صفحات العالم

مقالات تناولت سوريا وتركيا: احتمالات المواجهة


ما سرّ الصمت الدولي عن حادث الطائرة؟

    روزانا بومنصف

لفت مراقبين سياسيين انه بعد اسبوع كامل على حادثة اختراق طائرة استطلاع الاجواء الاسرائيلية وتدميرها من اسرائيل باعتبار انها حصلت يوم السبت الماضي في السادس من شهر تشرين الاول الجاري، لم يصدر اي تعليق من اي نوع كان من اي دولة غربية ولا من الولايات المتحدة الغارقة في شأنها الانتخابي لكن المهتمة بشؤون المنطقة والتوتر التركي السوري، ولا من اوروبا الدائمة القلقة على امن جنودها المشاركين في القوة الدولية العاملة في الجنوب على الحدود بين لبنان واسرائيل والمتخوفة من اي تصعيد محتمل قد يذر بقرنه في اي لحظة. ففي حال مماثلة كانت تنهال التعليقات الغربية الرافضة اولا انتهاك القرار 1701 ما دام ارسال طائرة من لبنان الى اسرائيل يخرق بنود هذا القرار والرافضة ثانيا اي احتمال قد يشتمّ منه اثارة عوامل قد تفتح الباب على تصعيد امني او عسكري بين البلدين، خصوصا ان الاوضاع في المنطقة تبقي المجتمع الدولي يقظا ومتحفزا بازاء اي تحريك للوضع قد يؤدي الى اهتزاز الاستقرار في المنطقة. ولا يعتقد هؤلاء ان الانشغال الدولي بالمستجدات على الحدود بين تركيا وسوريا شكل عائقا امام ابراز الرأي في الشأن الحدودي اللبناني الاسرائيلي بل كان ليشكل حافزا اضافيا نظرا الى عدم وجود اي رغبة دولية بالمزيد من التشتت والتدهور في المنطقة. وهو الامر الذي دفع بهؤلاء المراقبين الى التساؤل عما اذا كان الحادث ككل خضع للتضخيم والتوظيف من الجانبين المعنيين اي من جانب كل من اسرائيل و” حزب الله” نظرا الى وجود مصلحة مباشرة لكل منهما في التضخيم لاسباب داخلية وخارجية على حد سواء كما في التوظيف للاعتبارات نفسها. فاسرائيل تجد مصلحتها في تكبير حجم المخاطر التي تتهددها عبر حدودها مع لبنان والحزب يكسب شعبيا لدى جمهوره وربما يحاول استعادة شعبية عربية ما في استهداف اسرائيل ايا كان نوع هذا الاستهداف. كما ان هناك مصلحة لايران ايضا واساسا في استغلال الحادثة خصوصا ان ايران كانت اول من قفز على المناسبة من خلال اعلان احد المسؤولين الايرانيين ان خرق طائرة استطلاع من دون طيار الاجواء الاسرائيلية هو ابرز دليل على فشل المنظومة الدفاعية الاسرائيلية المعروفة بالقبة الحديدية ولها اعتباراتها ايضا في تأكيد استمرار وجود يد طويلة لها تصل الى اسرائيل على رغم الضغوط التي تواجهها من جهة والحرب السورية التي تهدد نفوذها في المنطقة من جهة اخرى. في حين تضع الدول الغربية ثقتها في القوة الدولية العاملة في الجنوب التي كانت اعلنت نفي “علمها او رصدها عبور اي طائرة استطلاع من الاجواء اللبنانية باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة”. اذ قال الناطق الرسمي باسم هذه القوة بعد ثلاثة ايام على حادث اسقاط طائرة الاستطلاع ان “اليونيفيل التي تراقب الاجواء في اطار عملها ومهماتها ووجودها برا وبحرا لا يوجد لديها اي معلومات عن هذا الامر”. وتاليا فان المسألة تحتاج الى رصد ابعد من المواقف المعلنة من جانب اسرائيل او من جانب الحزب في هذا الاطار باعتبار ان التقارير التي ترفعها اليونيفيل هي ما يعتمد في نهاية الامر امام الامم المتحدة والدول الاعضاء. وهو الامر الذي يثير تساؤلات من نوع ما مقدار الصحة في التقارير التي تحدثت عن اسقاط اسرائيل طائرة استطلاع “متطورة” في الدرجة الاولى وهل ثمة معلومات لا تزال غامضة وغير واضحة في شأنها ومن يملك الاجوبة الدقيقة على ذلك أهي القوة الدولية العاملة في الجنوب ام غيرها من الافرقاء؟ ما هو الهدف من توقيت ارسال طائرة استطلاع فوق الاجواء الاسرائيلية وما الذي كانت تنوي استدراجه في هذا الاطار اي: هل هو تكبير حجم المخاطر الاقليمية الناتجة عن الحرب في سوريا او اظهار عدم التأثر با نعكاساتها في معرض التأكيد ان لا شيء قد تغير في حيثيات ما يسمى محور الممانعة او ايضا استكمال حلقة الاهتزازات في الدول المجاورة لسوريا على قاعدة ما كان اعلنه الرئيس السوري بعد اشهر قليلة على بدئه الحرب على معارضيه من ان اهتزاز سوريا سيهز المنطقة كلها.

كما توقف المراقبون المعنيون امام اعلان قائد القوات الدولية باولو سييرا على اثر الانباء عن اسقاط طائرة الاستطلاع فوق اسرائيل ان السنوات الست الاخيرة كانت الاكثر هدوءا في جنوب لبنان على نحو يدحض الحادث بطريقة غير مباشرة كما يدحض وجود نية من اي من الافرقاء في اسقاط هذا الهدوء. وهو امر تبدو كل الاوساط السياسية في لبنان مؤمنة به اكثر من اي وقت نظرا الى وجود اقتناع متزايد بان لا مصلحة لدى “حزب الله” في شكل اساسي، حتى مع تبني امينه العام السيد حسن نصرالله ارسال طائرة الاستطلاع الى الاجواء الاسرائيلية التورط في حرب مع اسرائيل راهنا نظرا الى المخاطر التي تنطوي عليها لجهة احتمال ان تكون اي حرب مقبلة بين اسرائيل والحزب أخر الحروب بالنسبة الى الحزب في ظل المؤشرات الراهنة التي تتجه اليها المنطقة في حين ان لديه الكثير لكي يخسره على مستويات متعددة في حال نشوب حرب جديدة في الجنوب علما ان اي حرب مقبلة لن تقتصر على الحزب وحده وتطاول لبنان ككل على نحو مدمر.

النهار

تركيا وحدود المواجهة مع سوريا

محمد نور الدين

حادثة »آقتشاكالي« التي سقط خلالها خمسة مواطنين أتراك بقذيفة سورية أشعلت الملف السوري في تركيا من جديد . بحسب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لم يكن الحادث الأول من نوعه، بل سبقته انتهاكات سورية للسيادة التركية سبع مرات، لذلك يرى أردوغان أن الحادثة لم تكن مصادفة بل كانت منظمة وهادفة . سواء كان ذلك صحيحاً أم لا، فإن ردة الفعل التركية اختلفت هذه المرة، رغم أن إسقاط طائرة تركية قبل أشهر من قبل سوريا ومقتل طيارَيها، كان أخطر بما لا يقاس من حادثة آقتشاكالي التي وقعت في الثالث من الشهر الجاري .

ردة الفعل التركية ربما يكون مبالغاً فيها، فمثل هذه الحوادث تحدث خلال الحروب، خصوصاً أن الاشتباكات بين الجيش السوري والمسلحين المعارضين تجري مباشرة على خط الحدود مع تركيا . إضافة إلى أن المناخ الدولي لا يساعد على تصعيد التوتر بين دولتين خشية الانزلاق إلى حرب غير محسوبة .

1- جاءت الحادثة مباشرة بعد ثلاثة أيام على تنصيب أردوغان زعيماً وسلطاناً غير منازع على حزب العدالة والتنمية وعلى تركيا . بل إن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل نصّبه أيضاً زعيماً للعالم الإسلامي . لذا كانت الحاجة إلى ترميم ما يمكن اعتباره كسراً لهيبة الزعيم المتجدد عبر ردة فعل عالية النبرة .

2- هناك إجماع من جانب كل مراكز استطلاع الرأي التركية والأجنبية أن ما بين ستين إلى ثمانين في المئة من الرأي العام التركي يعارضون سياسة أردوغان تجاه سوريا، وكذلك المبادرة إلى أي عمل عسكري . مقتل الأتراك الخمسة كان فرصة لأردوغان لمحاولة شد العصب القومي إلى سياسته السورية واستعادة الدعم الذي تراجع كثيراً .

3- نظرت تركيا ولا سيما أردوغان بسلبية إلى »السلوك الفاتر« الذي تنتهجه الولايات المتحدة تجاه محاولات التصعيد العسكري ضد سوريا . والحادثة شكلت فرصة أيضاً لأردوغان لمحاولة الضغط على واشنطن لتغيير فتورها والوقوف إلى جانب تركيا المتحفزة دوماً إلى عمل عسكري بهدف إسقاط النظام السوري أو إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد على الأقل .

4- تسعى تركيا من خلال ردة فعلها العالية على حادثة آقتشاكالي إلى بلورة مرحلة جديدة في تعاملها مع الوضع في سوريا عبر تسخين مفتوح للجبهة العسكرية لهدفين أساسيين:

أ- خلق حالة جديدة من التوتر العسكري على امتداد الحدود لا يرقى إلى درجة الانفجار العسكري الكبير، لكن على الأقل تهيئة الجبهة العسكرية للانتقال إلى مثل تلك الخطوة الكبيرة في حال توافرت شروط ذلك، بحيث لا تنطلق خطوة التفجير من نقطة الصفر، بل تكون المناخات مهيأة مسبقاً .

ب- الانطلاق من خطوة تسخين الجبهة العسكرية إلى خطوة عملية في حال نشوء واقع كردي في شمالي سوريا في اتجاه خلق كيان كردي . بحيث تقدم تركيا على خطوة احتلال شمالي سوريا بذريعة التوتر مع سوريا، بينما يكون الهدف الفعلي والاستراتيجي هو منع ووأد أي محاولة كردية للانفصال في شمالي سوريا، وعدم تكرار تجربة كردستان العراق، لا سيما أن أكراد تركيا يتطلعون علناً إلى إقامة منطقة حكم ذاتي لهم في تركيا والاستقلال الكامل إذا سنحت الظروف لاحقاً .

هذان الهدفان يتطلبان عمليات عسكرية خارج الحدود في اللحظة المناسبة، ما يتطلب بدوره استصدار تفويض من البرلمان إلى الحكومة لإرسال قوات خارج الحدود، وهو ما حصل فعلياً بعد الحادثة بيوم واحد . مع الإشارة هنا إلى أن التفويض هذه المرة مفتوح ولا يحدد سوريا بالاسم، ويمكن استخدامه لكل الدول الخارجية وهذا ما يرى البعض أنه مخالف للدستور، إذ يجب تحديد البقعة الجغرافية للقوات المرسلة إلى الخارج .

بدت تركيا عاجزة عن تحقيق أهدافها الثلاثة الأولى، إذ إن هجوم المعارضة على الحكومة ازداد بعد التفويض البرلماني لجهة أن تركيا غرقت في المستنقع السوري . والأخطر أنها تُركت وحدها ولم تجد من يدعمها فعلياً لا في البيت الأبيض ولا في مقر حلف الناتو . ومن دون ضوء أخضر أمريكي لا يمكن لتركيا أن تتقدم بوصة واحدة إلى الأمام . لذلك فإن التصعيد التركي سيبقى في الإطار اللفظي، وسيعمق مأزق حكومة أردوغان في سوريا الذي من تعبيراته استعداد وزير الخارجية أحمد داود أوغلو تكليف أحد مسؤولي النظام مثل نائب الرئيس فاروق الشرع قيادة المرحلة الانتقالية من أجل تحقيق هدف التخلص من الأسد شخصياً مهما كانت الوسيلة .

الخليج

تركيا في وضع دفاعي أم هجومي؟

فاتح عبدالسلام

من الممكن أنْ يأتي أي مراقب ويقول كان هناك طيران سوري من موسكو الى دمشق طوال أقل من سنتين من عمر الأزمة السورية وكان بالإمكان تهريب أي سلاح أو عتاد أو تجهيزات أو إنه جرى تهريبها فعلاً بين الحليفين الروسي والسوري، حيث لم يسبق لتركيا أن أجبرت طائرة سورية أو روسية على الهبوط والتفتيش. فلماذا الآن، لاسيما إذا كانت العقوبات على دمشق بعيدة المدى وكان ينبغي من الدول بما فيها تركيا تطبيقها فور صدورها وليس بعد مرور عشرين شهراً؟ أليس هناك ما يثير الريبة؟ .

لكن هذا الكلام قد ينضوي تحت خيمة حديث المؤامرة، وهذا جائز، غير إنَّ الأوضح هو حصول ثمّة أشياء جديدة أبرزها انتقال تركيا من مرحلة تغيير قواعد الاشتباك العسكري على الحدود قبل ثلاثة أشهر عندما أسقطت الصواريخ السورية مقاتلتها في البحر الى مرحلة تغيير آخر يمكن تسميتها تغيير قواعد الاشتباك السياسي التي يندرج تحتها إجبار أنقرة طائرة سورية على الهبوط والخضوع للتفتيش أي الشروع باستخدام أدوات جديدة لم تنزل الى الملعب من قبل.

الآن تركيا ليست طرفاً مهاجماً في الأزمة السورية بل إن نسبة هجومها لا تزيد مطلقاً على نسبة دفاعها العالية، فهي تدافع عن نفسها على أكثر من جبهة أولها دفاعها ضد تصدير اللاجئين السوريين الى أراضيها وتحميلها هذه الأعباء الكبيرة، ثم إنّها طرف لا يزال يتخذ حتى الآن موقفاً دفاعياً من نشاط حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية، ويبدو ان أنقرة في حيرة من أمرها في كيفية الردّ على ورقة استخدمتها دمشق في الوقت الصعب ضد أنقرة التي ليس لديها عدو داخلي وربّما خارجي أحياناً اكبر من مسلحي حزب العمال الكردستاني، حتى اضطر وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو ليقول على قناة تلفزيونية أمس الأول إن الشرق الأوسط الجديد لا بدَّ أن يكون خالياً من اثنين؛ حزب العمال الكردستاني والنظام السوري.

في الميدان لعبة كما يقول تلاميذ حلقة الفيلسوف الصيني القديم كونفشيوس، بيد إنَّه الآن في الميدان مفاجأة تتبعها مفاجأة، ولا يزال في المرمى الكثير منها.

الزمان

أي حرب تركية محتملة ضد سوريا؟

حسن أبو طالب

 بموجب المادة‏92‏ من دستور تركيا أطلب من البرلمان التركي إعطاء تفويض لمدة عام يسمح بإرسال القوات المسلحة التركية إلي بلدان أجنبية وتكليفها بمهام خارجية والقيام بالترتيبات اللازمة حيال هذا الأمر‏,‏ شريطة أن يكون تقدير وتقييم المواقف التي تستدعي ذلك من اختصاص الحكومة التركية وحدها‏.‏

هذه فقرة أساسية من المذكرة التي قدمها رئيس الوزراء أردوغان للبرلمان التركي يطلب فيها تفويضا للقيام بعمليات عسكرية خارج الأرض التركية, وهو ما حصلت عليه الحكومة بالفعل حين أقر320 نائبا مذكرة التفويض لمدة عام كامل, بينما عارض129 نائبا من حزب الشعب الجمهوري المعارض وحزب السلام والديمقراطية, باعتبار أن صيغة التفويض واسعة وتتيح شن حرب عالمية وليست مجرد عمليات محدودة وطارئة علي الحدود.

ومع ذلك فإن مسئولي الحكومة التركية أكدوا أن لا نية لديهم لشن حرب, وهو نفي يبدو غير مقنع في ضوء حقيقة التفويض البرلماني الذي يتيح إرسال الجيش التركي إلي بلدان خارجية وليس بلدا واحدا لغرض القيام بمهام قتالية. أو بعبارة أخري شن حرب علي دول أخري وفقا لتقييم الحكومة التركية وحدها دون الرجوع إلي البرلمان مرة أخري. وقد لا تكون صيغة التفويض إلا مجرد صيغة مرنة تضع في اعتبارها احتمالات تدهور الموقف علي الحدود مع سوريا, وربما مع حدود دول أخري كإيران مثلا, وقد يقصد بها نوعا من الردع المعنوي الاستباقي لسوريا ولغيرها من الدول التي قد تلجأ لمناصرة دمشق إذا ما حدث عدوان عليها.

مهما كانت الرسائل التي استهدفتها الحكومة التركية, فإن المسألة برمتها علي صعيدي الشكل والمضمون أكبر من مجرد إجراءات تتعلق بتأمين الحدود أو القيام برد عدوان أو قصف محدود ردا علي إطلاق قذيفة أو قذيفتين من الجانب الآخر. فهل تعي الحكومة التركية عواقب التورط في الأزمة السورية عسكريا؟

من المؤكد هنا أن استمرار الأزمة السورية بصورتها العسكرية الصفرية السائدة تمثل خطرا كبيرا علي كل جيران سوريا بما فيهم تركيا ذاتها, خاصة أن الجهود الدبلوماسية العربية والأممية تبدو عاجزة تماما عن تحريك الموقف ناحية إنهاء العنف المسلح. وفي الآن نفسه فإن كل الأفكار حول تدخل عسكري دولي تبدو كارثية تماما علي الاقليم ككل, وهو ما يفسر تردد القوي الكبري في التفكير في هذا الأسلوب المروع. ووفقا لتطورات الداخل السوري فإن الصراع العسكري لم يعد فقط بين الجيش النظامي وسوريين مسلحين يريدون تحرير شعبهم من حكم استبدادي, بل أصبح ساحة اختلط فيها نضال السوريين المشروع مع تطلعات مسلحين من جنسيات عربية وأجنبية يؤمنون بأفكار جهادية تستهدف تغيير النظم العربية بالعنف المسلح.

ومما لا يمكن الجدل فيه أن لتركيا الحق في اتخاذ الترتيبات العسكرية التي تحمي حدودها ومواطنيها, ولها الحق أيضا أن ترد علي أي قصف من الطرف الآخر, وأن تطالب باعتذار إن كان القصف مقصودا ومخططا, وأن تحصل علي تعويض مناسب لمواطنيها الذين استشهدوا نتيجة هذا القصف. ولها أيضا أن تهدد كنوع من الردع السياسي وأن توجه عبارات حماسية ترضي الرأي العام الداخلي, وأن تطلب من الأمم المتحدة اتخاذ الاجراءات المناسبة لإدانة أي تحرك أو فعل عدائي ضد حدودها, بيد أن المقابل لكل هذه الخطوات المشروعة والتي لا خلاف عليها من حيث المبدأ, هو أنه ليس من حق تركيا أو غيرها من الدول أن تستغل الازمة التي تمر بها سوريا للقيام بأي أعمال عسكرية علي الأرض السورية من قبيل التوغل أو إقامة مناطق يحميها الجيش التركي بحجة حماية اللاجئين السوريين. ففي هذه الحالة وأيا كان نبل المبررات الانسانية التي ستعلن, فإننا سنكون وفقا للقانون الدولي أمام حالة عدوان واحتلال لأرض عربية أخري. ووفقا للقانون الدولي أيضا وإعمالا لحق الدفاع عن النفس, سيكون من حق السوريين سواء كانوا مع نظام بشار الأسد أم ضده أن يواجهوا الاحتلال التركي بالقوة حتي إنهائه. وفي المحصلة ستتورط تركيا عسكريا ويزداد لهيب الوضع الإقليمي الذي قد ينزلق بقوة إلي مواجهة عربية إيرانية تركية إسرائيلية في آن واحد, ولنا أن نتصور كيف سيكون الشرق الاوسط كله حينذاك, وكيف سيكون السلام والأمن العالمي. بالتأكيد سيكون كارثيا ومروعا.

وربما يقول قائل هنا ان تركيا تتدخل عسكريا بالفعل من خلال مناصرة الجيش السوري الحر بالسلاح والأموال وبالاستشارات العسكرية وبحماية عناصره القيادية, وأنه في حال دخول قوات تركية الاراضي السورية فسيكون الأمر مجرد امتداد للمواجهة غير المباشرة الموجودة بالفعل بين تركيا والنظام السوري. وهو استنتاج شكلي مرفوض ويجافي الحقيقة, ونأمل ألا تقع فيه الحكومة التركية أو من يدفعونها إلي التدخل العسكري تحت شعار إقامة مناطق محمية ومحظورة علي الطيران السوري بزعم حماية المدنيين.

الوضع خطير, واحتمالات حرب إقليمية باتت قريبة الحدوث, ومع ذلك فعلينا أن نراهن علي وعي وبصيرة الحكومة التركية, التي اتصور أنها لن تقع في شرك عمل عسكري غير محسوب أو مدفوع برغبة القيام بخطوة غير مسبوقة لإنهاء الأزمة السورية وتحقيق بطولة لن تحدث إلا في الخيال وحسب. وفي تصوري أن الحكومة التركية تعي تماما عواقب التورط العسكري المباشر في الأزمة السورية, وتعي أن خطوة كهذه ستضر بعلاقاتها مع العالم العربي كله شعوبا وحكومات اللهم من يتصور عبثا أن توريط تركيا في رمال سوريا المتحركة سيعوض العجز العربي عن الفعل اللازم لمناصرة الشعب السوري. دعونا نقولها صراحة إن حدث وتخطي الجنود الاتراك الحدود السورية تحت أي مبرر كان ستكون علامة فارقة ولكن سلبية للغاية للسياسة الخارجية التركية المعاصرة, والتي استهدفت قبل اربع سنوات أن تكون علاقات تركيا مع كل محيطها الجغرافي خالية من أي نزاعات, تحقيقا لشعار صفر مشكلات الذي صكه وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو, غير أن تطورات السنوات الأربع الماضية أتت بعكس ما وعد به هذا الشعار المثالي. إذ تشتبك انقرة بالفعل مع اكثر من نزاع سياسي واستراتيجي مع عدد من دول الإقليم, وبما يؤكد أن عالم اليوم يقوم علي قليل من المثالية والطوباوية وكثير من الواقعية وصراعات المصالح وتناقضات القيم. والمهم كيف ندير كل ذلك بعيدا عن السلاح واللغة الخشنة.

الأهرام

التحدي السوري… وتعقيدات التدخل العسكري

عند الحديث عن النقاش الدولي الدائر حول التدخل العسكري في سوريا فإنه غالباً ما تتم صياغته في إطار “مسؤولية الحماية” التي يُفترض للشعب السوري الاستفادة منها وهو يعاني على يد نظام وحشي، ولكن هناك أيضاً أخطاراً متصاعدة من احتمال انتقال الأزمة إلى بلدان أخرى بكيفية قد تزعزع استقرار منطقة تعاني أصلاً من اضطرابات لا نهاية لها. وهذه الأخطار لو أُخذت بجدية وتم التعامل معها فإنها قد تساهم لوحدها في انبثاق أسباب ودواع مقنعة للتدخل الدولي. وأول تلك العوامل استمرار الاحتقان بين الجارتين تركيا وسوريا الذي قد يتطور، على رغم الدعوات الدولية بضبط النفس، من مجرد مناوشات إلى صدام حقيقي بين البلدين، فتركيا الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة والعضو الأساسي في حلف شمال الأطلسي معرضة بشكل كبير لتداعيات حرب ممتدة في سوريا. ويؤكد ذلك العدد الكبير للاجئين الذين اجتازوا الحدود إلى تركيا والذين فاق عددهم حتى اليوم 90 ألف سوري، كما أن تكرار الحوادث على جانبي الحدود وسقوط ضحايا مدنيين أتراك بسبب قصف سوري وما سيعقبه من رد تركي سيؤدي لا محالة إلى تصاعد الصراع بين أنقرة ودمشق. ولعل الحادثة الأخيرة التي وقعت خلال الأسبوع الجاري وقامت تركيا بموجبها بإجبار طائرة متجهة من روسيا إلى سوريا على النزول بعد الاشتباه في نقلها مواد عسكرية أوضح مثال على احتدام الصراع. ففي الوقت الذي نقل فيه التلفزيون التركي الرسمي تقارير عن حمل الطائرة معدات عسكرية ردت سوريا بغضب واصفة الحادثة بالقرصنة الجوية، في حين نفت روسيا أن تكون الشحنة تابعة لها معبرة عن استيائها من الطريقة التي تم التعامل بها مع مواطنيها الذين كانوا على متن الطائرة.

وبالنظر إلى العداء الواضح بين دمشق وأنقرة والحشود العسكرية الموجودة على جانبي الحدود فإن تصاعد العنف قد يمثل تطوراً خطيراً في سير الأزمة السورية، ولو حدث ذلك فإن “الناتو” لن يستطيع الوقوف متفرجاً فيما أحد أعضائه الأساسيين ينخرط في حرب مع طرف آخر. ولكن بالإضافة إلى العلاقة السورية التركية المتوترة التي قد تدفع إلى تدخل دولي هناك أيضاً ما باتت عليه سوريا نفسها من ساحة معارك بالوكالة، فمن المعروف أن إيران تساند حليفها السوري وتقف إلى جانب نظام الأسد، فيما تركيا وقطر والسعودية وبعض الدول الإقليمية تدعم الجيش السوري الحر وجماعات أخرى معارضة، كما أن قوات المعارضة التي تعمل من الأراضي التركية تعتبر فاعلاً أساسياً في الثورة ضد الأسد، غير أن وجود جماعات مسلحة مناوئة للنظام السوري تنشط من تركيا تؤثر سلباً على المناطق الجنوبية في تركيا نفسها التي كانت مزدهرة ومستقرة قبل الأزمة فيما اليوم تعاني الفوضى والركود الاقتصادي. هذا في الوقت الذي يبدو فيه أن سوريا أعادت إحياء دعمها القديم للعمليات المسلحة التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، وفي حال استمرت هذه الحروب بالوكالة في سوريا لفترة طويلة فإنها قد تحدد الخريطة الاستراتيجية للمنطقة لفترة مديدة. أما العامل الثالث المشجع على التدخل في سوريا فيتمثل في اتساع رقعة الأزمة وامتدادها غرباً وجنوباً إلى كل من لبنان والأردن مع ما سيصاحب ذلك من اشتباكات متفرقة على الحدود، وربما هذا ما يفسر ما تردد عن احتمال إرسال الولايات المتحدة لقوات عسكرية إلى الأردن منذ مطلع الصيف الماضي لمساعدته في التعامل مع تدفق اللاجئين ولمراقبة الأسلحة الكيماوية السورية.

ولكن على رغم الحرص على احتواء الأزمة فإنها قد تصل إلى عتبات أوروبا في شرق المتوسط، وهو ما يسلط الضوء على النزاعات التي قد تعيق الاستراتيجية الأميركية والأوروبية في المنطقة، فالطبيعة المفتوحة للحدود البرية والبحرية بين دول المنطقة تعني أن أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين قد يظهرون في قبرص واليونان، إذ يبدو أن أوروبا تشترك فعلاً في الحدود مع سوريا، وبدون التعاون والتنسيق بين تركيا واليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي سيكون من الصعب التعاطي مع التداعيات العنيفة للأزمة السورية وتأثيرها على أوروبا نفسها. ومع أن رئاسة قبرص الدورية للاتحاد الأوروبي يفترض فيها تسهيل عملية التنسيق والتعاون بين دول المنطقة، إلا أن الخلافات المستحكمة حول مصير قبرص المقسمة أصلاً سيعيق أي تقارب تركي قبرصي لحل الأزمة ليؤثر بدوره على التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي وبين هذا الأخير وحلف شمال الأطلسي. وحتى روسيا التي لا تحبذ التدخل العسكري في سوريا قد تقتنع بضرورة احتواء الأزمة السورية بالنظر إلى مصالحها الحيوية في البلقان وشرق المتوسط. وفي المجمل يظل النقاش حول التدخل في سوريا صعباً ومعقداً، ولاسيما عقب التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان وتعقيد الوضع العرقي والطائفي في سوريا الذي يمنع السياسيين الأميركيين من المجازفة، بل إن الرأي العام الأميركي والأوروبي ملتبس هو أيضاً في موقفه، إذ في الوقت الذي تساند فيه أغلبية واضحة على ضفتي الأطلسي، كما في تركيا، مبدأ الحماية الدولية الذي أقرته الأمم المتحدة، إلا أن الأمر عندما يتعلق بالأزمة السورية فإن الأغلبية ذاتها ترفض التدخل، ولذا فإنه في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع في سوريا ويتدهور الوضع هناك مع تصاعد تكلفة التداعيات واحتمال تمددها إلى دول المنطقة فإن ذلك قد يدفع الدول في أفضل الأحوال إلى بلورة استراتيجية لاحتواء الصراع وحصره داخل الحدود السورية دون أن يصل إلى مستوى التدخل العسكري المباشر.

آيان أو ليسر

المدير التنفيذي لمركز ضفتي الأطلسي التابع للمكتب الأوروبي لصندوق مارشال الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “كريستيان ساينس مونيتور”

الاتحاد

سوريا.. «الرجل المريض» في عهدة «أطباء مرضى»

 فؤاد مطر

من تركيا التي استطاع الرئيس بشار الأسد تسديد إحراج جديد لها عندما أطلقت قواته بضع قذائف قاتلة ومن دون أن يتعامل رجلها القوي أردوغان مع هذا التسديد بحجم تصريحاته وتهديداته ومنها قوله «إن اختبار قدرتنا على الردع خطأ فادح ولا نريد حربا لكننا لسنا بعيدين عنها» يطلق المنظِّر الأردوغاني وزير الخارجية أحمد داود أوغلو فكرة أن يتنحى الرئيس بشار لنائبه فاروق الشرع لأن يديه «غير ملوثتين بالدم». ثم يرفع أردوغان منسوب التهشيم لشخص صديقه القديم بشار الأسد الذي أهداه مضطرا أو مختارا في زمن الوفاق بينهما ورقة لواء الاسكندرون منزوعة من كتاب القضايا القومية العالقة في الوجدان السوري، فيقول عنه «إنه يقف على عكازات» مضيفا القول: «إننا نصحناه لكنه تجاهل نصائحنا. والده قتل في حماه 30 ألف إنسان، والآن يحاول نجله (أي بشار) كسر رقمه القياسي»، مضيفا أيضا «إن الشعب السوري أمانة أجدادنا في أعناقنا…».

كلام أردوغان من جهة وكلام وزير خارجيته من جهة أخرى يوضحان بعض نوايا تركيا تجاه المحنة السورية، حيث إن الزعامة الأردوغانية التي ما زالت تراوح مكانها لجهة الدور الطموح تنظر إلى سوريا على أنها «الرجل المريض» الجديد في المنطقة حالها مثل حال تركيا عندما كان يتم توصيفها بأنها «الرجل المريض» وأن مساندتها لشخص مثل فاروق الشرع ستحقق لها التعامل مع سوريا مثل تعامل إيران مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي دفعته دفعا في اتجاه إبرام علاقة متطورة مع روسيا وتحليمه بأن يكون لاحقا زعيما قويا للعراق وسوريا معا باعتبار أن النظام البشاري لا بد سينصرف لأن مستلزمات البقاء تتناقص ولن يكون في الإمكان بعد الذي جرى التفاهم مع الناس. وعندما سيزور الرئيس محمود أحمدي نجاد قريبا دمشق فإن زيارته ليست بهدف التدعيم وإنما للتفاهم مع صديقه الرئيس السوري المثخن بالأهوال والخيبات على المرحلة المقبلة وكيف يتم قطع الطريق على فكرة أن يكون فاروق الشرع هو البديل.

ولعبة «الرجل المريض» في المنطقة ليست جديدة ولكنها لعبة فاشلة لم تحقق للاعبين أحلامهم. فعندما دخلت مصر مرحلة «الرجل المريض» نتيجة الهزيمة التي مُني بها زعيمها القوي داخليا وعلى مستوى المنطقة جمال عبد الناصر، بدأ العقيد معمر القذافي من جهة والرئيس صدَّام حسين من جهة أخرى يمنيان النفس ببناء زعامة قوية للعراق الصدَّامي ولليبيا القذافية على أنقاض زعامة عبد الناصر التي تضمُر شيئا فشيئا، لكن في نهاية الأمر دفع كل منهما ثمن هذا الطموح الذي له صفة الطمع. ونقول ذلك على أساس أنهما ما داما حريصين على مصر على نحو ما أبديا من كلام طيب من نوع قول أردوغان «إن الشعب السوري أمانة أجدادنا في أعناقنا» كان من الواجب الأخلاقي والوطني عليهما الوقوف مع مصر إلى حين استرداد عافيتها بالكامل.

هنالك وقائع كثيرة تؤكد ما نشير إليه. لكن الحالة السورية هي أكثر الحالات مأساوية ذلك أن المنازلة التي تجري فيها غير مسبوقة من حيث ابتهاج الطرفين المتبارزين بما يقومان به. ومن هنا ونحن نتأمل فيما يقترحه «الطبيب التركي» وما يخطط له «الطبيب الإيراني» وغيرهما من «أطباء مرضى» بشراهة الهيمنة على غيرهم، من أجل الانقضاض على «سوريا المريضة» نجيز لأنفسنا القول إنه إذا كانت هنالك نية حقيقية للانتقال بـ«المريض السوري» من ساحة الاقتتال الذي لا جدوى منه إلى غرفة العناية الفائقة التي قد يجد فيها بعض الشفاء، أن يتم تفاهم الذين يساعدون عربا وتركا وعجما ومعهم أميركا وروسيا والصين والدول الأوروبية على أن يتنحى الرئيس بشار وبالتفهم والتفاهم إلى مجلس انتقالي مدني عسكري يؤسس لعهد جديد وبحيث يقرر السوريون بأنفسهم مصيرهم لا أن يكون الحل وفق الاقتراح التركي الذي جدد إحياء الحديث حوله وزير الخارجية أوغلو. ونقول ذلك على أساس أن هذه الصيغة هي مثل حطب يرمى على نار مشتعلة في حين أن المطلوب بعض الماء يطفئ اللهب. فالمناداة بترئيس فاروق الشرع تعني إسقاط الرئيس العلوي أي بشار الأسد متنحيا لنائبه السني وهذا ما لا ينهي الأزمة على الإطلاق في حين أن المجلس الانتقالي الذي يضم شخصيات مدنية – عسكرية – بعثية – إخوانية – اشتراكية – مستقلة، سُنية وعلوية ودرزية وكردية ومسيحية، كفيل بطمأنة الطائفة العلوية الممسكة بسوريا منذ أربعة عقود. وفي هذه الحال لن تبقى الطائفة على سكونها إزاء ما يحدث تحت وطأة الخشية من أن يكون تنحي ابن الطائفة الرئيس بشَّار الأسد مقدمة للقضاء عليها. وإلا فما معنى قول أردوغان «إن الرئيس حافظ الأسد قتل في حماه 30 ألف شخص وإن الابن الرئيس بشار سيضرب الرقم القياسي».

في ضوء ذلك يبدو من المستحسن لإبداء حسن النية سحب الاقتراح التركي من التداول رحمة بسوريا التي من الواجب علاجها بغير وصفات «الأطباء المرضى بشراهة التهام الجيران» بعدما غدت حاضرا بالفعل «الرجل المريض» الثاني مثل حالة تركيا ماضيا، والتركيز على حل يطمئن الجميع بمن فيهم دولة الإمارات التي استوقفتنا دعوة وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد يوم الاثنين 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، إلى التنبيه وذلك بقوله «إن فكر الإخوان المسلمين لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول ولهذا السبب ليس غريبا أن يقوم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالتواصل والعمل على اختراق هيبة الدول وسيادتها وقوانينها…».

وكأننا بالشيخ عبد الله يستحضر الحالة السورية وهو يقول كلامه هذا. ومثل هذه النظرة من شأنها تغليب صيغة المجلس الوطني المدني – العسكري الموسع المستوعب كل الطوائف على صيغة ترئيس فاروق الشرع بحيث يكون كما يريده أردوغان بضعف حالة الرئيس المنصف المرزوقي في تونس: كثرة في التصريحات وقلة في الفعل.

الشرق الأوسط

أردوغان يرقص على نار الأسد!

    راجح الخوري

عندما اسقطت سوريا المقاتلة التركية في تموز الماضي كان واضحاً انها تخشى التعرض لحرب على غرار ما جرى في ليبيا، ولهذا تجاسرت وبعثت برسالة تحمل توقيعاً روسياً أيضاً، الى دول حلف شمال الاطلسي مفادها… إياكم والحرب!

اليوم تغيرت الأولويات وصار مفهوماً ان النظام السوري يستميت لجر تركيا الى حرب باتت تمثل عنده مخرجاً يستند الى النظرية القائلة “اشتدي أزمة تنفرجي”، بمعنى ان انزلاق تركيا الى حرب ضد سوريا المدعومة من ايران التي تكرر انها لن تسمح بسقوط الاسد، وكذلك من روسيا التي تدعمه ديبلوماسياً وتسليحاً، سيهدد بإشعال المنطقة وهو ما يستدعي تدخلاً دولياً سريعاً ربما يوفر مخرجاً للنظام من أزمته المتمادية التي تجره الى السقوط المحتم.

وهكذا يحاول الأسد الآن ان يستسقي الحرب مع تركيا عبر قذائفه الاستفزازية التي تنفجر داخل الاراضي التركية وكان آخرها اول من امس في هاتاي، منطقة لواء الاسكندرون السوري الذي ضمته تركيا كما هو معروف. ولكن السؤال الملح: الى متى يستطيع رجب طيب أردوغان الذي سبق له ان أوصل تهديداته ضد الاسد الى السماء ان يرقص على أنغام النار السورية التي تهين سيادته وهيبته أكثر مما تؤذي أراضيه؟

واضح تماما ان تركيا التي انخرطت في مناوشات بالقذائف المحدودة رداً على الأسد، تحاذر الدخول في الحرب التي تقرع طبولها الكلامية لأن الضوء الاحمر الذي تشعله واشنطن في وجه التدخل العسكري ضد النظام السوري في مرحلة الانتخابات الرئاسية، يمنع دول الأطلسي من التحرك على غرار ما حصل في ليبيا، ولهذا فان السؤال المطروح: هل يستطيع أردوغان ان يواصل ابتلاع الاهانات النارية السورية حتى انتهاء الانتخابات الاميركية؟ وهل يضمن ان الموقف الاميركي سيتغير بعدها، والى متى يراوح عند القول: “اذا لزم الأمر خوض الحرب نفعل اللازم”؟!

عندما استعار أحمد داود أوغلو “المبادرة العربية” مقترحاً فاروق الشرع لقيادة المرحلة الانتقالية “لأنه رجل حكيم وعاقل ويعرف جيداً النظام في سوريا”، بدا كمن يلقي مياهاً باردة على رأس المعارضة السورية التي طالما رفضت محاورة “نظام القتلة” الذي يشكل الشرع أحد أعمدته، كما بدا كمن يسوّق موقفاً هدفه إزاحة الأسد ولو عن طريق شخصية من داخل النظام، وخصوصاً ان أردوغان يراوح منذ أشهر داخل المعادلة التي ابتكرها “تركيا لا تريد الحرب لكنها ليست بعيدة عنها”!

لكن بعدما أعلن عبدالله غول “ان تركيا لا تريد إراقة مزيد من دماء السوريين وتحويل سوريا دولة مدمرة”، بات واضحاً ان الحكومة التركية لن تقدم الحرب هدية العمر الى الأسد… فالتراشق بالقذائف المدروسة جيداً سيستمر بين البلدين!

النهار

 

المواجهة مفتوحة بين دمشق وأنقرة

عبد الوهاب بدرخان

في أيام غابرة من كان يتخيّل أن يقابل العرب بصمت أي مواجهة بين سوريا وتركيا، أياً كان نوعها، حتى لو كانت سوريا هي المبادرة وبنظامها هذا في أيام الرئيس الأب، ورغم كل المآخذ على سجله القمعي والدموي، لكن ها هي ممارسات الرئيس الابن تغير العقول والقلوب، المواقف والعواطف، لشدة ما أوغل في الخطأ والقتل والعنت.

التفاوض المتبادل بين تركيا وقوات النظام السوري هو مشروع حرب تبحث عمن يعطيها الضوء الأخضر الدولي، لكن موقفي الولايات المتحدة وروسيا كانا واضحين، كذلك حلف الأطلسي، وحتى إيران، فالأخيرة وإن كانت تعتبر الحرب التي يخوضها النظام ضد الشعب السوري “حربها”، إلا أنها مدركة أن أقلمة الحرب قد لا تكون لمصلحتها، والأكيد أنها ليست في مصلحة حليفتها سوريا. لكن هذا التقدير للموقف يقتصر على معطيات اللحظة الراهنة، وقد يتغير لاحقاً.

حرص رجب طيب أردوغان، غداة تصويت البرلمان على السماح للحكومة بـ”عمليات” خارج الحدود، تحديدا داخل سوريا، على تأكيد أن تركيا لا ترغب في الحرب، رغم إصراره على أن أي “اعتداء” سوري سيستدعي ردا مناسبا، كان هذا التوضيح موجها إلى جميع الأطراف، بمن فيهم الحلفاء في الأطلسي الذين أكدوا تضامنهم مع أنقرة بكل الألفاظ القوية ليشجعوها على استبعاد أي تصعيد خلال ردّها على الجانب السوري، لكن تكتم دمشق وعدم مصداقية إعلامها الرسمي يمنعان من معرفة حجم الرد التركي والخسائر الناجمة عنه، فالمصادر غير الموثوق بها تحدثت عن قتلى وجرحى وعن تدمير قاعدة جوية.

كان رضوخ دمشق للضغط الروسي الحاسم اضطرها للاعتذار لتركيا في وقت قياسي، وقد فهم أن موسكو لم تقبل بإمهال النظام كي يجري تحقيقا في القصف الذي أدى إلى قتل خمسة مدنيين أتراك في بلدة اكجاكالي الحدودية. فأي تحقيق كان سيستغرق بضعة أيام، ثم أن بعض مصادر النظام راح يروّج أن قوات المعارضة هي التي قصفت بغية دفع تركيا إلى التورط.

لكن الروس يعرفون حليفهم، ويعرفون ما هو ممكن أو غير ممكن في التعامل معه. لذا بادروا إلى تسويق الرواية التي تتحدث عن خطأ غير مقصود ومهدوا مسبقا للاعتذار وفقاً للأصول، ولعلهم طلبوا أيضا إرساله عبر الأمم المتحدة حيث كان مجلس الأمن الدولي يستعد للانعقاد وتدارس التوتر التركي – السوري، وبالتالي أراد الروس دخول الجلسة بعد نزع الفتيل.

في أي ظروف عادية، أو حتى في أحوال التوتر البارد يمكن قبول “رواية الخطأ” أما وقد بلغ التوتر سخونة غير مسبوقة فإن الخطأ غير مسموح به، في أواخر يونيو الماضي أسقطت الدفاعات السورية طائرتين تركيتين كانتا تقومان بمهمة استطلاعية اعتيادية، وفي السابق لم تكن سوريا تعترض على هذه الطلعات إلا أنها استغلت اقتراب الطائرتين من مجالها الجوي لإرسال إشارة سياسية إلى أنقرة، قتل الطياران، وهناك جدل الآن حول التقاطهما حيين ثم قتلهما ورمي جثتيهما في البحر، ضبطت تركيا نفسها ولعلها اعتبرت أن ثمة “خطأ” حصل من جانبها، إلا أنها استحثت حلف الأطلسي لتسجيل الواقعة وتوجيه تحذير إلى سوريا، هذه المرة اختلف الأمر، لأن مدنيين قتلوا، ولأن الظروف لم تعد تسمح بالسكوت.

بعد الاعتذار السوري توقف القصف، لكن المراقبين اعتبروا أن جولة انتهت في انتظار الجولة التالية. ولم تتأخر هذه، إذ أن تبادل القذائف استؤنف في اليوم التالي، ثم توقف، وكأن الجانب السوري يريد أن يرسخ واقعا أو أمرا واقعا، فهو يريد بالتأكيد إقحام تركيا عسكريا بأي شكل، علما أن أي حرب لم يعد مقدرا لها أن تنقذه من السقوط، لكن ثمة أسبابا تدفعه إلى ذلك، من بينها أن الأزمة دخلت مرحلة دقيقة، فالأسابيع الأربعة الآتية التي تسبق الانتخابات الأمريكية يريد النظام استغلالها لخلق وقائع جديدة على الأرض، خصوصاً أنه لم يتمكن من الحسم في الداخل وباتت عملياته تقتصر إما على التدمير المنهجي أو المجازر والإعدامات الميدانية المبرمجة، من دون أن يغير ذلك شيئا على الأرض، ولعله يعتقد أن استدراجه تركيا يمكن أن يجبر الولايات المتحدة على الاتصال به من أجل وقف المواجهة، أو يمكن أن يضطر حلفاءه لتغيير تكتيكاتهم ومسايرته في تخطيطاته، وقد تكون لديه معطيات تجعله مطمئناً إلى أن إيران ستبدل موقفها وتجاريه، إذ حصل في السابق أن مررت طهران تحذيرات مبطنة للأتراك.

لاشك أن انقلاب تركيا كان أكثر إيلاما مما توقعه النظام، لكنه كان انقلابا شبه معلن منذ اللحظة التي بدأ فيها النظام يستخدم آلة القتل، وقبل ذلك أطلقت أنقرة إنذارات بلهجات متفاوتة، وعرضت وساطات وكانت مستعدة لمساعدة النظام لو أنه حاول ضبط العنف وطرح مبادرة سياسية معقولة، إلا أنها استنتجت في النهاية أنه نظام ميؤوس منه، ولا يبحث إلا عمن يساعده على المزيد من القتل، ومنذ الشهر الرابع للأزمة حتى اليوم لم يصدر عن دمشق ما يمكن أن يكذب هذا الاستنتاج، بل كانت أنقرة اختبرت النظام في حماة “أواخر يوليو 2011″، إذ وعد بالانسحاب منها ووقف العمليات، وما حصل أنه حرك آلياته لتصورها الكاميرات ثم اعادها بعد مغادرة الوفد التركي، ومنذ ذلك اليوم حسم الأتراك موقفهم وقرروا الانخراط الكامل في دعم المعارضة سياسياً وعسكرياً.

نتيجة لهذا الدعم أصبح معظم شمال سوريا خارج سيطرة النظام، باستثناء بعض الجيوب، وأصبحت الطريق من الحدود إلى داخل حلب مفتوحة ولم تعد المنافذ الحدودية تحت إشراف دمشق. وتذهب التوقعات حالياً باتجاه تعزيز تسلح المعارضة لتمكينها من فرض “المنطقة الآمنة” بنفسها ومن دون الحاجة إلى تدخل خارجي أو حتى إلى غطاء جوي. وهذا في حد ذاته يشكل سبباً للتصعيد الحالي، فروسيا تمانع إنشاء منطقة آمنة، كذلك إيران، وهما متضامنتان مع النظام في اعتبار أن الدور التركي غيّر طبيعة الأزمة وسيكون فاعلاً في تعقيد مساومات المرحلة المقبلة مع الولايات المتحدة.

الشرق القطرية

النتيجة المضمونة للتصعيد السوري مع تركيا

خيرالله خيرالله

الى متى يمكن للنظام السوري الهروب الى خارج؟ هرب الى لبنان. هرب الى الاردن. هرب الى فلسطين. هرب الى العراق. في كلّ محاولات الهروب هذه، كان الفشل نصيب النظام السوري. كلّ ما استطاع عمله هو خلق متاعب للبنانيين والاردنيين والفلسطينيين والعراقيين. الجديد في الامر انّه يحاول حاليا، في استعادة للماضي القريب، الهرب الى تركيا، الدولة الاطلسية التي سعى الى التقرب منها من اجل تأكيد انه قوة اقليمية قادرة على اللعب على التناقضات في المنطقة والاستفادة منها الى ابعد حدود!

حاول النظام السوري وضع لبنان تحت جناحه. لا داعي الى استعادة تاريخ النظام السوري مع لبنان الذي لم يخدم في نهاية المطاف سوى اسرائيل التي استهدفت دائما الجنوب اللبناني وارادت ان يكون “مسرحا” خارج سيطرة الشرعية اللبنانية وجيشها تستخدمه في الظهور في مظهر الدولة المهددة من عدوّ عربي…

في الوقت نفسه، سعى الى ان يكون مرجعية الشعب الفلسطيني بحجة ان القرار الفلسطيني المستقل “بدعة” على تعبير الرئيس الراحل حافظ الاسد.

الى ذلك، كان يتحرّش بالاردن باستمرار. عمل في كلّ وقت على زرع بذور عدم الاستقرار في المملكة معتقدا ان ذلك يعزز دوره الاقليمي، الذي هو مجرّد وهم قبل ايّ شيء آخر.

وفي العراق، جعل من العداء لنظام صدّام حسين مادة استثمرها للتقرّب من اهل الخليج وابتزازهم. وبعد سقوط صدّام حسين على يد الاميركيين، اراد ابلاغ كلّ من يعنيه الامر انّه شريك في رسم مستقبل البلد الجار وانه قادر في كلّ وقت على تصدير الارهاب والارهابيين اليه. نسي ان الاحتلال الاميركي للعراق مهّد في الواقع لتسليمه الى الايرانيين الذين لعبوا اللعبة الطائفية والمذهبية بطريقة اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها ذكيّة. خرج الايرانيون، بفضل الميليشيات المذهبية التي صنعوها، الرابح الاوّل من الحرب الاميركية على العراق. اسقطوا عدوّهم التاريخي من دون اطلاق رصاصة واحدة بفضل الغباء الاميركي المنقطع النظير. وضع الايرانيون يدهم على العراق ولم يتركوا للنظام السوري سوى فتات الفتات، بل تركوا له التحدث عن دور ما ليس موجودا سوى في المخيلات المريضة.

في كلّ ما له علاقة من قريب او بعيد بتركيا، كانت الامور مختلفة. يتجاهل النظام السوري الاسباب التي دفعته الى السعي الى انهاء الخلافات معها. يتجاهل خصوصا انه لم يزل “اللواء السليب” (لواء الاسكندرون) من كتب التاريخ السورية ومن خريطة الجمهورية العربية السورية الاّ بعدما تأكد من جدية الاتراك في القضاء على كل ما من شأنه ان يكون مصدر تهديد لامنهم.

امضى النظام السوري سنوات عدة ينفي ان عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني الذي يخوض رجاله حربا مع الجيش التركي، مقيم في دمشق. رفض النظام كل الادلة التي قدّمها له الاتراك، بما في ذلك ارقام الهاتف التي طلبها الزعيم الكردي من شقته الدمشقية. عندئذ، طفح الكيل في انقرة التي انذرت دمشق بان الجيش التركي سيدخل الاراضي السورية من الشمال وسيخرج من الجولان. تبيّن مع الوقت ان تلك اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام السوري الذي ما لبث ان طرد اوجلان من اراضيه لينتهي الرجل، بقدرة قادر، في سجن تركي لا يزال مقيما فيه منذ العام 1999.

من الواضح ان النظام السوري لم يتعلّم شيئا من الدرس التركي. لو تعلّم شيئا، لكان الرئيس بشّار الاسد استفاد من التجربة التركية التي تطوّرت مع الوقت وصولا الى ما هي عليه الآن. لو تعلّم شيئا، لكان عرف ان لا مجال للتذاكي على الاتراك وان التنازل النهائي عن لواء الاسكندرون بداية وليس نهاية وان المطلوب استتباع ذلك باعتماد سياسة واقعية. تقوم هذه السياسة الواقعية على التوقف عن ممارسة لعبة الارهاب، بما في ذلك المباشرة في الانسحاب من لبنان عسكريا بدل التمديد لاميل لحود والتخلص من الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في شباط- فبراير من العام 2005 ومتابعة ارسال ارهابيين الى العراق، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر طبعا.

ان لجوء النظام السوري الى التصعيد مع تركيا في هذه الايّام دليل على انه لا يمكن ان يتغيّر. انه نظام يرفض الاعتراف بانه انتهى وان التصعيد المباشر مع الاتراك واستخدام الورقة الكردية ضدهم في الوقت ذاته لا ينفعان في شيء. قد يستفيد النظام السوري من ضغوط يمكن ان تمارسها الادارة الاميركية لمنع تركيا من الرد بقوة على الاعتداءات التي تعرّضت لها. هناك اسباب ذات علاقة بالانتخابات الرئاسية الاميركية قد تدعو واشنطن الى ممارسة ضغوط على انقرة كي تمارس ضبط النفس، ولو موقّتا. ولكن في نهاية المطاف، لم يعد مطروحا سوى سؤال واحد هو كيف سينتهي النظام السوري، خصوصا ان الانتخابات الرئاسية الاميركية على الابواب؟

هل يمكن ان تجد العائلة الرئاسية مكانا تلجأ اليه قبل فوات الاوان ام ان مصير افرادها سيكون مصير صدّام حسين ومعمّر القذّافي؟

يبدو واضحاً ان مثل هذا المصير وارد جدّا، اقلّه لسسبب واحد يتمثّل في رفض تعلّم شيء من التجربة التركية اضافة الى انه يظهر ان هناك قوى، مثل ايران، تدفع دمشق في اتجاه التصعيد.

ليس ما يشير الى ان نتيجة التصعيد السوري مع تركيا في السنة 2012 ستكون مختلفة عن التصعيد الذي كان يمارس في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. انها نتيجة مضمونة، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار ما آلت اليه الاوضاع الداخلية في بلد كان الى الامس القريب يعتقد نفسه اللاعب الاساسي في الشرق الاوسط!

المستقبل

الأزمة السورية…قطبية جديدة

رشيد أقجي

تموج منطقة الشرق الأوسط بتموجات إقليمية في غاية الخطورة والتأثير، برزت إحدى سماتها في الأزمة السورية وعواقبها السياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي انعكست آثارها على مستوى استحالة توحيد رؤية مشتركة دولياً للحسم في حلحلتها بشكل يقطع دابرها، وهو ما يترجم إلى حد ما الانقسام الذي يتصدع به مجلس الأمن بين مؤيدي ومعارضي النظام “البعثي” القريب الأفول على مستوى تفادي الاحتراب الطائفي في بلاد الشام.

الصراع الدبلوماسي الذي اتسم به مجلس الأمن على ضوء هذه المستجدات الإقليمية بين موسكو وبكين من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة ثانية حال دون إيجاد مخرج أممي للأزمة المفتعلة عبر استصدار قرار لازم وملزم للحد منها، يعكس مدى السياسة البراجماتية التي تتسم بها العلاقات الدولية المبنية على المصالح كجزء لا يتجزأ من الأهداف العامة للسياسات الدولية. ومنه تبرز الأسئلة التالية: أين تبرز الإشكالية؟ لماذا تحرك مجلس الأمن على وجه الاستعجال والسرعة في تنفيذ القرارات الصادرة عنه بإجماع في أزمات سياسية سابقة؟ أين تتجلى التحديات العصية على التحدي والتجاوز السياسي؟

هل هي إعادة للتوازن على مستوى العلاقات الدولية؟ هل هي إعادة لقطبية ثنائية جديدة تشي بأن روسيا استعادت هيبتها عبر إرسال إشارات إلى المجتمع الدولي من خلال ممارسة حق “الفيتو” في صدور قرار حاسم؟ إنه تحد صارخ لمجلس الأمن الدولي في مواجهة “الفيتو” الروسي والصيني المشترك على العدول عن موقفيهما الداعم لجرائم النظام السوري، لماذا يعجز مجلس الأمن عن حسم النزاع؟ لماذا هذا التماطل في قطع دابر الأزمة السورية؟

الأسباب الحقيقية وراء استئصال شأفة الصراع في المنطقة لا يتجاوز المحاور الأساسية التالية: أولاً: تضارب المصالح في الشرق الأوسط بين الدول الكبرى، بحيث أن امتناع الصين عن إبداء الموافقة ولو مبدئياً على الاستنكار الشديد على الفظائع والجرائم المقترفة تحت مظلة محاربة الإرهاب له ما يبرره مسلخياً- و ليس مصلحياً.

ثانياً: الخوف من اندلاع حرب كونية ثالثة إذا تدخلت أميركا في الصراع، بحيث أبانت روسيا والصين عن قوتهما التحالفية، في حالة نشوبها من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الديون المتراكمة في ذمة أميركا تجاه هذه الأخيرة -أي الصين- تمثلت في إنقاذها من أزمتها المالية عبر ضخ مليارات الدولارات تحول دون الإقدام على التأثير في قراراتها الدبلوماسية لقوتها الاقتصادية من حيث غزوها للأسواق العالمية.

ثالثاً: المصالح الاقتصادية لروسيا في إيران، بحيث تدخلها في الشؤون السورية سينعكس عليها لا محالة، وبالتالي نرى الانسجام في الخطاب على مستوى السياسية الخارجية الروسية والإيرانية إن لم نقل تواطئاً بينها على الحرب الطائفية اعتباراً للاتجاه النصيري.

هذه بعض السيناريوهات التي يمكن أن تفسر التأخير في الحسم في الأزمة السورية التي حصدت أكثر من 20 ألفاً من الأبرياء والشهداء، دون مسوغ شرعي وقانوني. وهو ما يدفعنا إلى القول بأكذوبة مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ألم يحن التفكير إذن في صياغة ميثاق جديد يؤرخ لهذه المرحلة ويبني عليها فصوله الحاسمة نظراً لشيخوخة الميثاق الأممي الحالي- الذي أصبح لا يستجيب لمتقلبات الظرفية الدولية الراهنة؟

إنها قطبية جديدة أصبحت تلوح في الأفق، روسيا والصين من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة ثانية. بوادرها ظهرت ولكن عواقبها لا تزال في الكواليس، ودع الأيام تكشف المجهول المرتقب.

كاتب مغربي

ينشر بترتيب مع مشروع “منبر الحرية”

تركيا وسوريا.. حديث الحرب

                                            بشير عبد الفتاح

رغم أنها لم تكن المرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، التي تقصف فيها قوات الأسد أهدافا بدول مجاورة، حيث تعرضت بلدات في الأردن ولبنان لقصف سوري في الوقت الذي ظلت إسرائيل كما الجولان السوري المحتل بمنأى عن أية تحرشات من هذا النوع، حبست دول المنطقة -والمجتمع الدولي برمته- أنفاسها بعد أن لجأت حكومة أردوغان إلى البرلمان التركي طلبا لتفويض بعمل عسكري ضد سوريا، في أعقاب تعرض قرية حدودية تركية لقصف سوري أودى بحياة خمسة أشخاص كما أسفر عن جرح آخرين.

دوافع الاستفزاز

من بين دوافع شتى أغرته للتحرش العسكري بالجار التركي، برزت غايتان أساسيتان توخاهما نظام الأسد من وراء هذه الخطوة التصعيدية والاستفزازية في آن: أولاهما، توسيع نطاق الأزمة السورية وخلط أوراقها، وتشتيت الاهتمام المحلي والدولي بتفاصيلها، على نحو يوجد مناخا مواتيا لدعم مزاعمه بأن هناك مؤامرة إقليمية ودولية حيكت ضد سوريا، وليست ثورة شعبية تنشد الإطاحة بنظام الأسد وانتزاع الحرية للشعب السوري.

أما ثانيتهما، فتتجلى في رغبة النظام الأسدي في التثبت من الخطوط الحمر التركية، واختبار قدرة أنقرة على تحمل الاستفزازات والانتهاكات السورية.

وهو الاختبار الذي لم يكن الأول من نوعه، حيث سبق لنظام بشار الأسد أن سعى لاستفزاز الأتراك مرات عدة، ربما كان أشدها وطأة إقدام المضادات الأرضية السورية في يونيو/حزيران الماضي على إسقاط طائرة مقاتلة تركية إثر اختراقها الأجواء السورية، وتم قتل طياريها بعد أسرهما، فيما لم يستتبع ذلك تحركا تصعيديا عسكريا من قبل أنقرة ضد نظام دمشق وقتذاك.

غياب الجاهزية

على الرغم من حزمة الخطوات التي تبدو ظاهريا تصعيدية من قبل أنقرة حيال نظام الأسد كنصحها رعاياها بمغادرة سوريا، وتلويحها بإقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر جوي بينها وبين سوريا، وتشديدها للتدابير الأمنية والعسكرية، ونشرها طائرات التجسس من دون طيار لمراقبة التحركات السورية بالقرب من حدودها.

ورغم ما تردد عن وصول عتاد حربي أميركي كثيف إلى قاعدة إنجيرليك بجنوب شرق البلاد. وحتى بعد موافقة البرلمان التركي على منح الحكومة تفويضا للقيام بعمليات عسكرية خارج البلاد لمدة عام كامل، يصعب القول إن أنقرة قد باتت قاب قوسين أو أدنى من تجاوز الخط الأحمر الذي يحول بينها وبين القيام بعمل عسكري، بأي مستوى، ضد الجار السوري.

ويستند هذا الطرح على ركيزتين أساسيتين:

أولاهما، عدم توفر الأجواء التي من شأنها أن تضمن لتركيا عملا عسكريا ناجعا يكفل تحقيق أهدافه بأقل كلفة ممكنة على كافة الصعد. وأما ثانيتهما، فتتمثل في توجس تركيا من التداعيات السلبية الخطيرة المحتملة لأي عمل عسكري ضد سوريا.

وفيما يتعلق بالركيزة الأولى، يمكن القول إن حكومة العدالة التركية مسكونة بمشاعر القلق والوحدة في مواجهة الأزمة السورية، حيث تخالجها شكوك في جدية نوايا القوى الإقليمية والدولية بشأن التدخل لوضع نهاية ملائمة لمأساة الشعب السوري والمنطقة.

فمن جهة، لم تحسم القوى الإقليمية والدولية أمرها حيال مصير بشار الأسد، ففي حين يتراءى لبعضها إبقاؤه في الحكم لمرحلة انتقالية مع التخلص من الشخصيات الأشد نفوذا، والأكثر حماقة في نظامه مثل شقيقه ماهر الأسد، وباقي أقربائه وأصهاره، يذهب بعض آخر إلى ضرورة الإطاحة به توطئة لإعادة إنتاج النظام البعثي بوجوه جديدة، تؤدي ذات الدور المفيد للقوى الإقليمية والدولية وإن بأدوات وأساليب مغايرة.

وتستبد بالأتراك مخاوف من أن يجدوا أنفسهم بمفردهم في أتون حرب ضروس ضد نظام بشار، حيث لا تبدو القوى الدولية راغبة في التورط عسكريا داخل سوريا.

فبينما اكتفى مجلس الأمن الدولي بإصدار بيان محايد وغير ملزم يدين، على استحياء، العدوان السوري على تركيا، بدا حلف الناتو غير متحمس لذلك هو الآخر، حيث التأم اجتماعه الطارئ على مستوى السفراء ببروكسل إثر دعوة تركية بموجب المادة الرابعة من ميثاقه وليس المادة الخامسة، التي تلزم الحلف بالتدخل لنصرة أية دولة عضو فيه تتعرض للعدوان.

كما اكتفي الاجتماع بإدانة العدوان السوري على تركيا والمطالبة بوقفه، ومناشدة الطرفين ضبط النفس والتصرف بحكمة لتجنب تفجير المنطقة، وهو ما يتماشى مع تأكيد الأمين العام للحلف غير مرة عدم نية الأخير التدخل عسكريا في الأزمة السورية.

وتتشكك أنقرة في إمكانية تغير الموقف الروسي حيال نظام الأسد، ليس على خلفية تدخل مندوب روسيا لدى مجلس الأمن الدولي للتخفيف من صيغة البيان الخاص بالقصف السوري على تركيا فحسب، ولكن لتيقن الأتراك من أن واشنطن لن تضغط على موسكو في هذا المضمار، حرصا على مصالح وتفاهمات ثنائية أكثر أهمية، كالدور اللوجستي الذي تضطلع به موسكو في دعم القوات الدولية بأفغانستان.

ومن زاوية أخرى، تعي حكومة العدالة أن المعركة ضد قوات الأسد لن تكون سهلة، فبرغم وجود مؤشرات على تدهور الروح المعنوية لتلك القوات، وبينما تقدر أعداد المنشقين عن الجيش النظامي السوري بعشرات الآلاف، إلا أنه ليس بمقدور هذا العدد بعد تشكيل “الكتلة الحرجة” التي يمكن أن تغير من موازين القوة ومعادلة الصراع على الأرض.

خصوصا أن النظام السوري تلقى مددا من إيران تمثل في قوات الحرس الثوري ومقاتلي حزب الله، لتعويض التسرب والعجز في الولاء بين العسكريين السنة، الذين يعي النظام أنه لا يمكنه الاعتماد عليهم كليا لوأد الثورة الشعبية.

وبينما اشتدت وطأة الضغوط الاقتصادية عليه جراء الاضطرابات الداخلية والعقوبات الدولية، استفاد الأسد من تجربة إيران في التحايل على العقوبات الدولية والالتفاف عليها وتسهيل التحويلات المالية الدولية عبر مصارف في روسيا والصين وروسيا البيضاء، كما نجح في إبرام اتفاق مع روسيا البيضاء لبناء مصنع لمعدات تطوير قدرات صواريخ أرض أرض، ووافقت إيران بدورها على تمويل المشروع على أن يتضمن الاتفاق بندا ينص على تزويد حزب الله بنصف الصواريخ المحسنة مطلع العام 2014.

وبرأسها تطل صعوبة توفير الإجماع الداخلي بتركيا على القيام بعمل عسكري ضد نظام بشار، فعلى المستوى الشعبي، حاصرت التظاهرات مبنى البرلمان التركي بأنقرة إبان الجلسة الطارئة التي عقدها للحصول على تفويض من مجلس النواب يخول الحكومة القيام بعمل عسكري إذا ما ارتأت في ذلك ضرورة.

وعلى المستوى الحزبي، لا تبدي غالبية الأحزاب التركية حماسا للتصعيد العسكري ضد سوريا، حتى أن الحزب الجمهوري، أقوى أحزاب المعارضة، يعتبر سياسة حكومة العدالة عموما حيال المسألة السورية -وفيما يخص التدخل العسكري فيها تحديدا- مراهقة سياسية تستتبع ضررا بالغا بمصالح تركيا.

محاذير التصعيد

أما بخصوص الركيزة الثانية والخاصة بتداعيات التصعيد العسكري، فيتملك حكومة العدالة هلع من احتمالات سقوط سوريا في غياهب الحرب الأهلية، بما يثقل كاهل تركيا التي تتجاوز حدودها المشتركة معها 900 كيلومتر، خاصة مع تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأراضي التركية.

وتخشى حكومة العدالة من أن يفضي الإخفاق في وضع إستراتيجية خروج واضحة ومحددة الأجل بعد التدخل العسكري إلى استمرار حالة الفوضى في سوريا، خصوصا إذا ما صاحب ذلك غياب للبديل المناسب الذي يمكن التعويل عليه لنظام الأسد، حيث تضرب الانشقاقات والتصدعات أطنابها في جبهة المعارضة السورية.

وينتاب الأتراك خوف من جنوح نظام الأسد للعبث بالملف الإثني عبر استخدامه لأكثر من مليوني كردي سوري لتأجيج المسألة الكردية في تركيا بعد أن زج بهم إلى الحدود معها، ومنحهم مساحات شاسعة من الأرض مقابل قض مضاجع الأتراك، في الوقت الذي قد ينتهز حزب العمال الكردستاني، الذي يدعمه نظام بشار وفقا للرواية التركية، الفرصة ويتحصل على ترسانة الجيش النظامي السوري من الصواريخ المضادة للطائرات ويستخدمها لإجهاض عمليات الطائرات العسكرية التركية ضد معاقل الحزب الكردستاني.

ويتوجس الأتراك خيفة من تلاعب الأسد أيضا بالفسيفساء الإثنية داخل سوريا والمنطقة، حيث أشارت دراسة نشرها مركز القدس للدراسات السياسية إلى أنه قد وضع خطة لإقامة دولة علوية على امتداد ساحل البحر المتوسط، كما يعمل على تقسيم سوريا إلى “كانتونات” وإمارات سنية ودرزية وكردية وعلوية، تسكن كل منها مجموعة عرقية أو دينية مختلفة، فيما تكون السيطرة في النهاية للعلويين.

وتخشى أنقرة كذلك من احتمالات تدهور علاقاتها مع كل من طهران وموسكو بعد تحسن ملفت خلال السنوات القليلة المنقضية، لا سيما أن الدولتين صارتا تعتبران أنقرة رأس حربة لمؤامرة دولية وإقليمية ضد دمشق والمصالح الروسية والإيرانية في المنطقة.

ولقد تأثرت العلاقات التركية الإيرانية سلبا بموقف تركيا من نظام الأسد، حتى أن رحيم صفوي المستشار العسكري لمرشد الثورة الإيرانية طالب أنقرة بضرورة إعادة النظر في مسعاها لتسويق ما اعتبره “علمانية مسلمة غير متوقعة ولا يمكن تصورها” في العالم العربي، وهدد حكومة العدالة بمواجهة مشاكل مع شعبها وجيرانها من العرب والعجم، إذا لم تتراجع عن دعم الثورة السورية.

رسائل تطمين

وضعت الأزمة السورية حكومة العدالة التركية في موقف لا تحسد عليه، فبينما يتملكها يقين بضرورة طي صفحة بشار الأسد، وهو ما لن يتأتى إلا بتدخل عسكري، فهي تبدو من جانب آخر مغلولة الأيدي في هذا الصدد للأسباب آنفة الذكر، لذا حرصت على أن يكون ذلك بيد عمرو وليس بيدها، وذلك عبر إلقاء الكرة بملعب فاعلين إقليميين ودوليين كالناتو والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، فضلا عن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.

بيد أن تردد الفاعلين الإقليميين والدوليين في هذا الشأن إثر تعقد الأزمة وتنوع محاذير الإطاحة بالأسد عبر التدخل العسكري، قد تمخض عن حالة استقطاب حادة بين أنقرة وأولئك الفاعلين، فكل يريد أن يلقي بكرة اللهب في يد الآخر، محاولا بلوغ غايته من دون دفع فاتورة التكاليف الباهظة.

وتلافيا منها لتلقف تلك الكرة أو تحمل عبء هذه الفاتورة، آثرت أنقرة تبني إستراتيجية الرد بالمثل على التحرش والاستفزاز السوريين مع ضبط النفس، وتجنب التورط في أي عمل عسكري موسع ضد دمشق.

وبالتوازي، هرعت حكومة العدالة إلى تطمين الداخل والخارج بشأن نيتها عدم التصعيد العسكري، عبر عدة إجراءات، انصرف بعضها نحو الداخل، بغية امتصاص غضب الشارع التركي جراء القصف السوري المتكرر للأراضي التركية.

فإلى جانب نقل قيادة الجيش السوري الحر من تركيا إلى الأراضي المحررة في سوريا بعد أكثر من عام اتخذ خلاله من الأراضي التركية ملاذا وقاعدة، قامت القيادة التركية بنشر قواتها على طول الحدود مع سوريا منذ حادثة سقوط الطائرة التركية المقاتلة في شهر يونيو الماضي، ولم تتردد القوات التركية في القيام بالرد سريعا وبحزم على أي قصف سوري لأراضيها.

أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فقد عمدت أنقرة إلى تبني “إستراتيجية الطمأنة” حيال دمشق والمجتمع الدولي، حينما أعلنت أن تفويض البرلمان للحكومة بالقيام بعمليات عسكرية خارج البلاد إذا ما ارتأت الحكومة ضرورة لذلك، لا يعني بالضرورة إعلان الحرب على سوريا، بقدر ما هو ورقة لحماية الأمن القومي التركي لا تستخدم إلا عند الضرورة، كما تثبت جاهزية أنقرة للردع.

ولقد ذهبت حكومة العدالة إلى أبعد من ذلك حينما أعلنت على لسان نائب رئيس الوزراء بشير أطالاي أن سوريا قدمت اعتذارا لها على القصف، وهو ما نفاه صراحة مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة.

وهنالك، بدت الحكومة التركية كما لو كانت تختلق الذرائع، وتبتكر المسوغات لتبرير عدم انجرارها وراء استفزازات بشار الأسد، وحرصها على ألا تستدرج لأي تصعيد عسكري ضد جارتها السورية، تاركة مآلات الأمور مرتهنة بتطورات الأوضاع على الأرض السورية، أو للتحولات الممكنة في مواقف القوى الإقليمية والدولية، طالما لم يتخط الأسد خطوطا حمرا تركية لا تهاون بشأنها، كالعبث بالملف الإثني فعليا، أو تكرار اعتداءاته العسكرية بوتيرة أسرع ومستوى أعلى، أو استخدام الأسلحة الكيميائية والجرثومية.

الجزيرة نت

أنقرة ودمشق بعد قرار البرلمان التركي

سمير صالحة

منح البرلمان التركي حكومة رجب طيب أردوغان حق اللجوء لاستخدام القوة والدخول إلى الأراضي السورية عند اللزوم. «المادة 92 من الدستور التركي تعطي الحكومة هذا الحق»، وهي استخدمته أكثر من مرة وتحركت على أساسه في شمال العراق.

كثير من المحللين والمتابعين المقربين إلى النظام السوري أو المحسوبين عليه يصرون على أن «الخدعة» التركية هذه لن تمر، وأن حكومة أردوغان تحاول فقط الاستفادة من الوقت والظروف، ربما انتظار نتائج الانتخابات الأميركية وما ستقوله واشنطن. آخرون يصرون على أن أنقرة لن تقدم على خطوة انتحارية بهذا الاتجاه، لأن استطلاعات الرأي التركية وأصوات في المعارضة ترفض ذلك ويراهنون على أن يسبق أية مفاجأة تركية هجوم استباقي سوري لا بد منه أو ربما تحرك إيراني روسي في أسوا الأحوال لتلقين أنقرة الدرس المناسب طالما أن النظام في دمشق منشغل بتدمير المدن وقتل المدنيين.

طرفة الأسبوع، هي التي رواها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو حول وجود أصابع لطرف ثالث يهمه تخريب العلاقات التركية السورية.

دمشق أبدت أسفها لكننا لم نتأكد من اعتذارها الرسمي حتى الساعة على استهداف الداخل التركي وقتل المدنيين، لأنها تريد إنجاز تحقيقاتها وتدين مجلس الأمن الدولي الذي أدان تصرفها وحملها المسؤولية دون انتظار نتائج إجراءاتها القانونية والفنية.

حتى ولو اعتذرت دمشق لاحقا، فمن يضمن للأتراك أنها لن تكرر ما فعلته؟.. وهي فعلته حقا.

هي مذكرة حرب ولو كانت تركيا تفكر بطريقة أخرى لما كانت منذ البداية تورطت في مأزق تعرف سلوك وتصرفات الطرف الآخر فيه جيدا.

سيكون للنظام السوري ما يريد في نهاية الأمر، استدراج تركيا للمواجهة العسكرية وسيكون له بعض ما يريد تقديم احتمال المواجهة الإقليمية بين الدول والتكتلات والتحالفات، التي برزت إلى العلن وهي ستجر الكوارث والويلات والدمار إذا ما تمسك البعض بحسابات لعب ورقة الأسد في وجه الآخرين.

«خدعة» تركية جديدة لن تنطلي على دمشق أيضا.

اقترح وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ما سبق وطرح أكثر من مرة في أكثر من محفل، ونوقش حول كثير من طاولات الحوار أن يتسلم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع مهام رئاسة الجمهورية من الأسد تمهيدا للانتقال بسوريا من مرحلة إلى أخرى، هل ناقش داود أوغلو هذا الاقتراح مع المعنيين مباشرة وغير مباشرة؟

هل هو اقتراح تركي حقا أم أن أحدهم همس به في أذن الأتراك؟

هل هو اقتراح سيعطي الأتراك الفرصة للتصعيد عسكريا ضد النظام الذي يرفض الإصغاء لأحد ويرفض الفرصة الأخيرة التي أطلقها الأتراك عبر لعب ورقة الشرع التي يعرفون أكثر من غيرهم أنها ورقة محروقة، لأن النظام السوري سيرفضها قبل أن تقول المعارضة السورية رأيها حتى حول هذا الاقتراح.

نائب الرئيس الإيراني ناقش مع الأتراك السيناريو اليمني في سوريا ليكون خشبة الخلاص لهم، ويبدو أن الرئيس الروسي القادم إلى أنقرة الأسبوع المقبل سيناقش هو الآخر تفاصيل هذا المشروع مع الأتراك. لا نعرف تحديدا مواقف الدول العربية المشاركة في اللجنة الرباعية حيال المبادرة التركية، لكن الشعب السوري الذي انتفض قبل عامين لا بد أن يكون هو من سيقرر في النهاية.

مشروع أنقرة في نقل السلطة من خلال أقرب المقربين إلى الرئيس السوري يعني آلاف الضحايا والمتضررين في مساكنهم وممتلكاتهم وأموالهم.

لا يمكن أن يخفض الأتراك حجم التصعيد الأخير لتكون ترجمته عبر مشروع سياسي لنقل السلطة في سلطة وهي تعرف أن النظام السوري سيرفضه.

هل للاقتراح التركي الأخير علاقة بأن يكون خطوة أخرى لمحاصرة النظام السوري على طريقته قبل الدخول معه في مواجهة الحسم؟

دمشق وكما رددت أكثر من مرة لن تقبل بأي خطة تسوية تفرض عليها، هل ستقبل بفكرة نقل السلطة إلى فاروق الشرع بمثل هذه البساطة.

البعض يراهن على معارضة تركية سياسية وشعبية تنتشر وتتزايد في المدن التركية لتحاصر قرارات حكومة أردوغان أو تطيح بها ربما لو كانت دمشق سمحت هي بفرصة من هذا النوع لشعبها، لكانت اليوم وفرت على الشعب السوري دفع هذا الثمن الباهظ. تركيا دعت حلف شمال الأطلسي للاجتماع بناء على المادة الرابعة من اتفاقية الحلف لإطلاعه على تفاصيل ما جرى وقد يجري، لكن ذلك لا يمنعنا من القول إنها لن تتردد في طلب اجتماع الأطلسي في إطار المادة الخامسة من اتفاقية هذا الحلف التي تعني التحرك العسكري المشترك.

يحاول بعض المفكرين السوريين المقربين إلى النظام في دمشق رفع الغبار عن ملف «لواء إسكندرون»، ليكون خشبة الخلاص الجديدة للنظام في حشد وتعبئة الشارع السوري. هكذا تم التعامل مع الشعوب العربية من قبل بعض قياداتها لسنوات.. لا تبتعدوا كثيرا نحن سنستدعيكم في القريب العاجل لأننا نحتاج إلى جهودكم على طريق التصدي للمؤامرات.

دمشق سترد على قرار البرلمان التركي أيضا، وربما ستختار هذه المرة إخراج صواريخها من العنابر والمستودعات التي كدستها، حتى ولو اختلطت الجبهات عليها فرجحت توجيهها إلى الشمال بدل التنبه لوجود جبهة أخرى تنتظر دورها منذ عقود.

الشرق الأوسط

لماذا تركيا؟

عبدالله اسكندر

من المستبعد، في المستقبل المنظور ومن دون مفاجأة كبرى، اندلاع مواجهة واسعة تركية – سورية. أو على الأقل لا ترغب أنقرة في مثل هذه المواجهة حالياً، لأسباب داخلية ومخاوف إقليمية وظروف دولية.

لكن النظام في دمشق نجح، حتى الآن على الأقل، في جعل مسألة الأمن التركي متوازية مع الأزمة الداخلية السورية. وفرضها على أجندة تركيا وحلفائها.

فالتساهل السوري الرسمي مع الأكراد المناهضين لأنقرة، خصوصاً حزب العمال الكردستاني، ومساعدتهم في اقتطاع مساحة جغرافية داخل سورية يغذي المخاوف التركية من «إقليم كردي» آخر على الحدود ومن إمكان تأثير هذا الواقع في الأكراد الأتراك الذين، في مثل هذه الحال، قد يقدمون على المطالبة بمثل هذا الإقليم.

في موازاة ذلك، بات الأمن التركي جزءاً من المناقشات داخل حلف شمال الأطلسي الذي بات في موضع المجبر على البحث في حماية سلامة احد أعضائه وجناحه الجنوبي.

هذا السعي السوري الرسمي إلى ربط الصراع الداخلي بطرف إقليمي يُراد له أن يكون المبرر للتعنت في الموقف من المعارضة ومطالبها، من جهة. ومن جهة أخرى، يتيح للنظام أن يبقي نفسه كضرورة في محور إقليمي – دولي يحميه من أية إجراءات دولية ملزمة.

لقد حصل في الفترة الماضية أن سقطت قذائف من القوات النظامية السورية داخل الحدود الأردنية واللبنانية. كما حصلت اشتباكات مع «الجيش الحر» على الحدود مع البلدين. لكن الردود لم تتجاوز الاحتجاجات، محلياً، والدعوات إلى عدم التكرار دولياً. لكن الوضع يختلف جذرياً عندما يتعلق الأمر بتركيا، نظراً إلى موقفها المعلن من النظام واحتضانها لأطراف في المعارضة و»الجيش الحر»، وأيضاً نظراً إلى مكانتها الدولية، كعضو في الحلف الأطلسي وكحليف وثيق للولايات المتحدة، وإلى مكانتها الإقليمية على الحدود مع إيران وروسيا الداخلتين في تجربة قوى مع الغرب.

وربما لهذا السبب بالذات يأخذ التوتير السوري المقصود والمتكرر على الحدود التركية معنى يختلف عن ذلك الذي تشهده الحدود مع الأردن ولبنان. إذ يدفع بسقف النزاع إلى المستوى الإقليمي والدولي كقضية تمس ليس الأمن فحسب وإنما أيضاً توازن القوى في المنطقة والذي يظل النظام السوري، حتى الآن، جزءاً منه ويلقى دعم إيران وحلفائها وروسيا. ما يجعله في منظومة تحتاج إليه وتدعم موقفه في أي تجربة قوى مع تركيا. وذلك على عكس الحاصل مع الأردن ولبنان حيث يبدو التوتر على حدودهما تحرشاً لا يخدم مصالح هذه المنظومة، ويثير مخاوف داخلها من انهيار التوازن الداخلي الهش في البلدين.

لكن، ورغم أن الحرب السورية – التركية التي هي محصلة لحسابات إقليمية ودولية تبقى مستبعدة على الأمد المنظور، فإن العلاقة بين أنقرة ودمشق وصلت إلى نقطة اللاعودة. بعدما تحولت الخصومة الحالية من مجرد تعارض سياسي بين دولتين جارتين إلى شرخ مجتمعي ومذهبي يستعيد التاريخ ومآسيه الكثيرة، وليصبح استمرار كل طرف نفياً للآخر. ويصعب في مثل هذه الحال حيث وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه تصور احتمال تعايش مقبل بين أنقرة ودمشق في ظل نظاميهما الحاليين، «الإسلامي السني» في الأولى و»الديكتاتوري العلوي» في الثانية. ويبدو أن كلاً منهما يراهن على سقوط الآخر، بفعل أزماته الداخلية، اكثر من رهانه على حرب لا يريدها احد حتى الآن.

الحياة

أنقرة «إلى الوراء در»

سميح إدز *

أدرك رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته، أحمد داود أوغلو، أن الأزمة السورية خرجت عن المسار الذي أراداه لها، وأنها تتجه الى طريق يخرج عن عقالهما. فرئيس الوزراء الذي قال في بداية الأزمة السورية انها ملف داخلي تركي، ووزير خارجيته الذي أعلن أن لا أحد يسعه أن يخطو خطوة صغيرة أو كبيرة في الشرق الأوسط من غير إذن تركيا، كلاهما دفع بتركيا الى حافة الحرب مع سورية. وترشح هذه السياسات «حزب العدالة والتنمية» الى نيل شرف زج تركيا في حرب مع دولة جارة، على رغم أن التصريحات الأخيرة وما بين سطورها تشير إلى أن أنقرة لا تفكر في نيل هذا الشرف الآن. وعلى قدر ما تميط اللثام تصريحات من نوع «سنرد بالمثل على كل هجوم أو اعتداء» عن عجز الحكومة ازاء الملف السوري، يتعاظم المأزق السياسي الذي انزلقت اليه يوماً بعد يوم. فالظروف، أي تعاظم وتيرة الهجمات الارهابية ضد الجيش التركي من جهة، وتفاقم مشكلة اللاجئين السوريين على الحدود وفي الداخل التركي، من جهة أخرى، وتحوّل تركيا قاعدة لوجستية اقليمية للتيارات المتطرفة والإرهاب الديني، كل هذه الظروف تجعل الخيارات السياسية المتبقية أمام أنقرة قليلة. وتقهقرت مكانة أنقرة في الملف السوري من لاعب وازن ومؤثر في مسار الحوادث الى دولة لا يسعها سوى الدفاع عن مصالحها القومية وأمنها من تداعيات الأزمة السورية. لذا، بدأت أنقرة تغير سياستها، وتخطو خطوات الى وراء من غير ضوضاء. وانتهجت سياسة أكثر تشدداً في التعامل مع اللاجئين السوريين والنازحين، ولم تعد أنقرة تشرّع الأبواب أمام الجميع، وبدأت تحدد أماكن بعيدة من الحدود لاستيعابهم (اللاجئين)، وباشرت الشرطة وقوات الأمن التركية رصد السوريين المقيمين خارج المخيمات، وصارت تلزمهم استخراج اقامات وتحديد أماكن إقامتهم، وقد تعيدهم الى المخيمات. وبدأت تشدد القبضة الأمنية في محافظة هاتاي الحدودية التي ارتقت قاطبة استخبارات العالم، وصارت الاستخبارات التركية تضيّق الخناق على منافسيها هناك. وتلى هذه الخطوات الضغط على قيادة «الجيش السوري الحر» لترك الأراضي التركية والعودة إلى سورية. وتصريحات هؤلاء القادة تظهر أن علاقتهم بأنقرة بدأت تتغير. وسواء أعجبنا الامر أم لا: أثبتت الوقائع إخفاق المجلس الوطني السوري الذي أنشئ في إسطنبول، فهو غير قادر على الحل أو الربط. ويرى المواطن التركي أن المجلس فشل، وتحوّل أداة حرب طائفية هدفها الانتقام من الأسد عوض إرساء دولة ديموقراطية.

أبرز خطوات تراجع أنقرة هو تصريح وزير الخارجية قبل يومين عبر التلفزيون الرسمي بأنه يقترح تولي فاروق الشرع قيادة سورية في المرحلة الانتقالية. ولا بد أن ندرك أن الشرع هو «أهون الشرور» بالنسبة إلى تركيا. وقد يستسيغ «حزب العدالة والتنمية» الشرع لأنه من السنَّة، لكن مبادرة أنقرة الى هذا الاقتراح مؤشر الى أن ثمة اتفاقاً ضمنياً مع واشنطن عليه. والحزب التركي الحاكم لم ينسَ أن الشرع هو من أقوى قيادات «البعث» وأخلصها لأيديولوجيته القومية، واقتراح أنقرة اسمه لم يكن يسيراً عليها، لكنه ربما أحد الدروس التي خلص إليها وزير خارجيتنا الذي يفترض به العودة الى السياسات الواقعية وترك الأحلام السياسية عند تناول احوال الشرق الأوسط.

* صحافي ومحلّل، عن «مللييت» التركية، 8/10/2012، إعداد يوسف الشريف

الحياة

الشرخ السوري ـ التركي

في أحد التصريحات العلنية الأخيرة قال رئيس وزراء تركيا، طيب اردوغان، إن على بلاده ‘ان تستعد للحرب’. وقد جاء هذا التصريح على خلفية تبادل اطلاق النار المستمر بين سوريا وتركيا، ورغم الإعراب عن الاعتذار السوري على الحدث الذي قتل فيه خمسة مواطنين أتراك، وفي اعقابه قصف الجيش التركي أهدافا في الأراضي السورية.

ومع أنه واضح بما يكفي أن ليس الاتراك او السوريين معنيين بمواجهة جبهوية في الوقت الحالي، ولكن الطرفين يتقدمان وإن كان ببطء نحو نقطة اللا عودة. وبينما لم يرد الاتراك على حادثة اسقاط طائرتهم القتالية بخطوات عنيفة، فانهم هذه المرة، بعد حادثة اطلاق النار التي انتهت باصابات، كان هم رد كهذا. وفي ضوء استمرار اطلاق النار يبدو ان في المرة القادمة التي تقع فيها اصابات بين الاتراك فان الرد التركي سيكون أكثر حدة.

المشكلة في سوريا أيضا تنبع من أنه سواء كان اطلاق قذائف الهاون مبادرة من الجيش السوري أم هو عمل من الثوار فان بوسع الاتراك ان يروا في ذلك مبررا لرد عسكري. واذا لم يعد للنظام الان سيطرة على ما يجري في شمالي الدولة فان للاتراك دافعا للعمل، كون الفراغ السلطوي يشجع بداية متجددة لاعمال التنظيم السري الكردي، حزب العمال الكردستاني، من شمالي سوريا ضد تركيا.

وعليه، لا يمكن أن نستبعد امكانية أنه مثل الشكل الذي يرى فيه الاتراك منطقة الحدود مع شمالي العراق كمنطقة يحق لهم فيها العمل بين الحين والاخر ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، هكذا أيضا ستشكل منطقة شمالي سوريا في المستقبل القريب مجالا لعمل عسكري تركي. ومع أن الاتراك كانوا يفضلون العمل في سوريا كجزء من ائتلاف دولي، ولا سيما من خلال الناتو، الا انه في ضوء حقيقة انه لا يبدو انهم سيحققون من شركائهم الغربيين سوى الاسناد اللفظي، فواضح أنهم اكثر انفتاحا على امكانية عملية مستقلة. مثل هذه العملية، ولا سيما اذا ما وجهت ضد تلك العناصر المتماثلة مع حزب العمال الكردستاني في اوساط الاكراد السوريين، ليست هذه هي التي ستؤدي بالضرورة الى انهيار نظام الاسد. كما أنه ليس واضحا اذا كانت ستغير ميزان القوى القائم في سوريا اليوم، والذي بموجبه يردع الدعم الروسي والايراني لنظام الاسد الغرب، الذي على أي حال لا يرغب في التدخل الدولي في ما يجري في الدولة.

الى جانب ذلك، ينبغي الانتباه أيضا الى الميول البطيئة والواسعة. هكذا، حادثة اطلاق النار الاخيرة مع القتلى في الجانب التركي كانت هي التي أدت بمجلس الامن الى الخروج لاول مرة باعلان (وان كان ملطفا، حسب طلب الروس) ضد سوريا. فضلا عن ذلك فان تركيا، التي شهدت خيبات أمل حتى الان من مستوى التزام حلف الناتو بأمنها في الماضي (مع أزمات في العلاقات في حروب الخليج في 1991 و 2003)، يمكنها هذه المرة أن ترفع طلبات اكثر اهمية من الناتو كشرط لمواصلة عضويتها في الحلف، وان تضع قادة الدول الغربية أمام معاضل غير بسيطة. في مواجهة تكون فيها للاعبين الاقليميين والدوليين مصالح هامة، يوجد غير قليل من عناصر الكبح، ولكن الكثير أيضا من مساحة الاخطاء. توجد دوما ايضا امكانية توسع غير مرغوب فيه لمواجهة موضعية من اطلاق النار لتصبح معركة أكبر.

د. غاليا ليندنشتراوس

معاريف – 11/10/2012

القدس العربي

الدور التركي في حسم الأزمة السورية

محمد محيي الدين حسنين

يبدو أن مسيرة الربيع العربي مازالت متعثرة عند محطتها الحالية في سورية, فمازال النظام السوري يقاوم بشراسة رغبة الشعب السوري في التحول الديمقراطي ويستعمل جميع الأسلحة المتاحة والقوة المفرطة في كبح جماح المعارضة, وهو في ذلك لا تأخذه رحمة أو شفقة بشعبه ومن الواضح انه يعلم تماماً ان المعركة بالنسبة له معركة حياة أو موت, فقد تضاءلت خيارات بشار الأسد ورموز نظامه الى الحد الأدنى والنتيجة سقوط العشرات, بل المئات يومياً حتى بلغ عدد الشهداء في تلك المعركة ما يقارب اربعين الف شهيد من الاطفال والنساء والعزل وهو عدد لم يفقده العرب مجتمعين في صراعهم مع العدو الصهيوني, وتحولت سورية الى أرض لمعركة تدور رحاها بين قوى وطنية وطائفية من الداخل وقوى دولية من الخارج يذكرنا بفترة الحرب الباردة في نهايات القرن الماضي.

المستقبل في سورية مازال غامضا ونتائج المعركة غير مؤكدة للطرفين الداخلي منها والدولي فالمعارضة منقسمة على نفسها كما هي في معظم الدول العربية والقوى الخارجية اصطفت في فريقين فالصين وروسيا تجدان الموقف في سورية فرصة ذهبية لتحدي الغرب ولاثبات وجودهما السياسي والعسكري بعد ان جرى ويجري تهميشهما كقوتين مؤثرتين في الساحة الدولية, أما الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة فلا ترى ان من صالحها حسم المعركة فلا هي ليبيا أو العراق, يهمها تأمين منابع البترول, ولا هي مصر كموقع ستراتيجي وثقافي مؤثر يساعده في السيطرة على المنطقة, فسورية محصورة بين تركيا عضو حلف الناتو العسكري من ناحية واسرائيل ربيبة الولايات المتحدة والغرب من ناحية اخرى, ومن ثم فهي مؤمنة من الشمال ومن الجنوب.

وربما المصلحة الوحيدة لما يجري في سورية وابقاء الوضع كما هو لأطول فترة ممكنة هي ان يؤدي ذلك الى استنزاف الجيش السوري لقدراته العسكرية في حرب مدن لا نهائية, ومن ثم تأمين الجبهة الشمالية لاسرائيل, ويبدو أن هذا الهدف في طريقه الى التحقيق الى الدرجة التي تعالت فيه بعض الأصوات الاسرائيلية بضم هضبة الجولان بشكل نهائي لاسرائيل, اذا اضفنا الى ذلك ان اسرائيل لا ترغب بشكل أساسي في انتصار المقاومة السورية ولديها تخوف حقيقي من وصول التيار الإسلامي لسدة الحكم, كما حدث في دول الربيع العربي الاخرى. واسرائيل وان كانت على غير وفاق كامل مع النظام السوري الحالي, إلا أنها وبالتأكيد لا تفضل ان تكون محاصرة تماماً بين تيارات اسلامية من الشمال والجنوب ووجود تيار اسلامي قوي في الأردن و»حزب الله« في جنوب لبنان يمثل شوكة في جانب اسرائيل.

يتبقى لنا في المشهد الدول العربية والممثلة في جامعة الدول العربية, وهنا نستطيع ان نقول ان الازمة السورية اكدت عجز الجامعة العربية عن الفعل والتأثير وان الحل العربي بعيد المنال لأسباب عدة, اقلها عدم اتفاق دول المنطقة على الهدف أو الوسائل والتدخل العربي العسكري ليس في قدرة الجامعة العربية التنسيق له أو اقناع الدول الاعضاء في تنفيذه, ناهيك بالنتائج السلبية على كل الاطراف نتيجة تحول الصراع مرة اخرى الى صراع عربي – عربي.

والطرف الأكثر اهتماماً بالازمة هو التركي وليس من المبالغة ان نقول انه هو الطرف الاكثر تضرراً من الأزمة السورية فآلاف اللاجئين ينزحون اليها يومياً ما يضع عبئاً متزايدا عليها يوما بعد يوم وخصوصا مع اقتراب فصل الشتاء القارس في المناطق الجنوبية التركية, ما قد يعرضها الى نشوء مأساة انسانية وبيئية هي في غنى عنها بالاضافة الى ان تلك المنطقة كردية والمعارضة الكردية تستطيع ان تستغل تلك الأزمة لصالحها وتزيد من اعباء الحكومة التركية في تأمين حدودها الجنوبية, ولعله من غير المبالغة القول بإن الازمة السورية فرضت نفسها على أجندة الأمن القومي في تركيا ورغم تأكيد رجب اردوغان بان الحكومة التركية ليست في نيتها الحرب ولعل المناوشات على الحدود السورية التركية ما هي الا بداية الحرب بين تركيا وسورية اذا اخذنا في الاعتبار ان البرلمان التركي قد أطلق يد الحكومة التركية للقيام بعمل عسكري اذا دعت الضرورة.

واذا لم يصل الأمر الى حرب تركية شاملة معلنة على سورية فإنها على الأقل من الممكن ان تأخذ شكل ضربات جوية أو برية في شمال سورية تكون موجعة للنظام السوري تستهدف سلاح الطيران السوري بشكل أساسي وتحسم المعركة لصالح المعارضة وجيش سورية الحر وعندها تستطيع تركيا تبرير ذلك بانه يعد رداً على الاستفزازات السورية من ناحية ومن ناحية اخرى فإن تركيا بصفتها عضوا في حلف الناتوا تضمن غطاء سياسياً وعسكرياً لموقفها من حلفائها في حلف الاطلنطي بالاضافة الى دعم شرق أوسطي عربي.

وأخيراً ماذا عن الصين وروسيا وما رد فعلهما المحتمل والذي لن يتعدى الشجب والتنديد? فلا يمكن القول بانهما أو أي منهما مستعدة للتدخل العسكري في الموقف وخصوصا اذا كانت الحرب التركية مع سورية غير معلنة, بالاضافة الى انهما بالتأكيد ليستا مستعدتين لمواجهة عسكرية مع الغرب دون طائل واقصى ما يمكن ان تفعلانه هو المعارضة السياسية الكلامية في الأمم المتحدة أو حتى استخدام الفيتو في مجلس الأمن والاعتراض على أي قرارات في غير صالح النظام السوري.

أما ايران كلاعب اساسي في الأزمة السورية لها مصالح ايديولوجية وجغرافية في سورية فان تدخلها غير محتمل فايران يتم استنزافها اقتصادياً نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها ومنشغلة بالنزاعات السياسية الداخلية وتركيزها الآن على اتمام برنامجها النووي, وتدخلها في سورية يمكن ان يعطي الولايات المتحدة واسرائيل غطاء جيداً لاجهاض البرنامج النووي الايراني.

هل ستقوم تركيا بحسم الموقف في سورية? من المحتمل.

السياسة

اردوغان والاسد: من يصرخ اولا!

عبد الباري عطوان

لا احد يريد ان يكون مكان السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا هذه الايام، فنيران الأزمة السورية وصلت الى طرف ثوبه، والمعجزة الاقتصادية التي حققها في سنوات حكمه العشر مهددة بالتآكل.

الدهاء الشامي، او ما تبقى منه، وضع رئيس الوزراء التركي في مأزق خطير للغاية، فهجمات حزب العمال الكردي في جنوب شرق البلاد تفاقمت، والحدود مع سورية ملتهبة بفعل القصف المتبادل، والمعارضة التركية بزعامة حزب الشعب عادت الى الواجهة وبقوة بعد ان وجدت في الأزمة السورية الذخيرة التي افتقدها طوال السنوات الماضية للطّخ بفاعلية على حزب العدالة والتنمية.

الرئيس بشار الاسد، الصديق الذي تحوّل الى عدو شرس بالنسبة للسيد اردوغان، نجح ولو الى حين، في استفزاز الثعلب التركي، وايقاعه في مصيدة رد الفعل، بإخراجه عن طوره وحكمته التقليدية، مثلما تأتى ذلك بوضوح من خلال اجبار المقاتلات التركية لطائرة مدنية سورية قادمة من موسكو على الهبوط في احد مطارات انقرة بحجة حملها مواد عسكرية ممنوعة.

لا نعتقد ان الهدف من ‘خطف’ الطائرة السورية المدنية واجبارها على الهبوط بالقوة هو بسبب حمولتها غير المشروعة، وانما للانتقام من النظام السوري، والرّد على استفزازاته التي بدأت بإسقاط طائرة استطلاع تركية فوق المتوسط في ايار(مايو) الماضي، وانتهت بقصف قرية تركية على الحدود ادى الى مقتل امرأة واطفالها الاربعة، ومن المفارقة انهم من اصول عربية سورية.

فالطائرة لا يمكن ان تحمل قنابل نووية، ولا اسلحة كيماوية، لان الأخيرة موجودة في ســــورية، والاولى تحملــــها الصواريخ وليس الطائرات المدنية، كما ان هـــناك خــــطا جـــويا مباشرا بين موسكو ودمشق، ولا نعتقد ان السلطات التركية، ومهما بلغـــت قـــوة جيشها، ستجرؤ على تكرار هذه العملية لو كانت الطائرة المستهدفة روسية.

‘ ‘ ‘

الحكومة التركية وضعت نفسها في ازمة مزدوجة، احداها قديمة اي مع سورية، والثانية مع موسكو التي جاء رد فعلها غاضبا، سواء من خلال الغاء فلاديمير بوتين زيارة مقررة هذا الشهر الى انقرة، او مطالبة الحكومة الروسية تركيا بتوضيحات عاجلة ومقنعة عن اجبار الطائرة على الهبوط وتهديد حياة 17 راكبا روسيا للخطر.

تركيا اردوغان تقف فوق برميل بارود متفجر ولا تستطيع التراجع بعد ان قطعت نصف المسافة في دعم المعارضة السورية المسلحة، وقطع كل شعرات معاوية مع النظام السوري، واختارت حلفا عربيا غربيا يريدها ان تخوض حرب اطاحة الرئيس الاسد نيابة عنه، بينما يكتفي هذا الحلف بالمراقبة عن بعد.

السيد اردوغان يقف وحيدا، والارض تميد تحته، فلا مؤتمرات اصدقاء سورية باتت تعقد، ولا الحليف الامريكي مستعد لإقامة مناطق آمنة وحظر جوي، والاهم من ذلك ان هناك فيتو امريكيا احمر يمنع ارسال صواريخ متطورة مضادة للدروع والطائرات لشلّ فاعلية السلاح الجوي السوري.

كلمة السر تتلخص في ‘المجاهدين الاسلاميين’ الذين تدفقوا على سورية منذ اليوم الاول لبدء الأزمة، حيث باتت لهم اليد العليا في ميادين القتال حتى الآن، والجملة المعترضة المكملة لها تشتت المعارضة السورية، وفشل جميع محاولات توحيدها في جسم واحد يتمتع بقاعدة تمثيلية اوسع.

الامريكان يخشون الجماعات الاسلامية اكثر مما يخشون النظام نفسه، بعد ان تكبدوا، وما زالوا، خسائر ضخمة على ايدي مقاتليها في افغانستان والعراق والصومال واخيرا في ليبيا، وربما غدا في اوروبا الذين يتمركزون قبالتها وبكثافة في دول المغرب الاسلامي والساحل الافريقي.

اجبار السيد اردوغان لطائرة مدنية سورية على الهبوط في مطار انقرة سينزل بردا وسلاما على حاكم دمشق، بل انه ربما يكون هو من سرّب انباء عن وجود شحنة غير قانونية على ظهر الطائرة المعنية ليوقعه في هذه المصيدة، ويورطه في عداء مع موسكو، وهو الذي وقع معها اتفاقا تجاريا بعدة مليارات من الدولارات قبل عشرة ايام.

‘ ‘ ‘

التوتر على الحدود، ودخول البلدين في حرب خطف او اسقاط الطائرات يفيد النظام السوري اكثر من غريمه التركي، وستتضاعف هذه الاستفادة اذا تطورت الأمور الى حرب كاملة، مما يعني كارثة اقتصادية عظمى لتركيا ونسفا لكل انجازاتها واستقرارها، ناهيك عن نظرية ‘صفر مشاكل’ مع الجيران التي صاغها واصبحت علامة تجارية لوزير خارجيتها احمد داوو اوغلو.

الخطأ الاكبر الذي ارتكبه السيد اردوغان يتمثل في امرين مرتبطين، الاول هو حساباته وتقديراته الخاطئة بأن هذه الحرب في سورية لن تدوم اكثر من اسابيع او اشهر معدودة وبعدها يسقط النظام، والثاني الاعتقاد بان التحالف العربي الغربي العريض الذي تكون بمبادرة تركية يمكن ان يسقط النظام السوري مثلما اسقط النظام الليبي، ومن قبله العراقي.

التوتر سيستمر على الحدود وفي الاجـــواء، وربما يتفاقم لدرجة الوصول الى حد الانفجار، والمسألة باتت مســـألة عود ثقاب يتولى عملية اشعال الفتيل، سواء من الجانب التركي او السوري، او طرف ثالث مجهول يقوم بذلك نيابة عنهما وهو موجود حتما.

قلناها سابقا، ونكررها، بأن النظام السوري في حال حرب اهلية طاحنة تأخذ شكل الحرب اللبنانية التي استمرت 15 عاما، اي ليس لديه ما يخسره، اما السيد اردوغان فلديه الكثير مما يمكن ان يخسره، ولذلك ننصحه بضبط النفس لانه سيكون الخاسر الاكبر حتى لو انتصر في الحرب ضد سورية، فخوض الحروب سهل والانتصار فيها احيانا كذلك لكن ما بعد الانتصار هو المشكلة الحقيقية، وعليه ان يسأل حلفاءه الامريكيين الذين يملكون جواب المجرب.

القدس العربي

الموانع الدولية حتى سقوط النظام: لا حرب مع تركيا ولا ضربة لإيران

    روزانا بومنصف

على رغم الجديد الطارئ والمقلق بالنسبة الى مراقبين معنيين بالمشهد السياسي الاقليمي من خلال المناوشات على الحدود بين تركيا والنظام السوري التي يخشى كثر ان تؤدي الى انفجار حرب اقليمية ، فان مصادر سياسية اتيح لها التواصل مع قوى عربية ودولية في الاونة الاخيرة تشير الى مجموعة عناصر من الصعب حصول تبدل جوهري عليها وان شابتها تعديلات طارئة ما لم تكن هذه الاخيرة جذرية فعلا . من هذه العناصر :

– ان لا اقتناع بامكان نشوب حرب بين النظام السوري وتركيا على خلفية المناوشات شبه اليومية على الحدود بين البلدين . اذ انه على رغم الدعم الذي قدمته دول حلف الناتو لتركيا كونها عضوا فيه، فان حربا محتملة قد تكون صعبة جدا حتى لو بدا الجيش النظامي السوري في القصف اليومي كأنه يستدرج جارته الى مثل هذا الاحتمال . ويعود ذلك الى ان امكانات هذا الجيش الذي يلتزم رد الخطر عن النظام في الداخل لا قدرة له على تشتيت قدراته ، حتى ولو كانت هذه القدرات لا تزال قوية ومدعومة ، في اي حرب جانبية من اي نوع . كما ان المواقف الدولية وان تفاوتت بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية وموسكو في شأن الاحتمالات التي يمكن ان تقود اليه هذه التحرشات كانت حازمة الى حد كبير في رسم حدود لها بما يمنع تخطيها وصولا الى مخاطر الحرب الاقليمية وتاليا الدولية .

– ان الضوابط التي وضعت لاحتمال ضربة عسكرية اسرائيلية للمنشآت الايرانية النووية لا تسمح بتحفيز هذه الضربة عبر وسائل او سبل اخرى يمكن ان تؤدي اليها باعتبار ان اي حرب من اي نوع تتعدى الاراضي السورية الى دول الجوار ستفتح الباب على احتمالات غير معروفة . في حين انه لا يعتقد ان ايران وعلى رغم الانهيار المالي الذي تواجهه قادرة على خوض مواجهة مماثلة وان رأى كثر ان الحروب الخارجية تشكل هروبا انقاذيا الى الامام لفترة ما لاي نظام حكم تجنبا لتحديات داخلية خطيرة مثلما هي الحال التي باتت ايران تواجهها . ولا يعتقد ان ايران قد تشجع النظام السوري غير القادر وحده على اي مواجهة خارجية بالسير في هذه الطريق لان ايران ستجد نفسها فجأة في مواجهة مع الدول العربية الخليجية منها وغير الخليجية الى جانب تركيا بحيث لا تستطيع ان تقفل عليها ابوابا ومتنفسا لا يزالان مفتوحين عليها في ظل تصاعد العقوبات الدولية والفردية على حد سواء .

– ان النظام السوري آيل الى السقوط ايا تكن الفترة التي سيستهلكها في الصمود والاستمرار . وهذا السقوط مرجح اما عبر الانهيار الاقتصادي او عبر الضغط العسكري على رغم انه لا يزال يعيش حالا من الانكار في شأن سقوطه ولا يزال يصر على قدرته على الحسم . وان تقسيم سوريا هو امر غير محتمل وفق السيناريوات التي سرت في الاشهر الاخيرة من دون ان يعني ذلك عدم احتمال تحول سوريا الى كونفيدرالية طوائف ومجموعات شانها في ذلك شأن العراق الذي هو بمثابة كونفيدرالية مقنعة . وتسرد هذه المصادر واقعة جزمت خلالها وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في اثناء مؤتمر عبر الفيديو مع مسؤولين من دول عدة بعدم امكان تقسيم سوريا في ظل الكلام على احتمال اقتطاع الرئيس السوري جزءا من سوريا في القسم العلوي منها من اجل ان يحكم سيطرته عليها في مقابل الحكم الذاتي الذي يمكن ان يسعى اليه الاكراد مثلا وسواهم من المجموعات والطوائف . وجاء الموقف الاميركي بمثابة طمأنة الى مخاوف من انعكاسات التقسيم في المنطقة في حال طاول سوريا تبعا لطموحات النظام في عدم الرحيل والبقاء حتى في جزء من سوريا .

– على غرار حال الانكار التي يعيشها الرئيس السوري في شأن واقعه ، فان ” حزب الله” يواجه بدوره حال انكار مماثلة لجهة احتمال فقدانه سوريا مع فقدان النظام السوري وانهياره وهو لا يظهر استعدادا لهذا الاحتمال كما يواجه تحديات كبيرة ازاء امكان التعامل مع تغييرات اقليمية بات جزءا كبيرا منها من المشهد والواقع السياسي الراهن على غرار فقدان العمق الفلسطيني لشعار المقاومة الذي يرفعه من خلال خروج حركة ” حماس ” من محور ايران وسوريا والحزب بخروجها من سوريا ووقوفها الى جانب الثورة السورية . وان التورط الايراني في سوريا قد يتم غض النظر عنه اذا كان سيساهم في انهاك كل من ايران والنظام السوري معا . وكذلك الامر بالنسبة الى تورط “حزب الله” الى جانب النظام في وجه معارضيه الذين ينتمي غالبيتهم الى الطائفة السنية .

– ان المخاوف على الاردن متصاعدة وكبيرة ليس فقط من انعكاسات الحرب في سوريا بل من سريان تشجيع بعض الدول العربية وحماستها لحكومات تتألف من الاخوان المسلمين على رغم ان التغييرفي الاردن امر معقد ويمكن ان يستدرج تغييرا في دول خليجية كما يرتقب ان يسبقه وفق ما تتوقع المصادر المعنية تطورما في اتجاه حل القضية الفلسطينية .

النهار

التدخل التركي وحده قادر على إحداث نقلة في الازمة السورية

راغدة درغام

ليس واضحاً إن كان عنوان المؤشرات الآتية من أطراف حلف شمال الأطلسي (ناتو) التضارب والتناقض أو التكامل والتعاضد. الإجابة على مصير الدور الأطلسي في سورية تمتلكه تركيا في الدرجة الأولى، ذلك ان أنقرة هي المفتاح الأساسي لربما بعد واشنطن فقط. كلاهما يبدو تارة في تردد واضح وتارة أخرى على وشك الحزم والحسم. كلاهما في الامتحان إقليمياً ودولياً، وكلاهما يتأرجح بين الاعتبارات الداخلية المحلية وبين التحديات الإستراتيجية التي تتطلب القيادة والإقدام وليس التذبذب والانحسار.

كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أوقع نفسه في التعهد العلني بعدم التعايش مع الرئيس السوري بشار الأسد. كل منهما تردد تارة وتراجع تارة ثم عاد وتعهد بإسقاط ما سمّاه أوباما بـ «ديكتاتور دمشق». أكثر من ثلاثين ألفاً من السوريين دفع حياته ثمناً فيما «الأسرة الدولية» مضت في «المهمة المستحيلة» لممثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي الساعية الى الحل السياسي الذي تعذر على سلفه كوفي أنان التوصل اليه بعدما بذل قصارى جهده وراهن على حسن النيات.

إدارة أوباما وجدت في الفيتو المزدوج الثالث الذي استخدمته روسيا والصين في مجلس الأمن لمنعه من اتخاذ مواقف وإجراءات جدّية ضد النظام في دمشق، وجدته العذر والمبرر لرفع أيديها مستسلمة لتعذر الحلول السياسية. جلست واشنطن في المقعد الخلفي وتبنت سياسة انتظار الاهتراء الداخلي للنظام. فهي منذ البداية أوضحت انها ليست في صدد التدخل العسكري المباشر لكنها ازدادت انعزالية بعدما وجدت ذريعة أخرى للتراجع ومنع أصدقائها من تسليح المعارضة السورية – ذريعة السلفيّة والجهاديين في «القاعدة» وأمثالها.

فجأة، تبنى الإعلام الغربي، وبالذات الأميركي، وجهة نظر عكست تفكير واشنطن الرسمية بأن تفشي «ظاهرة السلفية» في سورية بات خطراً لربما أكبر من استمرار النظام في دمشق. فجأة، دخل القاموس الأميركي – الإعلامي والرسمي – احتمال التعايش مع بشار الأسد الذي سبق وأعلن باراك أوباما ان عليه التنحي. فجأة تحوّلت اللغة الى إلغاء واقع الانتفاضة السورية ضد بطش النظام واستبداله بوهم هيمنة السلفيين على مستقبل سورية. تناسى هؤلاء ان حجم الجهاديين الذين يتقنون لغة البطش ذاتها كالنظام لا يتجاوز عشرة في المئة من المعارضة المسلحة، وان هناك عسكريين علمانيين انشقوا عن النظام ليحاربوه.

بالطبع كان هناك أيضاً عذر تشرذم المعارضة السورية وانقساماتها الشهيرة المؤسفة والمؤذية. دخل لاعبون كثيرون على خط المعارضة السورية – أوروبيون وأتراك، خليجيون وأميركيون. تركيا بالذات لعبت دوراً لعله ساهم في ازدياد الشرخ داخل المعارضة – وكذلك الدول الخليجية.

ثم أتت مبادرة الرئيس المصري محمد مرسي الداعية الى الحل السوري عبر «الرباعية» المستحيلة التي اقترح ان تضم المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر وتركيا. هذه المبادرة أسفرت عن انقسام عربي وأعطت طهران التي هي طرف مباشر في الحرب الداخلية في سورية مقعداً على طاولة وهمية للحل الإقليمي السياسي. هكذا استفادت طهران و «بلعت» الإهانة الشفوية التي أغدقها عليها محمد مرسي لأنها فهمت تماماً قيمة فك العزلة عنها وهدية جلوسها الى طاولة البحث العقيم عن حلول إقليمية لمعركة هي إقليمية أساساً بامتياز ساحتها في هذا المنعطف سورية.

الأمانة العامة للأمم المتحدة بدورها تلقت مبادرة «الرباعية» بترحيب معتبرة انها الوسيلة لإدخال إيران طرفاً مباشراً في البحث عن تسوية سياسية في سورية. فلقد كان رأي كوفي أنان أساساً أن لا حل من دون إيران مما أدى بالديبلوماسية السعودية والقطرية الى الاستياء من إقحام إيران في الحل في دولة عربية لا تخفي طهران انها حيوية لها في مشروعها الإقليمي للنفوذ خارج حدودها وللهيمنة إقليمياً. الأخضر الإبراهيمي بدوره يبدو انه يجد في «الرباعية» مدخلاً لجهوده الديبلوماسية والسياسية. زيارته للمملكة العربية السعودية قد تبيّن له مدى الامتعاض ليس فقط من أنان وموسى وإنما من أيٍّ ممن يتبنى «الرباعية» أساساً للحل السياسي.

دول مجلس التعاون الخليجي تصرّفت ككتلة موحدة عندما نسقت مع فرنسا أثناء رئاسة نيكولا ساركوزي في الشأن الليبي فتوجهت، ككتلة، الى جامعة الدول العربية واستصدرت موقفاً منها مكَّن مجلس الأمن الدولي من تبني قرار التدخل في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي. اليوم، هناك تباين بين موقف عُمان (والكويت الى حد أقل) وبين المواقف السعودية والقطرية والإماراتية والبحرينية التي أوضحت ان لا مجال للتعايش مع نظام الأسد مهما كان.

ليس أمام دول مجلس التعاون الخليجي الآن خيار التوجه الى الجامعة العربية ثم الى مجلس الأمن بسبب الانقسام العربي والفيتو الروسي – الصيني. ولربما ليس أمام هذا التكتل السداسي التوجه الى حلف شمال الأطلسي طالباً التدخل لأسباب عدة منها صعوبة تقدم دول عربية بطلب تدخل تكتل عسكري أجنبي في سورية. بل ربما ليست هناك إمكانية الإجماع بين الدول الست بسبب تباين مواقفها.

أمام كل هذا، ليس هناك سوى البوابة التركية. لكن أنقرة لن تتحرك بمفردها عسكرياً حتى في أعقاب التطورات العسكرية الثنائية بين تركيا وسورية الأسبوع الماضي. أنقرة لن تتحرك سوى تحت غطاء من نوع أو آخر من حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي اليه.

مواقف قيادة الناتو وكذلك واشنطن التي أوضحت وقوفها مع أنقرة ضد دمشق لها دلالات مهمة، عملية وليس فقط سياسية، قد تؤدي الى نقلة نوعية في المسألة السورية. فالحكومة التركية وجّهت إنذاراً الى الحكومة السورية بأنها ستتحرك ضدها عسكرياً إذا استمرت في الاعتداء على الأراضي التركية – بغض النظر ان كانت الاعتداءات غير مقصودة وإنما أتت في إطار ملاحقة المعارضة السورية المسلحة على الحدود السورية – التركية.

موسكو أيضاً سمعت هذا الإنذار وتلك المواقف لحلف شمال الأطلسي وواشنطن. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حاول دخول الحلبة السياسية معبراً عن رغبته بزيارة المملكة العربية السعودية. لكن الرياض لم ترحب، أقله حتى الآن، فهي في منتهى الغضب من المواقف الروسية، وهي ليست في صدد إجراء مباحثات عقيمة تبدأ من موقف روسي متمسك بالنظام في دمشق يتقدم فقط بفكرة «الحوار» بين الحكومة والمعارضة بهدف بقاء النظام. موسكو تريد إبلاغ مَن يعنيهم الأمر انها توقفت عن إمداد النظام في دمشق بشحنات السلاح، وتريد لهم ان يكونوا على علم بأنها حاولت مع دمشق وكان نفوذها محدوداً – من دون ان تعترف علناً بأنها بلا نفوذ.

الرد على المواقف الروسية مقتضب ومختصر: ارفعوا غطاء الحماية عن النظام في دمشق، تجدوه يتدحرج الى النهاية السريعة. كفّوا عن إعلانكم التمسك به، وستجدونه أكثر قابلية لوقف سفك الدماء.

الرد على المواقف الأميركية التي تخشى «القاعدة» والسلفيين والجهاديين هو ان تلكؤ إدارة أوباما – إضافة الى الفيتو الروسي والصيني – هو الذي ساهم في تنمية التطرف الإسلامي في سورية. فإطالة النزاع هي أكبر خدمة تقدمها واشنطن وموسكو وبكين الى الجهاديين و «القاعدة». وحالما تقر هذه العواصم بهذا الواقع الساطع الوضوح، تترتب على هذا الإقرار سياسة جديدة نوعياً قوامها الإسراع في إنهاء الصراع.

وسيلة الحسم أيضاً واضحة بشقيها العسكري والسياسي. لا أحد يطلب من واشنطن التدخل العسكري المباشر لكن ما يُطلَب منها هو التحدث بلغة جدية وحاسمة مع كل من روسيا والصين بهدف إما التفاهم على صفقة كبرى تتنازل عبرها عن نفوذ ومواقع لمصلحة روسيا، أو تبلغ موسكو ان الغرب سيتبنى نموذج كوسوفو – بتعديلات ضرورية – عبر البوابة التركية بإجراءات فرض منطقة آمنة، وفرض حظر الطيران، والسماح بتسليح المعارضة «العلمانية» في شكل خاص.

بالطبع، هناك شق العمل السياسي داخل سورية على نسق ما حدث في العراق لجهة تجهيز العشائر للانقلاب على الثوّار الجهاديين في «القاعدة» أو غيرها. هذا ما بدأت واشنطن ودول أوروبية وجهات أخرى على العمل نحوه. إنما هذا جزء من المعادلة وليس البديل عن تدخل عسكري عبر تركيا.

السؤال الآن هو حول مدى جدية القيادة التركية وجدية الإدارة الأميركية. الانتخابات الرئاسية الأميركية باتت على الأبواب. باراك أوباما يواجه انتقادات كبرى بسبب تراجعه أمام دمشق وطهران، فيما المرشح الجمهوري ميت رومني يصعّد ضد أوباما في هذه السياسة بالذات ويتعهد بالحسم كي لا يبقى النظام في دمشق معفياً من المحاسبة، وكي لا تبقى طهران في القيادة للعربة الأميركية – الإيرانية، وكي لا تنمو «القاعدة» مجدداً بسبب التخاذل الأميركي.

الأسابيع المقبلة ستبيّن مدى التناقض أو التكامل بين ما يصدر عن مواقف أميركية ضد تسليح المعارضة السورية وما يحدث وراء الكواليس عبر البوابة التركية. فإذا نفذت القيادة التركية ما تتعهد به، ستكون تلك نقلة نوعية في المسيرة السورية.

الحياة

الأزمة السورية مشكلة تركية

غاريث ايفانس

تبدو انقرة تسير في اتجاه الدخول في وحول أزمة لن تستطيع الخروج منها, على عكس المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

إن تركيا تقف في مواجهة خطر الانزلاق أكثر فأكثر داخل الأزمة السورية. فالغضب يتزايد نتيجة لتبادل اعمال القصف على جانبي الحدود. وخلال الأشهر القليلة الماضية تراجع الحماس الجماعي الذي كان مؤيداً للدعم التركي للمعارضة السورية, وتحول إلى مزاج عام يدعو إلى التروي إذ أن التداعيات السلبية لمثل هذا التورط قد اصبحت اكثر وضوحاً.

الدعم التركي للحركة الديموقراطية السورية كان واقعياً. فحزب «العدالة والتنمية» شعر ان شرعيته يمكن ان تتضررإلى حد كبير,إذا لم يدعم هذه الحركة في دولة جارة. كما اعتبرت أنقرة أن مصالحها ستكون مصونة بشكل افضل من خلال مساندتها المعارضة التي كانت تأمل بأنها ستتسلم السلطة بسرعة، يضاف إلى ذلك أن العاصمة التركية أرادت توجيه رسالة إلى واشنطن بأنها لا تزال ضمن المعسكر الغربي, بالرغم من مواقفها المعارضة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والبرنامج النووي الإيراني.

وخلال فترة قصيرة من الزمن بدت الأمور كأنها تسير في الاتجاه المرسوم لها, لكن الأحداث سرعان ما اتخذت منحى مختلفاً كلياً. فقد تحولت الحركة الديموقراطية السورية من معارضة مدنية إلى تمرد مسلح تشارك فيه مجموعات جهادية وسلفية متعددة تسلحها السعودية وقطر, وتخوض قتالاً لا هوادة فيه مع القوات الحكومية, أسفر عن مصرع عشرات الآلاف من المدنيين. كما اصبح واضحاً ان تركيا وغيرها من القوى, قد اساءت تقدير قدرة النظام السوري على البقاء, وتصميمه على الصمود بدلاً من القبول بعملية انتقال سلمية للسلطة.

لقد اصبح الأتراك مدركين جيداً لحجم الأضرار التي تخلفها هذه الأزمة على مجتمعهم الخاص. فالدعم التركي الناشط للتمرد السني ضد الأسد، أسفر عن زيادة التوتر المذهبي بين الأكثرية السنية والأقلية العلوية في تركيا نفسها.

كذلك, فإن المشكلة الكردية في الداخل التركي, تبدو انها مرشحة إلى التفاقم. فالفصائل الكردية في سوريا ذات العلاقة بحزب العمال الكردستاني تسيطر الآن على أجزاء من سوريا الشمالية, بحيث يمكن ان تتحول هذه الأجزاء إلى معاقل لمقاتلي الحزب وللعديد من الذين جاءوا من كردستان العراق. والسياسة التركية القديمة التي تركزت حول استمالة كردستان العراق إلى جانبها ضد حزب العمال الكردستاني, تبدو اليوم في مهب الريح.

اما الحوادث الأخيرة فإنها تساهم أكثر في صب الزيت على نار ألأزمة الملتهبة اصلا. وتصويت البرلمان التركي مؤخراً على منح الحكومة حق القيام بأعمال عسكرية خارج تركيا يزيد من مخاطر انزلاق أنقرة في وحول أزمة إقليمية بدون النظر ملياً في عواقبها وتداعياتها غير القابلة للتنبؤ بها.

وفي ما يتعلق بالداعمين الأساسيين الآخرين للمعارضة السورية, أي السعودية والولايات المتحدة, فإن بوسعهما النأي بنفسيهما عن هذه الأزمة, وترك تركيا تواجه مصيرها لوحدها إذا تدهورت الأوضاع في سوريا، ووصلت إلى حد الفوضى الشاملة. لكن تركيا, بكونها الجارة الأقرب, لا تحظى بهذه الميزة. وانطلاقاً من ذلك, فإنه من واجب تركيا ان تتصرف بحذر شديد, وأن تعيد النظر في تقييمها للأمور, لأنها إن لم تفعل, فإن المشكلة السورية يمكن ان تصبح بسرعة مشكلة تركية.

وزير خارجية أستراليا الأسبق

ترجمة: جوزيف حرب

السفير

الصراع السوري-التركي هل ينجح الأسد في استدراج تركيا إلى مستنقع مشابه لفيتنام؟

رغم تعرض بلدة “آقجة قلعة” الحدودية لإطلاق النار ما تزال أنقرة غير ميّالة إلى تدخل عسكري في سوريا دون دعم غربي وعربي. وبدلاً من ذلك، تراهن حكومة إردوغان على إقامة منطقة عازلة ضمن الأراضي السورية لمعارضي نظام الأسد في محاولة لزعزعة النظام في دمشق، حسب ما يكتب توماس زايبرت من إسطنبول.

ليس للدول أصدقاء، بل مصالح فقط، كما يقال في أوساط السياسة الدولية. وتحوّل الأصدقاء إلى أعداء لدودين في وقت قصير يمكن رؤيته في العلاقة بين تركيا وجارتها سوريا منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد في مارس من العام الماضي.

فصديقة سوريا السابقة تركيا تسعى اليوم رسمياً إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتستخدم حتى وسائل عسكرية من أجل الدفع بنظام الأسد إلى الزاوية. هذه لعبة خطرة، وحرب تسعى أنقرة إلى تجنبها، إلا أنها لا تستبعد أي شيء حتى الآن. ولعدة شهور أثناء العام الماضي، حاولت تركيا حث الأسد على إجراء إصلاحات سياسية من أجل التوصل إلى تسوية مع المعارضة السورية.

لكن الأسد تجاهل الأتراك. ويقول وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الذي تحدث مع الرئيس السوري مراراً ولفترات طويلة، إن الأسد رهين “أوهام الطغاة”، وفي هذه الفانتازيا يعتقد أصحاب السلطة أنهم يلعبون على الوقت، وأن القيام بتغييرات تجميلية لإنقاذ النظام أمر كاف.

“أوهام الطغاة”: قبل بداية الانتفاضة في سوريا، حاول وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بدون جدوى حثّ الرئيس السوري بشار الأسد على القيام بإصلاحات سياسية في بلاده. هذه مغالطة، حسب ما يقول داود أوغلو، فحكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان مقتنعة حالياً بأن السلام والهدوء لن يعودا إلى سوريا إلا عندما يتنحى الأسد عن السلطة. تركيا معنية بذلك ليس فقط لأنها تجاور سوريا وتؤوي نحو 100 ألف لاجئ سوري فروا من الصراع، بل ولأنها أيضاً أكبر الدول المصدرة في المنطقة ويهمها استقرار المنطقة على المدى الطويل، وهذا الاستقرار لن يتحقق إلا بغياب الأسد، حسب ما ترى أنقرة.

وبعد فشل محاولات الوساطة التي قام بها داود أوغلو في دمشق، تحولت تركيا من صديق إلى عدو للأسد، وسمحت لمعارضيه السياسيين والعسكريين بتنظيم أنفسهم على أراضيها وتنسيق نشاطاتهم داخل سوريا من تركيا. وبحسب تقارير غير مؤكدة، فإن تركيا أيضاً تغض الطرف عن توريد الأسلحة إلى الثوار داخل سوريا عبر أراضيها.

أما الرد السوري فلم يشمل فقط اتهام تركيا بدعم “الإرهابيين”، بل والقيام، كما ترى السلطات التركية وناشطو المعارضة السوريون، بدعم متمردي حزب العمال الكردستاني المعارضين لتركيا، والسماح لهم ببناء قواعد جديدة لهم على أراضيها قرب الحدود مع تركيا، لاستخدامها في أعمال عنف تساهم في زعزعة الاستقرار داخل تركيا. وفي الوقت الراهن تحاول دمشق، من وجهة نظر بعض المراقبين الأتراك، استفزاز حرب معلنة مع الجار التركي، ومن ضمن هذه الاستفزازات إطلاق النار على بلدة “آقجة قلعة” التركية الحدودية خلال الأسبوع المنصرم، كما يعتقد المعلق السياسي أورهان ميروغلو في مقال بصحيفة “تودايز زمان” القريبة من الحكومة.

ضوء أخضر لتدخل عسكري في سوريا المجاورة: بعد يوم واحد من القصف المدفعي على بلدة أكتشاكاله التركية الحدودية، وافق البرلمان التركي على مشروع قانون يسمح للقوات المسلحة بالتدخل عسكرياً في سوريا. إذا ما تمكن الأسد من جر تركيا إلى الصراع في سوريا، فإن كفاح شعب بأكمله على مدى 40 عاماً ضد نظام دكتاتوري سيتحول فجأة إلى حرب معلنة بين العرب والأتراك. ويكتب ميروغلو أن الأسد يحاول استدراج تركيا إلى “مستنقع مشابه لفيتنام”.

لهذا تعتبر أنقرة نيران المدفعية السورية في “آقجة قلعة” استفزازاً متعمداً، ولهذا تؤكد حكومة إردوغان على أنها لا تسعى إلى الحرب، وأن أي رد تركي بقصف بعض المواقع السورية سيكون هدفه هو إرسال رسالة مفادها أن أنقرة لن ترضى بأي محاولة للمساس بالسيادة التركية. كما أن إردوغان، وفي أول ردود رسمية له على مقتل امرأتين وثلاثة أطفال في القصف على “آقجة قلعة”، قال إن تركيا معنية بضمان الأمن على حدودها.

هذه هي السياسة الرسمية في أنقرة، إلا أن إردوغان لا يحظى بدعم الرأي العام أو غالبية المشهد السياسي في أنقرة في هذا الشأن، رغم أن تصويتاً في البرلمان على السماح بنشر الجيش التركي خارج البلاد كشف عن 129 صوتاً معارضاً فقط. كما أن آلاف المتظاهرين نزلوا إلى الشوارع في عدد من المدن التركية للاحتجاج على السياسة التي تتبعها حكومة إردوغان.

إلى ذلك، يعرب بعض المراقبين عن قلقهم من أن إردوغان لا يروي الحقيقة بأكملها عندما يتحدث عن الدفاع عن الأمن القومي للبلاد، ويعتقدون أن الحكومة، من خلال قصف مدفعي مطوّل على مواقع سورية بالقرب من الحدود، تسعى لتحقيق أهداف أخرى تتعدى أهدافها المعلنة. فأنقرة تريد من خلال قصف الأراضي السورية أن تغير توازن القوى على الجانب السوري لصالح المعارضة السورية، وذلك حسب ما يكتب المعلق السياسي عصمت بيركان في صحيفة “حوريّت”.

منذ عدة أسابيع، يتبادل الثوار السوريون والقوات الحكومية إطلاق النار على الجانب السوري من الحدود قرب بلدة “آقجة قلعة”، وبحسب التقارير الإعلامية، فإن قطعات المدفعية التابعة للرئيس بشار الأسد انسحبت بين 15 و20 كيلومتراً داخل الأراضي السورية بعد قصفها لبلدة “آقجة قلعة”، ما سيعطي الثوار السوريين، حسب رأي بيركان، فرصة السيطرة على المنطقة الحدودية وتنظيم خطوط الإمدادات من تركيا بشكل أفضل.

تضامن مع عضو الناتو تركيا: حلف شمال الأطلسي (ناتو) وصف الهجوم السوري في جلسة خاصة طارئة لسفراء الناتو بأنه خرق واضح للقانون الدولي وتهديد لأمن الحليفة تركيا. ومنذ أن وافق البرلمان على منح الجيش التركي صلاحيات التدخل خارج البلاد، فإن على الجنود السوريين أن يتوقعوا أن يطالهم القصف على طول الحدود بين البلدين، التي تمتد لمسافة 900 كيلومتر، إذا ما اقتربوا منها. وإذا ما نفذت أنقرة تهديداتها وقامت بضربة انتقامية، فإن ذلك قد يعني أن القوات الحكومية السورية ستنسحب من المزيد من المناطق في الأسابيع القادمة.

وبهذه الطريقة، حسب ما يرى بيركان ومراقبون آخرون، يمكن أن تنشأ منطقة عازلة في سوريا كانت تركيا تطالب بها لفترة طويلة، ولم تلق حتى الآن سوى دعماً دولياً ضئيلاً. وفي هذه المنطقة العازلة غير الرسمية يمكن للثوار السوريين أن يتجمعوا ويمكن للاجئين أن يفرزا إليها دون خوف من قصف القوات السورية.

القرار البرلماني يمنح إردوغان إمكانية استخدام القوات الجوية في سوريا، وهذا قد يعني نظرياً انهيار التفوق الجوي المهم للقوات الحكومية السورية في الحرب الأهلية. ولا يشك أحد في أن جيش إردوغان سيتحرك إذا ما شعر مرة أخرى بالتهديد من قبل القوات السورية، فرئيس الوزراء التركي تحدث عن سقوط قذيفة مدفعية سورية في محافظة هاتاي في القطاع الغربي من المنطقة الحدودية.

كما يربط إردوغان مطالبته بإقامة منطقة عازلة بأن هذه المنطقة ستعجّل من سقوط نظام الأسد. والمعارضة السورية، التي تطالب بإقامة هذه المنطقة منذ شهور، ترى أن إقامة منطقة آمنة يمكن الرجوع إليها ستزيد من حالات الانشقاق في صفوف الجيش السوري وبالتالي ستساهم في زعزعة نظام الأسد. إن أنقرة تحاول تجنب أي تدخل عسكري في سوريا دون دعم غربي وعربي، إلا أن إقامة منطقة عازلة بشكل غير مباشر هو في مصلحة صانعي القرار في تركيا، ويثبت أن في لعبة الشطرنج الخطرة في الشرق الأوسط هناك بدائل كثيرة ممكنة.

توماس زايبرت

ترجمة: ياسر أبو معيلق

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى