صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الاميركي من الأزمة السورية

محرقة سورية ورقة سياسية أميركية/ خالد الدخيل *

هل يمكن تفسير عدم مبالاة إدارة الرئيس أوباما بتصاعد مآسي الأزمة السورية، بأنها ترى في استمرار هذه الأزمة وارتفاع تكاليفها البشرية والمادية ورقة سياسية لها في المنطقة، لا علاقة لها بسورية أولاً، وبمعزل عن رؤية ومصالح حلفاء واشنطن ثانياً؟

هذا ما يشير إليه موقف الرئيس أوباما نفسه الذي ظل متردداً حيناً، وغير مبالٍ حيناً آخر بتطورات هذه الأزمة منذ الأيام الأولى للثورة، وحتى انزلاقها إلى حرب أهلية مدمرة على مرأى من العالم. لم يعد موقف أوباما موضوعاً للحديث خارج الولايات المتحدة أو على لسان خصوم ومنتقدي إدارته، بل بات موضوعاً يتم تداوله داخل العاصمة الأميركية وفي الإعلام الأميركي، وداخل دهاليز الكونغرس وعلى لسان مسؤولين سابقين في إدارة الرئيس نفسه. ولعل أفضل ما كتب عن ذلك هو التقرير الطويل على غير العادة الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية يوم الإثنين الماضي. يتتبع هذا التقرير الكيفية التي تعاملت بها إدارة أوباما مع الأزمة السورية منذ أيامها الأولى، وحتى الاتفاق الأخير مع الروس حول السلاح الكيماوي السوري. خلال ذلك المسار ظل الرئيس أوباما متردداً أمام كل منعطفات الأزمة السورية، عندما كانت تقارير الاستخبارات الأميركية تقول إن أيام الرئيس السوري باتت معدودة بعد مرور سنة على الثورة والزخم الذي تمتعت به، وبقي الرئيس على موقفه عندما انقلبت صورة المشهد السوري، وبدأت تكشف عن استعادة النظام لزمام المبادرة في ميدان القتال، وتراجع المعارضة المسلحة، بل واقترابها من الانهيار – بحسب الصحيفة -. الأكثر من ذلك، أن أوباما بقي على موقفه حتى عندما كان موقف غالبية مستشاريه مؤيداً لاتخاذ موقف حازم بدعم الثوار وتسليحهم.

بعد بداية ولايته الثانية، في بداية هذا العام، التأم اجتماع للرئيس أوباما مع مستشاريه في البيت الأبيض حول الموقف في سورية، والخيارات المتاحة أمام واشنطن. حينها تقدم مدير «سي آي إي» الجديد، ميشيل موريل، الذي خلف الجنرال بترايوس، باقتراح تسليح المعارضة السورية، وهو المقترح الذي كان قد تقدم به بترايوس من قبل. وتم النقاش حول الموضوع، ثم أنهى أوباما الاجتماع بقوله: «أشكر الجميع. سأفكر في الموضوع». تنقل الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين في الإدارة بأن لغة الجسد للرئيس أثناء الاجتماعات حول هذه القضية كانت معبّرة عن موقفه. «في الغالب يبدو شارداً، مستعجلاً وفاقداً للصبر وهو يستمع للنقاش الدائر. في بعض الأحيان ينشغل باستعراض الرسائل على جهاز «بلاك بيري» الذي يملكه، أو يبدو في حال استرخاء وهو يمضغ علكته».

عندما يكون موقف رئيس الولايات المتحدة على هذا النحو من التردد أو عدم المبالاة أمام أزمة بحجم الأزمة السورية فإن هذا يؤشر في شكل جلي إلى أنه لا يرى حجم وأهمية الأزمة كما هي عليه في ذاتها، ولا حتى بالدرجة التي يراها غيره، سواء من بين مستشاريه أم من بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة التي تنتمي إليها الأزمة نفسها. ومع أن أوباما ليس وحده بمثل هذا الموقف داخل إدارته إلا أن غالبية مستشاريه لا يشاطرونه الرأي في ذلك، كما يبدو.

السؤال، لماذا لا يرى الرئيس الأزمة السورية بحجمها الحقيقي وليس المفترض؟ ولماذا يبدو متردداً أمام حزم الروس في دعمهم للنظام السوري، وحماسة الإيرانيين في دعم بشار الأسد؟ بل لماذا لا يأخذ في حساباته الاعتبارات والمصالح السياسية لحلفاء واشنطن حيال الأزمة السورية، ورؤيتهم لحجم ومخاطر هذه الأزمة عليهم؟

يكشف التاريخ القصير لتعامل إدارة أوباما مع الأزمة السورية أنه لا يرى سورية إلا من خلال أمرين: أحدهما قديم، وهو الملف النووي الإيراني. والثاني مستجد، وهو قراره الشهير بنقل التركيز الاستراتيجي لإدارته من الشرق الأوسط إلى المحيط الباسيفيكي الذي يمثل الساحل الغربي للولايات المتحدة، وتشترك فيه مع منطقة جنوب شرق آسيا. ولعل أكثر ما يعبّر عن الكيفية التي ينظر بها أوباما إلى الأزمة السورية وعدم اكتراثه باستمرارها، هو ما عبّر عنه رئيس موظفي البيت الأبيض دينيس مكدانو، المقرب من أوباما، والذي يشاطره الرأي تماماً حيال الأزمة السورية. فبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» يشكّك دينيس في أن لأميركا مصلحة في تخفيف العنف في سورية. وتنقل الصحيفة عن مسؤولين في الكونغرس بأن دينيس قال لهم في شهر حزيران (يونيو) الماضي أثناء رحلة إلى قاعدة غوانتنامو البحرية بأن «الوضع الحالي في سورية سيشغل الإيرانيين لسنوات». ويضيف بأن «اشتعال حرب بين القاعدة وحزب الله في سورية، هو أمر في مصلحة الولايات المتحدة» – كما يقول دينيس -.

موقف أوباما المتردد وتصريحات رئيس موظفي إدارته والمقرب منه توحي بأن الإدارة لا ترى فائدة من الاستعجال في إنهاء الأزمة السورية، على رغم ما تتسبب به من قتل ودمار للسوريين، وما تمثله من مخاطر على الجميع.

المدهش في الموضوع، أن موقف الرئيس الأميركي يتكامل على هذا النحو مع موقف الرئيس السوري والموقف الإيراني من الأزمة نفسها. فالرئيس السوري يرى أن السبيل الوحيد لإقناع المعارضة بأن ليس أمامها إلا الاستسلام هو الذهاب إلى أبعد مدى في الحل الأمني، والمزيد من القتل والدمار في كل سورية. ولتحقيق ذلك يحتاج إلى فسحة طويلة من الوقت وإلى غطاء وعدم تدخل خارجي وعدم تزويد الثوار بالمساعدات العسكرية، وهذا تحديداً ما تفعله إدارة أوباما تماماً منذ بداية الأزمة وحتى الآن. من جانبها، تنطلق إيران في دعمها للرئيس السوري من فكرة تحالف الأقليات في المنطقة، ولأن الرئيس السوري ينتمي إلى أقلية العلويين، ومتمسك بالحل الأمني مهما كان مدمراً للإبقاء على حكمه الأقلوي في سورية، فإنه يمثل خيار إيران السياسي الأفضل الذي يستحق الدعم القوي والثابت. الرئيس السوري هو الحليف الوحيد في المنطقة للحكم في إيران الذي هو بدوره حكم أقلوي – طائفي. ومن الواضح في هذه الحال أن بقاء بشار الأسد في حكم سورية يدعم الدور الإقليمي الإيراني الذي يستند إلى فكرة تحالف الأقليات ذاتها. لا تبدو إدارة أوباما معنية بهذه الأبعاد المركزية للأزمة السورية وللدور الإيراني فيها. بدلاً من ذلك، اختزلت الإدارة هذه الأزمة في السلاح الكيماوي، وتوظف استمرارها كورقة تفاوض مع الإيرانيين حول ملفهم النووي. الأسوأ أنها لا تبدو معنية بالتداعيات التي قد تترتب على مواقفها المترددة على مستقبل الشام برمته، وبالتالي على حلفائها، وبخاصة السعودية والأردن وتركيا.

عادت «نيويورك تايمز» إلى الموضوع نفسه أمس السبت، في تقرير أشارت فيه إلى أن محاولة السعوديين صوغ استراتيجية بديلة فشلت أمام انقسام المعارضة السورية وصعود دور الجهاديين هناك. يوحي التقرير بأن السعوديين بدلاً من أن يلوموا أنفسهم وحلفاءهم، يصبون جام غضبهم على واشنطن، والحقيقة أن ذلك لا يخفي حقيقة السياسة الأميركية، سواء في لحظة نجاح الثورة أم بعد انزلاقها إلى جمود عسكري في حرب أهلية مدمرة. موقف السعوديين من واشنطن ومخاوفهم من سياساتها تجاه المنطقة مبرر تماماً، لكن لا يجب أن يتوقف الأمر عند حدود التعبير عن الإحباط والمخاوف. يكشف موقف إدارة أوباما عن مخاطر الاعتماد على المظلة الأمنية الأميركية. هذه مظلة معرضة للثقوب. حصل ذلك مع إدارة بوش السابقة وسياستها الحمقاء في العراق، ويحصل الآن مع إدارة أوباما وقصر نظر رؤيتها للأزمة السورية ولمنطقة الشام ككل. يبدو أن التحالف الذي قاد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي لن يتكرر مرة أخرى. انتهى هذا التحالف، وكانت نهايته باحتلال أميركا للعراق وتدميره ثم تسليمه للإيرانيين كما قال الأمير سعود الفيصل عام 2005. عند هذا المنعطف، وللتأكيد، لا بد للرياض من إعادة النظر في صيغة تحالفها مع أميركا وطبيعة الدور السعودي في هذا التحالف ثم في مفهوم الأمن الوطني السعودي، وعلاقة كل ذلك بتطوير قدرات السعودية السياسة والمؤسساتية والعسكرية. أميركا صديقة، والتحالف معها كقوة عظمى مفيد للطرفين على مختلف المستويات، لكن حماية الأمن الوطني السعودي تعتمد على السعوديين سياسياً وعسكرياً قبل غيرهم.

* أكاديمي وكاتب سعودي

الحياة

السقوط الأخلاقي لإدارة أوباما/ عبدالله إسكندر

يتأكد أن المعلومات التي تتضمنها تسريبات ادوارد سنودن محلل المعلوماتية السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي صحيحة، أو على الأقل يتعامل معها زعماء دول على أنها كذلك. حتى أن الرئيس فرنسوا هولاند الذي راقبت وكالة التجسس الأميركية نحو 80 مليون مكالمة هاتفية لمواطنيه وصف هذه التسريبات بأنها مفيدة وينبغي على الصحافة الاستمرار في نشرها. علماً أن سنودن اللاجئ في روسيا مطلوب في الولايات المتحدة بتهمة الخيانة ويواجه عقوبات قاسية أمام القضاء الأميركي. ماذا يجعل رئيس فرنسا يشيد بمطلوب في الولايات المتحدة؟

كشفت إحدى الوثائق الأخيرة، بحسب صحيفة «الغارديان»، أن الإدارة الأميركية هي التي زودت وكالة التجسس بأرقام هواتف 35 زعيم دولة ينبغي التنصت على مكالماتهم. (وهذا يعني أن كل رئيس دولة يغامر بالتحدث هاتفياً إلى الرئيس باراك أوباما سيوضع هاتفه على لائحة التنصت الأميركية!) وبات معروفاً أن بين هؤلاء زعيمي أوثق حليفين للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، وفي أوروبا الغربية، المستشارة الألمانية انغيلا مركل.

وتقدم إدارة الرئيس أوباما عذراً أقبح من ذنب عندما تحاول الرد على اعتراضات العالم على ممارساتها التجسسية هذه. عندما تقول إن هذه الممارسة شائعة وإن كل الدول تسعى إلى الحصول على معلومات، وإن هدف مراقبة الاتصالات هو مكافحة الإرهاب… لتصبح، بحسب هذا العذر، روسيف ومركل من المشتبه بهم في عمليات إرهابية أو تهريب مخدرات، أسوة بملايين الفرنسيين الذين ثبت أن الوكالة الأميركية تراقب هواتفهم…!

المفارقة في هذه الممارسة الأميركية أنها تصدر عن إدارة ديموقراطية عمد رئيسها في حملتيه الانتخابيتين إلى التركيز على جعل الأخلاق محور السياسة، من جهة. كما وضع السعي إلى التفاهم مع دول العالم هدفاً لسياسته الخارجية من أجل إرساء السلام وتفادي الحروب، من جهة أخرى. وجاءت فضائح التجسس الأميركية على هذا النحو لتكشف حجم النفاق الذي أظهرته هذه الإدارة أو حجم الانحدار الأميركي عن المبادئ التي وضعها أوباما لإدارته في أحسن الأحوال.

وفي الوقت الذي مارست فيه الإدارة، تحت شعار الامتناع عن خوض الحروب، تخلياً سياسياً كاملاً في أفغانستان والعراق، لمصلحة خصومها المعلنين، عمدت باسم مكافحة الإرهاب إلى أكثر الممارسات انتهاكاً لحقوق الإنسان، بحسب ما وثقت المنظمات الحقوقية الأميركية والدولية.

وفي مقدم هذه الانتهاكات إصدار أحكام بالإعدام بتهم الإرهاب في حق أشخاص في مناطق عدة في العالم، خصوصاً في باكستان وأفغانستان واليمن، وتنفيذ هذه الأحكام عبر صواريخ تطلقها طائرات بلا طيار. وعلى رغم اعتراضات الحقوقيين الأميركيين على هذه الممارسة التعسفية تعتبر إدارة أوباما أن عمليات الطائرات بلا طيار توفر أعباء التدخل البري والمطاردة البرية لهؤلاء المطلوبين. وثبت أن هذا النوع من العمليات لا يفرق بين متهمين وأبرياء ويقتل من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، أضعاف ما يقتل من مطلوبين، من غير أن يظهر أن واشنطن ستعيد النظر في مثل هذه الممارسة. لا بل تتمسك بها، على رغم كونها تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية وعلى رغم الاعتراض الشديد من حكومات البلدان التي تمارس فيها.

وفي الوقت نفسه، لجأت إدارة الرئيس أوباما إلى عمليات كوماندوس وخطف لمشتبه بهم في مناطق عدة في العالم، من دون أي اعتبارات لسيادات الدول أو لمرجعيات قانونية.

هذه الممارسات تنزع عن إدارة أوباما أي ادعاء تمسك بالأخلاق في ممارسة السياسة، لا بل تجعلها ساقطة أخلاقياً، خصوصاً بعدما باتت تتعامل مع رؤساء دول كمجرد إرهابيين ومهربي مخدرات.

سيحفظ التاريخ لأوباما أنه تمكن من إصلاح نظام الرعاية الصحية على نحو يفيد الفقراء الأميركيين، وسيحفظ له أيضاً أنه سمح بالتجسس على زعماء دول، خصوصاً أصدقاء الولايات المتحدة، وأنه سبب أعمق أزمة ثقة مع حلفائها.

الحياة

عن زحمة احتجاجات ضد «الشقيق الأكبر» الأميركي/ حسن شامي

خلال أسبوع واحد، تعرضت الإدارة الأميركية لسلسلة من رسائل الاحتجاج الصادرة عن دوائر حليفة أو موصوفة كذلك، وبعناد ثابت. ومع أن الاحتجاجات تخضع لحسابات مختلفة وتندرج في سياقات معظمها خاص، فإنها تجتمع على أمر واحد يشكل مدار الاعتراض والتذمر، وهو صورة الزعامة الأميركية للعالم وطريقة تصرف إدارة الرئيس أوباما بإرث عتيد من العلاقات الوثيقة مع الحلفاء والأصدقاء. دائرة الاحتجاج والتذمر تشمل، في أقل تقدير وحتى إشعار آخر، دولاً ذات نفوذ إقليمي ودولي لا يستهان به كباكستان والمملكة العربية السعودية وفرنسا ومعها استطراداً أوروبا أو أطراف بارزة فيها كألمانيا.

في الحالة الأولى، كان لافتاً أن يطلب رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف قبل بضعة أيام وعلانيةً، أثناء زيارته والتقائه في واشنطن كبار المسؤولين الأميركيين، أن تكف الولايات المتحدة عن استخدام الطائرة من دون طيار في عملياتها الحربية ضد المنظمات الارهابية كالقاعدة و «طالبان». وليس التسبب في ضحايا مدنيين هو وحده ما حمل شريف على المطالبة العلنية بوقف الغارات الشبحية القاتلة، فهناك بالتأكيد تململ عريض في باكستان من انتهاك السيادة الوطنية. ومعلوم أن قضية اغتيال زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن عام 2011 على يد وحدة كوماندوس أميركية في بلدة أبوت آباد ما زالت طرية في الأذهان بالنظر إلى التوتر الذي سببته في مجال العلاقات المضطربة أصلاً بين البلدين وتضارب حساباتهما حيال المسألة الأفغانية والتعاطي مع حركة «طالبان» واستقرار أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية نهاية 2014. ينبغي التذكير بأن زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري ومحادثاته مع الرئيس الأفغاني حامد كارزاي قبل شهر تقريباً لم تسفر عن تفاهمات واضحة حول الاتفاقية الأمنية بين البلدين، خصوصاً ما يتعلق بحصانة القوات الأميركية الباقية هناك. فلنتذكر أيضاً أن كارزاي بات يطلق دورياً تصريحات شديدة الانتقاد لطريقة تصرف الولايات المتحدة واستراتيجيتها القتالية.

وقبل عام بالضبط، حصل سجال حاد بين كارزاي ووزير الدفاع الأميركي آنذاك ليون بانيتا الذي عبر عن خيبة أمله من اتهام كارزاي الولايات المتحدة والتحالف الدولي بممارسة «لعبة مزدوجة» عبر محاربة المتمردين الأفغان بدلاً من التصدي لداعميهم في المناطق القبلية في باكستان. وقد أتت هذه التصريحات السجالية في سياق توتر ملحوظ في علاقات واشنطن وكابول بعد سلسلة من الهجمات لجنود أفغان على رفاقهم الأميركيين أسفرت عن مقتل 51 جندياً وبلغت مستوى قياسياً من شأنه تقويض الثقة المفترضة بين قوات التحالف والقوات الأفغانية في المواجهة المشتركة ضد متمردي «طالبان».

لدينا في كلتا الحالتين، الباكستانية والأفغانية، وجوه مشكلة تتعلق بالتوفيق بين مستلزمات عولمة أمنية واستخباراتية لا تخلو من الاستعلاء والصلافة وبين متطلبات سيادات وطنية تستشعرها أكثر فأكثر قطاعات واسعة، بينها النخب الحاكمة والمتحالفة، بهذا القدر أو ذاك، مع واشنطن. ويمكننا أن نضع في هذا السياق قضية خطف «أبو أنس الليبي» قبل أسبوعين وما نجم عنها من تذمر أفضى إلى خطف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان لبضع ساعات. إلى ذلك، يأتي تقرير منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان قبل أيام حول الضحايا المدنيين لغارات الطائرات الأميركية من دون طيار في باكستان واليمن وغيرهما ليعزز المطالبة باحترام السيادة الوطنية وعدم انتهاك المجال الوطني على نحو فاضح ومهين.

في الحالة الثانية وهي تخص السعودية، لم يعد سراً أن رفض المملكة احتلال مقعدها كعضو موقت وغير دائم في مجلس الأمن لم يكن موجهاً إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها بقدر ما كان موجهاً إلى الولايات المتحدة. وهي كانت قبل ذلك بقليل امتنعت عن إلقاء كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للتعبير عن احتجاجها، على الأرجح، على التفاهم الأميركي – الروسي حول الملف السوري وعلى التقارب الأميركي – الإيراني. يضاف إلى ذلك بالطبع العجز الدولي المزمن عن تقديم حل عادل ومقبول للمسألة الفلسطينية. من المبكر الخوض في مضاعفات «الصرخة» السعودية التي تعتبر أن الإدارة الأميركية قليلة الالتفات إلى اعتبارات حلفائها وحساباتهم.

الحالة الثالثة تتعلق بحليف من الوزن الثقيل نسبياً، أي فرنسا وألمانيا بعد انكشاف فضيحة «تنصت» مكتب الأمن القومي الأميركي على كثير من نشاطات الحلفاء والأصدقاء وعلى كل المستويات تقريباً بما في ذلك السفارة الفرنسية في أميركا وبعثة فرنسا لدى الأمم المتحدة. طاول التنصت 35 رئيس دولة وحكومة بينهم المستشارة الألمانية أنغيلا مركل. عشرات ملايين المكالمات الهاتفية تتعرض للاختراق والتنصت كما كشفت وسائل إعلامية واسعة الانتشار حصلت على وثائق أماط اللثام عنها ادوار سنودن الذي لجأ إلى روسيا. التنصت صيغة منقحة وملطفة للتجسس. جرى استدعاء للسفير الأميركي في كل من باريس وبرلين وجرت مكالمة هاتفية بهذا الشأن بين أوباما وهولاند ومركل. في فرنسا أخذ المسؤولون وقادة الأحزاب، في اليسار واليمين، يتبارون في التعبير عن حجم الصدمة معتبرين سعة هذا التجسس أمراً غير مقبول وغير معقول.

استهجان بعض المسؤولين لا يتعلق بالمبدأ بل بالحمولة والاتساع، مما يذكر باستهجان المرء من حالة العاشق الذي يصر على اغتصاب المرأة التي تحبه ولا تفهم مبررات فعله الشنيع. وبات شائعاً في هذه الأيام أن تصدح حناجر إعلامية، وأقلام أيضاً، بالاحتجاج على فظاظة «الشقيق الأكبر» في استعادة لصورة عن القائد والحزب الشموليين أطلقها جورج أورويل. استخدام العبارة ذاتها في منطقتنا التي تعج بالأشقاء الكبار سيكون من المفارقات الكبيرة.

ثمة بالطبع من استنتج متأخراً أن القوة الأعظم في العالم تعرف نوعين من الكيانات: الأعداء واستهدافهم والأتباع واستزلامهم. وتزايد الحديث عن الأخطبوط الأمني الخفي التابع للبنتاغون وموازنته الفلكية وتشغيله حوالى 110 آلاف من العسكريين والمدنيين، ما يجعله مع الأجهزة الأخرى مرصداً هائلاً وعيناً ساهرة ومعولمة. ما كتبه ميشال فوكو في «المراقبة والعقاب» عن «المشتمل» السلطوي الذي يراقب الناس ليعرف مدى استبطانهم للانضباط ولوداعة الأجسام لم يعش طويلاً. كذلك حديثه عن الترابط بين الليبرالية كماكينة منتجة للحريات وحاجتها المتزايدة بالتالي إلى التقنيات الأمنية. كان الرجل محقاً بالفعل.

الحياة

أميركا سعيدة بالمذبحة السورية؟/ راجح الخوري

لم يكن أحد في حاجة الى تصريحات رئيس موظفي البيت الابيض دينيس ماكدنو لكي يتأكد من ان مسار الازمة السورية يشكل خريطة طريق نموذجية بالنسبة الى اميركا وكذلك بالنسبة الى روسيا، وقد تقاطعت مصالحهما منذ البداية عند المذابح التي جعلت من هذا البلد مقبرة كبيرة.

كانت المعادلة واضحة ووقحة، ومنذ عامين لم تتوقف هذه الزاوية عن استعمال شعار “الادارة الاميركية الروسية المشتركة للقتل”. وهذا تعبير لا ينطوي على أي افتئات، فقد تضافر الانحياز الروسي الفظ الى جانب النظام السوري وحمايته بالفيتو وتسليحه والاصرار الدائم على اعتبار المعارضة من الارهابيين، مع التعامي الاميركي الاشد فظاظة ومرارة عن المذابح، وكذلك عن اصرار النظام على افشال كل المساعي والحلول منذ “المبادرة العربية” التي دفنها سيرغي لافروف، الى مهمة كوفي انان ومن بعده الاخضر الابرهيمي الذي يجرجر الفشل الى درجة ان السعودية رفضت استقباله في جولته الحالية يأساً من مهمته، وقد باتت اقرب الى شهادة زور امام بلد يدمر ويذبح من الوريد الى الوريد، وبمشاركة من ايران التي يزورها الابرهيمي ليفاوضها على الحل وهي المتورطة في القتل مع أذرعها العسكرية في لبنان والعراق!

تنقل “النيويورك تايمس” عن ماكدنو تساؤلاً صريحاً: “ما هي مصلحة اميركا في وقف الحرب والعنف في سوريا؟”. ان مجرد طرح السؤال يعني ان اميركا تسهر على استمرار الحرب والعنف. اكثر من هذا يضيف: “ان الوضع في سوريا يمكنه ان يبقي ايران منشغلة لسنوات، ثم ان القتال في سوريا بين “حزب الله” و”القاعدة” قد يكون في مصلحة الولايات المتحدة”!

هكذا بالحرف، لكن هذا الكلام لا يخرج عن سياق ما سبق ان قاله الجنرال مارتن ديمبسي في اجتماع لفريق الامن القومي وبحضور باراك اوباما: “لا مصلحة اميركية لترجيح كفة اي من الفريقين المتقاتلين في سوريا”. ومن الواضح ان اهتمام اوباما بالمذبحة المتصاعدة في سوريا تراجع من مستوى تصريحات الرياء اليومية عن ان “الاسد انتهى” و”الاسد فقد شرعيته”، الى درجة الاعراب عن الضيق كلما اثيرت الازمة امامه مع افراد طاقمه، كما تؤكد “النيويورك تايمس”.

على امتداد سبعة اشهر تظاهر السوريون تحت الرصاص هاتفين “سلمية – سلمية”، لكن بوتين لم يسمع ولم يرَ، الآن يحدثنا عن المتطرفين والتكفيريين الذين جاءوا من الشيشان وغيرها لنصرة السوريين، لكن موسكو كانت ولا تزال شريكة واشنطن في إدارة هذا المسلخ الذي تنشط فيه سواطير اقليمية الى جانب القنابل البرميلية والكيميائي، وفي الحساب السياسي ان لا مصلحة لروسيا اذا خسر النظام، ولا مصلحة لاميركا اذا هزم، لكن من مصلحة الطرفين اذ اغرق الايرانيون ومعهم التكفيريون والمتطرفون في حقول الدم.

النهار

لماذا لم يتم التدخل في سوريا؟/ عبدالله جمعة الحاج

بعد أن تم استخدام الأسلحة الكيميائية في ضرب المدنيين في سوريا، وبعد أن استقر رأي المجتمع الدولي على أن النظام الحاكم هو الذي قام بذلك، تعالت الأصوات في الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأميركية على لسان رئيسها، بأن فعلة النظام لن تمر دون عقاب، وبأنه سيتم توجيه ضربات عسكرية محدودة إليه. لكن تلك التهديدات لم تنفذ بعد أن تدخلت روسيا بكل ثقلها وأثنت الولايات المتحدة عن توجيه الضربات، وأقنعت النظام السوري بتسليم الأسلحة النووية والتخلي عنها وتفكيكها.

ورغم ذلك، فإن عدم التدخل في سوريا لم يحدث، لأن الدبلوماسية الروسية كانت ناجحة في منعه، ولكن لأن الدول القادرة على تنفيذه ليست لديها الرغبة الحقيقية في التدخل لأسباب موضوعية تخصها هي ذاتها وتخص عدداً من حلفائها، سواء في أوروبا أو في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي.

إلى هذه اللحظة يبدو بأن الصراع وصل إلى الحرب الأهلية الشاملة التي لا يوجد ضمن معطياتها القدرة العسكرية لدى الأطراف المتصارعة لتوجيه ضربات إلى الخصوم للقضاء عليهم. ومن قراءة الوضع يبدو بأن النظام لديه القوة الأمكن، ويقوم بالفعل ورد الفعل العسكري الذي يحرج به الأطراف الأخرى، لكن المقاومة تنتشر أيضاً على كامل التراب السوري، وتتلقى فصائلها الدعم المالي والعسكري والتكتيكي واللوجيستي من الخارج، والنتيجة هي لا غالب ولا مغلوب، لكن هذا الوضع قد يتغير في مصلحة الثوار لو أن الدعم الخارجي زاد بكثافة.

والواقع أن خطط التدخل العسكري وضعت منذ بداية عام 2012، وقامت العديد من الأطراف الرسمية والمستقلة بالمناداة بالمزيد من الجهود الدولية لمساعدة الثوار لكن فيما يبدو أنه لا توجد شهية لدى الغرب أو القدرة لدى الدول المحيطة بسوريا لتنفيذ هذا النوع من الخطط. ورغم التصريحات القوية التي ألقت في أعقاب استخدام الأسلحة الكيميائية إلا أنه بالرجوع مثلاً إلى ما قاله الرئيس الأميركي في 17 مارس 2012 فإن قيام الولايات المتحدة باتخاذ إجراء عسكري أحادي ضد النظام السوري يعتبر «غلطة» وهو أمر غير وارد.

وبالنظر إلى التوجهات الأخيرة نحو إيران، فإن الرئيس الأميركي لا يريد لبلاده أن تنغمس في أوضاع شائكة حول سوريا بطريقة تؤدي إلى قيامها بتدخل عسكري غير سوية نتائجه. لذلك فإن ما أعاق التدخل في سوريا أسباب كثيرة معقدة، فسوريا ذاتها لها طبيعتها الخاصة سياسياً وإقليمياً وجغرافياً، وحتى اجتماعياً، النتائج التي يمكن أن تتمخض ربما تكون غير محسوبة ومضرة بمصالح المتدخلين، وتوجد تعقيدات دبلوماسية أطرافها العديد من القوى التي تتضارب مصالحها. وفي الغرب والمنطقة العربية توجد دول وشعوب لا تريد لهذا التدخل أن يحدث وربما تقف ضده بعنف، بمعنى أنه لا يوجد إجماع دولي حول العملية من أساسها، والمعارضة السورية التي تطرح نفسها على أنها بديل قام للنظام مفككة، وتوجد بينها حركات متطرفة لا يرغب أحد في وصولها إلى السلطة، وحدِّث ولا حرج عن أمور إقليمية ودولية أخرى خافية وتدخل بعمق في المعضلة السورية، فلسوء الحظ توجد العديد من المتغيرات الغير معروفة والأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها: مقاومة بطولية، لكنها مفككة، وظروف إقليمية ودولية معقدة من شأنها أن تزيد الأمور سوءاً وترفع من كلفة أي تدخل عسكري خارجي، ودول الغرب والسوريون ذاتهم وجيران سوريا يريدون التدخل الخارجي لكن لا يعلمون كيفية تنفيذه، فقد يحول سوريا إلى دولة فاشلة أخرى في المنطقة.

الاتحاد

لا أحد يثق بأميركا/ حسان حيدر

 انها القصة القديمة تتكرر مع اميركا. في كل مرة نكتشف انها في واد ونحن في واد آخر… وانها تتصرف مدفوعة بحسابات ومصالح مباشرة، ولا تعمل بوحي مبادئ ومفاهيم يتقصد قادتها ان يصيغوها في جمل مبهمة للاستهلاك العام، ويمكن ان تنطبق على كل وضع وكل حين، لكنهم ايضا يبيعونها الى العالم باعتبارها «نبراسا» لا حياد عنه في سياساتهم الخارجية.

وفي كل مرة، يعاود العرب المكتوون بنار الاصدقاء اكثر من الاعداء، وضع ثقتهم في الديبلوماسية الدولية، لأنهم يدركون ان خيار المواجهات في المنطقة يعني التدمير والفوضى من دون تحقيق المرتجى، ويمكنه ان يطيح في ايام ما تطلب تحقيقه عقودا، وان يعيد عقارب الزمن الى الوراء بعدما تطلبت زحزحتها الى الامام جهودا هائلة.

هناك بالتأكيد حدود لقدرة الديبلوماسية الدولية على معالجة الازمات وايجاد الحلول لملفات معقدة ومتشابكة اقليميا ودوليا مثل القضيتين الفلسطينية والازمة السورية، لكن ثمة فارق جلي بين الالتزام الجاد بالتوصل الى حل منطقي حتى لو قارب اجتراح المعجزات، وبين مجرد رفعه شعارا لا يوصل الى اي نتيجة.

ففي مفهوم «الحل السياسي» في سورية الذي تسعى اليه موسكو وتتبناه واشنطن خلل واضح يساوي بين الضحية والجلاد، بل يفضل الاخير ويجهد لادامة عمله وحمايته من المحاسبة.

ويستند الروس في موقفهم الى رغبة اميركية معلنة في تفادي اي مواجهة لا تتعلق بأمن الولايات المتحدة المباشر، حتى لو عرضت حلفاءها واصدقاءها لمخاطر شتى، فيصعدون حملة التعمية المقصودة التي تضع المعارضة السورية كلها في كفة التشدد والتطرف و»القاعدة». ويبتلع الاميركيون والاوروبيون الطعم حتى يصبح هدف التسوية المفترضة ليس تشكيل حكومة انتقالية سورية تمهد لازالة رؤوس نظام الاسد واعادة تدوير جسده، مثلما نص على ذلك اتفاق جنيف-1، بل اثبات «اعتدال» المعارضة وقدرتها على «طمأنة» الغرب، وكأن المشكلة اساساً في المعارضة وليست في النظام.

قد تكون هناك ثغرات كثيرة وكبيرة في تركيبة المعارضة السورية وادائها، يعود معظمها الى قلة الخبرة السياسية والعملية، بعدما ظل المعارضون حوالى نصف قرن عرضة للقتل والاضطهاد، او الى تمسك بعض فصائلها بافكار جاهزة ومعادلات لم تعد قابلة للتطبيق. لكن هذه المعارضة رغم تشرذمها لا تزال تمثل الغالبية الساحقة من السوريين بمن في ذلك الخاضعين لعسف اجهزة الامن في المناطق غير المحررة، وتعكس تطلعاتهم الى بناء دولة حريات وديموقراطية، وما الضغوط التي تمارس عليها للجلوس الى طاولة واحدة مع «السفاح» كما تسميه، سوى انقلاب على ارادة السوريين وتشكيك في قدرتهم على الاختيار الصحيح.

رفعت المعارضة في اجتماع «اصدقاء سورية» في لندن اول من امس «لاءات» تتمسك برحيل الاسد ورفض مشاركة ايران ما لم توافق على مضمون جنيف-1. واستجاب وزراء الخارجية الاحد عشر لرغبتها في تأكيد عدم وجود دور للاسد والمقربين منه في المرحلة الانتقالية وما يليها، لكن العبرة في الالتزام، لانه يخشى مرة اخرى ان يتراجع الاميركيون عن وعودهم كما فعلوا ابان التهديد بتوجيه ضربة عسكرية الى قوات النظام، طالما انهم يعتبرون الوضع السوري ورقة للتفاوض مع ايران وروسيا.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى