

الإشاعات التي تمّ ترويجها في المدن المنكوبة روّجها أمن النظام من أجل قتل الناس نفسيّاً. والذين نجوا من الموت النفسي تمّ قتلهم بكلّ الوسائل الوحشيّة والوطنيّة غير المباحة!. فالإشاعات كلّها تحققت؛ فالهجوم تمّ على النساء والأطفال والشيوخ، سنّة كانوا أم علويّين، وتمّ ذبحهم بالسكاكين والسيوف، الاغتصابات تمّت، وكذلك تشويه الأجساد قبل قتلها، والبيوت والمحال نهبت قبل هدمها، الطائرات تمّ استخدامها ببراعة في إصابة المدنيّين، وبعدم إصابة المسلحين قدر الإمكان، استخدمت الدبابات والمدفعيّة والصواريخ والقنابل العنقوديّة والفراغيّة، وتمّ نهب الآثار في المتاحف والعراء، وتمّ تدمير المدن بكاملها، بساكنيها أو من دونهم، وتمّ التغيير الديموغرافيّ في كلّ المدن، عندما تحوّلت الدولة إلى دويلات نازحين….

هناك إشاعات ما زالت تروّج، قد تحقق جزء منها، وهي الحرب الأهليّة التي بدأت مع بداية المواجهة العسكريّة، بينما استخدام الأسلحة الكيميائيّة أو التقسيم بحاجة الى وقت أكبر! رغم أنّ الأهالي، الذين بقوا على قيد الحياة، قد يصل بهم الحال ويرغبون باستخدام القنبلة النوويّة لإنهاء دولتهم وحياتهم الممزّقة على عجل.

المستقبل

رأس العين وانهيار سياسة النأي الكردي بالنفس

بكر صدقي

بلغت الأحداث في منطقة الجزيرة السورية أبعاداً في منتهى الخطورة تهدد بإشعال حروب أهلية جانبية بين العرب والكرد من جهة، وبين الكرد أنفسهم من جهة أخرى. ومن المؤسف أن تتطوع قوى وطنية لإشعال فتيل النار التي سبق وهدّد بها النظام الساقط في أكثر من مناسبة. وبدلاً من أن تتحمل الأطراف مسؤولياتها عما حدث ويحدث، وأن تعمل على وأد الفتنة، نراها تلقي بالمسؤولية على أطراف أخرى وتلعب لعبة التجييش الفئوي الخطرة.

منذ انتقال الغلبة إلى الشكل المسلح للثورة على شكلها السلمي، واظبت مجموعات الجيش السوري الحر على سياسة عدم الاحتكاك بحزب العمال الكردستاني الذي سيطر مسلحوه تدريجاً على المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال البلاد وشمالها الشرقي، بما في ذلك بعض أحياء مدينة حلب. وكانت هذه سياسة حكيمة، لأن أي احتكاك مع هذا الحزب سيعني في الوقت نفسه احتكاكاً مع الكرد، الأمر الذي يعني انحرافاً عن الهدف المتمثل في إسقاط النظام، ووقوعاً في فتنة أهلية. لا ينفع القول إن الحزب الكردستاني متحالف مع النظام أو ينسق مع أجهزته، أو إن عناصره المسلحة ليسوا إلا شبيحة للنظام، لتبرير الهجوم عليه. فهو، قبل هذه الاعتبارات وبعدها، حزب كردي له أنصاره في المجتمع، وما زال يمثل في الوجدان القومي الكردي حركة تحرر من الغبن الواقع على الكرد منذ اقتسام تركة الرجل المريض في مطلع القرن العشرين.

لكن الصورة تختلف تماماً حين ننظر إلى حزب العمال الكردستاني نظرة داخلية، أي من داخل المجتمع السياسي الكردي. فنحن نعلم أنه ليس القوة السياسية الكردية الوحيدة، بل هناك عدد كبير من الأحزاب السياسية التي اجتمع معظمها تحت مظلة «المجلس الوطني الكردي في سورية» منذ خريف العام 2011. ويمكن القول بصورة إجمالية إن القوى السياسية الكردية السورية انقسمت بين زعامتي عبدالله أوجلان ومسعود بارزاني. وعموماً كانت العلاقة متوترة بين المجلس الوطني والحزب الكردستاني. فبادر مسعود بارزاني إلى عقد اتفاق بين الطرفين، الصيف الماضي، سمي «اتفاق هولير» الذي انبثقت منه «هيئة سياسية عليا» كان من المفترض أن تمنع اقتتالاً كردياً داخلياً رأينا بوادره قبل أشهر، في بلدة عفرين شمال غرب مدينة حلب.

لكن الشقاق ازداد بين الطرفين على وقع أحداث الثورة السورية التي ما كان لها ألا تؤثر على المجتمع السياسي الكردي. فرغم جميع محاولات حزب العمال الكردستاني لإبعاد المناطق الكردية عن الثورة ونار الحرب الدائرة في البلاد، واصل الشبان الكرد مشاركتهم في التظاهرات المنادية بإسقاط النظام في دمشق وحلب ومدن منطقة الجزيرة. بل إن كتيبة عسكرية كردية تشكلت تحت مظلة الجيش السوري الحر، تلتها كتائب أخرى، وصولاً إلى تشكيل «المجلس العسكري الكردي» على غرار المجالس العسكرية المحلية في المحافظات السورية.

 كان «فخ الأشرفية» نذير شؤم بالأحداث اللاحقة وصولاً إلى معركة رأس العين. ففي أواخر شهر تشرين الأول (اكتوبر)، دخلت مجموعات من الجيش الحر حي الأشرفية ذات الغالبية الكردية في مدينة حلب، وحدث أول اشتباك بينها وبين مقاتلي الكردستاني الذين استهدفوا بصورة خاصة «كتيبة صلاح الدين الأيوبي» الكردية فقتلوا منها ستة مسلحين.

وكانت حصيلة المعركة ثلاثين قتيلاً وعدداً غير معروف من الجرحى. ثم توصل الطرفان إلى اتفاق هدنة وتم تبادل الأسرى بينهما، إضافة إلى إطلاق سراح مخطوفين كرد مدنيين كانت مجموعة من الجيش الحر أخذتهم رهائن، في بادرة خطيرة إلى زرع بذور الكراهية القومية. ولم يبخل حزب العمال الكردستاني، في ذلك الحين، بقسطه في النفخ في نار الفتنة. فقد أطلق عناصره نداءات من مكبرات الصوت في جوامع عفرين لاستنهاض «النخوة القومية» ضد الجيش الحر.

يملك حزب العمال الكردستاني آلة إعلامية مخيفة طالما استخدمها لتبرير سياساته، ونشر الأكاذيب والافتراءات بحق خصومه، وممارسة «قصف تمهيدي» ضدهم قبل استهدافهم في أمنهم. وقد دأب هذا الإعلام على مهاجمة المجلس الوطني الكردي ومكونات الثورة السورية معاً. فمن جهة أولى قامت سياسة الحزب الكردستاني على شيطنة الثورة السورية لمصلحة نظام دمشق الذي ترك له المناطق الكردية، ومن جهة ثانية خاض صراعه على السلطة في هذه المناطق مع القوى السياسية الكردية المنضوية في إطار المجلس الوطني الكردي. ولم يكن ثمة تكافؤ في هذا الصراع بين طرف مسلح وآخر أعزل، فيما يشبه النزاع اللبناني الداخلي بين «حزب الله» وخصومه. عملياً شكّل حزب العمال الكردستاني سلطته القمعية في المناطق الكردية، مقابل المجلس الوطني الذي هو بمثابة المعارضة غير المسلحة لتلك السلطة.

كان من شأن سياسة أكثر فعالية للمجلس الوطني الكردي أن تثلم شوكة الحزب الكردستاني، فلا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه من سيطرة عسكرية كاملة للأوجلانيين على المناطق الكردية. كان المجلس مشلولاً بسبب سياسة ملتبسة مترددة من الثورة السورية، مشدودة بين نزعتين وطنية وقومية مع رجحان واضح لصالح الثانية، واستياء خافت الصوت من ممارسات الحزب الكردستاني المسلح لم يبلغ يوماً نقداً جذرياً لانحيازه لصالح النظام ضد الثورة. في المقابل كان الحزب الكردستاني عالي الصوت في الهجوم على المجلس والافتراء عليه باتهامه بـ»العمالة لأردوغان» وكثيراً ما ترجم تلك الافتراءات الرخيصة إلى ممارسة العنف المباشر ضد ناشطين كرد وقيادات حزبية كردية في صورة اعتقالات واغتيالات وقمع تظاهرات وغيرها.

تقع اليوم مسؤولية كبيرة على قادة المعارضة السورية من جهة والأحزاب السياسية الكردية من جهة أخرى، في وأد فتنة عربية – كردية تكاد تشتعل. لا شيء يمكنه أن يساعد على هذا الوأد أكثر من موقف موحد وجذري من مسألة ضرورة إسقاط النظام بأسرع ما يمكن. على المقعد الكردي الشاغر في «ائتلاف الدوحة» أن يشغل فوراً، عنيت مقعد النائب الثالث لرئيس الائتلاف المخصص لممثل الكرد فيه.

 

 

الصورة المرفقة للفنان بشار العيسى

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى