صفحات العالم

مقالات تناولت سوريا وتركيا: احتمالات المواجهة

                      حسابات الحدود التركية

    محمد ابرهيم

لم يكن القصف السوري للقرية التركية محاولة لاشعال المواجهة الاقليمية التي يحذر منها الجميع. فخطوات النظام مضبوطة تماما على خطوات حلفائه الذين حاولوا معه، وبنجاح، اثبات ان تركيا لا تملك قرار الحرب الاقليمية، وانها مضطرة لتحمّل المزيد من الضغوط على وضعها الداخلي بسبب الموقع الغريب الذي تجد نفسها فيه.

ردّت تركيا على القصف بقصف، لكن لاتناسب بين العملين. فمفعول القصف التركي على الوضع الداخلي السوري يكاد لا يذكر في خضمّ المذبحة الجارية. بينما القصف السوري، بعد اسقاط الطائرة التركية، يكشف حكومة اردوغان. فلا هي قادرة على تصعيد حاسم للمواجهة ولا هي قادرة على الانسحاب منها. والرأي العام التركي بات يطرح الكثير من الاسئلة.

حتى العمليات العسكرية المحدودة داخل سوريا، لا تغيّر معادلة الربح والخسارة غير المتناسبة. في ما مضى كان يكفي تحريك بعض وحدات الجيش التركي لكي يتخلص حافظ الاسد من عبد الله اوج الان، اما اليوم فيكاد بشار الاسد يرحب بالتدخل العسكري التركي.

الحماية التي تؤمنها روسيا، ومن خلفها الصين والى جانبها ايران، للنظام في سوريا، تجعل قرار الحرب التركي دونكيشوتيا فهو لا يحظى بغطاء اميركي، وما زال الانخراط الاميركي، كما يقول الجميع، الشرط الاساسي لتحويل معادلة الاحتكاكات الحدودية لمصلحة تركيا والثورة في سوريا. وهذا الانخراط معلّق اليوم على اعتبارات لا علاقة بينها وبين الازمة السورية.

كفى ان يتغلّب المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية ميت رومني، بالجاذبية الشخصية، على باراك اوباما في المناظرة الاخيرة بينهما، لتصبح احتمالات المستقبل السوري مختلفة. فمع رومني تدخل السياسة الخارجية الاميركية في سجلّ مختلف تماما. لن يأتي رومني بجيشه الى الحدود التركية، لكنه كبداية يجيب على التعطيل الروسي لمجلس الامن، كما اجاب جيمي كارتر على الغزو السوفياتي لافغانستان: بتزويد المعارضة، بلا تردد، وبغض النظر عن شرذمتها، بما يكفل تساويها العسكري مع النظام.

حتى اوباما العائد الى الرئاسة سيصل الى هذه النتيجة، لكن بعد مسيرة متعرّجة وحذرة، يدفع ثمنها الشعب السوري. إذ لا تستطيع الولايات المتحدة ان تخسر حرب سوريا لأن مفاعيل ذلك على الساحة الدولية تتجاوز كل الخسائر التي تجعل ادارة اوباما اسيرة موقف يقوم على التشجيع اللفظي للثورة، ثم تركها في المواجهة غير المتكافئة.

اما ورطة روسيا في الازمة السورية فشروطها افضل بكثير. ذلك ان خسارة سوريا لا تغيّر جوهريا في موقع روسيا الدولي، بينما الربح يعطيها اكثر بكثير مما يستحقّه وزنها الراهن في مؤشرات القوة العظمى.

النهار

موقف تركيا الهش: الداخل والمحيط الى أين؟

    مورتون أبراموفيتز

ليست المشكلات التي تواجهها تركيا نسخة عن مآسي أوروبا الاقتصادية، بل تنبع من الضياع الذي تتخبّط فيها سياساتها الشرق الأوسطية التي تتبجّح بها كثيراً، وعجزها عن إيجاد حل للمسألة الكردية التي مضى عليها قرن من الزمن.

تزداد إدارة هذه الصعوبات تعقيداً بسبب ما يطمح إليه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من تغيير النظام السياسي وتحويله نظاماً يسيطر عليه رئيس أكثر نفوذاً، مع الإشارة إلى أنه يأمل في تولّي منصب الرئاسة بنفسه بعد الانتخابات في سنة 2014. لا يزال أردوغان الشخصية الأساسية في السياسة التركية، لكن مشكلاته في ازدياد، وكذلك الانتقادات الموجّهة إليه.

انهيار سياسة “صفر مشكلات”

تغرق تركيا أكثر فأكثر في وحول الصعوبات السورية. فانخراطها الشديد في المجهود الآيل إلى إسقاط الأسد لا يلقى شعبية كما أنه لم يتكلّل بالنجاح حتى الآن. لقد سعى الأتراك، بما في ذلك الجيش التركي، إلى التدخّل في الجهود العسكرية في البلدان العربية. وعلى الرغم من المساعي المثيرة للإعجاب التي بذلها أردوغان في البداية لمعالجة الأزمة الإنسانية، يجد الآن صعوبة في التعامل مع زيادة هائلة وغير متوقَّعة في أعداد اللاجئين التي بلغت حتى الآن نحو مئة ألف ولا تزال في تزايد.

كانت سوريا محور الديبلوماسية الشرق الاوسطية في تركيا. كانت لأردوغان علاقة ودّية دامت طويلاً مع الأسد، فقد حاول في مرحلة معيّنة التوسّط لتوقيع اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا. لكن الربيع العربي قلب مسعاه السوري رأساً على عقب. في البداية، حاول أردوغان جاهداً حمل الأسد على قبول التغيير السياسي لكنه فشل، فتحوّل الأخير عدواً لدوداً له يُصمّم أردوغان على إسقاطه.

في العراق، غيّر أردوغان في خطوةٍ مثيرة للإعجاب سياسة استمرّت عقداً، منهياً العداء التركي مع حكومة إقليم كردستان. وقد سجّلت التجارة والاستثمارات نمواً هائلاً. وأكّد أيضاً أنه من شأن العلاقات الجيّدة المساعدة في القضاء على “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق أو الحد من وجوده. لكن ذلك لم يحدث قط.

عندما انطلق الربيع العربي، تكيّف أردوغان معه بسرعة، فجال على المنطقة مبشِّراً بالديموقراطية والعلمانية، وحقّق سمعة مدهشة لتركيا ولنفسه. وبدا مثل نجوم الروك في الأشهر الأولى من التغيير السياسي العربي. وفي حين لا تزال تركيا لاعباً مؤثّراً في الشرق الأوسط، توقّف أردوغان أكثر من اللازم عند الافتتاحيات المؤيِّدة له وبالغ في تقدير مكانته الشخصية وحجم التأثير التركي في المنطقة، ولا سيما نظراً إلى عدم استعداده لاستخدام القوّة. لقد حشر انقلابه على الأسد، تركيا في زاوية سياسية خطرة في الداخل، ولم تقدّم له الولايات المتحدة المساعدة التي توقّعها. يُطرَح مزيد من علامات الاستفهام – بما في ذلك داخل الأوساط السياسية الإسلامية – حول تدخّل أردوغان في المسألة السورية، ويتعزّز أكثر فأكثر الاعتقاد بأنه لا يدري ما يفعل.

وتطلّ المذهبية دائماً برأسها. فالسياسات التركية في الشرق الأوسط أصبحت، عن قصد أم لا، أكثر ميلاً نحو السنّة، مع أن الحكومة تنفي ذلك بشدّة. ويزداد السكّان العلويون في تركيا، لا سيما في محافظة هاتاي الحدودية، نفوراً من أنقرة، وتشير التقارير والمعلومات إلى أنهم مستاؤون من تدفّق السنّة الغرباء إلى المحافظة. والأهم من ذلك، تراجعت العلاقات التركية مع العراق وإيران اللذين تتألّف غالبية سكّانهما من الشيعة بسبب الخلافات الحادّة حول سوريا والتدخّل التركي في الشؤون العراقية.

فتركيا لا تزال تؤمّن اللجوء لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي يكرهه رئيس الوزراء نوري المالكي كثيراً، وقد حُكِم عليه بالإعدام على خلفيّة التهم المنسوبة إليه. لا تبدي أنقرة أي استعداد لطرده. وقد أصبحت العلاقات مع إيران التي تنافس تركيا بصمت منذ وقت طويل، عدائية على الملأ عقب الاتهامات التركية لطهران بالتجسّس ودعم “حزب العمّال الكردستاني”، والتهديدات الإيرانية بتحميل تركيا “تبعة” تدخّلها في المسألة السورية.

ربيع كردي لتركيا؟

لعل الأصعب سياسياً بالنسبة إلى أردوغان هو الحرب الداخلية مع “حزب العمال الكردستاني” التي تجدّدت بحدّة أكبر. بعد نحو ثلاثين عاماً – وعشرة أعوام من الهدوء النسبي – يدور قتال عنيف ومتواصل في معظم الأحيان، ويُسجَّل سقوط ضحايا وإصابات خطرة في هذه الحرب التي لا تزال في الجزء الأكبر منها حرب عصابات. على الرغم من الجهود التي بُذِلت سابقاً لمعالجة المظالم السياسية والاجتماعية للأكراد، والسيطرة الواسعة التي يمارسها “حزب العدالة والتنمية” في الجنوب الشرقي الكردي، يبدو أن أردوغان لم يقطع قط شوطاً كافياً لتسوية المسألة. وربما فات الأوان الآن بسبب تزايد القتال، والتطوّرات في سوريا، وانشغال أردوغان بمستقبله السياسي.

يعمد أردوغان، على غرار القادة الأتراك السابقين، إلى وقف الإصلاحات عند اشتداد العنف من جانب “حزب العمّال الكردستاني”، ولذلك لا يتحقّق الكثير من التقدّم. لقد عادت تركيا إلى ممارسة سياسة عسكرية غير ناجحة لمعالجة هذه المشكلة المعقّدة.

يبدو أن الأكراد في تركيا لا يملكون فكرة واضحة عن غايتهم الأساسية، ويدعم كثرٌ بينهم “حزب العمّال الكردستاني” فيما يمقتون اللجوء إلى العنف. لقد اختفلت أهداف “حزب العمال الكردستاني” على مر السنين، وباتت الآن أقل وضوحاً. تشير استطلاعات الرأي إلى أن تأثير “حزب العمال الكردستاني” يتراجع لدى الأكراد في تركيا. ثمة شعور بأن الحزب يريد أن يزيد من حدّة القتال فيما المنطقة في حالة غليان، وقد يحصل على الدعم من الأكراد السوريين والإيرانيين – بهدف الحفاظ على وجوده أكثر منه القتال من أجل دولة كردية مستقلّة. يبدو أن الزعيم المخضرم لـ”حزب العمال الكردستاني”، عبدالله أوج ألان، تخلّى عن هذه الفكرة دعماً لخيار فيديرالي ما. فمع امتلاك الحزب من جديد معقلاً إضافياً في سوريا، واحتمال حصوله على الدعم الإيراني، لن تكون هناك على الأرجح محفّزات كثيرة تدفع بـ”حزب العمّال الكردستاني” للجلوس إلى طاولة المفاوضات، حتى لو عرضت عليه الحكومة من جديد الحوار، مع العلم بأن هذا الأمر مستبعد وسط العنف المتنامي والمزاج القومي الراهن.

وقد أضيفت ضغوط خارجية جديدة بسبب بروز الأكراد السوريين الذين يتمتّعون بشبه استقلال ذاتي، إلى الواجهة. وهناك أيضاً مأزق سياسي متواصل بين إربيل وبغداد، وربما كان مؤشّراً الى مسعى ما للانفصال عن العراق. سوف يتأثّر الأكراد في تركيا بالأحداث في سوريا، لا بل سيتأثّرون أكثر في حال تقسيم العراق. لن يكون الانفصال في العراق سهلاً، وغالب الظن أنه سيكون دموياً. يصعب التصديق بأن الأتراك أو الأميركيين سيهبّون لإنقاذ الأكراد عسكرياً. يظهر أردوغان في المسألة الكردية وكأنه يترنّح على غير هدى، وتبدو جهوده للتصدّي لـ”حزب العمال الكردستاني” محمومة وغير ملائمة. ويبدو أيضاً أنه يركّز على إلقاء عدد كبير من المشرّعين الأكراد خارج البرلمان لأنه يعتبرهم مؤيّدين لـ”حزب العمال الكردستاني”، وهي خطوة لا تنم مطلقاً عن مسعى توفيقي. أردوغان في مأزق، وهو يلجأ، على غرار أسلافه، إلى القومية التركية فيجد الدعم لدى الحزب القومي في البلاد.

السياسة الداخلية

في خضم هذه الاضطرابات، بدا أردوغان مصمّماً على تغيير الدستور التركي بهدف اعتماد نظام رئاسي. العمل جارٍ على إعداد مسوّدة دستور جديد لاستبدال الدستور الذي حصلت عليه تركيا بعد انقلاب عسكري عام 1980. تقضّ هذه المسألة السياسية مضجع تركيا، وتؤثّر في سياساتها الداخلية والخارجية، إذ يريد أردوغان تفادي أي نتائج قد تنعكس سلباً على طموحاته الرئاسية. يعتقد عدد كبير من الأتراك أنه سيعدل في نهاية المطاف عن تغيير الدستور.

تتعاظم التشنّجات السياسية، وهي موجَّهة في معظمها ضد أردوغان. يزداد عدد كبير من الأتراك نفوراً ليس من تحرّكه في الموضوع السوري وحسب، إنما أيضاً من سلطويته المستمرّة، وكرهه للانتقاد، وحربه ضد الإعلام خلف عباءة وطنية.

فضلاً عن ذلك، هناك قلق متواصل من ظاهرة الممارسات الإسلامية الآخذة في التنامي في تركيا، والتغيير في النظام المدرسي الذي يتيح نقل مزيد من الأولاد إلى المدارس الدينية، وتدخّل أردوغان شخصياً وبصورة متزايدة في مسائل الأخلاق. فهو يستعمل أحياناً قضايا داخلية هامشية، مثل تصريحاته عن إلغاء العمليات القيصرية والإجهاض، لتحويل الانتباه بعيداً عن مشكلات خطيرة أخرى.

لا تزال المعارضة السياسية ضعيفة، وليس هناك من منافس يضاهي أردوغان في الكاريزما التي يتمتّع بها أو في حذقه السياسي. لكن القلق ينتشر، حتى في أوساط أنصاره. بموجب قوانين “حزب العدالة والتنمية”، لا يستطيع السياسيون الكبار في الحزب البقاء في منصبهم لأكثر من ثلاث ولايات، الأمر الذي سيتسبّب باستياء عدد كبير من أصحاب المراتب الحزبية العليا، إلا إذا عمد أردوغان إلى تغيير القوانين. لكن إذا لم ينحدر الوضعان السوري والكردي إلى الجحيم قريباً، من المفترض أن يتمكّن أردوغان من الحفاظ على الدعم الكافي لتغيير الدستور بحسب رغبته. أما إذا تراجع الاقتصاد – الذي تباطأ لكنه صمد بصورة جيّدة نسبياً – فسوف تكون طموحاته في ورطة حقيقية.

إلى أين؟

لا تزال تركيا بلد أردوغان. يهيمن طيفه عليها مثل تمثال ضخم ويحتفظ بشعبية شخصية كبيرة على الرغم من هفواته. تجد الأحزاب المعارضة صعوبة في تسديد ضربات موجعة إليه. عندما استُئصل ورم سرطاني من معدته العام الماضي، تعطّلت الحكومة التركية عملياً لمدّة أسبوعين. من الصعب أن يصمد “حزب العدالة والتنمية” في خيمته الكبيرة الحالية من دونه.

المستقبل أكثر ضبابية من المعتاد. سوف تسوء السياسة أكثر إذا دامت الحرب السورية لوقت أطول، وقد تزداد تعقيداً عندما تنتهي الحرب. ربما انحسرت تطلّعات أردوغان إلى تغيير الشرق الأوسط، لكنه لم يتخلَّ عنها. لا يزال الدين جزءاً لا يتجزأ من نظرته إلى العالم – يريد أن تُنظَّم الألعاب الأولمبية في بلد إسلامي. لكن ربما يواجه الشرق الأوسط مشكلة أكبر مع التنامي الواضح للمذهبية. يحاول أردوغان جاهداً التصدّي لتأثير الحرب السورية والتقسيم المحتمل للعراق على الأكراد كافة، بما في ذلك أكراد تركيا.

في الوقت نفسه، اكتسب أردوغان خبرة كبيرة جداً في التعامل مع الغرب، وباتت نظرته الآن أكثر اطّلاعاً بكثير مما كانت عليه لدى تسلّمه المنصب. يستمرّ في دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد بنى علاقات أوثق مع الغرب. تجمعه علاقة شخصية ممتازة بأوباما. لكن العداء لأميركا – الذي استفاد منه أردوغان سياسياً – لا يزال قوة سياسية كبيرة في تركيا. أردوغان متفانٍ، لكنه مدرك تماماً للواقع. وقد يتبيّن أن المسألة الكردية بمختلف تجلّياتها هي نقطة ضعفه القاتلة.

لم نشهد اضطراباً سياسياً في تركيا منذ عشرة أعوام. هناك بعض المؤشّرات الآن. يصعب توقّع التغيير السياسي، نظراً إلى سيطرة أردوغان – ومن الحماقة الرهان ضدّه. لكن بحلول سنة 2014، قد تؤدّي الاضطرابات المستمرّة في الداخل والجوار إلى ظهور أحزاب جديدة، وربما أيضاً إلى تفكّك “حزب العدالة والتنمية”. في الانتظار، تبقى تركيا مكاناً مهماً وديناميكياً لا ينفكّ يفاجئنا.

“ذو ناشونال إنترست”

ترجمة نسرين ناضر

النهار

هل تحضّر تركيا لغزو سوريا؟

علي حسين باكير

حالٌ من الهستيريا الإعلامية، إن صحّ التعبير، أصابت تركيا والعالم مساء الأربعاء الماضي وطوال اليوم الذي تلاه إزاء سقوط قذائف سورية داخل الأراضي التركية لتقتل خمسة مواطنين أتراك، تبعها ردّ سريع من المدفعية التركية على مصادر النيران استمر حتى فجر الخميس.وقد شدّ هذا التصعيد العسكري بين البلدين انتباه مختلف الأطراف في الداخل والخارج، وتداعت المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية لبحثه وتقويم انعكاساته والاتجاهات التي من الممكن أن يسلكها هذا التصعيد مستقبلاً خصوصاً مع موافقة البرلمان التركي على مذكرة مقدّمة من الحكومة تخوّل الجيش التركي القيام بعمليات عسكرية خارج حدود البلاد وفي سوريا إذا اقتضى الأمر ذلك.

السؤال الأكثر تردّداً هذه الأيام: هل يسعى أي من الطرفين الى المزيد من التصعيد؟ وهل خطوة البرلمان هي ضوء أخضر لغزو سوريا؟

يؤكّد مسؤول تركي أنّ “هناك تضخيماً متعمداً من البعض في تفسير التطورات الحالية على أنها استعداد تركي لغزو سوريا، وهو أمر غير صحيح. فالمراد هو وضع الجيش التركي على أهبة الاستعداد للرد على أي اعتداء يحصل مستقبلاً من النظام السوري، وبما يتناسب مع حجم الاعتداء، وعلى هذا الأساس فإنّ مذكرة البرلمان هي تحذير جديد وجدّي للنظام السوري من التمادي في الاعتداءات”. وعلى هذا الأساس، فإنّ الرد التركي هو ردّ دفاعي محدود في إطاره ومكانه وزمانه، ولا يهدف إلى ما يتعدى ذلك في ما يتعلق بحماية سلامة الأراضي والسيادة التركية، ومنع تآكل مصداقية الحكومة وقدرات تركيا الردعية كقوة إقليمية.

من جهته، يشير برلماني تركي إلى أنّ المذكرة التي وافق عليها البرلمان بغالبية الأصوات ليست بمثابة شيك على بياض، فهي لا تخوّل الحكومة أو الجيش إعلان حرب على سوريا. فالمذكرة محددة ولها اطر واضحة حول طبيعة الوكالة التي تعطيها للحكومة والجيش في ما يتعلق بالرد على اي اعتداء على تركيا، وإن تطلب الأمر عمليات خارج حدود الدولة التركية مشروطاً بـ”إذا كان هناك ضرورة لذلك”، وبشكل متكافئ بطبيعة الحال لجهة حجم الاعتداء الذي يحصل على تركيا. وحتى هذا النص ليس مفتوحا من الناحية الزمنية، إنما يحتاج إلى تجديد دوري من البرلمان للموافقة عليه، وهو مماثل للمذكرة التي تُعتمد إزاء الوضع المتعلق بمكافحة “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق.

من جهة أخرى، يرى بعض المتابعين أنّ هذه المذكّرة قد تكون محفّزاً لاستدراج النظام التركي إلى داخل سوريا، وستكون سبباً في تصعيد الخروق والاعتداءات على تركيا، إذا ما صحّت النظرية القائلة إنّ أحداً ما يدفع تركيا في اتجاه سوريا أو أنّ نظام الأسد يريد جرّ تركيا إلى الفخ السوري. وهذا يعني، أنه وفي مقابل سيناريو ارتداع النظام السوري، فإنّ إمكان حصول تصعيد خطير للأزمة سيكون عالياً خصوصاً إذا ما تم اختبار حدود الردع التي وضعتها تركيا أخيراً عبر تنفيذ عمليات منخفضة التأثير، كسقوط قذائف غير قوية أو في أماكن غير مأهولة داخل تركيا، أو عبر زيادة الدعم المقدم إلى “حزب العمال الكردستاني”.

في كل الأحوال، المؤكد أنّ الحكومة التركية رسمت حدوداً جديدة في العلاقة المتأزمة مع النظام السوري، ومن غير المستبعد أن تختبر أطراف عدة هذه الحدود إذا كان هناك نية لوضع تركيا في مأزق جديد، يضع الحكومة في موقف من اثنين، إما السكوت عن اعتداءات مستقبلية وهو ما يعني تحملها تكاليف ذلك سياسياً على المستوى الداخلي وتآكل مصداقيتها، أو الردّ، الذي من المحتمل ان يتطور إلى ما هو أبعد من مجرد عمل محدود وبالتالي إمكان غرق الحكومة في وحل النظام السوري، وهذه معادلة دقيقة سيكون على مختلف الاطراف توخي الحذر في التعامل معها خلال الفترة المقبلة.

الجمهورية

تركيا بين الكلام والفعل

عبد الرحمن الراشد

لا أدري إلى أي مدى يفهم المسؤولون الأتراك حجم الضرر الذي أصابهم في العالم العربي من وراء سوريا، القضية والمواقف، إضافة إلى ما سبقها. لكنني واثق بأنهم أقدر من غيرهم على حساب مصالحهم، ويعرفون أن لهم دورا مهما يلعبونه لم يفعلوه بعد، ونحن لا نفهم لماذا؟ وقصة تركيا سبقت الحدث السوري بسنوات، خاصة باهتمام رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بالعالم العربي واستعداده للمشاركة الإيجابية فيه. بدأها أولا من الباب الخاطئ عندما قبل بمساندة سوريا الأسد في معاركها الخارجية، وكذلك ساند، بحماس، إيران في ملفها النووي. مواقف صححها لاحقا عندما اتضحت له الحقيقة.

وأردوغان صاحب شخصية قيادية جذابة، دخل القلوب العربية المحبطة، أولا من حادثة ندوة متلفزة في مؤتمر دافوس، قبل ثلاث سنوات، عندما رد الصاع صاعين للرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس. كال أردوغان هجوما على بيريس وسياسة إسرائيل الاحتلالية، ثم رمى الميكرفون وغادر المكان غاضبا من أجل قضية عربية. وتلاها موقف تركيا بإرسال سفن لفك الحصار عن غزة مع ناشطين أوروبيين، وعندما هاجمتها قوات إسرائيلية في المياه الدولية، هدد أردوغان وتعهد بأن يدفع الإسرائيليون ثمن الهجوم على سفن تركية وقتل مواطنين أتراك، غاليا. بعدها، رفعت صوره في المظاهرات العربية وأصبح نجما من نجوم العرب. الخطأ الأردوغاني أنه رفع توقعات العرب، لكن لا شيء مهما فعله، باستثناء وقف المناورات العسكرية المشتركة مع إسرائيل.

الخيبة الأكبر كانت سوريا، فالحكومة التركية أخذت مواقف قوية ضد نظام بشار الأسد، وأطلقت تهديدات متتالية ضده بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام المجازر التي ترتكب. لكنها وقفت مكتوفة الأيدي عبر الحدود لأكثر من عام من بدء المجازر.

ثم لوحظ أن رئيس وزراء تركيا، مع وزير خارجيته، طارا لبورما والتقطا الكثير من الصور مع المسلمين المهجّرين، ووعداهم، كما وعدا السوريين والفلسطينيين، وذلك قبيل يومين من انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في مكة المكرمة، لكن لا شيء فعلته تركيا. وعلق البعض منتقدا بأنها حملة علاقات عامة أخرى.

من إسرائيل إلى سوريا إلى بورما، خسرت تركيا الكثير من المحبطين الذين علقوا عليها الآمال، وهنا نتساءل بموضوعية، إن كنا نحمّل الأتراك أكثر مما ينبغي أم أننا كالعادة ضحية سهلة: يمكن شراء الإنسان العربي ببضع خطب حماسية إعلامية، كما فعل من قبله الخميني والأسد ونصر الله؟ أعتقد أنها خليط من الاثنتين. أردوغان سياسي شعبوي يعرف كيف يحصّل تصفيق الجماهير، لهذا كسب معارك حزبه وكسب معارك الانتخابات، وفي نفس الوقت، نحن العرب، توقعاتنا منه أكبر من قدرات تركيا، أو لا تراعي ظروفها. أردوغان عرف باعتداله الديني والسياسي والحزبي، وأثبت من خلال قيادته، سواء لحزبه أو للحكومة، أنه يملك مهارتين؛ كسب الرأي العام، وفي نفس الوقت عدم التورط في أعمال أكبر من قدرة بلاده. والإسلاميون المتشددون من العرب، الذين ظهروا لاستقباله في مطار القاهرة بالآلاف، صدموا من خطابه السياسي لاحقا عندما أوصاهم بتبني العلمانية السياسية منهجا للدولة، وغضبوا منه في مصر وتونس. الحقيقة أن أردوغان تركيا وإسلامييها مختلفون في مفهومهم لدور الدين والدولة عن نظرائهم من الإخوان المسلمين والسلفيين في دول الربيع العربي، بل إن الهوة الثقافية واسعة بينهم، فأردوغان من المعجبين بابن عربي، و«الإخوان» معجبون بحسن البنا، والسلف بابن تيمية.

ولا يزال هناك أمل كبير أن يكون لتركيا تحت حكم أردوغان دور كبير في سوريا، بإنقاذ الشعب السوري، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من استعجال وحركة. تركيا أقوى عسكريا من كل الدول العربية، ولها حدود مباشرة مع سوريا، بخلاف السعودية ومصر، وبالتالي مصالحها أكبر في تغيير النظام بما يرضي غالبية الشعب السوري وبما يؤمّن استقرار المنطقة ويحمي تركيا.

الأمل أن تقوم حكومة أردوغان بتوسيع نشاطها الداعم للمعارضة، ونحن نعرف أنها أول من دعم الثوار، ولولاها ربما ما استمرت الثورة السورية، لكننا نعرف أن ما يشاع أن تركيا تحت ضغوط غربية تمنعها من دعم الثوار – مجرد أكاذيب، وأن العكس صحيح. طبعا، هذا لا ينفي أن دول المنطقة وحكومات غربية لا تحبذ دعم الجماعات السورية والجهادية الأخرى المتطرفة، موقف مفهوم ومبرر، إنما هؤلاء لا يمثلون إلا نسبة صغيرة من إجمالي خريطة الثورة السورية. أيضا، نعي أن لتركيا حسابات معقدة مرتبطة بالموضوع السوري، قد تنعكس سلبا عليها إن تدخلت بقوة، مثل أن إيران تعتزم خلق مشاكل داخل تركيا، وستدعم المعارضة الكردية التركية المسلحة، التي كانت تستضيفها سوريا من قبل. مثل هذه الحسابات لا بد أن تقلق تركيا، إنما نحن نعرف أن مصلحة تركيا العليا أصبحت مرتبطة بسقوط نظام الأسد، وقيام نظام سوري ديمقراطي، وبقيادات معتدلة، وضمان استقرار ووحدة الأراضي السورية، فلا تقوم دويلات علوية أو كردية منفصلة. هذه مصلحة الأتراك، تماما مثلما هي مصلحة السوريين. وإيران وروسيا، حليفا نظام الأسد الآن، ستقبلان بالتعامل مع النظام السوري الجديد، واحترام تركيا التي ستصبح أقوى وأكثر إيجابية.

الشرق الأوسط

لا تركيا و لا سوريا تريدان الحرب

أدريان هاملتون/الإنديبندنت

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

لم يكن أحد يتوقع أن تتلقى تركيا هجوما بالمدفعية من قبل سوريا نهاية هذا الأسبوع. وهو ما حدث فعلا. وهذا بالضبط ما يخشاه الدبلوماسيين الغربيين منذ البداية : حرب أهلية سورية تمتص في دول الجوار و تنتهي الأمور باشتعال المنطقة بالكامل.

لربما تؤول الأمور إلى ذلك و لكنها الطريقة التي كان ينظر فيها إلى الأمور في القرن التاسع عشر. إنها ليست الاضطرابات السورية التي تهدد الاستقرار في المنطقة. إنها جزء واحد فقط من الربيع العربي الذي أدى إلى زعزعة استقرار العالم العربي و الشرق الأوسط برمته.

إن سوريا ليس لديها الوسائل و لا الرغبة في مواجهة تركيا في هذه اللحظة. إنها تشعر بالرعب من هذا الأمر. و بالتالي رأينا الاعتذار المذل و تقديم التعازي الذي تلى الهجوم المدفعي الأصلي.

و لكن تركيا هي الأخرى لا تريد الحرب. صحيح أنها تدعم المتمردين من خلال السماح لهم بإقامة قواعد في أراضيها مما يسمح لهم بإدخال السلاح عبر حدودها. و صحيح أيضا أن تركيا أيضا تدفع و بشكل مستمر نحو إقامة مناطق آمنة داخل سوريا من أجل التعامل مع تدفق اللاجئين, إلا أن تحرك تركيا و حلف الناتو لخلق هذه المناطق في سوريا يعتب عملا حربيا.

على كل حال فإن تركيا تسعى إلى القيام بهذا الأمر من خلال عمل دولي وليس من خلال عمل فردي. كما أنه و مع كل التصريحات العلنية التي تقول فيها تركيا أن على الأسد أن يرحل فإنها لا ترغب في التدخل عسكريا بنفسها. عندما تم إسقاط طائراتها من قبل الدفاعات الجوية السورية في الصيف, فقد اقتصر ردها على الاحتجاج الدبلوماسي فقط.

و كحال كل شخص آخر, فقد تفاجأت تركيا بالتطورات التي حصلت في العالم العربي. قبل اندلاع الاضطرابات, فقد حافظت على علاقات جيدة مع إيران و من ثم تعززت العلاقات بشكل أكبر مع دعم الأسد.

من السهل ملاحظة أن أنقرة تبحث عن استخدام الربيع العربي كفرصة لتحقيق طموحاتها في أن تكون لاعبا رئيسا في الشرق الأوسط. و لكن جهودها لتسويق نفسها على وسيط في الأزمة النووية الإيرانية على سبيل المثال قد أفقدها التوازن, عوضا عن الحصول على المساعدة من الربيع العربي.

في الأيام الأولى للثورة في بنغازي تم حرق الأعلام التركية مما شكل صدمة للحكومة هناك. كما أن العلاقات مع العراق قد شهدت تدهورا بشكل سيئ مع الهجمات الكردية الإرهابية من الجانب العراقي من الحدود. و الآن فإن الاضطرابات في سوريا تتسبب بالمزيد من الصعوبات حتى مع الرأي العام في تركيا الذي يبدو قلقا أكثر مما هو داعم لدعوات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لإزالة كاملة لنظام الأسد.

إن القول بأن الصراع السوري قد يتسبب في إحداث المشاكل داخل الأقلية العلوية التركية يبدو بعيد المنال. إن الغرب يحب أن يرى الاضطرابات في الشرق الأوسط بوصفها انقساما سنيا شيعيا و انقسامات دينية أخرى. و لكن العلويين في تركيا و على الرغم عددهم, ليسوا دعاة انفصال كما أنهم ليسوا على علاقات قريبة مع العلويين في سوريا.

إن أكثر ما يثير مخاوف الأتراك هو البعد الكردي. إن الاضطرابات الإقليمية شجعت حزب العمال الكردستاني الإرهابي في شن هجمات ناجحة على تركيا. إن الخوف الرئيس لدى أنقرة يجب أن يتمثل في المليوني كردي في سوريا, الذي ثاروا ضد دمشق وسيطروا على أجزاء كبيرة من الأراضي الكردية داخل سوريا و التي أصبحوا يديرونها ككيان مستقل, و الذين سوف يعملون مع الجماعات المسلحة الأخرى في العراق.

أضف إلى ذلك, المطامح القومية للبرزاني, رئيس منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق, و سوف ترى لماذا يتوجب على تركيا أن تشعر بالغضب. مرة أخرى, فإن المخاوف قد يكون مبالغا فيها. إن أكراد سوريا – كأولئك الموجودون في تركيا والعراق – يبدون مصممين على التوصل إلى حكم ذاتي وليس إلى دولة كردية كبرى. و لكن هناك احتمال لذلك.

يبدو أن الصراع القومي ليس هو من سوف يحدد المستقبل و لكنها الصراعات الداخلية.

أردوغان: احتمالات دور قادم في نظام سياسي جديد

 مركز الجزيرة للدراسات

نظّم حزب العدالة والتنمية، (الأحد، 30 سبتمبر/أيلول 2012)، في العاصمة التركية أنقرة، مؤتمره العام الرابع منذ تأسيسه في 2001. ويُفترض أن يكون هذا هو المؤتمر العام الأخير الذي يترأسه زعيم الحزب ورئيس الوزراء التركي القوي، رجب طيب أردوغان، الذي عمل على أن يتحول المؤتمر إلى تظاهره حزبية كبرى، تعكس نفوذ الحزب الواسع ونفوذ زعيمه، وإلى تظاهرة سياسية إقليمية فريدة، تعكس دور تركيا المتزايد في محيطها، الذي يُعزى لسياسة أردوغان الخارجية. شهد المؤتمر ما يزيد عن 14 ألفًا من نشطاء الحزب وأعضائه، لم تستطع قاعة المؤتمر الضخمة استيعابهم جميعًا، وتابعه ملايين من الأتراك؛ كما شهده عدد كبير من الضيوف الأجانب، بمن في ذلك سياسيون من كافة دول المشرق، مثل الرئيس المصري محمد مرسي، وزعيم حركة حماس الفلسطينية، خالد مشعل، ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، ورؤساء من دول آسيا الوسطى.

طرحت في المؤتمر خطة حزب العدالة والتنمية للنهوض بتركيا حتى 2023، الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، وأشار زعيم الحزب إلى خطة أخرى تأخذ تركيا إلى سبعينيات القرن الحالي. وليس ثمة شك في أن حدث المؤتمر الرئيس كان الخطاب الذي ألقاه أردوغان، واستمر لثلاث ساعات، غطّى خلاله محاور عدة، من تاريخ البلاد وشأنها السياسي، إلى الاقتصاد والتنمية والشؤون الخارجية، وتضمن إحالات إلى أبيات شعرية، وتسبب في بعض لحظاته في بكاء الآلاف من أنصاره. هذا الخطاب حمل للمرة الأولى تلميحات أقرب إلى الوضوح عن تصور أردوغان لمستقبله والمستقبل السياسي الذي يبدو أنه يعمل على دفع البلاد إليه في السنوات المقبلة.

ينبغي، طبقًا للوائح المنظمة لعمل حزب العدالة والتنمية، على أي نائب عن الحزب في البرلمان، بمن في ذلك رئيس الحكومة نفسه، أمضى ثلاث دورات برلمانية، أن يتخلى عن مقعده البرلماني ويمتنع عن الترشح للانتخابات مجددًا، لدورة برلمانية واحدة على الأقل. ما يعنيه هذا في نظام حكم برلماني مثل النظام التركي أن أردوغان لا يمكنه الترشح مجددًا بعد نهاية هذه الدورة البرلمانية، ولن يمكنه بالتالي الاحتفاظ بموقعه رئيسًا للحكومة. ولأن الحزب، حديث الولادة نسبيًا، ارتبط منذ تأسيسه بشخصية أردوغان، حتى صار نجاحه الكبير في إدارة شؤون تركيا منذ انتخابات 2002  يُعزى إلى قيادته، فقد حاولت قيادات حزبية نافذة إقناع رئيس الحكومة بتغيير لوائح الحزب بما يسمح له بالاستمرار في القيادة. ولكن أردوغان قاوم الضغوط وأصرّ على أن ولايته الحالية هي الأخيرة له في البرلمان ورئاسة الحكومة. السؤال الذي شغل الدوائر السياسية طوال الشهور الماضية، داخل العدالة والتنمية وخارجه، يتعلق بما تبقى من مستقبل سياسي لأردوغان؟

في خطابه للمؤتمر الرابع، لم يقل أردوغان إنه سيتقاعد، أو إن ولايته الحالية تمثل خاتمة حياته السياسية. ما قاله كان في الحقيقة غير ذلك تمامًا: إنه سيستمر في خدمة الحزب والأمة التركية في أي دور آخر. وهذه أول إشارة إلى أن رئيس الحكومة يسعى لتولي رئاسة الجمهورية، المنصب الذي يحتله الآن رفيقه في تأسيس العدالة والتنمية، عبد الله غُل؛ الأمر الذي كان موضع تكهنات في الأوساط المقربة لرئيس الحكومة.

فإلى أي حد تبدو الطريق إلى رئاسة الجمهورية سالكة؟ وهل سيقبل أردوغان بمنصب هو الآن أقرب إلى الرمزية ويتمتع بسلطات محدودة؟ وأي مستقبل إذن ينتظر حزب العدالة والتنمية، وكيف سيملأ الحزب الفراغ الكبير الذي سيتركه أردوغان في رئاسة الحكومة؟

هندسة دستور الجمهورية الجديد

بعد يومين فقط من مؤتمر العدالة والتنمية العام، أقدم أردوغان على خطوة أخرى للإفصاح عن نواياه؛ ففي حديث إلى مجموعة حزبه البرلمانية، قال رئيس الحكومة: “نحن لم نستبد على أحد… ونحن نأمل في وضع دستور جديد معًا كأمة… التوقيت واضح، فإما أن يكتمل العمل مع نهاية هذا العام، أو أن أحدًا لا يجب أن يشغل وقتنا، وسنمضي في طريقنا”.

ما قصده أردوغان في كلماته هو اللجنة البرلمانية لكتابة الدستور، التي كان الحزب الحاكم، صاحب الأغلبية البرلمانية الكبيرة، قام بتشكيلها من ثلاثة أعضاء من كل من الأحزاب الأربعة الرئيسية في البرلمان: العدالة والتنمية، وأحزاب المعارضة الثلاثة، الشعب الجمهوري، القومي، والسلام والديمقراطية. ويترأس اللجنة منذ بدأت عملها جميل تشيشيك، رئيس البرلمان التركي. وبالرغم من أن برنامج العدالة والتنمية الذي تقدم به للشعب في الانتخابات الماضية وعد الأتراك بوضع دستور جديد، فهذه هي المرة الأولى التي يجعل فيها أردوغان من الدستور أولوية صريحة لحكومته.

كان الاتفاق الذي عقدته الأحزاب الممثلة في البرلمان التركي في أكتوبر/تشرين الأول 2011 حول تشكيل اللجنة الدستورية قد أقر بالفعل مهلة زمنية تنتهي في ديسمبر/كانون الأول 2012، ولكن إعلان أردوغان الحاسم عن ضرورة وضع مسودة الدستور في المهلة المحددة يعني أن رئيس الحكومة يعلق آمالاً ما على الدستور الجديد. وهذا ما استدعى توكيده على أن حزبه سيمضي منفردًا في وضع مسودة الدستور إن فشلت اللجنة الحزبية، رباعية الأطراف، في التوصل إلى مسودة إجماعية.

منذ برزت مسألة الدستور إلى ساحة الجدل السياسي، لم يخف أردوغان رغبته في أن يعيد الدستور الجديد هيكلة النظام السياسي التركي. ما يريده أردوغان بالفعل أن تتحول تركيا إلى دولة رئاسية؛ ولكنه يدرك أن نقل البلاد مرة واحدة من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي لن يكون سهلاً. ولذا، فالأرجح أن العدالة والتنمية يدفع نحو وضع دستور يقسم السلطات بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، نظام أشبه بالنظام الفرنسي. ما يعزز سعي العدالة والتنمية إلى مثل هذه الهيكلة الجديدة لنظام الحكم أن حزمة التعديلات الدستورية الأخيرة التي أقرها البرلمان التركي في 2008، أقرت للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الانتخاب الشعبي المباشر لرئيس الجمهورية، بدلاً من التقليد التركي المتبع منذ قيام الجمهورية بانتخاب الرئيس في البرلمان.

بذلك، ستجري انتخابات الرئاسة المقبلة في أغسطس/آب 2014 للمرة الأولى بالاقتراع المباشر؛ وهو الوضع الذي سيثير أسئلة حول الشرعيات والصلاحيات المؤسسة لمنصبي رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. وهذا ما يعول عليه أردوغان في سعيه لإعادة بناء النظام السياسي. بمعنى، أنه ما دام الشعب سيصوت مباشرة لاختيار رئيسه، ويصوت مباشرة لاختيار الأغلبية البرلمانية، ومن ثمَّ رئيس الحكومة، فلماذا تعلو صلاحيات رئيس الحكومة تلك الممنوحة لرئيس الجمهورية؟

يتجه أردوغان، على الأرجح، بعد أقل من عامين، إلى المنافسة على مقعد رئاسة الجمهورية، ويعمل بصورة حثيثة على أن يصبح منصب الرئيس أكثر قوة مما هو عليه الآن. اعتاد أردوغان منذ توليه رئاسة الحكومة أن يُمضي إرادته بوسيلة أو أخرى؛ ولكن هذا لا يعني أن الطريق إلى رئاسة قوية ممهد أو سلس.

فمن جهة، قد لا تستطيع مجموعة العدالة والتنمية في اللجنة الدستورية إقناع ممثلي أحزاب المعارضة بتغيير النظام السياسي في البلاد؛ وربما يتطلب مثل هذا النص الدستوري صفقات باهظة مع واحد أو أكثر من أحزاب المعارضة. من جهة أخرى، في حال أنجزت اللجنة الدستورية مسودة الدستور بالتوافق، فالمؤكد أن المسودة ستقر في البرلمان بأغلبية كبيرة تفوق شرط ثلثي الأصوات المطلوب لإقرار دستور جديد أو تعديلات دستورية. ولكن إخفاق اللجنة في التوافق قبل نهاية العام، يعني أن العدالة والتنمية يحتاج أصوات كتلة الحزب القومي البرلمانية لتحقيق الثلثين، أو أن يذهب بالمسودة إلى الاستفتاء الشعبي. في الحالة الأخيرة، ليس من المتيقن أن توافق أكثرية شعبية على دستور جديد يتضمن تغييرًا ملموسًا في بنية النظام السياسي، الذي يبدو أن الأتراك اعتادوا عليه. المسألة الثالثة، تتعلق بموقف رئيس الجمهورية الحالي، عبد الله غُل، ومستقبل حزب العدالة والتنمية.

مسارات عبد الله غُل والعدالة والتنمية

تولى عبد الله غُل رئاسة الجمهورية في صيف 2007 في ظل أجواء من الاستقطاب السياسي، تعلقت بحجاب زوجته وخلفيته الإسلامية وخشية قوى المعارضة من هيمنة العدالة والتنمية على مقدرات الدولة. ولكن غل نجح خلال السنوات التالية في كسب ثقة شرائح واسعة من الشعب، وفي النهوض بمنصبه ليكون رمز الوحدة والحفاظ على التوازن بين مؤسسات الدولة وأذرعها المختلفة. ولأن منصب رئيس الجمهورية قد تحول من ولاية واحدة لسبع سنوات، إلى فترتين مدة كل منهما أربع سنوات، ومن الاقتراع البرلماني إلى التصويت الشعبي المباشر، فمن حق غُل أن يترشح للرئاسة لمرة واحدة إضافية، إن رغب في ذلك. لينتقل أردوغان إلى رئاسة الجمهورية إذن، لابد أن يمتنع غل عن المنافسة على المنصب.

لم يعلن غل حتى الآن موقفه بوضوح. ولكن رئيس الجمهورية، الذي يرتبط وأردوغان بزمالة وصداقة عميقة الجذور، والذي يدرك أن أردوغان دعم ترشحه لرئاسة الجمهورية بالرغم من المخاطر التي أحاطت بترشيحه للمنصب آنذاك، سيصعب عليه خوض انتخابات رئاسية في منافسة مع أردوغان، أو حتى بمعارضة من حزب العدالة والتنمية، إن أحجم أردوغان عن ذلك.

يتضمن السيناريو الأكثر تداولاً في دوائر الحزب الحاكم تبادلاً للمواقع بين الرجلين، بحيث يخوض أردوغان انتخابات رئاسة الجمهورية بدعم من العدالة والتنمية، ويغادر غل منصب الرئاسة ليقود العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المقبلة ويتولى رئاسة الحكومة. ليس ثمة ما يؤكد بعد أن أردوغان، الذي يحكم قبضته على الحزب، يؤيد مثل هذا السيناريو؛ ولكن من يروجون لمثل هذا السيناريو يقولون: إنه لا يمثل مجرد صفقة لإرضاء غل، بل وإنقاذًا لحزب العدالة والتنمية من الانقسام والانحدار بعد خروج أردوغان من البرلمان. فبالرغم من وجود أكثر من مرشح قوي لخلافة أردوغان، بما في ذلك وزير الخارجية الحالي د. أحمد داوود أوغلو، فإن عبد الله غل، يقول هؤلاء، وحده من يملك الشرعية والخبرة والتأثير الضروري لقيادة الحزب وتعويض الفراغ الذي سيتركه أردوغان خلفه.

بيد أن دائرة أنصار أردوغان المخلصين لا تبدو شديدة الاكتراث بهذا السيناريو أو بما يشابهه. ويقول هؤلاء: إن غل لا يستطيع الوقوف أمام إرادة العدالة والتنمية، إن قرر الحزب ترشيح أردوغان لرئاسة الجمهورية. ويعتقد هؤلاء أن بإمكان الحزب ليس فقط الإتيان بدستور جديد بنظام حكم مختلط، ولكن أيضًا العودة بتركيا إلى الوضع الذي كانت عليه قبل 1961، عندما لم يكن من الضروري لرئيس الجمهورية التخلي عن انتمائه الحزبي. بمعنى أن يصبح بإمكان أردوغان تولي رئاسة الجمهورية بدون أن يتخلى بالضرورة عن رئاسة حزب العدالة والتنمية، حتى بعد أن تنتهي عضويته البرلمانية. بهذا، يتصور هؤلاء، سيستمر أردوغان في قيادة العدالة والتنمية إلى أن تتعزز جذور الحزب في الحياة السياسية وفي وعي الأتراك السياسي، ويصبح قابلاً للاستمرار بدون قيادة تاريخية أو كارزمية بحجم رئيس الحكومة الحالي.

من جهة أخرى، يقول أنصار رئيس الجمهورية: إن عبد الله غل لن يقبل العودة إلى السياسة الحزبية ورئاسة الحكومة في حال تم إقرار دستور جديد يضعف أو يقلص صلاحيات رئيس الحكومة، حتى إن دعت أغلبية الحزب لعودته.

الصفقات القادمة

لم يحدث منذ انقلاب 1960 والإطاحة بحكم الحزب الديمقراطي، الذي استمر عشر سنوات متتالية، أن تمتع حزب بدعم شعبي وهيمنة على الساحة السياسية مثل حزب العدالة والتنمية. ولم يحدث منذ عدنان مندريس، زعيم الحزب الديمقراطي، أن تمتع رئيس حزب ورئيس حكومة بقوة ونفوذ رجب طيب أردوغان. ومن الطبيعي لأردوغان، الذي لم يصل إلى الستين من عمره بعد، أن يخطط لمواصلة حياته السياسية بعد تخليه عن رئاسة الحكومة. وليس غريبًا، على أية حال، في تقاليد الجمهورية التركية أن ينتهي رئيس الحكومة إلى رئاسة الجمهورية، تمامًا كما حدث مع عصمت إينونو، وسليمان ديميريل، وتورغوت أوزال. السياسة هي حياة أردوغان، وهي مهنته منذ عقود. وكسياسي، في بلد لم يعش نجاحات كبيرة في القرن الماضي، يمكنه القول بأنه حقق لتركيا الكثير خلال السنوات العشر الماضية.

ولكن يبدو أن أردوغان يطلب ما هو أكثر من رئاسة الجمهورية؛ يطلب رئاسة من نوع جديد، رئاسة ذات صلاحيات ملموسة، تحقق له طموح الاستمرار في صناعة قرار الجمهورية. هذا السياسي القوي لا يخطط للتقاعد بعد، ولا حتى للتقاعد في منصب رئاسة الجمهورية بسلطات رمزية.

من أجل أن يحقق أردوغان طموح الاستمرار طرفًا فاعلاً في إدارة شؤون البلاد لابد أن تتوفر مجموعة من التطورات المواتية، مثل اقناع رئيس الجمهورية الحالي عبد الله غل بعدم الترشح مرة أخرى لمنصب رئاسة الجمهورية، وإنجاز مسودة دستور يستجيب على الأقل للحد الأدنى من مطلب إعادة هيكلة النظام السياسي وتعزيز سلطات رئيس الجمهورية، ثم إقرار مسودة الدستور في البرلمان أو في استفتاء شعبي، وإيجاد مخرج مناسب لفراغ القيادة في حزب العدالة والتنمية الذي سيتسبب فيه انسحاب أردوغان، سواء بإبقاء أردوغان رئيسًا للحزب أو بتوافق قيادات الحزب على زعيم جديد يتمتع بالكفاءة والمقدرة الضرورية. هذا، إضافة إلى مواجهة المخاطر المحتملة لتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وقيادة سفينة الاقتصاد التركي والمالية العامة للدولة في المرحلة الحرجة المقبلة.

أظهر أردوغان خلال سنوات توليه رئاسة الحكومة مهارة تكتيكية عالية، أهّلته لمواجهة سلسلة من المآزق والأزمات والمضي بحكومته وحزبه نحو مزيد من النفوذ. وليس من المستبعد  هذه المرة حسب الأوراق التي بيده، والخبرة السياسية التي راكمها، أن يحقق انتقالاً سلسًا من موقع رئاسة الحكومة إلى رئاسة الجمهورية.

الأوراق التركية وأوهام النظام

وليد شقير

سواء تقصّدت القيادة السورية ذلك أم لم تقصده، فإن سقوط القذيفة التي أودت بحياة خمسة مواطنين أتراك وجرح آخرين في بلدة حدودية سبق أن تعرضت للنيران السورية، جراء الاشتباكات بين الجيش النظامي السوري وبين «الجيش السوري الحر» على الأراضي السورية، شكل تحدياً لأنقرة اضطرت للرد عليه بقصف مواقع انطلاق القذيفة.

لم يكن ممكناً للجانب التركي أن يسكت هذه المرة عن هذا الخرق، بعد أن كان حافظ على ضبط النفس عند إسقاط الطائرة التركية في شهر حزيران (يونيو) الماضي، بناء لتدخلات غربية وروسية وإيرانية معه، كي يمتنع عن تصعيد الموقف. وأتاح الغموض الذي أحاط بإسقاطها أسئلة من نوع: هل كانت في الأجواء السورية أم فوق المياه الإقليمية وهل تم إنذارها من الجانب السوري قبل ذلك؟ لكن ما صدر من تسريبات عن نتائج التحقيقات بسقوطها أخيراً والتي أشار بعضها الى أن الأمر بذلك صدر عن الرئيس بشار الأسد وأن الطائرة كانت فوق المياه الإقليمية، فضلاً عن تعدد الروايات حول مقتل الطيارين اللذين كانا على متنها جعل الرد محتماً هذه المرة.

إلا أن لحيثيات الرد التركي الذي يعني تعامله العسكري مع الخروق السورية للحدود انتقالاً بالبعد الإقليمي للأزمة السورية الى مرحلة جديدة، ظروفاً مختلفة تماماً عن حيثيات التعاطي الأردني واللبناني مع عمليات خرق الحدود لهاتين الدولتين. عمّان أظهرت تشدداً إزاء الخروق السورية وردت أكثر من مرة على إطلاق النار عبر حدودها، وأعلنت عن كشفها اختراقات استخباراتية في صفوف اللاجئين. إلا أنه تشدد محسوب. فعمّان لا تنوي خوض مواجهة مع النظام السوري في ظل غموض إقليمي حول الموقف من مواجهة كهذه. ولبنان اكتفى بالاعتراض السياسي والديبلوماسي وهو أمر كان تجرؤاً يُحسب لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، يعاكس الهيمنة التاريخية لنظام آل الأسد على القرار اللبناني، وفي ظل وجود حلفاء للنظام يؤمنون التغطية الكاملة لخروقه، بل يخرقون هم أنفسهم الحدود في الاتجاه السوري لإعانته (منذ بداية الأزمة) على الصمود في مواجهة الثوار، كما كشفت عملية تشييع قيادي وعناصر من «حزب الله» الأحد الماضي كانوا يقاتلون الى جانب النظام هنا وهناك.

جاء الاختبار التركي في ظل مخاوف من أن يمعن النظام السوري في سياسة نقل الأزمة الى دول الجوار، في محاولة منه لقلب المعادلة. فكلما ازداد عجزه عن سحق الثوار وتصاعد ارتكابه للمجازر وارتفعت وتيرة تدميره الهائل للمدن السورية، تعزّز أكثر خيار انتقال سياسي في السلطة يبدأ بتنحي الرئيس. وهو في المقابل يسعى الى الهروب الى الأمام فيتوهم أن الإصرار على رحيله سيؤدي الى تصاعد المواجهات وبالتالي الى تهديدها للأمن الإقليمي الأمر الذي يشغل العالم عنه ويدفع الدول الفاعلة الى صرف النظر عن إسقاطه مقابل أولوية حفظ الاستقرار الإقليمي.

ذهبت الأوهام بقادة النظام السوري وحلفائه الى حد الحديث عن أن نظام عبدالله غُل ورجب طيب أردوغان ذاهب الى أزمة كبرى بسبب انتقاد بعض معارضيه لسياسته حيال سورية، وحيال الأكراد، وبفعل العمليات التي ينفذها حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي انطلاقاً من الأراضي السورية التي أخلاها النظام لمقاتلي الحزب، فضلاً عن الهجمات من الأراضي العراقية والتي تحظى أيضاً بدعم إيراني.

العالم الافتراضي الذي يعيشه النظام السوري جعله يعتقد أنه في حال هجوم خارج حدوده، لشدة استغراقه في نظرية الحرب التي تُشن عليه من الخارج، فيما هو غير قادر على استعادة ما خسره في حربه الدفاعية عن حكمه وفي مواجهة معارضيه المصرّين على إسقاطه.

جاء الاختبار التركي بعد أيام قليلة على مؤتمر حزب «العدالة والتنمية»، الذي بدا تظاهرة لدول الربيع العربي وللإخوان المسلمين في شتى الأقطار. وإذا جاز وصف المناسبة بأنها أظهرت امتلاك تركيا أوراقاً كبرى، فإن وجود الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل وقادة «الإخوان» والمعارضة في سورية وغيرها أبرز رهان أنقرة على الإفادة من الربيع العربي، وشكل الموقف من النظام السوري نقطة التقاء أساسية بين مصر وأنقرة على رغم التنافس الضمني على الدور الإقليمي بين الدولتين، في مقابل الأوراق الإقليمية لإيران التي تتقلّص رقعتها شيئاً فشيئاً لأن رهانها ما زال على إبقاء نظام الأسد مهما كان الثمن. ولعل الهجوم السوري العنيف على مرسي ومشعل هو الذي يفسّر مدى الخسائر التي تصيب المحور السوري – الإيراني.

إذا كان من تبقى مع النظام في دمشق لم يدرك هذا المناخ الذي أحاط بسقوط قذيفة على قرية تركية، نتيجة أوهامه، فقد بات على حلفائه أن يدركوه عنه.

الحياة

تركيا لن تهدي الأسد الحرب!

    راجح الخوري

كان واضحاً منذ اللحظة الاولى بعد سقوط القذائف على الأراضي التركية وقتل خمسة من المواطنين ان أنقرة لن تقع في فخ بشار الاسد فترد بعملية عسكرية كبيرة توفر له الفرصة لنقل دائرة الاهتمام الدولي من أزمته الداخلية الى أخطار حرب إقليمية ربما تساعده في إيجاد مخارج تتيح له الإفلات من الحساب الداخلي الذي يزيد الخناق عليه يوماً بعد يوم!

وهكذا عندما يقول رجب طيب أردوغان “لن ندخل الحرب ضد سوريا لأن هذا ليس من مصلحتنا”، يكون قد امتنع عن تقديم الحرب كأفضل هدية يمكن ان يحلم بها الأسد في هذه المرحلة الخانقة بعدما بات غارقاً في الرمال الدموية المتحركة حتى عنقه.

لكن لم يكن في وسع تركيا ان تبتلع الحادث بعدما طال سكوتها عن سلسلة من الاعمال السورية العسكرية التي بدأت باسقاط الطائرة في 22 حزيران الماضي، وقد تردد أخيراً انها أسقطت عمداً وبمساعدة من الروس وان طيّاريها لم يقتلا في الحادث بل ان النظام قام بتصفيتهما في ما بعد، ثم سقطت سلسلة من القذائف على الأراضي التركية لكن أنقرة واصلت ضبط النفس!

منذ سنة تقريباً تراجعت أنقرة عن سياسة التصعيد ضد الأسد بعدما كانت قد رفعت التهديدات الى السماء عندما قال أردوغان ان حلب خط أحمر وانه لن يسمح بذبح الشعب السوري، وكان النظام السوري يتمادى في استفزازها رداً على دعمها للمقاومة السورية، تارة عبر تحريك “حزب العمال الكردستاني” وأخرى عبر تأجيج مشاعر العلويين الأتراك ضد اللاجئين السوريين.

وبدا ان أنقرة اتخذت موقفاً واضحاً وهو أنها ستواصل دعم المعارضة ولن تتدخل عسكرياً في غياب موقف دولي يدعم هذا التدخل لمنع المذابح كما حصل في ليبيا. ومع غرق أميركا في سباتها الانتخابي ورفضها القيام بأي عمل يوقف المأساة أو يساعد في إقامة منطقة عازلة، وكذلك مع الانغماس الإيراني في القتال ميدانياً الى جانب النظام ومع الحماية الروسية العنيدة له سواء في الأمم المتحدة وإفشال مبادرة الجامعة العربية ومواصلة تزويده السلاح، لجأت تركيا الى اللهجة الخفيضة مكتفية بتقديم المأوى للاجئين ومساعدة المعارضة وابتلعت سلسلة من قذائف الاستفزازات لم تكن توقع ضحايا كما حصل أول من أمس.

هذه المرة أرادت تركيا ان تذكّر النظام السوري ربما بالصورة الطريفة التي نقلها أمس “موقع العربية” عندما وصف ميزان القوى بين البلدين بأنه بين “الحوت التركي والسردين السوري”، فبعدما ردت بقصف المواقع السورية وافق برلمانها على ان تقوم الحكومة بشن عمليات عسكرية داخل سوريا بما يبقي السيف مصلتاً فوق رأس النظام، الذي لن يحصل على الحرب كهدية منقذة بل سيُترك ليغرق في رماله الدموية المتحركة!

النهار

مقامرة سورية محسوبة

عبد الباري عطوان

ما يجري على الحدود السورية ـ التركية من توتر عسكري حاليا هو عبارة عن تبادل رسائل دموية بين الحكومتين في انقرة ودمشق، تمثلت في القصف المتبادل الذي اوقع ضحايا في الجانبين.

ربما يرى الكثيرون أن إقدام وحدات من الجيش السوري على اطلاق قذائف مدفعية على قرية تركية، ومقتل أم واطفالها الثلاثة واحدى قريباتها، هو خطوة غبيّة، تكشف عن قصر نظر، لكن الواقع مغاير لذلك في رأينا، وربما تكون خطوة مدروسة بعناية هدفها جر تركيا الى صدامات دامية، وربما تفجير حرب اقليمية شاملة.

النظام السوري يدرك جيدا ان السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا الذي يخطط حاليا لتعديل الدستور بما يسمح له بتولي رئاسة الدولة، بحيث يصبح رئيسا لكل الاتراك، يملك صلاحيات واسعة، وليس رئيسا لحزب العدالة والتنمية فقط، يدرك انه لا يريد الحرب، بل ويتجنبها لان لديه الكثير مما يمكن ان يخسره، ويفسد عليه خططه المستقبلية وابرزها نقل تركيا من المرتبة السابعة عشرة كأقوى اقتصاد في العالم، الى المرتبة العاشرة، والحفاظ على نسبة نمو في حدود سبعة في المئة سنويا.

ما فعله اردوغان بإطلاقه مجموعة من القذائف على مواقع سورية مساء امس الاول يذكرنا بما فعله الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون عندما اطلق 75 صاروخ كروز على مواقع للقاعدة في افغانستان، كرد على تفجيرها لسفارتي بلاده في نيروبي ودار السلام عام 1998، اي لامتصاص غضب الرأي العام وتجنب التورط في حرب.

في المقابل ليس هناك ما يمكن ان يخسره النظام السوري، فهو في حالة حرب فعلا، ويواجه حصارا خانقا وثورة مسلحة تريد إسقاطه صمدت لاكثر من عشرين شهرا، وحققت بعض النجاحات على الارض من حيث زعزعة استقراره، وإغراقه في حرب استنزاف دموية ادت الى فقدانه السيطرة على عدة مناطق، وخاصة المحاذية للحدود التركية.

انها مقامرة سورية محسوبة بعناية، نجحت في خلط الأوراق، واربكت الحكومة التركية، ولكن هذا لا يعني ان النتائج قد تأتي عكسية في نهاية المطاف، خاصة اذا قررت المعارضة التركية الوقوف الى جانب السيد اردوغان في حال تصاعد اعداد القتلى الاتراك بشظايا قنابل المدفعية السورية.

اطلاق قذائف مورتر على قرية اكجاكالي التركية الحدودية، هو صرخة ألم سورية رسمية من الدور التركي في دعم المعارضة المسلحة وفصائلها المتعددة، ورسالة تحذير من ارسال اسلحة وصواريخ متطورة اليها قد تنجح في فرض حظر جوي من خلال شلّ فاعلية الطيران السوري، خاصة ان هناك سفينة اسلحة قادمة من ليبيا وما زالت رابضة في ميناء الاسكندرون محملة بالآلاف من هذه الصواريخ.

‘ ‘ ‘

من يقرأ ردود الفعل الغربية، ومن ثم التركية، على هذه ‘العملية الانتحارية’ السورية حسب وصف البعض، يخرج بانطباع بأنها جميعا تطالب بضبط النفس، والمطالبة هنا للطرفين التركي والسوري معا، وتجنب توسيع دائرة الصراع.

الدول الغربية اكتفت بالشجب، وسورية اكتفت بالاعتذار، وتركيا بالقبول، ولكن الرسالة وصلت الى انقرة واضحة المعالم: تريدون اسقاطنا اهلا وسهلا، فهذا قراركم، ولكننا لن نسقط وحدنا، ولن يكون هذا السقوط دون خسائر باهظة.

صحيح ان الرئيس رجب طيب اردوغان عقد جلسة طارئة للبرلمان، واستصدر قرارا بتفويضه بشن حرب ضد سورية، مثلما عقد اجتماعا مع قائد اركان الجيش التركي، وقيادة حزبه، لكنه اكثر عقلا وحكمة من استخدام هذا التفويض فورا، فهو ليس قائدا عربيا يقرر وحده في قضايا مصيرية مثل السلام والحرب، وانما قائد يحتكم الى مؤسسات منتخبة، وديمقراطية حقيقية، وقيادة عسكرية لها ثقلها وكلمتها، والأهم من كل هذا وذاك انه يضع مصلحة شعبه فوق جميع الاعتبارات.

اردوغان يواجه معارضة داخلية قوية، ونسيجا طائفيا هشا، وكان لافتاً ان حصوله على تفويض بالحرب جاء بالاغلبية، وان اكثر من مئتي نائب صوتوا ضده في البرلمان.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ما اذا كانت القيادة التركية ستتفهم الرسالة السورية الدموية، وتخفف من دعمها للمعارضة المسلحة، والجهادية منها على وجه الخصوص عبر تسهيل وصول الاسلحة والاموال اليها، أم انها ستكثف هذا الدعم كرد على هذا الهجوم السوري؟

من الصعب اعطاء اجابة حاسمة في هذا الخصوص، ولكن من المرجح ان لا يأتي القرار التركي انفعاليا، بحيث تسقط تركيا في مصيدة الاستفزاز السوري وهي مفتوحة العينين، مما يؤدي الى توريطها في حرب اقليمية طويلة، تضاف الى حرب تجددت فجأة على ارضية الأزمة السورية مع حزب العمال الكردستاني التركي، الذي يتبنى المعارضة العسكرية.

الرسالة الأهم التي وجهها مسؤول سوري الى اردوغان يوم امس هي التي تهدد بتزويد الحزب الكردي المذكور بصواريخ ‘كورنيت’ الروسية المضادة للدروع، التي تزدحم بها مخازن اسلحة النظام السوري، وابلت بلاء حسنا عندما استخدمها حزب الله اللبناني اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 وحطمت اسطورة دبابة الميركافا فخر الصناعة العسكرية الاسرائيلية.

‘ ‘ ‘

إنها لعبة عض اصابع تجري حاليا بين تركيا وسورية، ولا شك ان الاضراس التركية اقوى واكثر حدة بالمقارنة مع تلك السورية الهرمة والمسوسة بفعل عشرين شهرا من الحرب، ولكن هناك فارقا اساسيا وهو ان الطرف السوري تعوّد على الصراخ من الألم، بينما لم يصرخ نظيره التركي ولو لمرة واحدة طوال السنوات العشرين الماضية على الأقل.

حلف الناتو خذل القيادة التركية عندما رفــــض التدخل في المرة الاولى عندما اسقطت سورية طائرة استطلاع تركــية اخترقت مجالها الجوي، وكرر الشيء نفسه عندما طالبه اردوغان بالاجتماع لبحث الهجوم المدفعي السوري الاخير، والشيء نفسه فعله مجلس الأمن الدولي من خلال بيانه الانشائي.

الأزمة قد تطول على الطريقة العربية، اعتذار من هنا وضبط نفس من هناك، انتظارا لتصعيد آخر، بينما تتضاعف اعداد القتلى السوريين الأبرياء يوميا.

الاسد لم يعد اسداً، وانما نمر جريح، بل مثخن الجراح، والنمور الجريحة اخطر من غيرها. وينطبق عليه، اي الاسد، المثل الشامي المعروف ‘ضربوا الاعمى على عينه فقال ما هي خربانة خربانة’.

القدس العربي

حرب سورية تركية؟

رأي القدس

الحدود السورية ـ التركية تعيش حاليا حالة من التوتر ربما تؤدي الى انفجار حرب بين البلدين اذا لم يتم تطويقها بسرعة.

امس الاول انطلقت حفنة من القذائف من الجانب التركي من الحدود ادت الى مقتل مواطن سوري كردي. وامس هطلت قذائف انطلقت من الجانب السوري باتجاه قرية اكجاكالي التي تقع قبالة مركز تل ابيض الحدودي السوري الذي شهد معارك ضارية في الاونة الاخيرة بين الجيش والمعارضة السورية المسلحة.

القذائف السورية ادت الى مقتل خمسة اتراك جميعهم من اسرة واحدة، الامر الذي دفع بالسيد رجب طيب اردوغان الى الاجتماع مع كبار مستشاريه لبحث الازمة ودراسة كيفية الرد، كما طالبت حكومته حلف الناتو بالرد على هذا العدوان السوري على حد وصفها.

من الواضح ان السلطات السورية التي تعتبر تركيا عدوها الاول بسبب تحولها الى مركز عبور للمقاتلين الذين يريدون اطاحة النظام السوري، ومركز تمويل وامداد لقوات الجيش السوري الحر بالاموال والاسلحة القادمة من دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة قطر، هذه السلطات تريد جر السيد اردوغان الى معركة او حرب اقليمية.

اطلاق القذائف من الجانب السوري، ومقتل خمسة اتراك هو رسالة استفزاز سورية الى السيد اردوغان لدفعه الى الرد مما يؤدي الى تورطه في حرب ربما تؤدي الى استنزاف تركيا ماليا وعسكريا وبشريا وتدمر كل انجازاتها الاقتصادية التي تمثلت في احتلالها المرتبة السابعة عشرة كأقوى اقتصاد في العالم.

السلطات السورية مستاءة من تحويل مؤتمر حزب العدالة والتنمية الذي انعقد يوم الاحد الماضي الى منبر للتحريض ضدها، وحشد العرب والجماعات الاسلامية خلف التحالف التركي ـ الامريكي ـ الخليجي الذي يريد اطاحة النظام السوري.

هذا الاستياء انعكس في الهجوم السوري الاعلامي غير المسبوق على الرئيس المصري محمد مرسي الذي قال في كلمته امام المؤتمر بانه لن يعرف طعم الراحة الا بعد سقوط الرئيس الاسد، والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة ‘حماس’ الذي ابدى مساندة للثورة السورية وتعاطفا مع معاناة الشعب السوري تحت النظام الديكتاتوري.

النظام السوري بدأ ينتقل من خطط الدفاع الى خطط الهجوم في تعاطيه مع الانظمة التي تريد اسقاطه وخاصة تركيا، بعد ان تأكد من دعم الروس والصينيين والايرانيين المطلق، وتردد حلف الناتو في التدخل عسكريا لصالح المعارضة المسلحة على غرار ما حدث في ليبيا.

ويأتي تركيز هذا النظام على تركيا لانه بات يدرك ان المعارضة التركية والممثلة في حزب الشعب، باتت تحسن شعبيتها في اوساط الناخب التركي بسبب معارضتها لسياسة اردوغان الداعمة للمعارضة السورية والمطالبة بعلاقات افضل مع حكام دمشق تقوم على التعاون وليس المواجهة.

السيد رجب طيب اردوغان اذكى من ان ينجر الى حرب مع سورية، ويقع في المصيدة التي نصبتها له دمشق بعناية فائقة، لانه يدرك جيدا انه وحزبه سيكونان الخاسر الاكبر ومن ورائهما الشعب التركي، وبما يؤدي الى نسف انجازاته الاقتصادية التي ادت الى فوزه في الانتخابات اكثر من مرة، وتربعه على سدة الحكم لاكثر من عشر سنوات.

الاتراك لم يردوا على اسقاط طائرة استطلاع لهم في المياه الاقليمية السورية في حزيران (يونيو) الماضي وبلعوا الاهانة لانهم يعرفون جيدا الاهداف التي تريد سورية تحقيقها من وراء هذا العمل غير المسبوق، اي جرهم الى الحرب، ومن المرجح انهم، ورغم صراخهم السياسي العالي تجاه مقتل خمسة من ابنائهم سيتعاملون مع هذا الاستفزاز المتعمد مثل تعاملهم مع حادثة اسقاط طائرتهم ومقتل طياريها.

لا نعرف ما اذا كانت حكومة السيد اردوغان ستستوعب هذه الرسالة السورية الواضحة العبارات ام لا، بحيث تتوقف عن دعم المعارضة السورية المسلحة وتسهيل وصول الاموال والاسلحة اليها عبر اراضيها، ولكن من الواضح انها تتعامل مع الضغوط السورية عليها بواقعية، وهذا يتضح من مد اردوغان غصن زيتون الى حزب العمال الكردستاني المدعوم من سورية، ودعوته له الى استئناف المفاوضات مجددا للتوصل الى هدنة لوقف العمليات العسكرية التي يشنها ضد القوات التركية في جنوب شرق تركيا.

المقربون من السيد اردوغان يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن خيبة امل كبرى تجاه العرب والامريكان معا، لانهم حرضوهم على اتخاذ موقف قوي وداعم للمعارضة السورية المسلحة، ووعدوهم بالدعم، ثم تخلوا عنهم، ولم يستجيبوا لطلباتهم بالتدخل العسكري لاسقاط النظام السوري، او اقامة مناطق حظر جوي توفر القاعدة لانطلاق الجيش السوري الحر والجماعات الاسلامية المساندة له لشن عمليات ضد النظام واستيعاب اللاجئين.

سورية الآن تعيش ظروفا عصيبة، وتتوالى عليها الضربات، ولكنها باتت اكثر ثقة بعد صمود النظام لحوالي عشرين شهرا، وبدأت في تصدير الازمة الى جيرانها وتركيا على وجه الخصوص، ومن غير المستبعد ان يكون الاردن الهدف الثاني لاحقا.

القدس العربي

اردوغان يريد الحرب ولا يريدها

رأي القدس

عمليات القصف المتبادل بين القوات السورية ونظيرتها التركية عبر الحدود تواصلت يوم امس ولكن دون الاعلان عن سقوط ضحايا سواء سوريين او اتراك.

السلطات التركية تقول ان القوات السورية هي التي بدأت بالقصف للاراضي التركية وتحديدا لمحافظة هاتاي مما دفعها للرد الفوري بالمثل، بينما لم يصدر عن الجانب السوري اي نفي او تأكيد.

هناك نظريتان لتفسير هذا التوتر المتصاعد الذي قد يؤدي الى اندلاع حرب اقليمية اذا لم يتم تطويقه بسرعة:

‘ الاولى: تقول ان النظام السوري يتعمد استفزاز تركيا وكرامتها الوطنية للضغط عليها لوقف دعمها للمعارضة السورية المسلحة التي تريد اسقاط النظام في دمشق وبدأت تشكل استنزافا له.

‘ الثانية: تشير الى ان بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة هي التي تطلق هذه القذائف على القرى التركية لجر تركيا الى حرب لا تريدها.

من الصعب الجزم لصالح هذه النظرية او تلك لانه لا توجد قوات مراقبة دولية محايدة لكي تعطي رأيا جازما في هذا الصدد، ولكن مطالبة روسيا للنظام السوري بالاعتذار عن قصف قرية اكجاكالي قبل عدة ايام ومقتل سيدة واطفالها الخمسة واصابة العشرات، ترجح بان القوات النظامية هي التي اطلقت القذائف السابقة واللاحقة.

النظام السوري يعتبر تركيا مصدر التهديد الرئيسي لوجوده بسبب دعمها السياسي للمعارضة، وفتح اراضيها’لمرور المتطوعين المتشددين الذين يريدون القتال تحت راية الجيش السوري الحر، وكذلك الاسلحة والاموال القادمة من بعض دول الخليج العربي.

وما يذكره النظام في هذا الخصوص صحيح، والسيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي لم ينكر مطلقا دعمه للمعارضة السورية ورغبته في اسقاط نظام الاسد، ولكنه لم يتوقع ان يدفع اي كلفة سياسية او امنية مقابل هذا التوجه.

الشعب التركي لا يريد في معظمه حربا مع سورية، لما يمكن ان يترتب عليها من نتائج خطيرة اقتصادية وبشرية، فجيشه يخوض حربا شرسة في الوقت الراهن مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمرد في شرق البلاد يسقط فيها اعداد متزايدة من ابنائه الجنود، ولا يريد قطعا حربا اخرى اوسع نطاقا.

النظام السوري يراهن على هذه المسألة، ويقدم ذخيرة قوية لحزب الشعب المعارض الذي بدأ يحقق مكاسب شعبية مضطردة، لمعارضته التدخل في سورية، ولم يكن من قبيل الصدفة ان يستقبل الرئيس الاسد بعض قادة هذا الحزب، ويعطي مقابلة تلفزيونية مطولة للمحطة المقربة منه حاول فيها ان يميز بين الشعب التركي والرئيس اردوغان، ويؤكد صداقته للاول وعداءه للثاني.

السيد اردوغان يتجنب حتى الان السقوط في مصيدة الاستفزاز السورية، واكد يوم امس الاول بانه لا يريد حربا مع سورية، بل وسمح باستئناف تزويدها بالتيار الكهربائي تأكيدا على كلامه هذا، لكن الامور تغيرت بسرعة’يوم امس، وعاد السيد اردوغان ليقرع طبول الحرب بقوة عندما انفعل بشكل واضح اثناء اجتماع جماهيري، والقى خطابا حماسيا اكد فيه ان بلاده ليست بعيدة عن خوض حرب مع سورية بعد تجدد الهجمات عبر الحدود.

في تقديرنا ان حديث اردوغان عن الحرب هو من اجل الاستهلاك الجماهيري، ومحاولة تخويف سورية، فاردوغان يعرف جيدا انه بمجرد الانزلاق الى الحرب سيخسر كل ما انجزه على مدى السنوات العشر الماضية، خاصة على صعيد الاقتصاد. ولا نستغرب ان يكون حلفاؤه في الغرب يريدون سقوط حزبه لصالح عودة المعارضة العلمانية الى الحكم، بدليل دفعهم له للتورط في الملف السوري ثم التراجع عن دعمه.

القدس العربي

أردوغان سجين حدوده

    سميح صعب

تحت ضجيج الحرب مع سوريا، يخفي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مرارة التأزم الذي وصلت اليه سياسته حيال دمشق منذ بدء الازمة قبل أكثر من 18 شهراً. مما لا شك فيه ان أردوغان كان يتمنى سقوط النظام السوري في الاشهر الاولى للأزمة ولم يكن يتوقع أن تأخذ كل هذا الوقت.

وكلما طالت الازمة السورية واتسع نطاق القتال، يرى أردوغان نفسه اكثر تورطاً فيها. وهو يخشى مثلاً احتمال نجاح النظام السوري في استعادة حلب من المعارضة لأن ذلك يعني إطالة امد الحرب في سوريا ولا يحمل اشارات الى قرب سقوط النظام. من هنا كان الرد التركي على سقوط قذيفة سورية على قرية اكجاكالي التركية عنيفاً ومناسبة لتصعيد نبرة الحرب وكأن الحكومة التركية تريد ان تبعث برسالة واضحة الى النظام السوري مفادها ان حلب خط أحمر ممنوع على النظام استعادتها وإلا كانت دمشق تخاطر بالدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا.

إذا التصعيد التركي يخدم الان بديلاً من انشاء المنطقة العازلة التي طالما هددت الحكومة التركية باقامتها داخل الاراضي السورية لاستيعاب الاعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين. كما ان هذا التصعيد يخدم أجندة أردوغان الداخلية بعد تآكل شعبيته نتيجة السياسة التي ينتهجها حيال سوريا مما انعكس تراجعاً في الاقتصاد التركي الذي كان تحسنه في السنوات الاخيرة السبب الرئيسي لتنامي شعبية حزب العدالة والتنمية. ومنذ بداية ما يسمى “الربيع العربي” طرح أردوغان نفسه نموذجاً لحكم اسلامي لا يخيف الغرب في البلدان التي تشهد احتجاجات. كما عمل على احتضان الانظمة الاسلامية الناشئة في تونس ومصر وتلك التي يشارك فيها الاسلاميون بقوة في ليبيا واليمن. وبات أردوغان راعياً لـ”الربيع العربي” الذي يؤمن له اتساعاً في النفوذ التركي في المنطقة يضاهي به النفوذ الايراني. لكنه بانتهاجه هذه السياسة كان يعمل على تطييف الازمة في سوريا ودفعها في اتجاهات خطرة.

وعندما بدا لرئيس الوزراء التركي ان تدريب المعارضة السورية وتسليحها لن يؤتيا ثمارهما في المدى القريب لأن هذه المعارضة غير قادرة على حسم الموقف من دون تدخل خارجي، وجد أردوغان نفسه مرغماً على التورط المباشر في الازمة من اجل رسم خطوط حمر أمام النظام السوري في مقدمها احتمالات العودة الى حلب.

مجدداً، يحاول أردوغان الذي حسم الساحة الداخلية لمصلحته بعد اقصائه الجنرالات ووضعهم في السجون وفي ظل ضعف المعارضة من الاحزاب العلمانية، ان يمسك بزمام التطورات الاقليمية. ولكن ليس مضمونا أن يصادف النجاح.

النهار

الحرب التركية المستبعدة

عبد القادر نعناع

اعتاد النظام السوري طيلة العقود الأربع الماضية تصدير أزماته الداخلية إلى محيطه الإقليمي، ليعيد تشكيل وعي غريزي حول مؤامرة تستهدف الدولة والنظام والشعب، وخاصة عندما يكون أمام استحقاقات داخلية كبرى، غير قادر أو راغب بإنجازها.

ولعل أبرز الأمثلة القائمة على ذلك قبل اندلاع الثورة السورية، هو تحميل الخارج (الأمريكي) منذ غزو العراق مسؤولية إعاقة مخطط التطوير والتحديث، وبالتالي إيقاف المشروع الذي طرحه الأسد الابن بعد وراثته الحكم عام 2000، والتحول عنه إلى خطاب مقاوماتي يحشد الرأي الداخلي خلف الأسد وحزب الله، مستغلاً الانتماء القومي لدى المواطن السوري لتعزيز السلطة الدكتاتورية. وهو ما برع فيه الأسد الأب منذ انقلابه عام 1970.

وعلى ذلك سارت آلية العمل السياسي والإعلامي لدى النظام طيلة أشهر الثورة، بتحميل الخارج مسؤولية ما يحصل في الداخل السوري. دون أن يدرك أن مشروعية هذا الخطاب لدى الشارع السوري قد انهارت تماما منذ أول رصاصة أطلقت في درعا.

وحيث أن الاستبداد هو عقلية لا تدرك الأبعاد التاريخية، استمر الخطاب الأسدي على ما هو عليه، بل ما حصل من اعتداء عسكري على السيادة التركية عدة مرات، كان نوعا من جرّ الخارج للتدخل في الشأن السوري، في محاولة أخيرة لحشد ما تبقى من مناصريه، عبر محاولة جرّ تركيا لشن حرب على سورية.

هو فخ يحاول النظام به تصدير أزمته مع الشعب السوري، إلى محيطه الإقليمي، بل والكوني كما يحلو له أن يطلق عليه، معتقدا أنه بهكذا حرب إنما هو قادر على توسيع سلطته العسكرية في البلاد وإعادة ضبط مسار الأحداث والعودة بها إلى ما قبل 2011.

في المقابل فإن فكرة تصدي تركيا منفردة لحرب مع ما تبقى من النظام السوري، ودون معونة عسكرية كبرى من حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة تحديدا، قد تودي بأردوغان ونظامه إلى السقوط قريباً، حتى لو حققت نتائج عسكرية لصالح تركيا، فالكلفة الاقتصادية لهكذا حرب ستضرب النهضة الاقتصادية التي تشهدها تركيا في الأعوام الأخيرة، وستعيق عملية النمو الاقتصادي لسنوات، وخاصة أنها دولة غير نفطية، إلا إذا تبرع الغرب أو دول عربية بكلفة الحرب مع تعويضات تقنع تركيا بشن الحرب.

في وقت يعاني فيه الغرب من ضائقة مالية تهدد كيانه الوحدوي، وتشهد الولايات المتحدة سباقا رئاسيا لم يحسم بعد، وتتردد دول عربية عدة تجاه فكرة التصعيد العسكري في سورية.

كما يجب الأخذ في الحسبان ردود الفعل الروسية والإيرانية والميليشياوية التابعة لها.

إلا أن حكومة أردوغان مضطرة في ذات الوقت للرد على الاعتداءات التي تطال سيادتها بين الفينة والأخرى من جانب النظام السوري، حتى تثبت للداخل التركي قوة الحزب الحاكم وصرامته في التصدي لأي اعتداء على السيادة التركية.

فبين الخشية على الاقتصاد التركي والخشية على سمعة الحزب ومستقبله السياسي، والخشية على السيادة والطموح التركيين، فإن الرد التركي قد يتجلى عبر ضربات من خلف الحدود لمراكز أمنية وعسكرية للنظام السوري لا أكثر، في حال استمرار المواقف الدولية والعربية على ما هي عليه اليوم.

وإن كان النظام السوري قد قدم اعتذاراً للحكومة التركية بأوامر روسية، لا يعني أن النظام سيتراجع أمام أي تهديد تركي بحرب معه، فالتراجع الكائن عام 1998 كان خشية من تدهور الوضع الداخلي يفقد الأسد الأب سلطته’على الشارع السوري، فحينها كانت تسير البلاد وفقا لاستبداديته. أما اليوم، فإن النظام يستدعي التدخل الخارجي أولا، كما أنه لم يعد يملك فعليا ما يخسره، ويعلم تماما أن أي تدخل هو لإزاحة رأس الهرم تحديدا أي الأسد الابن، وعليه فإنه في حال حدوث هذا التدخل وهو مستبعد في القريب العاجل، فإن الآلة العسكرية الأسدية وقد يكون بالتعاون مع حلفائها ستعمل على جبهتين خارجية وداخلية، مع تفضيلها لضبط الجبهة الداخلية، وإن خسرت جزءا من الأراضي، فباعتقادها أنها ستعيد ضبط الجزء الآخر، وتعيد إنتاج خطاب المقاومة على أية جبهة محتلة جديدة.

ووفقا لتركيبة النظام الامنية الاستبدادية، فإن آليات عمله وتفكيره السياسي ما تزال مورثة عن آليات الحرب الباردة، معتقدا أن روسيا قطب دولي قادر على فرض أجنداته السياسية على المستوى الدولي. إلا أنه يدرك في ذات الوقت صعوبة التدخل العسكري الدولي في هذه الأونة. حيث تعتبر أية محاولة للتدخل العسكري الدولي في سورية، عملية معقدة، قد تتطلب إعدادا شبيها بذاك الذي تم عام 1990 تجاه العراق، أي قوات عسكرية غربية، وتمويل خليجي، وموافقات من دول الجوار وتحديدا الأردن وتركيا بالإضافة إلى شرعية عربية تضيفها مصر تحديداً. ورشوة سياسية اقتصادية لروسيا، وبالتأكيد تطمينات غربية للكيان الإسرائيلي، بأن نتائج هذا التدخل لن تؤثر سلبيا على الكيان.

وعليه يظل دعم الجيش الحر بشكل حقيقي، وإمداده بالسلاح اللازم أضمن لكل الأطراف، ومانعا لاندلاع حرب إقليمية لا ترغب بها القوى الكبرى من جهة، وضامنا لوجود سلطة محلية تعيد ترتيب الوضع الداخلي بدلا من انفلات فوضوي شبيه بالحالة العراقية بعيد الاحتلال الأمريكي.

‘ كاتب سوري

نعم نظام الأسد يخاف!

طارق الحميد

ها هو نظام طاغية دمشق يقدم اعتذارا لتركيا عبر الأمم المتحدة، متعهدا بأن لا يعاود تكرار الهجوم على الأراضي التركية بالمورتور، وذلك بعد مقتل خمسة مواطنين أتراك نتيجة قصفه للأراضي التركية، مما نجم عنه قيام أنقرة بالرد بالقصف على الحدود السورية، فماذا يقول لنا هذا الاعتذار الأسدي؟

الإجابة البسيطة هي أن نظام الأسد، الأب والابن، «يخاف ما يستحي» كما يقول المثل العامي، فقد انسحب الأسد الأب من مواجهة الأتراك بعد أن هددوه بسبب إيوائه عبد الله أوجلان. وها هو الابن يهرع لتقديم الاعتذار لتركيا اليوم! وهذه الحادثة تشرح لنا أسباب تمادي الأسد في جرائمه التي يرتكبها بحق السوريين، وأهم سبب لذلك هو أن الأسد لم ير حتى الآن مؤشرا حقيقيا على التدخل الدولي في سوريا، سواء تحت مظلة مجلس الأمن، أو خارجها، من أجل ردعه، ووضع حد لجرائمه. فلو رأى الأسد، مثلا، الطائرات تحوم فوق الأجواء السورية لفر من قصره بكل تأكيد، أو لوجدنا قواته تنهار بشكل سريع. فالقول بأن لدى الأسد نظاما جويا قويا ليس إلا دعاية، الهدف منها تبرير عدم التدخل الدولي لوقف جرائمه، فها هو الأسد يخور، ويعتذر، مع أول قصف تركي!

واعتذار الأسد لتركيا ليس بسبب القصف وحسب، بل لأنه تنبه إلى أن البرلمان التركي قد أطلق يد حكومته بتوجيه ضربات للنظام الأسدي، ولمدة عام كامل. والأسد كان يراهن طويلا على التباينات السياسية داخل تركيا نفسها، من معارضة وخلافه، وكان يعول على تلك التباينات، ويرى أنها تكبل يد السيد رجب طيب أردوغان باتخاذ قرار عسكري ضده، أي الأسد، لكن قرار البرلمان التركي، والذي أطلق يد السيد أردوغان، كان بمثابة الرسالة الواضحة للأسد بأن الأتراك يقفون خلف حكومتهم، ولا مجال للعب في هذا الأمر. وهذا تحديدا ما ينقص الموقف الدولي اليوم أمام جرائم الأسد. فطالما ليس هناك قرار دولي حاسم تجاه الأسد، أو تحالف فعال من قبل الراغبين في وضع حد لجرائم الأسد الذي حان وقت رحيله، فإن طاغية دمشق لن يتوانى عن ارتكاب المزيد من الجرائم بحق السوريين.

لذا، فإن درس الموقف التركي الأخير من الأسد يقول لنا إن الأسد يخاف لكن لا يرعوي عن قتل مزيد من أبناء شعبه الأعزل. وهذا ما ثبت أيام قصة عبد الله أوجلان في عهد الأسد الأب، وبعد عملية دير الزور الإسرائيلية في سوريا في عهد الأسد الابن، وكذلك قصف الأميركيين لمعسكرات الإرهابيين في البوكمال، وانسحاب الجيش السوري من لبنان على أثر التهديد الأميركي للأسد بعد اغتيال رفيق الحريري.

كل ما سبق يقول لنا إن نظام الأسد الإجرامي لا يفهم إلا لغة القوة، ولا تجدي معه الدبلوماسية، فالأسد يعتقد أن الدبلوماسية هي فن الضحك على الآخرين، أو كما قال المقرب من معمر القذافي عبد السلام جلود في حواره مع قناة «العربية» إن «الطاغية يعتقد أن الدبلوماسية هي الكذب».

ملخص القول إن الأسد لا يفهم إلا لغة القوة، وعدا عن ذلك فهو مضيعة وقت.

الشرق الأوسط

سوريا وتركيا: احتمالات المواجهة

                                            عبد الرحمن أبو العُلا

أثار سقوط قذائف سورية داخل الأراضي التركية، وما تبعها من قصف تركي لأهداف عسكرية سورية، تساؤلات عن احتمالات اندلاع حرب بين البلدين، وعمّا إذا كان النظام السوري يسعى لفتح جبهات خارجية يخفف بها الضغط الداخلي الواقع عليه، أم أن هذا من شأنه أن يشتت جهده العسكري المتداعي أصلا؟

فبعد تكرار سقوط قذائف هاون سورية داخل الأراضي التركية، أدت آخرها إلى مقتل خمسة مدنيين أتراك يوم الأربعاء، ثم الرد التركي بقصف أهداف عسكرية داخل سوريا، وما أعقب ذلك من منح البرلمان التركي حكومته الحق في القيام بعمليات عسكرية خارج الحدود إذا اعتبرتها ضرورية، بدت المواجهة العسكرية التركية السورية أقرب من أي وقت مضى.

وعلى الصعيد الدولي، دان مجلس الأمن الدولي ما وصفه بالقصف غير المبرر من قبل القوات السورية لبلدة تركية، وطالب بوقف مثل هذه الانتهاكات للقانون الدولي فورا وبألا تتكرر. كما حصلت تركيا على بيان دعم من حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، في مواجهة ما وصفته بـ “العدوان السوري”.

حرب أم سلام؟

وفي حين واصلت تركيا في الآونة الأخيرة إرسال التعزيزات إلى الحدود السورية بمحافظة شانلي أورفة، منذ أن قامت الدفاعات السورية بإسقاط طائرة استطلاع تركية في يونيو/ حزيران الماضي، بدا الموقف الرسمي قويا ومتشددا ولو على مستوى “لغة الخطاب” فقط.

وقد سيطرت الاعتبارات الأمنية على المواقف التركية إزاء الأزمة السورية, وذلك في ظل تنامي التخوفات من تأجج المشكلة الكردية في ظل اتساع مساحة الحدود المشتركة مع سوريا (877 كم)، خاصة مع تنامي طموحات الأكراد بتأسيس دولتهم المستقلة في شمال سوريا وهو ما يمثل دعما قويا لأكراد تركيا بالتوازي مع تصاعد عمليات حزب العمال الكردستاني داخل تركيا.

ويشير إلى ذلك ما أعلنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من أنه ليس لدى بلاده أي نية لخوض حرب مع سوريا، وتابع أردوغان “هذا الحادث لم يكن الهجوم الأول من جانب سوريا ضد تركيا.. كانت هناك سبع هجمات سورية ضد تركيا في الآونة الأخيرة.. نريد فقط السلام والأمن في منطقتنا، هذا ما نهتم به، ليس لدينا أي نية لخوض حرب”.

وقال بشير أتلاي نائب رئيس الوزراء التركي إن موافقة البرلمان على السماح للحكومة بشن عمليات خارج الحدود، لا يعني تفويضا بالحرب ولا إعلان حرب من جانب تركيا.

وقلّل الباحث التركي بمعهد أوساكا علي حسين باكير في حديثه للجزيرة نت من احتمال اندلاع مواجهة كبيرة بين سوريا وتركيا، مشيرا إلى أن الحكومة التركية ستسعى للتحرك على الصعيد الدولي بمشاركة الأمم المتحدة وحلف الناتو، وشكك في الوقت ذاته في استجابتهما للمطالب التركية بالتدخل في سوريا.

وأضاف باكير أن التحركات التركية بمثابة إنذار قوي وجدي للنظام السوري بإمكانية التدخل العسكري خاصة بعد الحصول على موافقة البرلمان على ذلك.

من جانبه قال المحلل العسكري العميد المتقاعد صفوت الزيات إن الرد العسكري التركي على مواقع سورية يعد تطورا ملحوظا يوحي بأن صبر تركيا قد بدأ النفاد، وقد تسعى تركيا من خلاله لمحاولة إقامة ممرات إنسانية أو منطقة عازلة وصولا لحظر دولي، لكن هذا يحتاج إلى دعم أميركي.

وقال إن هناك معارضة داخل تركيا لدخول حرب مع سوريا، كما أن هناك طائفة علوية تقدر بأكثر من 12 مليون تركي سترفض بلا شك قرار الحرب.

خطأ أم استفزاز؟

ويشير بعض المراقبين إلى أن النظام السوري يرى في تركيا العدو الخارجي الأول في هذه المرحلة بسبب تحولها لمركز عبور المقاتلين إلى سوريا، الأمر الذي يفسر سعي النظام إلى محاولة جر تركيا إلى مواجهة عبر استفزازها يستفيد النظام منها بمحاولة حشد مواطنيه لمواجهة “غزو خارجي”.

ولم تكن المناوشات السورية التركية هي الأولى، فقد سبقها مناوشات أخرى مع الجيش الأردني تكررت أكثر من مرة وسقطت قذائف سورية في قرى أردنية حدودية، كما قصف الجيش السوري قرى حدودية لبنانية.

من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني فيصل عبد الساتر إن القذيفة السورية من الممكن أن تكون قد سقطت داخل الأراضي التركية بطريق الخطأ خاصة أنها سقطت بمنطقة حدودية، أو أن يكون هناك طرف ثالث يسعى لإشعال الحرب بين البلدين.

وقال عبد الساتر للجزيرة نت إنه ليس هناك احتمال لنشوب الحرب بين البلدين “لأن الحرب واقعة فعلا بينهما بتدخل تركيا في الشأن السوري ودعمها المتواصل للمسلحين”. وأضاف أن التصريحات السياسية التركية أكبر بكثير من الفعل الميداني بمنطق “إذا أردت ألا تفعل شيئا فأطلق صراخك بصوت عال”. ولفت عبد الساتر إلى المحاولة الإيرانية لاحتواء الأزمة عن طريق إيفاد نائب الرئيس الإيراني إلى أنقرة.

هروب إلى الخارج

ويشير الباحث باكير إلى أنه من الممكن أن يكون النظام السوري يسعى للخروج من أزمته الداخلية بفتح جبهة خارجية، لكنه لفت إلى أن ذلك سيكون بمثابة نهايته، خاصة إذا حدث تدخل دولي في سوريا.

أما العميد صفوت الزيات فقال للجزيرة نت إن النظام السوري ليس بمقدوره تحريك مواقف خارجية لكسب تأييد داخلي خاصة مع استمرار عمليات القتل اليومي في سوريا. كما أن النظام لا يسيطر على المعابر الأربعة على الحدود التركية فكيف له أن يسعى لحرب مع تركيا، بالإضافة إلى أن اللاجئين السوريين في تركيا لن ينحازوا أبدا للنظام.

وأشار الزيات إلى أن حالة من الفوضى وعدم الانضباط العملياتي في الجيش السوري، بالإضافة إلى فقدان السيطرة المركزية من قبل المستوى الإستراتيجي مما أدى إلى عدم وجود قواعد اشتباك واضحة، وهو ما يشير إلى أن سقوط مثل هذه القذائف قد يأتي بصورة ارتجالية من قيادات وسيطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى