مقالات تناولت دور حزب الله في الازمة السورية
ما يسهو عن بال حزب الله
محمّد علي مقلّد
لتنبيه حزب الله من مخاطر تدخله في شؤون الثورة السورية ، استخدمت أمثال شعبية وحكايات خرافية ، من بينها حكاية الثعلب الذي سره أن يبتلع منجلا ولم يحسب حسابا لآلام إخراجه من أحشائه ، والحشرة التي دخلت من ثقب صغير إلى قلب بطيخة وتضخمت في داخلها حتى لم تعد قادرة على الخروج منها إلا بعد عودتها إلى حجمها الطبيعي.
واستخدمت تنبيهات من مغبة توريط الطائفة الشيعية في تعقيدات الأزمة السورية وفي رفع منسوب الفتنة الشيعية السنية في لبنان ، ومن مغبة الامعان في تنفيذ الأجندات الخارجية ، والدخول في مغامرات غير محسوبة ، ومن زج نفسه في معركة ضد الشعب السوري وضد الأغلبية السنية في المحيط العربي ، ومن تعريض الوحدة الوطنية اللبنانية لهزة تطيح بما تبقى من آمال لدى اللبنانيين في إعادة بناء بلدهم ، الخ ، الخ .
واستخدمت إدانات لانتهاكه سياسة النأي بالنفس وتهديده الدولة اللبنانية بوجودها ، وتضييعه بوصلة النضال من فلسطين جنوبا إلى سوريا ومن حماية القدس ومقدساتها إلى حماية المقامات في الست زينب وهيبة السلطة السورية في القصير، الخ ، الخ .
بعيدا عن لهجات الإدانة و التحذير والتنبيه والأمر والنهي والطلب والتوصية والنصيحة والتمني التي لا يأخذها حزب الله ، الآن ، بالاعتبار في غمرة شعوره بنصر يشبه النصر الإلهي ، قد يكون مفيدا أن يأخذ الوقت الكافي ، بعد أن ينجلي غبار المعركة (لا غبار الحرب)، وقبل أن يصبح الخروج منها ” مستحيلا … كوقف النزيف من الأصابع” ( العبارة للشاعر محمد الماغوط)، أن يجيب على تساؤلات فكرية ونظرية مشروعة تستوجب جرعة أكبر من التفكير وجرعة أقل من الحماسة والانفعال.
قد يسمى التدخل في أحداث سوريا حربا مقدسة في مواجهة الاستكبار العالمي والمؤامرة الاسرائيلية الأميركية على المقاومة ، أو معركة على التكفيرييين ، أو جزءا من التمهيد لعودة المهدي المنتظر ، أو الدفاع عن المقامات الشيعية ، أو معركة استباقية لحماية لبنان من مشروع سعودي تركي سني ضد الشيعة ، الخ ألخ . حتى لو صنفت هذه الأفكار في باب الأسباب المشروعة للدخول طرفا فاعلا في متاهات الحرب ، لا في باب الحجج والمبررات، لا بد من أن يطرح حزب الله على نفسه ما يشبه الأسئلة التالية :
1- ما هي خطته بعد السيدة زينب والقصير؟ هل سيستكمل تحرير الأراضي السورية من التكفيريين؟ وإن نجح في ذلك فهل سيستلم السلطة هناك ليحكم البلاد بديلا عن نظام البعث ؟ أم أن النظام السوري سيطلب منه العودة إلى لبنان مشكورا؟ أم أنهما سيتعاونان معا لتثبيت الأمن والاستقرار في بلاد مهدمة لا تقوى الامكانات المالية الإيرانية على النهوض بها ؟
جوابا على هذا السؤال ، يقول قائل ، لا يمكن أن يهزم شعب على أرضه ، وهذا ما أثبته حزب الله والمقاومة اللبنانية الباسلة في مواجهة اسرائيل. ترجمة ذلك تعني أن كائنا من يكون المنتصر في سوريا ، النظام أم المعارضة، سيكون حزب الله الخاسر الوحيد والغريب الوحيد . سيكون محتلا وستقوم في وجهه مقاومة تشبه مقاومته هو للاحتلال.
وجوابا عليه أيضاً ، نذكره بما قلناه له غداة حرب تموز : ماذا لو احتل حزب الله لبنان؟ سيكون مضطرا إلى إدارة الأزمة ولن يكون قادرا على حلها ، ومن الأفضل له في هذه الحالة أن يبحث عن صيغ للتعاون على أدارتها مع شركائه في الوطن ، بديلا عن إدارة الظهر لهم واستعدائهم . هذا الكلام يقال من باب أولى في الحالة السورية ، لأن احتمال انتصاره مع النظام على الثورة سيضعه أمام الدفاع عن نظام فشل في إدارة شؤون بلاده وعجز عن القيام بموجبات القضية القومية على امتداد نصف قرن .
2- الحروب بين الأديان أو بين المذاهب والجهاد المقدس لنشر الدعوات الدينية والمذهبية “بقوة السيف ” باتت من خارج جدول عمل التاريخ ، أولا لأن البشرية دشنت عصرا حضاريا جديدا منذ مئات السنين ، وثانيا لأن مرحلة التبشير الديني انتهت إلى فرز أممي توزعت فيه شعوب الأرض على الديانات السماوية وغير السماوية ، وبات تبديل القناعات الدينية أمرا فرديا مرتبطا بالثقافات وطرق التبشير والتواصل الجديدة . وبناء عليه ، فهل يعتقد حزب الله أن انتصاره المحتمل في سوريا سيساعده في نشر مشروع ولاية الفقيه ؟ وهل يعتقد أن السنة المهزومين في سوريا سيهللون لانتصار مشروع شيعي إيراني على سوريين معضمهم من أهل السنة ويجمعهم الرباط القومي العربي لا الرباط الفارسي؟
3- بعد انتهاء عصر الحروب الدينية دخلت البشرية عصرا حضاريا جديدا ولم يبق على وجه الكرة الأرضية إلا حروب يتواجه فيها الثائرون على الاستبداد والمدافعون عنه ، شعوبا في مواجهة حكوماتهم أو تحكم الدول في مقدراتهم وثرواتهم . والأفق الوحيد لهذه الحروب هو دخول من لم يدخل من الدول والشعوب في هذا العصر الحضاري الجديد ، الذي طالما رفضت الدخول إليه القوى الأصولية الدينية واليسارية والقومية . فهل يعتقد حزب الله أن مشروع ولاية الفيقه قادر على فتح الآفاق نحو عصر حضاري بديل ، وهل يطمح مشروعه ذاك، إن وجد ، إلى توحيد العالم تحت رايته ؟
إن كانت حربه ، كمشروع ديني مذهبي أو كمشروع سياسي أو كمشروع ثقافي، مسدودة الآفاق ، فإلى أين يمضي بأنصاره وبالطائفة وبالوطن ؟؟؟ ولا سيما إذا كان معظمهم لا يود الدخول إلى جنته ولا الدخول إليها بالسبل التي يختارها ويرسمها لهم.
المدن
مفارقة العدو أم الحرية في خطاب «حزب الله»؟
فالح عبدالجبار
تشييع القتلى في مواكب مهيبة انتقلت عدواه من الضاحية الجنوبية في بيروت الى الساحات العامة في البصرة. هنا قتلى «حزب الله»، وهناك قتلى «عصائب اهل الحق»، المنشقة عن التيار الصدري. وفي الحالين، فحومة القتال ليست الاراضي المحتلة في فلسطين، بل ارض سورية، حيث الصراع المستعر لإنهاء حكم الحزب الواحد الذي عمّر اطول مما ينبغي، وامتص رحيق امة عجفاء، تُركت بقايا أشلاء، ممزقة تمزيقاً.
«حزب الله»، الذي ساهمت ايران في تأسيسه لنشر عقيدة «ولاية الفقيه»، وليكون بديلها عن «حركة امل»، بدأ حياته السياسية بالفتك باليسار، في موجة اغتيالات لقادة الحزب الشيوعي اللبناني، يصعب نسيانها، اذكر منهم صديقي الأثير، مهدي عامل، الذي نبش قبره بحمية. لكن «حزب الله»، اتخذ بعد ذلك مساره الخاص، اي «تلبنن». فهو ليس محض ميليشيا، كما يصورونه في الغرب، ميليشيا تندرج، وفق المفاهيم الغربية، في خانة «الارهاب». أذكر نقاشاً عن الحزب دار في احدى الجامعات في لندن، وعارضت وقتها، ولا ازال، النظر الى «حزب الله» باعتباره محض حزب-ميليشيا، فهذا تبسيط يجافي الواقع كلياً. فهو أصلاً حزب سياسي، يتماهى تماماً والطائفة، بالتالي هو حزب-طائفة، شأنه في ذلك شأن بقية الاحزاب اللبنانية، ما عدا استثناء واحد أو اثنين.
وهو ايضاً دولة خدمات اجتماعية واقتصادية، معوضاً عن ضعف او الدولة غيابها، وهو فضلاً عن ذلك جيش مسلح، دولة داخل الدولة. وللأمانة، فخدمات «حزب الله» ذات نوعية تفوق ما عداها، لجهة الغاية والوسائل والتكلفة، في بلد اقتصاد حر بالاسم، يملكه الساسة، شأنهم شأن سادة القطاع العام في بلدان الاشتراكية العربية الخاصة، المزعومة.
لولا القرار السوري زمن الأسد الأب بنزع سلاح كل القوى عدا «حزب الله»، لما امكن الأخير ادعاء، بالاحرى احتكار ادعاء تمثيل المقاومة. وهو احتكار جلب للحزب شعبية عربية تجاوزت خطوط الانقسام المذهبي الذي اجتاح المنطقة مثل إعصار، يوم خاض حرب 2006. ويذكر اصدقائي السوريون، وجلّهم من مدن سنية، كيف فتحوا ابواب بيوتهم للنازحين من جنوب لبنان، وجلّهم من الشيعة، وكيف طبعوا صور السيد نصر الله، من دون انتظار موافقات امنية. فهم كانوا يحتفون بمقاوم عربي، ويستقبلون الاهل لا الأغراب. واليوم ينظر هؤلاء بنوع من صدمة سبقهم اليها اهالي بيروت يوم اكتسحت ميليشيا «حزب الله» بيروت الغربية، وأهالي عاليه حين اخذت مدافع «حزب الله» تدك ضواحيهم. هذا تحول سياسي جليّ للعيان، فالحزب يريد «الثلث المعطل»، اي حق الفيتو على السياسة اللبنانية، على رغم ان الوزن والتوازن الطائفيين لا يسمحان بذلك.
واذا كانت للصراع الداخلي في لبنان مسوِّغاته وهي لا علاقة لها بورقة توت المقاومة، فإن دخول حومة الصراع في سورية يفقد اية شرعية عدا شرعية خدمة الغير بأجر. فقدرة «حزب الله» العسكرية والخدماتية في لبنان محالة من دون دعم مادي ولوجستي خارجي، والأخير ليس بكرم حاتمي لوجه الله، بل لوجه خدمات منتظرة: انا ادفع وأنت تطيع!
وقول بعض دعاة «حزب الله» انهم يقاتلون في سورية دفاعاً عن المقاومة أو لتحرير الجولان (بعد مزارع شبعا)، وأن المشروع تحرير الأراضي المحتلة، اقرب الى النكتة التي يسميها اهل هوليوود «الكوميديا السوداء». دعاة «حزب الله» انما يقولون لنا ان بقاء استبداد الحزب الواحد شرط للتحرير، او بقلب المقولة، ان تحرر السوريين وغيرهم من الحزب الواحد، يعني ضياع الارض. وهذه مقولات فارغة تروم اخفاء حقيقة ان «حزب الله» حوّل نفسه من داعية تحرير الى مدافع عن الاستبداد، او -وهذا أنكى- انه دفاع طائفي في وجه القوى الاصولية السنية التي تتدفق على سورية. وعلى رغم المعارضة الشديدة التي تبديها القوى الوسطية السورية للأصوليين القادمين من الخارج، وهم اعداء اشداء لفكرة وممارسة الحريات الديموقراطية بلا مراء، فإن «حزب الله» كما هو حال الاصوليين، انما يحول حركة وخطاب الحرية، الى حركة وخطاب اقتتال طائفي. وهو ما نجده فاقعاً في شعارات «عصائب أهل الحق»، المموّلة اليوم من الحكومة العراقية، وبتحديد ادق من رئيس الوزراء العراقي. فالمتحدثون باسمها راحوا يلهجون امام عدسات التلفزيون برفع شعار «وا زينباه!»، اشارة الى مرقد السيدة زينب جنوب دمشق.
وهم اذ يفتقرون بلاغة النظير اللبناني ولباقته، يقصرون خطابهم على بكائيات بلهاء بلغة رثة، كأن الحرب الأهلية المستعرة في سورية تدور حول مصير مرقد السيدة زينب!
نعلم ان الموقف الرسمي العراقي انقلب من الشكوى على سورية أمام الأمم المتحدة، الى الدعم والتعاون والدفاع عن «النظام البعثي»، منذ وقف بشار الاسد مع ترشيح المالكي عام 2010، ومنذ أدت التحولات في مصر وتونس الى فوز الاسلاميين في الانتخابات، علماً ان «الاخوان» في مصر يجددون العلاقات مع ايران الرسمية. أما اسلاميو تونس فلم يتدخلوا، او قل لم يتورطوا بأي صراع طائفي. واستخدام صعود الاسلاميين في بلدان «الربيع العربي» لنشر فكرة «الخطر السنّي» و «التطويق السنّي»، ليس فكرة خرقاء لا سند لها في الممارسة العملية للاسلاميين الحاكمين، بل فكرة خطرة لإدامة الاستبداد، وأداة مدمرة لتمزيق ما بقي من الامم المنكودة بسلاح الاحتراب المذهبي.
لا يمكن ترويج فكرة المقاومة في بازار الافكار، الحر والمفتوح، ويصعب بيعها للسوريين المكابدين، كما يصعب اقناع الجمهور العربي والايراني، المتطلع الى عالم يسوده الحد الادنى من الحريات السياسية. واذا كان «حزب الله» يتمتع بحق الانتخاب، ودخول البرلمان، وامتلاك إعلام تلفزيوني وإذاعي وصحافي، فإن من حق السوريين والايرانيين التمتع بمثل هذه اللطائف المبغوضة عند رعاة «حزب الله» وعصائب الحق والاصوليين المنغلقين.
الحياة
تيجة التساهل مع إيران في الشام!
خالد الدخيل *
في اللحظة التي يواجه فيها مصيره واستحقاقاته الكبرى، يبدو العالم العربي مشلولاً، كأنه من دون خيارات ومن دون غطاء. ينتظر ماذا ستفعل واشنطن. وواشنطن لن تفعل الشيء الكثير. انكشفت خدعة المقاومة قبل القصير بزمن طويل، لكن التدخل الإيراني في الشام العربي يتوغل وبمساعدة عربية. قوات النظام السوري اضطرت تحت وطأة الثورة إلى الاستعانة بميليشيا «حزب الله»، وبميليشيات أخرى من العراق. خزانة النظام تتآكل بفعل تكاليف الحرب والعقوبات والهجرة المستمرة، ويأتي التعويض من إيران. وعندما تكون حاجة النظام السوري إلى أمنه وأمواله معتمداً على الخارج، يصبح قراره رهينة هذا الخارج. الأردن في حال استنفار وارتباك. في لبنان اختطف «حزب الله» قرار الدولة لصالح المرشد الإيراني. كل ذلك يحصل ومصر غارقة في أزماتها السياسية التي تتوالد في شكل يومي. والسعودية تبدو غارقة في صمت لم تخرج منه بعد. لا يعني هذا أن السعودية لا تفعل شيئاً. هي تفعل، لكن من الواضح أن ما تفعله غير كاف، وأن صمتها لا يساعد كثيراً. ما هو مطلوب ليس في حد ذاته صعباً، لكن تكمن الصعوبة في بطء الحركة وتأخر الاستجابة.
لماذا السعودية ومصر؟ لأنهما في هذه اللحظة عمودا المشرق العربي. العراق يخضع لتعايش نفوذ أميركي – إيراني مزدوج، وسورية أغرقها النظام بالدم لأنها تقاوم اختطافها إلى تحالف الأقليات في المنطقة الذي تقوده طهران. لمصر والسعودية مسؤولية أخرى، وهي أن ما آلت إليه أوضاع المنطقة منذ الثورة الإيرانية في 1979 يعود بشكل أساسي إلى سماح هاتين الدولتين للنظام السوري باستخدام علاقاته معهما، وإدارتها على نحو جعل منها غطاء لتحالفه مع إيران، وهو تحالف كان من الواضح أنه ينمو ويتسع في الخفاء بعكس ما كان يبدو عليه في الظاهر. تمشياً مع ذلك تركت السعودية ومصر الساحة للنظام السوري لتوظيف شعارات «العروبة والمقاومة والممانعة» للتمويه على حقيقة ما كان يجري بينه وبين القيادة الإيرانية. تركتا ذلك لأنهما استهانتا – ربما – بما كان يحدث، وتغاضتا عن حقيقة الشعارات وحقيقة ما كان يجري خلفها.
من أخطر نتائج التحالف السوري – الإيراني دخول «حزب الله» إلى المشهد اللبناني أولاً، ثم في المشهد العربي الآن. بات هذا الحزب ظاهرة سياسية غير مسبوقة في التاريخ العربي الحديث. لم يسبق لحزب مزدوج الهوية (لبناني – إيراني) وغير حاكم أن وصلت قوته السياسية داخل بلده إلى ما وصل إليه «حزب الله» في لبنان، ولم يكن ذلك ممكناً من دون الأموال والأسلحة الإيرانية التي كانت تأتي إلى الحزب لعقود من الزمن عبر البوابة السورية، ولم يكن ذلك ممكناً من دون تدريب المقاتلين على يد خبراء ومقاتلين إيرانيين. كل ذلك كان يتم بغطاء رسمي لبناني، وتغاضٍ عربي غريب. انطلت على كثيرين خدعة المقاومة التي يرددها الحزب. وهي ليست «خدعة» إنكار لواقع وإنما مواجهة للواقع. لا شك في أن الحزب قاوم العدو الإسرائيلي، وكان عاملاً مهماً في تحرير جزء كبير من جنوب لبنان، لكن السؤال: لمن هذه المقاومة؟ ولمصلحة من؟ ولأي هدف؟ وأين ستقف؟ ومن هو صاحب القرار في كل ذلك؟ يدّعي الأمين العام للحزب حسن نصرالله بأنه صاحب القرار في أمور بخطورة الحرب والسلم على مستوى المنطقة نيابة عن الجميع. وهذا في الواقع ما قاله يوم الجمعة الماضي عن تبرير دخول مقاتلي الحزب إلى جانب النظام السوري. يقول بالنص: «عندما قررنا – وإن كنّا متأخرين – بأن ندخل ميدانياً في مواجهة المشروع القائم على الأرض السورية، بدأت تتشكّل لنا رؤية واضحة عن المشروع القائم وتداعياته على لبنان والمنطقة وفلسطين وسورية وعلى المسلمين والمسيحيين والسنّة والشيعة وكل الناس». أي أن قيادة الحزب شكلت رؤيتها، واتخذت قرارها بدخول القتال نيابة عن «لبنان وفلسطين وسورية والمسلمين والمسيحيين والسنّة والشيعة، وكل الناس». من الذي أعطى الحزب كل هذا التفويض الذي لا يحلم به القيصر الروماني في زمانه؟ يوحي كلام نصرالله بأنهم في الحزب يملكون قرارهم وأنهم مستقلون في ذلك، لكن الأمر لا يحتاج إلى إثبات بأن قراراً بهذا الحجم والخطورة لا يملك نصرالله ولا زملاؤه حق اتخاذه والبت فيه بمعزل عمن يعملون تحت ردائه ورعايته والجميع يعرف – بمن فيهم نصرالله نفسه – بأن مثل هذا القرار، كما كل ما يتعلق بنشاطات الحزب خارج لبنان، هو في يد الذي يموّل الحزب وقيادته ويمده بالسلاح، وهو المرشد الإيراني. لا يملك الحزب المستند القانوني ولا السياسي للإقدام على مثل هذه الخطوة من دون غطاء إيراني أولاً، وغطاء سوري ثانياً.
تغاضى البعض عن كل ذلك، واستهان به وقلل من شأنه. من الواضح الآن أن سطوة الحزب على الدولة اللبنانية دليل على هشاشتها، لكن السماح له بالانخراط في المقاومة تحت عباءة المرشد الإيراني وبمعزل عن الدول العربية في موضوع هو في الأصل عربي من أوله إلى آخره، علامة أخرى على هشاشة الوضع السياسي العربي، وقبل ذلك على ضعف الدولة العربية.
كيف وصلنا إلى هنا؟ تأسس الحزب على يد «الحرس الثوري» الإيراني عام 1982. كان هدفه في البداية محصوراً في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. بعد قيام الحزب – وفي ما يبدو أنه تعزيز لهذا الدور – بدأت تتراجع كل حركات المقاومة اللبنانية الأخرى، بحيث انحصرت مهمة المقاومة في هذا الحزب دون سواه، ثم حصل أثناء اتفاق الطائف في السعودية الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية أن تم التوافق عام 1989 على نزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية كشرط من شروط إنهاء تلك الحرب، لكن تم استثناء «حزب الله» من هذا المطلب بذريعة المقاومة. كان هذا أمراً لافتاً في غرابته.
تسنّى لي في بداية صيف 2009 وبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية بحوالى أسبوع أن ألتقي السياسي اللبناني المعروف وليد جنبلاط بمنزله في كليمنصو ببيروت، وكان الذي تفضل بترتيب هذا اللقاء الصديق جورج سمعان رئيس التحرير السابق لهذه الصحيفة. سألت وليد بيك حينها: «على أي أساس تم ذلك الاستثناء؟ وما هي مبرراته؟». لم يزد الرجل في إجابته على القول بأن «جنوب لبنان كان تحت الاحتلال، وأن البلد كان في حاجة إلى حركة مقاومة». قلت له: «لكن حزب الله كان ولا يزال حزباً دينياً بقيادة دينية ومرجعية دينية، ولا يمثل إلا طائفة واحدة من مكونات المجتمع اللبناني، وهو إلى جانب ذلك مرتبط بدولة أخرى هي إيران. كان يجب توقع أن هذا الاستثناء مرشح لأن يفضي لأسباب عدة إلى الإخلال بالتوازنات السياسية داخل المجتمع اللبناني، ولم يكن من الصعب – حتى في ذلك الوقت – تصور أن إيران لن تسمح بتوظيف سلاح الحزب ضداً لمصالحها السياسية، وبالتالي قد تستخدمه لهذه المصالح. لماذا لم تكن هناك فكرة تكوين حركة مقاومة وطنية تمثل كل اللبنانيين؟». كان تعليق جنبلاط على ذلك بالنص: «أننا في ذلك الوقت لم نكن نفكر بالموضوع على هذا النحو»، وهو تعليق يترك ثغرات كثيرة. ربما أن التواطؤ السوري – الإيراني حينها لم يكن يسمح بأكثر من ذلك، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا وافقت السعودية؟ هل كان ذلك مجاملة لحافظ الأسد وعلاقته المتينة معها؟ أياً يكن، تعكس ملاحظة جنبلاط كيف يتغير نمط التفكير ومناط الاهتمام السياسي من مرحلة تاريخية إلى أخرى. ثم أضاف: «أنهم كانوا آنذاك لا يزالون تحت تأثير ثقافة السبعينات والثمانينات حيث كانت مفاهيم العروبة والاشتراكية والقومية هي المهيمنة». والإشارة هنا واضحة، وهي أن تلك المفاهيم تراجعت الآن لصالح الطائفية والمذهبية.
المهم. ها قد وصلنا إلى هنا. حزب عربي يقاتل بهوى طائفي شعباً عربياً باسم وراية بلد غير عربي. لا يجرؤ أن يقاتل تحت راية الإسلام، وإنما كما يقول نصرالله تحت راية الولي الفقيه مظللة بشعار «المقاومة». لم يفت شيء كثير. لا يزال هناك متسع من الوقت ومن الإمكانات لقلب المعادلة. إيران لا تستطيع أن تكسب في سورية مهما فعلت. بإمكانها أن تدمي بلد الأمويين، وأن تكلفه الكثير، لكنها لا تملك إمكان حسم الحرب لصالحها هناك. بإمكان حسن نصرالله أن يلقي من الخطابات باسم طهران عدد ما يشاء، لكن ذلك لن يغيّر من الواقع شيئاً. منذ ما قبل الإسلام، لم يتجاوز النفوذ الفارسي كثيراً حدود بلاد الرافدين، وحتى هذا كان دائماً نفوذاً موقتاً، إلا أن الأمر يحتاج مع ذلك إلى أشياء كثيرة كلها في المتناول، وأولها الإرادة والقرار والمبادرة. للحديث بقية…
* كاتب وأكاديمي سعودي
الحياة
الهجوم العسكري الاقليمي
عبدالله إسكندر
تجاوز «حزب الله» في لبنان، علناً، ما كان يُظن به سراً. تعامل الاطراف اللبنانيون مع الحزب الذي ترافق اعلانه مع توكيل النظام السوري بالوضع الداخلي اللبناني إثر اتفاق الطائف، على انه «وديعة سورية». فكان يُنظر اليه كجزء من النظام الأمني – السياسي الذي نشأ مع الطائف، وبما هو جزء من التركيبة الداخلية اللبنانية الخاضعة لحسابات النظام السوري اولاً وأخيراً. وهي حسابات ترفع هنا وتسقط هناك، بما يبقي التوازن العام قائماً حول مؤسسات الدولة اللبنانية، وإن تحت المظلة السورية. فكان «حزب الله» محيّداً في النزاعات الداخلية، بذريعة تفرغه لمقاومة الاحتلال، وأن هذا «الحياد» يرتبط بخشية الاطراف المحليين من إغضاب الراعي السوري الذي كان بدوره يضبط ايقاع «حزب الله» على ايقاع مصلحته واستمرار الهدوء اللبناني المكلف به، خصوصاً لجهة استعادة المؤسسات دورها الشكلي، بما في ذلك المؤسسات الامنية والتشريعية.
وفيما كان الجميع منهمكاً في النزاعات على الحصص والادوار، ظناً منهم ان النظام الامني – السياسي السوري يتولى ضبط السلاح الذي يتدفق على «حزب الله» وأن وظيفة هذا السلاح وحامليه ستنتهي يوم توقيع السلام السوري – الإسرائيلي، كانت تجرى عملية معقدة بين الحزب، كقوة عسكرية شيعية، وإيران الراعية والممولة له وصاحبة مشروع التمدد في المنطقة، وبين النظام السوري الذي يبرر استمراره بإعلان المقاومة لإسرائيل.
وما نراه اليوم من دور للحزب، في لبنان وسورية، هو حصيلة هذه العملية المعقدة، الخارجة عن اي حسابات لبنانية داخلية من اي نوع كان، بما فيها تلك المرتبطة بإسرائيل. ويبدو ان هذه العملية وصلت الى خاتمتها بعدما بات الحزب متحرراً من اي حسابات لبنانية. وهذا ما عبر عنه الامين العام للحزب، في خطابه يوم الجمعة، بالقول انه يتصدى لـ «الهجمة الكونية»، او يشارك في التصدي فيها.
في هذا المعنى، تطابق انتماء الحزب مع سلوكه، متخلياً عن تلك الوسائط التي استخدمها منذ تشكيله. حتى ان مشاركته في الحياة السياسية ومؤسسات الدولة باتت تخضع للانتماء وليس للضرورة اللبنانية. فالنسبة الى الحزب حالياً، تكون المؤسسات الامنية جزءاً من دوره في اطار العملية المشار اليها، او انها جزء من «الهجمة الكونية». وفي الحالين ليست مؤسسات لبنانية ينبغي ان تخضع لاعتبارات الدولة اللبنانية. كذلك الحال مع مجلس النواب الذي فرض الحزب التمديد له ويعطل المجلس الدستوري، عبر أعضائه الشيعة، لمنع الطعن الرئاسي بالتمديد، فهو يكون في خدمة الحزب وأغراضه الخارجية وإما لا يكون… وصولاً الى عصيان علني يعلنه وزير الخارجية في مواجهة رئيسي الجمهورية والحكومة، من اجل خدمة الحزب وسياسته.
هكذا تخلى «حزب الله»، وقادته في لبنان وإيران، عن التبريرات السابقة التي ربطوها بلبنانية الحزب، مثل المقاومة والحفاظ على النسيج الداخلي المتعدد، لمصلحة الكلام الواضح والصريح عن ان الدور والوظيفة هي في «المواجهة الكونية» التي لا يشك احد في امكان حسمها قريباً. مع ما يعنيه ذلك من تحول الحزب من موقع المتسامح والمسكوت عنه الى موقع المتعارض مع مفهوم الدولة اللبنانية والكيانية اللبنانية والمؤسسات الناظمة لها. وذلك عبر اعلانه ان غرضه هذا سيحققه بسلاحه، سواء في المعارك الدائرة حالياً في سورية او في غيرها من بلدان المنطقة، وبالتأكيد في مقدمها لبنان. وليصبح معنى المشاركة في «المواجهة الكونية» المشاركة العسكرية في الهجوم الاقليمي.
الحياة
القصير من بعيد
نصري الصايغ
من بعيد، ترى الأشياء ملتبسة ومشوشة. من قريب لا ترى شيئاً تقريباً. مدينة القصير، من بعيد، من المغرب مثلاً، ومن مدينة تطوان تحديداً، تظهر على أنها مدينة سورية. من لبنان، تظهر وكأنها بلدة لبنانية. فمن قريب لا ترى شيئاً على حقيقته، وخصوصاً في لبنان.
لعلها حالة سوء رؤية أكثر مما هي حالة سوء تفاهم. فلكل رؤيته على هواه، ولكل هوىً لغته وصفاته وأوصافه ومشهديته كذلك. فالقصير، تخرج من الجغرافيا قليلاً، وتدخل في نصاب الهوى، كأن تقول: «تحرير القصير» أو، «سقوط القصير» أو «تطهير القصير» أو «انتصار القصير» أو «هزيمة القصير». كل ذلك يقال بلغة تعبر عن مدينة، لا شكل لها خارج الانقسام، ومنفصلة عن مشهدها الحقيقي.
من بعيد، تحذف اللغة وتعاين المشهد كما تنقله وسائل الإعلام، بغير حيادية، وبانتقائية مقصودة. في الحالتين تبدو القصير ركاماً على ركام، قفراً على قفر، قاعاً إثر صفصف (safsaf). تبحث عن بشر، فلا ترتطم إلا بحجر. لا ناس في المدينة. الحرب عندما تحضر أو عندما تندلع أو عندما تنتصر، تحصي الخراب، ولا تقيم وزناً للنفوس… المشهد في القصير كان بلا بشر. مدينة مقتلعة من ناسها. ترى، أين هم؟ هل أكثرهم تحت التراب أم بحثاً عن تراب آمن.
من بعيد، لا تنتمي، بل تبحث عمن تنتمي إليه، ولا تجده.
هل جائز هذا الكلام، والقصير مفتاح المعارك الكبرى في سوريا، وبدء التحولات الدرامية المحسوبة؟ هل جائز إقصاء «السياسة» عن مآلات المدينة. طبعاً لا. انما، لا بد من تصويب النظر إلى البؤس الإنساني الباهظ، إلى البشر الذين من لحم ودم وعقل وأحلام. لا بد من البحث عن الكلفة الشريرة، والآلام القاتلة. لا بد من تكثيف التطلع في الفراغ الذي يملأ ساحات القصير: هذه مدينة باتت بلا أهلها، ولقد سرقت منهم ذات مرة، ولما استعيدت، ما كانوا فيها.
هل جائز هذا الكلام؟ مريع جداً ان نحذف الضحايا، هكذا بشحطة قلم أو بـ«زوم» منحاز، ونفرز الكلام بارداً، في السياسة والاستراتيجيا والمحاور والطوائف والمذاهب. نعم، هي معركة حاسمة بكلفة غير محسوبة: «لقد تحررت القصير، وبدت مدينة قتيلة. تحررت الشهيدة. وليس على أبوابها وجدرانها مكان لشهادة». كأن نقرأ مثلاً: «هنا ترقد مدينة، أو هنا استشهدت القصير».
ولكنك مطالب بموقف. اللاموقف خيانة مزدوجة. معسكر النظام يرى في المدينة بوابة للعبور لهزيمة «المشروع الأميركي الصهيوني التكفيري». حسناً. قد يبدو ذلك صحيحاً في السياسة أو في المدى الجيوستراتيجي. ويمكن البناء عليه سياسياً وعسكرياً، ويمكن توظيفه في جنيف الثانية أو… الرابعة أو… هلم جرا. لكن المشهد لم يحمل لنا أسماء القتلى «الأميركيين والصهاينة» فهؤلاء لا يقتلون. أما «التكفيريون» فليس لهم أو عليهم أمان. المشهد يؤكد أن هناك قتلى مكتومين، وقتيلة معلنة: القصير.
أيضاً، هذا كلام غير مسؤول. يلزم ان تحدِّد موقفك، على عادة الحروب: إما مع وإما ضد. أنت مع من وضد من؟ وإذا عجزت فأنت مراوغ، ولديك حسابات خاصة. ويطيب للبعض ان يتهمك بما يشبه الخيانة، على قاعدة الحساب: إما أنت مع الثورة السورية، ولا تحتج عليها بالتكفيريين، وإما أنت مع النظام، ولا تحتج عليه بالاستبداد، هكذا يصار إلى الإنصاف السياسي. كأن المسألة حسابية مجردة، أو لا حياد فيها.
الواقع ليس كذلك. المسألة لم تعد بالإقناع، بلا بالأثمان المرعبة. ولقد مررنا نحن اللبنانيين، بما أسميناه الحسم والعزل والحرب. ولقد فزنا جميعاً بالخسائر المكدسة، فخسرنا المبادئ والشعارات والقضايا، وبات لنا رصيد تاريخي من الركام والضحايا والمفقودين والمشوهين واليائسين. لقد قتلت الوطنية اللبنانية، ونهضت الطوائفيات على جثثها. سقطت المبادئ وفازت الحرب، وتم تتويج أمرائها، بناة للخراب السياسي الراهن. زعماؤنا، أمراء حرب كانوا، وضحاياهم بقينا، على قيد الموت السياسي.
للقصير في لبنان أخوات: الدامور، من يتذكرها. النبعة من نسيها؟ بحمدون نيتكم! تل الزعتر؟ شرق صيدا؟
أنا منتمٍ للقصير التي انضمت إلى أخواتها في لبنان. كضحية، كشهيدة، وليس كموقعة عسكرية. سيغضب هذا الكلام أصدقاء الروح. قد يغضب أصحاب القضايا النبيلة. هذا طبيعي. قد نعود إلى جادة السياسة، وما تبقى فيها من صواب، ان هنا أو هناك أو هنالك. (الصواب ليس ملكاً لأحد. الصواب ملك من ينتصر. فبئس هذا الصواب!) قد نعود إلى التفكير السياسي المحسوب، ونقيّم من كسب الآن ومن سيخسر غداً، وما موقع إسرائيل وأميركا وقطر والسعودية، وما حسابات النظام وإيران وموسكو و«حزب الله». قد نعود إلى ذلك في ما بعد، بعد أن نكون قد امتحنا واجباتنا البشرية. في إبداء الحزن اللاحق لبشر يشبهوننا في كل شيء، سوى انهم سبقونا إلى الموت بسرعة وبأعداد غفيرة.
من بعيد: ترى القصير وتشهق.
من قريب: لا حاجة للكلام. فاللبنانيون شاهدوا «الأعراس» وحضروا «الجنازات»، وكان كل واحد وفيّاً لفسطاطه القديم.
كان يمكن ألا يكتب هذا الكلام. كان من الواجب التزام الصمت أو التزام الانحياز. غير أني فضلت، ولو لأيام، ان أكون واحداً من تلامذة ذلك العالم الذي اعتزل الصراع بين الفرق الكلامية الإسلامية.
ان تكون معتزليا اليوم، هو ان تكون مع القصير وناسها، فقط لا غير. وغداً، يوم آخر.
السفير
الديناميّة المتغيّرة للأزمة السورية في مقاربة خبراء من بيروت وواشنطن وموسكو
سقوط القصير يكسر التوازن الاستراتيجي والحل قد يتطلّب… “جنيف – 10”
موناليزا فريحة
ليس سقوط القصير بذاته منعطفا في مسار الازمة السورية، الا أن أهميته تكمن في أنه يندرج في اطار الصورة العسكرية الميدانية الآخذة في التغير منذ نيسان والتي تكتسب دلالات مهمة لأنها تتزامن مع الاستعدادات الاميركية والروسية المحمومة لعقد مؤتمر دولي للسلام.
قبل القصير، نجح النظام السوري في التوغل جنوبا وبدأ يستعيد مناطق في درعا، كما اعاد احكام سيطرته على الطريق السريع الذي يربط دمشق بالحدود الاردنية. وهي تطورات ميدانية ليست بعيدة من الدينامية الجديدة التي اتسمت بها الازمة السورية في سنتها الثالثة، بدءا من القصف الاسرائيلي لمواقع قرب دمشق وتورط مباشر لـ”حزب الله” في القصير وتفجير سيارات مفخخة في ريحانلي بتركيا، الى المساعي المبذولة لعقد مؤتمر “جنيف – 2”.
في مؤتمر عبر الفيديو من بيروت وموسكو وواشنطن نظمه معهد “كارنيغي الشرق الاوسط”، ألقى مجموعة خبراء في الازمة السورية الضوء على السباق المحموم بين التطورات العسكرية والمساعي السياسية،والحظوظ المحتملة لهذه وتلك في حسم المعركة، فضلاً عن التحديات التي تواجهها المعارضة السياسية السورية.
البداية كانت من القصير التي راوحت القراءات لسقوطها بين اعتبارها مجرد محطة في سياق الزخم العسكري الذي اكتسبته القوات النظامية أخيرا، واعتبارها صورة لمستقبل النزاع السوري.
لا يولي الباحث يزيد صايغ للقصير بذاتها أهمية، الا أنه يخالف قول وزير الخارجية الاميركي جون كيري والمعارضة السورية بأن هذا الوضع الجديد ليس إلاّ موقتا. ففي مقاربته أن سقوط القصير يعكس “صورة لمستقبل النزاع “في سوريا، بعد التوازن الاستراتيجي الذي كان سائدا في ظل مكاسب يحققها الجانبان على الارض من غير أن يكون اي منهما قادراً على الحسم. ويعتقد أن الكفة بدءا من هذا الشهر “ستبدأ الميل الى فريق أو آخر”، وهي على الارجح ستميل الى النظام.
وفي مقاربة الباحث رافاييل لوفيفر مؤلف كتاب “رماد حماه التاريخ المخفوف بالاخطار للاخوان المسلمين”، يشكل سقوط القصير عاملا في تغير دينامية الازمة السورية، ذلك انه يظهر الحاجة الى نوع من الحل السياسي لوضع حد لسفك الدماء.
ويحمل صايغ الجناحين العسكري والسياسي للمعارضة السورية جزءا كبيرا من مسؤولية التطورات الميدانية، بعدما أخفقا في مواجهة التحديات ، وتوفير استراتيجية عسكرية وخطط مناسبة ، متوقعا انعكاسات لهذه التطورات، خصوصا أن سقوط القصير يوجه رسالة قوية الى المترددين في الرأي العام والقوات المسلحة مفادها أن “النظام لا يزال يتمتع بالسيطرة على البلاد”.
إذاً، يبدو النزاع السوري في رأي صايغ في مرحلة حساسة: “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” على وشك الانهيار، و”أصدقاء الشعب السوري” ضاقوا ذرعا من اخفاقات المعارضة. وفي المقابل، تمكن النظام من التكيف مع أخطائه، وسدَّ الثغرات التي شكلتها الانشقاقات في صفوف القوات المسلحة، مفوضاً جزءا كبيرا من الاعمال الحربية الى الشبيحة ومجموعات أخرى من الرأي العام. وحتى اقتصاديا، تمكن النظام من ابقاء سعر صرف الليرة عند مستوى معقول. ولا شك في أن الدعم الاقتصادي الذي يلقاه من ايران وروسيا ساهما في هذا التماسك النسبي.
السعودية و”الاخوان”
وفي المقابل، يسجل لوفيفر ملاحظات قد يكون لها تأثير على تطور النزاع. ويقول: “أخذت السعودية أخيراً مكان قطر في ادارة الشؤون السياسية العربية والسورية. كانت قطر ناشطة جدا، وفي الآونة الاخيرة تبدل الوضع مع انضمام ميشال كيلو وجماعته الى الائتلاف الوطني. كذلك، ثمة اتجاه لدى السعودية الى العمل مع الاخوان المسلمين على المدى القصير، بعدما دعمت معارضيهم في سوريا. وقد زار (نائب المراقب العام لـ”الإخوان المسلمين” في سوريا) فاروق طيفور السعودية أخيراً والتقى مسؤولين سعوديين”. وفي رأيه أن ثمة “تحالف مصالح” بين الجانبين، وينبغي مراقبة هذه العلاقات لانها ستنعكس على طريقة عمل الائتلاف”. ومع ذلك، لا يستبعد تدهور العلاقة داخل مكونات هذا الائتلاف، محذرا من أن المعارضة يمكن أن تخسر مزيدا من الصدقية اذا انسحب “الاخوان” منها.
آفاق “جنيف – 2”
لا يبدي أي من الباحثين تفاؤلاً بأداء المعارضة حيال مؤتمر “جنيف – 2”. وفيما يشكك لوفيفر في امكان اتضاح الصورة في الاجتماع التالي للائتلاف المتوقع الاسبوع المقبل،يقول صايغ إن المعارضة ليست في وضع اتخاذ قرارات حاسمة حيال المؤتمر الدولي.فمع الشرط الذي وضعته باستبعاد الرئيس السوري بشار الاسد من المرحلة الانتقالية، يستبعد أن تحضر المؤتمر. ويتوقع ان يواجه الائتلاف رد فعل عنيفاً من قادة الثوار، فيما بدأ “أًصدقاء الشعب السوري” والاتحاد الاوروبي يبحثون عن بدائل من الائتلاف بين القادة الميدانيين.
أما مدير “كارنيغي الشرق الاوسط” بول سالم، فرسم صورة قاتمة لمسار الازمة السورية. وعنده أن “جنيف – 2” لن يخرج بحل، وأن هذا قد يتطلب “جنيف – 10” قبل أن يبصر النور. ومع ذلك، لا يقلل شأن المساعي السياسية الروسية والاميركية، قائلاً: “إنها بداية البداية” وتسليم بأن الاسد لن يهزم عسكريا.
تقديرات
وفي مقاربته للاستراتيجية الروسية حيال سوريا والمنطقة عموماً، يقول مدير “كارنيغي – موسكو” ديمتري ترينين إن موسكو تعتبر أن دينامية الاحداث في سوريا أثبتت صحة تقديراتها.
وقد بدا الروس عموماً أكثر واقعية من الاميركيين من حيث قدرة الاسد على البقاء في السلطة. كذلك، اعتبروا أن تبدل الموقف الاميركي من بيان “جنيف – 1″، ليس الا “انتصارا للديبلوماسية الروسية.
ومع ذلك، لا يتوقع ترينين نتائج كبيرة قريبا من هذا التقارب، “ذلك أن لا ثقة كبيرة بين واشنطن وموسكو، لا بل هي في أدنى مستوياتها في السنوات العشرين الاخيرة. وهذا لا يسهل إحراز تقدم في الحل السياسي”. بالنسبة الى العلاقة بين اسرائيل وروسيا، يؤكد ترينين أن أحداً من الجانبين لا يريد لهذه العلاقات أن تتدهور. ويرى أن الروس يستخدمون صفقة صواريخ “أس – 300” كـ”رادع “.
أما صايغ فيرى أن احتمالات نجاح “جنيف – 2” إذا انعقد، ضعيفة جداً، ذلك أن السبيل الوحيد لنجاح المؤتمر يكمن في الاتفاق على بقاء الأسد في منصبه حتى نهاية فترة ولايته في أيار 2014، “ولا حل تفاوضيا حتى الآن غير ذلك، ولا أحد قادر على فرض أي حل على النظام وحلفائه”. ويلفت الى أن التحدي الاكبر تواجهه المعارضة التي تفتقر الى الاستراتيجية السياسية للفترة المقبلة، محذرا من أنها اذا لم تتحول من المواجهة الى الحل السياسي، سوف تواجه هزيمة كبيرة.
النهار
القصير… مقبرة الأوهام
بهاء أبو كروم *
منذ مؤتمر أصدقاء سورية في تونس في شباط (فبراير) 2012 الذي تلخصت نتيجته الرئيسية في تطمين النظام والدعوة إلى عدم التدخل الخارجي وثم مؤتمر «جنيف 1» حول سورية الذي عقد في حزيران (يونيو) 2012 والذي انقسم العالم على تأويله، مضافاً إلى ذلك قرار حظر الأسلحة عن المعارضة السورية الذي وازاه تزخيم روسيا وإيران تسليحها المفرط للنظام، لم يعد ما يجري هناك يُحتسب على أنه ثورة شعب لتغيير النظام السياسي أو لتأمين بعض الإصلاحات والخطوات الديموقراطية، وذلك تبعاً للمعطيات الميدانية التي حولت ما يجري إلى حرب حقيقية وتبعاً للمعايير التي تمسّك بها الغرب لجهة إظهاره ضعف البدائل وتسليطه الضوء على المظاهر المتطرفة وتفكك المعارضة وتفضيل الولايات المتحدة وإسرائيل لنظام الأسد على المعارضة من زاوية ضمان أمن إسرائيل.
فالمواكبة الدولية التي اعتقدت نفسها عاملاً مساعداً للثورة قد أدخلتها، من حيث تدري أو لا تدري في سياق حروب الاستنزاف التي تعكس نتائجها الموازين الإقليمية والدولية ليس إلا.
وفي حين كان الغرب منهمكاً في إعداد مشاريع القرارات التي ظلت حبراً على ورق، كانت الآلة العسكرية لحلف الممانعة تلقي بثقلها في المعركة منذ اليوم الأول. أما من طُرب للموقف الروسي الداعي للحوار فاكتشف لاحقاً بأن الروس تحولوا إلى تجار سياسة وسلاح متخلين عن المعايير الأخلاقية الواجبة في العلاقات الدولية وطامحين لرد الاعتبار لهزيمتهم التي أوقعها بهم الإسلاميون في أفغانستان، لقد أتت لحظة انبعاث الإرث السوفياتي الجديد عند الرئيس بوتين مكلفة على الشعب السوري هذه المرة.
في المحصلة، اختصرت معركة القصير كماً من التناقضات الداخلية والخارجية التي تراكمت منذ اندلاع الثورة وفي ذات الوقت عكست مدى ارتباط ما يجري في سورية بالملف الإيراني وبالخلاصات التي يجري على أساسها ترتيب النظام الدولي. والعلامة الأبرز لذلك كان انخراط حزب الله اللبناني في معارك القصير بشكل سافر.
فقد كشف التدخل المباشر لحزب الله في سورية، متجاوزاً حجم المخاوف من تمدد الاشتباكات إلى لبنان، ومجموعة المبررات التي سيقت بهدف التجييش لهذا التدخل، رعونة الشعارات الفضفاضة التي سوقتها منظومة الممانعة وبخاصة حزب الله الذي سلك على رغم مقاومته، مسلكاً مذهبياً منذ تفتق على الحياة السياسية، وتغلبت منظومته الأمنية على قواعد العمل السياسي والمؤسساتي في لبنان الذي أضحى ملحقاً بمغامرات المنظومة الإقليمية التي ترعاه، وكان لتداعيات ذلك أن أيقظ الحال المذهبية ولا يزال في لبنان والمنطقة، وأن أخرجه نهائياً من منظومة المقاومة وألحقه بمنظومة الاستبداد.
يذكّر دخول حزب الله إلى سورية بدخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976، طبعاً مع اختلاف الحجج والمبررات، على الأقل لجهة تجاوز الحدود التي رسمتها سايكس بيكو بين الدول التي تمت تجزئتها مع العلم أن هذه التجزئة هي الضمانة لعدم تجزئتها مجدداً. فانتفاخ العقائدية عند حافظ الأسد دفع به إلى لبنان متجاوزاً مفهوم العلاقات الدولية الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وقد حمى ظهر عقائديته هذه من جهة إسرائيل حين أمّن له كيسنجر ضوءاً أخضر، وقد تتشابه الأمور مع ما يحصل اليوم: فقد قالت المقاومة إنها ذهبت لتأمين ظهرها من جهة القصير لكن ما لم تقله هو كيف حمت ظهرها من جهة إسرائيل!
فالعِبَر المستخلصة من معركة القصير التي آلت، برأي الممانعين، إلى انتصار استراتيجي يصب في حساب النظام وحلفائه ويحمل وعوداً بانتصارات لاحقة، هي أن الطريقة التي يعتمدها بشار الأسد لحماية الأقليات استوجبت من حزب الله القيام بعمليات موضعية دقيقة كالتي قام بها في 7 أيار (مايو) 2008 وربما تطلّب ذلك منه محو بعض العوائق الجغرافية وجرف بعض المناطق المأهولة. أما الخلاصة من كل ذلك فتكمن في أن الممانعة لا تطمئن إلا للتضاريس القاحلة وللديموغرافيا المسوقة بأنماط الاستبداد!
وقد لا يختلف مصير القصير عن مصير الدولة اللبنانية ومؤسساتها، إذ عندما تشكل عائقاً أمام ربط الممانعين في سورية بأبناء جلدتهم في لبنان يصبح محوها أو إدارة الظهر لها بمثابة الواجب الإلهي!
لكن الأخطاء التي أحاطت بمعركة القصير كانت جسيمة، فاستدعاء السيرة الحسينية في كل فعل تقوم به «المقاومة» يبيح لها اعتبار أن ما يجوز في القتال مع إسرائيل هو ذاته يجوز في القتال مع أبناء القصير أو غيرهم من معارضي حزب الله، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استدعاء سيَرة الحسين المقدسة وتسخيرها في معارك تقود إلى مزيد من الشطط. لقد آل التحول من فعل المقاومة في جنوب لبنان إلى فعل الاحتلال في المحافظات السورية إلى قياس مختلف للأداء الجهادي، فللقداسة حدود ومحاذير أقلها عدم استثناء البعد الأخلاقي للقضية التي تكون المقاومة بصددها. وبالتالي فإن انتصار المقاومة في معاركها مع أعدائها يرتبط بشـرعية ما تقوم به وليس بقدراتها أو إنجازاتها العسكرية.
لقد دخل لبنان في دورة جديدة من استيلاد المبررات التي تتيح استعمال القوة في الداخل وفي الخارج لأسباب سياسية، وذلك من دون الالتفات إلى الحاجيات الضرورية لتعايش الفئات والطوائف المختلفة بسلام، والإسلامية بالتحديد. ولقد دُفن كل من اتفاق الدوحة وإعلان بعبدا للمرة الثالثة أو الرابعة إنما الأخيرة في جميع الأحوال. وتأميناً لظهر المقاتلين في القصير ينكشف الداخل اللبناني على مقاربات أمنية تستنسخ النظام الأمني الذي سيطر على مفاصل الدولة واستحكم بمقدراتها وأباح اغتيال شخصياتها السياسية والصحافية وذلك بعناوين وحجج مختلفة.
إن أهم ما لخصته لنا معركة القصير هو سقوط هذا الوهم الكبير الذي كان يصف كل ما يجري بأنه ممانعة.
* كاتب لبناني
الحياة
ثلاثة أشهر ملتهبة.. والقصير بوابة جحيم إقليمي!
راجح الخوري
يقاتل الإيرانيون بقواتهم وأذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية في سوريا لحماية نظامهم قبل حماية نظام بشار الأسد. كان ذلك واضحا منذ بداية الانتفاضة في درعا، فمع خروج المظاهرات المطالبة بالإصلاح، بكّرت طهران بوصف المتظاهرين بأنهم حفنة من المدسوسين من إسرائيل وأميركا لتخريب النظام وضرب محور المقاومة.. حدث ذلك تقريبا عندما كان الأسد يطمئن نفسه وأركان نظامه بالقول إن رياح التغيير التي تعصف في الدول العربية لن تصل إلى سوريا و«من لا يصدق فهو لا يعرف الشعب السوري»!
لكن سرعان ما تبين أن الأسد هو من لا يعرف هذا الشعب الذي انفجر بعدما تعرض للاضطهاد أربعة عقود. وعلى امتداد سبعة أشهر كانت سوريا تشهد ما بين 200 و300 نقطة تظاهر يوميا، في حين أصر هو دائما على القول إن المتظاهرين هم حفنة من العملاء المأجورين والإرهابيين المدسوسين وإن الجيش سيعرف كيف يقمعهم.
الصورة من طهران لم تكن مريحة لنظام الملالي منذ اندلاع الثورة، لأنهم يعرفون أن خسارتهم سوريا ستؤدي في النهاية إلى عزلة نظامهم في إيران التي تعاني من أزمة اقتصادية متصاعدة ومن احتقان اجتماعي، خصوصا بعد قمع «الثورة الخضراء» بالقوة، وليس سرا أن انهيار القاعدة السورية في جسر المصالح الإيرانية الممتد من مشهد في شمال شرقي إيران إلى جنوب لبنان، مرورا بعراق نوري المالكي، سيشكل كارثة تلحق بهم، فالنظام السوري هو خط الدفاع الأول عن النظام الإيراني وسقوطه سيفقد طهران مواقع نفوذ وأوراقا حيوية عملت ثلاثة عقود على ترسيخها.
عندما بكّر المرشد علي خامنئي بالقول: «لن نسمح بسقوط النظام السوري» بعد اتساع سيطرة المعارضة على الأرض، كان واضحا أنه يتخوف من أن سقوط الأسد سيؤدي فورا إلى سقوط قواعد النفوذ الإيراني في اتجاهين:
– غربا عبر انهيار العلاقة مع حركة حماس وانقطاع خطوط الإمداد مع حزب الله بما يفقد طهران التماس الميداني مع القضية الفلسطينية التي طالما استعملتها للمزايدة على العرب، وبما يؤدي أيضا إلى سحب أقدام الإيرانيين من مياه المتوسط في غزة ولبنان ويفقدهم ورقة ضغط حيوية في المسألة النووية.
– شرقا بما يؤدي إلى انهيار حتمي لحكومة نوري المالكي التي تديرها طهران بعدما أورثتها المخططات الأميركية العراق، توصلا إلى كشف الغطاء عن بئر الأفاعي وإيقاظ كل الكراهيات المذهبية في المنطقة، فإذا وصلت الأمور إلى هذه النهايات، فسيؤدي هذا إلى انحسار نفوذ إيران في المنطقة ويعيدها إلى الضفة الفارسية، وعندها سيواجه الملالي طوفان مشكلاتهم الداخلية.
على طريقة الأوعية المتصلة، كان واضحا دائما أنه كلما كسبت المعارضة السورية موقعا من النظام، ازدادت المخاوف الإيرانية. ومع الإعلان عن بدء «معركة دمشق» قبل خمسة أشهر، قررت طهران أن تدخل المعركة بكل قوتها وأن تزج فيها بحزب الله و«عصائب أهل الحق» و«كتائب أبي الفضل العباس».. وفي هذا السياق، تؤكد تقارير موثوقة أن الدبلوماسي الإيراني المعارض فرزاد فرهنيكان كشف خلال مشاركته في المؤتمر الدولي لنصرة المعارضة الإيرانية الذي عقد في جنيف، عن اجتماع للقيادة العليا الإيرانية ضم المرشد علي خامنئي وعلي لاريجاني وعلي أكبر صالحي وسعيد جليلي وحيدر مصلحي وأحمد وحيدي وقادة الحرس الثوري، واتخذ قرارا مفاده، أن سقوط نظام الأسد أو حكومة نوري المالكي هما خط أحمر لا يمكن القبول به، وأن حدوث ذلك يعني «إعلان الحرب على إيران»، وهو ما أشار إليه خامنئي شخصيا.
يقول الدبلوماسي الإيراني المنشق إن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون دقيقة وخطرة على منطقة الشرق الأوسط، لأن طهران قررت شن الحرب على جبهتين؛ سياسية للتمويه، وهي التي حملت علي أكبر صالحي على زيارة عواصم عربية وتكثيف الاتصالات لكسب «مصر الإخوان».. وعسكرية دفعت بحزب الله إلى المعركة بإعلان صريح من حسن نصر الله، الذي تردد أن خامنئي طلب منه الانخراط كليا في الحرب «ومهما كان الثمن»، كذلك زجت بالعراقيين في المعارك، ونشرت الصحف الإيرانية صورا للمتطوعين أمام مقرات قوات التعبئة التابعة للحرس الثوري لتسجيل أسمائهم بغية القتال في سوريا.
إضافة إلى هذا، يقول فرهنيكان إن طهران طلبت من الحوثيين القيام بعمليات تخريبية في اليمن، فكان الهجوم في صنعاء قبل أيام، كما طلبت افتعال صدامات حدودية جديدة، وإشعال الساحة في البحرين.. وفي السياق «إياه» طلبت من قادة «القاعدة» المقيمين في طهران والمتعاطفين معها تحريك الخلايا التخريبية في دول مجلس التعاون الخليجي لخلق حال إلهاء خلفية تساعد الأسد على تعويم نفسه ميدانيا.. لكن الدخول إلى المستنقع الدموي في سوريا قد يبتلع إيران قبل غيرها، والقصير مجرد بوابة إلى الجحيم.
الشرق الأوسط
انتصار القصير وهزائم لبنان!
راجح الخوري
باكراً وصلت النتائج الكارثية لدخول “حزب الله” المعارك الى جانب النظام السوري، وباكراً بدأ “الانتصار” في القصير ثم الانتقال الى الجبهات الاخرى ينعكس سلسلة من الهزائم اللبنانية وعلى كل المستويات الامنية والسياسية والاقتصادية.
امنياً، واضح ان ما يجري في عرسال السنيّة ومحيطها الشيعي سيؤجج الكراهيات ويدفع لبنان اكثر نحو الفتنة البغيضة التي تعصف رياحها في المنطقة كلها، وخصوصاً الآن عندما تدخل ايران المعارك في سوريا بعد تاريخ من التدخلات التخريبية كما تقول دول الخليج، ومن عكار الى صيدا مروراً ببعلبك والبقاع الغربي وطرابلس وبيروت ترتسم معالم صدام داخلي كارثي. والذين رفضوا نشر الجيش بمؤآزرة من “اليونيفيل” على الحدود الشمالية لتطبيق سياسة “النأي بالنفس”، واعتبروا الامر خيانة سيكتشفون سريعاً في اي مأزق أدخلوا لبنان، فها هي الحرب السورية تجتاز الحدود اللبنانية، فيكرر النظام السوري قصف عرسال بالطائرات وتسقط صواريخ المعارضة على عكار ليدخل لبنان مغمضاً النار التي دخلها “حزب الله” بعيون مفتوحة لم ترَ حتى خطورة مقتل متظاهر شيعي امام السفارة الايرانية في بيروت.
سياسياً، تتضح الكارثة عندما يتأكد يومياً ان الدولة في لبنان باتت حطاماً، فهي تلهث عاجزة وراء الاحداث الامنية المتنقلة بعدما فقدت هيبتها، فلا حكومة حيث الوزارات دكاكين ومغاور، ولا مجلس نواب حيث صارت الانتخابات من الفتن، ولا قضاء مقتدراً حيث العدل وجهة نظر، وعندما يدعو رئيس الجمهورية [الجمهورية؟] الى عدم تكرار الخروقات السورية [الخروقات؟] ملوحاً باتخاذ تدابير للدفاع عن سيادة لبنان وملوحاً بتقديم شكوى الى الجامعة العربية ومجلس الامن [أنعم وأكرم] ثم توضح مصادره ان الاشارة الى الشكوى هي “لمجرد الاحتفاظ بحق لبنان”! وعندما نتذكر نعي السيد حسن نصرالله الصريح للدولة، يمكننا القول ان الدولة ستبقى مختطفة الى ان يقرر اللبنانيون استعادتها!
اقتصادياً، لم يكن كافياً تعطيل الدورة الاقتصادية في البلاد بسبب تمادي الفلتان الامني وتعطيل المواسم السياحية وتهشيل المستثمرين، ولا كان كافياً ان تمنع دول مجلس التعاون الخليجي رعاياها من السفر الى لبنان بعد كل ما تعرضوا له من استفزازات واعتداءات طاولت حتى المرضى منهم، فكان لا بد من عبور بوابة القصير التي قيل انها لن “تحرر” سوريا وحدها بل ستجتاح دول الخليج، رداً على اعتبارها “حزب الله” منظمة ارهابية، لهذا يواجه اللبنانيون العاملون في هذه الدول وعددهم 600 الف، يضخون الى لبنان اكثر من سبعة مليارات دولار سنوياً، خطر التضييق والابعاد وقطع الارزاق وهو ما يشكل كارثة مدمرة على الاقتصاد اللبناني، إلا اذا كان السيد حسن نصرالله وحليفه ميشال عون سيجدان لهما عملاً في صناعة السجّاد الايراني!
النهار
ماذا خسر حزب الله بمواقفه الأخيرة؟
الفاتح كامل
في عام 2006 وعقب الاندحار الاسرائيلي من لبنان، كانت جموع الشعب العربي أغلبها، إن لم نقل كلها، تقف خلف رجال حزب الله، عدا قلة قليلة أدمنت الهزيمة بمختلف أنواعها ومسمياتها. في ذلك الوقت تحديداً كتبنا بيقين تام فرحا بذلك الانتصار عن (مشروع الهيمنة إذ يخسر).
في ذلك الوقت أيضاً حذرنا من أن يُجير ذلك الانتصار لمصلحة دولة اسرائيل المهزومة حينها، بأن يجر حزب الله جراً لمواقع تبدد صورة ذلك النجاح.
في سياسة النفس الطويل التي يحسن استخدامها الغرب جيداً، ونحن تحديداً في منتصف العام 2013، ينجح المخطط. فما الذي تغير في المشهد حتى نطالع خلال الايام القليلة الماضية الاستطلاع الذي أجرته قناة الجزيرة الفضائية والذي صدمنا عنوانه قبل الولوج في نتيجته النهائية (الغالبية ترى حزب الله عدوا للعرب والمسلمين) وعلى الرغم من الأخذ في الاعتبار المحاذير التي تحيط بمثل هكذا استطلاعات، ولكنها في كل الأحوال، رغم التحفظات التي قد يبديها البعض، فانها تؤشر الى ما حدث من تغيرات في المشهد العربي الحالي. فماذا حدث وما الذي تغير؟
في البدء من ناحية استراتيجية نحن نعلم وقد حذرنا مع غيرنا من بعض الذين قلوبهم على أهل هذه المنطقة الموسومة بالشرق أوسطية، حسب المصطلحات الغربية، وقبل سنوات عديدة وتحديداً في عام 2003 من خطورة احتلال العراق، الذي سيكون مقدمة لتفتيت هذه المنطقة وتقسيمها، هذا المخطط الذي كان في طور المؤامرة وقتها حينما حذرنا منه، وفي كتابين كاملين أولهما ‘الحروب الأمريكية الجديدة’ الصادر في قاهرة المعز عام 2005، بعد احتلال العراق، والثاني ‘مؤامرة تقسيم السودان’ الصادر في بيروت عام 2010، قبل اجراء الاستفتاء الذي جرى في السودان عام 2011، والذي بموجبه تم تقسيم أكبر دولة عربية على الأطلاق لدولتين متناحرتين وهو ما حذرنا منه وقتها، وهو ما لم تلتفت إليه اغلبية النخب العربية، خصوصاً المصرية منها التي كانت تجأر من عمالة النظام المصري السابق، الذي بموجبه سوف تدفع مصر الكثير في مقبل الأيام من الأمن المائي لشعبها، بعدما أشهرت إثيوبيا سيف سد النهضة، ويكفي ما أوردته بعض الوسائل الإعلامية مؤخراً من عناوين يشيب لها رأس الوليد (مصر تواجه أصعب اختبارات السياسة الخارجية. اثيوبيا تحول مجرى النيل وتبدأ في بناء سد النهضة. خبراء: الرسالة بأن اللجنة الثلاثية لا قيمة لها)، و(تخوف سوداني من تحويل مجرى النيل الأزرق) و(خبير مائي مصري: امريكا وضعت الحلول المائية لاثيوبيا لعرقلة مصر اقتصاديا). ‘
من المضحكات المبكيات والشيء بالشيء يذكر، برنامج ملفات الذي عرضته الفضائية السودانية قبل أيام قليلة من لندن عاصمة المعلومات، ما استوقفني حقيقة عنوان الحلقة ـ الحقيقة المؤلمة انني زاهد تماماً في الإعلام السوداني برمته بعد هذا الدرك الذي وصل إليه، مع أننا عَلمنا من قبل أغلبية دول المحيط المجاور أبجديات هذا العمل، مع كل هذا هم الآن يسبقوننا بخطوات كثيرة لا تحصى ولا تعد، بعد أن احتل إعلامنا وبكل أسف الصفوف الأخيرة من مصفوفة الإعلام العربي ولمصفوفة الإعلام العربي هذه قد نعود في مقبل الأيام إن أذن الله ـ نعود لما استوقفني في تلك الحلقة التي كان ضيفها السفير الفرنسي الأسبق، عنوان الحلقة الذي ينم عن جهل مطبق بما يجري من حولنا ـ مخطط تقسيم السودان: حقيقة أم خيال ـ والله أنا محتار في كيفية توصيف واضع هذا العنوان، الذي تحمس لبثه ووقف من ورائه، ففرنسا أولاً ضالعة في تنفيذ هذا المخطط من رأسها حتى أخمص قدميها، وثانياً البلد يا جماعة الخير تم تقسيمها بالفعل لدولتين وأجزاء أخرى من البلاد معرضة لنفس المصير، وبعد ذلك نتحدث عن حقيقة أم خيال! ثم ان كلمة مخطط نفسها تجاوزها الزمن، فنحن دخلنا مرحلة التنفيذ الفعلي للتقسيم في كثير من دولنا العربية، مصر ـ السودان، العراق، سورية ولبنان.
نعود لموضــــوعنا الأساسي بعد هذا الاسترسال الذي يصب في مصلحة صلب هذا الموضوع (ماذا خســــر حزب الله بمواقفه الأخيرة؟) فحقيقة كــــثير من أوضاعنا العربية تفقع المرارة ولا حــول ولا قوة إلا بالله.
نحن نفهم تماماً المخطط الإستراتيجي للاستفراد بإيران الدولة الإسلامية وصاحبة البرنامج النووي الطموح، وقد كتبنا في ذلك كتابا صدر ببيروت (المواجهة النووية القادمة)، هذا المخطط الذي يهدف لفصلها عن دول ما بات يعرف بالهلال الشيعي ـ والمصطلح نفسه خبيث لأنه جاء مقابل الهلال السني، لنعرف فقط في أوقات متأخرة دائماً جداً كما حدث في غزو العراق، أن الغرب يجرنا لقتل بعضنا البعض خدمة لمصالحه الضيقة فقط ـ هذا المخطط الذي ينفذ الآن لإخراج سورية نهائياً من اللعبة، سورية حلقة الوصل المهمة بين إيران وحزب الله، عندما يتم تدمير سورية تقطع خطوط الإمداد عن حزب الله، حينها فقط يستدرج حزب الله لحرب مع إسرائيل تكتب فيها نهايته. بعد تدمير هاتين الحلقتين المهمتمين، تكون الثمرة الإيرانية قد حان قطافها على طريقة استنزاف العراق بفرق التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل وغيرها، قبل أن تكتب لكل طموحاتها النووية وغيرها النهاية في شكل غزو ظاهر أو مستتر.
هذا ما نفهمه ونتفهم معه مواقف حزب الله الأخيرة، لكن ما لا يريد عقلنا أن يفهمه أو يتفهمه، لماذا يربط مصير دولة بأكملها، دولة بحجم سورية عاصمة الخلافة الأموية، ومصير البلاد كلها برجل واحد مهما كانت مواقفه في الممانعة أو غيرها. رجل ووالده منحا أكثر من أربعين عاما في حكم الفرد الواحد، فهل عقمت سورية عن انجاب رجال قادرين على تحمل المسؤولية من دون الارتماء في حضن الأعداء. هذا السؤال الذي أتمنى أن يجاوب عليه حزب الله بكل أمانة وقبل أن تضيع الفرصة عليه، كما ضاعت من قبل على العراق.
فإدارة حزب الله نفسها بشخص واحد مهما كانت مكانته (الشيخ حسن نصرالله)، فيها كثير من المخاطر، فناهيك عن الديكتاتورية والتسلط والاستفراد بالرأي من جراء وضع كهذا، فإن نهاية الحزب نفسها قد تكتب مع نهاية حياة ذلك الشخص. والانقسام الشيعي (تصريح أحد المراجع الشيعية، رفض فيه مواقف نصرالله الأخيرة وانها لا تمثل الطائفة الشيعية كلها) الذي نسجله اليوم بجانب قتل المزيد من جنود حزب الله في معركة في غير موقعها الصحيح، أبرز ملامح هذا الفشل الذي نرصده قبل استطلاع قناة الجزيرة أو غيرها.
‘ كاتب سوداني
القدس العربي
القصير توسع السؤال عن السلاح
دلال البزري
من شاهد نشرة أخبار قناة “المنار”، ليلة الأربعاء الخميس، وهي تغطي دخول جيش الأسد برفقة قوات “حزب الله” الى القصير، كان لا بد له أن يستحضر الأيام الخوالي لـ”إنتصار” سابق، ذاك الذي أنجزه الحزب نفسه عام 2006. مذيعة النشرة كانت منتشية، واثقة؛ في نبرتها بريق الغلَبة والشماتة. أما التقرير “الخاص بقناة المنار”، الذي يغطي هذا “الانتصار” على القصير، فلم يكن أقل تعبيراً: قُطّعت مشاهده بما يناسب الموسيقى التصويرية المرافقة له؛ موسيقى من تلك التي يروِّج لها حزب الله عندما يريد ان يقنعنا بشيء ما، من انه فعلا ملك الساحة… من ان اسرائيل فعلا هي التي قتلت رفيق الحريري… تقرير تعبوي حماسي إحتفالي مشغول، لا يمتّ بأية صلة بصفته “الإعلامية” المفترضة. بعد ذلك تأتي اللغة، الأدهى من الجميع. وهي تفسّر غبطة “التقرير” والمذيعة. فالنص الذي تلته هذه الأخيرة احتوى على مفردات “النصر” السابق لـ”حزب الله” عام 2006. كلمة “النصر”، أولاً، والتي ردّدتها المذيعة، ومعها “التقرير”: “إنتصرنا في القصير… انتصرت المقاومة في القصير… إنتصرنا على الصهاينة الارهابيين والتكفيريين… القصير تفتح ذراعيها للجيش الباسل، حامي الديار…” الخ. أما كلمة “استراتيجي” فرافقت “النصر”: “المغزى الاستراتيجي للقصير… أو البُعد… أو الآفاق…”.
لم أنتبه ما إذا كانت كلمتا “تاريخي” و”الهي” قد نطقت بهما المذيعة أو “التقرير”. لكن ملاك هاتين الكلمتين كان يحوم حولهما، بالتأكيد، بالإيحاءات والتلميحات وترسانة المحمولات والإشارات التي يعرفها من ألف لبنان. كل ذلك للقول بأن نشرة أخبار قناة “المنار” في تلك الليلة كان ينقصها قليل من الرتوش، وقليل آخر من مهرجانات وهمروجات “الانتصارات” حتى تقترب عملية سحق القصير، تقترب جداً، الى “انتصار الهي تاريخي استراتيجي”، كالذي “أنجزه” الحزب عام 2006. وفي منطق عملياته العسكرية ما هو محفوظ ومعلوم: فهو نبّهنا انه، بمشاركته الى جانب بشار الأسد، إنما يحارب الصهيونية والامبريالية، اللتين أضيف لهما مؤخراً “التكفيرية”.
والأمر لم يتوقف على قناة “المنار” وحدها؛ قبل النشرة، كان “الأهالي”، أي جمهور الحزب، “يبتهجون” بالـ”نصر”؛ يطلقون النار، يرفعون كلماتهم على لوحات الكرتون، يوزعون الحلوى، يقودون، وبالسلاح، تظاهرات سيارة… فيما نخبتهم “الفايسبوكية” كانت أكثر بلاغة في التقاطها لمعنى هذا النصر. إعلامي معروف كتب على صفحته، شامتاً أولاً، ثم رامياً تلك الكلمات: “لم تروا شيئاً بعد…! بعد القصير سترون في حمص ودمشق وحلب!” مستدعياً بذلك اللازمة الشهيرة لحرب 2006، “ما بعد بعد حيفا….”.
العلاقة بين لبنان وسوريا، في ظل وصاية الثانية، كان يظللها شعار “تلازم المسارين”. مؤخراً، ألغي “التلازم”، وحلّ مكانه تداخل فوضوي مضطرب، ينطوي على أخطار مجهولة. النازحون السوريون، إنسياب الحدود بين البلدين، وقوفها على السيطرة المسلحة، إندراج الحرب على سوريا في البُعدين المذهبي والإقليمي… ولبنان، وسط كل هذا، مثل قارب متواضع في محيط هادر، يرتجف، يتوهم، ينقز، يجفل… ويأمل بأسرة دولية لا تريد الحرب فيه؛ كانت هذه حدود تساؤلاته.
أما بعد دخول “حزب الله” في معركة سوريا “رسمياً”، عن طريق القصير، فقد توسّعت حدود هذه التساؤلات.
وأولها: اذا كان “نصر” القصير هو الشقيق التوأم الصغير لـ”نصر” 2006، فمن يكون يا ترى توأمه الأصلي؟ حلب؟ دمشق؟ درعا؟
واذا كانت كل هذه “الإنتصارات السورية” هي الإبنة البارة لـ”نصر” 2006، فهل بوسع لبنان أن يتحمل ، من بعده، “نصراً” مشابهاً؟ مع كل ما نعلمه عن “ثمرات” هذا “النصر” المحلية؟
ألا يخشى “حزب الله”، بصفته ميليشيا إحتلالية، ان يتوحد السوريون ضده، بل ضد اللبنانيين، أكثر من أي عدو آخر؟
حسناً، إذا كان “إنتصار” 2006 قد خدم إيران في سعيها لإمتلاك القنبلة النووية، بأنها صارت، من بعده تلوّح بـ”ورقته” شمال اسرائيل… فماذا تكون هدية الحزب الى إيران هذه المرة؟
المدن