صفحات العالم

مقالات تناولت الوضع على جبهة الأردن – سورية

تسخين جبهة الاردن السورية

عبد الباري عطوان

إذا اراد المرء ان يعرف تطورات الاوضاع سياسيا في سورية فعليه ان يراقب ما يجري في اسطنبول من لقاءات ومشاورات وتصريحات، اما اذا اراد ان يستقرىء طبيعة الخطط العسكرية فإن عليه ان يقرأ خريطة التحركات المتلاحقة في العاصمة الاردنية عمان، ابتداء من وصول قوات امريكية او المناورات العسكرية، السرية والعلنية، او عمليات تهريب الاسلحة والمقاتلين الى العمق السوري.

العاصمتان التركية والاردنية شهدتا في الايام القليلة الماضية لقاءات مكثفة على الصعيدين السياسي والعسكري، فقد استضافت الاولى مؤتمرا لأصدقاء سورية، تقرر خلاله تزويد المعارضة السورية المسلحة بمعدات عسكرية ‘دفاعية’، ورفع الحظر النفطي المفروض اوروبيا على سورية بما يمكن المعارضة ‘المعتدلة’ من تصدير النفط من المناطق التي تسيطر عليها في دير الزور والحسكة والرقة، بينما شهدت العاصمة الثانية ،اي عمان، مناورات عسكرية واعلان صحيفة ‘الفيغارو’ الفرنسية القريبة من صنّاع القرار ان السلطات الاردنية قررت فتح المجال الجوي الاردني امام طائرات سلاح الجو الاسرائيلي لتوجيه ضربة عسكرية ضد سورية.

القرار الاردني اذا صحّ، وهو يبدو صحيحا، فلم يصدر حتى كتابة هذه السطور بيان رسمي عن القصر او الحكومة ينفي ما نشرته الصحيفة الفرنسية، باستثناء تصريح منسوب لمصدر مجهول الهوية نشرته صحيفة ‘الدستور’ الاردنية غير الرسمية، يقول انه اذا صحّ هذا القرار فإن هذا يعني ان الاردن قرر ان ينتقل من موقفه شبه المحايد تجاه الأزمة السورية الى موقف منحاز تماما الى جانب خطط اطاحة النظام في دمشق.

العاهل الاردني حاول طوال العامين الماضيين مسك العصا من الوسط، مع تقديم بعض التنازلات للضغوط الامريكية والسعودية هنا وهناك، ولكنه استسلم الى هذه الضغوط في الاشهر الاخيرة فيما يبدو، وقرر تجاوز كل الخطوط الحمراء بما في ذلك السماح للطائرات الاسرائيلية باستخدام الاجواء الاردنية في طريقها ليس لضرب سورية النظام فقط، وانما ايران ايضا، اذا ما قررت القيادتان الاسرائيلية والامريكية تنفيذ تهديداتها بضرب مفاعلاتها ومنشآتها النووية.

‘ ‘ ‘

ندرك جيدا حجم الاردن وظروفه الاقتصادية الصعبة، ولكننا ندرك ايضا ان الذهاب بعيدا في التورط في الملف السوري قد يكون مكلفا جدا للاردن، لان تطورات الوضع السوري، امنيا وعسكريا على وجه الخصوص، تشكل الخطر الاكبر على الاردن، وثانيا لان الحروب الامريكية والاسرائيلية في المنطقة، ومهما كانت محكمة التخطيط والتنفيذ، غير مضمونة النتائج، فقد علمتنا التجارب ان ‘اليوم التالي’ للانتصار مقدمة لايام صعبة من الهزائم لاحقا.

لنأخذ مثلا واحدا يؤيد ما طرحناه سابقا وهو القرار الاوروبي برفع الحظر عن واردات النفط السورية لتمكين المعارضة السورية من التصدير وتمويل عملياتها العسكرية. فالقرار ظاهريا سليم، ولكنه عمليا صعب او مكلف التطبيق، فآبار النفط السورية تقع تحت سيطرة جبهة النصرة وجماعات سلفية اخرى، فهل ستستورد اوروبا النفط من الشيخ ابو محمد الجولاني زعيم الجبهة، وهل ستتفاوض مع وزير نفطه مثلا على الكميات، وهل ستودع بنوك اوروبا العائدات في حسابات للتنظيم؟

العقيد سليم ادريس رئيس هيئة اركان المجلس العسكري الثوري التابع للجيش الحر قدم حلا لهذه المعضلة، طرحه امام مؤتمر اصدقاء سورية في اسطنبول، ملخصه ان يتم تشكيل جيش من 30 الف جندي وتسليحه بأسلحة حديثة ومتطورة يتولى طرد جبهة النصرة من المناطق النفطية التي تسيطر عليها، وقال انه يحتاج الى 40 مليون دولار شهريا لتمويل هذه القوات مثلما صرح لصحيفة ‘الفايننشال تايمز′ بحيث يقدم رواتب شهرية في حدود 100 دولار شهريا للجندي الواحد، اي اقل من نصف ما كان يقدمه الجنرال الامريكي ديفيد بترايوس لقوات الصحوات العراقية التي تولت مهمة محاربة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.

هذا الحل ربما يكون مغريا على الورق، ولكن التطبيق على الارض يعني حربا اهلية من نوع آخر، اي بين الثوار انفسهم، فجبهة النصرة لن تستسلم بسهولة، وما زالت شقيقتها في العراق (دولة العراق الاسلامية) قوية على الارض رغم تشكيل جيش من 80 الفا من الصحوات العراقية. وليس ادل على صلابتها ان بعض منتسبيها سخروا بشدة من نداء هيئة كبار علماء المسلمين بقيادة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي طالبها بالعودة عن قرارها بمبايعة الشيخ ايمن الظواهري زعيم تنظيم ‘القاعدة’.

الاردن سيجد نفسه قريبا في معمعة الحرب في سورية، فعندما تقول اسرائيل ان النظام السوري استخدم اسلحة كيماوية ضد شعبه، وعندما يطالب جون كيري وزير الخارجية الامريكي حلف الناتو في اجتماع لوزراء خارجيته في بروكسل ‘بأن يستعد للرد على الخطر الناجم عن النزاع في سورية خصوصا الاسلحة الكيماوية، وحماية اعضائه من هذا الخطر’ فإن هذا يؤشر على ان الطائرات الاسرائيلية، او قوات التدخل السريع الامريكية التي تتضخم اعدادها بسرعة في الاردن، باتت على وشك الانطلاق الى العمق السوري في محاولة لتدمير او الاستيلاء على المخزونات السورية من الاسلحة الكيماوية.

‘ ‘ ‘

درجة سخونة الجبهة الاردنية السورية تتصاعد بشكل متسارع، لأن هناك من يريد وضع الاردن ‘في بوز المدفع′، بينما هم يتمتعون برغد العيش في قصورهم الفارهة، يراقبون الحرب عبر شاشات التلفزة.

العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني سيكون في طريقه الى البيت الابيض صباح اليوم، للقاء الرئيس الامريكي باراك اوباما واركان ادارته وقيادته العسكرية، ولا بد انه سيعود الى عاصمته عمان مثقلا بالخطط السياسية والعسكرية، تماما مثل الزوار الذين سبقوه الى المكتب البيضاوي ومدفأته الشهيرة للاعداد او لتنفيذ الخطوة القادمة للتعاطي مع الملف السوري المستعصي على الحسم عسكريا بالسرعة المطلوبة، سواء من قبل النظام او المعارضة.

لا نستبعد ان يكون التنفيذ بعد اختتام زيارة الزائر الاخير للبيت الابيض، اي السيد رجب طيب اردوغان الذي سيحطّ الرحال في واشنطن في منتصف ايار (مايو) المقبل، ومن المفارقة ان يتزامن مع ذكرى اغتصاب فلسطين، عام 1948.

العاهل الاردني الملك عبدالله قال ان اسرائيل تريد قصف مخازن الاسلحة الكيماوية السورية، بينما تفضل امريكا ارسال قوات تعدادها 17 الف جندي للاستيلاء عليها. نحن نرجح السيناريو الثاني، بحكم المناورات والتدريبات المتواصلة منذ عام في هذا الصدد، لكن لا يمكن استبعاد السيناريو الاول بالنظر الى سماح الاردن للطيران الاسرائيلي باستخدام اجوائه.

ايام الاردن القادمة صعبة، بل صعبة جدا، وهذا لا يعني ان الآخرين سيكونون في مأمن، وان النار لن تصل الى طرف ثوبهم.المنطقة كلها تقف على اعتاب ‘تسونامي’ خطير جدا، قد يجرف الكثيرين امامه، ولا نعتقد ان نظام الاسد، اذا سقط، سيسقط وحده، وقد يأخذ آخرين معه، والمعنى في بطن الكاتب!

القدس العربي

الأردن في سورية… سورية في الأردن

إبراهيم غرايبة *

الأزمة السورية تبدو اليوم مهيمنة على المشهد السياسي الأردني، وتمتد (ربما أكثر من اللازم) إلى كل القضايا والجدالات الأردنية الداخلية. قبل سنة ونصف السنة علق حازم الأمين قائلاً: اللبنانيون منشغلون بالأزمة السورية أكثر من اللازم، والاردنيون منصرفون عنها أكثر من اللازم!

الأردن (الرسمي) يسير وفق الإيقاع الإقليمي والعالمي: إيواء اللاجئين واستيعابهم، والموقف المتردد تجاه التدخل القوي والحاسم في دعم الثورة، ومساعدات فنية ولوجستية وعسكرية محدودة للمعارضة تقدم في إطار سري، أو غير معترف به، ولكن النظام السياسي الرسمي في الأردن بكل مكوناته يبدي مخاوف من هيمنة الإخوان المسلمين على الحكم في سورية في المستقبل، يريد سورية جديدة من غير إخوان مسلمين، صار الإخوان المسلمون هاجساً مزعجاً لجميع/معظم الحكومات والنخب العربية.

وعلى رغم أن الدولة الأردنية تملك فرصة قوية لبناء تحالف وشراكة جديدة مع الإخوان المسلمين في الأردن قائمة على دعم الثورة السورية وتأييدها، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القضايا الخارجية والداخلية الممكن الاتفاق عليها، ولكن النظام السياسي يريد دعم الإخوان وتأييدهم من غير مشاركة سياسية او مكاسب يحصلون عليها.

والإخوان المسلمون أيضاً يتطلعون إلى حصة أكبر بكثير مما يمكن أن يعرض عليهم، ويتبرعون على نحو محير ومريب بإثارة القلق والكراهية لدى معظم الفئات السياسية والاجتماعية!

وليس سراً أن ثمة نخباً سياسية واقتصادية تحولت إلى طبقة تهيمن على الفرص والمكاسب السياسية والاقتصادية وعلى السياسات والتشريعات والقرارات، وهي في ذلك تواصل عمليات متراكمة متوارثة منذ تسعين عاماً.

هذه الطبقة تشعر بقلق كبير على مصيرها ومستقبلها، ولا تتردد في قرارات وتوجهات بالغة الفجاجة والتطرف في مواجهة المطالب الاجتماعية والاقتصادية والعدالة والكرامة التي تطالب بها المجتمعات. وهي لأجل ذلك مستعدة للمغامرة بالتحالف مع النظام السياسي في سورية، أو ترفض وعلى نحو لا عقلاني وأقرب إلى الهستيري القادمين الجدد إلى التأثير والمشاركة في سورية والأردن أيضاً!

لا يمكن بالطبع، ولا يجوز سياسياً وأخلاقياً، أن يظل العالم يتفرج على الدمار والجرائم بحق الإنسانية، ولا بد من أن يكون للأردن دور أساسي في وقف الجرائم هذه.

صحيح أن الأردن بلد محدود الإمكانات والموارد، ولكنه شريك فاعل ومهم للمجتمع العالمي، وهو أيضاً متضرر، على نحو مباشر وكبير جداً، مما يجري في سورية، ولديه مصالح كبرى واستراتيجية في إنهاء الصراع في سورية على نحو يعود عليه وعلى المنطقة بالسلم والاستقرار، ولا يمكن أيضاً أن ننظر إلى الكارثة الإنسانية في سورية وكأنها مجرد أحداث بعيدة عنا ولا تعنينا، فهذا لا يليق بنا إنسانياً، وهي أحداث تعنينا اليوم على نحو مباشر، ذلك أن استمرار تدفق اللاجئين بهذه الأعداد الكبيرة، يجعل الأردن ليس عاجزاً عن إيواء اللاجئين واستيعابهم فقط، ولكنه سيعجز أيضاً عن توفير الخدمات والاحتياجات الأساسية للمواطنين الاردنيين والمقيمين في الأردن بأعداد كبيرة جداً للعمل أو في هجرات سابقة مروعة! الماء والكهرباء والاتصالات والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والطرق والمساكن والمرافق والبنى التحتية تتعرض اليوم لضغط كبير يفوق قدرتها على البقاء والاستمرار، وهي ابتداء تعاني من ضعف وخلل كبيرين.

وبالطبع، فإننا نسخر من أنفسنا حين نقول إننا نؤيد الثورة السورية ولكننا نرفض التدخل الخارجي، ومن غير الولايات المتحدة وحلف الأطلسي يمكنه أن يريح العالم من النظام السياسي في سورية ويريح النظام من نفسه أيضاً؟ هذه العبارة التي يكررها مثقفون وسياسيون في الأردن عن رفض الدور الأميركي في سورية مثيرة للشفقة على أصحابها ولا يمكن فهمها غير إشارة إلى انفصام حاد في الشخصية يحتاج إلى تدخل علاجي طبي، ولكن الأكثر غرابة أنها متقبلة وشائعة وكأنها فكرة صحيحة وعملية من دون أن يرغب أصحابها ومؤيدوها في ملاحظة الحضور الأميركي والغربي في كل شؤون حياتهم اليومية، من الدواء والغذاء والسلاح والاجهزة والسلع، وأنهم بغير هذا الحضور غير قادرين على البقاء على قيد الحياة!

* كاتب أردني

الحياة

الأردن وسوريّة: استحالة عدم التورّط

حازم صاغيّة

كثيرة هي العناوين التي تصدّرت المقابلة الأخيرة التي أجرتها الفضائيّة السوريّة مع الرئيس بشّار الأسد. فالبعض ركّز على تصعيده حيال حكّام تركيا، وهذا ليس جديداً، وثمّة من شدّد على مخاطبته الغرب عبر التخويف من «القاعدة»، وهذا أيضاً ليس بالجديد. أمّا تجاهله لبنان فامتداد لسياسة قديمة ومعروفة.

العنوان الأوحد الذي يستحقّ أن يتصدّر المقابلة هو الكلام السلبيّ الصريح تجاه الأردن. والجدّة، هنا، نابعة من جدّة الموقف الأردنيّ نفسه في المشاركة، على نحو أو آخر، في الصراع السوريّ.

ذاك أنّ الأخير إنّما فاض عن الحدود السوريّة التي غدت بالغة الهشاشة، وهو ما لا يمكن الأردن، الضعيف والفقير والصغير، احتماله. فهو يعيش الخوف من «القاعدة» وأخواتها، وهي التي تركت بصمتها الدمويّة في فنادق عمّان، ويخشى محاولتها ملء الفراغ الذي يتركه رحيل بشّار، إن لم يكن في سوريّة كلّها، ففي أجزاء منها. لكنّ الأردن يعيش أيضاً خوفاً آخر من بقاء اللاجئين السوريّين فيه ومن تدفّقهم عليه في ظلّ عجز الاقتصاد الأردنيّ المتواضع القدرات عن الوفاء بالالتزامات التي يرتّبها ذلك. ثمّ، وبعد ضربها المنشأة قرب دمشق، هناك الخوف الأردنيّ المشروع من أن تدسّ إسرائيل أنفها في الموضوع السوريّ، على ما ألمح بنيامين نتانياهو قبل أيّام، لخوفها من وقوع أسلحة نوعيّة في أيدي المتطرّفين. هذا فضلاً عن المخاوف الأردنيّة وغير الأردنيّة من احتمالات استخدام النظام السوريّ أسلحته الكيماويّة.

يعزّز هذا التقدير ما رشح عن وجود عسكريّين أميركيّين في الأردن، بغضّ النظر عن عددهم، وعمّا تردّد عن مرور أسلحة من الأردن إلى سوريّة ربطها البعض بالتمهيد لمعركة دمشق الحاسمة، فضلاً عن الأهميّة التي عزاها مراقبون إلى اللقاءين المتلاحقين اللذين جمعا الرئيس باراك أوباما والملك عبدالله الثاني.

لكنّ المستغرب ليس أن ينخرط الأردن، على نحو أو آخر، في الأزمة السوريّة. المستغرب هو أن يتأخّر في انخراطه. فإذا كان الموقف من سوريّة سبباً للنزاع بين اللبنانيّين، فإنّه سبب لتمتين الإجماع الوطنيّ بين الأردنيّين. ومتى تذكّرنا العلاقة السيّئة بين العرش والكتلة الإسلاميّة في الأردن، جاز لنا أن نتذكّر الثمانينات، حينما وفّر الموقف من الحرب العراقيّة – الإيرانيّة مساحة مشتركة بين السلطة والإخوان المسلمين الأردنيّين. فهل يتكرّر أمر كهذا حيال الأزمة السوريّة، علماً أنّ الموقف المعارض للاستبداد السوريّ أشدّ أخلاقيّة بلا قياس من الموقف المؤيّد حينذاك للاستبداد العراقيّ؟

يجازف المرء بهذا التقدير وهو على بيّنة من طبيعة السياسة الخارجيّة في عمّان، والتي تتّصل اتّصالاً وثيقاً بطبيعة الاقتصاد المحدود الموارد والقدرات. فالأردن الذي يقيم في قلب الأزمات العربيّة الكبرى، قريباً من فلسطين وإسرائيل وسوريّة والعراق، واستطراداً إيران، لا يسعه البقاء خارج الإجماع العربيّ أو خارج الإجماع الغربيّ. فكيف حين يتقارب هذان الإجماعان بحيث يكادان يصيران واحداً. والأردن، الخبير منذ الخمسينات بانتزاع فرص الحياة من أشداق الاستحالة، لا يمكن أن يُبقي نفسه في استحالة مميتة كالتفرّج على ما يجري في سوريّة، ضدّاً على الإجماعين.

فكيف إذا صحّت تلك الفرضيّة التي تقول إنّ جائزة فلسطينيّة كبرى تنتظر عبدالله الثاني، من غير أن يكون الرئيس محمود عبّاس بعيداً عن تقديمها، وأنّ هذا كلّه وثيق الصلة بما ينوي وزير الخارجيّة الأميركيّ جون كيري مباشرته قريباً؟

الحياة

خطط لـ«عزل» الأردن عن الحريق السوري

جورج سمعان

سياسة «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية لن يكون لها قريباً مكان في قاموس جميع المعنيين بالأزمة. تتساقط أوراقها واحدة تلو أخرى. نجح النظام وخصومه في جر الجميع إلى كشف أوراقهم، ودفع المتصارعين في سورية وعليها إلى إعادة تموضع صريحة لا لبس فيها. وما كان يقال عن نقل الصراع خارج الحدود بات حقيقة فجة لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهل مفاعيلها، أو التزام جانب الحياد إيجابياً كان أم سلبياً. ونظرة إلى دول الجوار القريب تظهر مدى التغييرات التي طرأت على سياسات هذه الدول.

إسرائيل التي كان ملف الأسلحة الكيماوية شغلها الشاغل ولم تتردد في الإغارة على منشأة قرب دمشق، دخلت طرفاً في موضوع تسليح المعارضة. حذرت صراحة معبرة عن رفضها لئلا ينتقل العتاد إلى أيدي مجموعات متطرفة باتت على حدودها الشمالية. ولا تخفي قلقها من قيادة «أبو محمد الجولاني» لـ «جبهة النصرة». وكانت دوائر تحدثت سابقاً عن إمكان قيام منطقة عازلة في الجولان الذي يخلي النظام مواقع فيه لحشد قواته في العاصمة وغيرها من المواقع. وهو قلق تتشارك فيه مع الأردن الذي يراقب بحذر قيادة «أبو أنس الأردني» لعمليات «النصرة» جنوب سورية، واندفاع مئات من الأردنيين للقتال في صفوف هذه الجبهة.

لذلك لم يتردد الأردن في مغادرة مربع الحياد، بعدما التزم إقفال الحدود في وجه المسلحين طوال السنتين الماضيتين. رفض منذ البداية أن يفتح حدوده لتسليح المجموعات المعارضة. كان سؤاله دائماً في وجه الضاغطين لفتح حدوده عن الضمانات لعدم وصول هذا السلاح إلى قوى متطرفة سيضطر لاحقاً إلى التعامل معها بالقوة ، سواء سقط الأسد وانتصرت المعارضة أو سقطت سورية كلها في الفوضى. لأنه ببساطة لن يكون قادراً على دفع تداعيات هذه الفوضى. لن يكون محصناً في مواجهة تشظيات الصراعات بين المجموعات المسلحة وعلى رأسها «جبهة النصرة». ولن يهدأ له بال إذا جاء التغيير في دمشق بما جاء به التغيير في تونس أو القاهرة!

لا تخيف الأردن التهديدات التي أطلقها الرئيس بشار الأسد في حديثه التلفزيوني قبل أيام. التاريخ بين الجارين حافل بالصراع، من أيام الملك حسين وحافظ الأسد. نظر البعث في دمشق إلى الجار الجنوبي دائماً كما كان ينظر إلى الشقيق الصغير لبنان، وإلى منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها. كان يجاهد بكل أسباب القوة والضغط وحتى الإرهاب ليبقى هؤلاء جميعاً تحت العباءة الشامية، جزءاً من لعبته الداخلية وورقة في علاقاته الخارجية. ما يخيف الأردن اليوم ولا يزال خياران أحلاهما مر: تنامي دور المجموعات المتطرفة التي عاثت في أرض العراق ولم تسلم منها عمان، أو صعود «الأخوان» في سورية لأن صعودهم يعطي زخماً للمعارضة الأردنية التي تقودها «جبهة العمل الإسلامي».

لكن خروج الأردن من حياده حيال الأزمة السورية لا يعني بالضرورة انخراطه بلا حساب خلف المعارضة وتسليحها. ثمة حسابات داخلية دقيقة تفرض على قيادته أن تقيس خطواتها بميزان دقيق. لا بأس بتسهيل تحرك مقاتلين في صفوف «الجيش الحر» وغض الطرف عن مدهم بالسلاح اللازم ليشكلوا كتلة وازنة في مواجهة «الجهاديين» تكون قادرة على الإمساك بمنطقة عازلة إذا كان متعذراً التدخل الرسمي الأردني وحتى الدولي لتوفير مثل هذه المنطقة، بسبب الفيتو الروسي والصيني. قد لا يكون الهدف الأول من ذلك التعجيل في إسقاط النظام ما دام أن صورة البديل لم تتبلور بعد. المهم في هذه المرحلة وقف تدفق اللاجئين. لم تعد المملكة قادرة على استقبال مزيد من الفارين من سعير الحرب. ولا يمكن اقتصادها توفير الخدمات لهؤلاء الذين باتوا يشكلون قنبلة موقوتة أمنياً واجتماعياً بعدما باتوا ينافسون أهل البلاد في سوق العمل ويتفاعلون يومياً مع ما يجري في الداخل السوري وقد لا يكونون غداً بعيدين عما يجري في الداخل الأردني.

ويخشى الأردن، مثل بقية الجيران والمجتمع الدولي من مخزون النظام السوري من الأسلحة الكيماوية في حال تمادي الفوضى أو وقوع مفاجآت. ولعل استقباله بضع مئات من القوات الأميركية وسعيه إلى بطاريات صواريخ مضادة، يقعان في باب التحوط للمستقبل. مثلما يخدم وجود هؤلاء أهدافاً أميركية أخرى، بينها ابقاء حكومة بنيامين نتانياهو بمنأى عن التدخل المباشر في الأزمة السورية. تماماً كما أرادت إدارة الرئيس جورج بوش الأب بإرسالها صواريخ «باترويت» إلى إسرائيل إبان حرب تحرير الكويت! وبينها توجيه رسالة لمن يرفع التهديد في وجه الأردن، سواء من جانب الأسد أو غيره. وربما كان لها دور مستقبلاً في حماية مناطق يحررها «الجيش الحر».

ولا شك أيضاً في أن خروج الأردن عن حياده وبدء انخراطه المحسوب والدقيق في الأزمة السورية، يفقد معارضيه في الداخل ورقة أساسية بدعواتهم المتكررة إلى مساعدة «أخوانهم» السوريين. لا يعني ذلك أن الأردن سيكتفي بهذا القدر بعيداً عن التورط المباشر. قد لا يتردد لحظة إذا شعر بوجوب التدخل المباشر لحماية أمنه الداخلي ومستقبل النظام. وثمة سابقة قريبة عندما لم يتردد، عشية الغزو الأميركي للعراق، في إرسال قوات خاصة لحماية آبار النفط في مناطق الجنوب. وهو إذا كان تغاضى عن ضبط حدوده الشمالية مع سورية أمام المقاتلين فإن ذلك يحقق له هدفين بحجر واحد: إذا كان المقاتلون العابرون من أنصار «النصرة» فلا بأس في أن يخرجوا ليستنزفوا في القتال مع قوات النظام. وإذا كانوا لإمداد من يسمونهم بالقوى المعتدلة في «الجيش الحر» فلا بأس أيضاً بالتعويل عليهم في مواجهة المتشددين والحفاظ على أمن الحدود. المهم ألا يكون هؤلاء قوة إضافية سواء للمتشددين أو لجماعة «الأخوان».

هذه التطورات من موقف نتانياهو من تسليح المعارضة، إلى التغيير المحسوب في الموقف الأردني، إلى وصول بضع مئات من القوات الأميركية إلى المملكة الأردنية، تشي ببساطة أن الباب أمام تسليح المعارضة سيظل موارباً بما لا يسمح بإبادتها على يد النظام. أما «الأصدقاء» وعلى رأسهم الفرنسيون والبريطانيون الذين التقوا قبل يومين في اسطنبول، فسيزدادون تخبطاً في ترجمة حماستهم إلى مد المعارضة بالعتاد الفاعل. لم تكن تكفيهم معارضة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي حتى جاءتهم «الهجمة الشيشانية» في بوسطن لتؤكد خطورة انتشار «القاعدة» في سورية، وتعزز مخاوف المعترضين من وقوع أسلحة فتاكة في أيدي عناصرها. وهم وجدوا في ورقة «النصرة» مشجباً يعلقون عليه ترددهم في إمداد المعارضة بما تحتاج إليه من سلاح.

لا تريد الولايات المتحدة ولا أوروبا ولا حتى الأردن وإسرائيل وتركيا التدخل الميداني المباشر. ولا تريد بالتأكيد تدفق الأسلحة إلى سورية بلا رقيب. ما تريده أن تكون المعارضة قادرة على تحرير منطقة وحمايتها لاستقبال مئات آلاف اللاجئين الذين لم تعد دول الجوار قادرة على استيعابهم بلا متاعب. وأن تكون قادرة أيضاً على الصمود إلى أن يحين موعد الحل السياسي الذي يحقق التغيير المطلوب بما يحفظ الهياكل الباقية للدولة السورية. ربما المطلوب شهران أو ثلاثة أشهر حتى تختار إيران رئيسها الجديد. ألم يطلب وزير الخارجية الأميركي الانتظار حتى هذا الاستحقاق؟ وحتى ذلك التاريخ لا بأس بمزيد من استنزاف النظام وحلفائه …وخصومه أيضاً من «القاعدة» وأخواتها. ولا بأس بأن تعد كل هذه الدول خططها الميدانية لمواجهة أي مفاجأة. ولا بأس بأن ينتظر الأخضر الإبراهيمي بدل أن يستقيل. لا بأس بأن يبقى حاضراً جاهزاً عندما تزف الساعة… وإلا ماذا يفعل ما دام أنه يعترف بأن تقريره الأخير هو ذاته الذي قدمه قبل ثلاثة أشهر!؟

الجاران الآخران لسورية يجدان فرصة للانتظار، لئلا يتحول انخراطهما الميداني المباشر في سورية صراعاً مباشراً ومفتوحاً في الداخل. حكومة نوري المالكي اختارت الذهاب إلى انتخابات مجالس المحافظات لعلها تنفس الاحتقان السياسي في العراق الذي يقترب بخطى حثيثة من إعادة بعث حربه المذهبية التي كادت أن تودي بالبلاد منتصف العقد الماضي. يأمل زعيم «دولة القانون» من هذه الانتخابات التي تجرى للمرة الأولى بعد انسحاب الأميركيين من العراق في أن يجدد زعامته، وأن يعتبر من نتائجها لمواجهة استحقاق الانتخابات البرلمانية العام المقبل… ولمواجهة خصومه قبل كل شيء. أما لبنان المنشغل بلعبة تأليف الحكومة الجديدة فيجب أن يشغله مئات آلاف اللاجئين الذين لا يشكلون عبئاً على أمنه واقتصاده بقدر ما يهددون نسيج تركيبته الطائفية والمذهبية الهشة وموازينها الدقيقة والحساسة!

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى