صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الايراني من سورية

عن ربط النزاع بين طهران والرياض/ وليد شقير

تطمئن طهران إلى محادثاتها مع دول 5+1، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية، حول ملفها النووي. وترجح الأصداء الواردة من العاصمة الإيرانية أنها ستفضي إلى اتفاق نهائي على هذا الملف الذي تهتم دول الغرب بأن يشمل آلية متينة لمراقبة ضمان عدم تحول البرنامج النووي عن أهدافه السلمية، فيما تهتم القيادة الإيرانية بألا يحرمها أي اتفاق من التكنولوجيا النووية لتوظيفها في الاقتصاد، وأن يرفع العقوبات عن كاهل الاقتصاد المترهل.

إلا أن طهران مثل واشنطن، تقر بأن هذه المحادثات تنحصر بالملف النووي ولا تتعداه إلى الوضع الإقليمي، وهذا ما أبلغه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى القيادة السعودية حين زار الرياض نهاية الشهر الماضي، في محاولة لطمأنتها إلى أن التقدم على صعيد ضبط برنامج إيران النووي لم يفض إلى تفاهمات على دورها الإقليمي الذي سيبدأ البحث فيه في شهر تموز (يوليو) المقبل حين يكون الاتفاق على النووي أُنجز.

وبغض النظر عما توصلت إليه المحادثات الأميركية السعودية من زاوية معالجة الخلافات حول الموقف من إيران والتوجس السعودي من «حياد» واشنطن حيال التدخل الإيراني في اليمن والعراق وبعض دول الخليج وسورية وفلسطين ولبنان، فإن القيادة الإيرانية وهي تردد منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني أنها مهتمة بتحسين العلاقة مع الرياض، تعتبر أن عدم نجاح المحاولات التي بذلتها إلى الآن مع الجانب السعودي لا يقلقها، «لأن المهم بالنسبة إلينا هو حوارنا مع واشنطن، الذي سيستمر».

في الانتظار، تواصل طهران التمسك بأوراقها كاملة وتظهر تصميماً على الدفاع عن أوراقها في كل الدول المذكورة، وتزيد من تدخلها فيها وتزداد شراسة في بعضها وتسعى لاستباق محادثاتها المفترضة مع واشنطن ومع الرياض، حتى تُقبِل عليها حين تحصل من موقع المتمكن.

وهي لذلك تستفيد من التردد الأميركي حيال ما تقوم به ومن تقاطع المصالح حول محاربة الإرهاب. وتربح الوقت، لا سيما في سورية، برسم خريطة ميدانية تُحصِّن النظام فيها، عبر إعانته على تأمين الحدود مع لبنان لدولته المفترضة بين دمشق والساحل السوري، من طريق المساندة القتالية التي يقوم بها «حزب الله»، أو من خلال تأمين شرعية جديدة للنظام بدعم الانتخابات الرئاسية المهزلة التي سيفوز فيها بشار الأسد. وهي تتصرف على أن حماية الأسد في سورية هي حماية لدور نوري المالكي حليفها في بغداد ولـ «حزب الله» في لبنان… وتسعى لاستعادة علاقتها مع «حماس» في فلسطين…

لكن طهران لا تزال تصر على العلاقة مع الرياض، على رغم إظهارها عدم الاكتراث بتمنع الأخيرة عن المغامرة في الحوار قبل أن تُظهر القيادة الإيرانية حسن النية بانكفائها عن التدخل في الإقليم، وحتى لا تستغل أي انفتاح عليها. وإلا ما سر هذا الإصرار على الحديث عن الانفتاح بين الدولتين والحوار بينهما من جانب الديبلوماسية الإيرانية وأصدقائها اللبنانيين، في وقت لم يظهر أي مؤشر إليه من الجانب السعودي؟ فالرئيس روحاني زار سلطنة عُمان قبل أسابيع ليبحث في اتفاق مد أنابيب الغاز الإيراني عبرها، مع أنه كان أعلن أن زيارته الأولى هي للسعودية، ومنها أراد وساطة الأخيرة مع الرياض من أجل زيارة موفد مقرب لخادم الحرمين الشريفين طهران. والفكرة نفسها طرحت على أنقرة وعلى دولة الإمارات.

تستعجل طهران الحوار وتلح على الحل السياسي في سورية قبل حلول الصيف، مخافة أن تحصل مفاجآت تعدل في الصورة الحالية التي تعتقد أنها لمصلحتها ومصلحة حلفائها، وتسعى لاستباق أي احتمال يقلب الصورة ويعدل من الامتناع الأميركي عن دعم المعارضة السورية. وفي حين أملت طهران من رفع العقوبات رفعاً للعقبات أمام نموها الاقتصادي، فإن دول الغرب كانت تأمل بأن يمهّد الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية عن الاقتصاد الإيراني في الاتفاق النووي المرحلي مطلع السنة، إلى رفع العقبات التي تضعها إيران أمام التوافق على الوضع الإقليمي، إلا أن المسار الذي سلكته الأزمة السورية ضاعف من هذه العقبات، ما يدعو إلى التساؤل عما إذا كان الاتفاق النهائي على الملف النووي سيشمل رفعاً كاملاً للعقوبات بالتزامن مع الحلول للنووي.

وعندما يقول الرئيس الأسد إن المعارك العسكرية ستستمر حتى نهاية هذا العام ليبدأ بعدها التركيز على محاربة الإرهاب، فإن المنطق يقول إن على طهران أن تقلق من استمرار استنزافها و «حزب الله» في بلاد الشام، بموازاة قلق دول الخليج من السياسة الأميركية الزئبقية حيال الأزمة السورية وأوضاع الإقليم.

فهل إن طهران تريد من الانفتاح على الرياض استباق المطالب الأميركية منها في الإقليم بعد إنجاز الاتفاق على النووي عبر ما تروج له من تقارب مع السعودية؟ وهل تريد أن يكون لبنان ميداناً لهذا التقارب، فيجري ربط النزاع في البلد الصغير الذي أصبح نموذجاً لعمليات «ربط النزاع» أم أن الأمر مجرد مناورة؟

الحياة

طهران إذ تروّج لـ «صفقة» دولية تبقي نظام الأسد/ عبدالوهاب بدرخان

أكثر من مرة أعلن الامين العام لـ «حزب الله» أن مرحلة اسقاط النظام السوري «انتهت». وفي العام 1991 اعتبر أن صدّام حسين أنه انتصر في «حرب الخليج» الأولى، فالعراق دُمّر ونظامه بقي، وبإرادة اميركية، لكنه كان قد سقط فعلاً. وإذ كرر حسن نصر الله أخيراً صمود نظام بشار الاسد، الذي أثبت أنه «ليس ضعيفاً» وأن لديه «حاضنة شعبية»، فإن نصر الله تحدّث بصفته مصدر «القوة» لنظام كان يتهاوى لحظة قررت ايران وأتباعها في لبنان والعراق التدخل لإنقاذه. وحين يشير الى «الحاضنة الشعبية» فإنه لا يكترث بكون النظام استخدم أساليب عصابات «الإرغون» الارهابية الاسرائيلية ومجازرها لطرد نحو نصف الشعب السوري من أرضه ومدنه. لم يؤكد نصر الله أن الحرب حسمت بل توقع «حرب استنزاف»، لأن المعارضة «غير قادرة على القيام بحرب كبيرة» لا في الساحل ولا في الجنوب، رغم وجود «دول تموّل وتسلّح وتحرّض» تماماً كما تفعل ايران وروسيا والعراق لكن بنجاح أكبر.

في سياق متصل أكّد نائب وزير الخارجية الايراني اقصاء خطر اسقاط نظام الاسد، لكن بصيغة مختلفة عما جاء في حديث نصر الله الى صحيفة «السفير». قال حسين أمير عبداللهيان في تصريحات خلال زيارته الإمارات أن ايران لا تسعى الى «بقاء الأسد رئيساً مدى الحياة» (!)، لكنها لا تشاطر «فكرة استخدام القوى المتطرفة والإرهاب لإطاحته». كان بإمكانه أن يضيف أن ايران «لا تشاطر» فقط بل تستخدم فعلاً تنظيم «داعش» وغيره لإسقاط «ثورة الشعب السوري». يدرك الرجلان أن عدم سقوط النظام لا يعني أنه لا يزال صالحاً لحكم سورية. ما العمل به اذاً؟ طالما أنه صالح للاستعمال الايراني فإن نصر الله يرى، من موقعه، أن نظام الاسد يتيح لـ «حزب الله» تطوير قدراته القتالية في تمرينات حيّة ضد الشعب السوري – «العدو»، أما الآخر عبداللهيان فيعرض مساومة من خلال «مسار موازٍ» لمفاوضات جنيف، واثقاً بأن ميزان القوى الذي أقامته ايران على الأرض سيفرض بقاء الاسد لأنه الضمان الوحيد لنفوذها الحالي في سورية.

يقدّم الايرانيون هذا المسار كإطار دولي – اقليمي بديل من مسار جنيف المتأرجح حالياً، لكنه اطار تستعجله طهران ليلتقي مع تقدّم مفاوضاتها النووية وتريد اقحام الملف السوري في مساوماته. وقد توافق موسكو عليه لاعتبارين: لأنه يكرّس الأمر الواقع الحالي مع بعض التعديلات، ولأن انضاجه يتطلّب وقتاً وعملاً كي ينتج حلاً حقيقياً. فالروس لا يحبّذون نهاية قريبة للأزمة إلا اذا ضمنوا ما سيحصلون عليه في سورية وفي مناطق اخرى. لكن ثلاثي النظام – ايران – روسيا لا يكفي وحده لإنهاء الحرب، بل يحتاج الى الولايات المتحدة لفرض الحلّ واقناع السعودية به، كذلك تركيا، فضلاً عن الأطراف الاوروبية المعنية.

يمكن أن يوصف الايرانيون بأي شيء إلا بالسذاجة، لكن اطارهم المقترح يميل ظاهراً وباطناً الى ترجيح «شروط المنتصر»، اذ يَفترض أن الأزمة لم تكن ولن تكون داخلية وانما هي نزاع بالوكالة (أو بالأصالة في حال ايران) بين قوى خارجية فإذا توفرت لها الظروف والارادة يمكن أن تحلّها. أما البعد الداخلي فيستطيع النظام أن يتولاه اذا استجيبت مطالبته بوقف دعم المعارضة، هذا يفترض أيضاً أن الايرانيين عثروا على سوريين متمتّعين بصفة تمثيلية لا غبار عليها ومستعدّين للتوقيع على صك الإذعان لإملاءات النظام. فكلما سئل الروس أو الايرانيون يشيرون الى «معارضة الداخل»، المدجّنة أو المستأنسة، التي يعرفون جيداً أنها قد تكون جزءاً من الحل لكن يتعذّر انتاج تسوية معها أو بواسطتها.

لعل المفارقة الاخرى في اقتراح «المسار الموازي» أنه يتمثّل النهج الاسرائيلي في التفاوض، بمعزل عن الأمم المتحدة وبشروط المنتصر التي لا تصنع تسويات عادلة ودائمة، اذ يروّج أصحابه الايرانيون لـ «صفقة» مع القوى الدولية والاقليمية لإبقاء النظام وتخلّي هذه القوى عن دعم ما يسمّونه «معارضة الخارج» (وكأن وجودها القسري في الخارج مجهول الأسباب) بل ارغامها على الرضوخ للأمر الواقع. سبق للروس أن قدّموا اطروحةً كهذه، ثم طوَوها بعدما استنتجوا أنها لا تقنع أي طرف دولي أو اقليمي بسبب لا واقعيتها وعدم توازنها، تاركين للصراع العسكري أن يأخذ مجراه علّه يفلح في «كيّ وعي» المعارضة وداعميها، كما يحاول الاسرائيليون أيضاً كيّ وعي الفلسطينيين ليستسلموا.

لكن العرض الايراني المطوّر لهذه الاطروحة يفتي بأنها اقتراح الفرصة الأخيرة للحفاظ على سورية موحّدة قبل أن يتوسّع الحسم العسكري فيصبح أي حلّ بعدئذ محكوماً بـ «التقسيم». وإذ قال حسن نصر الله «اعتقد أننا تجاوزنا خطر التقسيم» فقد بدا كمن يجهل أو يتجاهل مغزى «حرب القلمون» التي خاضها مقاتلو حزبه استكمالاً لرسم خريطة «الدولة» التي خطّط لها نظام الاسد منذ زمن وباتت الآن مشروعاً لا تتبنّاه ايران فحسب بل تجري تعديلات عليه ليشمل أيضاً دولاً اخرى مجاورة. قد تكون تلك الحرب ضمنت، وفقاً لايران و «حزب الله»، عدم اسقاط نظام الاسد، لكنها في كل الأحوال لم تضمن استعادته الحكم والسيطرة على كامل البلاد. ويُستدلّ من إعلام النظام أنه لم يعد معنياً إلا بما يسمّيه «سورية المفيدة» التي تشمل مناطق يريد ضمّها الى «دولته»، لذلك أبلغ الاسد زائره الروسي أخيراً أن «المرحلة النشطة» من العملية العسكرية ستنتهي هذه السنة، وبعدها سنتحوّل الى ما كنّا نقوم به طوال الوقت… محاربة الارهابيين»، ما يعني أنه سيركّز في المرحلة المقبلة على تصفية أي وجود للمعارضة في ريف اللاذقية وكل منطقة الساحل وتحصين دفاعاتها وسدّ المنافذ اليها.

يُظهر الصراع السوري تفاوتاً كبيراً بين النظام والمعارضة، تكتّماً أو تصريحاً، في توصيف الوقائع وتحديد الأهداف، وهو ما انعكس على تحليل التطورات الميدانية. فالموالون والمعارضون اتفقوا ضمناً على أن «حرب القلمون» خطوة متقدمة نحو التقسيم لكنهم تفرّقوا في قول ذلك علناً، الموالون للتغطية على لعبة النظام، والمعارضون لاعتقادهم بأن التقليل من ذكر التقسيم يبعده. وقد فعلوا ذلك أيضاً بالنسبة الى «الطائفية» و «الحرب الأهلية»، الموالون اعتقاداً بـ «علمانية» يدّعيها النظام ويعرفون أنها أكذوبة، والمعارضون تجنباً لسمعة «اسلامية» يسهل أن تصبح «ارهابية» تُستغلّ ضدّهم… لذلك كان لافتاً أخيراً ذلك الجدل في أوساط المعارضة حول دلالات «معركة الساحل» وإبرازه مجدداً مسألة «طمأنة الأقليّات». وإذ دلّ الى روح وطنية حيّة عند المعارضين مقابل انعدامها لدى النظام و «شبّيحته»، فإنه أكّد أيضاً إلزام المعارضة نفسها بمعايير اخلاقية وانسانية لم يعترف النظام بها يوماً.

لا شك في أن هذا من المواقف الصعبة بل المستحيلة التي فرضتها ممارسات النظام. لم يُسمع أي صوت بين الموالين يقول إن المجازر وتدمير المدن والقتل بالسلاح الكيماوي والتعذيب حتى الموت وتهجير ملايين السوريين تقتل التعايش بين الطوائف، أو يقول أن «حرب القلمون» ما كان يجب أن تقع لأنها تقوّض وحدة البلد. لكن سُمع داخل المعارضة من قال إن «معركة الساحل» ما كان يجب أن تقع خشية حصول مجازر طائفية وتحوّل الصراع الى «حرب أهلية». الواقع أن النظام هو من فرض منطق الحرب الشاملة، ولا يعني التمييز هنا سوى تزكية لفكرة أن منطقةً ما ومواطنيها ليسوا سوريين، أو أن قتل أبناء طائفة ما مسموح وقتل أبناء طائفة اخرى محرّم، أو استباحة الأقلية جريمة أما استباحة الأكثرية فمسألة فيها نظر… لا عجب اذا سخر النظام وحلفاؤه الايرانيون من جدل كهذا فيما هم يحققون «انجازاتهم» الدموية.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

سيناريوات الاتفاق النووي النهائي بين ايران والدول الغربية/ محمد صالح صدقيان

في إطار معلومات في طهران عن رغبة الجانب الايراني بالانتقال الى مرحلة كتابة الاتفاق النهائي والشامل مع (مجموعة 5+ 1) في نهاية الستة اشهر التي وضعها اتفاق جنيف الموقع في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي والتي تنتهي في تموز (يوليو) المقبل، تبرز مشاكل امنية وعسكرية تجعل المنطقة مفتوحة امام جميع الاحتمالات جراء عدم توصل الجانبين لهذا الاتفاق.

ومن الواضح ان اختلاف وجهات النظر بين الجانبين لا يزال قائماً «وان التوصل للاتفاق يحتاج الی قرار مهم وحازم من الدول الغربية»، علی حد تعبير وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي يعكس حدة هذه الاختلافات التي لا تحل الا عبر القرار السياسي.

وتتركز وجهة النظر الغربية، خصوصاً الأميركية، علی استراتيجية تحجيم البرنامج النووي الإيراني، في حين يذهب الإيرانيون الی الرغبة في التوصل الی اتفاق يستند الی الشفافية والثقة من خلال إعطاء ضمانات لتأكيد سلمية برنامجهم النووي.

الدول الغربية تسعی الى أن يحقق الاتفاق النهائي مع إيران هدفين: الأول احتفاظ طهران ببرنامج محلي صغير لتخصيب اليورانيوم، والثاني استخدام طرق فنية للحد من عمل منشأة اراك التي تعمل علی إنتاج الماء الثقيل، وتقليل نوع وعدد أجهزة الطرد المركزي، وتحديد مستوی التخصيب في المنشآت النووية، مع تحديد الكمية المخزنة من اليورانيوم المخصب، إضافة الی نصب آليات مراقبة علی الأنشطة النووية وملحقاتها أينما وجدت.

حقيقة الأمر ان هذه الأهداف تستلزم إغلاق منشأة اراك النووية وتعليق العمل في منشأة فوردو التي تعمل علی تخصيب اليورانيوم والمبنية داخل الجبال المحيطة بمدينة قم التي تبعد 130 كيلومتراً من طهران، والاستغناء عن أعداد كبيرة من أجهزة الطرد المركزي العاملة في منشأتي نطنز وفوردو، إضافة الی تعليق العمل بأنشطة التخصيب المرتفعة التي تصل الی عشرين في المئة، وتحويل الكمية المرتفعة التخصيب التي تمتلكها ايران الی مستويات دون 5 في المئة وتفكيك مادة هكزافلورايد اليورانيوم المعدة للتخصيب، والعمل للحد من توسيع صناعة أجيال جديدة من أجهزة الطرد المركزي وتعليق العمل في نشاطات التدوير النووية كلها.

من المستبعد ان يقبل الجانب الإيراني مثل هذه المطالب التي يری انها تتعدی التعهدات والمواثيق الدولية في مجال حظر الانتشار النووي، الا ان الجانب الغربي يصر علی إلغاء جميع الفرص الممكنة لاقتراب البرنامج الإيراني من التسلح النووي.

لقد دأبت الاستراتيجية الإيرانية في المفاوضات النووية علی تحقيق الشفافية أولاً، والثقة ثانياً، من خلال التأكيد علی تطبيق معاهدة حظر الانتشار النووي «ان بي تي» اضافة الی الالتزام بمقرارات ومواثيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، باعتبار إيران عضواً في هذه الوكالة وملتزمة بقوانينها ومواثيقها.

واقترحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية علی إيران آليات عدة لتحقيق الشفافية: التوقيع علی «معاهدة الضمانات الشاملة» التي تتيح للوكالة التحقق من مستوی المواد النووية المتوافرة لدی إيران التي لا يمكن لها ان تستخدم في إنتاج السلاح النووي، اضافة الی دعوة إيران الى التوقيع الطوعي علی «البرتوكول الإضافي» لمعاهدة حظر الانتشار النووي، و «الترتيبات المكملة» من اجل رسم صورة واقعية لجميع النشاطات النووية.

ويبدو واضحاً ان مطالب الدول الغربية تتعدی معاهدة حظر الانتشار النووي «ان بي تي» ومواثيق ومقررات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن اجل إثبات مطالبها، استندت (مجموعة 5+1) الی تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تشير الی عدم التزام إيران معاهدة حظر الانتشار النووي، في الوقت الذي تشير معلومات هذه الوكالة الی ان العديد من الدول الموقعة علی هذه المعاهدة لم تلتزم بنودها كمصر وكوريا الجنوبية ورومانيا لكن التعاطي معها لم يكن مثل التعاطي مع إيران.

محاذير الفشل

ويبــدو ان التــــزام القوی الكــبری باســتراتيجياتها المعـــادية لإيران يـــدفع بالجانب الإيراني الى الابتعاد عن (مجموعة 5+1)، وهذا يعني طرد المراقبــين الدوليــين وإزالة اجهزة المراقبة وربما التوجه الى انتاج السلاح النووي. وبالتالي فان عدم توصل الجانبين الی اتفاق نهائي وشامل يفتح الباب علی جميع الاحتمالات علی ضوء المعارضة التي يبديها المتـــشددون في إيران حيال المفاوضات النووية، وهي رســـالة خطيرة يمكن ان تتلقاها دول المنطقة والعالم.

علی ذلك ليس أمام الجانبين الإيراني والغربي سوی أربعة سيناريوات من اجل التوصل للاتفاق النهائي.

الأول، ان تقبل الدول الغربية بالفتوی الدينية التي اصدرها مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي التي تحرم إنتاج وحيازة واستخدام الأسلحة النووية، وبالتالي فهي تضع خطوطاً حمراً امام الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي. وفي هذه الحال يجب ان تتجاوز الدول الغربية القضايا التفصيلية في البرنامج الإيراني للتركيز علی عناصر الشفافية والرقابية.

الثاني، المشاركة الغربية في مفاصل البرنامج الايراني بالشكل الذي يبدد القلق من مدى سلمية البرنامج بسبب مشاركة الدول الغربية في جميع النشاطات النووية الايرانية.

الثالث، الاتفاق علی تنفيذ عدد من البرامج الواقعية التي تحد من توسيع البرنامج الإيراني بدلاً من طرح مطالب لا تقبل بها إيران كتعليق العمل في منشأة فوردو، وتفكيك منشأة اراك. وفي هذه الحال يمكن ان تطبق هذه البرامج في فترة زمنية كافية لاختبار الثقة المتبادلة. وهذا السيناريو يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من الغموض الذي تراه في البرنامج والمواقف الإيرانية.

الرابع، تبني نظرة كلية تستند الی إيجاد منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي. ومن اجل تحقق هذا الهدف يجب ان تتوصل القوی الكبری مع إيران الى اتفاق تقبله بقية دول المنطقة، ويكون الاتفاق النهائي مع إيران نموذجاً لكل دول المنطقة.

ويعتقد خبراء ومهتمون بالملف النووي الإيراني ان الاقتراح الذي تقدمت به «المجموعة الدولية للمواد الانشطارية» التي تتشكل من خبراء مستقلين نوويين من 15 دولة يمكن ان يكون الفيصل بإنهاء الملف النووي الإيراني والتوصل للحل الشامل والنهائية

 لهذا الملف.

وينص الاقتراح علی منع إنتاج أو استخدام مادة البلوتونيوم واليورانيوم 233. والحد من استخدام اليورانيوم المرتفع التخصيب في إنتاج الوقود النووي والاكتفاء بتخصيب اليورانيوم تحت مستوی 6 في المئة. والاتفاق علی برنامج لإنتاج اليورانيوم وتخصيبه متى دعت الحاجة لذلك بدلاً من خزنه في مستودعات.

ويری المهتمون بالمفاوضات النووية ان مثل هذا الاقتراح يمكن ان يؤسس لأرضية مناسبة من اجل التوصل للاتفاق النهائي وغلق هذا الملف الذي يهدد امن المنطقة واستقرارها.

الحياة

حين تختبر طهران ورام الله قدرة أميركا على الاحتواء/ حسن شامي

ظهرت أخيراً مؤشرات إلى تطورين مهمين يتعلقان باستراتيجية الاحتواء التي تعتمدها الإدارة الأميركية لمعالجة ملفات شائكة كالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي ومفاوضات السلام المتعثرة من جهة، والملف النووي الإيراني والمحادثات حوله من جهة أخرى.

ويظهر أن ثمة توازياً في تطور الملفين وإن كانت وجهة كل منهما مرشحة لسلوك مسالك متعرجة يصعب التكهن بتبعاتها. ففي الملف الإيراني، تزايد الحديث عن تقدم في المفاوضات بحيث يمكن الشروع في وضع صيغة اتفاق دائم بين إيران والغرب منتصف الشهر المقبل، في أعقاب المحادثات الأخيرة في فيينا بين إيران والدول الست. إذ وصفت المحادثات بالإيجابية وإن كانت تصريحات المسؤولين تنم عن حذر.

ويأتي حديث المرشد الأعلى علي خامنئي، لدى استقباله مديري منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وخبراءها ليؤكد ضرورة مواصلة المفاوضات من دون أن تتوقف النشاطات الإيرانية في مجال البحث والتنمية النووية. وعلّل خامنئي وجوب استمرار المفاوضات بضرورة كسر الأجواء العدائية وذرائعها الواهية حيال إيران، واعتبر أنه بات أكيداً «أن إيران لا تسعى إلى السلاح النووي في ضوء الحكم الشرعي والعقلي والسياسي»، وأن المسؤولين الأميركيين هم الذين عرقلوا على الدوام محاولات العثور على حلول مقبولة للمسألة النووية. من المبكر ربما أن نتحدث عن تسوية نهائية للملف. وهذا لا يمنع توقُّع تقدم حقيقي قد يؤتي ثماره نهاية حزيران (يونيو) المقبل، وفق بعض التقديرات. السؤال الذي يفرض نفسه هاهنا هو: هل يمكن الفصل بين مسار المفاوضات بخصوص الملف النووي وبين الموقع الإقليمي المتزايد الاعتبار لإيران، على غير صعيد؟

السؤال يلقـــي الضوء على جملة من المسارات والتطورات التي يطاول بعضها خطوط اللعبة الدولية، فيما يطاول بعضها الآخر التسويات المفترضة في بلدان تشهد نزاعات مسلحة أشبه بالحرب الأهلية التي لا تفصح عن صفتها، كما الحال في سورية والعراق واليمن، إضافة إلى النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي وانسداد آفاق عملية السلام وخلط أوراق الاصطفافات، نظراً إلى تداعيات الحراك العربي وتقلبات الأوضاع التي أفضت أحياناً إلى انقلاب في ترسيمة القوى في بلدان وازنة كمصر.

ليس معلوماً إذا كانت المحادثات الإيرانية- الغربية حول الملف النووي تسير على إيقاع تسوية شاملة وإجمالية، لكننا نميل إلى ترجيح فرضية التسويات في كل حالة على حدة، أي بالمفرّق. وهذا ما يعيد رسم خريطة اللاعبين الدوليين والإقليميين في كل حالة وتبعاً لأحجام هؤلاء وحظوظهم في تثبيت مواقع نفوذهم في هذا البلد أو ذاك. ولن تكون هناك مبالغة في تقدير حصول بعض التعديل في التوازن الدولي وصعود الدور الروسي كما يتضح من الخطوط العريضة للمسألة الأوكرانية، بعد انضمام القرم إلى الاتحاد الروسي، ولمسار التفاوض الصعب حول سورية وشرنقة القوى الفاعلة فيها.

التطور الثاني يتعلق بقضية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أعقاب الموقف الذي أفصح فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام مجلس الشيوخ، إذ اتهم حكومة نتانياهو بتعطيل عملية السلام. وقد ترتبت على هذا الموقف سلسلة من التطورات اتخذ بعضها طابعاً إجرائياً، فيما يطاول جوهرها أفق التسوية التي يسعى الأميركيون إلى تحقيق الحد الأدنى منها. وبات واضحاً ارتفاع منسوب التأزم في ملف التفاوض بعد رفض الحكومة الإسرائيلية إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين وعقد السلطة الفلسطينية اتفاقات مع مجموعة من الهيئات والمنظمات الدولية ورد الإسرائيليين بإجراءات عقابية والتوعد بمزيد منها.

ما ينبغي التوقف عنده هنا هو إيحاء الإدارة الأميركية بأنها تسعى إلى احتواء الحليف الاستراتيجي واتهامه- وإن بطريقة غير مباشرة- بتعريض الموقع الأميركي في المنطقة لأخطار تآكل النفوذ. ليس أمراً غير مسبوق أن يحصل مقدار من التوتر في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية. فقد شهدنا في السابق أشكالاً من اضطراب هذه العلاقات، وكان يجري تطويقها بطريقة لا تقلل من رصيد القوة الإسرائيلية واعتباراتها الخاصة بطموحاتها إلى السيطرة والتوسع. وغالباً ما كان التطويق هذا يحصل على حساب الفلسطينيين تحديداً، والعرب استطراداً.

سبق كذلك ان شهدت هذه العلاقات في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بعض التجاذب والتحـــدي، وخرج منهما نتانياهو منتصراً، بل حصـــل ما يشبه ليّ ذراع لرئيس القوة الأعظم بفعـــل اللوبي الإسرائيلي النافذ في الكونغرس.

صحيح ان بعض أركان الإدارة الأميركية أطلقوا تصريحات تحكيمية تطالب الطرفين بتقديم تنازلات من شأنها أن تدفع عملية السلام… لكن القاصي والداني يدركان أن هذه التصريحات بلاغة إنشائية تحجب واقع التعثر أكثر مما تفضحه. وكانت سياسة السلطة الوطنية المنضوية تحت السقف الأميركي والدولي للتسوية، قدّمت أقصى ما يمكن من التنازلات ومن تسليم الأمور عموماً إلى ما يسمى «المجتمع الدولي». هذه السياسة التي تتخلى، طوعاً او كرهاً، عن عناصر القوة المحتملة للمجتمع الفلسطيني وحركته الوطنية، باتت تحرج الراعي الأميركي بسبب مبالغتها في الليونة وفي تفويض الأمور إلى القوى الدولية بحيث تضع صدقية الإدارة الأميركية، والمجتمع الدولي، على المحك. في هذا المعنى، تضع التطورات الأخيرة إدارة أوباما أمام اختبارين، ليس من الصعب التقاط الصلة بينهما. فالجعجعة الإسرائيلية المتواصلة منذ ثماني سنوات، في أقل تقدير، والداعية جهاراً إلى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وإن كانت غير مضمونة النتائج، ستظل على الأرجح ضرباً من الجعجعة. وهذا يعزز وجه الصلة بين المسألة الإيرانية ومسار التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي. وليس مستبعداً أن تكون السلطة الوطنية استفادت من تخبط حركة «حماس» واضطراب تموضعها السياسي بسبب التبدلات الدراماتيكية في المشهد الربيعي العربي والإسلامي، خصوصاً بعد الانقلاب على «الإخوان المسلمين» في مصر واضطراب أحوال سلطة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الذي استعاد بعض مكانته في أعقاب فوز حزبه أخيراً في الانتخابات البلدية. ويستفاد من هذه التبدلات وسعي الأطراف الإقليمية النافذة إلى تدوير الزوايا وتحقيق تفاهمات لا تلغي الخلافات، أن السباق سيظل بين تعزيز المكانة الإقليمية، وبين الالتفات إلى الشأن الوطني حتى في المعنى المحلي والضيق للكلمة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى