مقالات تناولت “داعش”
الرقة تحت حكم “داعش”: المعاناة المعيشية تتفاقم/ مروان أبو خالد
تعتبر محافظة الرقة التي تقع شمال شرق سوريا وتشكل 10.6% من مساحتها، من أهم المحافظات تأثيراً في الاقتصاد السوري، فنهر الفرات الذي يقطع في الرقة مسافة 170 كيلومتراً، يشكل عصب الحياة الرئيسي لسوريا بأكملها سواء من ناحية توليد الكهرباء، أو توفير المياه لري المزروعات، خصوصاً عبر السدود الكبيرة كسد الفرات الذي تقدر طاقته التخزينية بحدود 14 مليار متر مكعب، وسد البعث بطاقة تخزين 90 مليون متر مكعب.
كما كانت الرقة تساهم بجزء مهم من إجمالي الإنتاج الزراعي السوري، لاسيما المحاصيل الاستراتيجية، إذ كانت تنتج 13.85% من إجمالي إنتاج سوريا من القمح، 28.03% من إجمالي إنتاج الذرة الصفراء، 38.83% من إجمالي إنتاج القطن، 18.02% من إجمالي إنتاج الشمندر السكري. إضافة لوجود بعض الآبار النفطية فيها كالعكيرشي والحباري.
وبرغم هذه الثروات الطبيعية الهائلة، تشهد الرقة حالياً أوضاعاً خدماتية سيئة للغاية، “فالكهرباء لا تؤمّن أكثر من 4 ساعات في اليوم وأعطالها دائمة ومتكررة بسبب نقص قطع التبديل في المحولات الموجودة على السدود. وتنظيم داعش هو من يشرف حالياً على إدارة الكهرباء ويحصل فواتير كهرباء بمقدار 500 ليرة (2 دولار) بشكل موحد لكل المواطنين شهرياً. أما المياه فهي متوفرة نسبياً، لكن المشكلة هي في نفاذ الكلور ونقصه، فالمياه غير نظيفة وغير معقمة وهذا ما يهدد صحة أبناء الرقة بشكل كبير، وكذلك يشرف التنظيم على المياه ويجبي فواتيرها بمقدار 500 ليرة عن كل شهرين”، بحسب عبد العزيز عبد الله، احد الناشطين في الرقة.
يضيف عبد العزيز أنّ “شبكات الهاتف الأرضي تعمل بشكل جيد ويتقاضى التنظيم نحو 400 ليرة (1.6 دولار) عن كل شهرين وبشكل موحد للمواطنين كافة، كذلك تقوم البلدية، أو ما يعرف بمكتب خدمات المسلمين، بترحيل القمامة ويتقاضى لقاء ذلك من أصحاب المحال التجارية ضريبة شهرية بمقدار 500 ليرة، إضافة لتلقيه بدل حماية شهري يقدر بـ 500 ليرة”. ولا شك بأن هذه الفواتير المتدنية نسبياً في قيمتها لها ما يبررها، فهذه البنى التحتية للخدمات لم يبنها “داعش”، بل بنيت من أموال أبناء الرقة عبر عقود طويلة، ناهيك أيضاً أن خفض الفواتير هي وسيلة لكسب السكان المحليين. ويقدر عبد العزيز مجموع ما يجبيه “داعش” من فواتير وضرائب شهرياً من مدينة الرقة بنحو 50 مليون ليرة (200 ألف دولار).
الزراعة بدورها تراجعت بشكل كارثي، ولا نسب محددة عن حجم هذا التراجع، ولكن عبد العزيز يقدرها بأكثر من 50%، وذلك لأسباب كثيرة منها “عدم تقديم البذار والأسمدة للمزارعين، عدم شراء المحصول من الفلاحين، غلاء المحروقات وانقطاع الكهرباء عن محطات مشاريع الري، مثل مشروع البليخ والمشروع الرائد”. وبرغم هذه الظروف لا يسلم الفلاحون من سلطة “داعش”، إذ يفرض التنظيم عليهم “زكاة المحصول والتي تقدر بـ 5% للمحاصيل المروية، و10% للمحاصيل البعلية”. أما الأراضي والممتلكات العامة فحولها “داعش” أيضاً لمصدر كسب، “إذ يتقاضى التنظيم أجور الأراضي والأملاك العامة المستأجرة، بسعر 2500 ليرة (10 دولارات) عن كل دونم”.
وعن حال الأسواق، تعتبر أسعار السلع محررة تقريباً، وهي ترتبط بصعود الدولار وهبوطه، ويشرف التنظيم على عمل الأفران ويوزع عليها الطحين، ويصل سعر ربطة الخبز إلى 125 ليرة (0.5 دولار)، كيلوغرام الطحين 100 ليرة (0.4 دولار)، كيلوغرام السكر 140 ليرة (0.56 دولار)، كيلوغرام الأرز 260 ليرة (1.04 دولار)، كيلوغرام الشاي قرابة 1600 ليرة (6.5 دولار)، كيلوغرام اللبن 125 (0.5 دولار)، كيلوغرام اللحمة 1400 ليرة (5.6 دولار). وتقريبا تحتاج الأسرة إلى حوالي 15 ألف ليرة (60 دولار) بالحد الأدنى لتأمين متطلبات الطعام. أما عن الثروة الحيوانية التي تواجه خطر الانقراض، فإن اعلاف الماشية غير متوفرة ويصل سعر كيلوغرام الشعير المستخدم كعلف إلى 38 ليرة (0.15 دولار)، والخطر الأكبر الذي يتهدد الثروة الحيوانية في الرقة هي تهريب المواشي والأبقار إلى تركيا وبيعها هناك. علماً ان هناك أخباراً تتحدث عن تقاضي التنظيم ضريبة على المواشي تقدر بـ 10%، إلا أنه لا تأكيد واضحاً على ذلك.
وتتفاقم معاناة سكان الرقة أكثر في مجالي الصحة والتعليم، “فغالبية المستشفيات خارج الخدمة الفعلية، بإستثناء مستشفى الرقة الوطني الذي يعمل بلا قسمي الكلى والحواضن المعطلين تماماً. كما أن المستوصفات تعاني من فقدان الأدوية، وأسعار الأدوية في الصيدليات مرتفعة جداً، يعجز غالبية المرضى عن شرائها. وسابقاً كان الهلال الأحمر يؤمن بعض أصناف الأدوية، لكن حالياً أغلق مركزه. وهناك لقاحات تصل من تركيا عبر منظمات انسانية، لكنها لا تكفي، وتعاني المنظمات من التضييق عليها”.
أما التعليم، فوضعه متأزم جداً. فجميع المدارس مغلقة، ويوجد حوالي 50 ألف طالب من مختلف المراحل الدراسية قد حرموا من إكمال تعليمهم وهم خارج مقاعد الدراسة حالياً. أما عن السياسة المالية التي يعتمدها التنظيم، فما زال التعامل ضمن الرقة يتم بالليرة السورية والدولار، ولا وجود للدينار الذهبي إطلاقاً، والغريب في الأمر أن الرقة ما زالت تستقبل حوالات من مغتربيها ومن جميع الدول عبر مكاتب خاصة يملكها أبناء المحافظة، وهي مفتوحة علناً وتستقبل حوالات من كل الدول من دون تدخل “داعش”، فالحوالات تنشط حركة السوق، وتخفف من نقمة الأهالي على ظروفهم المعيشية.
ومن المعروف أن “داعش” يعتمد على المتاجرة في السوق السوداء للحصول على المال اللازم لتمويل نشاطه، خصوصاً عبر المتاجرة بالنفط وبالقطع الأثرية. والتنظيم يبيع برميل النفط الخام سعة 220 ليتراً إلى الأهالي بقصد تكريره بسعر 6 آلاف ليرة (24 دولار)، ويصل سعر ليتر المازوت المكرر إلى 80 ليرة (0.32 دولار)، والبنزين إلى 110 ليرات (0.44 دولار). وقد باتت مهنة التكرير رائجة جداً بين أبناء الرقة العاطلين عن العمل. وعن نهب الآثار، فإن التنظيم يبيح للناس التنقيب عن الآثار، ولكن مقابل حصوله على نسبة تقدر بحوالي 25% من قيمة القطعة الأثرية التي يتم اكتشافها، لتباع هذه النفائس الأثرية لتجار أوروبيين عبر تركيا.
إن صعوبة الأوضاع المعيشية في الرقة يستغلها “داعش” لترسيخ نفوذه، فأمام ارتفاع البطالة إلى 70% بين شباب الرقة، وانعدام فرص العمل أمامهم لإعالة عائلاتهم، يندفع الكثيرون منهم للانتساب إلى التنظيم، وهنالك حالياً نحو 2500 مقاتل في “داعش” من أبناء المحافظة، والعدد مرشح للارتفاع، فالراتب الذي يعرضه “داعش” مغرٍ ويصل إلى 300 دولار في الشهر، يضاف إليه تعويض بمقدار 50 دولاراً لكل طفل، ولأول ثلاثة أطفال فقط ينجبهم المقاتل.
المدن
كارثة تجنيد «داعش» للأطفال
معظم من يقومون بالعمليات الانتحارية لصالح التنظيم تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما
بيروت: منى علمي
انتشرت في الأشهر القليلة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تظهر مراهقين وأطفالا يتدربون على استخدام الأسلحة ويشاركون في حرب الشوارع والعصابات. هذه الصور التي غالبا ما تعمدت نشرها وسائل إعلام تابعة أو موالية لـ(داعش) إنما تشكل دليلا دامغا عن استغلال المنظمة الإرهابية للأطفال في الصراع المحتدم في سوريا والعراق.
فقد صب تنظيم داعش جل جهده في تجنيد الشباب كما الأطفال، بحيث أورد تقريرا نشر على موقع «سوريا مباشر» (Syria Direct)، في شهر مايو (أيار) الماضي، أن أطفالا ما دون 18 عاما شوهدوا على نقاط التفتيش، وأن شابا آخر لم يتعد عمره 17 سنة تورط في تفجير معبر باب السلام الحدودي. ووفقا لتقرير صادر عن اللجنة السورية لحقوق الإنسان نشر في شهر أغسطس (آب)، فإن ما لا يقل عن 800 طفل تحت سن الـ18 جندوا من قبل التنظيم.
وأضاف التقرير أن «داعش» اعتمد على أساليب تحريضية لجذب الأطفال حيث أمن لهم عددا من الأنشطة الترفيهية والأجواء الخاصة التي غالبا ما افتقدت في البلد بسبب النزاع الدائر. «فبهدف جذب مزيد من المراهقين يقوم (داعش) بتنظيم المؤتمرات في المدارس حول موضوع الحرب، ويفهم الأطفال أن باستطاعتهم القتال. خطاب اعتمده التنظيم أيضا في المساجد. وسواء في المدارس أو المساجد، يستهدف التنظيم الأطفال الذين يتعدى عمرهم 13 عاما»، وفق أحمد، الناشط العراقي من الموصل الذي تحدث إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، شرط عدم الكشف عن هويته، مشيرا إلى أن ابن أخيه أجبره والداه على ترك المدرسة خشية من أن يقع ضحية تعاليم «داعش».
هذا وقد بثت أخيرا وسائل الإعلام التابعة لـ«داعش» شريط فيديو لحفل تخرج عدد من الأولاد يظهرون لاحقا في الشريط نفسه يحملون الأسلحة.
فضلا عن ذلك، أورد تقرير «Business Insider»، نقلا عن ناشط محلي، أن أكثر من 30 طفلا كانوا يقاتلون في صفوف «داعش»، لقوا حتفهم في المعارك الطاحنة التي استمرت طوال شهر ضد القوات الكردية في مدينة كوباني. وذكرت صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية، أن مواقع مناصرة لـ«داعش» نشرت في سبتمبر (أيلول) صورا لطفل زعم أنه أصغر مقاتل أجنبي يقتل في معركة، ولم يكن يتعدى العاشرة من العمر، وراح أنصار «داعش» يتناقلون صور الطفل متباهين بأنه أصغر شهيد. كما نشرت صحيفة الـ«Independent» مقابلة أخرى في شهر فبراير (شباط) الماضي، مع مراهق يبلغ 17 عاما من العمر، اعتقل قبل أن يتمكن من تنفيذ هجوم انتحاري في العراق. وقال الشاب الذي بدا نادما على تصرفاته أن كثيرا من المهاجمين الانتحاريين كانوا أصغر سنا منه وتراوحت أعمارهم بين 13 و15 سنة.
وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن نشطاء في بلدة كوباني شمال سوريا، أنهم لاحظوا وجود أطفال يقاتلون إلى جانب مسلحي «داعش». وذكرت الوكالة أنه تم العثور على جثث 4 أولاد، اثنين منهم تقل أعمارهم عن 14 عاما شاركوا في هجمات انتحارية. كما تم رصد مقاتلين من الأطفال أيضا في محافظة حلب السورية، وفقا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
يشير أنطوني ماكدونالد، رئيس قسم حماية الأطفال في منظمة اليونيسيف، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إلى أن موقف المنظمة بالنسبة إلى أي مجموعة مسلحة هو الرفض التام لتوريط الأطفال بنشاطات ترتبط بالحرب، ويشمل ذلك استخدام أو تجنيد الأطفال، وكلمة «استخدام» لا يقصد بها فحسب إشراك الأطفال في المعارك، بل أيضا استعمالهم لنقل المياه وغيرها من الأمور فضلا عن تزويج الفتيات القاصرات والاستغلال الجنسي.
في الواقع، لم تقتصر فظائع «داعش» على استخدام الأطفال، لتنفيذ العمليات الانتحارية أو القتال فحسب، بل جعلهم التنظيم أيضا جلادين. فقد سلط تقرير للأمم المتحدة نشر في شهر نوفمبر الضوء على الاستخدام الممنهج من قبل «داعش» للأطفال ما دون الـ18 كجلادين، متحدثا عن المقاتل الذي يبلغ عمره 16 عاما الذي نفذ عملية قطع رأس جنديين، كان التنظيم قد اختطفهما من قاعدة طبقة الجوية في أواخر أغسطس عام 2014، في سلوك (الرقة)، كما أظهر شريط فيديو آخر طفلا لا يتعدى عمره 8 سنوات يقوم بإعدام رجلين اتهمهما التنظيم بأنهم جواسيس لروسيا.
يشير أحمد إلى أن «التحاق الأطفال بالجماعات الإرهابية ليس شيئا جديدا في العراق، فهذا التقليد كان سائدا في زمن أبو مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة في العراق المنظمة الأم التي انبثق منها (داعش)».
ووفقا لدراسة منظمة الأمم المتحدة، يستخدم تنظيم داعش المؤسسات التعليمية كمراكز لتلقين أفكاره وعقائده. بحيث أشار التقرير بأن «داعش» يستعمل منذ سبتمبر 2013، مدرسة البثري في الباب (حلب) كمنشأة تدريب عسكري للفتيان ما دون 18 عاما، وأن مخيم الشريعة الخاص باليافعين الواقع بالقرب من مدينة طبقة في الرقة يدرب نحو 350 طفلا ما بين 5 و16 سنة ليتولوا مهام قتالية. «ويتقصد التنظيم أن تستهدف البروباغندا التي ينشرها الأطفال بشكل خاص، ففي مدينة الرقة، يجري جمع الأطفال وتبث بشكل متكرر الأشرطة المصورة التي تظهر قطع رؤوس عناصر من الجيش النظامي، دافعا الأطفال بذلك إلى أقصى درجات العنف».
وأضافت الدراسة نفسها أن 153 طفلا كرديا ما بين 14 و16 سنة تم اختطافهم في 29 مايو 2014 واحتجزوا في مدرسة في مدينة منبج في حلب، وجرى تلقينهم بشكل يومي طوال 5 أشهر الفكر الجهادي العسكري، وكان يعاقب بالضرب المبرح كل من يعارض منهم هذه الأفكار.
يشرح الناشط المتحدر من الرقة أبو إبراهيم الذي كان وراء إنشاء موقع «الرقة تذبح بصمت» في حديث إلى «الشرق الوسط»، أن «داعش» يعتمد 3 أساليب مختلفة لتجنيد الأطفال، «ففي بعض الأحيان يتم تلقين الأطفال وتشريبهم الفكر الداعشي، وفي أحيان أخرى يتخلى الأهل عن أطفالهم مقابل مبلغ زهيد محاولين الخروج من يأسهم وفقرهم، وأخيرا عمليات الخطف التي ينفذها التنظيم».
يحرص تنظيم داعش في معسكرات التدريب على تأمين الملبس والمسكن ووجبات الطعام إلى الأطفال، وهو يعتبر الأطفال والشباب من أولوياته محاولا كسب ولائهم على المدى البعيد من خلال تلقينهم آيديولوجيته التي يحاول فرضها في المناطق الخاضعة لسيطرته. وفي الوقت الذي يصعب التحديد بشكل دقيق إلى أي مدى يصل استغلال «داعش» للأطفال في الأراضي التي يحكم سيطرته عليها، فإن هذه الممارسات بالتأكيد موجودة، وسيكون لها تأثير كارثي على المدى الطويل على الأجيال الصاعدة في العراق وسوريا.
الشرق الأوسط
قصة معتقل هرب من سجون تنظيم الدولة الإسلامية/ محمد خالد
قصة معتقل هرب من سجون تنظيم الدولة الإسلامية فجاء قال أحد السجناء إن الجدار متداعٍ، ومن الممكن أن يقع فوقنا ويؤذينا، بسبب تصدعه من القصف
في أكبر فرار جماعي، هرب 90 معتقلاً، الإثنين، من أحد سجون تنظيم الدولة الإسلامية، من مدينة الباب بريف حلب الشرقي. ومن بين الهاربين مدنيون ومقاتلو معارضة مسلحة، ومقاتلون أكراد اعتقلهم التنظيم أثناء قتالهم في ريف مدينة عين العرب “كوباني” بريف حلب الشرقي.
بعد عملية الفرار، تمكن التنظيم من إعادة اعتقال عدد من الهاربين، بعد حملة دهم واعتقال في مدينة الباب وبلدة تادف القريبة منها، اللتين شهدتا حالة استنفار وانتشار لمقاتلي التنظيم وتشديداً على الحواجز. في حين نجح ما يقارب 30 سجيناً من الفرار، من ضمنهم مقاتلان اثنان من “وحدات حماية الشعب” الكردية.
التنظيم اعتقل عدداً كبيراً من المواطنين، نتيجة شكوك بكونهم من المعتقلين، ليتم الافراج عنهم لاحقاً. بينما قام مقاتلو التنظيم بالتجوال ضمن رتل عسكري، وقد وضعوا السجناء الذين تمت إعادة اعتقالهم في آلياتهم، وتجولوا بهم في أنحاء مدينة الباب.
فراس محمد العلي، سجين تمكن من الهرب، والوصول إلى مناطق سيطرة المعارضة، ومنها إلى الأراضي التركية. العلي من أبناء مدينة منبج بريف حلب، وهو ناشط في المجال الإعلامي العسكري، وكان لـ”المدن” هذا اللقاء معه:
بعد سيطرة التنظيم على مدينة منبج بفترة، قام باعتقال عدد من الناشطين الذين تمت تصفيتهم، يقول العلي: “فقررت الهرب إلى مناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب، ليقوم التنظيم باعتقالي عند حاجز مدينة الباب”. وتم التعرف على العلي من أحد أبناء منبج، واقتادوه معصوب العينين إلى معتقل لم يعرفه، و”لم أر النور فيه لفترة طويلة، ضمن زنزانة انفرادية بقيت فيها لثلاثة أشهر، قبل أن يتم نقلي إلى مهجع جماعي ضم عدداً كبيراً من السجناء، والذي بقينا نسمع فيه أصوات الناس الذين يتم تعذيبهم”. العلي قضى سبعة أشهر في المعتقل، لا تعلم عائلته عنه شيئاً.
يضيف فراس: “أثناء تواجدنا داخل السجن الكبير على الأطراف الشمالية الشرقية لمدينة الباب، سمعنا أصواتاً تتعالى لسجناء لم نعرف عددهم، يتكلمون بلغة لا نعرفها يتم تعذيبهم بشكل مستمر. وكان من بينهم شخص عربي ظلّ يُشتمُ ويُقال له: أنت خائن ومرتد، لقد أمنّ لك الخليفة كل شيء تحلم به، من مال وجاه وسلطة ونساء، فتخون الأمانة وترتد عن دين الإسلام؟ سيتم اعدامك وقد خسرت دنياك وآخرتك، بعد أن سحبت مقاتلين أجانب معك للهرب من دولة الخلافة إلى دولة الكفر”. بقي الحال، لمدة أسبوع، والمساجين يستمعون إلى أصوات تعذيب رفاقهم.
آمر السجن أبو آدم، سعودي الجنسية، وكان قد مضى على تسلمه السجن مدة شهرين، خلفاً لآمر السجن السوري أبو محمد، الذي قتل بغارات التحالف. أبو آدم كان حسن المعاملة مع المعتقلين، وكان يُسمع وهو يطلب من السجانين الاعتناء بالمعتقلين واعطائهم الطعام والشراب وعدم تعذيبهم. أبو آدم تعاطف مع السجناء الأجانب برفقة العربي الذي اتضح أنه تونسي الجنسية، وقام بتهريبهم خارج السجن، “لكن سرعان ما سمعنا أصوات اطلاق الرصاص، واشتباكات استمرت لساعات، ولم يُعرف ما حصل بعدها مع آمر السجن أبو ادم، أو للعناصر التي قام بمساعدتهم في الهرب” بحسب العلي.
بعد هرب السجناء الأجانب، وفي صباح اليوم التالي قام عدد من عناصر التنظيم بالدخول إلى السجن للتفتيش، و”طلبوا منا أن نحضّر أنفسنا مساءاً للخروج من السجن، كنا نظن أننا سنخرج لحفر الخنادق قرب بلدة اخترين كما كان يفعل التنظيم معنا كل فترة، إلا أنهم ومع حلول وقت المغرب اقتادونا إلى مبنى قرب دوار تادف جنوبي مدينة الباب، وقد دمّرت معظم أجزائه، وبقيت في داخله غرفة واحدة صغيرة، تم جمعنا كلنا داخلها، وأغلقوا علينا الباب، ولم نعد نسمع لهم صوتاً”. يتابع العلي: “وفجاء قال أحد السجناء إن الجدار متداعٍ، ومن الممكن أن يقع فوقنا ويؤذينا، بسبب تصدعه من القصف. ليقوم آخر بدفع الجدار فيقع جزء منه واستطعنا الهرب من ثغرة فيه”.
المعتقلون الفارون انتشروا في محيط مدينة الباب، ولم يعرف الحراس عن هروبهم إلا بعد وصولهم إلى أحد حواجز التنظيم، فأطلقوا النار عليهم ما أدى لإصابة عدد من الفارين بجروح. يتابع العلي: “هربنا أنا وثلاثة آخرون، ولم نستطع التوقف للنظر ومساعدة الجرحى، كوننا نخاف من أن يتم إعدامنا في حال تمت إعادة القاء القبض علينا”.
اتجه العلي وأصدقاؤه إلى أحد المعارف في قرية قرب مدينة الباب، والذي بدوره “نقلنا وبصعوبة إلى منزل آخر أكثر أمناً ضمن القرية. ثم قام بنقلنا إلى مناطق سيطرة المعارضة بسيارة لنقل الماشية، وتمددنا تحت الأغنام كي لا يرانا مقاتلو التنظيم على الحواجز، ووصلنا إلى منطقة حور كلس قرب الحدود التركية السورية”. في المساء وصل العلي إلى الأراضي التركية بمساعدة مهربين.
العلي نفى “أن يكون هناك أحد من المعارضة قد ساعدهم على الهرب من السجن، كون السجون سرية ولا يعلم أحد بمكانها”.
العلي روى حكايات عما يلاقيه المعتقلون من تعذيب في سجون تنظيم الدولة، وشبهه بالأساليب التي يتبعها النظام السوري. فراس كان قد اعتقل في سجون النظام بسبب مشاركته في مظاهرة بجامعة حلب، مطلع الثورة السورية. قال العلي: “مع بداية فترة اعتقالي لدى التنظيم تعرضت للتعذيب وبشكل قاسٍ، وكان ابن مدينتي الذي لا أعرف إلا شكله، يُشرف على تعذيبي والتحقيق معي”. العلي أكّد أنه من ضمن السجانين الذين يعذبون المعتقلين، أطفال صغار، جندهم التنظيم ليقوموا بمثل هذه الأعمال التي “تجعلهم يشعرون بالفخر”. ويتابع: “بقيت لثلاثة أشهر داخل غرفة لا تتجاوز مساحتها متراً مربعاً، وبظلام كامل”. المحقق كان يعيد الأسئلة ذاتها لفراس: “كم مقاتل قتلت؟ لماذا وقفت إلى جانب الصحوات؟ من معك؟ أريد منك أسماء الذين كانوا معك كي أقوم بالتخفيف عنك”. يكمل فراس: “المحقق كان يعلم بأنني من الذين رفعوا علم الثورة السورية، وقال لي إنها راية (عمية)، ومن يموت في سبيلها سيخلد إلى النار، وأنني سأموت وأدخل النار”. وظل المحقق يحاول مع فراس إلى “أن يئس مني وقام بنقلي إلى السجن الذي يبقى فيه المعتقل بانتظار الحكم عليه”.
يكمل العلي: “خلال فترة وجودي في السجن الجماعي، تم إعدام 40 سجيناً كانوا معنا، من بينهم ثلاثة من مقاتلي المعارضة من عائلة واحدة، بينهم طفل لم يبلغ الــ 14 عاماً”. حيث كان السجانون يدخلون المعتقل، ويسألون عن الشخص المطلوب، و”يقولون له بكل بساطة إن القاضي الشرعي في الولاية حكم عليك بالقتل لثبوت ردتك. ويقتاد الشخص مساءاً إلى مكان مجهول، ولا نعلم عنه شيئاً بعدها”. العلي أكد أنهم لم يشاهدوا القاضي الشرعي أبداً.
فراس يقول بإن التهم كانت جاهزة للجميع، وهي: “موالاة الكفار على الدولة الإسلامية والردة عن دين الإسلام”. المعتقلون الأكراد من بلدة قباسين وقرية البرج قرب مدينة الباب، وجهت لهم تهم الانتماء للأحزاب الكردية. كما أن معتقلاً مسناً من حي بستان القصر، وهو نازح إلى مدينة الباب، تم توقيفه بتهمة أنه تاجر مخدرات، وذلك نتيجة رفضه تزويج ابنته لأحد مقاتلي التنظيم. بينما توفى ثلاثة سجناء بسبب سوء حالتهم الصحية وقلة الرعاية الطبية في السجن.
المدن
الانتساب إلى “داعش”/ جلال زين الديـن
تميّزت الثورة السورية بعفويتها حتى في حمل السلاح، إذ إن معظم من حمل السلاح مدنيون لا خبرة سابقة لهم به، فانبهر السوريون ولاسيما الشباب منهم، بالمهاجرين في “جبهة النصرة” أو غيرها الذين يمتلكون خبرة ومهارة عاليتين، ما دفع عدداً كبيراً من الشباب للانخراط في صفوف فصائلهم للقتال بجانبهم.
بداية بريئة متواضعة وراء الانضمام لـ “النصرة” وأخواتها، هدفها إسقاط نظام بشار الأسد فقط دون أيّ بعد إيديولوجي أو طموح سياسي. فالمهاجرون حفّزوا الحمية في نفوس الشباب. “لقد شعرنا بالخجل أمام اندفاع المهاجرين وبسالتهم، لأننا أبناء البلد لم نكن نملك إقدامهم وشجاعتهم”، يقول أبو محمود من لواء التوحيد.
ومع إعلان البغدادي حلّ جبهة النصرة بدأ الشرخ، وبدت الصورة تتضح رويداً رويداً، واختلفت حينها السياسة على الأرض. الناشط الحقوقي محمود من ريف حلب، يشير إلى أن “السوريين أعجبوا بالنُصرة لأنّها تفرغت لقتال النظام، وقدّمت خدمات مدنية للأهالي، دون أن يكون لها في حينه مطمع مادي أو سلطوي، فتركت المرافق المحررة لأهل البلد يديرونها”، أمّا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فبدأ يسير برؤية واضحة ومغايرة، إذ باشر وضع اليد على المرافق والمنشآت الاقتصادية والحيوية، ورفض الاعتراف أو الانخراط في المؤسسات الثورية القضائية أو الأمنية أو السياسية أو العسكرية أو التعليمية.
ناصر العنصر السابق في الجيش السوري الحر، يذكر في بداية الانقسام أنّه سأل أميراً في التنظيم “لماذا لا تتوحدون معنا في قتال الأسد؟”، فابتسم قائلاً: “مشكلتكم أنكم لا تدركون أننا دولة، ونعمل على هذا الأساس، فكيف تريد من الدولة أن تتوحّد مع تنظيمات وفصائل؟”، ويضيف ناصر: “سخرت حينها من كلامه، واعتبرته هلوسة وأحلام”. لكن الأمر كان بداية التمايز من حيث المنتسبين بين النصرة والتنظيم.
انخرط معظم المهاجرين بالتنظيم بعد انفصاله عن النصرة في صيف 2013م، لكن النظرة للتنظيم بقيت على أنه فصيل ثوري. وفي هذه المرحلة خاض التنظيم عدة معارك، وأقام مقراته، ومكاتب الدعوة في مناطق سيطرة الثوار، ونجح من خلال هذه المراكز بجذب عدد من الشباب المتحمس، لكن بقي المهاجرون أغلبية، لأنّ الهجرة لم تتوقف.
وجد المهاجرون (الأجانب) في التنظيم ضالّتهم، فمشروعه عابر للقارات والحدود، ولا يعترف بالانتماءات الوطنية والعرقية، ويرفض كل النظريات القومية والسياسية الحديثة. ويقول الشيخ عبد الحي من ريف حلب: “استقطبت نظرية التنظيم المهاجرين، ولا سيما أنهم طلّقوا أوطانهم باحثين عن وطن جديد يحتضنهم، فوجدوا في الدولة الموعودة ضالتهم”.
تعرض التنظيم لهزة قوية بداية 2014م كادت تقضي على وجوده في سوريا لو توفر الدعم للثوار حينها، إذ انكفأ حينها إلى مناطق محددة، وانسحب من ريفي إدلب واللاذقية وقبلها من ريف حلب الغربي وريف إدلب المحاذي لريف حلب بمعارك كانت الأشدّ مع الثوار، وخسر كثيراً من المنتسبين السوريين الذين فضّلوا الانسحاب من التنظيم على قتل أبناء بلدهم.
لكنَّ ذلك أفاد التنظيم لاحقاً، فالمناطق التي انكفأ إليها تتجمع فيها الثروات (حقول النفط، السدود، محطات توليد الكهرباء، صوامع الحبوب، الأراضي الزراعية الشاسعة وغير ذلك)، وقد حكم هذه المناطق منفرداً بالحديد والنار، فقطع الرؤوس، وصلب المعارضين في الساحات.
إلا أن “داعش” بقي يعاني من قلة المنتسبين السوريين الذين نظروا إليه كفصيلٍ باغٍ معتدٍ مزّق صفوف الثوار، وحرَف الثورة عن مسارها. وقد انتسب للتنظيم بهذه الفترة المتسلقين الذي وجدوا فيه ضالتهم ليغطون جرائمهم السابقة ويتكسّبون باسمه. ثم جاءت انتصارات التنظيم في العراق، وسيطرته على مناطق واسعة في الموصل والأنبار لتعطي دفعاً معنوياً، وأعطت هذه المكاسب التنظيمَ عدداً كبيراً من المنتسبين الجدد، وبات يعزف على سيمفونية الطائفية التي تغذّت ونمت على ممارسات المالكي والأسد.
لكن عدد السوريين في صفوف التنظيم بقي دون المأمول، فكان لا بدَّ من انتصارات في سوريا تدفع الشباب للانتساب إليه، فخاض ثلاث معارك ضد النظام السوري (الفرقة 17، اللواء 93، مطار الطبقة)، وكانت كفيلة برفد التنظيم بمنتسبين جدد، إذ كان ينتسب أكثر من خمسة آلاف عنصر شهرياً، وقد بدا لهؤلاء أنّ التنظيم لا يقهر ويتمدد، ودولته باقية، ولم يقتصر الانتساب على الأفراد فانضمت في هذه الفترة ألوية وكتائب بكاملها، مثل لواء داوود الذي جاء من إدلب وبايع التنظيم وأخذ نقطة هامة بمواجهة النظام وهي حقل الشاعر.
ثم خفّت وتيرة الانتساب عقب زوال وهج الانتصارات، وساعد على ذلك أخطاء التنظيم، وسوء المعاملة والإدارة للدولة التي دعا إليها، فاحتقن الشارع ضد ممارساته وسياساته على مختلف الصعد.
وجاءت ضربات التحالف لتشكل طوق نجاة جديد، فمنحت هذه الضربات التنظيم شرعية سعى جاهداً للحصول عليها، وأظهر “داعش” نفسه بأنه القوة السنّية الوحيدة التي تقف بوجه المد الشيعي، والإمبريالية العالمية. ويقول أبو حسن من أحرار الشام سابقاً: “كانت الشكوك تطارد التنظيم في مراحل تمدّده كلها، فجاءت ضربات التحالف التي استثنت الأسد لتظهر التنظيم كمدافع عن السوريين في وجه الغرب الحريص على الأسد المعادي للإسلام”، وقد أجاد التنظيم العزف على هذا الوتر، واستطاعت الخطب النارية المرافقة لهذه الضربات رفد التنظيم بآلاف المقاتلين.
ثم جاءت معارك عين العرب لتلعب دوراً سلبياً للتنظيم، فكانت أشبه بمصيدة له، ثم كانت النهاية المأساوية المترافقة مع إعدام معاذ الكساسبة حرقاً سبباً بانحسار عدد المنتسبين، لاعتبارهم أن “الدولة” باتت عاجزة عن التمدد، ومهددة بالزوال.
غير أنّ وصول القتال في ريف عين العرب للقرى العربية، وحرق القوات الكردية للقرى العربية في تل حميس دفع عدداً من الشباب العرب للانتساب للتنظيم، لكونه الوحيد المدافع عن العرب السنة في مناطقهم، هذا في وقت لا يزال فيه المهاجرون يعبرون الحدود، وما زالت معسكرات التنظيم تستقبل مقاتلين جدد.
لقد تعرضت عملية الانتساب للتنظيم لحالات مد وجزر، متأثرة بأسباب كثيرة لعلّ الفقر أبرزها. فالمناطق التي سيطر عليها تعاني قبل الثورة من البطالة والإهمال الحكومي، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من النازحين الفقراء.
يقول المربي عمران من مدينة منبج إن “معظم السوريين المنتسبين للتنظيم في مدينة منبج هم من النازحين من أبناء السفيرة وحلب، ومؤخراً بدأ قسم محدود من أبناء منبج وريفها بالانخراط بالتنظيم تحت ضغط الفقر، فرواتب التنظيم مغرية”. هذا ولعبت الدورات الشرعية والدعاية الدينية دوراً بانضمام أعداد كبيرة، إذ أوحى التنظيم أنه الوحيد المدافع عن أهل السُنّة والجماعة في بحر الفتن المتلاطم، ولا يغيب هنا أنّ التنظيم بات الفصيل الوحيد العامل ضد النظام بعد قضائه على بقية الفصائل، فلم يعد بالإمكان لأبناء المنطقة محاربة الأسد إلا بالانتساب للتنظيم.
كما لعبت العوامل النفسية والاجتماعية دوراً في انتساب شريحة كبيرة، إذ كان للمظلومية التي تعرض لها الشعب أثر كبير بالدفع نحو التطرف، وعرف التنظيم كيف يسوق نفسه كمدافع عن المظلومين، واستغل طبيعة المجتمع العشائري، فعقد بيعات ومؤتمرات للعشائر تمت فيها البيعة للبغدادي.
وليس العامل الأمني ببعيد عن أسباب الانتساب، فكثير من منتسبي الجيش الحر السابقين والعوائل انخرطوا في التنظيم لحماية أنفسهم.
إلا أنه رغم كل عمليات الانتساب المتتابعة ما زالت الأعداد من السوريين قليلة، لأن المجتمع السوري المعتدل المنفتح لم يتقبّل حتى الآن تطرف التنظيم وتزمته، ولو تغيرت السياسة الدولية إيجاباً نحو الثورة السورية لانحسر عدد السوريين في صفوف التنظيم بشكل كبير.
موقع لبنان ناو