صفحات العالم

مقالات تناولت خطاب أوباما الأخير

أوباما المنكفئ… حين «يُدهِش» العرب

زهير قصيباتي

لم تكن التجربة النووية الكورية الشمالية نبأً سارّاً للرئيس باراك أوباما، قبل ساعات قليلة من إلقائه خطابه عن حال الاتحاد. فالوقت الآن هو لـ «الحل الديبلوماسي» الذي يضع خريطة طريق لصفقة ما مع إيران حول ملفها النووي، والحل الذي يريده أوباما والغرب لا بد أن يضمن أمن إسرائيل كذلك. ألم يكن أمنها بين أولويات الخطاب، فيما طهران تسعى الى إدراج سورية والبحرين على طاولة الصفقة، ومحطتها المقبلة كازاخستان أواخر الشهر؟

يَعِدُ أوباما الأميركيين بتسريع الانكفاء العسكري للولايات المتحدة من أفغانستان، ومن ساحات حروب محتملة، فيما البنتاغون عاجز عن إرسال حاملة طائرات الى الخليج، بعد كل الضجيج والوعيد بالتصدي لأي محاولة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز. تحضر في خطاب حال الاتحاد، إيران وإسرائيل و «القاعدة»، بعد الهموم الاقتصادية للأكثرية في أميركا، بينما الرئيس منهمك بشحذ أسلحته في معركته الطويلة مع الجمهوريين حول الإنفاق وسياسة الضرائب.

تغيب فلسطين عن الخطاب، وعبارة «الربيع العربي» التي ربما أدرك أوباما أنها باتت تضيء إشارة قلق من هيمنة ما يسمى تيار الإسلام السياسي. يعترف الرئيس بوجود مواطنين في المنطقة لهم «حقوق عالمية»، ويقر بأن أميركا لا ترغب وربما لا تقوى على تغيير «المسار» في مصر. في المنطقة هناك مواطنون و «ناس»، سيصرّ أوباما على «احترام حقوقهم الأساسية» جميعاً. وهو وإن تفادى بذكاء استخدام كلمة الأقليات، ليتجنّب هواجسها في «الربيع»، فقد أدهش السوريين مجدداً بوعده إبقاء «الضغط» على النظام في دمشق. وجميعهم يعلم أن التبرير الوحيد لهذا الوعد يتجلى في إدراك جوهر «استراتيجية» أوباما في سورية: فلا هي قيادة من أمام، ولا قيادة من خلف… ببساطة مزيد من الانتظار والتفرج، رغم سقوط سبعين ألف قتيل. أوان التحول الوحيد- وفق مفهوم التدخل- تهديد أمن إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة. ألم يقلها الرئيس الأميركي قبل خطابه؟

نحن إذاً مواطنون عالميون، نستحق كل دعم بالكلام، وله كذلك «خط أحمر». فالكثير من معارك الكونغرس ينتظر سيد البيت الأبيض ودفاعه عن الطبقة الوسطى في أميركا… بالتالي رضا اللوبي اليهودي أولوية، من موجباتها دفاع شرس عن «أمن إسرائيل». والأمن ذاته يستدرُّ جولةً شرق أوسطية لأوباما بعد أسابيع، فمن يدري ربما يسعفه الحظ في جولة كازاخستان «النووية»، وتتضح خريطة الطريق نحو صفقة مع إيران، تعفي الدولة العبرية من سيناريو الحرب الباهظة، وتعفي الديموقراطيين في الولايات المتحدة من جرّ أقدامهم إلى منازلة في الخليج يأنفونها. أليس تعفف أوباما عن الحل العسكري، ورقة ثمينة لدى طهران، وإن لوّح بفعلٍ ما يمنعها من امتلاك أنياب نووية؟ ولأن الوقت للحل كما قال، تتمنى الدول الكبرى ألاّ تضيّع إيران فرصة «الأفكار الجديدة» التي ستُعرض لمساومة، كجزرة ترغيبٍ بطي الملف النووي.

كل ذلك يبرر تضخم المخاوف في الخليج من اقتراب ساعة الصفقة، وانتزاع الإيرانيين تنازلات من الغرب على حساب المنطقة وأمنها، فيما تكرر تحذيراتها الهادئة لطهران للكف عن لعبة الخيوط الخفية، واستغلال أوضاع داخلية لبعض دول الخليج، في سياسات تحريض معروفة.

لحظةُ مساومةٍ إذاً، ومجدداً على حساب العرب؟

يقول ديبلوماسي عربي ان المنطقة فقدت كل وزن لدى أميركا والكبار، نتيجة غليان الفوضى وتداعيات ثورات «الربيع» التي تأكل أبناءها. «لم نعد عنصر ضغط… لماذا يضطر الأميركيون لمراعاتنا»؟ ولا يستغرب أن يغيب اسم فلسطين- كما في العام الماضي- عن خطاب أوباما، حين يتطرق الى السياسة الخارجية، مرجحاً أن يكون احتمال إعلانه أفكاراً جديدة لتحقيق حل الدولتين، معادلاً لصفر.

جولة الرئيس الأميركي الشهر المقبل، لن تكون أكثر من محطة لترميم العلاقات مع حكومة نتانياهو التي اجتهدت في ابتزاز واشنطن الى الحد الأقصى بورقتين: خطر امتلاك إيران السلاح النووي، وخطر إسلاميين متطرفين ينتزعون مقدرات دول أو يتسللون تحت أجنحة ثوراتها… ويقتربون من إسرائيل.

كل ذلك، يبرر في مرحلة «الانكفاء» الأميركي عن المنطقة، خريطة متخيّلة لاقتسام النفوذ، يُخشى أن تكون مثلثة: بين إسرائيل وإيران، والجماعات التي «نبتت» بعد «القاعدة»، وباتت تحتّم في استراتيجية أوباما نسخةً منقّحةً عن «الحرب على الإرهاب»، بلا أساطيل ولا احتلال.

في حقبة فقدان المنطقة أي وزن، ألا يكفي أن نكون مواطنين عالميين، في أشلاء دول؟!

الحياة

أوباما وخطاب “حال الارتداد“!

راجح الخوري

على امتداد ساعة القى باراك اوباما على أسماع الاميركيين خطاب “حال الاتحاد”، الذي كان بالنسبة الى الكثيرين في العالم خطاب “حال الارتداد” تلك التي ستزيد سيطرتها على السياسة الاميركية في ولاية اوباما الثانية.

شكلت الازمة الاقتصادية التي قيل انها تقف عند “حافة الهاوية” محور الخطاب الذي كشف أن ما اعلن سابقاً عن تفاهم بين الجمهوريين والديموقراطيين على حلول للازمة، لم يكن صحيحاً، والدليل ان رئيس مجلس النواب زعيم الجمهوريين في الكونغرس جون بوينير الذي جلس مقطباً مدة ساعة وراء اوباما تعمّد نشر بيان ضد اوباما [قبل ان ينهي خطابه حتى] يتهمه بتكرار السياسة الفاشلة في اصلاح الاقتصاد وانه “كان امام فرصة لكنه اضاعها “!

لم يتطرق اوباما الى القضايا الدولية الملتهبة إلا لماماً، فمر مرور الكرام على المشكلة النووية الايرانية داعياً الى حلها ديبلوماسياً على رغم الفشل المتكرر للديبلوماسية في هذا الملف، وكذلك على التحدي الكوري الشمالي في النوويات ايضاً. اما الازمة السورية الدامية التي تغرق شرف الذين طالما يدّعون حماية الحريات والديموقراطية وحقوق الانسان، فلم تحظ منه بأكثر من عشر كلمات بلا طعم او لون او رائحة، مع ان الصحف الاميركية كانت قد ركّزت على اعلان الامم المتحدة ان عدد القتلى السوريين وصل الى 70 الفاً.

حيال هذا الواقع “الارتدادي” المتزايد ومع اعلان اوباما عن الاتجاه الى سحب نصف القوات الاميركية من افغانستان، تذكر الكثيرون تاريخ 2 كانون الاول يوم أرسل الرئيس جيمس مونرو كتابه الشهير الى الكونغرس الذي طالما عرف بـ”مبدأ مونرو” للانسحاب الاميركي الى الداخل.

والقصة لا تتوقف على “الارتداد” الاميركي بل على ما يمكن ان تحدثه من هزات خطيرة في امكنة كثيرة من العالم، فعندما يكتفي اوباما بالقول ان تجربة كوريا الشمالية النووية ستزيد عزلتها من حق زعماء بيونغ يانغ ان يضحكوا ملياً، على الاقل لأن اميركا هي التي تسرع الخطى الى الانعزال. اما عندما يغازل طهران بالقول ان الوقت هو للحل الديبلوماسي فمن حق الملالي الذين كانوا يعلنون رفع نسبة تخصيب الأورانيوم، ان يقهقهوا سخرية بعدما أفشلوا تكراراً كل جولات التفاوض مع مجموعة 5+1.

قصة “حال الاتحاد” تذكّرني بقصة الأوعية المتصلة في الفيزياء البسيطة، ذلك ان الضعف الاميركي في الداخل سرعان ما سينعكس ضعفاً على الدور الاميركي في الخارج على المسرح الدولي، حيث تستعد قوى اخرى لاستعادة مقاعدها مثل روسيا، او لاحتلال مقاعد جديدة مثل البرازيل والهند والمانيا. ثم ان الارتداد الاميركي الى الداخل لن ينقذ الاقتصاد ويعالج الازمات بل سيفاقمها في امبراطورية طالما صنعت قوتها وجبروتها عبر سياستها الكولونيالية حيال الشعوب الاخرى وما تملك من ثروات!

النهار

لا داعي للحداد

ساطع نور الدين

ببالغ الحزن والاسى قرأ عدد من المعارضين السوريين الخطاب الاخير للرئيس الاميركي باراك اوباما، مع انه يؤدي خدمة جليلة لا تقدر بثمن للثورة السورية ويرسي اسس قيامة دولة سوريا الجديدة من رماد الحرب الطاحنة التي تحرق شعبها وتدمر بنيانها، بشكل مغاير لذلك الذي اعتمده الاميركيون في العقود القليلة الماضية في هدم الدول واعادة بنائها، على نحو لن ينساه الافغان والعراقيون ابدا.

ذرف كثيرون من المعارضين السوريين الدمع على الموقف الاميركي المتخاذل الذي يطعن الثورة في الظهر، ويشوه صورتها، ويمنع تسليحها، ويتواطأ عليها مع الروس، ويعطل اي خطوة جدية يمكن ان يتخذها المجتمع الدولي لحماية شعبها. واستهجن بعضهم كيف ان اميركا فقدت قيمها الاخلاقية ومعاييرها الانسانية. وقررت ان تكتفي بالتفرج من بعيد على المذبحة الكبرى الحاصلة في سوريا.

الحجج والتهم التي وجهها المعارضون السوريون لا تنم فقط عن جهل باخلاقيات اميركا وانسانيتها، بل عن سوء فهم لسياساتها الراهنة التي لا يجوز ان تخفى على احد، لانها معلنة وصريحة وقد رددها اوباما نفسه في خطابه اكثر من مرة، بعدما كان قد حصل على تفويض شعبي كاسح لولاية رئاسية ثانية على اساسها، وهي تقضي بانهاء المغامرات العسكرية الاميركية في الخارج والاكتفاء بالاغتيالات من الجو لقادة وخلايا تنظيم القاعدة، والاهتمام الخاص بالاقتصاد الاميركي الذي يواجه تحديات خطيرة لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

شبكات القاعدة موجودة في سوريا. هذا امر لا شك فيه. والتقديرات المتداولة حول اعدادها تتفاوت بين جهة واخرى. ليس صدفة ان اعلى الارقام حتى الان جاءت من واشنطن بالتحديد، وكانت حجة ثابتة لاحجام الاميركيين عن دعم الثورة السورية، التي يمكنها ان تتوقع، وبلا ادنى شك، ان تتضاعف هذه الاعداد اذا ما بادرت اميركا الى التدخل العسكري في سوريا باي شكل من الاشكال. عندها فقط يجوز التكهن بان حركة طالبان السورية التي تلوح في الافق هي وحدها التي سترث النظام الحالي.. وبالتفاهم مع الاميركيين على غرار ما حصل في تسعينات القرن الماضي وما سيحصل العام المقبل عندما تسلم اميركا افغانستان مجددا الى حركة طالبان.

وهي ليست مسألة جدلية فقط، بين الاميركيين وبين الارهابيين الاسلاميين الذين ولدوا وترعرعوا في كنفهم، بل ايضا حساب سياسي دقيق، وقراءة وافية في التجربة العراقية تحديدا التي جعلت من ارض الرافدين اكبر تجمع لشبكات القاعدة في العالم.. وهو ما لا يطمح احد في سوريا او خارجها الى استقطابه او حتى التنافس معه، على الرغم من كل ما يقال عن ان بلاد الشام تسير في هذا الاتجاه، نتيجة امتناع اميركا عن دعم الثوار السوريين غير الاسلاميين!

ما يشاع عن ان اميركا بموقفها هذا تزيد من الكلفة البشرية للثورة السورية غير منطقي ابدا. فاذا كان الثوار قد اشعلوا ثورتهم من دون تقدير مسبق لتلك الكلفة الباهظة فعلا، فهي مشكلتهم حقا في فهم نظامهم وردود فعله من جهة وفي ادراك مغزى انتفاضتهم وقيمتها. اما اذا كانوا وما زالوا يتوقعون ان يهب الاميركيون والعالم كله لنجدتهم فتلك مصيبتهم اكثر مما هي خيبتهم.

جوهر الثورة السورية، كما سواها من الثورات العربية التي سبقتها، هو انها وليدة الداخل وحده. وهي قيمة مضافة تكبر عندما يظل الاميركيون تحديدا بعيدين عنها، فلا يحصل تنظيم القاعدة وشبكاته على مبرر اضافي لدق النفير العام، ولا يتشكل مستقبل سوريا على اي مثال اميركي، ومن دون قيد او شرط يمكن ان تفرضه واشنطن سلفا لقاء المساهمة في دعم ثورة لم تعد تحتاج الى الكثير.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى