مقالات تناولت تصريحات كلينتون عن المجلس الوطني والمعارضة السورية
أحجية إعلان موت المجلس الوطني السوري
منار الرشواني
يفترض النظر إلى إعلان وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الأربعاء الماضي، عن أن المجلس الوطني السوري لم يعد الممثل الرئيس للمعارضة السورية، وإنما قد يكون جزءا من معارضة أوسع، باعتباره إعلاناً متأخراً عما هو معروف للجميع منذ أمد طويل، ربما يعود إلى ذات يوم تأسيس المجلس في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2011.
مع ذلك، فإن توقيت الإعلان البدهي في مضمونه، ورد فعل المجلس الوطني السوري عليه، يثيران تساؤلات مهمة حول مسار الأزمة السورية، وضمن ذلك دور الأطراف الفاعلة فيها.
ففي إعلانها، “تكتشف!” كلينتون الآن فقط أن رموز المجلس شخصيات أمضت “20 أو 30 أو 40 سنة خارج سورية”، ما يستدعي السؤال: هل مالت كفة “الصراع” أخيراً إلى معارضة الداخل على حساب معارضة الخارج، لاسيما مع تصاعد الجهود الأميركية لعقد مؤتمر لقوى المعارضة السورية (من الداخل والخارج) في قطر الأسبوع المقبل، يتوقع أن ينبثق عنه “برلمان أولي/ تجريبي”، بحسب تعبير أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية؟ ولعل تغير موازين الدعم الدولي لمعارضة الداخل والخارج يفسر رفض المجلس الوطني، في بيانه أمس، “تشكيل أي إطار جديد للمعارضة السورية يكون بديلا منه”، معتبرا أن هكذا بديل سيكون “محاولة لإيذاء الثورة السورية وزرع بذور الفرقة والاختلاف”، رغم حقيقة أن الولايات المتحدة هي الراعي الرسمي لكل من المجلس الوطني وبديله القادم!
من ناحية أخرى، فإن الحديث عن دور أكبر لمعارضة الداخل، سواء كان مهيمناً أم لا في المجلس/ البرلمان الجديد، يفرض التساؤل عن موقف روسيا، الداعم الدولي الأهم لنظام بشار الأسد، والأقرب في الوقت ذاته لمعارضة الداخل التي تحظى بالاعتراف الروسي. فهل يعني دور معارضة الداخل في الجهود الأميركية الجديدة أن ثمة تفاهمات، أو إرهاصات تفاهمات روسية-أميركية بشأن مآلات الأزمة السورية؟ أم أن الولايات المتحدة قد قررت سحب البساط من تحت روسيا نهائياً فيما يتعلق بالشأن السوري؟
والسؤال الأخير خصوصاً، كما تجدد النشاط الأميركي على الجبهة السورية بحد ذاته، يفضي إلى السؤال الأهم عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية: هل قررت إدارة الرئيس باراك أوباما حسم الأزمة السورية، لا بالتدخل العسكري المباشر، بل عبر تقديم أسلحة نوعية للثوار، لاسيما صواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات، بعد ضمان السيطرة على هؤلاء الثوار من قبل المجلس/ البرلمان السوري الجديد؟
يبقى السؤال الأخير عن جماعة الإخوان المسلمين السوريين، القوة المهيمنة على المجلس الوطني السوري، والمسؤولة بالتالي، وكما يذهب كثيرون، عن فشله وشلله وصولاً إلى انتهاء صلاحيته رسمياً؛ فهل تراجع دور الجماعة بانتهاء المجلس الوطني، أم أنها هي من باع المجلس سلفاً استعداداً للكيان “المعارض” الجديد؟ وقد كان ملفتاً حرص الجماعة على حضورها في كل مناسبة بشكل مواز للمجلس الوطني الذي تشارك فيه وتسيطر عليه!
إزاء كل هذه الأسئلة والأحجيات، يظل المعروف الوحيد أن الأزمة السورية خرجت من يد السوريين حاضراً، والأمل أن لا يكون ذلك مستقبلاً أيضاً
نقلاً عن صحيفة “الغد الأردنية”
هل المعارضة السورية متطرفة؟
طارق الحميد
لا إشكالية في أن تكون المعارضة السورية ممثلة من جميع السوريين، ومنهم المقاتلون على الأرض، وهذا أمر طبيعي ومهم، بل يجب ألا تكون المعارضة السورية ممثلة بلون واحد، خصوصا بعد كل تجارب دول الربيع العربي التي شهدت حضورا ساحقا للون واحد من المعارضين وهم الإسلاميون، لكن هل المعارضة السورية متطرفة، أو مختطفة من المتطرفين؟
هذا رأي غير دقيق، ولو أن من قالته هي وزيرة الخارجية الأميركية السيدة هيلاري كلينتون، وخصوصا أن بشار الأسد قد قاله قبلها، ومن أول يوم في عمر الثورة السورية، الحقيقة أن المعارضة السورية أُهملت قرابة العامين، أي عمر الثورة، ومن قبل الجميع، عربيا ودوليا، وكل الجهود التي بذلت لتوحيدها كانت إما محاولة استقطاب، فمن يفضلون الخط الإخواني يعززون صفوفهم، وإما أن التعامل مع المعارضة كان من باب تضييع الوقت، حتى إن بعض المسؤولين كان يتحرج من التقاط الصور مع المعارضة السورية! وبالتالي، وبعد قرابة العامين من عمر الثورة السورية، وستة وثلاثين ألف قتيل سوري، فمن الطبيعي أن تتعقد الأمور اليوم، ليس بسوريا فحسب، بل في صفوف المعارضة السورية نفسها، والواجب الآن هو وضع خطة عملية تراعي عدم تكرار أخطاء دول الربيع العربي، والتي جاءت معظمها برعاية غربية وبعضها عربية، من مصر إلى تونس، وبعض المحاولات في ليبيا، لفرض الإخوان المسلمين بتلك الدول على اعتبار أنهم الطرف الأقوى والمنظم، فهذا أمر لا يجوز إلا في حالة الاستقرار، حيث إن القوي في الشارع هو من يكسب الانتخابات، مثلا، أما في حالة الفوضى، وإعادة بناء الدول، فيجب أن تكون الدساتير، والتشريعات، هي الضامنة للجميع، مع إعطاء الفرص، وهذا الخطأ الذي تعاني منه دول الربيع العربي هو نفسه الذي حدث بعراق ما بعد الاحتلال، حيث أعطيت الغلبة للطرف المنظم والقوي على الأرض، وهم الشيعة، فأصبح العراق من حينها بلدا طائفيا، إقصائيا، والأمر نفسه في دول الربيع العربي، وهذا ما لا يجب تكراره بسوريا، سواء من قبل المجتمع الدولي، أو العرب، أو المعارضة السورية نفسها.
ولذا، فإن اللوم أمر غير مجدٍ الآن، وخصوصا أن الثورة السورية قد شهدت ما يكفي من عمليات تزوير وحيل منظمة، سواء من نظام الأسد، أو المجتمع الدولي، فالقول بأن ما يحدث في سوريا هو حرب أهلية كان تزويرا، بل هو ثورة جوبهت بعنف مسلح منظم، والقول بأن «القاعدة» متورطة مع الثوار هو تزوير أيضا، فمع استخدام الأسد لكل أنواع الأسلحة، ومشاركة الإيرانيين، بكل إمكاناتهم، وكذلك حزب الله، والأسلحة الروسية، لا يمكن أن يلوم أحد السوريين ولو استعانوا بالشيطان! والتزوير لا يقف هنا، فمهمات الدابي، وأنان، والإبراهيمي، أيضا كانت تزويرا وإضاعة للوقت، ولذا فإن مواصلة إلقاء التهم على المعارضة السورية الآن تعد عملا غير مسؤول، فالمطلوب هو العمل الجاد، وأولى خطواته بالنسبة للعرب والمجتمع الدولي هي عدم تفضيل طرف على آخر، وضرورة تحديد الإطار الذي يشمل جميع السوريين، مما يعني إعادة تشكيل المجلس الوطني من دون تفضيل أو محاباة، فسوريا الجديدة يجب أن تكون لكل السوريين، كما يجب أن تتفادى أخطاء دول الربيع العربي.
الشرق الأوسط
سوريا: من يمنع توحيد المعارضة؟
محمد ابرهيم
قبل ايام من حسم الانتخابات الرئاسية الاميركية السباق بين اوباما ورومني حسمت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اتجاه السياسة الاميركية ازاء سوريا. مع ان عودتها الى منصبها غير محسومة.
ما قالته كلينتون يمكن اختصاره بجملة واحدة: لا تنتظروا تغييرا في السياسة الحالية. فلا التدخل وارد ولا التسليح وارد. الوارد فقط هو… تغيير المعارضة.
حتى المرشح الجمهوري ميت رومني خفت صوته في الاسابيع الاخيرة من الحملة الانتخابية، ملطّفا تميّزه بشأن تسليح المعارضة، ومصغيا اكثر لاخطار انتقال السلاح الى… الايدي الخطأ.
اذن المطلوب من المعارضة السورية ان تحسم امرها وان تحل مشكلة شرذمتها، فتقدّم للعالم جسما واحدا موحّدا، يلفظ الاصوليين الطارئين، ويعيد الاولوية للداخل، ويوظف الخارج في خدمته. فيستحق عندها مباركة الولايات المتحدة، واستمرارها في مساندة الجوانب… المدنية للثورة.
ربما كان الاجدر بكلينتون ان تدعو الى اجتماع لحلفائها الغربيين والعرب، لا يحضره اي من المعارضين السوريين، وذلك للاتفاق على ما يريدونه من سوريا. فشرذمة المعارضة، كما هو معروف، من شرذمة الدول الداعمة. وليست سرا المنافسة التركية، الفرنسية، السعودية، القطرية، المصرية… على تركيب المعارضة، وبرنامجها، ومصدر وحيها. والشكوى المرّة لكلينتون من تسرّب الاصوليين الى سوريا يمكن حلّها، في مثل هذا الاجتماع، لا في اجتماع من لا حول لهم ولا قوة، في… المعارضة. واذا كان متعذرا اقناع روسيا والصين وايران بالتعاون، فأين موانع التعاون بين الحلفاء؟
ومع افتراض ان اجتماع المعارضة يحل مشكلة الخارج، تبقى مشكلة الداخل، فعن اي داخل تتحدّث الوزيرة الاميركية؟ هناك داخلان، داخل معارض مقاتل، وداخل معارض سلمي. وتصريحاتها توحي بأنها تعطي الاولوية لهذين الداخلين، واتفاقهما، على حساب الخارج. لكن كيف تنوي الجمع بينهما؟ وهل تعتقد ان خلافاتهما مجرد سوء تفاهم تسببت به قلة كفاءة “المجلس الوطني”، الذي انتقل من كونه ممثلا شرعيا للشعب السوري الى اعتباره ممثل 15 في المئة منه؟
ربما تبحث كلينتون عن ذريعة لاحداث تغيير حقيقي في سياسة بلادها في اتجاه الالتقاء مع موسكو في منتصف الطريق، الذي يمر بالضرورة بنفض اليد من المعارضة المصابة “بداء الشرذمة”، العضال، وتحميلها المسؤولية.
وربما يكون الامر اكثر سوءا ويقع في دائرة اتهام اميركا بأن هدفها الاصلي استمرار الازمة، وان الشرذمة التي يحكى عنها، ليست سوى الرغبة بشرذمة سوريا.
لكن حتى افتراض ان الوزيرة الاميركية تعني ما تقول، لا يجعل المراوغة الاميركية المتمادية خارج المساهمة، عمليا، في تحقيق السيناريو الذي ما فتئت تحذر منه: المستقبل الاصولي لسوريا.
النهار
كلينتون تنعي المجلس الوطني
عبد الباري عطوان
تعوّدنا ان يأتي الهجوم على المعارضة السورية من النظام، او بعض الذين لم يجدوا لهم مكانا في قيادتها الامامية، لكن ان يأتي هذا الهجوم، وبصورة اكثر شراسة، من السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، فهذا لم يخطر على بال احد، بالنا على اقل تقدير.
بالأمس، وفي مؤتمر صحافي عقدته في زغرب، فتحت السيدة كلينتون نيران لسانها الحارقة على المجلس الوطني السوري، واتهمته بأقذع الاتهامات، وسحبت منه امتياز تمثيل المعارضة السورية في الداخل والخارج معا، واكدت على فشله في الحوار والتواصل مع مكونات الطيف السوري، وطالبت بإعطاء مقعد القيادة لمن يقاتلون في الداخل ضد النظام.
هجوم السيدة كلينتون هذا فاجأنا مثلما فاجأ المجلس الوطني نفسه، لأن وزيرة الخارجية الامريكية كانت من اكثر الناس تأييدا للمجلس الوطني، وتدليلا لقيادته، وذهب بها الأمر الى حد فرضه كممثل شرعي بديل للنظام السوري في معظم لقاءات ‘تجمع اصدقاء سورية’ المكون من مئة دولة، فما الذي تغير؟
بداية كان قمة السذاجة ان تضع السيدة كلينتون التي تمثل القوة الاعظم في التاريخ كل بيضها في سلّة المجلس الوطني، وتوعز لحلفائها العرب وغير العرب بدعمه، ثم تخرج علينا، وبعد عامين، بالتشكيك بهذا المجلس، والقول ان قادته ‘لم يذهبوا الى سورية منذ 20 او 30 او 40 عاما’.
فإذا كانت السيدة كلينتون التي تملك إدارتها جيشا عرمرما من المستشارين ومعاهد الابحاث والدراسات والخبراء والسفراء لا تعرف ان رئيس ومعظم اعضاء المجلس عاشوا لعقود في المنفى، فمن يعرف اذن؟ ثم هل هذه الحقيقة، اي عدم ذهاب اعضاء المجلس الى سورية تحتاج الى خبراء ومخبرين؟
واذا كانت السيدة كلينتون ومساعدوها وواضعو سياسة بلادها في سورية لا يعرفون ان الدكتور برهان غليون يعيش في باريس منذ اربعة عقود او اكثر، وكذلك حال عبد الباسط سيدا، خلفه، والدكتورة بسمة قضماني، فإن هذا يعني وبكل بساطة ان هذه السيدة لا تعرف سورية ولا جغرافيتها، وان سياستها تجاه هذا البلد سطحية جدا، وقائمة على معلومات مغلوطة، ولهذا السبب يقوى النظام وتضعف المعارضة.
‘ ‘ ‘
لا نعتقد ان السيدة كلينتون على هذه الدرجة من السذاجة، والأمر ببساطة شديدة انها ادركت فشل سياستها في سورية، مثلما فشلت قبلها في العراق وليبيا، ولكنها ترفض الاعتراف بهذا الفشل، وتحمّل تبعاته، وتريد ان تحوّل المجلس الوطني السوري الى ‘كبش فداء’.
امريكا خذلت المجلس الوطني، مثلما خذلت القطاع العريض من الشعب السوري الذي راهن على تدخلها العسكري لإسقاط النظام، وصدق اقوال رئيسها بأن ايام الأسد معدودة للغاية، هذا قبل عامين، وما زال الاسد في السلطة، ولا يوجد اي مؤشر حقيقي بأن سقوطه قريب، بل هناك من يقول انه سيستمر في السلطة لسنوات ان لم يكن لعقود.
خطأ المجلس الوطني في المقابل، رهانه على التدخل العسكري الامريكي، وتشريعه، بل وتسويقه، عبر الآلة الاعلامية الجبارة الداعمة له، الى الشعب السوري باعتباره الخلاص الوشيك من النظام، على غرار ما حدث في ليبيا وقبلها العراق وافغانستان، الآن اكتشف المجلس خطأ رهانه، ولكن بعد ان جرى استخدامه، مثل اي منديل ورقي، ثم القذف به الى سلة المهملات التاريخية. وهو ليس المنديل الورقي الوحيد الذي واجه المصير نفسه في منطقتنا على اي حال.
موقف السيدة كلينتون هذا جاء نتيجة مراجعة جذرية للسياسة الامريكية، ليس تجاه سورية وحدها، وانما في ليبيا والصحراء الافريقية. الأولوية الامريكية باتت الآن محاربة تنظيم ‘القاعدة’ وفروعه، والتيار السلفي الداعم له، ولهذا سافرت الى الجزائر لتشكيل تحالف عسكري جديد يتدخل لانهاء وجود القاعدة في شمالي مالي، ولهذا ايضا ارسلت طائرات بدون طيار الى ليبيا للانتقام من قتلة سفيرها هناك، ومكافحة التيارات الجهادية المتشددة.
السيدة كلينتون تريد تشكيل معارضة جديدة تضم جنرالات سابقين في الجيش السوري، الى جانب سياسيين منشقين، جنبا الى جنب مع الجيش السوري الحر لمكافحة التيار الثالث، اي الجماعات الجهادية المتهمة بخطف الثورة، وهذا ما يفسر قولها، في المؤتمر الصحافي نفسه ‘ان هناك معلومات مثيرة للقلق حول متطرفين يتوجهون الى سورية ويعملون على تحويل مسار ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي، لمصلحتهم’.
ما نخشاه الآن ان تشهد سورية ثلاث حروب، الاولى حرب بين الجيش السوري الحر والنظام، والثانية بين الجماعات الجهادية والنظام واتباعه، والثالثة بين الجيش السوري الحر او الجيش الجديد الموسع والجماعات الجهادية التي تريد امريكا ابعادها من سورية.
لا نعرف هيكلية القيادة الجديدة للمعارضة السورية بعد اصدار السيدة كلينتون ‘شهادة وفاة’ المجلس الوطني السوري، وفتح سرادق تلقي العزاء بموته، ولكن ما نعرفه حتى الآن، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الامريكية، ان هذه المعارضة ستكون تحت المظلة الامريكية بالكامل. وليس صدفة ان اجتماع الدوحة الذي سيعقد لبلورتها سيعقد مع اقتراب او بعد هذه الانتخابات.
السيدة كلينتون كشفت عن سرّ خطير للغاية في زغرب، عندما قالت ان حكومتها ساعدت على ‘تهريب’ ممثلين لجماعات معارضة سورية من الداخل، بمساعدة اجهزة مخابرات بلادها، لحضور اجتماع سري في نيويورك الشهر الماضي يبحث توسيع قاعدة تمثيل المعارضة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عما اذا كانت جهود توحيد المعارضة السورية المقترحة امريكيا ستحقق هدفها، ام انها ستؤدي الى انقسامات جديدة، لان المشكلة الرئيسية التي ستواجه القائمين على هذا المشروع ان معظم شخصيات المعارضة زعماء ويعتقدون انهم الاولى بالرئاسة، وهي المشكلة نفسها التي ادت الى المصير المؤلم للمجلس الوطني السوري.
‘ ‘ ‘
السياسة الامريكية في المنطقة العربية، وسورية على وجه التحديد، تتسم بالتخبّط والارتباك، وهذا يؤدي الى تفاقم حالة عدم الاستقرار من جديد في المنطقة. ولا غرابة ان الحماس التركي لاطاحة النظام السوري بدأت تخف حدته بعد تفاقم التمرد الكردي، وظهور بداية تململ للطائفة العلوية التركية (13 مليون شخص) ،بينما يشهد الاردن حالة من الصحوة الأمنية من خطر تدفق اللاجئين السوريين، تمثلت في الاعلان المفاجئ والمشكوك فيه، عن وجود خلايا من القاعدة تسللت عبر الحدود مع سورية للإقدام على تفجير سفارات ومصالح اقتصادية، واعادة ثلاثة ضباط سوريين منشقين خوفا من كونهم من رجالات النظام المندسّين، وكذلك تفاقم الصدامات والمشاكل الامنية في مخيم الزعتري حيث يوجد اربعون الف لاجئ سوري.
الشعب السوري هو الضحية الكبرى، ضحية حملة تضليل كبرى، دفعته، او قطاعات عريضة منه، الى تغيير قناعاته نحو امريكا، وتحويلها من عدو الى صديق سيضع حدا لمعاناته تحت نظام ديكتاتوري قمعي، ليكتشف كم كان مخطئا في انقلابه هذا.
ليس امام هذا الشعب الشريف المقاوم غير الاعتماد على نفسه للوصول الى مطالبه العادلة والمشروعة في التغيير الديمقراطي المأمول، مهما طال الزمن وتضخّمت التضحيات.
القدس العربي
المعارضة السورية ونفاد الوقت الضائع
عبدالله إسكندر
في موازاة حركة المعارضة السياسية السورية في الخارج من اجل بلورة هيكلية موحدة تتقدم المعارضة المسلحة على الأرض عبر قضم تدريجي لمواقع النظام ونقاط ارتكازه العسكري في مناطق كثيرة. وبات واضحاً أن أسلوب القصف الجنوني القاتل والمجازر المتنقلة في حق المدنيين، والذي يعتمده النظام في كل الاتجاهات، يعبر عن ضيق لفقدان سيطرته على مساحات إضافية في البلاد، وربما عن عجزه عن تحقيق أي تقدم على الأرض.
تزداد الضغوط الدولية والإقليمية على المعارضة لإعداد نفسها للمرحلة الانتقالية، بعد سقوط النظام. وتتسع رقعة انحسار السيطرة الميدانية للنظام داخل البلاد. ما يؤشر إلى أن فترة الوقت الضائع تقترب من نهايتها.
قد تكون الخلافات الدولية في شأن طبيعة الحل في سورية ومستقبلها السياسي من الأسباب التي جعلت فترة الوقت الضائع طويلة. كما أن الإدارة الأميركية التي شاءت الظروف أن تكون على عتبة انتخابات رئاسية لم تبد حسماً في أي اتجاه، ما جعل دولاً غربية تخفف من حماستها في تسريع الحل. وفي النتيجة، تُرك السوريون يواجهون الآلة الحربية الفتاكة للنظام بحد أدنى من التسلح يكفي من اجل مواجهات حرب شوارع لكنه غير قادر على مواجهة الأسلحة الثقيلة الطويلة المدى. وهذا بدوره أطال فترة الوقت الضائع نظراً إلى شبه استحالة الحسم العسكري على الأرض.
في هذه الفترة كانت المعارضة السياسية، بكل تلاوينها، تتخبط في نزاعات غلب على معظمها الشخصي، بما هو انعكاس للمرحلة السابقة من الحكم السوري الذي ركز كل أدواته القمعية لمنع نشوء تيار مدني معارض واقتلاع رموزه، تهجيراً وسجناً وقتلاً. وعندما اندلعت حركة الاحتجاج الشعبية، باتت الأحزاب والهيئات والشخصيات المعارضة تركض لاهثة وراءها، من دون أن تتمكن، بفعل انهاكها على مدى أربعة عقود، أن تقدم النموذج القيادي لسورية الغد. لتبقى الحركة الاحتجاجية حركة عفوية تحاول أن تتأقلم في كل منطقة مع معطيات الاستمرار على المستوى المحلي، من دون أن تجد البرنامج والقيادة الجامعين.
ومع انشقاق العسكريين الذين رفضوا إطلاق النار على مواطنيهم المدنيين المتظاهرين، راحت «العسكرة» تتوسع على الأرض، ولتسد فراغ المواجهة العسكرية الأطراف الأكثر تمسكاً وخبرة في القتال. وجاء مع سد الفراغ متشددون متجولون غير معنيين بأجندة المعارضة السياسية السورية… وصولاً إلى ما نشهده اليوم من ممارسات وشعارات تثير الحذر والتساؤل إزاء مآلها.
وفي الوقت الذي تعد المعارضة لاجتماعها «التوحيدي» في الدوحة، ولاختيار قيادة مشتركة، ثمة تحديات أمامها يتقرر على كيفية الاستجابة لها مستقبل البلاد.
معلوم أن الانتخابات الأميركية تنقضي بعد أيام قليلة، وسيكون الملف السوري هو الأبرز أمام الإدارة المقبلة. وبدت إشارات من الإدارة الحالية إلى نوعية هذا التعامل الذي سيعتمد، سواء مع الرئيس الديموقراطي الحالي باراك أوباما (وهذا هو المرجح) أو مع منافسه الجمهوري ميت رومني. هذه الإشارات تشدد على ضرورة هيئة تمثيلية واسعة تضم كل أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج وتكون قادرة على إدارة البلاد مع انهيار النظام، وأيضاً تكون قادرة على مواجهة التيارات المتشددة والتكفيرية المنتشرة حالياً في سورية. ووجدت هذه الإشارات صدى لدى الغربيين فكرروها في تصريحاتهم، ونصحوا المعارضة في أن تأخذها في الاعتبار.
تنقلت مؤتمرات المعارضة، بحسب الانتماءات السياسية، بين إسطنبول والقاهرة والدوحة وأخيراً عمان، وبين عواصم غربية كثيرة. وكل من هذه المؤتمرات أراد أن يجعل من نفسه المرجعية السياسية للمعارضة، بما فيها العسكرية، ومن دون أن يكون له على الأرض أي وجود عسكري. قد تكون هذه المؤتمرات مناسبة للتحريض على النظام وضرورة إسقاطه وربما الحصول على بعض المساعدات المالية والعينية أنفق بعضها في إغاثة لاجئين في الداخل والخارج. لكنها في الوقت نفسه كانت مناسبة لتعميق الهوة بين فصائل المعارضة وتبادل النقد والاتهامات وأحياناً الشتائم. وفي أي حال لم تساهم فعلياً في المعركة الحقيقية على الأرض ولم تتمكن من تقصير عمر النظام.
الوقت السياسي الضائع آخذ في النفاد، والتطورات على الأرض تخلق وقائع جديدة وموازين قوى جديدة. وأمام مؤتمر الدوحة المفترض أن يكون جامعاً لقوى الداخل والخارج فرصة، ربما أخيرة، من اجل أن تعيد المعارضة الوجه المشرق للحركة الاحتجاجية الموحدة ومطالبها في دولة مدنية وديموقراطية للجميع، وأن تستعيد الصدقية السياسية التي فقدتها جراء التشرذم والانقسام.
الحياة