مقالات تناولت تداعيات اعتقال ميشال سماحة
فضيحة سماحة واستمرار المخاطر
د. نقولا زيدان
لقد ظننا خطأً، أن سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية بمؤسساتها جميعاً وإحكام قبضته على جميع مفاصلها وتصرفه على قاعدة الأمر الواقع، انه هو الآمر الناهي في كل شؤون بلادنا، فلا تفوته شاردة أو واردة من وضعنا الداخلي بعد ان أصبح هو الحاكم الفعلي للبنان، اننا قد استقررنا عند نقطة ما حتى ولو على شفير الهاوية. واعتقدنا خطأ ان الوطن الصغير مذ أصبح محمية إيرانية، ان ذلك سيقيه شرور المخطط الإجرامي القاضي بتفجيره من الداخل خدمة للنظام الأسدي الذي يشارف النزع الأخير، على قاعدة تهديد المنطقة برمتها كما طالما توعد رأس نظام دمشق بذلك.
إلا ان العد العكسي أو الخط الانحداري على ما يبدو والسائر به نحو نهايته المحتومة بوتيرة تزداد سرعة أكثر مما هو متوقع لدرجة انه قد أصبح في حالة مقلقة من الهلع والذعر جعله يباشر فعلياً لعب أوراقه الأخيرة، وهي الدلالة القاطعة انه وصل حدود الافلاس. فقد أصبح الآن في وضع يقامر حتى بعلاقاته الاستراتيجية مع حليفيه الرئيسيين: إيران وحزب الله.
وإلا كيف نفسر تورطه بتكليفه ميشال سماحة وشبكته الإجرامية بسلسلة من الاغتيالات والتفجيرات تطيح بالوضع اللبناني بأسره؟.
فاللواء علي المملوك ليس شخصاً عادياً فهو يرأس أجهزة الأمن الأسدية جميعها وهو يتلقى أوامر مباشرة من بشار الأسد شخصياً. فهل يعني ذلك ان ثمة خلافا ضمنيا وتناقضا حادا في صفوف الحلفاء؟ أي ان حزب الله والنظام الإيراني في وادٍ ونظام دمشق قد أصبح في وادٍ آخر؟.
لقد تم الإمساك بميشال سماحة متلبساً وبحوزته كمية هائلة من العبوات والمتفجرات والذخائر والدولارات وعلى رأسها مادة الـ س4 (C4) التي بمقدور كمية صغيرة منها (50 غراماً مثلاً) ان تفجّر احدى الشخصيات.
وهذه المادة التفجيرية هي بالأساس صناعة سلوفاكية (برانيسلافا) لا تسلَّم إلا إلى الدول. وفي الحال اثارت هذه الحادثة ذعراً على صعيد لبنان بل فتّحت الأعين والملفات والذاكرة إلى ماضٍ قريب ما زال ماثلاً في الأذهان عندما جرى استخدامها في اغتيال قادة سياسيين وصحافيين بارزين في سياق المخطط الإجرامي للنظام السوري القاضي بقتل أبرز القادة المناوئين للنظام الأمني السوري اللبناني الذي أطاح به زلزال شباط 2005 الرهيب الذي أودى بالرئيس رفيق الحريري الشهيد الأول.
إن المعلومات المتوافرة حتى اللحظة تدل على استخدام مواد كهذه في اغتيال جورج حاوي وسمير قصير ومحاولة اغتيال مي شدياق. لا بل سيقودنا التحقيق مع متهم العصر ميشال سماحة لمعرفة من حاول اغتيال وليد جنبلاط في محلة الصنائع، ومدى تورط الرجل وشبكته في تفجيرات بتغرين وحافلتيها وتفجيرات الجديدة وبرمانا… حتى آخر السبحة من التفجيرات؛ ولسنا نرغب في استباق التحقيق مع اننا نعتقد انه سيظهر حقائق مذهلة ستعيد فتح ملفات وملفات.
لقد حقق جهاز أمن المعلومات إنجازاً رائعاً عندما استطاع متجاوزاً تحفظ وزير الاتصالات بعدم تسليم الداتا المتعلقة بمحاولتي اغتيال الدكتور سمير جعجع والشيخ بطرس حرب ان يمسك بالمتهم متلبساً. وحسناً فعل جهاز أمن المعلومات,وإلا لو تسربت كلمة واحدة أو همسة خفيفة لجهات أمنية غير موثوقة الولاء، لجرى إخفاء كل المتفجرات والذخائر والأسلحة والأوراق النقدية في دقائق معدودة في سراديب النظام السوري التي ما زالت بيننا في لبنان.
وتجرؤ بعد كل هذا ألسنة القحّة والشر والصفاقة ممن باعوا أنفسهم للشيطان ان تنبري عبر الإعلام لاستباق التحقيق لتبرئة متهم متورط حتى أذنيه أمسك به متلبساً بالصوت والصورة وشهود العيان. “فمن هالك إلى مالك إلى قبّاض الأرواح” يستميتون للضغط على التحقيق عن طريق التهويش والتهديد بالواسطة والوعيد لتدارك الكارثة التي رماهم فيها المتهم الذي أدلى باعترافات أولية مذهلة وصلت أصداؤها الى أقاصي الأرض حتى البيت الأبيض نفسه. واللافت انه حتى حزب الله نفسه ما زال متحفظاً في اتخاذ موقف: الورطة صعبة جداً أيها الرفاق.
كانوا قد انهالوا علينا بل أمطرونا بكل أنواع وسائل التفجير والتدمير والاغتيالات، هذا وسط حملات متواصلة من الزعاق الإعلامي وتزوير الوقائع والترهيب والغزو الداخلي المسلح (7 أيار 2008) وكمّ الأفواه وترويض المناضلين الشرفاء.
اننا نواجه جبلاً من المال البترولي المتدفق علينا من الخارج والداخل. وكل ذلك تحت لافتة ما عادت تنطلي على أحد: “المقاومة”. وكأن من يملك السلاح ويشهره حتى ولو بوجه إسرائيل يملك حقاً إلهياً وقدسية الأقداس.
هذا في الوقت الذي يطرح الرأي العام سؤالاً محقاً: من يخدم هذا السلاح؟ أي برنامج سياسي يخدم هذا السلاح؟ أي مشروع سياسي؟ فليس المهم فقط ان تطلق النار على إسرائيل بل مهم أيضاً عندنا ان نعرف من يطلق النار ومتى وكيف، بل الأهم ان نعلم مسبقاً ومن حقنا ان نعلم المشروع السياسي الذي يخدمه هذا السلاح، ما هي أهدافه ومراميه.
إن السيد نصرالله يريد ان يجعل منا جميعاً خبراء عسكريين عندما يقترح علينا حواراً عقيماً جديداً مبتكراً يقضي بإغراقنا في متاهة النقاش حول نوعية الصواريخ التي بحوزته والتي في آن معاً لا يجوز ان يطّلع عليها أحد. لا بل يخلص إلى استنتاج فيه الكثير من التباهي والاستخفاف بعقولنا عندما يقول انه حتى لو أراد تسليم صواريخه للجيش، فليس بمقدور الجيش استيعاب واستخدام ترسانته الصاروخية هذه.
حقاً لقد أثارت فضيحة ميشال سماحة سلسلة من الأزمات. لقد أعادت فتح ملف العلاقات اللبنانية السورية وطبيعة تعاطي النظام الأسدي مع لبنان. وأعادت إلى الواجهة هيمنة حزب الله على بلادنا. بل أعادت أيضاً للنقاش متاعب فرقاء محور الممانعة في ما بينهم، خاصة مع تداعي النظام السوري وتفككه وانحلاله. بل أثارت جواً مخيفاً من الذعر عندما اطّلع اللبنانيون على حقيقة الكوارث التي يجري إعدادها لنا، وأي مخططات جهنمية تستهدفنا.
لا بل أنزلت على الرفوف ملفات الاغتيالات والتفجيرات التي يتوجب إعادة فتحها على مصراعيها.
انه من الواجب هنا ان نحذّر ألا نستكين ونخلد للراحة والطمأنينة لمجرد قيامنا بتعطيل شبكة سماحة، قد استتب الوضع عندنا وأصبحنا في حرز حريز بمنأى عن الخطر. إن العارفين والخبراء بأساليب النظام الأسدي الأمنية الذكية يجزمون بأنه يملك وما زال مجموعات ارهابية بديلة أو موازية، فثمة خلايا ارهابية “نائمة” ومجهزة وجاهزة للعمل على أرضنا بمقدورها مفاجئتنا حيث لا نتوقع ولا ننتظر. خاصة ان النظام الأسدي ما زال لديه حلفاء أقوياء قادرون على الإيذاء. فبقدر ما يقترب من سقوطه بقدر ما يلعب أوراقه الأخيرة التي سيدفع فيها باتجاهنا بما تبقى بحوزته من احتياطي الارهاب وأساليب التخريب.
المستقبل
“بورتريه” ميشال سماحة: من “الجوار” إلى قصر المهاجرين فالسجن
إيلي الحاج
ليس ميشال سماحة الذي أوقفه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي مجرد وزير ونائب سابق ينتمي إلى فريق 8 آذار. إنه المستشار الإعلامي للرئيس السوري بشار الأسد الذي يستقبله في قصر المهاجرين ويجالسه كأنه من أهل البيت.
هل كان الجهاز الأمني الذي أوقفه والقاضي الذي وافق والمسؤولون في الدولة الذين غطوا توقيفه ليجرؤوا على فعلتهم، لو لم تكن الأدلة في حقه دامغة لا تقبل الدحض؟ الجواب المنطقي “بالتأكيد لا”.
أسّس جهاز الأمن في الكتائب!
لعب ميشال سماحة أدوارا متعددة ومتناقضة في حياته السياسية، حافلة بالإلتباسات أحياناً. ابن بلدة الجوار في جوار الخنشارة بأعالي المتن الشمالي يبلغ 64 من العمر، من مواليد عام”نكبة فلسطين” 1948. انتسب بعمر 16 سنة إلى حزب الكتائب في مرحلة صعوده برعاية العهد الشهابي عام 1964 ليخلف كريم بقرادوني رئيساً لمصلحة الطلاب الكتائب من 1973، السنة التي نال فيها إجازة إدارة الأعمال من جامعة القديس يوسف، حتى سنة 1975. عندما اندلعت الحرب في 1975 وخاضها الحزب بل كان محورها مدة طويلة أنشأ ميشال سماحة جهاز الأمن في الكتائب، ليخلفه فيه إيلي حبيقة ويوحده في ظل بشير الجميّل مع جهاز أمن ميليشيا “القوات اللبنانية” آنذاك.
عيّنه أمين الجميّل في بداية عهده الرئاسي مستشاراً له وكان مكلفاً خصوصاً بالإتصالات مع القيادة السورية لكنه انقلب عليه وآثر الرهان على حبيقة بعدما هندس بقرادوني تحالفاً موضوعيا وشديد الهشاشة بين الـ”أش كا” والدكتور سمير جعجع. كان “الحكيم” تسلم مسؤوليات مركزية في “القوات” قبيل “انتفاضة 12 آذار” 1985 وتقلبت القيادة في انتفاضتين قبل أن تستقر بين يدي جعجع الذي أطاح “الإتفاق الثلاثي” بعدما جهد في صوغه ميشال سماحة لمصلحة حبيقة في حين آثر بقرادوني الوقوف مع جعجع، موقتاً على الأقل. وفي النتيجة خرج سماحة مع حليفه وخليفته في جهاز الأمن من “الشرقية” بتعابير تلك الأيام ولم يعد إليها إلا بعد الحرب وخروج عون من لبنان.
راوح ميشال سماحة إذاً في مساره الكتائبي و”القواتي” خلال السبعينات والثمانينات بين بقرادوني السياسي المنظّر وحبيقة العقل الأمني. لكن ميشال لا يشبه تماماً أياً منهما، فقد ظلت تنقصه ملكة السيطرة على النفس. سماحة انفعالي أكثر من العماد ميشال عون بل من جميع السياسيين الذين عرفهم لبنان سواء أكان على شاشة، أم على نافذة من منزله يصيح في مقابل جاره هنري صفير عندما أقفل وزيراً للإعلام محطة صفير آنذاك الـ”آي سي إن”. وكان يجب أن تنتهي حرب لبنان في 1990 بسيطرة سوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد على لبنان وإشرافه على تطبيق اتفاق الطائف على هواه كي يتــــــــولى سماحـــة وزارة الإعلام مرتين، أولى في حكومة الرئيس رشيد الصلح عام 1992 وثانية في الحكومة الأولى للرئيس رفيق الحريري في 1992 أيضاً. دخل مجلس النواب مرة في 1992 وخسر في الدورتين التاليتين ولم يعد يترشح.
فرض حظراً على “فخر الدين” و”الشخص”!
عندما أطبق نظام الوصاية السوري على حزب “القوات اللبنانية” خرج سماحة من مجلس الوزراء في 28 نيسان 1994 ليعلن بلهجة الغضب حل الحزب وإسكات أجهزة الإعلام عن الأخبار والبرامج السياسية، حتى إنه طلب إلى وسائل الإعلام آنذاك الإمتناع عن بث مسرحيات وطنية مثل “فخر الدين” و”الشخص” للرحبانيين وفيروز، والأغنيات من هذا القبيل.
ويا لسخرية القدر. ها هو سماحة في السجن في قضية تشابه جزئياً في دويها قضية تفجير كنيسة سيدة النجاة التي أوقف بسببها سمير جعجع وبرّأته منها المحكمة لتدينه في قضايا أخرى تشوبها السياسات والإستنسابيات.
في الوزارة لم يعرف سماحة بالقدرة على استيعاب المسؤولين والموظفين والتعامل معهم بسلاسة. وظل رجلاً تلاحقه الأخبار غير المؤكدة عن أدواره الملتبسة. منها على سبيل المثال أنه كان يتناول الغداء إلى مائدة واحدة مع وليد جنبلاط في منطقة الصنائع عام 1984 وعندما همّ الزعيم الدرزي بالإنطلاق بسيارته انفجرت سيارة مفخخة قربها لكنه نجا منها بمعجزة.
سماحة الذي لم تُعرف له يوماً مهنة يعتاش منها بلغ ذروة أدواره مع وصول بشار إلى سدة الرئاسة السورية إذ عيّنه مستشاراً إعلامياً له. ونظراً إلى قربه من الأسد وفيض المعلومات التي في متناوله استطاع إقناع ميشال عون قبل أشهر بأن الأزمة السورية ستنتهي بعد أيام قليلة فأعلن الجنرال أنها ستكون انتهت قبل مؤتمره الصحافي التالي “الثلثاء المقبل”.
كلّف سماحة ذلك الخطأ عدم استقباله بعد تلك الحادثة في الرابية.
وفي الأدوار الملتبسة والمتشابكة، يُقال عن سماحة الماكينة الإعلامية المتنقلة إن الأسد كلفه بدور حلقة الإتصال والإرتباط بين الإستخبارات السورية والإستخبارات الفرنسية. هل أوقع به دُوار الأدوار؟
ميشال سماحة من السياسيين القلة في لبنان غير الشيعة الذين إذا لفظوا اسم السيد حسن نصرالله ألحقوه بدعاء “حفظه الله” بما يقارب التقوى، لكن ذلك لم يشفع له على ما ظهر بعد ساعات طويلة من توقيفه. “حزب الله” لم يأت بأي رد فعل وحلفاء النظام السوري في لبنان يلزمون جميعا الصمت أو يكتفون بالتمتمة. وإذا صحّ أنه اعترف فسيكون على مجموعة من السياسيين أن يفكروا جدياً في تغيير أمكنة نومهم.
*نقلاً عن صحيفة “النهار” اللبنانية
ميلاد كفوري: رجل مخابرات من حبيقة إلى سماحة وحافظ مخلوف وعلي مملوك
هذا هو ميلاد كفوري (الصورة المرفقة نشرنها قناة “الجديد”) كما قدمه تلفزيون المستقبل
بإسم “أبو ماهر” شغل “ميلاد كفوري” عام 1983 منصب مسؤول المحطة رقم 2 في جهاز أمن القوات اللبنانية مع ايلي حبيقة، وهي محطة “أمن خارجي” كان مركزها قرب تمثال الرصاص قي عين الرمانة.
على إثر خروج حبيقة مما يسمى “المنطقة الشرقية”، هرب كفوري خارج لبنان من العام 89 ليعود بداية التسعينات بغطاء وحماية من “ميشال الرحباني” الذي أصبح فيما بعد مديراً لمخابرات الجيش.
حتى العام 1998 عمل كفوري باسم “ماجد غريب” مع الرحباني ومساعده “جميل السيد”.
ومنذ ذاك الحين وحتى العام 2005، عمل مع “السيد”، الذي اصبح مديرا عاما للامن العام في عهد اميل لحود، بإسم “ماجد غريب”.
بعد دخول جميل السيد الى السجن، أصبح مسؤولا عن شؤون الأمن للوزير “محمد الصفدي” شخصيا. وفي تلك الآونة، استعاد صلته بالنظام السوري عبر الوزير ميشال سماحة وكان على صلة قريبة من حزب الله من منطلق قربه واحتضانه من قبل اللواء علي المملوك والعميد حافظ مخلوف اللذيْن سوقاه أمام حلفائهما اللبنانيين على أنه من أكثر الاشخاص الموثوقين لدى النظام السوري.
خلال فترة عمله مع الصفدي حمل اسم “زهير نحاس” الذي كان معروفاً به أيضا لدى كافة الأجهزة الأمنية، وهو كان يتردد إليها بصفته مسؤولا مع الصفدي أو محتضناً من النظام السوري.
أما بالنسبة الى حلفاء سوريا فكان يعرف باسم “أمجد سرور” من 2005 وحتى 2012.
محمد الصفدي: وزارة المالية “جائزة ترضية” سورية!
إبان انتخابات العام 2009 لعب دور صلة الوصل بين الصفدي والنظام السوري. زار سوريا قبل الانتخابات والتقى المملوك ومخلوف واقنعهما بمساعدة الصفدي من خلال الضغط على العلويين والمجنسين للتصويت له. وهو تماماً ما حصل تحت حجة أن الصفدي يريد ان يتقدم على ميقاتي وعلى باقي اعضاء اللائحة.
وإثر عودته من سوريا نسق عملية الاتصال بعلي عيد لتنسيق التصويت للصفدي.
جميع هذه التفاصيل كان يعلم بها الوزير فيصل كرامي الذي التقى كفوري عند العميد حافظ مخلوف لدى زيارته سوريا.
بشّار وعد “الصفدي” برئاسة الحكومة ومن ضمن خدماته السياسية والأمنية، اصطحب كفوري الصفدي بزيارة سرية الى سوريا عبر مطار رفيق الحريري الدولي الى عمان ومنه الى مطار المزة العسكري، فيما كانت طريق العودة عبر قبرص ثم بيروت. أما الهدف فكان لقاء الأسد الذي وعده برئاسة الحكومة بعد سعد الحريري.
وبعد تولي ميقاتي رئاسة الحكومة، عاد كفوري واصطحب الصفدي الى سوريا مجدداً ولكن هذه المرة عبر مطار قبرص ومن ثم الى مطار المزة العسكري ليعود عن طريق القاهرة ومنها الى بيروت. هدف الزيارة كان ضمان وزارة المالية كجائزة ترضية، مما يدل على أن كفوري ليس مخبرا عاديا، بل هو من أكثر المقربين من النظام السوري ومن الموثوقين جدا لا سيما من قبل علي المملوك شخصيا.
كُلف ميلاد كفوري من علي مملوك بواسطة ميشال سماحة بإيجاد مجموعة يمكنها تنفيذ التفجيرات فما كان من المذكور الا أن قبِل المهمة لأن الرفض كان سيؤدي الى تصفيته. لجأ بعد ذلك الى شعبة المعلومات التي كانت تربطه برئيسها علاقة عادية سببها متابعته لشؤون الوزير الصفدي لدى قوى الأمن الداخلي، فباح بما لديه وما طُلِبَ منه ووافق على تنفيذ كل ما طُلب منه لاحقا بناء على اشارة النيابة العامة التمييزية على أن يحظى بحماية أمنية له ولعائلته.
بيروت ــ دمشق: من استنابات 2010 إلى ادّعاء 2012
نقولا ناصيف
لا تُحسد قوى 8 آذار ولا غالبيتها على صدمة اعتقال الوزير السابق ميشال سماحة. لا تدافع عنه، ولا تهاجم معتقليه. أفضل خياراتها الصمت، بعدما كسب فرع المعلومات جولة سياسية أخرى. منذ اللحظة الأولى، صدّقت الاتهامات وغسلت يديها. ليست المشكلة الآن معها، بل مع سوريا .
تتغيّر الأحوال ولا يتغيّر الأعداء. في 3 تشرين الأول 2010، أصدر القضاء السوري مذكرات توقيف غيابية في حقّ 33 شخصية سورية ولبنانية، بينهم معاونون رئيسيون لرئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري في ملف شهود الزور. من هؤلاء المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن العقيد (آنذاك) وسام الحسن. في 11 آب 2012، ادعى مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي سامي صادر ـــ إلى الوزير السابق ميشال سماحة ـــ على رئيس مجلس الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك في ملف نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان. وشأن ميرزا وريفي، وهما أرفع مسؤولين قضائي وأمني معنيان حينذاك بملف شهود الزور، كذلك المملوك أرفع مسؤول أمني في سوريا، ويُنظر إليه على أنه الرجل الثاني في النظام متهم بالتورّط في نقل تلك العبوات.
بين الحدثين تغّير الكثير من حولهما. انقلبت الغالبية النيابية في لبنان وأطيح الحريري وأخرج بالقوة من الحكم، وأمسك حزب الله بالأكثرية الحكومية، وانتقلت السلطة من فريق إلى آخر. تغيّرت سوريا كثيراً مذ ذاك. بعد أشهر قليلة على صدور الاستنابات القضائية، انفجرت من الداخل وانهارت سطوة النظام وهيبته، وتآكلت بعض مؤسساته. لكن الرئيس بشّار الأسد لا يزال يقبض على الدولة والحكم، من دون أن يسيطر على كل بلاده التي دخلت في حرب تكاد تكون أهلية.
لم يقتصر التغيير على هذين الطرفين فقط، بل أيضاً على موازين القوى الداخلية فيهما. في لبنان، ترأس الحكومة خصم للحريري هو الرئيس نجيب ميقاتي، وأقصيت قوى 14 آذار عن السلطة كلياً، واستعادت دمشق عبر حلفائها أوسع نفوذ لها في الداخل. إلا أن حكومة الغالبية النيابية لم تستطع إطاحة رجال مرحلة الحريري. ظلّ ميرزا في منصبه حتى الشهر الماضي، عندما طلب إبعاد ملف سماحة عنه ـــ وكانت قد تجمّعت كل عناصره ـــ ورغب في مغادرة الوظيفة بسلام وهدوء، فآل فضح الملف إلى خلفه بالإنابة القاضي سمير حمود. مع حكومة ميقاتي، بقي ريفي في منصبه، وكذلك الحسن. أضحى نفوذ الرجلين في ظلّ غالبية معادية لهما أقوى من نفوذ أي آخر في الحكم.
لأسباب شتى، بعضها سياسي، والبعض الآخر مذهبي، والبعض الثالث مهني، لم يتخلَّ ميقاتي عنهما، وأكسبهما حصانة إضافية لم يُتح للحريري أن يضفيها عليهما في حكومة الوحدة الوطنية التي ترأس.
بدا ريفي والحسن، تحت مظلة حكومة حزب الله، على رأس جهاز أقوى بكثير من السلطة التي يأتمر بها، وهي السلطة الإجرائية، معظمها يكنّ لهما عداءً وكراهية غير مخفيين. ثم أتى اعتقال سماحة الخميس الماضي كي يقدّم برهاناً لا يكتفي بإبراز تفوّق فرع المعلومات على نظرائه، بل أن يحمل القضاء العسكري على سابقة غير مألوفة في العلاقات اللبنانية ـــ السورية، هي اتهام سوريا ورئيسها، والادعاء على المملوك بمحاولة تفجير الوضع الأمني. لم يسع القضاء اللبناني بين عامي 2005 و2008 توجيه اتهام مباشر لسوريا بجرائم الاغتيال، واختبأ ـــ وكذلك قوى الأمن وفرع المعلومات ـــ وراء التحقيق الدولي، ثم المحكمة الدولية، لتوجيه الاتهام.
بعد استنابات 2010 التي رفعت سيفاً مصلتاً في وجه الحريري، فلم يُخف امتعاضه منها بعدما كان التقى قبل شهر وأربعة أيام الرئيس السوري في سحور في دمشق، وكان لقاؤهما الثالث والأخير، بعد بضعة أيام على اعتذار الحريري في 6 أيلول عن اتهامه سوريا باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، واعترافه بوجود شهود الزور. اعتبرت الشخصيات اللبنانية يومذاك مطلوبة من القضاء السوري، على نحو ما أمسى المملوك اليوم مطلوباً من القضاء اللبناني.
ومع أن انفجار الأحداث في سوريا لم يُطح الاستنابات القضائية تلك فحسب، بل عطّل عملياً ـــ وفعلياً ـــ المعاهدة الثنائية بين البلدين والاتفاقات الملحقة بها، وأحال المجلس الأعلى السوري ـــ اللبناني في حكم المجمّد، إلا أن ادعاء القضاء العسكري على رئيس مجلس الأمن الوطني السوري أدخل علاقات البلدين في مرحلة مربكة.
أكثر من أي وقت مضى، منذ اندلاع الاضطرابات السورية، يُواجه البلدان أزمة مباشرة لأسباب، منها:
1 ــ انتقال المواجهة بين النظام السوري وبين معارضيه المسلحين السوريين، كما مناوئيه من الأفرقاء اللبنانيين، من الاشتباك الحدودي في الشمال والبقاع الشرقي إلى داخل الأراضي اللبنانية. وإذا صحّت الاعترافات التي أدلى بها سماحة عن ضلوع دمشق في التحضير لتفجير عبوات في الشمال ـــ وقد صدرت مذكرة توقيف وجاهية في حقه بناءً عليها، قبل أن يتراجع عنها أمس ـــ فإن من شأن ذلك أن يدفع بخطوط التماس السورية ـــ السورية إلى الداخل اللبناني، سواء كان الهدف سورياً معارضاً أو لبنانياً مناوئاً.
2 ـ رغم إصراره على السياسة التي اتبعتها حكومته، وهي النأي بالنفس، لم يتردّد ميقاتي في توجيه انتقاد إلى سوريا من دون أن يسمّيها، رافضاً تدخّلها في الشؤون اللبنانية وجعل لبنان ساحة تصفية حسابات. بعد إشادة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بريفي والحسن، وإبدائه قلقه من مخطط وصفه بأنه مرعب حقاً، جاء موقف رئيس الحكومة مكمّلاً لإشارات سلبية عدة أطلقها الرئيس، بردّه مرة على ممثل سوريا لدى الأمم المتحدة بشّار الجعفري، ورفضه قصف الحدود الشمالية وانتهاك الأراضي اللبنانية، وإيعازه في ما بعد بتوجيه رسالة احتجاج إلى دمشق. بيد أن موقف ميقاتي عَكَسَ أول انعطاف صغير، ولكنه دال، عن النأي بالنفس من دون التخلي عنه: تحييد لبنان عمّا يجري في سوريا، فلا يكون مع النظام ولا مع المعارضة، يقتضي أن تلاقيه دمشق بتصرّف مشابه هو عدم تدخّلها في الشأن اللبناني من جهة، وعدم الإنتقال بتداعيات الحدث السوري أو ردود فعله إلى الداخل اللبناني.
وعلى وفرة المرات التي ظلّ الرئيسان يعبّران ضمناً عن وقوفهما إلى جانب النظام في نزاعه مع المعارضة المسلحة، وأبقيا خطوط الاتصال المباشر مفتوحة معه، وتذرّعا بسياسة النأي بالنفس لتفادي آثار الإضطرابات هناك على الداخل اللبناني، تصرّفت سوريا باستمرار حيال الحدود اللبنانية على أنها جزء لا يتجزأ من الداخل السوري. لم تتخلّص بعد من عقدة عكّار وطرابلس امتداداً أمنياً طبيعياً لحمص، ولا من عقدة البقاع امتداداً أمنياً طبيعياً أيضاً لدمشق وريفها.
3 ـ إلى أن ينقض التحقيق العسكري مع سماحة كل ما كان قد أثبته حتى الآن، لا يعني ما حدث مع الوزير السابق ونقله عبوات من سوريا إلى لبنان، إلا اقتراف الإستخبارات السورية ـ المجرّبة ـ خطأ جسيماً مقدار ما يكاد يكون قاتلاً. بعدما اعتادت، وخصوصاً في حقبة الوصاية على لبنان، إقران عملها الأمني بنجاح سياسي، جاء اعتقال سماحة كي يعبّر عن خلل في التخطيط والتنفيذ لم يأخذ في الإعتبار حرفية كانت قد خبرتها، على نحو يجعل الهدف السياسي ملازماً للإجراء الأمني. كلاهما ظلّ يمثّل هيبة النظام وبأسه في سوريا كما في لبنان.
الجمعة
قضية سماحة تهزّ الحكومة والعلاقة مع سوريا
فوضى الخطف وقطع الطرق مجرّد “مقبّلات”؟
اميل خوري
هل يشهد ملف التحقيق مع النائب والوزير السابق ميشال سماحة ما شهده ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه من انعكاسات على الاوضاع السياسية والامنية وعلى العلاقات مع سوريا وعلى الحكومة ايضا بعدما ربط التحقيق ما حصل من فوضى وخطف بذلك وكأنه مقدمة لفتنة ومقبلات لها؟
هذه الاسئلة وغيرها تطرح في اوساط رسمية وسياسية وشعبية وتختلف الاجوبة عنها باختلاف المصادر. فالتحقيق في ملف جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه واجه تجاذبات وخلافات بين من يريد ان يكون محليا ومن يريده ان يكون دوليا. ومن يريد ان ينظر القضاء اللبناني في الجريمة ومن يريد ان ينظر فيها قضاء دولي لأنه الاقدر على ذلك خصوصا في جريمة بهذا الحجم.
وعندما تغلب رأي طرف على طرف آخر اهتز الوضع الحكومي بانسحاب الوزراء الشيعة منها احتجاجا على اقرار النظام الاساسي للمحكمة من دون انتظار درس ملاحظاتهم عليه على حد قولهم. وكان ذلك سببا لقيام تظاهرات واعتصامات اتخذت من وسط بيروت التجاري مكانا لها وظلت الاعتصامات تحيط بالسرايا الكبير داخل الخيم بهدف حمل حكومة الرئيس السنيورة على الاستقالة واقفل مجلس النواب ابوابه في وجهها. ولكن الحكومة صمدت ولم تستقل رغم التوصل الى جعلها ميثاقية وشرعية بتعيين وزراء مكان المنسحبين منها. ولم يعد مسار الامور الى طبيعته الا بعد احداث 7 ايار التي لم يكن ثمة سبيل للخروج منها الا بعقد لقاء في الدوحة انتهى الى اتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وعلى اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون الـ1960 معدلا، وهو القانون الذي اعتبره العماد ميشال عون بعد عودته من الدوحة انه اعاد الحقوق للمسيحيين ويمكن الانطلاق نحو انتخابات نيابية تقيم نتائجها “الجمهورية الثالثة”…
لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، فكان الفوز في الانتخابات لقوى 14 آذار لكنه فوز ظل منقوصا بفرض تشكيل حكومة من هذه الاكثرية ومن اقلية 8 آذار، فكانت حكومات فاشلة وغير منتجة لأنها تجمع الاضداد ولا انسجام وتجانس بين اعضائها.
ثم حاولت مساع سعودية – سورية عرفت بالسين – سين اخراج لبنان من ورطته وذلك بعقد مؤتمر مصالحة ومسامحة في الرياض على اساس العفو العام عن الجرائم بما فيها جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه يقابل ذلك تسليم السلاح خارج الدولة الى الدولة اللبنانية بحيث تصبح قوية وقادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها كما انها تصبح قادرة على تنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 1701 فيخرج لبنان بتنفيذه كاملا من الوضع الشاذ الذي يعيشه على مدى عهود الى وضع طبيعي.
لكن سوريا التي اخطأت في الحساب أصرت على ان تأخذ اولا قبل ان تعطي خصوصا في ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان فأوعزت الى الوزراء الذين تمون عليهم في حكومة الرئيس سعد الحريري بالاستقالة بعد اجتماع لهم في منزل العماد عون في الرابية وذلك في الوقت الذي كان يدخل فيه الحريري الى البيت الابيض لمقابلة الرئيس اوباما بقصد اعطاء معنى للاستقالة وفي هذا التوقيت بالذات.
وعند تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي كان نزول اصحاب القمصان السود الى الشارع كافيا لفرض حكومة اللون الواحد من قوى 8 آذار بعدما تحولت اكثرية بخروج نواب من كتلة جنبلاط من 14 آذار. فهل تواجه هذه الحكومة مع ملف التحقيق مع سماحة ما واجهته الحكومات السابقة مع ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وبعدما بدأ بعض حلفاء سوريا في لبنان يثيرون الشبهات حول التحقيق الذي اجراه فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي مع سماحة مطالبين بأن يجريه المحقق العسكري؟
وفي انتظار انتهاء هذا التحقيق ومعرفة مصير توقيف سماحة، فإن الخلاف قد يشتد بين 8 و14 آذار حول احالة القضية على المجلس العدلي وحول الشهود فيها ولا سيما ظهور “شاهد ملك” ليصبح قضية جديدة كقضية شهود الزور في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. والخلاف ايضا على وضع سفير سوريا في لبنان والاتهام الموجه الى مسؤول الامن في سوريا العميد علي مملوك للتحقيق معه.
كل هذا قد يكون كافيا لتفجير حكومة لم يعد لبقائها مبرر وجدوى لا في نظر حلفاء سوريا في لبنان ولا في نظر خصومها بحيث بات الفراغ اجدى وافعل واحداث فوضى امنية كالتي شاهد الناس طلائعها اول امس، وعلى يد ما يسمى “المجلس العسكري” لعشيرة آل المقداد ما يخدم النظام في سوريا اكثر من حكومة شبه ميتة…
النهار
الثلاثاء
من ميشال سماحة الى آخره…
الياس خوري
اعترف بداية انني اصبت بالذهول امام المعلومات التي رشحت من التحقيق مع السيد ميشال سماحة بعيد اعتقاله. فالرجل كان يتصدّر المنابر باعتباره صديقا مقرّبا من الرئيس السوري، ويدير شبكة اعلامية دولية تمتد من باريس الى برلين وصولا الى نيويورك مهمتها تشويه سمعة الثورة السورية، بحجة الخطر الذي تشكله على المسيحيين في سورية ولبنان. وكلنا يذكر الدور المشبوه الذي لعبته الراهبة ماري انييس، وهي من حواريي السيد سماحة، في حمص على وجه التحديد.
فالسيد سماحة كان مستشاراً دوليا لبشار الأسد بسبب علاقاته الوثيقة مع الفرنسيين، وكان دوره اساسيا في تطبيع العلاقة بين النظام الأسدي والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، بحكم العلاقات الخاصة التي ربطت سماحة بكلود غيان وغيره من الشخصيات الفرنسية، ودوائر استخباراتية.
هل يُعقل ان يضحّي الأسد بمستشاره من اجل نقل عبوات ناسفة الى لبنان؟ وهل ضاقت السُبل بالسيد سماحة الى درجة تضطره الى حمل المتفجرات بيديه، على ما زعمت جريدة ‘السفير’ اللبنانية في صدر صفحتها الأولى صباح السبت 11 آب/اغسطس الجاري، بعد اقل من اربع وعشرين ساعة على اعتقال الرجل؟
واخيرا هل وصلت الأمور باللواء علي المملوك، الذي يقود احد اكثر اجهزة الاستخبارات جبروتا وعنفا وسلطة، الى التعاطي شخصيا في مسألة عبوات ناسفة طلب من احد معاونيه وضعها في سيارة الوزير اللبناني السابق؟
وجاء الاعتراف السريع للمتهم، وتراجع حلفاء سورية التقليديين في لبنان عن تغطيته سياسيا، وعلى رأسهم حزب الله، ليعلن سقوط الرجل في فخ محكم نُصب له، او ذهب اليه بنفسه.
الحكاية بائسة من الفها الى يائها، وهي تحمل دلالات عديدة يمكن وضعها في سياقين:
السياق الأول يرتبط بعلامات الانهيار المتسارعة التي بدأت تظهر على النظام الأسدي، من انشقاق مناف طلاس الى اغتيال خلية الأزمة وصولا الى هروب رئيس الوزراء رياض حجاب. لقد تمزق الحجاب الذي يغطي النظام، وصارت الآلة المافيوية ـ العسكرية- العائلية عارية، لا تملك سوى لغة وحيدة هي الايغال في دم السوريات والسوريين.
وحين يبدأ نظام بُني على الخوف ويسود الترهيب علاقات الرؤساء بالمرؤوسين فيه، بالسقوط، يظهر الارتباك، وتتحلل العلاقات، وينكشف الضعف وتسيطر البلبلة، وتسود عقلية تصفية الحسابات الداخلية. ولقد ظهرت آثار هذا الضعف في محاولة اغتيال النائب اللبناني بطرس حرب، التي بدت اشبه بلعبة زعران منها بعمل اجهزة محترفة سبق لها ان حولت لبنان الى حائط اعدام للسياسيين والمثقفين، من كمال جنبلاط الى حسين مروة وسمير قصير، مرورا برينيه معوض ورفيق الحريري وجورج حاوي…
هل فقد جهاز القتل الذي يملكه النظام السوري قدراته في لحظة بداية السقوط؟ ام أنه يتفكك ويتعفن؟ ام هناك قطبة مخفية لن تنكشف عناصرها الا بعد سقوط النظام؟
واللافت الذي يستحق وقفة خاصة، هو ان تهديدات الأسد باحراق المنطقة لم تجد آذانا في لبنان. حزب الله، القوة العسكرية الوحيدة الجدّية في لبنان، على الرغم من موقفه الداعم للنظام في محنة سقوطه، امتلك حكمة ان يقرر مع حاضنته الايرانية ان تفجير لبنان، كما يريد الأسد، سوف يدمر ما تبقى له من سمعة، وسيعرّضه لتجربة الخوض في انقلاب عسكري فاشل فات زمنه.
انه زمن الأفول، وفي لحظة الأفول تصبح الممارسة تراكما للأخطاء، الخطأ يستتبع الخطأ الى ان يسقط الجدار ويتهاوى دفعة واحدة.
في هذا السياق يكون الفخ الذي نصب لسماحة او نصبه لنفسه محكما، ويكون الرجل قد ذهب ‘فرق عملة’ صراعات حيتان المخابرات السورية والدولية، التي تتصارع في بحر ينتظر الحيتان المنتحرة على شواطئه.
السيد سماحة يتمتع بقرينة البراءة حتى صدور الحكم بادانته، ولم يكن تحليلي اعلاه سوى محاولة لقراءة تقرير صحافي نُشر في صحيفة لبنانية مقرّبة من النظام السوري، جاء قرار المدعي العام العسكري بتوقيف سماحة والادعاء عليه وعلى اللواء علي المملوك ليدعم صدقيته.
السياق الثاني هو اكثر وضوحا بالنسبة لي على الأقل، انه جزء من حكاية يمين الجيل اللبناني الذي صنع الحرب. بدأ سماحة حياته السياسية في مصلحة الطلاب في حزب الكتائب، التي كان يقودها كريم بقرادوني، في اواخر ستينيات القرن الماضي. وقد اتُهمت المصلحة آنذاك بميولها اليسارية، وبأنها خاضعة للنفوذ الفكري لموريس الجميل، وهو زعيم كتائبي اصلاحي، لم تستطع افكاره ان تزحزح البنية الفاشية للحزب الذي اسسه الصيدلي بيار الجميل تحت تأثير ‘كتائب فرانكو’ الاسبانية.
عام 1968 ظهر السيد سماحة، وكان في العشرين من عمره، على شاشة الحركة الطلابية، حين قاد الى جانب بشير الجميل مجموعة من فتيان الكتائب يحملون الجنازير، قاموا بالاعتداء على الطلاب اليساريين المعتصمين تأييدا للثورة الفلسطينية، في معهد الآداب العليا التابع للجامعة اليسوعية في بيروت.
سوف يتخلى سماحة عن الجنازير ويتحول الى مستشار لأمين الجميل ومدير لتلفزيون لبنان، قبل ان ينقلب مع ايلي حبيقة، على تاريخه الكتائبي- الاسرائيلي، ويتحول الى ‘صديق للنظام السوري’، ويبدأ صعوده في زمن الوصاية فيدخل البرلمان ويصير وزيرا…
لا ادري هل كان سماحة واضرابه يعرفون ان لا مكان في لعبة الالتحاق بالنظام الأسدي سوى للمخبرين. ففي النظام الذي صنعته شيطانية حافظ الأسد، لا مكان للسياسيين الا بوصفهم دمى في ايدي رجال المخابرات. وهذا ما اثبته ‘المتصرّف’ السوري الأول في لبنان غازي كنعان، حين حوّل مقره في عنجر الى مكان لإذلال السياسيين اللبنانيين بشكل مشين، ثم اوصله خليفته رستم غزالة الى ذروة الصفاقة الدموية.
اغلب الظن ان سماحة الذاهب الى دمشق برفقة ايلي حبيقة، رجل مخابرات بشير الجميل والاسرائيليين ومنفذ مذبحة شاتيلا وصبرا، كان يعرف ان لعبة السياسة السورية هي لعبة مخابرات. وان مخابرات النظام الأسدي تبدأ اختصاصاتها بالنهب والقتل وتنتهي باستباحة كل المحرمات.
غير ان سماحة، الذي امتلك كل عدة المستشار السياسي والاستراتيجي، حاول ان يصنع لنفسه حيثية خاصة في سياق محاولات النظام سحق الثورة السورية.
قامت حيثية الرجل على توظيف صلاته الفرنسية والغربية، في اطار ما اطلق عليه اسم ‘الخطر الذي يهدد المسيحيين في سورية’. ووجدت اللعبة صداها اللبناني مع ‘جنون العظمة’ عند ميشال عون، وفي بعض الأوساط الاكليريكية المشبوهة في سورية ولبنان، ومع بعض الاوساط الاوروبية من بقايا الفاشيين كجماعة ‘شبكة فولتير’ الفرنسية، الذين تحولوا بوقا لتحليلات السيد سماحة. هذا النوع من التحليل العُصابي كان مقدرا له، لو لقي اذانا صاغية، احداث نكبة بالمسيحيين في بلاد الشام، تكون استكمالا لنكبتهم اللبنانية التي نتجت عن التحالف الكتائبي المجنون مع الاسرائيليين عام 1982.
قصة سماحة انتهت، ونهايتها محاطة بالكثير من الأسرار، ‘الفتى الكتائبي’ الذي بدأ حياته ‘شبيحا’ يضرب الطلاب في الجامعة، اريد له ان ينهيها اليوم ‘شبيحا’ً يحمل متفجرات الموت!
نهاية تدعو الى التأمل، هذا بالطبع اذا صحت المعلومات التي تسربت من التحقيق.
وانا لم اقم سوى بتقديم عناصر لتحليل قصة نشرتها وسائل الاعلام، اما ملابسات الفخ الذي سقط فيه السيد ميشال سماحة او قادته لعبة استخبارية معقدة اليه، فلن تنكشف الا في المحكمة، وعندها يأخذ التحليل دلالاته الملموسة.
القدس العربي
الخميس
ميشال سماحة لا هو بداية ولا نهاية والقادم تحريك البؤر الإيرانية!
صالح القلاب
المفترض أن ينظر إلى فضيحة اتهام وزير الإعلام اللبناني الأسبق ميشال سماحة بتورطه – بتكليف من مسؤول الأجهزة الأمنية السورية اللواء علي المملوك – في نقل متفجرات بسيارته الخاصة من دمشق وتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية ضد رموز في الطائفتين السنية والمارونية المسيحية لإشعال نيران الفتنة في لبنان، على أنها مجرد حلقة صغيرة في إطار سلسلة كاملة كان تحدث عنها الرئيس السوري بشار الأسد نفسه عندما هدد في بداية هذه الأحداث التي تعصف بسوريا بأن ما يجري في «بلده» سوف ينتقل إلى دول المنطقة كلها، وأن الزلازل المدمرة سوف تضرب الشرق الأوسط بأسره.
وبداية، قبل الاستطراد في الحديث عن هذا الأمر، لا بد من التذكير بأن هذا النظام، طوال سنوات حكم الرئيس السابق حافظ الأسد الذي استمر نحو ثلاثين عاما ويزيد، بقي يستخدم تصدير الإرهاب إلى الدول المجاورة والبعيدة كسلاح لابتزاز هذه الدول وفرض مواقفه وسياساته عليها، ولعل مسلسل الاغتيالات الذي بقي يضرب لبنان والذي ذهب ضحيته عدد من كبار القادة والمسؤولين والرموز اللبنانيين مثل الشيخ حسن خالد والشيخ صبحي الصالح وقبلهما رياض طه وكمال جنبلاط وبعدهما الرئيس رينيه معوض والرئيس رفيق الحريري ومن ذهب معه وقبله في تلك الموجة المرعبة من العنف التي أزهقت أرواح الكثير من الشخصيات والكفاءات اللبنانية يثبت ويؤكد هذه الحقيقة المرة التي من المفترض أنه آن الأوان لتأخذ مجراها إلى محكمة العدل الدولية.
لم تسلم من عملية تصدير الإرهاب، التي دخلت إيران مبكرا كلاعب رئيسي فيها، معظم الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا التي لا تزال تعاني من احتضان دمشق لحزب العمال الكردستاني التركي وفتح معسكرات له على الأراضي السورية واللبنانية واحتضان بعض المجموعات الأرمنية التي نفذت الكثير من العمليات الإرهابية ضد سفارات تركية في بعض دول أوروبا الغربية.
ثم إن المعروف أن حافظ الأسد قد لجأ إلى ابتزاز بعض الدول الخليجية والحصول على «إتاوات» مالية منها بتهديدها بالعنف من خلال بعض التنظيمات المحسوبة على المقاومة الفلسطينية، وهذا كان حصل حتى لبعض الدول الأوروبية، ولكن ليس لأسباب مالية وإنما لأسباب سياسية تتعلق بفرض هيمنته على لبنان ومحاولات مد نفوذه إلى دول عربية أخرى من بينها الأردن ومن بينها مصر ذاتها التي كانت تعرضت لموجة عنف مرعبة بدءا من بدايات ثمانينات القرن الماضي، أي بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وحتى هذه اللحظة حيث تحولت سيناء إلى ما هي عليه الآن كبؤرة إرهابية إيرانية مركزية.
ثم إن المعروف أيضا أن حافظ الأسد كان عندما وصل خلافه مع صدام حسين إلى الذروة قد شن على العراق حربا إرهابية كان لإيران فيها الدور الرئيسي، وكانت ذروتها عمليات الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات التي شهدتها بغداد ومدن عراقية أخرى على مدى سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وكذلك كانت ذروتها استهداف السفارة العراقية في بيروت في تلك العملية المرعبة التي كانت إحدى ضحاياها بلقيس زوجة الشاعر العربي الكبير المعروف نزار قباني، وكذلك فإن المعروف أن بشار قد استأنف ما كان فعله والده بتحويل سوريا إلى ممر لإرهابيي «القاعدة» بحجة مواجهة الأميركيين وإغراقهم في المستنقعات والرمال العراقية.
في كل الأحوال وبالعودة إلى البداية فإنه ولمعرفة الأبعاد الحقيقية والفعلية لتهمة ميشال سماحة، التي يقال إن المخابرات السورية أدخلته فيها وحيث حدث ما حدث وجنب الله لبنان موجة اغتيالات وإرهاب كان من الممكن أن تكون بداية حرب أهلية جديدة، لا بد من ربط هذا الذي جرى بعملية الحافلة السياحية التي قتل فيها عدد من السياح الإسرائيليين التي كانت قد جرت في أحد المنتجعات السياحية البلغارية واتهم فيها حزب الله اللبناني، ولا بد من ربطها أيضا بانسحاب جيش النظام السوري من محافظة الحسكة ومدينة القامشلي في الشمال الشرقي وتسليمها لحزب العمال الكردستاني التركي ودفعه لتنشيط عملياته ضد تركيا إن في المنطقة المقابلة وإن في العمق الداخلي وإن أيضا في كل نقاط ومناطق تواجده على الحدود العراقية – التركية.
لقد جاء كل هذا بينما بادر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي – الذي بقي يتصرف، حتى بعد تبوئه لموقع المسؤولية الأولى والأهم في العراق كضابط صغير في فيلق القدس الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني – إلى افتعال أزمة – بالتنسيق مع إيران ومع جلال طالباني – ضد الزعيم الكردي مسعود بارزاني لتحقيق ما كان هدد به بشار الأسد وهو إشعال نيران العنف وعدم الاستقرار في عدد من دول هذه المنطقة وبخاصة المحاددة لسوريا والقريبة منها. وهنا فإن ما لا يستطيع أي أحد كان إنكاره هو أن خلق كل هذه الإشكالات المتلاحقة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية يأتي في هذا الإطار، وكذلك الأمر بالنسبة لما بقي يجري في مملكة البحرين ولما بقي الإيرانيون يقومون به من دعم متواصل لـ«حوثيي» اليمن ومن تدخل استخباري وسياسي في الشؤون الداخلية اليمنية.
والأخطر في هذا كله هو أن الإيرانيين بدعم استخباري سوري وبالاعتماد على حزب الله اللبناني واختراقاته في مصر وفي السودان قد تمكنوا في فترة الإرهاق السياسي التي كان يعيشها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك وبتواطؤ إسرائيلي وتنسيق مع حركة «حماس» من تحويل سيناء إلى قاعدة إرهابية تتجمع فيها الكثير من التنظيمات المتطرفة المسلحة وكان الهدف أن تكون نقطة ارتكاز، تضم دويلة غزة أيضا، لمشروع الهيمنة الإيرانية – الفارسية على المنطقة الشرق أوسطية كلها تقابل نقطة الارتكاز الأخرى التي تشكلها دويلة حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشمالية الشرقية.
والملاحظ هنا أن كل رؤوس هذه الجسور المتقدمة للنفوذ الإيراني في المنطقة، التي يستند إليها بشار الأسد بتهديداته المتكررة بتصدير العنف والزلازل وعدم الاستقرار إلى دول هذه المنطقة، تحيط بالمملكة العربية السعودية من كل الاتجاهات. وحقيقة أن هذه مسألة لا يجوز أن تكون مستغربة، فالسعودية هي الحلقة الرئيسية في السلسلة العربية، ولذلك فإن الإيرانيين ومعهم نظام دمشق ونوري المالكي وحسن نصر الله وجلال طالباني وبعض الاتجاهات في «حماس» وكل تنظيمات التطرف والإرهاب ومن بينها «القاعدة» تحاول كسر هذه الحلقة الأساسية لتتمكن دولة الولي الفقيه من تحقيق هدف تمددها في هذه المنطقة العربية الذي بقيت تسعى إليه منذ انتصار ثورتها الخمينية وحتى الآن.
ولهذا، ونظرا لأن إيران تعرف تمام المعرفة أن انهيار نظام بشار الأسد، الذي غدا في مرحلة لفظ أنفاسه الأخيرة، يعني فشل مشروعها الفارسي في هذه المنطقة العربية فإنها ومعها بالطبع هذا النظام السوري لن تكتفي بهذه المحاولة الفاشلة التي قام بها ميشال سماحة وأنها إن هي تأكدت من رحيل حليفها في دمشق فإنها ستحرك حزب الله ليفعل ما لم يستطع فعله وزير الإعلام اللبناني الأسبق وأنها ستحرك أيضا نوري المالكي وحزب العمال الكردستاني التركي لإشعال مناطق كردستان العراق وإشعال المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا بل وإشعال العراق نفسه، وكل هذا بالإضافة إلى تحريك البؤر المتأججة الأخرى إن في البحرين وإن في الكويت وإن في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية وإن في اليمن وإن في غزة وأيضا في سيناء التي لم تتم سيطرة الجيش المصري على الأوضاع المتفجرة فيها حتى هذه اللحظة.
الشرق الأوسط
تهيّب فوق العادة !
نبيل بومنصف
حان وقت مغادرة الذهول والتعامل مع الوقائع القاسية وجها وجها. فملف الوزير السابق ميشال سماحه هو من الثقل بحيث يكاد ينوء تحته اي متخيل لتداعياته الرمزية في الدرجة الاولى والامنية والقضائية والسياسية بالدرجة اللاحقة. هو ملف لا يزال في المنحى القضائي المتجرد والصارم في مرحلة الـ”ما بين بين” قبل ان يكتمل التحقيق ويحال الموقوف على المحاكمة متهما، مما لا يجيز مع كل المتانة التي تتردد عن الادلة الاغراق في اطلاق الاحكام قبل مرجعها القضائي الصالح.
ولكن ذلك لم يعد يشكل سدا مانعا لاطلاق الانحباس ومغادرة التهيب في رؤية شيء ما استثنائي يكاد لا يصدق في المسار الامني – القضائي اللبناني، تماما كما كان صعبا بل صادما التصديق ان مسار السياسي الموقوف انتهى الى مزلق امني مهلك.
ان يرتفع فوق لبنان عنوان تمكن جهاز امني من عملية استباقية كهذه وافدة من لحظة مصيرية بالكامل في سوريا، فهذا ما لم يعرفه في تاريخه الامني ولو كان لديه سوابق مثلها لكان ممكنا ان يكون شهداء الاغتيالات احياء بين الناس اليوم وليس عند ربهم.
وان يصدر ادعاء قضائي يطاول الى الموقوف وحيثيته المعروفة، احد اكبر اركان النظام السوري الامني في سوريا، فهذا ما كان حتى الامس مستحيل التصديق الا في الخيال.
فماذا تراه يجري في لبنان وماذا تراها حملت هذه القضية الاكثر من استثنائية؟
لا تجيز الواقعية التوغل الى حدود تخيل تغيير مباغت في “قواعد اللعبة” بين لبنان وسوريا، من دولة الى دولة، لا في تكوين السلطة الراهنة في لبنان ولا في وقائع القضية الماثلة امام الامن والقضاء والسياسة سواء بسواء. وبوضوح تام، لبنان الرسمي والسياسي بكل مكوناته واتجاهاته، هو اعجز عن استباق مصير الازمة السورية والنظام السوري و”الانقضاض” مسبقا على ثلاثة عقود من التحكم السوري في الداخل والدواخل في لبنان. واي مغالاة في مقاربة ملف سماحه من هذه الزاوية ستشكل طعنة واساءة لجهاز امني هو شعبة المعلومات كما لقضاء يجري التطلع لنزاهته وشجاعته اسوة بالجهاز الامني لاحقاق الحق والعدالة وحماية لبنان على قاعدة لا صلة لها بالسياسة.
ولكن كل ذلك لا يمنع اغراق متلقي هذه المفاجآت المتحرجة منذ اللحظة الاولى لتوقيف الوزير السابق بجرعات زائدة ومتعاقبة من الانفعالات الشديدة التناقض، طاولت حتى القوى السياسية على اختلافها. فثمة تهيب واستهوال امام خطورة الملف. وثمة في المقابل ذهول امام “فجر امني” احترافي جديد وتجرؤ غير مسبوق يعاكسان تماما الخوف على الاستقرار. ولا مغالاة في القول ان القضاء سيكون مع كل هذا، امام استحقاق يجمع كل هذه “الودائع” الثقيلة العنقودية في قضية صاعقة وعلى مفترق مصيري لا جدل حوله.
النهار
الثلاثاء
أخطر من اتهام ميشال سماحة
الياس حرفوش
رغم خطورة الاتهام الذي يمكن ان توجهه المحكمة العسكرية في لبنان الى الوزير السابق ميشال سماحة بعد انتهاء التحقيق معه، فان الاخطر منها هو ما كشفته الاعترافات المنسوبة الى سماحة عن مدى استعداد القيادة السورية، ممثلة برأس اجهزتها الامنية، لـ «تنفيذ اعمال ارهابية والنيل من سلطة الدولة واثارة الاقتتال الطائفي»، على ما ورد في التهم التي أحيل سماحة بموجبها الى المحكمة العسكرية، التي لا تحال اليها عادة سوى الجرائم التي تطاول الامن الوطني.
والمستغرب ان اياً من هذه الاتهامات، الموجهة كذلك الى اللواء علي مملوك، لم تستحق رداً من الجانب السوري، ناهيك بالاستعداد لارسال مدير مكتب الامن الوطني الى لبنان للمثول امام القضاء! والغريب ايضاً، والبالغ الدلالات في آن، انه حتى الذين يتداولون الروايات في لبنان حول قيام فرع المعلومات بنصب «فخ» لسماحة بهدف توريطه، لم يصدر عن أي منهم ما يشير الى تشكيك ولو ضئيل في إمكان إقدام النظام السوري على مثل هذه الاعمال. وكأن هؤلاء يعرفون جيداً «الوظيفة» التي كان يؤديها هذا النظام في لبنان، ولم يستغربوا بالتالي مسألة تصدير العبوات بهدف تنفيذ الاغتيالات واشعال المتاريس الطائفية في البلد. ومن هذا المنطلق فقد وجدوا انه يمكنهم ان يمارسوا وظيفتهم في الدفاع عن نظام الرئيس الاسد في امور كثيرة، ولكن ليس من بينها ذهابهم الى حد تأكيد حرصه على سلامة الامن اللبناني او الادعاء بأنه يرفض اللجوء الى العنف والقتل بحق معارضيه اللبنانيين. ذلك ان النظام الذي يرتكب ما يرتكبه بحق مواطنيه لا يمكن ان يُتوقع منه ان يكون اكثر عطفاً على مواطني الدولة المجاورة، ولو كانت تربطه بهم «الاخوة والتعاون والتنسيق». لهذا تحول مناصرو دمشق في بيروت الى احاديث فرعية عن خلع باب بيت سماحة او عدم قانونية الجهاز الذي تولى الاعتقال، في محاولة للتغطية على القضية الاساسية، على رغم الخطورة الامنية البالغة التي كانت ستترتب عليها، كما اكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد اطلاعه على التحقيقات.
فوق ذلك، لم يتبرع أي من مؤيدي النظام السوري بالتساؤل عن كيفية تمكن سيارة محمّلة بهذا الكم من المتفجرات، الذي كان يمكن ان يخرب البلد، من عبور الحدود السورية – اللبنانية، على رغم ان هؤلاء المؤيدين لم يكلّوا من المطالبة بضرورة تحصين الحدود اللبنانية من «الاختراقات» التي تقوم بها «العناصر الارهابية» (اياها) الى داخل سورية لمحاربة النظام هناك. بالتأكيد هناك تقصير من الجانب اللبناني في قضية دخول المتفجرات، وهناك حاجة للتحقيق في مسؤولية الامن اللبناني على جانبه من الحدود. لكن السؤال الاكبر يبقى مطروحاً على الجانب السوري، وطبيعة «الهدايا» التي تدخل عبر حدوده الى لبنان، على رغم الاتفاقات الامنية بين البلدين والتي يفترض ان يكون من بين ما تنص عليه عدم قيام اجهزة الجار الشقيق باعمال تهدد امن البلد المجاور.
اذا ثبتت الاتهامات الموجهة الى ميشال سماحة، فإنه يكون قد قدم «خدمة» لمعارضي النظام السوري وممارساته المديدة في لبنان اكثر مما كان ممكناً ان يقدمه الدّ اعداء هذا النظام. كما سيكون قد قدم خدمة لدعاة السيادة اللبنانية في وجه التدخلات السورية. اذ من كان يتصور، ولو في الحلم، ان يتجرأ قاض لبناني على توجيه اتهام بهذا الحجم للرجل الثاني عملياً في تراتبية السلطة الامنية السورية بعد الرئيس نفسه. لقد وفر سماحة بفعلته هذه وللمرة الاولى دليلاً قاطعاً، اذا ثبت ما نقرأه من اعترافات، على كل الاتهامات التي سيقت ضد النظام السوري، سواء بارتكاب الاغتيالات او بافتعال المجازر الطائفية المتنقلة لادامة الحرب الاهلية، وبالتالي لاطالة عمر التدخل السوري في لبنان بحجة العمل على منع انفجار … الحرب الاهلية!
ولا يقلل من حجم هذه «الخدمة» ان تكون فعلة سماحة نتيجة «سذاجة» مفرطة، على رغم المبالغات المتداولة بشأن «ذكائه»، او ان تكون نتيجة بلوغ ارتباطه بالاجهزة الامنية السورية درجة لم يعد ممكناً له رفض اي من اوامر هذا النظام. لهذا فليس من المبالغة ان ترد السلطات اللبنانية على الشكر الذي وجهه سماحة اليها لأنها انقذته من «تعذيب الضمير» الذي كان سيتحمله لو نجح مخطط التفجير، بان تقول له بدورها: شكراً لقد اتحت لنا العثور على الخيط الذي كنا نبحث عنه منذ اربعين سنة!
الحياة
أكثر من “سماحة” قيد الإنكشاف… فمَن هو التالي؟
طوني عيسى
من قواعد العمل الاستخباري: «غلطتُك الأولى هي الأخيرة … والأموات وحدهم لا يتكلّمون». وهذه القاعدة تنطبق على «غلطة» الوزير السابق ميشال سماحة، التي أوقعته في فخِّ فرع المعلومات. فبعدها سيكون الآتي أعظم. إنّها المقدمة. وأمّا التفاصيل فعلى الطريق…ليس سماحة رجُلَ الأسد الوحيد في لبنان. فكثيرون من الذين يدافعون عنه مرشحون ليكونوا جزءاً من “العصابة المسلّحة”، كما وصفها القاضي سامي صادر. ومن هنا مسارعة “حزب الله” إلى التراجع عن تهديد النائب محمد رعد بـ”أنّنا لن نسكت”. فالغلط في هذه النقطة ممنوع… بل هو مصيري، ولا يمكن تصحيحه.
لكن هناك قوى وشخصيات لبنانية لصيقة بالنظام السوري، بقدر التصاق سماحة وربما أكثر، وهي تلتزم الصمت منذ اللحظة الأولى. وفي التفسير الأمني، قد تكون رؤوس من “العصابة” تختبئ لعل العاصفة تمرّ من دون أن تكشفها وتقتلعها. لكنّ مجريات التحقيق مع سماحة والتوسّع فيه ستضيء على أدوار مماثلة قام بها “رفاق لسماحة” في السياسة والأمن وما شابه، في مراحل سابقة أو تحضيراً لمرحلة آتية. وبعض هؤلاء معروف أساساً بأنّه وصل إلى السياسة عن طريق الأمن، أو للمكافأة على دوره الأمني. والبعض الآخر بدأ سياسيّاً لكنّه ربما انتهى في الأمن، على طريقة ميشال سماحة. ولذلك، ستكرّ السبحة ليسقط آخرون في قبضة فرع المعلومات. ومن هنا استِقْتالُ فريق سماحة لنقل الملف من يد المعلومات.
وفي القراءة الأمنية أيضاً، من الممكن أن يغيب بعض المعنيين عن المسرح في المرحلة المقبلة، بناءً على طلب من مرجعيتهم الإقليمية، تجنباً لانزلاق في التحقيق يؤدّي إلى وقوع حجر آخر أو أكثر من “الدومينو” في قبضة المعلومات. وقد لا تتحمّل منظومة الأسد في لبنان أكثر من ميشال سماحة واحد لتسقط، فكيف إذا انزلق منها آخرون أيضاً؟
وإذا كان التحقيق مع سماحة يقود إلى واحد أو أكثر من رفاقه، فإنّ التحقيق مع هؤلاء سيقود إلى توقيف العشرات على الأرجح. وسيعني ذلك انهيار الماكينة الأمنية – السياسية – الإعلامية المتجذّرة عبر عشرات السنين، والتي أدّى العشرات من أدواتها أدوارهم في أشكال شبه مفضوحة، لأنّهم لم يتوقّعوا أن يصل النظام الفولاذي الذي اعتمدوا عليه إلى هذا المصير… في سوريا ولبنان. ويأتي تشابه العبوات اللاصقة بين ملف سماحة وملفات الشهيدين جورج حاوي وسمير قصير والزميلة مي الشدياق ليدعم الترابط بين الملفات وإثبات مرجعية الجناة فيها جميعاً.
ماذا سيفعل عون؟
ماذا سيفعل، بعد اليوم، العماد ميشال عون بعد صمته الثقيل، هو وأركانه أصحاب الرؤوس الحامية؟ وماذا سيفعل حلفاؤه المسيحيون، الأقوياء منهم والصغار؟ وماذا سيقولون في بكركي أمام كرسي الاعتراف لسيّدها المذهول بكرسي اعتراف سماحة في فرع المعلومات؟
وما هي الأسماء التالية بعد سماحة، بعدما بات الاختباء صعباً؟ فالبقاء في متناول العدالة قد يعرّض أصحاب هذه الأسماء لخطر الوقوع في قبضة الأمن، وهذه مصيبة. وأمّا الاختفاء عن الساحة فسيكون أشدّ خطراً لأنّه سيؤدّي إلى إثبات الشبهة أو التهمة، وهنا المصيبة أعظم. ويعاني “حزب الله” الكثير لمنع مثول أربعة من المتهمين أمام المحكمة الدولية، ومنع استجواب خامسٍ في ملف محاولة اغتيال النائب بطرس حرب، فكيف سيكون الأمر إذا ما اقتضت مصلحة النظام السوري إخفاء سياسيين من حجم ميشال سماحة أو أقلّ أو أكبر.
أزمة النظام السوري أنّ ملف سماحة “موثّق ومبكّل”، وبالصوت والصورة، وإلّا لكان التشكيك ممكناً، ولكانت الإطارات المشتعلة تقطع شوارع بيروت، و7 أيّار تتكرّر!
لذلك، فإنّ ملف سماحة سيكون من علامات الانهيار الكامل لمنظومة الأسد في لبنان… وفي سوريا. إنّه في مدلولاته أكبر من كل الاغتيالات ومحاولات الاغتيال والاعتداءات والحروب التي جرت على مدى سبع سنوات عجاف.
إنّه الشق اللبناني الأول في زمن انشقاقات آتية، سوريّاً ولبنانياً. فمَن يتدارك نفسه ورأسه؟
هناك كثيرون دخلوا مرحلة تأمُّل عميق
الجمهورية
زئير الأسد لم يعد يُسمع في بعبدا
سماحة خريج مدرسة تخويف الاقليات الى حد القتل
علي الأمين
قد لا تكون الرواية الامنية دقيقة، تلك التي جرى تداولها حول تورط الوزير السابق ميشال سماحة في مخطط تفجيري فتنوي في الشمال. لكن ردود فعل قوى حليفة له لم تطل جوهر الاتهامات أو الاعترافات بقدر اهتمامها بالشكل وطريقة الاعتقال غير القانونية. فسرعة الاجراءات والسلاسة التي اتسمت بهما جلسات التحقيق في “شعبة المعلومات” مع المتابعة القضائية والطبية، كان مفتاحها، على ما يقال، الوقائع الموثقة التي فتحت باب الاعتراف عند سماحة على مصراعيه…
من حق البعض الاعتراض على طريقة اعتقال سماحة، لكن هذا البعض عليه ايضا القول: اذا ثبتت الاتهامات الموجهة ضد سماحة فنطالب باعدامه. واللافت ايضا ان احدا لم يقل من المعترضين ان النظام السوري ليس وراء هذا التخطيط، بل جلّ ما قيل هو: هل عدِمَ السوريون الوسيلة الا ميشال سماحة؟ بالطبع يفقدون ثقتهم بكثير من ادواتهم وعملائهم لذا يختبرون ولاءهم بهكذا اعمال امنية قذرة. وان كان اكثرهم بدأ يبحث عن مشغلين آخرين في الشرق او الغرب.
سماحة هو من مدرسة تخويف المسيحيين وايهامهم بأن نظام الاسد “حامي الاقليات”، وهي عبارة لطالما كان يرددها سماحة في اطلالاته التلفزيونية مرفقة بالدعاء المستمر إلى “سماحة السيد”. سماحة ومشغله علي المملوك ينتميان الى تلك المجموعة التي روجت لهتاف ادعت ان الثوار السوريين يرددونه: “المسيحي ع بيروت والعلوي ع التابوت والسني بالبيوت”. مجموعة مستعدة ان تقتل من اجل الفتنة من دون ان يرف جفن لها.
موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي تعامل من موقع المساند لعمل قوى الامن الداخلي وأقرّ بأن شيئاً خطيرًا كان يجري التحضير له ونجا لبنان منه لا يريح قوى 8 آذار ولا بطبيعة الحال الجنرال ميشال عون، لا سيما تحصين موقع القوى الأمنية من هذه القضية.
وفرض موقع سليمان عليه اليوم ان يواجه التداعيات السورية بمزيد من الدفع والتمسك بدولة المؤسسات، وهو سلوك يلقى تشجيعا وتأييدا عربيين ودوليين. ولعله السبب في ارتفاع نبرته تجاه الاعتداءات السورية على لبنان واندفاعه نحو طاولة الحوار برؤية لاستراتيجية دفاعية طموحة واستقباله اللواء اشرف ريفي والعميد وسام الحسن بعد القبض على سماحة يتجسد في تحول نوعي في سلوك بعبدا اتجاه نظام الاسد.
أما التيار الوطني الحر، الواثق بسلوك النظام السوري واحترامه للسيادة اللبنانية، لن تغير الوقائع الاخيرة من موقفه باعتبار انه لا يعترف بوجود شيء في الدولة اسمه جهاز فرع المعلومات وبالتالي لا مؤامرة سورية.
سقوط سماحة او اسقاطه هما نتيجة تحوله إلى مقاتل منخرط في الذود عن “محور الممانعة والمقاومة” ولو بالفتنة، وهما إشارة إلى بداية المرحلة الاخيرة من عملية اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد. ليس هذا فحسب، بل الادعاء من قبل المحكمة العسكرية على ابرز اعمدة النظام الامنية، اللواء علي المملوك، هو دليل على ان زئير الاسد خفت ولم يعد يسمع في لبنان وفي بعبدا تحديدا.
اما المتباكون على المسيحيين والاقليات في سورية، وفي لبنان، فعليهم ان يعيدوا تحديد الخطر: هل هو من السلفية ام من نظام لا يجد فرصة للبقاء الا بالفتنة وتحويل الاقليات دروعا له والتخويف المكشوف بخطر الاسلاميين كأن علمانية البعث لم تغرق في دماء قتلهم بعد؟
كاتب لبناني
البلد
الأربعاء
مخطط تفجيرات يخفي مخططاً آخر؟
عبد الوهاب بدرخان
ليقل القضاء كلمته في قضية الوزير السابق ميشال سماحة. وحين يقول هل تستطيع الحكومة ان تكون بمستوى الاحكام التي يحتمل ان يصدرها في حق سماحة ومن وردت اسماؤهم في التحقيق من المسؤولين السوريين؟ هذا هو السؤال. واذا لم تشأ المسّ بالاشخاص الذين يهابهم، او يعمل في خدمتهم، العديد ممن هم في الحكومة وقواها السياسية، فهل تستطيع الحكومة ان تتخذ قرارات نضجت مبرراتها، كأن توقف العمل بالاتفاقات المبرمة مع النظام السوري؟
هذا يدخل ايضا في باب “النأي بالنفس”، فإذا لم يكن الأمن الوطني خطا احمر، فما عساه يكون؟ مجرد وجهة نظر يصح فيها قولان او اكثر؟ اللبنانيون يعرفون ان كثيرين منهم، بعض من فريق 14 آذار قبل 2005 وكل فريق 8 آذار لاحقا، ساوموا على امن البلد وعلى الاستقلال والسيادة، لكن الاستمرار وكأن شيئا لم يحصل في سوريا ونظامها بات يعادل الانتحار السياسي. وليعلم حلفاء النظام السوري انه لم يعد هناك ما يمكن ان يرتجوه او يتوقعوه منه.
لم تكن مفهومة تماما ردود فعل فريق 8 آذار على اكتشاف قضية التفجيرات وكشفها. أهي تعاطف مع “الحليف” ميشال سماحة، ام انها في سياق ولائهم المستمر للنظام السوري، أم انها استنكار للضربة التي نجح بها “فرع المعلومات”؟ لو اردنا استخلاص شيء فقد نتوصل الى انهم كانوا يفضلون نجاح المخطط على فشل ما اراده مجرمو النظام السوري. اي انهم كانوا سيشعرون بثقة واطمئنان لو قدّر، لا سمح الله، للمخطط ان ينفذ. اي انهم باتوا في حاجة ماسة الى كم من الجثث، الى فتنة داخلية، لعل في ذلك انقاذا لنظام الاسد، وبالتالي انتشالا لهم من التوجسات والاحباطات التي يعيشونها.
اذا صحت التسريبات من اعترافات سماحة فإنها تشبهه، وهو في مواجهة الادلة، وتشبه واقعيته كونه قام سياسيا بما هو اخطر واكثر اضرارا لمصلحة النظام السوري، لكنه لا يعتبر نفسه مدبر تفجيرات، ولذا وقع في الفخ. ومع ذلك فإن حلفاء ذلك النظام، المتضررين من انكشاف القضية، يريدون تبرئته لإدانة “فرع المعلومات”. ما المطلوب من هذا الجهاز لينال اعتراف فريق 8 آذار بـ”وطنيته”، او في الحد الادنى بأنه يقوم بعمله، لا اكثر ولا اقل. لم يحسنوا شكره على كشف عملاء اسرائيل، لكنهم خوّنوه بعد توصله الى الخيط المؤدي الى القتلة في قضية الاغتيالات. من الواضح ان مشكلة هذا الجهاز ليست في قصوره وعدم مهنيته، وانما في عدم خضوعه كأجهزة اخرى لإمرة الاجهزة السورية.
نسي حلفاء النظام السوري ان “اعلان بعبدا”، الصادر عن الجلسة الاولى للحوار المستأنف، يلزمهم رفض كل ما يمس الاستقرار والامن، لكنهم اخفقوا عند الاختبار الاول لـ”التضامن الوطني”. المهم الآن ان لا تكون “قضية سماحة” تمويها للفريق الحقيقي المكلف بالتفجيرات.
النهار
الأربعاء
سماحة الإرهاب
إيلي فواز
تقول الرواية غير الرسمية عن توقيف ميشال سماحة إنه بعد ان واجهه المحققون بالأدلة القاطعة عن تورطه وضباط سوريين بالتخطيط للقيام بأعمال إرهابية داخل الأراضي اللبنانية قد تسبب بإشعال حرب أهلية، طلب مقابلة العميد وسام الحسن، واعترف بكل التهم الموجهة إليه. ويقال إنه كان نادماً، حيث لا ينفع الندم، و شاكراً أن المخطط لم يُبصر النور.
و بدلاً من أن يهنئ العميد الحسن وشعبة المعلومات على تجنيب لبنان فصلاً جديداً من حروب الآخرين على أرضه، جاء من ينتقده على طريقة توقيف سماحة هذا.
المضحك في الأمر، أن الانتقاد جاء من جهات أمعنت في تحقير كرامة الإنسان اللبناني، كما في 7 آب على سبيل المثال لا الحصر، أو حتى في تدمير نسيجه الاجتماعي من خلال مرسوم تجنيس ذكَّرنا بسياسة ترانسفير الإتنيات التي امتهنها النازيون إبان الحرب العالمية الثانية والتي استمرت بعدها.
ميشال سماحة ليس سياسياً بالمعنى الذي يجعل من الرجل متمرساً في الحكم ومتميزا في الإدارة. ولا هو مثقف أو رجل فكر بالمعنى الذي يجعل منه صاحب رؤية أو منظراً في العلوم السياسية. هو تنقل في انتماءاته السياسية الى الجهة التي تؤمن لطموحه الشخصي مركزاً متقدماً في الحياة السياسية، ولكن ليس لتطبيق أفكار ابتكرها، أو نهج يؤمن به، بل لتنفيذ أوامر ومآرب وأهداف من أوصله الى ما وصل إليه، و في تلك، نوع من خضوع ووصولية تجبرك على القيام بأعمال من دون السؤال عما يمكن ان تحمله من نتائج كارثية على البلد وناسه.
وسجل الرجل حافل بأعمال تميزت بالتعدي على الحريات العامة، لا سيما حرية التعبير، كإقفال محطة المر، ومنع بث نشرات الأخبار، وغيرها من أفعال أهّلته ليصبح مستشاراً لدى وزيرة الإعلام السورية بثينة شعبان، من دون أن ينقطع عن التردد إلى السفارة الأميركية في عوكر حتى مع وجود فيلتمان على رأسها.
هو المروّج الأكثر إقناعاً لنظرية المؤامرة في كل ما يتعلق بسوريا، وجبهة الممانعة والصمود. يحيلك الى اجتماعات سرية عقدت بين كبار الأمنيين او السياسيين في الغرب، ويتحدث عما دار فيها، وعن مقرراتها بثقة تجعلك تقول إنه كان حاضراً فيها لا شك. وهو في حديثه للغربيين من صحافيين ودبلوماسيين، يصور سوريا على أنها الحصن الأخير الصامد في صراع الغرب مع الشرق، وأن نظام الأسد أفضل محاور لتلك الجدلية القائمة مذ كان شرق وغرب.
الرجل لا يحلل الحدث، بل يطلق أحكاماً غير قابلة للاستئناف، يتهم من دون دليل، ويشهّر بالناس وسمعتهم، ويعرض حياتهم للخطر من دون أن يرفَّ له جفن.
ستشهد قصة سماحة تطورات كثيرة. وسيأبى الرجل دفع ثمن ارتهانه لنظام الأسد وحيداً، ولكن في المحصلة يجب على اللبنانيين أخذ بعض العبر من تلك الحادثة؛ أولها أن هناك من يظن ان أرضية لبنان جاهزة للاشتعال ما إن تتوفر الظروف. وثانيها أن ثمة توافقاً دولياً إقليمياً، على عدم السماح بإشعال الساحة اللبنانية. وفي الحالتين، يأتي الفعل من خارج الحدود، و لو بأدوات محلية. ألم تكن تلك الحال إبان بعض محطات ومراحل حربنا الأهلية؟
الأسد بات يعي أن النظام الذي أرساه والده وعمه انهار، وأن الجبل النصيري الهابط إلى الساحل اللاذقي هو ملاذه الوحيد. وهو قد لا يلاقي معارضة غربية إذا ما أقام تلك الدويلة. يبقى إقناع السوريين المتمردين على سلطة الأسد، في كل من حلب وحمص و دمشق، واخضاع شمال لبنان الخاصرة الرخوة للعلويستان.
لذا ستكون هناك محاولات متكررة لجر لبنان نحو الهاوية، خصوصاً وأن سوريا تتجه إلى حرب قد تطول في ظل تماسك ميليشيا البعث، وتقاعس الغرب عن دعم الثوار بشكل جدي. وليس الحديث الأميركي عن حظر جوي جزئي سوى دليل آخر على هذا التقاعس. فحتى يحين موعد الحل في سوريا، على اللبنانيين أن يتمتعوا بقدر من الوعي حتى لا يكونوا ضحية لقذارة الآخرين على أرضهم.\
لبنان الآن
الثلاثاء
ميشيل سماحة كشف المستور
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ
لا أعتقد أن فضيحة ميشيل سماحة ستنتهي بتجريمه فحسب، وإنما سيسقط كثير من الشخصيات وربما الأحزاب اللبنانية أيضا نتيجة لتداعيات هذه القضية. ففي محطة (الميادين) الفضائية الممولة من حزب الله وإيران كان جميل السيد -مثلاً- يكاد أن يخرج من الشاشة غاضباً ومنفعلاً من (هتك) أجهزة الأمن اللبنانية لأنظمة الضبط القضائي عندما اعتقلت سماحة (كذا)، وردد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته؛ فلماذا يجري التسريب للصحافة ووسائل الإعلام قبل أن تثبت التهمة؟.. كان من الواضح أن جميل السيد يبذل كل ما في وسعه لخلط الأوراق وتلمس الحجج حتى وإن كانت واهية للذب عن سماحة وتخطئة معتقليه، وكعادة المفلسين السياسيين اللبنانيين، أو قل بعد الآن: المجرمين الإرهابيين، كانت الذريعة جاهزة، فالاعتقال والتشهير – كما كان يقول السيد – يتماهى مع المؤامرة التي يحيكها الغرب وأمريكا لمحاصرة تيار الممانعة والمقاومة؛ بهدف التفريط بالقضية الفلسطينية.
كان جميل السيد في ذلك اللقاء يكاد أن يقول (اعتقلوني) فالعصا أخت العصية، ويبدو أن هذا الضابط الذي سبق وأن اعتقل وسجن في قضية اغتيال الرئيس الحريري والذي يقال أن الرئيس اللبناني الأسبق الياس الهراوي عقد ثلاث قمم مع الرئيس حافظ الأسد لخلعه عندما كان مديراً للأمن العام اللبناني ولم يستطع، قد شعر أن الحبل على الجرار، وأن الأمر لن يتوقف عند سماحة، وأن حُماته في دمشق الذين رتبوا عملية تبرئته لن يستطيعوا أن يُبرؤوه إن اتضح أن لقضية اغتيال الحريري أو غيره ذيولاً أخرى، فأحس أن السجن الذي خرج منه بأعجوبة وبصفقات أدراها بشار الأسد، لن ينجو منه هذه المرة.
سماحة اعترف، وكانت الأدلة دامغة ومحكمة بحيث لم يكن بإمكانه أن ينكرها، فقد كانت بالصوت والصورة، فالعبوات الناسفة استلمها من أحد أركان النظام الأسدي في دمشق اللواء علي مملوك، وجلبها إلى بيروت بسيارته، وحدد من سيغتالهم، وسلم من كان سيقوم بعمليات تفجير العبوات الناسفة فعلاً؛ وكل تفاصيل هذا المشهد كانت أجهزة الرصد والتحري الأمنية اللبنانية تتابعه وتسجله بالصوت والصورة، ويتم توثيقه، بدقة ومهنية تدعو إلى الإعجاب، ما جعل التهمة قطعية؛ وكان الهدف أن يتم اغتيال رموز مسيحية ومن طوائف أخرى، ويتم إلصاق التهمة بالمسلمين السنّة، أو كما يسميهم بشار وزبانيته في خطابهم الإعلامي التبريري (الإرهابيين الوهابيين)، ليتم إلحاق لبنان إلى سوريا في الحرب الأهلية الطائفية؛ وعندما سأل المحقق – كما تتحدث بعض التقارير الصحفية – ميشيل سماحة عن الدافع من هذه التفجيرات اكتفى بالقول (هيك بدو بشار)!
أن تتجرأ السلطات الأمنية على اعتقال هذا العميل السوري من الوزن الثقيل، وتدبر له هذه الكمين المحكم، ثم توقع به، يعني أن لبنان تحرر من الوصاية السورية إلى الأبد، وأن أزلام النظام السوري لم يعد بإمكانهم اللعب بالورقة السورية؛ فكل أقطاب فريق الثامن من آذار التزموا الصمت، اللهم إلا أحد قيادات حزب الله محمد رعد رئيس كتلة (الوفاء للمقاومة) في البرلمان اللبناني، فقد وصف الاتهامات الموجهة إلى سماحه بـ(الفبركات الأمنية)؛ فأسرعت قيادات الحزب وأكدوا بصفة رسمية أن ما صرح به رعد كان رأياً يخصه شخصياً ولا يُمثل الحزب محاولين أن ينأوا بحزبهم عن تبعات هذه القضية الخطيرة.
ليس لدي أدنى شك أن سماحة لن يكون الأخير، فالحبل على الجرار؛ كما أن خريطة القوى السياسية الفاعلة في الساحة اللبنانية بدأت من الآن تتماهى مع تضعضع أوضاع نظام الأسد في دمشق، ولم تنتظر إلى حين سقوطه الوشيك؛ فلم يكن أحد من اللبنانيين يحلم أن تصدر في يوم ما مذكرة جلب من السلطات القضائية اللبنانية موجهة إلى أحد أعمدة النظام السوري (اللواء علي مملوك) تطالبه بالمثول لديها ومحاكمته على التهم الموجهة إليه، وهو الذي كان يتحكم في كل مفاصل الحياة السياسية اللبنانية من رأس الهرم وحتى مديري الأقسام؛ ويبدو أن لبنان الآن يولد من جديد فعلاً.
الجزيرة السعودية
الثلاثاء
سوريا الأسد قبل مصلحة لبنان؟
غسان حجار
اتصل بي قبل يومين زميل من أصدقاء الوزير والنائب السابق ميشال سماحة، فبادرته الى السؤال “ماذا لديك من تفاصيل وتوقعات لمسار الأحداث؟” أجاب “طمّن بالك لن يتمكنوا من المضي في هذه القضية الى الآخر، لأنهم تطاولوا على الرئيس بشار الأسد شخصياً. ربما ميشال سماحة هو رجله الأول في لبنان. سيقفل الملف كما فتح من دون الوصول الى نتيجة، بل على العكس يمكن ان يدفع ثمنه الذين فتحوه. طمّن بالك”.
الكلام استفزني فقلت له فوراً “لن أطمئن إذا سارت الأمور على نحو ما تشتهي. لا رغبةً في ادانة ميشال سماحة، بل خوفاً من ان تكون يد الوصاية صارت أطول وأشد وطأة من قبل، إذ إنك لم ترَ في ما حدث إلا التطاول على الرئيس السوري شخصياً، وعدم القدرة على متابعة القضية يرتبط في رأيك بهذا الجانب فقط؟”…
الواقع المريب والمخيف في آن واحد، المستنتج من المحادثة الهاتفية، هو الثقة الزائدة لمؤيدي النظام السوري واتباعه في لبنان، بالقدرة على تغيير مسار الاحداث، ان بالسلاح كما حصل في 7 أيار 2008، أو بالسياسة والقضاء بواسطة الضغوط الكبيرة على القضاة وترهيبهم، كما جرى قبل أيام مع القاضي سمير حمود، الذي طلب مضاعفة الحماية له ولعائلته بعدما أشبع تهديدات، وبعد التصريح “المسحوب” من التداول بعد حين، للنائب محمد رعد بأن “حزب الله” لن يسكت عما حصل، وقول آخرين قريبين من رئيس مجلس النواب ان ما حصل ربما يجر الى حرب أهلية، ومطالبة البعض الآخر بإقالة مسؤولي بعض الأجهزة الأمنية.
تبدو جلية الحسابات السورية، التي تتقدم المصلحة اللبنانية. فالتعرض للرئيس الأسد أهم من نسف السلم الأهلي اللبناني والإيقاع بين الطوائف وسفك الدماء البريئة واشعال فتنة نعرف تماماً أين تبدأ ولا نعلم أين ومتى وكيف تنتهي.
واذا كان الكلام من فضة والصمت من ذهب، فإن المعادلة تبدّلت هنا، لأن صمت قوى 8 آذار في هذه القضية أيضاً مريب، وهو يشكّل تغطية ضمنية للجريمة في ذاتها، إذ أن الإدانة مطلوبة، خصوصاً ان ممثلي القوى الفاعلة نقلت الى مرجعياتها وقائع التحقيقات بعدما اطلعت على تفاصيلها من مصادرها الأساسية. أما كلام بعض المرجعيات الدينية فلم يكن موقفاً ضميرياً بل عشائرياً ومذهبياً ضيق الحدود، وفيه تغطية أكبر للجريمة تحت شعار الدين والطائفة، في ما ينكر الدين وينسف مبادئه، إذ معهم تحولت القضية الى شكليات التوقيف، متجاوزة القتل المفترض والفتنة المعمول لها وخراب البلد. لكن الظاهر ان المصالح السورية ما زالت، لدى كثيرين، تتقدم مصلحة لبنان.
النهار
الثلاثاء
ميشال سماحة بين القضاء.. والقدر
إياد أبو شقرا
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه
فكل قرين بالمقارن مقتدي
(عدي بن زيد العبادي)
إنها فترة صعبة على المخلصين في إيمانهم بفكرة «المقاومة» في لبنان.
لا يهم عن أي «مقاومة» نتكلم.. ذلك أن كل لبناني عبر العقود القليلة الفائتة قاوم واقعا ما، وآمن بقضية ما رأى أنها تستحق حمل السلاح دفاعا عنها، وبالتالي السكوت عن تدمير مقومات المجتمع المدني و«دولة المؤسسات» من أجل ضمان انتصارها.
كانت الدماء، بما فيها دماء الأبرياء، ثمنا رخيصا لا مانع من دفعه في سبيل تحقيق الأحلام الكبيرة وشعاراتها السامية.
لقد صمت اللبنانيون طويلا على ظواهر مرَضية كالقتل على الهوية والسيارات المفخخة وتفجير البنايات على ساكنيها.. وصولا إلى التهجير القسري. وكانت ذريعة «الدفاع عن النفس» التبرير الجاهز دائما لهذا الصمت. ومن ثم، اعتاد اللبنانيون، على ما اصطلح على تسميته «الأمن بالتراضي» بين مؤسسات دولة هشة تحاول أن تبقي لها على نزر يسير من حضور هنا وهناك، وقوى أمر واقع تستفيد من المناخات الإقليمية والدولية المواتية.
النظام السوري، منذ تفجر الحرب اللبنانية عام 1975، كان لاعبا أساسيا في كل من الملعب اللبناني الداخلي والملعب الإقليمي الخارجي، بل ثمة من يقول إن تلاعب دمشق بالشأن اللبناني بدأ قبل ذلك بسنوات عديدة. وكان في صلب فلسفة حكام دمشق في ذلك الحين اعتبار «الحالة اللبنانية» حالة شاذة ناجمة عن «واقع التجزئة» الذي خلقته وخلفته «معاهدة سايكس – بيكو». وهذه المعاهدة وفق أدبيات حكام دمشق، الذين كانوا «عروبيين جدا» حتى «تعجمهم» في الأمس القريب، مزقت وحدة «الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة».
وعام 1979 جاءت الثورة الخمينية في إيران حدثا مفصليا في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وتركت تداعيات بنيوية على امتداد المنطقة. وعلى الصعيد العربي، كانت فكرة «تصدير الثورة» العمود الفقري لمشروع طهران الخمينية، وكان شعار المشروع – أو غطاء شرعيته – «تحرير فلسطين».
هنا لا بد من الإشارة إلى حقيقتين مهمتين:
الحقيقة الأولى، أن طموح طهران للهيمنة الإقليمية لم يبدأ مع ثورة الخميني.. إذ عمل الشاه محمد رضا بهلوي طويلا لكي يصبح القوة المهيمنة في منطقة الخليج الذي طالما اعتبره «فارسيا» – تماما كما يعتبره الخمينيون اليوم. وبلغ به الأمر إلى المطالبة علنا بالبحرين، التي كان يعتبرها جزءا من إمبراطوريته، تماما كما احتلت إيران في عهد الثورة الخمينية جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ولا حاجة في هذه العجالة إلى الذهاب أبعد مع التاريخ للتطرق إلى ما حل بالمحمرة (عربستان).
والحقيقة الثانية، أن موضوع تحرير فلسطين، والمقاومة المسلحة في سبيل تحرير فلسطين ظلا جزءا من الخطاب السياسي العربي منذ 1948 وحتى اليوم. وحقا كانت هناك مقاومة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما كانت هناك مقاومة لبنانية وطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى عام 2000، ولكن في الحالتين تعرضت «المقاومتان» لتآمر جهات تريد «مقاومة» على هواها، ووفق مصالحها.. من دون اكتراث لا بفلسطين ولا بتحريرها ولا بشعبها. وفي لبنان، ساهمت فصائل لبنانية عديدة في واجب مقاومة الاحتلال قبل أن تقبل بنزع سلاحها تمهيدا لبناء الدولة، في حين احتفظت قوة وحيدة بسلاحها، ويتبين الآن أن الغاية من احتفاظها بالسلاح بعد تحرير جنوب لبنان – الذي يحتفل اللبنانيون به سنويا بصورة رسمية – هو منع بناء الدولة.
إذن، نحن باختصار أمام حقيقتين، هما الطموح الإيراني الإقليمي، والعمل على تعطيل قيام دول مدنية في المنطقة بحجة صرف كل الاهتمام نحو تحرير فلسطين. وفي حالة كهذه يفترض أن ترتعد فرائص إسرائيل خوفا فتبادر إلى اجتثاث أي نظام يمكن أن يشكل خطرا وجوديا عليها، ولكن ماذا كانت النتيجة حتى الآن؟
أولا، بتفاهم ضمني وعلني غريب أسقط نظام حكم ديكتاتوري وعائلي وبعثي كان يحكم العراق بالحديد والنار.. وجرى تسليم العراق، المحتل أميركيا.. إلى إيران!
ثانيا، صمتت المدافع على طول جبهة الجولان، حيث خط النار المفترض بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وجماعة الرفض والتصدي والممانعة والمقاومة منذ 1973، كما أحجم ثوريو طهران عن مهاجمة «الكيان الصهيوني» مع أن أحد جنرالات طهران بشرنا قبل أشهر بأن إيران قادرة على سحق إسرائيل خلال 11 شهرا.. لا غير.
ثالثا، أكمل حزب الله اللبناني هيمنته على لبنان، منطلقا من فرض الحكومات بقوة السلاح إلى فرض قوانين انتخابات مفصلة على قياسه بحيث تكفل له تسريع الإطباق على باقي مفاصل الدولة، وهذا بالتوازي مع التوسع في شراء الأراضي والتمدد التوطيني في مناطق متعددة من لبنان.
رابعا، بعد ترحيب طهران – وتحت جناحيها حزب الله اللبناني ونظام الرئيس بشار الأسد في دمشق – بـ«الربيع العربي»، انقلبت عليه. واختارت شن حرب مفتوحة على الشعب السوري الثائر ضد حكم ديكتاتوري، وعائلي، وبعثي أيضا.. أي من طينة حكم صدام حسين التي دفعت طهران إلى التفاهم الضمني مع «الشيطان الأكبر» الأميركي و«اللوبي الإسرائيلي» في واشنطن على احتلال العراق، ومن ثم تسليمه لأتباعها!
عودة إلى لبنان، الكيان الأضعف إنما الأكثر شفافية في المنطقة. في لبنان تتضح اليوم معالم تآمر واضح وخطير.. فبعد تحالف حزب الله مع ميشال عون الذي تطوع قبل بضع سنوات للذهاب إلى واشنطن محرضا على «المقاومة» وسوريا برعاية شخصيات أميركية محسوبة على «اللوبي الإسرائيلي»، تجاهل حزب الله – الذي كان لبعض الوقت يعتبر عون ظاهرة إسرائيلية – تماما إدانة القضاء اللبناني أحد أبرز معاوني عون بالاتصال بالاستخبارات الإسرائيلية.. بل وثق صلاته بعون، وسعى وما زال يسعى لتعزيز وضعه في السلطة وضمن البيئة المسيحية في لبنان.
وبالأمس، من دون التدخل في شأن هو بين أيدي القضاء، تتكشف أمور خطيرة في الاتهام الموجه إلى النائب والوزير السابق ميشال سماحة، المقرب جدا من الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي من حزب الله، واستطرادا من عون، والذي يتولى الدفاع عنه محام هو نجل اللواء جميل السيد، أبرز شخصيات ما عرف بـ«النظام الأمني السوري – اللبناني»، ثم إنه وفق «اعترافاته» الأولية اعترف بأن الجهة التي كلفته بمهمة التفجيرات التي أوقف بسببها.. اللواء علي المملوك، مدير مكتب الأمن الوطني في سوريا.
سماحة كان قد حذر قبل فترة من تخطيط «القاعدة» لتنفيذ تفجيرات داخل لبنان، إلا أن ما نسب إليه قوله أثناء التحقيق معه إن الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا وراء المهمة الموكلة إليه.
مجددا.. القرار الحاسم حول براءة سماحة أو إدانته يظل في أيدي القضاء، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، غير أنه يجوز للراصد، من وجهة نظر سياسية بحتة، الربط بين التهمة الموجهة إلى النائب والوزير السابق و«انسجامه» المصلحي والسياسي مع جهات تعتمد القمع والقتل و«التشبيح» والتهجير «لغة» للتحاور مع الآخرين.
ميشال سماحة، اليوم، بالنسبة لكثيرين مدان بالشراكة.. لأنه قريب من أصحاب نهج تفجيري وفتنوي لا يتورع عن تدمير النسيج الاجتماعي والفئوي للمنطقة برمتها.. إنه جزء من مشروع فاشي تسلطي يرفض الحوار.. ولا يعترف بالمجتمع المدني.
الشرق الأوسط
الثلاثاء
سماحة إلى المحكمة الدولية؟
فيما لا يزال الشاهد الأساس في قضية الوزير السابق ميشال سماحة متوارياً، عدّل الأخير إفادته لدى القضاء العسكري، مؤكداً أنه جرى استدراجه إلى كمين لفرع المعلومات، فيما ادّعى وكيلاه على اللواء أشرف ريفي والعميد وسام الحسن
أعاد تعديل النائب السابق ميشال سماحة، أمام القضاء العسكري، إفادته التي أدلى بها لدى فرع المعلومات، خلط أوراق التحقيق، ما دفع محاميه إلى توقع مفاجآت في القضية. فقد اتهم سماحة في جلسة الاستجواب الأولى أمام المحقق العسكري الأول القاضي رياض أبو غيدا فرع المعلومات باستدراجه عبر المخبر ميلاد كفوري الى كمين نصبه له الفرع، لافتاً إلى أنه «قال ما قال تحت الضغط النفسي». لكن سماحة لم يتراجع عن كامل إفادته الأولية، بحسب مصادر قضائية، مؤكداً أنه حصل على متفجرات، وكان الهدف منها وضعها على الحدود الشمالية لمنع تهريب المسلحين والسلاح عبر الحدود الى سوريا.
وكان أبو غيدا استهل الجلسة التي قسمت إلى جزءين، حضر وكيل الدفاع عن سماحة المحامي مالك السيد الجزء الأول والمحامي يوسف فنيانوس الجزء الثاني، بتلاوة ورقة الادّعاء. وبعد الاستماع إلى أقوال سماحة، رفع أبو غيدا الجلسة إلى يوم آخر يحدد لاحقاً، وسمح لسماحة بلقاء أفراد عائلته في مكتبه. وبعد الجلسة، أكَّد المحاميان السيد وفنيانوس أنَّ «التحقيق يسير بطريقة جيدة، وأنه إذا استمر على هذا النحو فهناك مفاجآت قد تتضح في الأيام المقبلة»، وتوقعا إطلاق سراح سماحة. كذلك ادّعيا على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ورئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن بتهمة تسريب معلومات التحقيق، مستندين إلى ما قاله وزير العدل شكيب قرطباوي عن مخالفة هذا التسريب للأصول. كذلك طلب المحاميان إجراء مقابلة بين موكلهما و«المخبر السري». وقد أوقف سماحة في سجن الشرطة العسكرية في الريحانية، علماً بأن ضغوطاً كانت تُمارس لنقله إلى سجن وزارة الدفاع.
هل يسلّم إلى المحكمة الدولية؟
من جهة ثانية، برزت أمس معطيات تشير إلى احتمال تحرّك مكتب المدّعي العام الدولي في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين، نورمان فاريل، باتجاه ما بات يعرف بـ«ملف ميشال سماحة»؛ فالمدعي العام في صدد إصدار إما تعديل للقرار الاتهامي أو قرار جديد يوسّع دائرة الاتهام، ويتوقع أن يتمّ ذلك في أواخر الشهر الحالي بعدما تقرّر التأجيل منذ الشهر الماضي لأسباب تتعلّق باستكمال بعض الاستقصاءات. ويستبعد أن تتضمن التعديلات أو القرار الجديد اسم سماحة، غير أن المواد المؤيدة الإضافية التي ستحال على قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين ستتضمن معلومات يمكن ربطها مباشرة بملف سماحة الموجود حالياً بيد القضاء العسكري. وأشارت مصادر قريبة من المحكمة الى أن رئيس فريق التحقيق في مكتب المدعي العام كان قد تابع مضمون تحقيقات فرع المعلومات من خلال تواصله مع العميد الحسن وبعض ضباط التحقيق التابعين له. وبالتالي، فإن إجراءات التبادل القضائي بين المحكمة الدولية والقضاء العسكري، التي يفترض أن تجري من خلال المدعي العام لدى محكمة التمييز بالإنابة القاضي سمير حمود، لن تستغرق كثيراً من الوقت، إذ إن المحكمة تعرف مسبقاً ما تريده من هذا الملف، وحدّدت جوانب الربط بملفات قضائية أخرى تدخل في اختصاصها.
أما أبرز المعطيات التي تشير الى احتمال تسليم سماحة الى المحكمة الدولية فهي:
أولاً، ضبط في منزل سماحة وفي مكتبه عدد من الحواسيب الثابتة والنقالة تتضمن العديد من الملفات التي تتناول التطورات والأحداث منذ عام 2004، ويرجّح أن تتضمن كذلك بعض التحليلات والأفكار التي جمعها سماحة بشأن هذه الأحداث، وتتناول قضايا جنائية من اختصاص المحكمة الدولية. وبالتالي، فإن وجود مجرد جملة واحدة توحي بعمل جنائي ما مرتبط بالجرائم ذات الاختصاص قد يسهّل تبرير طلب تسليمه الى مكتب المدعي العام في لاهاي بهدف التوسع في التحقيق.
ثانياً، العلاقات المميزة التي تربط سماحة بالقيادات العسكرية والاستخبارية السورية التي كان قد تركز تحقيق لجنة التحقيق الدولية بشأنها، وبالتالي يمكن أن يستند المدعي العام الدولي إلى تلك التحقيقات لربط بعض مضمونها بملف سماحة لطلب إحالته عليها.
ثالثاً، إن لسماحة علاقات مع حزب الله، وبالتالي فإن الإفادة المطلوبة منه دولياً تتعلق بما يفترضه خصوم سماحة تفاصيل التنسيق الأمني والاستخباري بين الحزب والجهات الرسمية السورية، ما قد يسمح بربط تحقيقات رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس بنتائج تحقيقات دانيال بلمار ونورمان فاريل.
من جهة أخرى، نوّه اللواء أشرف ريفي بعمل الحسن و«المخبر السري» الذي كشف قضية سماحة.
في غضون ذلك، تصاعدت حملة قوى 14 آذار على سوريا على خلفية قضية سماحة، مستبقة الحكم القضائي. ودعا رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل إلى إعادة النظر في نوعية التعاطي اللبناني الرسمي مع النظام السوري. ورأى «أن ما حصل يجب أن يوقف الاتفاقية الأمنية فوراً»، مشدداً على أن «المطلوب من مجلس الأمن، إضافة إلى مسؤولياته في الجنوب، أن يشمل القرار 1701 ووجود اليونيفيل في منطقة الحدود اللبنانية السورية».
الأخبار
صمتهم يصمُّ الآذان
اوكتافيا نصر
ثلاثة أسماء جديدة انضمّت إلى عالم الإرهاب مع اتهام الوزير السابق ميشال سماحة، ومدير الأمن القومي في سوريا وعميد في الجيش السوري، بالتخطيط لتنفيذ اغتيالات وزعزعة الاستقرار في لبنان. التهم الرسمية الموجَّهة إلى سماحة، إلى جانب الادّعاءات المروّعة التي سرّبتها وسائل الإعلام، خطيرة جداً: تهريب متفجّرات من سوريا بهدف اغتيال شخصيات دينية وسياسية لبنانية، والتحريض على العنف والفتنة بين أبناء البلد لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد، تهم مثيرة للصدمة ويصعب استيعابها.
في حين أن الأدلّة في حق سماحة تكاد تكون واضحة، فان التحقيق جارٍ الآن للإضاءة على تفرعات هذه المؤامرة الإرهابية وعلى خلفيات هذه “الخدمة” المقدمة للسلطات السورية وتكلفتها على لبنان واللبنانيين. تاريخ لبنان حافل بالاغتيالات، واللائحة تطول ولا سيما منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005. ليست جريمة سماحة موجّهة ضد بلاده فحسب. إنها جريمة شخصية أيضاً، ضد كل اللبنانيين أفراداً وجماعات. قُتِلت خيرة الأدمغة في لبنان بواسطة السيارات المفخّخة التي استُخدِمَت فيها عبوات مشابهة جداً لتلك التي عثر عليها في منزل سماحة، وربما كانت العبوات نفسها. على رغم أن أصابع الاتهام كانت توجَّه دائماً إلى سوريا وأنصارها في الداخل بعد أكثر الاغتيالات أو محاولات الاغتيال، أنكرت سوريا التهم دائماً. أما الآن مع ظهور الأدلة الجديدة، فسيكون من الصعب التهرّب من المسؤولية.
سوف يرغب اللبنانيون الذين فقدوا أصدقاء أو زملاء أو جيراناً أو أفراداً من عائلاتهم في العقود الماضية، في معرفة الحقيقة. سوف يطالبون بأجوبة. خسر لبنان رجالاً عظماء لمجرّد أنهم تجرّأوا على انتقاد الاحتلال السوري للبنان أو الامتناع عن دعمه: كانوا مفكّرين ومثقّفين وصحافيين وأشخاصاً مؤثّرين آمنوا بالحرّية وناضلوا من أجلها. ووقع أيضاً مارّة عاديون من مختلف مشارب الحياة ضحايا مخططات الكراهية التي هدفت إلى إسكات تلك الأصوات وترهيبها.
ليس مفاجئاً أن ميشال سماحة كان يخدم الأجندة السورية في لبنان. هذا كان اختصاصه، وهكذا عرفه عدد كبير منّا: يظهر على شاشات التلفزيون لمهاجمة أبناء وطنه الذين يؤيّدون خطاً سياسياً مغايراً لخطه، والدفاع عن سوريا ورئيسها وكأن حياته تتوقّف على ذلك. يسحب دفاتر ملاحظات من جيبه ليقرأ أسماء ويقدّم “أدلة” – أكثرها خاطئ ولا يحمل أي قيمة إلا أن هدفها الوحيد هو تحويل الانتباه عن سوريا. الآن بتنا نعلم ما كان وراء كل هذه التمثيليات التي أتقنها بشدّة. إنه متّهم بمخطّط تآمري شرّير ضد وطنه وشعبه. المفارقة هي أنها التهمة نفسها التي غالباً ما كان يوجّهها بوقاحة إلى الآخرين.
يتنفّس كثر الصعداء لأن ميشال سماحة أوقف واتهم وهو يخضع الآن لتحقيق دقيق. المقلق هو أننا لا نعرف ما هو عدد الأشخاص الذين ينفّذون مثله أوامر سوريا أو أي بلد أجنبي آخر بهدف إلحاق الأذى بلبنان المغلوب على أمره. كم من الأشخاص يستخدمون مكانتهم السياسية والديبلوماسية لتهريب مزيد من المتفجّرات والأسلحة مدفوعين بالهدف نفسه، ألا وهو زرع الفوضى لتحويل الأنظار عن المشكلات التي يتخبّط فيها الآخرون؟
إن كان سلوك ميشال سماحة يحمل من مؤشّر، فعلينا البحث عن السياسيين الكثيري الصراخ والبغيضين الذين يحبّون توجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين لكنهم لا يفعلون شيئاً لوطنهم. فلنبحث عمّن يبدون مرتاحين جداً في إطلاق اتهامات لا أساس لها من الصحة، فيصفون خصومهم بمختلف النعوت ويعتمدون خطاباً فظاً بلا تحفّظ بدل الحجج السليمة. فلنبحث عمّن لا يفوّتون فرصة للدفاع عن دولة أجنبية في وجه أبناء وطنهم. ويحلو لهم عادةً أن يصفوا كل من يختلف معهم في الرأي بـ”الكاذب” و”الخائن” إلى جانب سلسلة من التوصيفات التحقيرية التي تحوّلت كليشيهات. وغالباً ما يستخدمون نعوتاً مهينة، وأحياناً بذيئة وغير مناسبة للنشر، في حق خصومهم.
حالياً تلزم تلك الأصوات الصمت. ولعل السبب هو أن الحقيقة، لسوء حظهم، ساطعة لا يرقى إليها الشك، ولا يمكن قول أو فعل أي شيء لتغيير مسار الأمور. ربما كانوا في استراحة كي يتشاوروا في ما بينهم ويستعدّوا لشن هجوم مضاد. ولكن ثمة أمر واضح: صمتهم يصمّ الآذان.
النهار
الثلاثاء
سماحة: الوزير اللبناني المهرّب
رأي القدس
يعيش لبنان هذه الايام حالة من التوتر والقلق تختلف عن جميع حالاته المماثلة. فليس هناك ما يخيف اللبنانيين، او اي شعب آخر اكثر من عمليات الاغتيال، واللبنانيون الذين عاشوا مع هذا الكابوس لاعوام طويلة، وتعايشوا معه مكرهين هم الاكثر خبرة في هذا المضمار.
الصدمة الكبرى التي يعيشها لبنان هذه الايام وتحتل معظم شاشاته التلفزيونية، تتمثل في القاء القبض على الوزير السابق ميشيل سماحة متلبسا بتهريب عبوات ناسفة وصواعق من دمشق الى بيروت لاستخدامها، حسب ما هو معلن، في تنفيذ عمليات اغتيال لسياسيين لبنانيين في المعسكر المناهض لسورية وما اكثرهم هذه الايام.
المعلومات تقول ان الرجل كان يحمل هذه المتفجرات والصواعق في صندوق سيارته. وكان عائدا لتوه من زيارة الى العاصمة السورية، وانه اعترف بذلك، وجرى احالة قضيته هذه الى القضاء العسكري.
السيد سماحة كان معروفا بدفاعه الشرس عن النظام السوري من منطلق عروبي، حتى انه كان الاكثر ظهورا على شاشات التلفزة السورية طوال السنوات العشر الماضية تقريبا، وقيل انه كان يكتب خطابات الرئيس بشار الاسد، او يشارك في كتابتها.
هناك سؤالان ملحان لا بد من طرحهما، ومحاولة البحث عن اجابات صريحة وواضحة عنهما:
‘ الاول: الاسباب التي دفعت السيد سماحة، ومن ثم دمشق الى حمل هذه المتفجرات في سيارته، والحدود مفتوحة بين لبنان وسورية، وهناك اناس من اجهزة المخابرات السورية والموالية لسورية متخصصة في هذه المسألة؟
‘ الثاني: الاسباب التي دفعت الحكومة اللبنانية الى الاقدام على هذه الخطوة الخطيرة التي تحرج جارها السوري. وتثير غضبه، في مثل هذا الظرف غير العادي للبلدين حيث يبلغ التوتر مداه، والاستقطاب السياسي والطائفي ذروته؟
لبنان مليء بالمتفجرات والصواعق. وحلفاء سورية كثر، ابتداء من حزب الله ومرورا بالحزب القومي السوري، وانتهاء بحركة امل، ولا ننسى بعض المنظمات الفلسطينية التي لها قواعد في المخيمات اللبنانية ومعروفة بولائها لسورية مثل الجبهة الشعبية القيادة العامة بزعامة احمد جبريل، ونعني بذلك ان سورية ليست بحاجة الى تهريب اسلحة عبر السيد سماحة، لان الاسلحة والمتفجرات موجودة وبكثرة اكثر من اللازم.
تفجير الحكومة اللبنانية لهذه المفاجأة، ودعم الرئيس ميشيل سليمان لهذه الخطوة جاء مفاجئا اكثر من هذه المفاجأة نفسها، فقد جرت العادة ان تتجنب هذه الحكومة اي خطوة من شأنها احراج الجار السوري لانها تعرف النتائج التي يمكن ان تترتب على ذلك.
نحن لا ندافع هنا عن السيد سماحة، ولا نشكك مطلقا بالاجراءات القضائية للسلطات اللبنانية، فقد علمتنا التجارب الاليمة السابقة ان كل شيء جائز في لبنان، خاصة عندما يتعلق الامر بالاغتيالات والاختراقات الامنية.
هناك من يقول بان سورية ربما ارادت من وراء استخدام سيارة السيد سماحة لتهريب متفجرات ان لا تتحرك عبر قنوات حلفائها، لتجنب احراجهم اولا، وحفاظا على السرية، ويذهب هذا البعض الى ما هو ابعد من ذلك ويقول ان بعض المستهدفين بالاغتيال ربما يكونون من هؤلاء الحلفاء لخلط الاوراق، وجر البلاد الى عمليات اغتيال مضادة ايضا.
كل التكهنات واردة حول هذه القضية الساخنة، ولا يمكن الجزم باحداها او نفي اخرى، فلبنان غابة من المؤامرات والاغتيالات والغرف السوداء، ولهذا نفضل ان نتريث قبل اطلاق اي احكام مسبقة، لان القضية الآن باتت امام المحكمة، وثانيا لان الرجل، ومثلما سمعنا امس، تراجع عن اعترافاته.
لبنان هو ابو الالغاز وامها، ولا شك ان قضية السيد سماحة تضيف لغزا جديدا لا يقل تعقيدا عن لغز اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.
القدس العربي
ميشال سماحة… من الصعود إلى السقوط؟
هناك صورة في جريدة «النهار» في عددها الصادر في التاسع من ايار- مايو 1976. في تلك الصورة، ظهر ميشال سماحة، الذي كان لا يزال عضوا فاعلا في حزب الكتائب اللبنانية يحمي بجسده الشيخ أمين الجميل لدى ترجله من سيارته من نوع «رينج روفر» لحضور جلسة انتخاب الياس سركيس حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) رئيسا للجمهورية. بدا ميشال سماحة، أو «ابو الميش» كمّا يسميه اصدقاؤه ومحبوه، من خلال الصورة، كأنه مجرد مرافق من مرافقي نائب منطقة المتن الشمالي والنجل الاكبر للشيخ بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب. كان وقوفه عند الباب الامامي للسيارة لحماية أمين الجميّل بصدره دليلا ساطعا على مدى وفاء من اصبح بعد ذلك، نائبا ووزيرا على تناقض تام مع الفكر الكتائبي ومع كلّ ما يمثله ويرمز اليه آل الجميل وبيتهم القديم في بلدة بكفيا.
التقطت الصورة في الثامن من ايار- مايو 1976 في ساحة البرلمان الموقت في بيروت يوم انتخاب الياس سركيس رئيسا للجمهورية اللبنانية، وذلك قبل خمسة اشهر من نهاية ولاية الرئيس سليمان فرنجية الذي تحوّل طرفا في الحرب الداخلية الدائرة في لبنان.
جرت الانتخابات الرئاسية المبكرة في وقت كانت القذائف تنهمر على المكان الذي انعقدت فيه جلسة لمجلس النواب خصصت للاتيان برئيس للجمهورية. كانت هناك حاجة الى رئيس جديد بعدما قاطع المسلمون اللبنانيون باكثريتهم الساحقة سليمان فرنجية الذي اضطر الى الهرب من قصر بعبدا الرئاسي والاقامة في بلدة الكفور الكسروانية حيث لا وجود سوى للموارنة…
كيف انتقل ميشال سماحة من كتائبي قحّ، أي مسيحي متعصّب للبنان، ثم رئيس لمصلحة الطلاب في الحزب الى احد ممثلي النظام السوري في لبنان، بل احد المنظرين للوجود السوري في البلد والمدافعين عن كل ما يقوم به السوريون أو حلفاؤهم، بمن في ذلك «حزب الله» الذي لا يرى فيه اللبنانيون سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني؟
الذين يعرفون ميشال سماحة عن قرب ومنذ زمن طويل يقولون ان الرجل الذي اعتقلته الاجهزة الامنية قبل ايام، بعدما سجلت بالصوت والصورة تورطه في عملية تسليم متفجرات واموال بهدف تنفيذ عمليات ارهابية في الشمال اللبناني، بهدف اثارة فتنة سنّية- مسيحية، تحوّل اسيرا للمخابرات السورية.
حصل ذلك على دفعات. ولكن في اساس التحوّل شعور ميشال سماحة ان هناك حدودا لا يستطيع تجاوزها ما دام عضوا في حزب الكتائب الذي شعاره «الله، الوطن، العائلة». كان عليه اثبات ولائه للعائلة كلّ يوم خصوصا انه من قرية الخنشارة التي لا تبعد سوى خمسة كيلومترات عن مسقط راس آل الجميّل في بكفيا.
في البداية، عندما اكتشف ميشال سماحة ان انتماءه للحزب، بتأثير من والدته قبل ايّ شيء آخر، يرسم له خطوطا حمر لا يستطيع تجاوزها، لجأ الى حماية كريم بقرادوني، الاكبر منه سنّا، والذي كان منضويا تحت جناح يمثلّه الشيخ موريس الجميّل، وهو ابن عمّ بيار الجميّل. كذلك، كان بيار الجميل متزوجا من شقيقة موريس السيدة جنفياف والدة امين وبشير الجميّل.
كان موريس الجميّل نائبا عن المتن، فيما بيار الجميّل نائبا عن بيروت وقد وجد بعض شباب الحزب ضالتهم في الشيخ موريس الذي كان يمتلك فكرا سياسيا متقدما مبنيا على فكرة تحقيق العدالة الاجتماعية. انضم ميشال سماحة، الشاب الطموح، الى مجموعة موريس الجميّل الذي توفي في العام 1970.
بعد 1970، لجأ ميشال سماحة بمعية كريم بقرادوني، الى الانضواء تحت جناح امين الجميّل الذي خلف خاله موريس نائبا عن المتن. اثر ذلك، راحا يبحثان عن طريق خاص بهما. فقد اكتشف بقرادوني، الارمني، وسماحة الكاثوليكي، ان على كلّ منهما ان يرسم مستقبله على طريقته. ما لبث بقرادوني ان انضمّ لاحقا الى فريق بشير الجميّل مع صعود نجم الاخير. اما سماحة، فقد اختار طريق الاجهزة اللبنانية التي تلقفته باكرا في اثناء وجوده في الجامعة اليسوعية في بيروت حيث درس ادارة الاعمال.
في مرحلة ما قبل اندلاع الحرب في لبنان في نيسان- ابريل 1975، بقي ميشال سماحة قريبا جدا من كريم بقرادوني، لكنه كان ايضا قريبا جدا من الاجهزة اللبنانية التي شاركت في الدفع في اتجاه الصدام مع المسلحين الفلسطينيين بتشجيع سوري. بعد ذلك افترقا موقتا ثم التقيا عند الاجهزة السورية في مرحلة ما بعد اغتيال بشير الجميّل في الرابع عشر من ايلول- سبتمبر 1982.
ما اخذ ميشال سماحة الى سورية، الاجهزة الامنية اللبنانية اوّلا، ثم علاقته برجل اعمال سوري، كان مقيما في لبنان قبل ان ينتقل الى لندن ومنها الى باريس حيث استقر نهائيا. جمع رجل الاعمال هذا، وهو مسيحي، ثروة كبيرة من خلال تجارة النفط.
وبدأ التعاطي بالنفط عبر شركة اسسها عدنان خاشقجي، رجل الاعمال السعودي الذي كان في مرحلة ما مليارديرا. والذي اسهم في ثراء رجل الأعمال السوري والذي ما لبث، بسبب مصالحه الشخصية، ان انتقل من تأييد البعث العراقي الى احد رجال النظام السوري في فرنسا. هناك اغنياء البعث مثلما هناك اغنياء الحرب. كان رجل الاعمال السوري المغرم بالسياسة والاعلام هذا احد هؤلاء.
في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، اصبح ميشال سماحة رجلا معترفا به في لبنان بصفة كونه على علاقة بأطراف عربية واوروبية واميركية عدة. اختار في الواقع طريقه بعدما صار من اللصيقين برجل الاعمال السوري الذي قرّبه من الاجهزة الفرنسية.
حاول امين الجميّل في بداية عهده في العام 1982 الاستفادة من العلاقات السورية لميشال سماحة. اكتشف فجأة ان الرجل مرتبط بالسوريين اكثر بكثير مما يجب ولا يصلح باي شكل للعب دور الوسيط. اكثر ما اكتشفه امين الجميّل انه لم تعد لميشال سماحة اي علاقة بحزب الكتائب وفكره. وفي السنة 1985، تبيّن ان ميشال سماحة ممثل للنظام السوري في لبنان وانه ليس سوى اداة من ادواته. فقد دعم الاتفاق الثلاثي الذي ارادت دمشق فرضه في لبنان بعدما استوعبت ايلي حبيقة القائد الجديد لـ «القوات اللبنانية» الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة محسوبا على الاسرائيليين.
ترك ميشال سماحة لبنان بعد فشل النظام السوري في فرض الاتفاق الثلاثي الذي كان يعني اول ما يعني الانتهاء من رئاسة امين الجميل قبل انتهاء ولايته في العام 1988. وخلال وجوده في فرنسا، انصرف ميشال سماحة الى تعزيز علاقته بالنظام السوري، خصوصا بالعماد حكمت الشهابي رئيس الاركان واحد اهم رجالات النظام في عهد حافظ الاسد. تحوّل ميشال سماحة الى ضابط الاتصال بين المخابرات الفرنسية والمخابرات السورية بدعم من الشهابي. ومع حلول السنة 1989 وتوقيع اتفاق الطائف، عاد ميشال سماحة الى بيروت حيث تولّى وزارة الاعلام مرتين كما انتخب نائبا عن المتن لدورة واحدة.
في السنة 2000، نقل ميشال سماحة ولاءه من حكمت الشهابي الى بشّار الاسد الذي كان يستعد لخلافة والده (حصل ذلك في شهر حزيران-يونيو من تلك السنة). اضافة الى ذلك، كان بشّار يعتبر نفسه في مواجهة مع الثلاثي حكمت الشهابي- عبدالحليم خدّام- غازي كنعان.
عرف ميشال سماحة، بدعم من صديقه رجل الاعمال السوري، من اين تؤكل الكتف. وكوفئ على انضمامه في الوقت المناسب الى فريق بشّار بان اصبح مسؤولا عن جزء من عملية تلميع صورة النظام في اوروبا والولايات المتحدة عن طريق شبكات اقامها في باريس وصحافيين اميركيين مرموقين اقام علاقات من نوع معيّن معهم. اصبح جزءا لا يتجزأ من آلة النظام السوري، خصوصا في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. دفع ذلك بالاميركيين الى فرض عقوبات عليه على غرار العقوبات التي فرضت على عدد من كبار المسؤولين السوريين.
ما نشهده حاليا بداية النهاية السياسية لشخص لم يعرف ان هناك حدودا لا بدّ من التوقف عندها. لم يعرف حتّى ان هناك حدودا للانتهازية. مثلما حاول في العام 1976 حماية امين الجميّل بجسده وصدره، ها هو في السنة 2012 يسعى الى عمل كل المطلوب منه، لعلّ وعسى يجد النظام السوري مخرجا لبنانيا لازمته… حتى لو كان عنوان هذا المخرج فتنة مسيحية- سنّية في شمال لبنان!
كان ميشال سماحة رجل المبالغات بامتياز. يبدو ان مبالغته الاخيرة ستودي به، خصوصا انه لم يدرك ان زمن النظام السوري قد فات…
ميشال سماحة أو ميشال عون… الدور أهمّ من الاسم!
خيرالله خيرالله
الاسم ليس مهمّا. المهم الدور والقبول بلعب الدور المطلوب وفق الشروط المحددة. كان يمكن ان يكون اسمه اسما آخر غير ميشال سماحة. كان يمكن ان يكون اسمه ميشال عون او ايلي حبيقة، لو بقي الاخير حيا يرزق. كذلك كان يمكن ان يكون اي عنصر في الحزب السوري القومي الاجتماعي وما شابه ذلك. الاسماء ليست مهمة. المهم الدور المكلف بان يلعبه هذا المواطن المسيحي او ذاك في خدمة سياسة سورية تجاه لبنان مستمرة منذ ما يزيد على اربعة عقود، اي منذ كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع السوري بين 1966 و1970.
تقوم هذه السياسة، الحاقدة على لبنان وعلى كلّ نجاح لبناني تماما مثل حقدها على السوريين وكلّ نجاح سوري، على عنوان واحد. هذا العنوان هو الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على اسرائيل. هذا كلّ ما في الامر. يتغيّر الاشخاص وتبقى السياسة السورية المتبعة تجاه لبنان ذاتها. المهمّ في كلّ وقت ان يكون المسيحيون منقسمين على انفسهم. من لديه ادنى شك في ذلك، يستطيع العودة الى الجهود التي بذلها النظام السوري على نحو مباشر وعبر ادواته في العامين 1989 و1990 من اجل اشعال الاقتتال المسيحي- المسيحي بين الألوية التي كانت بإمرة قائد الجيش وقتذاك ميشال عون من جهة، و«القوات اللبنانية» التي كانت لا تزال ميليشيا حزبية من جهة اخرى.
هل من يتذكّر ان عون، الذي كان يعتبر نفسه عدوّا لحافظ الاسد وحليفا لصدّام حسين، صار يتلقى دعما من الحزب السوري القومي ومن ايلي حبيقة وآخرين (ذخائر ووقود) لمجرد انه كان مطلوبا منه اطالة الحرب مع «القوات» والحاق اكبر ضرر ممكن بالمناطق المسيحية خصوصا وكلّ لبنان، بمسيحييه ومسلميه، على وجه العموم؟
من المفيد دائما العودة قليلا الى خلف واستعادة احداث معينة للتأكد من انه كان الرهان السوري دائما على تفتيت لبنان عن طريق وسائل عدة. بين هذه الوسائل شخصيات مسيحية متعطشة الى السلطة والى ادوار تلعبها بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه اللبنانيون.
كان هناك دائما استعداد سوري لاحتضان اي مسيحي او اي لبناني على استعداد للعب دور الاداة. من كان يصدّق يوما ان دمشق ستفتح ابوابها لإيلي حبيقة الذي كان في الامس القريب عند الاسرائيليين؟ من كان يصدّق ان شخصا مثل ميشال سماحة، لا يؤمن بأيّ حرف من اي كلمة ينطق بها، سيكون في يوم من الايام اهمّ شخصية مسيحية لبنانية بالنسبة الى السوريين واحد مفاتيحهم في باريس؟ لا يمكن بالطبع المرور مرور الكرام على ميشال عون الذي حاول ان يبزّ اي لبناني آخر في الانبطاح امام السوري معتقدا انه لا يزال لديه امل في ان يصبح يوما رئيسا للجمهورية…
لا داعي الآن الى اعادة سرد قصة الرئيس الراحل سليمان فرنجية مع النظام السوري واغلاق دمشق الحدود مع لبنان في ايّار- مايو من العام 1973 اثر تحرّك الجيش اللبناني من اجل السيطرة على المخيمات الفلسطينية ومنع التمدد المسلح خارجها.
وقتذاك، كانت تلك هي السياسة الحكيمة التي تحمي الفلسطينيين كما تحمي السلم الاهلي في لبنان. ولكن ما العمل عندما يكون هناك في دمشق من يتطلع الى استخدام السلاح الفلسطيني في لبنان من اجل اشعال حرب اهلية يقتل فيها المسيحي المسلم والمسلم المسيحي…ارضاء للطموحات السورية!
كذلك لا داعي الى استعادة الجريمة البشعة المتمثلة في اغتيال طوني سليمان فرنجية وافراد عائلته لترسيخ الشرخ بين المسيحيين وتسهيل وضع اليد السورية على لبنان.
لكلّ جريمة في لبنان قصة طويلة. لكلّ طائفة ومدينة ومنطقة لبنانية قصتها مع النظام السوري الذي سهّل عملية وضع اليد الايرانية على الطائفة الشيعية وسعى في كلّ يوم الى الانتقام من اهل السنّة الذين كانوا دائما شغله الشاغل، حتّى قبل ان يرفعوا شعار «لبنان اوّلا» وقبل ان يتبيّن ان رفيق الحريري لم يمت بوجود سعدالدين رفيق الحريري رافع راية الحرية والسيادة والاستقلال. انّه سعد الدين رفيق الحريري الذي يؤكد في كلّ دقيقة ان لبنان العربي السيّد الحر المستقل يقاوم كلّ انواع الاحتلالات والوصايات…
لا داعي اخيرا لاستعادة قصة الدروز مع النظام السوري بدءا باغتيال كمال جنبلاط وصولا الى اجبار وليد جنبلاط على دخول حكومة «حزب الله» برئاسة نجيب ميقاتي بعدما باتت كلّ قرية وبلدة درزية مهدّدة!
مرّة اخرى، ميشال سماحة ليس مهمّا وذلك بغض النظر عن كل خدماته للنظام السوري. المهمّ ان هناك مرحلة جديدة في لبنان. كان توقيف ميشال سماحة بعد توجيه سلسلة اتهامات خطيرة اليه دليلا على ان النظام السوري انتهى. ما حصل ليس نهاية ميشال سماحة او ميشال عون لا فارق. ما حصل نهاية سياسة قائمة على فكرة تفتيت لبنان والقضاء عليه والحاقه بالنظام السوري العاجز عن السلم او الحرب… مع اسرائيل. انها باختصار سياسة الهروب المستمر الى امام. انها سياسة تتجاهل ان ازمة سورية ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته، سياسة تبحث عن انتصارات وهمية عن طريق اشخاص مرضى لا يعرفون شيئا عن تاريخ المنطقة.
هؤلاء لا يعرفون، على سبيل المثال ان الانتصار على لبنان ليس بديلا من الانتصار على اسرائيل وان مصير انظمة دموية تراهن على مثل هذا النوع من الانتصارات هو مزبلة التاريخ ولا شيء آخر غير ذلك… والبقية تفاصيل واسماء لا قيمة لها وادوار اقلّ ما يمكن ان يقال عنها انها انتهت وآن اوان نزول الذين ادوها عن خشبة المسرح!
الرأي
ميشال سماحة: إذا ثبتت التهم
سامر فرنجيّة
أحدثت قضية توقيف النائب والوزير السابق ميشال سماحة صدمةً في الحقل السياسي اللبناني، قد لا يستفيق منها. فللمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث، بخاصة تاريخ ما بعد الحرب الأهلية، يُتّهم سياسي لبناني ومن ورائه النظام البعثي بتهمة «تأليف عصابة بقصد ارتكاب الجنايات علـــى الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها ومحاولة القيــــام بأعمال إرهابية بواسطة عبوات ناسفة ومتفجرات، بقصد اغتيال شخصيات سياسية ودينية في لبنان وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية»، كما جاء في ادعاء النيابة العسكرية.
إذا ثبتت التهم، ستكون المرة الأولى التي تتضح فيها من دون التباس هوية الفاعل في لبنان اتضاحاً قد لا يتحمّله نظام قام على الالتباس والتعميمات. هكذا سوف تسقط مقولات التعميم، كـ «الأمن السياسي» و «الطائفية» و «نظريات المؤامرة» من دون متآمر وشتّى أنواع «الطابور الخامس» و «الأيادي السود» العابثة بالأمن وغيرها من تعابير يجمعها منطق واحد هو تمويه هوية الفاعل ليصبح القتل شيئاً طبيعياً، لا يحاسب عليه الفاعل المجهول. ومع سقوط تلك المقولات، سيضطر النظام لمواجهة أحد مخاوفه الأساسية، أي الوضوح والمسؤولية، ما يمكن أن يفتح باباً جديداً في طريقة تعامله مع أفعال أركانه.
أهمية الاتضاح توازيها أهمية هوية الفاعل. فللمرة الأولى، لدينا فاعل خطّط وتآمر وكاد أن ينفّذ، فاعل من «عظام رقبة» الطبقة السياسية، لا يمكن تجهيله كدخيل إسرائيلي أو «شيطان» إسلامي أو عميل أجنبي لا علاقة للنظام السياسي به. كما أنه، إذا ثبتت التهم الموجهة للنظام السوري، ستكون تأكيداً قضائياً لما كان يتوقعه كثيرون عن دور النظام البعثي في العنف اللبناني. فتحوّل الموقف من نظام الأسد بعد توقيف سماحة، من موقف سياسي يمكن الاختلاف عليه، إلى واحد قضائي ووطني، لم يعد الالتباس فيه مقبولاً. فالوقوف مع النظام السوري يعني اليوم الوقوف مع التفجيرات والقتل واثارة النعرات الطائفية. وهذا ما يتخطى السياسة ليصبح تعريفاً للخيانة العظمى.
هنا، لا ممانعة أو مقاومة يمكن أن تبرر دعم ذاك النظام. انها مقاومة ثمنها قتل الشعبين السوري واللبناني حفاظاً على العائلة الحاكمة.
وإذا صحّت الاتهامات، سيواجه حلفاء سورية في لبنان تحدياً، قد يكون مميتاً. فللتهم الموجهة لسماحة والمملوك، لا سيمـــا إثارة النعرات الطائفية عبر زرع عبوات في مناطق احتكاك سنيـــة-علوية أو على طريق موكب البطريرك الماروني، دلالات مهمـــة، على أصحاب مقولة «تحالف الأقليات» الوقوف عنــــدها. فما يظهر من بيان الادعاء أن هذا النظام المجرم كان على وشك التضــــحية بأبناء الطوائف التي دعمته، وما زالت تدعمه، خوفاً مــــن البديل، ما يطرح سؤالاً حيال هذا الدعم. وهنا، كان الأجدى ببطريرك الروم الملكيين الكاثوليك أن يستنكر المخطط بدل أن يستوقفه «عدم احترام حرمة البيت»، في استعراض للطائفية أصبح أشبه بالانتحار منه دفاعاً عن أبناء الكنيسة.
يصطدم الوضوح الناشئ عن توقيف سماحة بالتباس آخر اسمه «قوى ٨ آذار». فلتلك القوى هويتان. الأولى سياسية طائفية، أساسها التمثيل الشيعي والمسيحي، المغطّى بسياسة الممانعة والمتحالف سياسياً مع النظام السوري. أما الهوية الثانية، التي بقيت في الظل، فذات طابع إجرامي، يستغل القتل من أجل السيطرة السياسية، على ما اتهمتها قوى ١٤ آذار. وقد بقي تحالف «حزب الله» يلعب على هذا الالتباس، مستفيداً من القتل الذي يطاول أخصامه، ومستعملاً العنف حيناً أو مبرره حيناً آخر. بيد أن ذاك الالتباس لم يعد ممكناً بعد اليوم، إذ تلك القوى مُطالَبة بتوضيح موقفها ليس فقط من سماحة بل من النظام الذي أرسله إلى لبنان، كما أنها مُطالبة بإنهاء هذا الالتباس مع ما يتضمّنه التوضيح من بتر علاقات أمنية من هنا ورفع غطاء سياسي من هناك.
النظام السياسي اللبناني، بخاصة قوى ٨ آذار، أمام تحد يصعب الهروب منه. فهناك توضيحات مطلوبة من شتى الأفرقاء، لم يعد من الممكن تجاهلها. وضخامة هذا الحدث وما سيعقبه من تطورات يفتحان الباب أمام احتمالين: أن تكون تلك القضية بداية مخرج لمآسي هذا النظام، أو بداية النهاية، إذا استمر بعضهم وكأن شيئاً لم يحدث.
وهذان الاحتمالان رهن تأريخ هذا الحدث. فللحدث تاريخان على رفاق سماحة أن يختاروا بينهما. الأول هو ١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٥. واتهام سماحة، إذا ثبتت التهم، يؤكد الشكوك بأن بعضاً من ٨ آذار يقف وراء عمليات القتل والإرهاب، مما يعني انتهاء التعاطي السياسي مع تلك القوى، وبداية مرحلة عزل المجرمين. إن الدفاع عن سماحة أو النظام السوري، أو عدم نبذهما، يعني تبنياً رسمياً للقتل من قبل تلك القوى، ما لا يمكن أن يقابله إلا العزل والنبذ والطرد من السياسة. غير أن تاريخاً آخر ممكناً لحادثة سماحة، وهو ١٥ آذار (مارس) ٢٠١١، أي تاريخ انطلاق الثورة السورية. فلدى «حزب الله» فرصة، قد تكون الأخيرة، للابتعاد عن نظام الأسد والقيام بتسوية داخلية تقتضي مقايضة النظام البعثي وامتداداته الداخلية بطي صفحة الماضي.
وشروط تلك التسوية إثنان: الأول انهاء مشروع «حزب الله» وتحوله أحد ممثلي الطائفة الشيعية وانخراطه في اللعبة اللبنانية. أما الثاني، فهو القبول بتحويل النظام البعثي كبش فداء لإنهاء دوران العنف في لبنان، والتضحية به لبداية ترميم المجتمع اللبناني.
بين هذين التاريخين، يقع مستقبل لبنان. فإذا ثبتت التهم، انتهت قوى ٨ آذار سياسياً، بعدما انتهت إصلاحياً مع الحكومة الحالية وأخلاقياً مع خطاب «رفاق السلاح» وتنظيمياً بعد حفلات الرشق بالحجارة وقطع الطرق المتبادل، وإن كان شكل هذا الانتهاء غير واضح بعد. المضمون حتمي، أما شكله، ففي يد الأمين العام لـ «حزب الله»، الذي سيقرر ما إذا كان سيختار الحرب الأهلية دفاعاً عن «رفاق السلاح» أو التسوية الداخلية دفاعاً عن مجتمعه وإخراجاً لخسارته.
لقد أخذ الربيع العربي أشكالاً مختلفة في كل من البلدان التي طاولها. وفي لبنان، سيكون شكله قضائياً مع بداية فضح مسلسل الإجرام الذي طاول هذا البلد منذ سنوات. وكما في ليبيا ومصر وتونس وسورية، امام من يواجه هذا الربيع خياران: إما الحرب وإما الإنشقاق. فهل ينشق حسن نصرالله عن ميشال سماحة؟
الحياة