صفحات العالم

مقالات تناولت ترشيح الأسد لنفسه لدورة رئاسية جديدة

 

سوريا: الانتخابات أعلى مراحل الجريمة؟
رأي القدس
انطلقت أمس حملة الرئيس السوري بشار الأسد الانتخابية التي يتنافس فيها مع مرشحين ديكوريين لن يتذكر أحد اسميهما بعد اعلان نتيجة ‘الانتخابات’ المعروفة سلفا والتي ستكرس ‘انتصاراً’ جديداً للأسد على ناخبيه من الشعب السوري، بحيث يضاف فوزه هذا الى قائمة الكارثة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
فتحت شعار ‘سوا’ الذي اطلقته حملة الأسد الانتخابية سيفكر السوريون بمئات آلاف القتلى والمعاقين وملايين النازحين ومئات المدن والبلدات والقرى التي طحنها ‘المرشّح’ للرئاسة بالأسلحة الكيميائية وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة (الأقل كلفة والأوسع تدميراً للبشر والحجر) وقذائف المدافع والدبابات وصولاً الى سواطير الذبح وأدوات التعذيب لقطع الألسن والأعضاء والرقاب.
صندوق التمديد لبشار الأسد سيذكّر السوريين بمئات الأطفال النائمين كالملائكة بعد أن قتلتهم غازات النظام السامة، وشكله سيذكرهم بالبرميل المتفجر الذي يقع على رؤوسهم ويمسح أقاربهم وأحبابهم عن وجه البسيطة، كما سيذكرهم بخطف واعتقال وتعذيب واغتصاب فتياتهم وفتيانهم، وبالذلّ والمهانة اللذين يعاني منهما السوريون حيثما حلّوا ورحلوا في بلاد العرب والأجانب.
ما يميّز هذه الانتخابات هو أن أكثر من نصف الشعب السوري مخصومون منها ولن يسعدوا بالمشاركة فيها، لأنهم، على حدّ ما فسّرت إحدى الناطقات باسم السلطات السورية مرّة، ‘ذهبوا’ ليزوروا أقاربهم في تركيّا… والأردن، ولبنان، والعراق، وصولاً الى أقصى (وأقسى) بقاع الأرض والسماء والبحار. زوّار أقاربهم أولئك يتحمّلون إذن وزر حرمانهم من التصويت للرئيس لأنهم، على حد قوله، ‘حاضنة شعبية’ للمعارضة.
أما النصف الآخر، وهم الرهائن، سواء كانوا ساكتين على قتل وطنهم او مشاركين فيه، فقد بدأ تحشيدهم، على حد تعبير تقارير النظام، في مختلف المناطق ‘دعماً للجيش وتأييداً للثوابت الوطنية والاستحقاق الدستوري لانتخابات الرئاسة’، بحيث جاء التأكيد، المرة تلو المرة في هذه التصريحات، على أولوية الجيش، وهو الذي تحوّل إلى أداة للقتل المعمم، وعلى صراعه مع ‘التكفيريين الارهابيين’، للتأكيد أن هذه الانتخابات ليست غير الخضوع التام لرغبة الغلبة والهيمنة وكسر الارادة السورية التي عبّرت عن نفسها بالثورة الشعبية ضد النظام عام 2011.
وسائل الاعلام تحدثت أن الحشود التي عبرت عن دعمها للجيش والرئيس كانت في ‘مختلف المناطق’، لكن التقارير لم تذكر غير ثلاثة منها هي: بانياس، وطرطوس، واللاذقية، وهي المناطق المنكوبة بولائها للنظام الذي يعتبرها ‘حاضنته الشعبية’ والتي لم يوفّر من مقتلته العمومية للشعب السوري، عائلة من عائلاتها، فهي كانت وسيلته الأساس للحفاظ على كرسيه، ووقوده لقتال المعارضة السورية تحت أسماء جيش الدفاع الشعبي والجيش العربي السوري وغيرها، مؤسساً بذلك لكراهيات هائلة على أسس اثنية ومناطقية وطائفية، في استهداف لعمق نسيج الشعب السوري، ولثوابته الوطنية التي يتغنى بها، بشكل غير مسبوق في التاريخ.
مقابل الحشود الروبوتية التي يبرمجها النظام رد النشطاء السوريون على حملة الأسد بحملة مقابلة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان ‘انتخابات الدم’، وهو وصف بليغ لا مزيد عليه!
اسرة التحرير
القدس العربي
لكنْ ماذا عن سورية التاريخ؟/ محمد مشموشي
من حق السوريين، لا سيما عشية الانتخابات الرئاسية المقررة في بلدهم يوم 3 حزيران (يونيو) المقبل، أن يطرحوا الأسئلة التي لا تخصهم كأفراد وجماعات يتعرضون للقتل والاعتقال والتهجير بيد نظامهم منذ أكثر من ثلاث سنوات (ملّوا هذا النوع من الأسئلة)، بل تلك التي تتعلق ببلدهم، خصوصاً منها ما يتصل بحاضر هذا البلد ومستقبله السياسي والوطني وربما حتى وحدة كيانه الجغرافي.
ذلك أنهم، وقد أضحوا مشردين في أرضهم وفي الخارج على مذبح تمسك رئيس نظامهم بشار الأسد بالسلطة أياً كانت الأثمان، لا تعنيهم فقط دماء قتلاهم وآلام معتقليهم وأوجاع نازحيهم الذين يعيشون في العراء، انما أيضاً واقع أن البلد الذي كان وطناً لهم بات ساحة مفتوحة للقوى الخارجية، الاقليمية والدولية، مع ما تنقله اليه من ايديولوجيات غريبة وطموحات ومصالح وأسلحة تصب كلها في غير مصلحة سورية كوطن لجميع أبنائه… فضلاً عن دوره القومي وتاريخه الحضاري العريق في المنطقة.
أكثر من هذا، فإنهم وقد باتوا ضحايا لعبة الأمم (بعضها يقاتل مباشرة على الأرض، والبعض الآخر يقاتل من بعيد، والثالث يراهن على استنزاف الطرفين السابقين) لم يعد يكفيهم السؤال عن الأسباب التي أوصلتهم وأوصلت بلدهم الى هذه الحال، بل أولاً وقبل ذلك عن المسبب، وهو هنا نظام بشار الأسد دون غيره.
من بين هذه الأسئلة، مثلاً لا حصراً، ما يأتي:
ماذا فعل نظام الأسد هذا بدمشق «قلب العروبة النابض»، في ضوء طرد ممثلها من جامعة الدول العربية بسبب رفضه مساعي الجامعة ودولها لوقف الحرب المجنونة التي لم تسلم مدينة أو منطقة منها، ثم بعد توقف هذا القلب عن نبضه الطبيعي بفعل مصادرة نظام «الولي الفقيه» في ايران الجزء الأكبر منها وسيطرة التنظيمات الارهابية والتكفيرية على أجزاء أخرى؟
يقول النظام، كما كانت حاله منذ بدء الثورة ضده، ان الجامعة العربية هي التي تغيرت وليس دمشق التي يحكمها بالحديد والنار، وأن العرب دعموا ولا يزالون ما سمّاه «الحرب الكونية» التي تشن ضد سورية، وأن ما بينه وبين ايران (وروسيا والصين) مجرد «تنسيق» لصد هذه الحرب والحيلولة دون تحقيق أهداف القوى الغربية التي تقف وراءها، ليس في سورية فقط إنما في المنطقة أيضاً.
العرب تغيّروا وحتى استسلموا، يردد إعلام الأسد، بينما هو المقاوم والممانع… صدق أو لا تصدق!
لكن هل بين العرب، على افتراض أنهم تغيروا كما يقول، من يشاركه الرأي غير زميله الحاكم في الجزائر عبدالعزيز بوتفليقة منذ عقود، وطبعاً لأسباب خاصة به أهمها اعادة انتخابه رئيساً لبلاده للمرة الرابعة مع أنه لا يتنقل إلا على كرسي طبي، وغير النظام الآخر في العراق، ولأسباب ايرانية وحتى أميركية تتصل بالتقاء مصالحهما في هذا البلد العربي منذ انسحاب القوات الأميركية منه قبل أعوام؟
ماذا بقي كذلك من سورية «شمال فلسطين، جرياً على ما كان يحلو للرئيس الراحل حافظ الأسد أن يسمي فلسطين بأنها «جنوب سورية»، بعدما تأكد للقاصي والداني فيها وفي العالم كله أن اسرائيل هي التي حالت حتى الآن دون سقوط النظام فيها، لأنه، كما قال قادتها مراراً وكما كشف من ناحيته أحد أعوانه (رامي مخلوف)، يشكل ضمانة لا غنى عنها لأمن اسرائيل؟
وإذا كان صحيحاً أن مواقف دول العالم من الحرب المستمرة لا تخرج عن كونها استنزافاً من بعضها للبعض الآخر، ولسورية أساساً، وأن هذا الاستنزاف يصب أولاً وأخيراً في خدمة اسرائيل، فماذا فعل نظام الأسد من جهته لإخراج سورية من هذه الحال؟ بل أكثر، ألم يقدم النظام لهذه الدول كل ما يبرر معارك استنزافها… لسورية وقواها السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية قبل غيرها؟
أم أن تحرير «جنوب سورية» من الاحتلال الصهيوني، وفق رطانة الحزب الذي يحكم الأسد باسمه، كما هو تحرير الجولان بدوره، بات قضية «الولي الفقيه» وحرسه الثوري اللذين يتحكمان بسورية الآن بدعوى الدفاع عن «جبهة المقاومة والممانعة»… وحتى عن «خطوط ايران الدفاعية» في جنوب لبنان، كما قال أحد مستشاري علي خامنئي في الفترة الأخيرة؟
ماذا بقي بعد ذلك كله من سورية «قلب بلاد الشام»، أو سورية «الوحدة العربية… وأول وحدة في التاريخ الحديث»، أو حتى من سورية «عصب الهلال الخصيب»، بعد أن قطع النظام روابطه القومية مع العراق (من أيام صدام حسين، وأعادها فقط في عهد نوري المالكي بما هو ايراني الهوى والعقيدة) ثم مع مصر والسعودية في الفترة الاخيرة، وبعد أن تخلّى رسمياً عن لواء الاسكندرون عندما تحسنت علاقاته مع النظام الحاكم في تركيا، وعن فلسطين التاريخية لحساب حكومة «حماس» في قطاع غزة وراعيها في طهران، كما عن لبنان «الشعب الواحد في دولتين» لمصلحة «حزب الله» بما هو جندي في جيش «الولي الفقيه» وفق تعبير أمينه العام حسن نصرالله الخ…؟
بل ماذا بقي من سورية «الشعب الواحد»، كما عرفت عبر التاريخ، بعد أن زجّها النظام بقرار منه وعن سابق تصور وتصميم، في سلسلة حروب أهلية ومذهبية وعرقية، بين العلويين والسنّة والشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين، وبين العرب والأكراد والتركمان، وفي كل حال بين من امتلك سلاحاً زوده به النظام (الشبيحة) وبين من اضطر لحمل السلاح دفاعاً عن نفسه؟
سورية هذه، أو ما بقي منها جواباً عن الأسئلة أعلاه، هي التي يقول بشار الأسد إنه لا يزال يحكمها منذ 2000 وبخاصة منذ الثورة الشعبية التي تطالب بإسقاطه العام 2011، وأنها ستعيد انتخابه رئيساً في الثالث من حزيران المقبل.
هي بكلمات قليلة، «سورية الأسد» أو «الأسد الى الأبد» أو «الأسد أو نحرق البلد»، كما درج أتباعه على القول في وصف هذا البلد العريق في التاريخ والجغرافيا والحضارة العربية والاسلامية.
لكنها في واقع الأمر «سورية الايرانية» فقط، أو أنها، كما سبق لمسؤول ايراني أن قال بوضوح، احدى محافظات الجمهورية الاسلامية في ايران.
* كاتب وصحافي لبناني
بشّار وتدمير لبنان أيضاً / حـازم صـاغيـّة
ليست كارثة حمص الأخيرة غير فصل من فصول المأساة التي أطلقها وجود نظام كالنظام السوريّ. والحال أنّ كوارث هذا النظام الذي يدمّر شعبه وبلده، بدأت تتعدّى سوريّا إلى جوارها، لا سيّما لبنان.
يكفي النظر، إذا ما وضعنا جانباً مسائل أخرى كثيرة، إلى مسألة التهجير ووصول عدد المهجّرين واللاجئين السوريّين إلى لبنان إلى مليون ونصف المليون، أي إلى أكثر من ثلث اللبنانيّين مجتمعين.
فهذا الوضع غير الطبيعيّ قد ينقل الاحتراب والتنازع، لا إلى اللبنانيّين والسوريّين فحسب، بل أيضاً إلى طوائف اللبنانيّين أنفسهم. وإذا صحّت التقديرات التي تقول إنّ الكثيرين ممّن يُهجّرون لا يعودون إلى البلدان التي هُجّروا منها، وهناك تجارب سابقة تدلّ إلى ذلك، فهذا يعني العيش طويلاً مع تأزّم عميق ومفتوح.
لقد حالت الأصوات العنصريّة المناهضة للسوريّين ولكلّ “غريب”، وكذلك الأصوات التي تذهب في تماهيها مع الثورة السوريّة إلى تجاهل المشكلة، دون طرح التحدّيات الجدّيّة الملقاة في وجوه اللبنانيّين وتركيبة مجتمعهم واجتماعهم واقتصادهم.
لكنّ شيئاً واحداً ينبغي قوله في هذه الغضون، وهو إذا ما قيل صوّب الطريقة التي تُناقَش المسألة فيها، كما خفّف الاحتقانات التي تحفّ بنقاش كهذا.
والمقصود تحديد المسؤوليّة عمّا حصل، والإقرار بأنّ نظاماً كنظام بشّار الأسد هو المسؤول الأوّل إن لم يكن الحصريّ. ذاك أنّ هذا النظام قادر، بحكم تكوينه، على إنزال الأذى بجرعات هيوليّة وعلى نطاق جغرافيّ يتعدّى حدوده الوطنيّة.
هكذا يتبدّى أنّ كلفة النظام المذكور، وامتداداً لها كلفة إطاحته، لا تقلّ عن تحوّل يكاد يكون من طبيعة جيولوجيّة، تحوّلٍ قد يطال المشرق العربيّ برمّته. وهذا ما جعل الثورة السوريّة ذات تداعيات أعمق وأوسع نطاقاً بكثير من تداعيات الثورات العربيّة الأخرى في سائر بلدانها. فتبعاً لطبيعة النظام السوريّ نفسه، في كبته قضايا الشعوب والجماعات، وقفزه فوق الحدود الوطنيّة، وصايةً على اللبنانيّين ومصادرةً لقرار الفلسطينيّين وتمريراً للإرهاب إلى العراقيّين، إنّما أُسّس لسيولة مدهشة في حركة الأزمات وفي انتقالها من مكان إلى آخر. وفي المعنى هذا يأتي الخلط الراهن للاجتماع المشرقيّ، بما فيه من احتمال دفع الجماعات إلى صراعات مفتوحة، بمثابة الوجه الآخر للسياسات التي جسّدتها عناوين “وحدة المصير والمسار” و”الشعب الواحد في دولتين”.
فاللبنانيّون قد يندفعون، تحت وطأة التحوّلات السوريّة، إلى مفاوضة اجتماعهم السياسيّ مجدّداً. لكنّ المؤكّد أنّ ثمّة درساً غنيّاً جدّاً لا بدّ من استخلاصه لبنانيّاً، هو أنّ تأييد الاستبداد في سوريّا لا تقتصر نتائجه على تدمير السوريّين وبلدهم، بل تطرح أيضاً تدمير اللبنانيّين وبلدهم كأفق محتمل.
موقع لبنان ناو
سوا”… لكن إلى أين؟/ راجح الخوري
عندما قرأ احد السفراء الغربيين ان المرشح ماهر حجار الذي أجبر على منافسة بشار الاسد في الانتخابات الرئاسية المزعومة يرفع في منطقة البرامكة لافتة تقول “سوريا لمن يبنيها”، علّق بالقول: هذا مرشح غبي لأن سوريا لمن يدمرها ليس في هذا التعليق أي مبالغة، فلعل اصدق شعار مرفوع في سياق الحملة التي تمثل مهزلة ديموقراطية هو لافتة جديدة يابوس على الحدود اللبنانية التي تقول “بالدم ننتخب بشار الاسد”، ولا ندري اين ذهب الروح الذي يلازم الدم عادة في الهتافات، لكن من المؤكد انه ازهق مع سقوط ما يزيد عن 150 الف قتيل.
السفير لم يتوقف عند هذا فقد تساءل عن معنى الشعار الذي اختاره الاسد لحملته أي كلمة “سوا”، فهل تعني ان على السوريين ان يمضوا “سوا” أي معاً الى المقابر تحت شعار “الاسد او ندمر البلد”، ام ان المقصود من كلمة “سوا” تسوية ما تبقى من البلد بالارض؟
ما يجري في سوريا نوع من الهذيان الذي لا يصدق، فقبل انطلاق العملية الانتخابية المزعومة، قال طلال البرازي محافظ حمص المدمرة والتي كانت تحترق تحت البراميل المتفجرة “ان المدينة مكان مناسب لانتخابات جيدة… وان القتال والنزوح لا يشكلان أي عقبة امام التصويت. ان المدينة آمنة”، وطبعاً آمنة لانها اشبه بمقبرة اسطورية.
تجمع الوكالات على ان النظام السوري يعيش حال انفصام كبرى عندما يتجاهل الوضع الجحيمي الذي تغرق فيه البلاد ويتحدث عن الانتخابات وكأن تدمير 60% من سوريا وتشريد ما يقرب من عشرة ملايين لا يعني شيئاً، فها هو وزير السياحة بشير يازجي يتجاوز طلال البرازي في الهذيان، عندما يتنبأ بموسم سياحي مزدهر في محافظة حمص التي دمرت معالمها السياحية كقلعة الحصن وتحولت احياؤها القديمة اكواماً من الركام والانقاض، ربما ظن [حرام!]، ان المواطنين المنكوبين الذين دخلوا لتفقد ما تبقى من منازلهم، سياح سويسريون نزلوا للتو في جحيم حمص!
ولكن لماذا نلوم محافظ حمص او وزير السياحة اذا كان الاسد لم يتوانَ عن اصدار بيان “ترحيب بالاجواء الانتخابية الديموقراطية والتعددية التي تعيشها سوريا هذه الايام”، في حين وصفت المعارضة العملية بأنها “انتخابات الدمار والدم والموت”؟
عندما يقول البيان الرئاسي “ان ما تعيشه سوريا اليوم من مظاهر انتخابية حضارية تعددية شفّافة، يعبّر عن ثقافة السوريين وتاريخهم العريق في احترام الآخر والتعبير عن الرأي بالطرق المناسبة”، ليس غريباً ان تجمع دول العالم على القول انه نظام مصاب بانفصام كبير وغارق في الهذيان… فمن اغرق الصناديق بالجثث يمكنه اغراقها بأشلاء الديموقراطية الممزقة بالبراميل المتفجرة!
النهار

 

سورية.. انتخابات الاستهبال والاستعباط/ عبدالرحمن الخطيب
خيب بشار الأسد جميع التوقعات والتحليلات التي انتشرت الأشهر الماضية عبر وسائل الإعلام في العالم، وفي ردهات صنّاع القرار السياسي. فما فتئ إعلام النظام، العام الماضي، يزعم أن لديه مؤشرات لحل سياسي، مؤداها أنه يتجه نحو الانفتاح والديموقراطية، بالاتكاء على أن لديه معارضة في الداخل، متمثلة في هيئة التنسيق، وببعض الأحزاب الكرتونية التي شكّلها من عنده من بعض فلول حزب البعث.
خيبة التوقعات طالت حتى الروس أصدقاءه. فقد كان اتفق معهم سابقاً، من دون الإعلان عن ذلك، على تأجيل الانتخابات الرئاسية عامين، في مقابل تأمين غطاء سياسي دولي يسمح له بالتمديد، استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة الـ87 من الدستور السوري النافذ منذ العام الماضي. إذ تنص على «أنه إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهامه حتى انتخاب الجديد». واللافت أن أقرب التوقعات، لكي يُظهر بشار للعالم أن هناك رائحة ديموقراطية في سورية، أن يوعز بشاراً إلى عضو أو اثنين من هيئة التنسيق صنيعته ليرشحوا أنفسهم. بل كان الكثير من السوريين يتوقع أن يحصل قليل من «suspense»، مثل أن يتقدم للترشيح قدري جميل، الشيوعي الذي أخرجه بشار من السجن، ثم عينه نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية. وأخذ بعدها يظهر كثيراً في الإعلام بحجة أنه معارض للنظام على الخفيف. ثم أقاله من منصبه بحركة «بروباغندا» مبتذلة، بذريعة أنه تأخر عن عمله عقب سفره إلى روسيا بمهمة رسمية. بيد أن كل هذا لم يحصل.
بدأ النظام في التحضير لهذا الاستهبال والاستعباط منذ العام الماضي، حين أطلق عليه اسم العملية الديموقراطية. كان يعرض على قنواته ساعات طوال من السفسطة الكلامية الفارغة، وأسطوانات مشروخة ومكرورة، محشوة بعبارات غثائية واستفزازية مثل: (مؤسسات الدولة). و(تحت سقف الوطن)، وهلم جرا. وكأن الشعب السوري قد هبط من كوكب آخر، ولا يعلم أنه منذ سطا أبوه على الحكم لم تكن هناك أحزاب ولا معارضة أو أي شيء من ذلك. ثم استمرأ عملية الاستهبال، فأصدر قراراً بصياغة دستور جديد، لم يكن يختلف عن سابقه كثيراً، باستثناء نقاط عدة يتضح بجلاء أنها للاستهلاك الخارجي فقط، مثل إن حزب البعث ليس هو الحزب الوحيد في الدولة، أو ما أطلقوا عليه سابقاً «قائد الدولة». ولكن في الواقع أضيف إليه ما يثبت حكمه الديكتاتوري. فعلى سبيل المثال ورد فيه أن مدة ولاية رئيس الجمهورية سبعة أعوام مرتين فقط، ابتداء من تاريخ الفوز بالانتخبات، وليس بأثر رجعي. ومن الطبيعي أنه بعد 14 عاماً، إذا بقي في الحكم، فسيكتب دستوراً جديداً لولايتين جديدتين. ولم يفته أن يرسِّخ بند أن ديانة رئيس الجمهورية الإسلام، معتبراً نفسه مسلماً تحصيل حاصل. المضحك المبكي ما ورد في الكثير من نصوص الدستور الجديد ما يتناقض كلياً مع ديكتاتورية النظام، فعلى سبيل المثال نصت بنود الدستور على أن يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وأن تُمارَس السلطة ديموقراطياً عبر الاقتراع. وأن تسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني، أو طائفي، أو قبلي، أو مناطقي، أو فئوي، أو مهني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون. وجميع ما ذكر لا ينطبق على النظام منذ أربعة عقود وحتى اليوم.
أما أكثر ما يثير السخرية والاشمئزاز في السياق ذاته هي تلك النصوص مثل: «لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه». و«لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا منع من ذلك بقرار من القضاء المختص، أو من النيابة العامة، أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة». «للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً، والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور». «كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم في محاكمة عادلة». «لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا بموجب أمر أو قرار صادر عن الجهة القضائية المختصة، أو إذا قبض عليه في حالة الجرم المشهود، أو بقصد إحضاره إلى السلطات القضائية بتهمة ارتكاب جناية أو جنحة». «لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك». «كل شخص يقبض عليه يجب أن يبلغ خلال 24 ساعة أسباب توقيفه، ولا يجوز استجوابه إلا بحضور محامٍ عنه إذا طلب ذلك. كما لا يجوز الاستمرار في توقيفه أكثر من 48 ساعة أمام السلطة الإدارية، إلا بأمر من السلطة القضائية المختصة». و«لا يجوز الاعتداء على الحرية الشخصية أو على حرمة الحياة الخاصة أو على غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون»، وغيرها. إن من يقرأ هذه النصوص يكاد يجزم بأن واضعي هذا الدستور ليسوا من كوكب الأرض. فأخبار جرائم النظام ووحشيته وصلت إلى القطب الشمالي والجنوبي.
لم يقف الاستهبال عند حدود هذا الدستور الأراكوزي، بل ثمة وجه آخر له. إذ أضاف إليه بشار ما سمي قانون الانتخابات، وهو ما جعل العالم كله يسخر من هذا القانون القراقوشي. إذ إن معظم شروط الترشيح فيه لا تنطبق إلا عليه وعلى بعض أزلامه وأتباعه من البيادق. المؤشر الأبرز فيه أن يكون المرشح قد أقام في سورية عشرة أعوام متصلة، وألا يسمح بالانتخاب لمن خرج من سورية بطريقة غير رسمية، وهو يعلم أن نصف سكان سورية باتوا خارج بلدهم بطريقة رسمية أو بغير رسمية. أي لا يحق لهم لا ترشيح أنفسهم، ولا حتى أن ينتخبوا غيرهم. وأن تكون زوجة المرشح سورية المولد. وهذا الشرط لا ينطبق على بشار نفسه؛ لأن زوجته تحمل الجنسية البريطانية.
الأسبوع الماضي فتح النظام باب الترشيح لرئاسة الجمهورية. فرشح بضع شخصيات بعينها، لم يسمع بها أحد من قبلُ. ولأجل إكمال المسرحية الهزلية تأخر بشار في تقديم طلب الترشيح لأيام عدة. في اليوم الرابع قطعت القنوات الفضائية السورية برامجها المعتادة لتذيع نبأ ترشيح بشار نفسه. وكأن الخبر كان غير متوقع. واستمرت المهزلة إلى أن أقفل باب الترشيح، وبلغ عدد الطلبات «درزنين».
انتخابات الاستهبال تمثلت بوضوح أيضاً حين عرض إعلام النظام شريطاً يُظهر ثلة من الحرس البرلماني يحملون صندوق نتائج تصويت أعضاء البرلمان على المرشحين الـ24، وكأنهم يحملون جنازة، مثلما يحصل في تأبين الشخصيات الكبيرة العسكرية. ثم أودع الصندوق في سيارة سوداء ترافقها سيارات الأمن والشرطة، وما رافق ذلك من أغان ثورية. في نهاية المطاف أعلن أنه قُبلت طلبات ثلاثة مرشحين فقط، بشار ومهرجين آخرين (كومبارس)، عرض الإعلام السوري صورة أحدهما، واسمه ماهر الحجار، وخلفه صورة كبيرة لبشار الأسد.
* باحث في الشؤون الإسلامية
الحياة

 

انتخابات الأسد تدفع واشنطن إلى تبنّي «الائتلاف /عبدالوهاب بدرخان
في الأيام الأخيرة تنافس مشهدان سوريّان على إظهار واقعَين متناقضين، وكأن كلاً منهما يقترح على السوريين خياراً من اثنين: حملة «انتخابية» مؤدّاها الخضوع للنظام والبقاء في كنفه، أو مواصلة العيش في النزوح والتهجير القسريين وتحت القصف والبراميل والتجويع والترويع «الداعشي»… كان الأول متاحاً دائماً الى أن أصبح غير مقبول من السوريين، وليس المقتلعون من مساكنهم وحدهم مَن يرفضون هذا النظام، وليس الذين ظلّوا في البلد موالين ومعجبين بإنجازاته وبالترهيب الذي يعاملهم به. فحتى كلمة «سوا»، شعار حملة بشار الأسد، تسيء الى من يعتبرهم مؤيدين ومتعاطفين، فالمرشح الذي يقول لـ «ناخبيه»: «سوا» («معاً») يختزل بحروف ثلاثة الماضي والحاضر، أي «أننا»: قتلنا وذبحنا ونكّلنا معاً، قصفنا بالصواريخ والبراميل والكيماوي معاً، انتهكنا الأعراض والكرامات معاً، استبحنا المدن والبلدات والبيوت والمساجد والمدارس معاً، وخرّبنا سورية معاً… لكن شعاره لا يملك ما يقوله عن المستقبل، كـ «نوقف القتل، نتصالح، نبني معاً» على سبيل المثال. فهل إن «ناخبيه»، خصوصاً من «الأقليّات»، كانوا فعلاً معه في كل ما ارتكب؟
أما الآخر فلم يكن خياراً أصلاً، ولا حتى للذين ارتضوا به قدراً فُرض عليهم، لم يثوروا ليُقتلوا أو يَقتلوا، بل لأنهم أرادوا الانتهاء من نظام لا يزال مصرّاً على أن استبداده هو الأصلح لسورية وأهلها. انتهت صلاحيته التاريخية، لكن صلاحية ترسانته ظلّت سارية وقد مكّنه حلفاؤه من تجديدها. كان المشهد المؤلم للدمار الهمجي ولمتفقّدي اللاشيء الذي بقي من بيوتهم في حمص يتناقض كليّاً مع حملة «انتخابية» ممسرحة يجهد العسس المخرجون لصنع «عرس ديموقراطي» على وقع المواجهات القتالية والبراميل المتفجّرة وغاز الكلور الايراني. ومهما حاول النظام، فإنه لن يستطيع جعل التجديد لرئيسه نهاية للصراع، بل إنه يستعدّ للمرحلة التالية، لحرب طويلة، كما يُفهم من تحركات حلفائه الروس والإيرانيين، وكذلك من زيارة وفد «الائتلاف» المعارض للولايات المتحدة.
ستبقى هناك جوانب غير معلنة وأخرى غير واضحة ومحسومة في نتائج واشنطن، ليس للإعلام فحسب بل أيضاً للائتلاف نفسه. فالجانب الاميركي استطاع ابتلاع الكثير من الأفاعي واستيعاب الكثير من الفظاعات: بدءاً مما بات قريباً من مئتي ألف قتيل، الى المجازر الجماعية، الى استخدام الصواريخ البالستية في تدمير المدن، الى التغاضي عن القتل بالسلاح الكيماوي، الى التفرّج على البراميل المتفجّرة، الى السكوت غير المفهوم وغير المبرر على تدخل ايران و «حزب الله» والميليشيات العراقية، الى الخديعة الروسية في التحضير لمفاوضات جنيف وفشلها… لكنه لم يتمكّن من التغلّب على تردّده في تسليح معارضة يريدها أن تغيّر المعادلة الميدانية، بسبب «مخاوف» من وقوع أسلحة نوعية في أيدي ارهابيي تنظيم «داعش» وغيره. هذا التردّد كان سائداً حتى قبل الظهور «الداعشي» واستفحاله وقبل تعاظم الانخراط الايراني وفجوره، واستمرّ بعدهما كما لو أنه تقصّد تسهيل سعيهما الى إنقاذ النظام. وقد أنجزا المهمة… حتى الآن.
وهكذا، فبعد الاستسلام للعجز أمام جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية هذه، والرضوخ لتفريغ نحو نصف سورية من سكانها، والاكتفاء بالعمل – من دون نجاح – لإطعام النازحين والمهجّرين، ها هي الادارة الاميركية تقرر استقبال وفد من «الائتلاف» للمرة الأولى منذ ضغطت وألحّت لإنشائه أواخر 2012. كانت هذه الزيارة بُرمجت على عجل غداة اعلان باراك اوباما قرار الضربات الصاروخية ردّاً على استخدام السلاح الكيماوي، ثم أُلغيت على عجل بعدما بلغت الاتصالات السرّية مع روسيا احتمال الاتفاق على تدمير المخزون الكيماوي. لم تكن لدى واشنطن خططٌ للتدخل المباشر ولم يلمْها أحد، لكن لم تكن لديها نية لتسليح المعارضة ولا لترك حلفائها الراغبين يفعلون، بل لم تكن لديها ارادة للدعم السياسي خارج الإطار الذي رسمته لها موسكو الى أن انكشفت تماماً بعد فشل مفاوضات جنيف. كان الاميركيون يكررون على الدوام مطالبتهم ممثلي المعارضة بـ «ضمانات» للأقليات، على سبيل المثال، من دون استعداد جدّي لتقديم المساعدة التي تمكّن المعارضة من توفير هذه الضمانات فعلاً بعدما التزمتها قولاً. وكانوا يتعاملون مع هذا الائتلاف وفي بالهم ائتلاف آخر لو ظهر لتطلّعوا الى ائتلاف ثالث، ورغبوا في التعامل مباشرة مع الثوار على الأرض، لكن من دون التعرّض لأخطار أو الغرق في الوحول والتعقيدات. في النهاية بدوا كأنهم يبحثون عن شعب آخر.
في كل المعلومات العلنية عن اجتماعات واشنطن لم يكن في الكلام الاميركي المحدّد والمدروس ما يشير الى تغيير جوهري، فهل اقتنعت الادارة أخيراً بأن الموجود والمتاح هو هذا الائتلاف في حدود سياسة التعجيز التي مارستها ضدّه وفي ظل التنازع الاقليمي عليه. اذ كان مفهوماً منذ البداية أن هذا الكيان المعارض ليست لديه موارد ذاتية ولا يستطيع الوقوف على قدميه إلا بالدعم الذي يتوقعه من «الأصدقاء»، وتبيّن مع الوقت أن حال النظام لم تكن بأفضل على رغم موارده الكبيرة، إلا أن حماسة حلفائه الايرانيين لم تضعف أمام ضخامة التكاليف. ولو أمكن «الأصدقاء» أن يوحّدوا جهودهم المادية والسياسية لكان «الائتلاف» اليوم أكثر تمثيلاً وتنظيماً وثقة بالنفس، و «الجيش الحر» أكثر فاعليةً، ولكان في الإمكان فرض شبه «حظر جوي» بعدد محدود من الصواريخ المضادة للطائرات. لكن التلكؤ في توفير ما كان لازماً وضرورياً للحفاظ على الأرواح، وعلى المعادلة الميدانية، هو ما أدّى الى انهيارها وبالتالي الى «انتصارات» النظام واعتمال السرطان «الداعشي». لا بدّ من تذكير الاميركيين بالأخطاء الفادحة التي ارتكبوها، لأن أحداً لا يضمن أن تكون «مراجعاتهم» توصّلت حقاً الى خيارات يمكن الاعتماد عليها.
كانت في كلام جون كيري عن «الشراكة المتنامية» وعن «الائتلاف» كمؤسسة «شاملة ومعتدلة، ملتزمة حماية جميع السوريين وجميع الأقليات» رسائل واستخلاصات تمهيدية للتعبير عن رفع واشنطن درجة تبنّيها لهذا الكيان المعارض. وفي الواقع لم يبقَ لديها سواه اذا كانت تريد دوراً ناشطاً في المسألة السورية، وهي لا تزال قادرة على التعامل مع كيانات اخرى تمثّل شرائح في المجتمع السوري، إلا أن التجربة أقنعتها بالاعتراف بأفضلية «الائتلاف» كنقطة يمكن عندها جمع الجانبين السياسي والعسكري «المعتدلين» في المعارضة. قد يكون «الاعتدال» هنا، بالنسبة الى الاميركيين، نقيضاً لخطاب وأهداف الفصائل الاسلامية القريبة أقلّ أو أكثر من التيار «القاعدي»، لكن الاعتدال بالنسبة الى عسكريي «الجيش الحرّ» وسياسيي «الائتلاف» هو الخط الوطني الذي لم يمانع في لحظة جنيف حلاً سياسياً حقيقياً ومتوازناً ينهي الصراع ويفضي الى تغييرٍ في النظام أو على الأقل في بنيته الأمنية. أما «التعاون الاستراتيجي» فكانت مصادر «الائتلاف» هي التي تحدثت عنه، محدّدةً وظيفته بـ «محاربة القاعدة ومنظمة «حزب الله» والحرس الثوري الايراني».
كما في افغانستان كذلك في العراق والآن في سورية، يستشري الارهاب كنتيجة للإهمال الاميركي… فالدول العظمى لا تعترف عادةً بأخطائها. والأكيد أن واشنطن متحفّزة لمحاربة المجموعات التابعة لـ «القاعدة» أو المتآخية معها، بل تريدها كـ «أولوية» تسبق حتى مواجهة النظام، لكن «الائتلاف» مضطر للمحاربة على الجبهتين معاً وفي آنٍ واحد. أما غير المؤكد فهو أن يؤيد الاميركيون الجانب المتعلّق بإيران وأتباعها في التعريف الذي قدّمه «الائتلاف» للتعاون، على رغم «استراتيجيته» الجليّة، اذ إن واشنطن منخرطة في بناء «توافق» مع طهران ولا تريد في هذه المرحلة تبنّي أي مشروع علني لمحاربتها حتى في سورية. لذلك، فإن العلاقة مع «الائتلاف» لن ترقى الى مرتبة استراتيجية طالما أن طرفيها لم يتفقا على أهداف مشتركة تحقق لكل منهما مصالحه. وبعد فشل مفاوضات جنيف وذهاب النظام الى انتخابات رئاسية، لم يبقَ لواشنطن سوى أن تعتمد «الائتلاف» وحتى أن تسهّل تطوير تسليحه. صحيح أنها حاولت إبقاء مسافة بينها وبين المعارضة، إلا أن النظامين السوري والايراني لم يخطئا حين جيّرا هزائم المعارضة كهزائم لأميركا.
* صحافي وكاتب لبناني
الحياة

 

 

الانتخابات كـ”مأهاة”، وكاستمرار للمجزرة/ عزمي بشارة
يُفترض أنّ الانتخابات تنافسٌ بين برامج سياسية اجتماعية، أو بين مسلكيات الحكم على الأقل. والانتخابات تُجرى في دول ديمقراطية، أما إجراؤها في دولة استبدادية، أو في ظل نظام عسكري قمعي، فهو اسم بلا مسمّى، وبالتالي، لا تستحق هذه التسمية.
وربما اتخذت الانتخابات أشكالاً مشهدية، وشخصانية، في الدولة الديمقراطية، في عصر حضارة الاستهلاك، وقد تفرّغها من مضمونها في كثير من الحالات. ولكن، من الناحية الأخرى، لا تؤثّر نتائج الانتخابات على الحقوق المكتسبة للناس، لأن الحريات والحقوق الأساسية مُمَأسسة في العرف والمسلك والدستور. فهي، بالتالي، لا تضر إذا لم تنفع. ولكنها في الحقيقة تنفع.
فإجراؤها دورياً، إضافة إلى الضوابط الحقوقية والآليات الأخرى المتوفرة والمكتسبة، تمنع نشوء الاستبداد على الأقل. كما أنه لا ديمقراطية من دون تمثيل، ولا تمثيل من دون انتخابات دورية. وهي ذاتها آلية ضبط ورقابة.
وتبقى مفترقات تاريخية، يجري فيها تغيير حقيقي في السياسة، نتيجة للانتخابات ذاتها. ولا يحصل ذلك كل أربع سنوات، بل يتاح في مناسباتٍ، تفصل بينها فترات زمنية، أكثر طولاً، كل عشرين أو ثلاثين سنة مثلاً، حين تنضج بدائل اجتماعية سياسية حقيقية، يجري حسمها انتخابياً. وحتى يكون ذلك ممكناً، يجب أن تجري الانتخابات بشكل دوري.
ومهما بلغ تشويه الانتخابات بسوق الدعاية وخطاب الاستهلاك، يبقى في نواتها ما يلي:
1. إنها خيارات. فلا انتخابات في غياب حرية الاختيار. ويمكن التفصيل في الشروط اللازمة لتوفير حرية الاختيار، وليكون لها معنى.
2. تجري الانتخابات داخل دولة ممأسسة، كتنافس بين خيارات حول كيفية إدارة الدولة، أو على معاقبة ومكافأة مسلكيات معينة في الحكم.
3. يفترض أن تكون أجهزة القمع من جيش وشرطة محايدة في الانتخابات.
4. يفترض أن يكون القضاء محايداً.
الاستفتاء على الديكتاتور مهزلة، وليس انتخابات. وكذلك الانتخابات بعد زج المنافسين، كأشخاص وقوى، في السجون، ومثلها الاختيار الوهمي بين العسكر ومَنْ نادى بعودة العسكر، أو بين العسكر ورجال العسكر في ظل حكم العسكري في عصر الثورة المضادة، التي تتميز بالركاكة الخطابية والشعوذة الإعلامية، وتحويل الإعلام إلى جوقةٍ، تحرض على الكراهية. هذه مهزلة، أو مأساة، وللدقة “مأهاة” (جمع بين مأساة وملهاة، كما في تراجي- كوميدي).
أما من يقصف الناس بالبراميل المتفجرة، ويجوّعهم، ويشرّدهم، ويسطو على أملاكهم… ويعرض نفسه للاستفتاء بعد ذلك، فهو كمن ينتخب له شعباً بتقتيل الأغلبية وتشريدها. كان من شأن التخويف، وحده، أن يفعل فعله في الماضي القريب في كسر إرادة الأغلبية. أما، هنا، فيختار الديكتاتور “الأغلبية” التي تلائمه، بدل أن تختاره؛ وذلك بتشريد الأغلبية، وقتلها وتجويعها.
ليس شعبه من ينتخبه، بل ينتخب هو لنفسه شعباً بالمجازر. هذه ليست انتخابات، ولا تصلح لها حتى اجتهادات في تركيب التسمية مثل “المأهاة”. كل هذا لا يكفي. لأنها ببساطة أسوأ من ذلك. إنها استمرار المجزرة بوسائل أخرى. وليس من حقّ أحد أن يتعامل معها بشكل آخر.
العربي الجديد

 

انتخابات» عربية… لكن لا ديموقراطية ولا حرية رأي!/ محمد مشموشي
يحظى الإنسان العربي بكل ما يحتاجه من أدلة وبراهين على أن ما يسمى «انتخابات»، برلمانية أو رئاسية، تجرى في أي بلد عربي في الفترة الحالية، لا تمت بصلة الى الديموقراطية بما هي احتكام للشعب. نموذج ذلك لا تخطئه العين في كل من مصر وسورية والعراق ولبنان وموريتانيا (بعد الجزائر طبعاً)، وقريباً في تونس وليبيا، ليس من حيث الشفافية والنزاهة فقط، وإنما قبلهما في الأسس التي تقوم عليها هذه الانتخابات، وتالياً في النتائج التي أسفرت عنها، في الجزائر حتى الآن، ويمكن أن تسفر عنها في البلدان الأخرى.
ففي مصر، مثلاً، كانت ذروة الإجراءات التي سبقت الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية الشهر الحالي بالغة الدلالة على ماسبق: أولاً، تحصين الهيئة المشرفة على الانتخابات ورفض الطعن، بأية طريقة من الطرق، في القرارات التي تتخذها. ثانياً، منع قيادات وأعضاء حزبين هما «الحزب الوطني» المسمى من فلول نظام حسني مبارك و»جماعة الإخوان المسلمين» المتهمة بالإرهاب، من الترشح وحتى من ممارسة حق الاقتراع. ثالثاً، طغيان حملة أحد المرشحين فيها، المشير عبد الفتاح السيسي، في الشارع كما في الإعلامين الرسمي والخاص على حملة المرشح الآخر حمدين صباحي الى درجة بات يشكو منها حتى مؤيدو السيسي ذاتهم.
وغني عن القول إن الحكم الذي أسقط نظام «الإخوان» في ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، فضلاً عن الجيش الذي ساهم فيها (بعضهم يقول انه قادها)، لم يكن في حاجة الى هذه القيود لضمان فوز مرشحه، أو عدم عودة النظامين السابقين كما يردد على الدوام، لكنها طبيعة نظرة الحكم، وحتى بعـض النخب المصرية أيضاً، الى مسألة الانتخابات واعتبارها نوعاً من «الاستفتاء» الذي يقرب من أن يكون استطلاع رأي يجريه مركز أبحاث في دولة من دول العالم… عن مصر، أو عن غيرها.
فالمهم، كما كانت عادة الأنظمة العربية طيلة ستين عاماً، هو الحصول على نسبة الـ 90 في المئة، وحتى الـ 99،99 في المئة، في مثل هذا الصنف من الاستفتاءات.
في سورية، تبدو المهزلة أكثر جلاء وحتى مدعاة للضحك. ذلك أنه من أصل 24 شخصاً قدموا ترشيحاتهم (أحدهم قال ان ضابطاً رفيعاً في رئاسة الأركان طلب منه الترشح) رست البورصة في النهاية على ثلاثة فقط وضع أحدهم (حسان النوري) برنامجه للانتخابات الرئاسية، كما أعلن في مقابلة تلفزيونية، على أساس «التأييد المطلق» لما فعله أحد المرشحين الآخرين (بشار الأسد في هذه الحال) في حربه التدميرية المستمرة على سورية وضد شعبها منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وليس خافياً على أحد أن نصف الشعب السوري على الأقل، المهجر في الداخل أو النازح الى الخارج، لن يتمكن لأسباب لوجستية بحتة من المشاركة في الانتخابات، لا تصويتاً ولا ترشحاً بالطبع، فضلاً عن أن قانون الانتخابات الذي فصّله النظام على قياسه منع كل من عاش خارج سورية خلال الأعوام العشرة الماضية من الترشح، كما منع كل من خرج منها «بطريقة غير شرعية»، أي هرباً من القصف والقتل، من حق الاقتراع.هل هذا فقط؟!. لا قطعاً، فهي أول انتخابات ديموقراطية تعددية شفافة، يقول رئيس هذا النظام الذي ورثه عن والده، تشهدها سورية منذ خمسين عاماً هي في معظمها فترة حكم الأب. كما أنها تتم تحت شعار «سوا» الذي طبع به بشار الأسد حملته الانتخابية، كأنه يعترف بأن نظام الأعوام الـ 50 الماضية لم يكن كذلك. هذا فضلاً عن واقع سورية الذي تجاوز فيه مدى التدمير والقتل والتهجير، بيد النظام وصواريخه وبراميله المتفجرة، كل ما يتصوره عقل.
وهي، مع ذلك كله، تتم في مواجهة الشعب السوري ودول العالم التي تبنت ما أرساه «جنيف1» و»جنيف2» حول «هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحيات الكاملة» حلاً للأزمة السورية… والتي تفترض أول ما تفترض انتخابات نيابية ورئاسية على أساس دستور جديد لا تكون للأسد فيه الكلمة الفصل على أقل تقدير.
لكنها الانتخابات كما يريدها الأسد، ويريد منها أن تجدد بيعته رئيساً لسبع سنوات أخرى كما حدث مرتين قبل الآن. وهي «ديموقراطية وتعددية وشفافة» على رغم كل ما يقوله الشعب السوري والمجتمع الدولي بشأنها!. في العراق، الذي أجرى انتخاباته البرلمانية قبل أيام، لا تختلف الصورة عما هي في مصر وسورية كثيراً. ذلك أنه لا يهم بالنسبة إلى رئيس الحكومة نوري المالكي ما إذا امتنع، أو منع، سكان المحافظات في الغرب العراقي من المشاركة، أو ما إذا كان مئات العراقيين قد سقطوا ضحايا العنف والسيارات المفخخة في أثنائها، أو قبل وبعد حصولها، أو ما اذا كان فساد الحكم والطبقة الحاكمة هو الكلمة الوحيدة التي يتبادلها العراقيون في ما بينهم… أو أخطر من ذلك كله، ما اذا كان التهديد بانفصال الإقليم الكردي عن الدولة الأم وإعلان العصيان في مناطق أخرى قد بات على وشك التحول الى أمر واقع خلال الفترة المقبلة. المهم عودة المالكي الى رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، وبـ «انتخابات ديموقراطية» كما يقول، على رغم رفض مناطق سنية واسعة سياساته وخضوعه بالكامل لسيطرة «الولي الفـــقيه» في ايران، ومعارضة قيادات سياسية ودينية شيعية (عبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر)، ومطالبة قادة الإقليم الكردي بإنهاء ما يصفونه بـ «الحكم الفردي» الذي مارسه المالكي في حكومتيه السابقتين.
هل كانت الانتخابات في الجزائر، وإعادة انتخاب رئيسها عبد العزيز بوتفليقة، وهو على كرسي طبي، للمرة الرابعة، مختلفة عما هي عليه الحال في مصر وسورية والعراق؟.
وهل تكون الانتخابات الرئاسية اللبنانية بدورها، وقد أرجئت أربع مرات حتى الآن لعدم اكتمال نصاب أي من جلسات البرلمان المخصصة لذلك، مختلفة هي الأخرى، بعد أن تبين بجلاء أن أحزاباً وتيارات سياسية مرتبطة بالخارج (إيران وسورية تحديداً) ترفض انتخاب رئيس الا اذا كان يتبنى مواقفها، ولا تمانع في أن تزج البلاد في مرحلة من الفراغ في موقع الرئاسة حتى لو أدى ذلك الى انهيارها سياسياً واقتصادياً ومالياً وحتى أمنياً؟.
واقع الحال أن ما يشهده العالم العربي، في هذه الفترة، هو شكل من أشكال التصويت بأوراق في انتخابات يشارك فيها بعض الناس… لكن لا ديموقراطية، ولا احتكام للشعب، ولا من يحزنون.
* صحافي وكاتب لبناني
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى