مقالات تناولت زيارة أوباما إلى السعودية والموقف من الثورة السورية
زيارة أوباما: نصف تفاهم على إيران وخلاف في سورية/ راغدة درغام
عنوان زيارة الرئيس باراك أوباما الى الرياض اليوم هو إحياء الثقة وإصلاح العلاقة الأميركية – السعودية لتوطيدها مجدداً. لن يكون «التوريق» السطحي لإخفاء الخلل الذي أصاب العلاقة خلال السنة الماضية مجدياً إذا كان الهدف حقاً إنشاء قواعد ثابتة للعلاقة في أعقاب اهتزاز أُسسها.
والجلطة التي أصابت العلاقة الأميركية – السعودية لها جذور إقليمية لا مناص من المصارحة في شأنها والتعرّف الى أسبابها وكيفية علاجها. إنما هناك أيضاً جانب ثنائي في انحدار العلاقة يتطلب تشخيصاً للعطب ووصفاً لدوائها. الزيارة بحد ذاتها شهادة على استدراك القيادتين الأميركية والسعودية وعزمهما التعرّف إلى ما يجول في بال الآخر. إنها زيارة استفسار بمقدار ما هي زيارة جس نبض لمدى استعداد أي من الطرفين للتأقلم مع المستجدات في خريطة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، أو الافتراق حول بعضها. إيران ومصر وسورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين ستكون موجودة على أجندة المحادثات وكذلك النظام الأمني الخليجي ومحاربة التطرف الإسلامي والإرهاب والسلاح النووي والكيماوي والنفط والغاز. الاستعراض لن يكون كافياً، والتفاهمات التامة ليست في الأفق واقعية. إنما لا بد من أن تخرج هذه الزيارة بمسودة ورقة عمل وبخريطة طريق للعلاقة الأميركية – السعودية ببعدها الثنائي كما بأبعادها الإقليمية. والأرجح أنها ستفعل نظراً الى إقرار واشنطن والرياض بالحاجة الى بعضهما بعضاً في أكثر من ملف ومسار.
أصعب العقد يكمن في تقاطع العلاقة الأميركية – السعودية مع العلاقة الأميركية – الإيرانية كما يرجوها باراك أوباما. تفكيك العقد يتطلب الكثير من الطمأنة بدءاً بإطلاع السعودية على ما يحدث في المفاوضات النووية بين دول «5+1» مع إيران وإيجاد مكان لها في أية محادثات أميركية – إيرانية حول الدور الإيراني الإقليمي.
في وسع الرئيس الأميركي أن يعمل على رعاية حديث سعودي – إيراني نوعي بالذات مع قوى الاعتدال داخل إيران. فهذه القوى شديدة الحرص على علاقة متينة بينها وبين واشنطن. ووفق ما تدّعي، ليست في ذهنها الهيمنة الإقليمية ولا تبني ممارسات «الحرس الثوري» و «فيلق القدس» في البلدان العربية. فإذا صَعُبَ عليها التحدث علناً عما تتطلبه النقلة النوعية المطمئنة للرياض وعواصم عربية أخرى، ففي إمكان باراك أوباما إيجاد قناة خلفية للحديث الأميركي – السعودي – الإيراني، كما وجد القناة العُمانية السرية للأحاديث الأميركية – الإيرانية.
حتى ذلك الحين، وبما أن الكثير من الملفات الإقليمية يتقاطع عند العلاقة السعودية – الإيرانية، من المهم للرئيس الأميركي إيضاح سياساته نحو محطات التقاطع واتخاذ قرارات واضحة لا تراجع عنها.
الإدارة الأميركية عازمة على المضي الى اتفاق نووي مع إيران بحلول شهر تموز (يوليو) خشية أن تفوِّت الفرصة على تفاهمات مع قوى الاعتدال التي يقودها الرئيس حسن روحاني. روزنامة المفاوضات النووية تتزامن مع تنفيذ دمشق تعهداتها التخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية ومع اعتزامها إجراء انتخابات رئاسية تقضي على العملية السياسية الانتقالية التي ترعاها محادثات «جنيف – 2» الدولية.
الحرس الثوري الإيراني لن يعرقل المفاوضات النووية، لأن رفع العقوبات عن إيران مرتبط بإنجاز تلك المفاوضات. والحرس الثوري يريد تلك الأموال ويحتاج اليها كي ينفّذ أجندته في سورية بالذات. فهو يصر على عدم التفريط بالنظام في دمشق نظراً الى مركزية سورية بموقعها على البحر المتوسط وحيوية ممرها الى «حزب الله» في لبنان. أي أن رفع العقوبات بسرعة عن إيران يقع مباشرة في مصلحة قوى التطرف وليس قوى الاعتدال. والحرس الثوري هو الحاكم عملياً في طهران.
المسؤولون السعوديون سيسألون الرئيس أوباما وفريقه كيف ينوون التوفيق بين الانفتاح على إيران الاعتدال وبين الصرامة مع إيران التطرف التي تتمسك بغايات الهيمنة الإقليمية عبر سورية والعراق ولبنان واليمن، وكذلك في منطقة الخليج عبر البحرين والمنطقة الشرقية للسعودية.
المسؤولون الأميركيون سيصرّون لدى المسؤولين السعوديين على ضرورة إعطاء الاعتدال الإيراني فرصة حقيقية وجدية لأنه في مصلحة الجميع. سيؤكدون أن لا عودة عن الانفتاح ولا تراجع في العزم على التوصل الى تفاهمات دائمة في المسألة النووية. سيشددون على أن التهادنية مطلب أميركي وسياسة ثابتة، لأن الولايات المتحدة لا تريد المواجهة العسكرية مع إيران مهما كان.
الاختلاف عميق بين الموقفين من الناحية العملية. فالرياض تعارض التوغّل الإيراني في العراق لدرجة إخراجه من البيت العربي ووضعه تحت الإملاء الإيراني. واشنطن سترد بأنها غادرت العراق ولا شأن لها فيه لدرجة التأثير في انتمائه عربياً أو فارسياً.
الرياض ستصر على أن الدور الإيراني في البحرين مخرّب هدفه الفتنة بل التهام البحرين كما التهم فلاديمير بوتين القرم. واشنطن ستردّ بلغة الانتقاد لكيفية أداء الحكومة في المنامة نحو الأكثرية الشيعية مشددة على ضرورة حفظ حق المواطنة للجميع بمساواة.
سيلتقي موقفاهما في شأن الحرص على المنطقة الشرقية في السعودية ورفض أي تسلل إيراني إليها بهدف التخريب تحت أي ظرف كان. فواشنطن والرياض تتفقان على الرفض القاطع لأية محاولات لزعزعة الاستقرار في المملكة، بغض النظر إن كان إيراني الهوية أو على أيادي التطرف السنّي الآتي عبر «القاعدة» وأمثالها.
مأزقهما سيكون في الشأن السوري وامتداده الى لبنان. فهناك تكمن الحاجة الى قرارات ضرورية لكل من واشنطن والرياض، وهنا يتداخل العنصر الإيراني مع القرار الأميركي بامتياز.
لبنانياً، في وسع إدارة أوباما أن تبدي اهتماماً جدياً قبل فوات الأوان. محاربة قوى التطرف السنّي وقوى الإرهاب الآتي من أمثال «داعش» و «جبهة النصرة» لا بد من أن تكون قراراً أميركياً وسعودياً جازماً بغض النظر عن تبريرات الرد على دخول «حزب الله» طرفاً مباشراً في الحرب السورية. دعم الجيش اللبناني هدف مشترك للولايات المتحدة والسعودية وكلاهما يقدم الدعم له. بقي أن على واشنطن أن تكون حازمة جداً مع طهران لجهة مسؤوليتها عن تحييد لبنان وتنفيذ «حزب الله» سياسة النأي بالنفس وعدم تعطيل انتخابات رئاسية أو تجييرها لتخدم الحزب وليس البلاد.
أما سورياً، فإن زيارة الرئيس الأميركي الى السعودية ستكون مناسبة إما لقرارات نوعية جديدة لواشنطن أو لمحطة أخرى في سمعة التراجع والتأقلم مع أمر واقع تلو الآخر بخضوع للإملاءات الإيرانية والروسية.
المسؤولون الأميركيون يوحون بأن لدى إدارة أوباما عزماً على نقلة في سياسة إدارة أوباما في المسألة السورية. يقولون إن لديهم خطة عمل مع المعارضة المعتدلة هدفها تمكينها عملياً بالسلاح لتتمكن، أولاً، من إحداث تغيير في المعادلة العسكرية إزاء قوى النظام، وثانياً، من إضعاف قوى التطرف والإرهاب التي أقحمت نفسها على الساحة السورية. يؤكدون أنهم في خضم مد المعونة الى المعارضة المعتدلة لوجستياً وتنظيمياً واستراتيجياً.
ما ستتناوله زيارة أوباما الى الرياض سيصب في الدرجة الأولى في النوعية العسكرية للمعارضة السورية. فالحل السياسي الذي يلاقي اجتماعاً شبه دولي يقع اليوم في مأزق عملي والجميع يدرك، باطنياً، أن المسار العسكري هو الرد الوحيد على إخفاق المسار السياسي.
الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً في سورية تحت أي ظرف كان. هذا أمر شبه مفروغ منه. زيارة أوباما لن تسترجع بالتفاصيل ماذا حدث عندما وصل الرئيس الأميركي الى الساعة الحادية عشرة ثم تراجع من دون أن يخبر شركاءه الفرنسيين أو السعوديين عن الضربة العسكرية التي توعّد بها. الجميع يعرف أن أمامه الخطط الطارئة وأن لا حاجة به الى إرسال القوات الأميركية الى سورية، إنما لا أحد يثق بعزمه التدخل عملياً وعسكرياً، على الأقل حتى الآن.
ما ستتطرق إليه المحادثات في الرياض هو ماذا لدى واشنطن من استراتيجية مضادة للاستراتيجية الإيرانية القائمة على دعم إجراء انتخابات رئاسية تضمن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة وتطيح فكرة إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة نص عليها بيان «جنيف – 1» وكانت المرجعية الواضحة لمؤتمر «جنيف – 2».
حتى الآن، يأتي الرد من المسؤولين الأميركيين برفض شرعية تلك الانتخابات ورفض شرعية نتائجها. أي أن تلك الانتخابات إذا أُجريت فستؤدي الى خلع الشرعية عن بشار الأسد.
الرد السعودي سيكون، حسناً، إنما هذا لا يجدي لأن الانتخابات ستؤدي الى نسف مسار جنيف للمفاوضات، ولأن كلام الشرعية أو اللاشرعية سبق ونطق به الرئيس الأميركي نفسه قبل سنوات، وها هو في المنصب وسورية في كارثة ومأساة.
الحاجة الى استراتيجية مضادة لاستراتيجية الانتخابات تتطلب جدية أميركية وسعودية على السواء. الصين، مثلاً، يجب أن تكون جزءاً من الاستراتيجية المضادة، ذلك أن افتراقها عن روسيا في دعم تلك الانتخابات سيكون له أثر مهم في الخريطة الديبلوماسية. في إمكان كل من واشنطن والرياض العمل جدياً على عزل روسيا في الساحة السورية عبر الإصرار على الصين بأن الوقت حان لاتخاذها موقفاً واضحاً إزاء ما التزمت به بدلاً من الاختباء وراء تضامنها مع روسيا وإيلائها القيادة في المسألة السورية.
هذا بحد ذاته ليس كافياً، ولذلك يجب أن تصدر عن زيارة أوباما الى الرياض خطة عمل متماسكة وخريطة طريق واضحة في المسألة السورية. جزء من تلك الاستراتيجية المضادة يقع في الحديث الأميركي مع طهران. وإذا كان الرهان على قوى الاعتدال سيد الساحة، فهذا لا ينفي ضرورة مطالبة الاعتدال بالتدخل لدى قوى التطرف التي ستستفيد من الانفتاح كي تكف عن تعطيل مسيرة الانفتاح وما يترتب عليها من رفع للعقوبات. فالوسائل متاحة كما الأدوات.
أسهل العقد في زيارة أوباما الى الرياض ستكون في المسألة المصرية، لا سيما أن عبدالفتاح السيسي بات مرشحاً رسمياً للرئاسة في مصر. إدارة أوباما استدركت في المسألة المصرية وعادت عن مسارها في الحملة العربية. والسعودية جعلت من مصر قضية أساسية وتصرفت ببالغ العزم وباستراتيجية متماسكة سوياً مع دولة الإمارات العربية. مصر مطالبة بالكف عن تجريم «الإخوان المسلمين» وتصنيفهم منظمة إرهابية وإصدار أحكام إعدام بالمئات، كما فعلت أخيراً. هذا يتطلب حزماً سعودياً وإماراتياً، لا سيما أن الدولتين تموّلان الدولة المصرية. إنما المهم في إطار العلاقة الأميركية – المصرية أن إدارة أوباما «كوّعت» عن مسارها الخاطئ في مصر وبدأت تتفهم خلفية المواقف السعودية والإماراتية نحو الحدث المصري. بدأت تستمع الى أهمية العزم على استعادة الوزن العربي في موازين القوى الإقليمية، حتى لو لم تباركه.
بالطبع، ستتطرق الزيارة الى مسائل حقوق الإنسان وضرورة تطويرها في السعودية ومن ضمنها حقوق المرأة وحرية التعبير.
الرياض ستؤكد استعدادها لتفعيل المبادرة العربية وتنفيذها الى أقصى الحدود، لا سيما أنها تطمئن واشنطن وإسرائيل معها الى استعداد الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع إسرائيل والاعتراف بها إذا أنهت احتلالها الأراضي الفلسطينية.
ثانياً، ستتطرق المحادثات في الرياض الى مركزية توطيد العلاقة الأميركية – السعودية. الحملة في الساحة الأميركية على المملكة العربية السعودية تأخذ دوماً منحى الى 9/11، أي الدور السعودي كما يراه الأميركيون في الإرهاب الذي اصاب أميركا نظراً الى تورط 19 سعودياً في ذلك الإرهاب. الإجراءات السعودية الأخيرة لتجريم مواطنيها المتورطين في الإرهاب عالمياً لم تشق طريقها بعد الى الوعي الأميركي، الشعبي أو الإعلامي… هذه الزيارة يجب أن تُبرز بُعد تلك الإجراءات وأهميتها.
أخيراً، إن زيارة باراك أوباما الى السعودية فرصة للرئيس الأميركي لاستعادة بعض ما خسره شخصياً لدى البيئة العربية ولربما الرأي العام العالمي. إنه اليوم في صدد إعادة صوغ سمعته إزاء المسألة الأوكرانية بحزمه مع روسيا. وهو اليوم مطالب بإعادة صوغ سمعته إزاء المسألة السورية.
الحياة
قمة ترميم الثقة بين أميركا والسعودية؟ ضمانات أوباما حول إيران نقطة حاسمة/ روزانا بومنصف
يصل الرئيس الاميركي باراك اوباما الى المملكة العربية السعودية في زيارة تكتسب اهميتها من واقع الخلافات التي حصلت خصوصا حول جملة ملفات، بدءا من تراجع الادارة الاميركية عن توجيه ضربة عسكرية لمواقع محددة لدى النظام السوري على اثر استخدامه اسلحة كيميائية في شهر آب من العام الماضي، وصولا الى التوصل مع ايران على اتفاق مبدئي حول ملفها النووي على اثر مفاوضات سرية لم تبلغ واشنطن حلفاءها العرب بها، الى تردد اميركي في دعم مرحلة انتقالية بعد حكم الاخوان المسلمين في مصر. وتقول مصادر ديبلوماسية ان الزيارة تم التحضير لها عن كثب وبدقة كبيرة على نحو ثنائي من اجل عدم ترك الامور تتفاقم وهي مهمة في رمزيتها للدلالة على اهمية موقع المملكة في المنطقة من جهة وتعبيرا عن متانة العلاقات بين البلدين من جهة اخرى. لكن يعتقد انه تم التحضير لها ايضا على اكثر من صعيد من خلال جملة اجراءات اتخذتها المملكة اخيرا، من بينها تلك التي شملت وضع تنظيمات متطرفة على لائحة الارهاب لدى المملكة والاجراءات التي اتخذتها ضد السعوديين الذي يحاربون في سوريا. وبحسب هذه المصادر فان السعودية تطمح الى ضمان دعم واشنطن في الموضوع السوري اكثر بكثير مما اظهرته العاصمة الاميركية حتى الآن. وقد عبر عن ذلك بطريقة ضمنية ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز الذي كان يرغب في دعم عربي اكبر للشعب السوري استباقا للقاء المرتقب مع اوباما في وقت ترى المملكة ” ان الخروج من المأزق السوري يتطلب تحقيق تغيير على الارض ومنح قوى المعارضة ما تستحقه من دعم “. فالتضامن العربي كان ليكون مهما وفاعلا على هذا الصعيد من اجل اظهار العرب موحدين في اتجاه معين يكون ضاغطا على الادارة الاميركية على هذا الصعيد. ولذلك فان الامر الذي يثير تساؤلات هو ما اذا كانت المملكة ستنال من واشنطن دعما في هذا الاطار بناء على الاجراءات التي اتخذتها المملكة ضمانا لعدم وقوع اسلحة معينة بين ايدي مسلحين متطرفين علما ان ثمة من يؤكد ان جانبا من الخلاف مع قطر والذي ادى الى سحب سفراء المملكة والبحرين والامارات من قطر الى استمرار دعمها جماعة الاخوان المسلمين في مصر وسوريا وسواهما. ولهذا الملف اهميته في ضوء جملة اعتبارات لا مجال لذكرها كلها في هذا السياق، الا انه بدا لافتا للمصادر المعنية اعلان نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي الى المنطقة ميخائيل بوغدانوف، على اثر قمة الكويت التي شارك فيها واستبقت زيارة اوباما للمملكة، ان روسيا مستعدة لمواصلة التعاون مع واشنطن من اجل تسوية للازمة السورية على قاعدة الاتفاقات التي توصل اليها الطرفان سابقا. ومع ان هذا الموقف يمكن ان يظهر حرصا روسيا على نقل الاهتمام من ضم روسيا للقرم وتداعيات ذلك على العلاقات الروسية الاوروبية والاميركية، فان المصادر المعنية لم تسقط هذا الموقف من احتمالات وروده من ضمن سياق استباق المحادثات الاميركية السعودية وما يمكن ان تشمل من رفع اميركي للحظر على تسليم اسلحة معينة للمعارضة مع ما يعني ذلك، خصوصا في ضوء تحول هذه الاخيرة في اتجاه تسجيل مكاسب لها معقل الرئيس السوري على الساحل وكسر احتكار سيطرته عليه.
ومع ان المصادر تؤكد ان موضوع المفاوضات مع ايران يشكل الاولوية التي تتقدم على الملف السوري علما ان الملفين مرتبطان في ضوء مدى تورط ايران في سوريا دعما لنظام الرئيس بشار الاسد، فان الرئيس الاميركي يحمل في جعبته توضيحات تتصل بان الخيارات التي اعتمدها مع ايران انما تعود لنفاذ الاحتمالات مع استعدادات اوروبية للتفلت من الموقف الدولي الموحد الذي يفرض عقوبات على ايران بحيث ان العقوبات الاميركية لم تكن لتغدو فاعلة في اي من الاحوال. وتقول المصادر ان الامر يرتبط بما اذا كان الرئيس الاميركي يحمل ضمانات من انه لن يأخذ من ايران ضمانات حول ملفها النووي فيما يترك ايران تعبث في امن المنطقة في ظل سعي الى توسيع نفوذها وتهديد استقرار دول المنطقة عبر تحريك الطائفة الشيعية في هذه الدول كما حصل مع سوريا التي اخذ منها الاتفاق على تسليم سلاحها الكيميائي فيما يترك السوريون لمصيرهم البائس والمميت لسنوات عدة مقبلة. وتقول المصادر ان الكثير يرتبط بالضمانات التي يمكن ان يقدمها اوباما على هذا الصعيد، نظرا الى ارتباط هذه النقطة بمجموعة دول في المنطقة وليس بدولة محددة ما قد يساعد على استعادة ثقة الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة بها من حيث المبدأ بعدما تدهورت اسهمها كثيرا في هذه الدول، خصوصا اذا اتصلت هذه الضمانات بما يمكن ان تعتبر شروطا يتعين على ايران التزامها قبل اعادة استيعابها كليا من ضمن المجتمع الدولي.
ولا تقل اهمية في هذا الاطار اعادة تنسيق المواقف في شأن تقديم الدعم لمصر على رغم ان المصادر الديبلوماسية ترى ان السلطات المصرية وجهت ضربة استباقية موجعة للمحادثات الاميركية السعودية عبر احكام اعدام بالجملة رسمت علامات استفهام وشكوكا حول ولاية الرئيس المحتمل وكيفية ادارته المقبلة للوضع المصري المقلق.
ولهذه العوامل وسواها ثمة متابعة عن كثب للمحادثات الاميركية السعودية وما ستؤدي اليه من نتائج على مستويات وملفات عدة.
النهار
الملك السعودي يُعيّن مقرن ولياً مقبلاً للعهد، تبدلات في مشهد حكم «السديريين»؟/ خليل حرب
ليس خبراً عادياً أن يجري تعيين ولي للعهد في السعودية بالطريقة واللهجة التي جرى فيها، والأهم، ليس في مثل هذه الظروف الدقيقة والمضطربة التي تنبعث هواجسها من قصر روضة خريم الملكي.
بالشكل، يمكن ان يكون قرار الملك عبدالله بن عبد العزيز بتعيين، أخيه غير الشقيق، الامير مقرن ولياً مقبلاً للعهد، خطوة طبيعية، في إطار ما يوصف بترتيبات البيت الداخلي، إلا ان عناصر كثيرة تجعل من خطوة الملك السعودي التي تسبق وصول الرئيس الأميركي باراك اوباما الى المملكة بساعات، أكثر من مجرد قرار عادي.
ولعل من أبرز ما يشير اليه قرار الملك السعودي الذي أرفقه بعبارة «لا يجوز تعديله او تبديله بأي صورة كانت، ومن أي كائن كان»، الى تقدم الامير مقرن (68 سنة) بقوة نحو منصب الملك، ما يعزز التكهنات حول تدهور صحة الملك عبدالله بن عبد العزيز وولي العهد الحالي الأمير سلمان (77 سنة).
وبحسب البيان الذي وزعته وكالة الأنباء السعودية وبثه التلفزيون السعودي، فإن عبدالله (90 سنة) أعلن تعيين مقرن «ولياً لولي العهد» مع استمرار احتفاظه بمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، و«ولياً للعهد في حال خلو منصب ولي العهد او منصبي الملك وولي العهد، فتتم حينها مبايعة الامير مقرن ملكاً»، مشيراً الى حصول التعيين على موافقة «ثلاثة ارباع اعضاء هيئة البيعة» وعددهم 34 أميراً.
لكن أهم ما تشير إليه خطوة الملك السعودي الى أن عهد «السديريين» يشهد تبدلات كبرى من دون أن تعني نهايته الوشيكة. فالأمير مقرن، هو أصغر ابناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، لكنه لا ينتمي الى الاخوة «السديريين»، أي ابناء زوجته حصة بنت احمد السديري، وهم الملك الراحل فهد، والأمير الراحل سلطان، والأمير الراحل نايف، وولي العهد الحالي الامير المريض سلمان، بالاضافة الى الامراء عبد الرحمن وتركي الثاني وأحمد.
وبناء على تقدّم مقرن نحو منصب الملك، فإن الطريق صارت ممهدة نسبياً امام اقتراب وزير الحرس الوطني الامير متعب بن عبدالله (نجل الملك الذي لا ينتمي الى السديريين)، نحو ولاية العهد، لتنتهي بذلك السلسلة السديرية في أعلى منصبي الحكم (الملك وولاية العهد)، اذ لا ينتمي اليها أي من الرجلين.
لكن ذلك قد يكون فاتحة صراعات جديدة في مملكة القلق السعودي، إذ ان انتهاء حكم الجيل الاول من ابناء الملك المؤسس، لا يعني بالضرورة الدخول في مرحلة استقرار ووئام داخلي بين ابناء «الجيل الثاني» الذين يُعَدُّون بالمئات.
فاذا كانت تفاهمات الاخوة السديرية المباشرة، وتسوياتها العائلية، حكمت العقود الماضية وضبطت مستوى الصراعات داخل البيت الواحد بشكل او بآخر، فإن «ابناء الجيل الثاني» أكثر تحرراً وتطلباً من آبائهم وطموحاتهم أكثر تعدداً.
ولن يقتصر الصعود في هرم الحكم السعودي على مقرن ومتعب في حال وفاة الملك عبدالله وولي العهد الامير سلمان. ولا يبدو أن «هيئة البيعة» التي شكلها الملك قبل سنوات، ستكون قادرة وفق صيغتها القائمة على احتواء ازمات الخلافة التي يمكن أن تنشب مستقبلاً. وكما هو معلوم، فإن اعضاء الهيئة الأمراء الـ 34، من احفاد الملك المؤسس، جرى تعيينهم من جانب الملك عبدالله، وتولى رئاستها الأخ غير الشقيق للملك، الامير مشعل بن عبد العزيز.
وبحسب الآلية المتبعة، فإن الملك يقترح اسماء المرشحين لتولي ولاية العهد، ويفترض ان للهيئة الحق برفض المقترحات او القبول بها او اقتراح مرشح بديل، فإذا رفضه الملك نفسه، تنتقل عملية الاختيار مجدداً الى الهيئة التي تصوّت وفق مبدأ الغالبية لتختار بين مرشحها ومرشح الملك. لكن عبارة «لا يجوز تعديله او تبديله بأي صورة كانت، ومن أي كائن كان» الواردة في القرار الملكي بالأمس، توحي بلهجة حسم، تقطع الطريق على احتمالات مستقبلية غير مرغوبة، يبدو أن الملك يتحسس مخاطرها منذ الآن، في ما قبل وفاته وولي عهده.
وغالب الظن أن استخدام الملك لهجة الحزم في اعلان قراره، مرتبط ايضاً بشكل ما بما هو معروف في الاوساط السعودية، بأن والدة مقرن يمنية الاصل، وكانت تعرف باسم «بركة اليمانية» في حين أن التقاليد المتبعة، هي ان تكون والدة الملك من قبيلة سعودية. ومن شأن هذا أن يثير الكثير من الضغائن في نفوس الخلفاء الذين يعتبرون أنفسهم أكثر أهلية للحكم، خاصة من جانب الاخوة غير الاشقاء.
والى جانب ذلك، فان ترفيع مكانة الامير مقرن في هرم السلطة، تعني في جانب آخر، تأخير حظوظ وزير الداخلية الامير محمد بن نايف لتولي الحكم. ومن الطبيعي ان يعتبر الامير محمد نفسه المرشح الأوفر حظاً لتولي منصب الملك لما يتمتع به من ثقة، داخلية وخارجية، اكتسبها خصوصاً في جهوده في مكافحة الارهاب الذي هز استقرار المملكة لسنوات، تعززت بعد توليه وزارة الداخلية قبل عامين، وزيارته الاخيرة الى واشنطن، حيث شارك في اجتماع امني دولي، رفيع المستوى، تناول ملف الازمة السورية ومخاطرها، بل جرى على ما يبدو تكليفه المتابعة الأساسية للملف السوري، وإبعاد رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر، عنه.
وكانت مصادر أميركية اشارت مؤخراً ايضاً الى ان الامير متعب سيتولى ايضاً جانباً من متابعة الملف السوري. وكان من اللافت ان نائب وزير الخارجية السعودي الامير عبدالعزيز بن عبدالله، المعروف بعلاقاته الاقليمية، مثل المملكة في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل أيام، قبل وصول ولي العهد سلمان ووزير الخارجية الامير سعود الفيصل لاحقاً.
ومن الممكن ان تتقاطع هذه المعطيات بشأن تقدم شخصيات جديدة الى المشهد السعودي وإبعاد شخصيات اخرى، على غرار بندر، مع معلومات تخرج بين الحين والآخر من خلف جدران الصمت السعودي، تشير الى صراعات الأجنحة في المملكة، مع ما يعنيه ذلك من تبدلات في السياسات الخارجية للسعودية المحاطة بنيران القلق والصراعات والخلافات حتى مع أصغر أشقائها الخليجيين.
وفي هذا السياق، يجري الحديث عن تحول ما في الموقف السعودي من قضية الانفتاح في العلاقات الايرانية ـ الاميركية والتي ستكون بنداً رئيسياً على جدول اعمال اوباما في الرياض اليوم. وتشير المعلومات الى ان المملكة التي صعّدت لهجتها في الشهور الماضية ضد التفاهمات النسبية التي تكشفت بين الايرانيين والاميركيين قد تبدأ الإقرار بالامر الواقع، باعتبار هذه التفاهمات حقائق لا بد من الاعتراف بها باعتبارها تتسق مع المصالح الاميركية في المنطقة، وبالتالي لا فائدة ترجى من الاستمرار في إظهار سياسة العداء مع الاولويات الاميركية الاقليمية، في ظل الحاجة السعودية الملحة الى علاقة هادئة مع واشنطن في هذه الظروف الانتقالية التي تعبر فيها المملكة السعودية.
وبالتالي تصبح التساؤلات مشروعة، عما اذا كان ما يجري الآن في اروقة الحكم السعودية، يندرج في سياق إضعاف ما يمكن تسميته بـ «التيار المتشدد» في قضايا السياسة الخارجية بما يتعلق بسوريا وايران والعراق وغيرها، لمصلحة تيار اكثر براغماتية تنتمي اليه شخصيات على غرار الأمراء مقرن ومتعب وعبد العزيز بن عبدالله ومحمد بن نايف؟
في غضون ذلك، من المفترض أن يصل اوباما إلى الرياض اليوم، في زيارة سيحاول خلالها طمأنة المسؤولين السعوديين عبر تأكيد أهمية العلاقات الثنائية. وتتزامن زيارة اوباما إلى السعودية مع أزمة تعصف بمجلس التعاون الخليجي بسبب دعم قطر لجماعة «الاخوان المسلمين»، الأمر الذي تعتبره دول أخرى «تدخلاً» في شؤونها الداخلية. وقد أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نهاية الأسبوع الماضي، أنّ هذه الأزمة أدّت إلى إلغاء قمة بين اوباما وقادة الدول الخليجية الست خلال زيارته المنطقة، لكن البيت الأبيض نفى ذلك، مؤكداً أن القمة كانت مجرد فكرة ليس أكثر.
السفير
أميركا وتوسعها في مساعدة المعارضة السورية/ ديفيد إغناتيوس
يبدو أن إدارة الرئيس أوباما قد قررت التوسع في برنامجها لتدريب ومساعدة المعارضة السورية بسبب تقلب الأوضاع في أوكرانيا وسوريا؛ ومن ثم ستزيد مشاركة الولايات المتحدة في مأزق الحرب الأهلية الوحشية في سوريا.
وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس أوباما ناقش «الأزمة في سوريا» بجانب موضوعات أخرى، وذلك أثناء لقائه الملك عبد الله بن عبد العزيز في الرياض يوم الجمعة الماضي.
وسيؤدي توسع الولايات المتحدة في مساعدة الثوار إلى تقوية علاقات أميركا مع السعودية بعد الفترة التي شهدت فتورا بشأن السياسة الخاصة بسوريا. بيد أن هذه المساعدة ستتسبب أيضا في تعقيد علاقات الولايات المتحدة، التي تشهد توترا بالفعل، مع روسيا وإيران اللتين تعدان من الداعمين الأساسيين للرئيس السوري بشار الأسد.
ويبدو أن أوباما يشعر بالارتياح بشأن المساعدة السرية بشكل أكثر من التدخل العسكري المباشر، مثلما هي الحال في العراق وأفغانستان. وتتمثل النقطة المهمة الأخرى في أن برنامج المساعدة سيتضمن تركيزا أكثر على محاربة الإرهاب. وستساعد الولايات المتحدة في تدريب مقاتلي الجيش السوري الحر لمحاربة المتطرفين من تنظيم القاعدة في الوقت الذي يشن فيه الثوار حرب عصابات ضد جيش الأسد.
وفي المقابل، يقول النقاد إن التوسع في برنامج التدريب والمساعدات، الذي كان أول من نصح به هم كبار مستشاري الرئيس أوباما في منتصف عام 2012، جاء متأخرا جدا، حيث سمحت هذه التأخيرات للمتطرفين وقوات الأسد بتنفيذ أعمال وحشية في سوريا. بيد أن أوباما يحتاط ويحذر من السقوط فيما يعد منحدرا منزلقا. ورغم التعهدات بدعم المعارضة، فلم يقدم أوباما حتى الآن سوى برنامج محدود للتدريب السري ومنح مساعدة غير فتاكة في أغلب الأحوال. ويعترف أوباما أيضا بالسجل التاريخي المتسم بالتقلبات لمثل هذه المساعدات السرية، بدءا من خليج الخنازير في كوبا وصولا إلى نيكاراغوا.
ومع ذلك، كانت تفاصيل هذه الخطة مثيرة للجدل خلال الأسبوع الماضي، بيد أنه من المحتمل أنه جرى وصف الخطوط العريضة لهذه الخطة من قبل مسؤولين مطلعين.
– يبلغ عدد مقاتلي المعارضة السورية الذين سيحصلون على التدريب ضعف العدد الحالي ليصل إلى نحو 600 مقاتل كل شهر.
– ستشرف وكالة الاستخبارات المركزية على عملية التدريب، مع التوسع في البرنامج الذي تديره حاليا. وما زالت الإدارة تناقش ما إذا كان من الضروري أن تلعب قوات العمليات الخاصة الأميركية والقوات العسكرية الأخرى دورا في هذا الأمر أم لا. ويزعم الثوار السوريون أن مدربي العمليات الخاصة سيقدمون مساعدة أفضل من دون الاتجاهات السياسية لوكالة الاستخبارات المركزية.
– يطالب الثوار بالحصول على الصواريخ المضادة للطائرات بهدف ردع القوات الجوية للأسد. ولإعادة طمأنة الولايات المتحدة، اقترحت المعارضة فرض قيود صارمة على هذه الأسلحة المعروفة باسم «نظام الدفاع الجوي المحمول (صواريخ سام)». وسيجري التزويد بخمس منصات لإطلاق الصواريخ فقط بصورة مبدئية. ويجري تصوير كل عملية من هذه العمليات عن طريق الفيديو مع وجود جهاز تتبع وآلية لوقفها عن بعد. وعشية زيارة أوباما إلى السعودية، بدا أن الإدارة ما زالت تفكر مليا في هذه القضية.
– ستستمر عملية متابعة قوات المعارضة أثناء التدريب وبعده. وجرت الموافقة على استبعاد أي مقاتلين على صلة بالتنظيمات الجهادية الثلاثة، وهي «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» و«داعش».
– على المستوى النظري، سيتحد «أصدقاء» المعارضة السورية للوقوف وراء هذا البرنامج.
وليس واضحا الدور الذي ستلعبه تركيا، التي جرى اتهامها بالسماح للمتطرفين الإسلاميين بالعمل عبر حدودها مع سوريا.
– ومن أجل تحقيق الاستقرار لسوريا المنقسمة بصورة سيئة في الوقت الحالي، سيسهم البرنامج في توفير المساعدة للمجالس المحلية والشرطة في المناطق التي صارت خالية من قوات الأسد. وطلبت المعارضة أيضا الحصول على تدريب متخصص للحفاظ على أمن الحدود. وفي النهاية، يمكن أن يسعى البرنامج لتوفير ممرات لتوصيل المساعدات الإنسانية رغم عدم وضوح كيفية الاستعداد القوي من جانب الولايات المتحدة وحلفائها لحماية هذه المناطق.
ووفقا للمذكرة التي أرسلتها المعارضة إلى البيت الأبيض الشهر الحالي، سيؤدي التوسع في هذا البرنامج إلى «توجيه رسالة واضحة إلى نظام الأسد مفادها عدم وجود حل عسكري لهذا الصراع». وأضافت المذكرة أن الأسد «ليس لديه الدافع لإجراء المباحثات في الوقت الحالي بسبب اعتقاده أنه هو الطرف المنتصر».
ومن خلال عرض الأسباب المنطقية، فمن الواضح أنه من الضروري في الوقت الراهن الدفع من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية نهائية في سوريا. ويجب على أوباما قبول هذا الأمر رغم كراهيته له.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط
لماذا التصعيد الأميركي في سورية؟/ جويس كرم
في غضون الثمانية والأربعين ساعة الأخيرة، صدر موقفين متلازمين من العاصمة الأميركية. الأول على لسان مسؤولة في البيت الأبيض قالت لـ ”الحياة” إن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيبحث في قمته مع خادم الحرمين الشريفين آلية تنسيق الدعم العسكري في سورية من خلال “خط أنابيب واحد”، والثاني على لسان الكاتب المرموق في “واشنطن بوست” ديفيد أغناشيوس، يكشف خطة أميركية سرية من ست ركائز لتسليح المعارضة المعتدلة في سورية وتدريبها.
بداية يجب حصر الموقف الأميركي في سياق واقعي وبراغماتي، فهو تصعيد تدريجي ومدروس ولن يشمل تدخلا عسكريا ونتائجه لن تظهر بين ليلة وضحاها وقد تتغير معاييره مع الوقت. ومع ذلك هو تصعيد جاء نتيجة مراجعة سياسية وظروف اقليمية ودولية متبدلة، أجبرت الادارة على اعادة النظر وسلوك هذا المنعطف.
التحول في الموقف الأميركي مردّه أولا فشل مؤتمر جنيف ٢ في احداث أي اختراق سياسي يختصر النزاع في سورية ويبشر بحل الأزمة التي دخلت عامها الرابع. وساهمت خيبة الأمل الأميركية من مسار جنيف ٢، والدور الروسي الذي لم يف بتعهداته ولم يضغط برأي واشنطن على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في اطلاق مراجعة شاملة حول الملف السوري في واشنطن واستعراض سلسلة خيارات جديدة أمام أوباما.
اللاعب الروسي وتحديه واشنطن في أوكرانيا يساهم أيضا وبشكل كبير اليوم في بلورة موقف أوباما من النزاع في سورية. فلا واشنطن تحتمل سيل الانتقادات من شخصيات مرموقة في الداخل الأميركي عن تراجع نفوذها الشرق الأوسطي، ولا هي في صدد التسليم بدخول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خط المنافسة في العقود العسكرية في مصر أو حسمه الموقف في سورية. وكما يقول مستشار أوباما السابق دنيس روس لـ”الحياة”: “ليس هناك ثقة أصلا في الجانب الروسي واذا أرادوا المنافسة فنحن مستعدون لها.”
غير أن الورقة الأهم التي رجحت كفة التصعيد الأميركي هي واقع النزاع داخل سورية، وتحوله بين قوات الأسد وحزب الله وميليشيات عراقية من جهة، وبين مجموعات متطرفة مدعومة من تنظيم “القاعدة” ومقاتلين أجانب والجيش الحر من جهة أخرى. ودق هذا الواقع ناقوس الخطر في واشنطن لاحتمال أن يؤدي الى فرز اضافي بين أطراف الصراع، فيصبح بين الأسد و”القاعدة” في حال لم يحصل تحرك جدي لدعم الجيش الحر. ومن هنا، وكما أشار اغناشيوس، فإن هذا الدعم سيكون ذا شقين: الأول لمحاربة قوات الأسد والثاني لمحاربة الارهاب ومجموعات “النصرة” و”داعش” و”أحرار الشام”. وسبق تقرير أغناشيوس، تحذير مفصل للاستخبارات الأميركية في صحيفة “نيويورك تايمز” من تنامي نفوذ “القاعدة” في سورية، وتوافد مقاتلين أجانب بعضهم على تواصل اليوم مع زعيمها أيمن الظواهري.
واللافت في خطة الست نقاط أنها ترتكز على مظلة اقليمية ونجاح واشنطن في اقناع اللاعب القطري بوقف الدعم لمجموعات متطرفة. كما يساهم التعاون السعودي – الأميركي، من خلال موقع وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، في شكل كبير في طمـأنة واشنطن، وهو كان زارها الشهر الفائت.
لا يجوز من الناحية اللوجيستية توقع تغيّرات سريعة على الأرض تمليها الخطة الأميركية. فحتى في العاصمة واشنطن يذهب بعض التقديرات الى سنة أو سنة ونصف لإحداث تغيّر ملموس.
وفي الأثناء، يستمر اشتعال فتيل النزاع في سورية، لكن قطار تغيير المعادلة للتوصل الى حل سياسي على أساس ميثاق جنيف غادر المحطة، في ظل شكوك كبيرة وجدية حول مدى فاعليته.
الحياة