صفحات الناس

مقالات تناولت عيد المرأة السورية

نحن إمرأة واحدة؟/ جهينة خالدية

إمرأة واحدة.. أنا أم نحن؟

 إنتماءات، تجارب، وجوه، ابتسامات، وظائف ومواقع مختلفة لكنها كلها تجتمع في نساء عربيات تواجهن التحديات عينها. كلها تجتمع في إمرأة عربية واحدة موحدة، تحزن لحزن بنات جنسها، وتفرح لفرحهن وتتضامن معهن.. ويحلمن جميعاً ليشرقن دوماً معاً.

 هذه هي الرسالة التي توجهها أغنية “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” تحت عنوان “إمرأة واحدة” والتي ما زالت تحظى باهتمام الشبكات الاجتماعية رغم مرور أيام على اليوم العالمي للمرأة.. جهد فني واضح يستحق التنويه، كما يمكن التوقف عند بعض ثغراته. وقد يكون ظُلم الكليب الذي أُطلق في حفلة المكتب الإقليمي للدول العربية ومكتب مصر لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في “دار الأوبرا” المصرية، وسط كلمات المشاركين والفعاليات الرسمية.

 “إمرأة واحدة” هي النسخة العربية من الأغنية العالمية التي تحمل العنوان نفسه وأطلقتها الأمم المتحدة العام الماضي للمناسبة عينها بالإنكليزية. والفرق بين النسختين واضح لجهة الكلمات والموسيقى وتوزيعها والكليب.. وقد نفذتها وأشرفت على إنتاجها شركة “مقام” للإنتاج الفني. وشارك فيها أكثر من خمسين فناناً وفنانة بينهم مشاركات فنية مميزة من عبير نعمة ومكادي نحاس وشربل روحانا وغيرهم. ويقف الأخير وراء اللمسات المميزة في التوزيع الموسيقى للأغنية، ويقول لــ”المدن” إنه “اعتمد على إدخال الآلات الموسيقية الشرقية من العود والقانون والرق، لإعطاء النسخة العربية طابعاً شرقياً وجعل موسيقاها أليفة لآذان الجمهور العربي”.

الأغنية التي تدعو إلى التغيير والمساواة بين المرأة والرجل وإفساح الفرص للنساء لتحقيق أنفسهن..هي فعلياً دعوة لإنتفاضة المرأة العربية. انتفاضة تبدأ من وحدة بين النساء في ما بينهن “نحن إمرأة واحدة أسمعك حين تبكين.. أتألم، تتألمين، أملُك أملي وسوف نشرق معاً”.

وجوه نسائية متنوعة في حيواتها اليومية ومهنها، بين الهندسة والنسيج والمصنوعات اليدوية وتنسيق الزهور والخبز والزراعة.. ترافقنا في الكليب البسيط والمباشر الذي يوصل رسالته من دون تكلف. وإن كانت المقاطع الترميزية، التي تصور شابات وسيدات يتخفين بأقنعة في حافلة واحدة ومن ثم على الكورنيش، وبعدها تخلعنها تدريجياً تعبيراً عن رفضهن للخوف والتردد وسكوتهن عن حقوقهن، هذه المقاطع تقطع انسيابية قصص النساء اليومية وابتساماتهن العفوية للكاميرا والتي تتكفل وحدها بانسجام الأغنية مع المادة البصرية ولا تحتاج إلى ترميز أو حبكة “كليبية” إن أمكن القول.

 تبقى الأغنية في كلماتها المتفائلة، لكن الواقع بعيد جزئياً عن هذه الوحدة التي نراها في “المُرّة” ولا نراها في “الحلوة”. المرأة الواحدة في الأغنية، ليست واحدة إلا في المعاناة. امرأة واحدة في مسيرات تطالب بأن يقر قانون العنف الأسري وبكف أيدي الرجال وطناجرهم وأدويتهم القاتلة وركلاتهم عن أجساد النساء كما رأينا في مسيرة منظمة “كفى” في بيروت السبت الفائت.

 نحن “إمرأة واحدة”، ربما، لكن وحدة النساء غالبا ما تأتي بعد القتل والعنف الذكوري الذي قضى على حياة 24 إمرأة بين الأعوام 2010 و2013 في لبنان. هن واحدة بعد وقوع الواقعة وبعد تعرض المرأة للضرب والتعذيب في ممارسة متزايدة بحسب منظمة “كفى” التي تشير إلى الـ 172 حالة من التعنيف الأسري في العام 2011 ارتفعت إلى 197 في العام 2012 ومن ثم إلى 291 في العام 2013.

 المرأة واحدة، في المسيرات والحلقات التلفزيونية والمؤتمرات بعد أن يقع كل هذا العنف، لكنها قبل خروجه إلى العلن ليست واحدة.. ليست سوى إمرأة مشتتة، تائهة بين القوانين المجحفة والعادات المستمرة، والصورة المجتمعية و”العيب”. ليست بعد إمرأة قوية إلا معنوياً.. أما في السلطة القانونية وفي التطبيقات الشرعية المشوهة.. فهي إمرأة ملغية.

بهذا المعنى تبدو كلمات الأغنية متفائلة نسبياً، أو لنقُل بعيدة من الواقع القاسي للنساء العربيات الغارقات في حالات متزايدة من العنف والقتل والإغتصاب والإهانة والإستغلال والتحرش والزواج المبكر. هذه كلها لا نجد لها أي إشارة، لا في الأغنية العربية ولا تلك الانكليزية، وفي كلتا الحالتين تقف الأمم المتحدة وراء العمل الفني الذي يمكن أن يكون أقرب إلى المعاناة اليومية ويسمي الأمور بأسمائها وأبعد من العموميات والأحلام والتمنيات.

كان يُنتظر أن نرى ما بعد الصور المكررة للمرأة الناشطة في كل المجالات ومن كل الطبقات والإنتماءات والأديان. فهذا كله معالج حد الاستعراض، لكن ما يحتاج إلى المعالجة والإشارة حتى لو في أغنية، هو نتائج هذا العمل، نتائج الشراكة المرأة في المجتمع وفي الدخل الأسري وفي المسؤوليات. نتائج هذه “الوان واي تيكت” التي تقطعها المرأة وحدها بالتقدم مهنياً وبدعمها المجتمع والشريك والأب والأخ مادياً ومعنوياً من دون أن تستطيع حماية نفسها منهم عندما تخرج أنياب سلطتهم، وعندما يرفعون سكاكين القانون والأحكام الدينية ليقطعوها بدم بارد.

 نزلت آلاف النساء اللبنانيات إلى الشارع لإقرار قانون العنف الأسري، وقبلها نزلن مطالبات بحقهن في منح الجنسية لأطفالهن، وقبلها كانت المرأة العربية في الصفوف الأولى للثورات العربية.. لكن في المقابل، في لبنان وفي العالم العربي، هناك أخريات بالملايين لا يكترثن لهذه الحقوق ولا يكترثن لموت نساء تحت أقدام أزواجهن وأمام عيون أفراد عائلاتهن.. أو أنهن يتأثرن لكنهن يطبقن الصمت، ويعدن ليجدن أسباب تخفيفة للجناة أو مبررات لقتلهم زوجاتهم.. مكررات جملة مقززة “مدري شو بتكون عاملة” أو “بتكون عاملتلو فضيحة”.

 بهذا المعنى تأتي الجملة التالية كترنيمة جميلة في أغنية، من دون أن تنعكس واقعاً حتى الآن في العالم العربي: “مع كل الفرق بيننا، متحدات أنت وأنا. نحن إمرأة واحدة، إنتصاراتك ترفعنا. أنا أعلو معك، دنيايَ دنياك، سنشرق دوماً معاً.. رجل يقف معها، رجل يحارب معها. يوما بيوم طريقه ينير إمرأة إمرأة”. كم عدد الرجال الذين يقفون مع المرأة؟ ربما عدد الرجال المتزايد في الاعتصامات المناصرة لحقوق المرأة يبعث على التفاؤل، لكن أين أصوات الكتل النيابية لإقرار قانون العنف الأسري؟ مات وعاش المجتمع اللبناني حتى بات يرى عدداً من النواب الرجال يقفون في صف قضايا المرأة.. ومع هذا، ما زال هؤلاء غير قادرين على تشكيل صوت حاسم في وجه الطوائف والحسابات السياسية لتشكيل قوة ضاربة توقف إزهاق الأرواح. ولو فكّر المرء في رفض بعضهم تعنيف المرأة وتأييده عدم إقرار قانون منحها الجنسية لأولادها.. لفهم أنهم مع قتلها معنوياً بسلخها عن أولادها، لكنهم ضد قتلها فعلياً.. فالأمر نسبي!

الأهم من ذلك أن وقوف الرجل مع المرأة أو عدمه لا يلغي أن في صف المرأة العربية الواحد تكمن العداوة الأهم للمرأة وحقوقها. ففي قلب وعقل بعض النساء العربيات، ذكورية تنعكس أساساً على بنات جنسهن، وكن قد ورثنها عن أمهاتن ولا يتردد في توريثها لبناتهن ولأبنائهن. وحتى عندما ثار عدد من النساء لحقوقهن، جاءت “ثورتهن” مجتزأة.. نزلن إلى الشارع وبعدها شاركن في إنتخابات لطالما أنتجت نواباً ونائبات يسكتون على قوانين تحلل العنف الأسري. وفي بلدان عربية شهدت إنتفاضات، رأينا المرأة المعتقلة والأرملة والنازحة وفي مقابلها وقفت المرأة الشبيحة، والمُقدسة لـ”السيد الرئيس العظيم”، من دون أن يعني ذلك أن ما أنتجته الثورات التي طغى عليها الوجه الإسلامي المعتدل وذاك المتطرف.. لم تسلب المرأة بعض مكتسباتها أو اعترضت على حقوق لم تنلها بعد.

بعيدة المرأة عن الوحدة مع بنات جنسها وقضاياهن. بعيدة بُعد كلمات الأغنية عن الواقع، وبُعد خطط الأمم المتحدة البيروقراطية عن حال المرأة في العالم العربي. بعيدة بُعد المرأة عن سلطة القرار والتي لا تصلها إلا متسلقة على ظهر إرث ذكوري سواء في السياسة أو في المؤسسات الخاصة. بعيدة بُعد أمهات عن تربية عادلة بين الجنسين وسماحهن بتعنيف بناتهن أمامهن (أو بأنفسهن) أو قمعهن.

تحدي المرأة الأول لتحقيق وحدتها هو مع نفسها، لا مع مجتمعها ولا عائلتها ولا سلطتها الدينية ولا السلطة السياسية. أنا إمرأة واحدة.. ومن ثم نصبح نحن إمرأة واحدة.

المدن

عيد السوريات.. ذكرى “ثورة البعث”/ عمر قدور

 للعام الثالث على التوالي تأتي ذكرى اليوم العالمي للمرأة لتستحضر معها بقوة في أذهان السوريين ذكرى انقلاب البعث المصادف في اليوم نفسه، هذا على صفحات التواصل الاجتماعي التي قد لا تعبّر بدقة عن الواقع. خارج العالم الافتراضي، من المرجح أن غالبية النساء السوريات يعرفن الثامن من آذار كذكرى لـ”ثورة البعث” بسبب دأب إعلام النظام على إحيائها كل عام. الاحتفال بيوم المرأة العالمي كان مقتصراً دائماً على حلقات ضيقة من اليسار “تحديداً أنصار الحزب الشيوعي السوري”، وبقيت قضية المرأة طيلة العقود الأخيرة أسيرة ما يسمى “الاتحاد العام النسائي” وهي منظمة تتبع لسياسات النظام. هذه المنظمة لم تنسَ استغلال المناسبة لتعايدنا عبر الرسائل الخليوية القصيرة بالنص التالي: “بمناسبة يوم المرأة العالمي: تحية للمرأة السورية الصامدة والملتفة حول قائدها وجيشها العظيم في حربه ضد الإرهاب”.

لندع المفارقات جانباً.. كان يمكن ليوم المرأة العالمي أن يمثّل فرصة أفضل للتفكر في أحوال المرأة السورية عموماً، ومن قبل النساء خاصة، وتحديداً من قبل الشريحة التي تدّعي حملها للواء قضية المرأة السورية في هذه الظروف الحرجة. ذلك لم يحدث، ثمة شعارات تم استذكارها عن دور المرأة في الثورة السورية، وصولاً إلى الإنشاء المبتذل الذي تختصره عبارة “الثورة أنثى”. بدا أن تلك العبارات ترجع إلى فترة انقضت من عمر الثورة، إذ من المحتم أن دور المرأة على صعيد النشاط الظاهر للثورة قد انحسر إلى حد كبير مع استخدام النظام للعنف المفرط في مواجهة المتظاهرين ومن ثم تحول ثقل النشاط إلى العمل المسلح ضد النظام، وأخيراً وقوع بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تحت سطوة جماعات إسلامية متشددة معادية بطبيعتها للنساء وتنكر عليهن أي حق في النشاط العام.

انحسار حضور المرأة عن واجهة الثورة لا يعني بأي حال تراجع فعالية النساء، ولا يشير أبداً إلى العبء المتزايد الذي راح يقع على كاهلهن. فعندما تشير الأرقام إلى حوالى مئتي ألف قتيل من الجهتين، ومثلهم من المعتقلين، وأيضاً عشرات الآلاف من الإعاقات الدائمة التي تسببت بها الحرب للذكور، لا بد في هذه الحالة من التفكّر في العبء الذي تحمله المرأة السورية كضحية من الدرجة الأولى بسبب فقدان الأبناء والإخوة، سواء أكان العبء العاطفي أو العبء الحياتي والمعيشي. التركيز على الانتهاكات المباشرة التي تقع النساء ضحايا لها، كالعنف الجسدي والاغتصاب والاعتقال والنزوح، على أهمية وضرورة هذا التركيز، إلا أنه يغفل عن الأذى المستدام الذي تدفع النساء فاتورته على المدى البعيد.

خارج الانتهاكات المباشرة، وضع المرأة السورية بات على أسوأ ما يمكن تصوره، لأنها من دون استعداد مسبق وجدت نفسها مضطرة لتحمل مسؤوليات لم تكن في الحسبان، من إعالة وتربية الأولاد بمفردها مع انعدام فرص العمل بسبب الحرب الدائرة إلى استغلالها جنسياً بأكثر من وسيلة منها الزواج طمعاً بالمال أو خوفاً من الفاقة. ما يتهرب الكثيرون من الإقرار به أن مستويات الدعارة قد ارتفعت بشكل غير مسبوق في مناطق النزوح الداخلية الخاضعة للنظام. زبائن هذا السوق هم غالباً من الشبيحة، ولا يندر أن تضطر امرأة إلى بيع جسدها إلى أولئك الأشخاص أنفسهم الذين تسببوا بدمار بيتها وقتل أفراد من عائلتها، وقد يكون المال المدفوع لها متأتياً من بيع مسروقاتهم من بيتها أو بيوت جيرانها. ظاهرة المتسولات تزداد يوماً بعد يوم، وأي ناظر إلى وجوههن يرى نعمة العيش القديمة وراء النظرات المنكسرة، ويدرك أنهن اضطررن إلى التسول ربما لئلا يدفعن بصغارهن إلى هذا المصير.

ما سبق غيض من فيض الواقع البائس الذي لا نجد صداه لدى تجمعات تقدّم نفسها كممثلة لقضية المرأة السورية. على سبيل المثال اجتمعت عشرات النساء منتصف الشهر الأول من العام الحالي في جنيف وخرجن بما سمّي “وثيقة مبادرة النساء السوريات للسلام والديمقراطية”. على طول ما ورد في البيان من كلمات عن المساواة السياسية والحقوقية و”الحساسية الجندرية” غابت أولوية تمكين المرأة في ظل الظروف الحالية والقادمة من أجل مواجهة الأعباء التي ألزمتها بها الحرب. الحق أن البيان بدا حمّال تطلعات سياسية أكثر منه حمال قضية المرأة السورية التي فاقت بتشعباتها قضايا المساواة المعتادة.

قبيل يوم المرأة العالمي منحت منظمة “لا سلام بلا عدالة” لحقوق الإنسان جائزتها لنساء سوريا. الخبر تم تناقله محلياً على أن الجائزة مُنحت لناشطتين سوريتين، المؤسف أن الناشطتين لم تبادرا إلى التصحيح مع التهاني التي وردتهما. رئيسة مكتب الدعم في ائتلاف المعارضة في كلمتها بمناسبة الجائزة أغفلت بدورها الأضرار الواسعة وطويلة الأمد التي لحقت بنساء سوريا. أوحت بأن الجائزة شخصية إذ أفردت فقرة من كلمتها لتقديم الجائزة خصوصاً إلى بعض نساء سوريا ومنهن أمها، وزادت بأن أهدت الجائزة أيضاً إلى روح أبيها! ما حصل من تجيير هذه الجائزة لاعتبارات شخصية قد يكون مثالاً على النسق الذي يتم به التعاطي مع قضية المرأة السورية ككل، وهو نسق لا يخرج مع الأسف عن تعاطي البعض مع مجمل القضية السورية.

المدن

إنه عيد المرأة السورية/ دلال البزري

من ثوابت التاريخ المظفر للحروب التي خاضها الغزاة، ومهما كانت أطوارهم أو أنواع أسلحتهم، تأتي استباحة نساء الطرف المهزوم كنتيجة “منطقية”، متوقّعة، لإنتصار الغازي. والإغتصاب واحد من أوجه هذه الإستباحة، الأقدم، الأكثر بربرية وتدميراً لكيان المغتصَبة، الجسدي والروحي. ولطالما وجد المؤرخون تبريراً “علمياً” لهذا الإنقضاض على أجساد النساء من الطرف المهزوم. إنها مادة التيستوستيرون، التي تقوى عند الحروب، انها الدافع “البيولوجي” للإغتصاب. لا تستطيع الوقوف في وجهه، يقولون، غنه فعل من أفعال الحرب التي لا يمكن للضوابط والقوانين أن تحدّ منها.. الخ.

 وإذا أردتَ أن تعطي معنى للإغتصاب الجماعي الذي تتعرض له النساء السوريات من قبل أجهزة الأمن النظامي، فلا يمكنك تفادي تلك النظرة المتأصلة للمغتصِب إزاء ضحيته التي “انتصر” عليها. أقصد إن بشار الأسد، بتنظيمه الممنْهج لعمليات الإغتصاب في أقبية سجونه وزنْزناته و”غرف التحقيق” التابعة لها، يريد أن يقول للشعب السوري أولاً وأخيراً بأنه خصم عسكري، هو الخصم، هو العدو، لا غيره من صهيونية وإمبريالية، وأن هذا العدو انتصر على هذا الشعب، وهو الآن في صدد توقيع انتصاره على أجساد نساء ذاك المجتمع.

 إغتصاب السوريات يعني أن الشعب السوري طرف، وأن قوات بشار وحلفاءه طرف معادٍ، غاية حربه عليه هي حماية انتصاره على هذا الشعب. وهي تدور في المجالات كلها على الاطلاق، بما فيها جسد السوريات. بل إن هذا الوجه من الحرب هو “خيار سياسي” (عبد الكريم الريحاوي، رئيس الرابطة السورية لحقوق الانسان). والخيار يعني التخطيط، التنظيم، بدم بارد، ومن دون هيجان التيستوستيرون؛ بل أحياناً بـ”حبوب منشطة” للإغتصاب، يعطيها المسؤولون للأنفار من السجانين و”المحقّقين” لتكون لديهم القدرة على الإغتصاب. أو يأمرون أخوة النساء المستباحات بأن يغتصبوهن، وإلا فالقتل. الوحشية حولت عملاً يصفه المؤرخون، الذكور في غالبيتهم، بـ”العفوي”، أي الحتمي لأسباب بيولوجية تخرج عن إرادة الإنسان… إلى “خيار سياسي” ينفَّذ بخطة محكمة وبأبرد الدماء.

 بحسب تقارير منظمات عالمية وسورية لحقوق الإنسان (*)، تعرضت خمسون ألف امرأة سورية للإغتصاب في سجون الأمن السوري. والرقم يمكن أن يكون في الواقع مضاعفاً، إذ انه لا يغطي أعمال الشبيحة، ولا تلك الفردية التي تكون قد حصلت من جانب بعض المعارضين في ظلمة أزقة الحرب الرهيبة التي يتعرض لها الشعب السوري. ولا يغطي طبعاً الصمت المبطق الذي يصيب المغتصبات، بسبب العار الذي يلحقه البوح بشرف الأسرة وأفرادها.

 وهذا موضوع عنف جنسي آخر، فوق العنف الأسدي، يمارسه المجتمع، الضحية، ضد واحدة من ضحايا الحرب التي تريد أن تبيده: فالمرأة التي تعرضت للإغتصاب، الجماعي دائماً، المتكرر طوال فترة السجن… تلك المرأة، لو خرجت “سالمة” من أقبية النظام، ينتظرها عقاب عائلي لا يقل فظاظة وابتذالاً: فإن لم يطلّقها زوجها، أو يطردها من المنزل، وهذه أرحم العقوبات… يتنادى أفراد العائلة من الذكور، بالتواطوء مع الإناث، لقتل المغتصبة، ودفنها مع عارها تحت التراب. هم طبعاً من الجهل والتزمت بحيث تعمى بصيرتهم عن رؤية، أو الشعور، بأن تلك المرأة التي  أمامهم دفعت من رحمها ثمن خوضهم للثورة ضد بشار. وأن أكثر ما تحتاج إليه الآن هو الإحتضان والعلاج، الروحي قبل الجسدي. فهي مصابة بأكثر من الموت. وبعد ذلك يوقّعون صك إعدامها، بداعي حماية شرف النساء…

 إن أكثر نساء الدنيا استحقاقاً للتكريم والتضامن والتذكّر في يوم المرأة هي المرأة السورية. هي لا تكتفي بحمل عائلتها فوق أكتافها نحو أي أمان، في أية بقعة ممكنة. ولا بإعادة اختراع الحياة أينما حلّت، وبالإمكانات التي نعرفها جميعاً. إنما فوق ذلك تعذّب جنسياً، وبأصناف من الوحشية المتفاوتة المستوى. وبدلاً من كل هذه الاحتفاليات الإعلامية الفارغة، المقامة بمناسبة هذا العيد، فلنُلقِ نظرة على ما يفعله بعض رجالنا اللبنانيون بضيوفهم السوريات: فعل الاغتصاب سارٍ طبعاً، وهو الأسهل من بين وسائل تعذيب السوريات. يأتي قبله تزويج القاصرات السوريات، وتنظيم شبكات الدعارة لسوريات فقط، على أساس إن السعر “أرخص”، “اللحم أرخص”…

 * المعلومات الواردة عن اغتصاب السوريات مصدرها تقارير المنظمات التالية: منظمة العفو الدولية، الفيدرالية الدولية لروابط حقوق الانسان، هيومن رايتس ووتش، المنظمة الأورو-متوسطية لحقوق الانسان، وكالة الغوث العالمية والرابطة السورية لحقوق الإنسان.

المدن

مؤسّسة “سوريات” من أجل التنمية

بدأت “سوريات” عملها مع المجتمع الأهلي المحلي كمبادرة فردية، ثم تطورت عبر سنتين، ومرت بعثرات وتطورات، حتى انتهت إلى شكلها الحالي.

البداية كانت في الشمال السوري، ثم توسعت إلى جنوب دمشق، والآن في دول اللجوء قرب الحدود، حيث تتشكل بدائل لمجتمع سوري في لبنان وتركيا والأردن.

تم تسجيل سوريات بشكل رسمي في فرنسا حزيران 2012، بسبب عدم إمكانية تسجيلها قانونيا في سوريا.

لا تتلقى سوريات أي دعم وتمويل حكومي، ومصادر تمويلها واضحة، من المنظمات الداعمة، ومُعلن عنها في كل مشروع، والدعم الحكومي الوحيد الذي تتلقاه هو من البلد الذي سجلت قانونيا فيه “فرنسا”.

لم تبدأ سوريات عملها ضمن أي علاقة مع منظمات غربية أو خطة منها، بدأت من مباردات المجتمع الأهلي، ومصدر التمويل الذ ي بدأت به منه كان مبلغ 8 ألاف يورو وهو جائزة البن انترنشوينال/ أوكسفام الهولندية التي حصلت عليها.

المجتمع الأهلي والمحلي شريك رئيسي في القرار والتخطيط والادارة. كل من عمل في سوريات كان بجهود طوعية. منذ ستة أشهر، وبعد توسع العمل وتشعبه بدأت مأسسة سوريات، وتشكل فريق برواتب شهرية للعمل بين داخل وخارج سوريا. فريق الخارج أغلبه طوعي. وتدير سوريات وفريقها الصديقة مارية العبدة، وأنا من الفريق الطوعي.

الآن وبعد سنتين من تحول الحلم، إلى واقع، لدي إيمان كبير بالمجتمع الأهلي المحلي، وقدرته على التطور وعلى إدارة شؤونه، ضمن طاقاته وقدراته الخلاقة والمبدعة، التي لا تحتاج سوى الإيمان بها والتحول إلى جزء منها، وهذه مناسبة للقول أن على كل مثقف وفنان معني بالهم والشأن العام، أن يصير جزءاً من حركة هذا المجمتع، ويضع كل ما لديه من قدرات واتصالات وخبرات في خدمته، مع تنامي الخراب الذي يتحمل مسؤوليته الأولى والأخيرة نظام بشار الأسد، يصبح فعل البناء أمراً لابديل عنه، لاستمرار الأهداف الجوهرية الأولى، التي انطلقت من أجلها ثورة الكرامة والحرية في أذار 2011 .

رؤية مراكز ( النساء الآن)

خلال السنوات الثلاث الماضية، تزايد العنف المسلح بين نظام الأسد والمعارضة المسلحة، والذي سببه القمع الوحشي الذي مارسة نظام الأسد ضد التظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية.

ظلّت أوضاع النساء، وتضحياتهن ومآسيهن والأدوار التي قمن بها مغيبة، رغم فعالياتهنّ الكبيرة في الحراك السلمي، بداية الثورة، قبل أن يتراجع الحضور العلني، بعد ظهور السلاح. لقد وقعن بين سطوة الكتائب الجهادية المتطرفة في المناطق المحررة من جهة، وسطوة قوات الأسد في مناطق سيطرتها من جهة أخرى، ليتعقد وضعهن أكثر، أمام استبدادين من أمام و من خلف.

لذلك كان لابد من إيجاد خطة طويلة الأمد، كبديل سياسي للعمل مع المجتمع الأهلي، من أجل عمل النساء وتنظيم جهودهن في مؤسسة مدنية، ذات خطة وهدف استراتيجيين، يمكنها خلق بنية تحتية في مجتمع الحرب.

انطلاق المشروع

منذ تأسيسها، في حزيران 2012 عملت منظمة “سوريات من أجل التنمية”، على دعم النساء السوريات، وخاصة اللواتي فقدن المعيل، وذلك من خلال إطلاق مجموعة من المشاريع الصغيرة، ساعدتهنّ في استعادة دورهن في الحياة والاعتماد على أنفسهن في إعالة أسرهن، بدلاً من الاعتماد على المساعدات الشحيحة.

مع نهاية عام 2013 وبعد زيارات متكررة للمنظمة في الشمال السوري، واللقاء بعدد كبير من السيدات اللواتي يعملن على تأسيس تجمعات لدعم بعضهن وحماية حقوقهن، ودعم وتطوير التجارب الاستثنائية، التي ظهرت على أرض الواقع، نشأت فكرة المراكز كضرورة ملحة في الوقت الحالي الذي يتم فيه تخريب المجتمع بشكل ممنهج.

جذر تسمية ” النساء الآن”

يعد مركز (النساء الآن) في “دوما”، من أوائل المبادرات النسائية التنموية منذ بداية الثورة السورية. وتكريماً له ولجهود النساء اللواتي أسّسنه وعملن فيه، وتيمناً بهنّ، فقد أطلقت منظمة سوريات من أجل التنمية، اسمه على سلسلة مراكزها. حيث انضم مركز “دوما” لسوريات، وتم توسيعه ليضم مركزاً تدريبياً، ومركزين في “الغوطة الشرقية” المحاصرة، ومركزين في “ريف إدلب” ومركزاً في لبنان لدعم النساء اللاجئات. و صار مشروع “النساء الآن”، يضم اليوم 6 مراكز، 5 منها في الداخل السوري، والاستعداد جارٍ لإطلاق مركز جديد على الحدود التركية، في مخيم اللاجئين في “كلّس”.

أهداف المشروع

تأسيساً على الامكانيات المتاحة في كل مركز، وبحسب موقعه وظروفه، تعمل المراكز على:

– تمكين النساء اقتصادياً، من خلال تأمين قروض صغيرة، وورش تدريب مهنية، ودورات إدارة وتطوير برامج خاصة..الخ.

– تمكين النساء معرفياً، من خلال دورات محو الأمية باللغة العربية.

– تمكين النساء تقنياً، من خلال دورات اللغات الاجنية، واستخدام وسائل التواصل الحديثة.

– دورات في مجالات متنوعة، كالاسعافات الأولية. وتطوير مهارات المرأة في حقل التنمية.

– تمكين النساء اجتماعياً ونفسياً، من خلال وُرش الدعم النفسي، ومرافقة ضحايا العنف الجسدي والنفسي.

– دعم النساء حقوقياً، من خلال تقديم المشورات القانونية، والمحاضرات، ووُرش التوعية حول حقوق المرأة في القانون السوري، وفي القوانين والمعاهدات الدولية.

– تأهيل المرأة وتفعيل وجودها في العمل المؤسساتي، من خلال دورها القيادي في المرحلة المقبلة، وذلك عبر دورات فن القيادة، لكي تلعب دورا أساسياً في المجتمع المحلي.

– خلق شبكة نسائية سورية تعمل على تبادل الخبرات بين المناطق المختلفة، وكذلك الشبكات النسائية العالمية.

الفئة المستهدفة

النساء السوريات وأطفالهن، وخاصة اللواتي فقدن المعيل، واللواتي كنّ ضحايا عنف مباشر، أو غير مباشر.

مراحل عمل المشروع

• المرحلة الأولى:

البحث عن الشريكات المحليات الفاعلات. وإنشاء المراكز بالتعاون مع المجالس المحلية، أو الأطراف ذات الشرعية المحلية.

• المرحلة الثانية:

المراكز تقدم، بالحد الأدنى، الدورات المهنية، ودورات محو الأمية، وتكمل كوادرها، وتقوم بالمسح في المناطق الخاصة بها لدراسة المتطلبات، وتطور المراكز بحسب الاحتياجات المحلية، لتغطية الأهداف المذكورة سابقاً. على أن يتم إنشاء روضة أطفال في كل مركز، لإتاحة المجال أمام مشاركة النساء المعيلات للأطفال.

• المرحلة الثالثة:

التأكيد على الاستدامة، وتقييم المشاريع ومشاركة النتائج والنجاحات في التجارب المختلفة، مع باقي الفعاليات، والعمل على استثمارها.

• المرحلة الرابعة:

تقييم المشروع بشكل كامل، وطرح النتائج مع كافة الشركاء.

أقسام المراكز

كل مركز يتكون من عدة أقسام، وهي أقسام تكمل بعضها.

حيث هناك قسم انتاجي، وهو القسم الخاص بالمشاريع الاقتصادية الصغيرة، ويمثل تمويل كل مركز ذاتياً، من خلال عمل النساء ومشاريعهن.

وقسم ثقافي تدريبي، يحتوي على مكتبة، وعلى أجهزة كمبيوتر وشاشة عرض سينمائية وقاعة لإقامة المحاضرات والندوات، وهذا يشمل التدريب على مهارات حرفية تردف قسم المشاريع الصغيرة، ودورات تطوير وتنمية بشرية، ودورات لغة إنجليزية، وتعليم الكمبيوتر، وطرق استخدام التقنية الحديثة، ثم قسم الدعم النفسي، وقسم لحضانة وتعليم أطفال نساء المراكز، ويشمل خطة تعليمية، وتربوية، وترفيهية كاملة للأطفال.

الشركاء

بالإضافة للشركاء المحليين، تعمل منظمة سوريات على إيجاد علاقات شراكة اختصاصية مستديمة، لتحقيق أهداف المشروع. للمنظمة حالياً شريكان اختصاصيان؛

– اتحاد المنظمات الإغاثية التي ستعمل على تغطية الجزء المتعلق بالصحة النسائية، والدعم النفسي للنساء المعنفات.

– شبكة حرّاس لحماية الطفولة، والتي ستعمل على تغطية روضات الأطفال المرافقة للمراكز، ودعمها بالبرامج الخاصة بمساعدة الأمهات، وحماية أطفالهن في ظروف الحرب.

موقع لنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى